إتحاف الأنام بذكر فضائل الشام جَـــمَـعَـهُ: أبو بكر
خالد بن موسى بن رجا نواصره
عفا الله عنه
ملحوظة الايات التي تغيرت الي لغة اخري معزوة الي رقمها فليراجع الرقم في المصحف
حقوق الطبع محفوظة
إلاّ لمن أراد طبعه ونشره مجاناً لله تعالى
الطبعة الأولى
1428 - 2008 .
أخي المسلم ـ أُختي المسلمة ـ:
إذا أردتَِ الأجر في
الدنيا والآخرة، فاطبع هذا الكتاب أو ساهم في طبعه ونشره؛ فإنه من الصدقات
الجارية، وجزاكَِ الله خيراً.
213 .
المقدمة
الحمد لله ذي الجود والإحسان، والفضل والامتنان، والعز والسلطان، مكون الأكوان، ومدبر الأزمان، وعالم السر والإعلان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان، العظيم الشأن، الذي لا يناله الوهم، ولا يدركه العيان.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالنور والبيان، والهدى والفرقان، والحجج والبرهان، ليظهره على الأديان، فدعا إلى الرحمن، وكسر الأوثان، وأهان الصلبان، وأباد أهل الكفر والطغيان، صلى الله عليه وعلى آله في كل حين وأوان، ووقت وزمان، ما ارتفع النَّيِّران، واصطحب الفرقدان.
وبعد حمد الله أن حبب إلينا الإيمان، وكرَّه إلينا الكفر والفُسُوق والعصيان؛ فإن الله تعالى جعلنا من أهل الشام الذي بارك فيه للعالمين، وأسكنه الأنبياء والمرسلين، والأولياء والمخلصين، والعباد الصالحين، وحفه بملائكته المقربين، وجعله في كفالة رب العالمين، وجعل أهله على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم إلى يوم الدين، وجعله معقل المؤمنين، وملجأ الهاربين... وبها ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام لإعزاز الدين، ونصرة الموحدين، وقتل الكافرين، وإبادة الملحدين، وبغوطتها عند الملاحم فسطاط المسلمين.([1])
لقد اخترتُ هذا العنوان: إتحاف الأنام بذكر فضائل الشام، وكتبتُ هذه الأوراق ملخصة في هذه الأيام لأُمور عدّة:
الأول: حتى يعلم الناس ـ كل الناس ـ أن ّ في فضل الشام وأهله آيات وأحاديث وآثار كثيرة صحيحة.
الثاني: ولكي يعرف المستوطنون فيه فضل ما أنعم الله به عليهم، فيقوموا بشكره؛ بالعمل الصالح، وإخلاص العبادة لوجهه سبحانه.
الثالث: رفعاً للمعنويات والهِمَم، ودفعاً للإحباط والوهم، فإن كثيراً من سكانه وأهله أصابهم اليأس والقنوط من الغلاء والبلاء، واشتداد فتن الشهوات والشبهات.
الرابع: ليحافظوا عليها ولا يُفرطوا في ذرةٍ منها، فتبقى تنعم بالأمن والإيمان، وذلك بعبادة الرحمن، واتباع سيد ولد عدنان، وطاعة السلطان، ومخالفة النفس والشيطان.
الخامس: ليُعِدَّ أهله العدّة، ولا يستعجلوا؛ فيستطيلوا المدّة، ويتأهبوا لما أراد الله سبحانه لهذه الأرض المباركة من خير قادم ـ بإذن الله ـ حيث ستشهد الانطلاقة الكبرى لأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح؛ محمد وصحبه.
التفضيل سنة شرعية
إن التفضيل واقع في الخلق والأمر، فالله خالق الزمان والمكان، والإنس والجان، ومنزل القرآن، فضل من الأزمنة من شهور السنة: شهر رمضان، ومن الأيام: يوم الجمعة والنحر والقَرِّ، ومن الليالي: ليلة القدر، ومن المدن: مكة والمدينة النبوية وبيت المقدس، ومن البلدان: بلاد الشام، ومن البشر: الأنبياء والمرسلين، ومنهم: أولوا العزم، وفضل محمداً على سائر النبيين والمرسلين والملائكة المقربين؛ بل وسائر الخلق أجمعين، ومن الملائكة: جبريل الأمين، وهكذا في الوحي في السور والآيات "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) [القصص:68]
فالتفضيل الفطري شيء، والتفضيل الشرعي شيء أخر، فكل واحد من خلق الله يحب بلده ويفضله على غيره محبة فطرية جبلية، ولا يستلزم ذلك أن يكون هذا البلد هو المفضل عند الله، فالمفضل شرعاً هو الذي جاءت به النصوص، والمفضل عادة ما استحسنته النفوس، والمطلوب أن يختار العبد ما استحسنه الشارع ما استطاع للخير والبركة والفضل الذي فيه، والله أعلم.
معنى الشَّامِ وحدُّها
الشَّأْم: بفتح أوله وسكون همزته، والشأَم بفتح همزته مثل: نَهْر ونَهَر لغتان، وفيها لغة ثالثة وهي الشامُ بغير همز، وقد جاءت في شعر قديم ممدودة أيضاً.
وقد تذكر وتؤنث، واشتقاقه مأخوذ من اليد الشؤمى؛ وهي اليسرى على الصحيح.
سميت به لأنها من مشأمة القبلة. وقيل: سميت بذلك لكثرة قُراها وتداني بعضها من بعض، فشبهت بالشامات.
وقيل: سميت الشام بـ (سام بن نوح) عليه السلام؛ لأنه أول من نزلها، فجعلت السين شيناً لتغير اللفظ العجمي.
والشام الإقليم الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب.
وحدّها: من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية مسير شهر،
وأمّا عرضها فمن جبلَيْ طيءٍ من نحو القبلة إلى بحر الروم مسير عشرين يوماً.
وهي خمسة أجناد: جُنْدُ قنسرين، وجند دمشق، وجند الأردن، وجند فلسطين، وجند حمص.
وبها من أُمهات المدن: حلب وحمص وحماة ودمشق والبيت المقدس (وعَمّان)، وفي الساحل عكا وصور وعسقلان وغيرها.
معجم البلدان (5/116-117)
قلت: وبلاد الشام تشمل في هذا العصر بلاد: الأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، ولا شكَّ أن قلبها النابض وروحها الناهض هو بيت المقدس ـ رده الله إلى المسلمين ـ، والذي قال الله فيه:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) [الإسراء:1]
الشام أرض مباركة
ثبت ذلك في خمس آيات من كتاب الله تعالى:
1. قال تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) [الأعراف:137].
قال شيخ الإسلام:
ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أُغرق فرعون في اليم.
مناقب الشام وأهله (75)
وقال ابن جرير الطبري:
يقول تعالى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم، فيذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، ويستخدمونهم تسخيراً واستعباداً من بني إسرائيل الشام، وذلك ما يلي الشرق منها، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها، وإنما قال ـ جل ثناؤه ـ: لأنه أورث ذلك بني إسرائيل بمهلك من كان فيها من العمالقة. ا.هـ ثم ساق بإسناده عن الحسن وقتادة قولهما في بيان مشارق الأرض ومغاربها أنها الشام.
جامع البيان (5/3617)
وقال البقاعي:
: أي في أرضها بالمياه والأشجار والثمار والخصب، وفي أرزاقها بالكثرة والطيب، وفي رجالها بالعلم والنبوة، وفي طباعهم بالاستقامة، وفي عزائمهم بالنجدة والشجاعة والمكارم، وفي جميع أحوالهم بأنه لا يبغيهم ظالم إلا عوجل بالنقمة.
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (3/92)
2. قال تعالى:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) [الإسراء:1].
قال الإمام الطبري:
قوله: أي: الذي جعلنا حوله البركة لسكانه في معايشهم وأقواتهم وحروثهم وغروسهم.
جامع البيان (6/5093)
وقال ابن كثير:
: وهو بيت المقدس الذي بإيلياء معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا جمعوا له([2]) هناك كلهم، فأمهم في محلتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
تفسير القرآن العظيم (8/373)
وقوله:
قال العز بن عبد السلام:
وقد وفر سبحانه حظ الشام بما أجرى فيها من العيون والأنهار، وسلكه من مياهها خلال المنازل والديار، وأنبته بظاهرها من الحبوب والثمار، وجعله موطناً لعباده الأخيار, وساق إليها صفوته من الأبرار.
ترغيب أهل الإسلام (25)
والبركة تتناول البركة في الدين، والبركة في الدنيا، وكلاهما معلوم لا ريب فيه.
3. وقال تعالى:وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) [الأنبياء:70-71].
اختلف أهل التأويل في الأرض التي نجى الله إبراهيم ولوطاً إليها، فذهب أكثر المفسرين ـ وهو الصحيح ـ إلى أنها الشام.
قال الطبري:
هي أرض الشام، فارق صلوات الله عليه قومه ودينهم وهاجر إلى الشام. وقال: وإنما اخترنا ما اخترنا من القول في ذلك لأنه لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشام وبها كان مقامه أيام حياته، وإن كان قد قدم مكة وبنى بها البيت، وأسكنها إسماعيل ابنه مع أُمه هاجر، غير أنه لم يُقم بها، ولم يتخذها وطناً لنفسه، ولا لوط، والله إنما أخبر عن إبراهيم ولوط أنهما أُنجِيَا إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين.
جامع البيان (7/5716 و5718)
وقال القرطبي:
وقيل لها مباركة لكثرة خصبها وثمارها وأنهارها، ولأنها معادن الأنبياء، والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير إذا لزم مكانه فلم يبرح.
الجامع لأحكام القرآن (11/323)
4. وقوله تعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) [الأنبياء:81].
واتفق أهل التأويل على أن هذه الأرض هي الشام.
قال ابن تيمية:
وإنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
مناقب الشام وأهله (77).
5. وقوله تعالى في قصة سبأ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا
وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) [سبأ:18].
قال ابن كثير: قال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك، عن زيد بن أسلم وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد وغيرهم يعني قرى الشام. يعنون: أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.
تفسير القرآن العظيم (11/ 176).
قال شيخ الإسلام بعد ذكره هذه الآيات الخمس:
فهذه خمسة نصوص حيث ذكر الله أرض الشام، في هجرة إبراهيم إليها، ومسرى الرسول × إليها، وانتقال بني إسرائيل إليها، ومملكة سليمان بها، ومسير سبأ إليها.
وصفها الأرض التي باركنا فيها.
وأيضاً فيها الطور الذي كلَّم الله عليه موسى، والذي أقسم الله به في سورة الطور، وفي . وفيها المسجد الأقصى، وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل، وإليها هجرة إبراهيم، وإليها معراج ومسرى نبينا، ومنها معراجه، وبها ملكه وعمود دينه وكتابه والطائفة المنصورة من أمته، وإليها المحشر والمعاد.
(مناقب الشام وأهله) (77-78)
وقال في "مجموع الفتاوى" (27/ 43-44):
وقد دلّ الكتاب والسنة وما روي عن الأنبياء المتقدمين عليهم السلام مع ما عُلِمَ بالحس والعقل: أن الخلق والأمر ابتدآ من مكة أُم القرى، فهي أُم الخلق، وفيها ابتدئت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الأرض، وهي جعلها الله قياماً للناس: إليها يصلون، ويحجون، ويقوم بها ما شاء الله من مصالح دينهم ودنياهم. فكان الإسلام في الزمان الأول ظهوره بالحجاز أعظم، ودلت الدلائل المذكورة على أن "مُلكَ النبوة" بالشام، والحشر إليها. فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والأمر، وهناك يحشر الخلق، والإسلام في آخر الزمان يكون أظهر بالشام.
وكما أن مكة أفضل من بيت المقدس، فأول الأُمة خير من آخرها. وكما أنه في آخر الزمان يعود الأمر إلى الشام، كما أُسري بالنبي × من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فخيار أهل الأرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهو بالشام. ا.هـ
قال العِزُ:
وقال كعب الأحبار: إن الله تعالى بارك في الشام من الفرات إلى العريش.
وقد أشار كعب إلى أن البركة بالشام، وأن قوله:
لا يختص بمكان منه دون مكان، وإنما هو عام مستوعب بحدود الشام. ا.هـ
ترغيب أهل الإسلام (38)
قال الفخر الرازي:
والسبب في بركتها: أما في الدين فلأن أكثر الأنبياء ـ عليهم السلام ـ بعثوا منها، وانتشرت شرائعهم وآثارهم الدينية فيها.
وأما في الدنيا فلأن الله تعالى بارك فيها بكثرة الماء والشجر، والثمر والخصب، وطيب العيش.
مفاتيح الغيب (11/ 190)
من فضائل بلاد الشام في القرآن
وهناك آيات في فضل بلاد الشام غير ما ذكرنا عن البركة مثل:
قوله تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام: [المائدة:21]
والمراد بالمقدسة: المطهرة من الشرك وتوابعه، ولذلك كانت أرض الأنبياء، ولأنها تشمل البركة في أمور الدين والدنيا.
وقال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: [يونس:93]
قال قتادة: بوّأهم الشام وبيت المقدس.
والصـــدق يعـــبر به عن الحُسْــــنِ اسـتعارة وتجوزاً، لقوله تعالى: أي في مقعد حسن.
وقد يكون المبوأ حسناً لما فيه من البركات الدينية، وذلك موجود وافر بالشام، وبيت المقدس، أو يكون حسنه لبركات العاجلة بسعة الرزق والثمار والأشجار وغيرها.
قاله العِزُّ (26)
قال سبحانه وتعالى: [التين:1ـ3].
فقد أقسم الحق سبحانه وتعالى بالأرض المقدسة.
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "قال بعض الأئمة: هذه مَحالّ * ثلاثة بعث الله في كلّ واحد منها نبيَّاً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار؛ فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ، والثاني: طور سينين: وهو طور سِيناء ـ أو سَيناء، فيها وجهان ـ الذي كلم الله عليه موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ، والثالث: مكة وهو البلد الأمين، الذي من دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل الله ـ عزَّ وجل ـ فيه محمداً × ... فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان؛ ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما".
*محال: جمع محل، وهو المكان.
تفسير القرآن العظيم (14/ 395)
4. قوله تعالى: [المؤمنون: 50]
وتُقرأ: (رُبوة) وهما قراءتان متواترتان.
قال الضحاك وقتادة: إنها بيت المقدس، ورجحه الحافظ ابن كثير.
وقال الأكثرون: إنها ربوة دمشق؛ فترجح أنها بالشام لا في غيره، ودلت على فضله.
دعاء النبي × للشام بالبركة
ـ عن ابن عمر عن النبي × قال: "اللهم بارك لنا في شأْمنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: "اللهم بارك لنا في شأْمنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: "هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قَرْنُ الشيطان".
أخرجه البخاري (7094)
قال العز بن عبد السلام:
لما بدأ بالدعاء للشام بالبركة، وثنّى باليمن، دل على تفضيل الشام على اليمن مع ما أثنى به على أهل اليمن في غير هذا الحديث، فإن البداية إنما تقع بالأهم فالأهم.
ترغيب أهل الإسلام (34)
وقال ابن عبد البر:
دعاؤه × للشام، يعني لأهلها كتوقيته لأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، علماً منه بأن الشام سينتقل إليها الإسلام، وكذلك وقَّت لأهل نجد قرناً، يعني علماً منه بأن العراق ستكون كذلك، وهذا من أعلام نبوته ×.
التمهيد (1/ 279)
قلت: يقصد أنه أخبر عنها ولم تكن قد فتحت، فَدل على أنها ستفتح بَعْدُ.
وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة، وأصل النجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة.
الفتح لابن حجر (13/ 50 ـ 51)
قال المهلب: إنما ترك × الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن، وأما قوله: "قرن الشمس" فقال الداودي: للشمس قرن حقيقة ويحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال وهذا أوجه.
قلت: "قرن الشمس" إحدى روايات البخاري (7092) جاءت على الشك: قرن الشيطان أو قال: قرن الشمس، والذي في الصحيحين وهو الأشهر والأكثر دون شك "قرن الشيطان".
اختصاص الشام وقصوره بالإضاءة
عند مولد النبي × وظهوره
ـ عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله × أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ فقال: "دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشرى عيسى، ورأت أُمِّي حين حملت بي أنه خرج منها نورٌ أضاءت له بُصرى، وبصرى أرض الشام".
أخرجه الحاكم وهو صحيح بشواهده كما قال الألباني.
قال الحافظ ابن رجب:
ومن بركات الشام الدينية أن نور النبي × سطع إليها، فأشرقت قصورها منه، فكان ذلك أول مبدأ دخول نوره × الشام، ثم دخلها نور دينه وكتابه فأشرقت به، وطهرها مما كان من الشرك والمعاصي وكمل بذلك قدسها وبركتها.
فضائل الشام (ص101).
الملائكة باسطة أجنحتها على الشام
ـ عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله × فقال: "طوبي للشام"، فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: "لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها".
أخرجه أبو داود وصححه الألباني
وفي لفظ آخر: "يا طوبي للشام، يا طوبى للشام! يا طوبى للشام!"، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: "تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام".
فضائل الشام ودمشق.
قال العز:
أشار × إلى أن الله سبحانه وتعالى وكّل بها الملائكة يحرسونها، ويحفظونها، وهذا موافق لحديث عبد الله بن حوالة في أنهم في كفالة الله تعالى ورعايته.
ترغيب أهل الإسلام (34)
الطائفة المنصورة في الشام
ـ عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت النبي × يقول: "لا يزال من أُمتي أُمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
رواه البخاري ومسلم.
3641/ 1037
قال معاذ بن جبل: وهم بالشام. رواه البخاري
فالأُمة القائمة بأمر الله مستقرون بالشام.
قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 69):
وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟!
قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
قلت ـ أي: النووي ـ: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أُخرى من [أهل] الخير... ا.هـ
قال ابن رجب:
وأمّا من قال من العلماء: هذه الطائفة المنصورة هم أهل الحديث ـ كما قاله ابن المبارك ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري وغيرهم ـ فإنه غير منافٍ لما ذكرناه؛ لأن الشام في آخر الزمان بها يستقر الإيمان وملك الإسلام، وهي عقرُ دار المؤمنين، فلا بد أن يكون فيها من ميراث النبوة من العلم ما يحصل به سياسة الدِّين والدنيا، وأهل العلم بالسنة النبوية بالشام هم الطائفة المنصورة القائمين بالحق الذين لا يضرهم من خذلهم. ا. هـ
فضائل الشام (ص74 ـ 75)
ـ عن سعد بن أبي وقاصٍ قال: قال رسول الله ×:
"لا يزالُ أهلُ الغربِ ظاهرينَ على الحقِ حتى تقوم الساعة"
أخرجه مسلم (1925)
قال الإمام ابن رجب:
وقد فسّر الإمام أحمد أهل الغرب في هذا الحديث بأهل الشام؛ فإنّ التشريق والتغريب أمرٌ نسبيٌّ، والنبي × إنما قال هذا بالمدينة، وقد سمّى النبي × أهل نجد والعراقِ: أهل المشرق، فكذلك كانوا يسمّون أهل الشام: أهل المغرب؛ لأن الشام تتغرب عن المدينة، كما أن نجداً تتشرق عنها...ا. هـ
(ص66)
قال ابن تيمية:
فأخبر ـ أي النبي × ـ: أن أهل الغرب ـ وهم أهل الشام ـ لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق، فقد يظهرون تارة، ويُغلبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً. ا. هـ (ص81)
فيا أهل الشام كونوا على السنة واحذروا الشرك والتشيع والبدع، ولا يضركم من خالفكم ولا من خذلكم.
الوصيةُ بسكنى الشام والهجرة إليها
عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله ×:
"سيصير الأمرُ إلى أن تكونوا جنوداً مجندةً: جندٌ بالشام وجندٌ باليمن وجندٌ بالعراق"، قال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك. فقال: "عليك بالشامِ فإنها خيرةُ الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأمّا إذا أبيتم، فعليكم بيمنكم، واسقوا من غُدُركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله". رواه أبو داود وصححه الألباني
وفي لفظ آخر: "عليك بالشام ـ ثلاثاً ـ"، فلما رأى النبي × كراهيته للشام قال: "هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: (للشام) أنتِ صفوتي من بلادي، أُدخل فيكِ خيرتي من عبادي..."
فضائل الشام ودمشق
وكان أبو إدريس الخولاني ـ رحمه الله ـ إذا حدّث بهذا الحديث قال: ومن تكفّل الله به فلا ضيعة عليه.
قال العز: وأخبر ×: أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته، وكفالته حفظه وحياطته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه.
(ص28)
قوله: (خِرْ لِي)؛ أي اختر لي ودُلَّني على بلاد أسكنها عند وقوع الفتن وتقسيم بلاد المسلمين إلى أجناد أو دُوَيْلات، أعاذني اللهُ والقارئ وأهل الإسلام من الويلات.
عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله: "عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غُدُره، فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله".
رواه الطبراني وصححه الألباني
قال ابن عبد السلام: وهذه شهادة من رسول الله × باختيار الشام، وبفضلها، وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك بالمشاهدة فإن من رأى صالحي أهل الشام، ونسبتهم إلى غيرهم، رأى بينهم من التفاوتِ ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم. ا.هـ (ص33)
قال ابن تيمية: ومن ذلك أنها خيرة الله في الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض.
قلت: وهذه الفضيلة لمن استقام على دين الله تعالى، وأمّا الكفرة والفجرة؛ فلا ولا كرامة، فإن الأرض لا تقدس أحداً وإنما يقدسه عمله الصالح.
عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدِّه قال: قلتُ يا رسول الله أين تأمرني؟ قال: "ها هنا" ونحا بيده نحو الشام.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ×: "ستخرج نار في آخر الزمان من (حَضْرمَوت) تحشر الناس"، قلنا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "عليكم بالشام".
فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني.
قال العز: أشار × بالشام عند خروج النار لعلمه بأنها خير للمؤمنين حينئذ من غيرها، والمستشار مؤتمن. (ص28)
عن أبي أُمامة عن رسول الله × قال: "صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده...".
رواه ابن عساكر وصححه الألباني
عن عبد الله بن عمرو قال: يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق بالشام. رواه الحاكم وقال: صحيح.
قال العز بن عبد السلام: ومثل هذا لا يقوله إلا توقيفاً*، ولمَّا علم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين تفضيل الشام على غيره، دخل إليه منهم عشرة آلاف عين رأت النبي × على ما ذكره الوليد بن مسلم. (ص37)
* توقيفاً: يعني بنص ثابت عن النبي ×.
ـ روى إبراهيم بن أدهم عن عطاء الخراساني قال: لما هممت بالنقلة من خراسان، شاورت من بها من أهل العلم: أين ترون لي أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقول: عليك بالشام. ثم أتيت البصرة، والكوفة ومكة والمدينة، فشاورت من بها من أهل العلم: أين ترون أن أنزل بعيالي؟ فكلهم يقول: عليك بالشام.
رواه ابن عساكر
الشّامُ أرضُ المحشر والمنشر
ـ عن أبي ذر قال: قال رسول الله ×: "الشام أرض المحشر والمنشر"
فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني
ـ وفي حديث عبد الله بن حوالة الذي مرّ معنا عن النبي × قال: "هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: (للشام) أنتِ صفوتي من بلادي، أُدخل فيك خيرتي من عبادي، وإليكِ المحشر...".
قال ابن تيمية: والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: نبه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ، وإيلياء معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر، فإنه أُسري بالرسول من مكة إلى إيلياء، ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى يملكه المهدي بالشام.
فمكة هي الأول، والشام هي الآخر في الخلق والأمر، في الكلمات الكونية والدينية.
مناقب الشام وأهله (ص78)
قلت: وقد جاءت عدّة أحاديث تدلُّ على أن الناس تحشرهم النار التي تخرج من المشرق ـ من جهة اليمن أو حضرموت ـ إلى المغرب ـ وهو بلاد الشام ـ، فإليها المحشر ومنها المنشر.
نفيُ الخير عن أهل الإسلام
إذا فسد أهل الشام
ـ عن معاوية بن قُرة عن أبيه قال: قال رسول الله ×: "إذا فسد أهل الشامِ فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أُمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ـ بوب ابن حبان في "صحيحه" على هذا الحديث بقوله: ذكر الإخبار على أن الفساد إذا عم في الشام يعم ذلك في سائر المدن.
نزول عيسى ابن مريم من السماء
آخر الزمان في الشام
ـ عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله × الدَّجال ذات غداة.... (وفيه)، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، ونَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لُدٍّ فيقتلُهُ...".
أخرجه مسلم.
ـ وعن أوس بن أوس الثقفي أنه سمع رسول الله يقول: "ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق"
فضائل الشام ودمشق، قال الألباني حديث صحيح.
عمود الكتاب والإسلام بالشام آخر الزمان
ـ عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ×: "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمِدَ به إلى الشام، ألا إنّ الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".
فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني.
ـ وعن عبد الله بن عمر قال: قال لنا النبي × يوماً: "إني رأيت الملائكة في المنام أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتن فإن الإيمان بالشام".
فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني.
ـ وفي حديث عبد الله بن حوالة عن النبي × قال: "...ورأيت ليلة أُسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحملهُ الملائكة، قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام، أُمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم رأيت كتاباً اختلس من تحت وسادتي، فظننت أن الله تخلّى من أهل الأرض، فأتبعت بصري، فإذا هو نور ساطع بين يديّ، حتى وُضِعَ بالشام...". تقدم ذكره.
قال العز: فقد أخبر × أن عمود الإسلام ـ الذي هو الإيمان ـ يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى: أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام برآء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدِّين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان، وأيُّ مدح أتم من ذلك.
والمعني بعمود الإسلام: ما يَعتمد أهل الإسلام عليه، ويلتجئون إليه، والعيان شاهد لذلك، فإنا رأينا أهل الشام على الاستقامة التامة، والتمسك بالكتاب والسنة عند ظهور الأهواء، واختلاف الآراء.ا.هـ (ص30)
قال ابن تيمية: ومن فضائلها أن عمود الكتاب والإسلام بالشام.
مناقب الشام (ص85)
استقرار الإيمان بالشام عند وقوع الفتن
ـ وعن سلمة بن نُفيل الكِندي قال: كنت جالساً عند رسول الله ×، فقال رجل: يا رسول الله! أذالَ الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد! قد وضعت الحرب أوزارها!
فأقبل رسول الله بوجهه، وقال: "كذبوا، الآن جاء القتال ، ولا يزال من أُمتي أُمة يقاتلون على الحق، ويُزيغُ اللهُ لهم قلوب أقوامٍ ويرزقُهُم منهم، حتى تقوم الساعةُ، وحتى يأتي وعد اللهِ، والخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامةِ... وعقرُ دار المؤمنين الشام".
رواه النسائي وصححه الألباني.
قوله: أذال الناس الخيل: أي أهانوها واستخفوا بها، وقيل: أراد أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها.
حاشية السيوطي على سنن النسائي.
قوله: يُزيغُ؛ مِنْ أزاغ إذا مال، والغالب استعماله في الميل عن الحق إلى الباطل.
والمراد: يميل الله تعالى لهم ـ أي: لأجل قتالهم وسعادتهم ـ قلوب أقوام عن الإيمان إلى الكفر ليقاتلوهم ويأخذوا مالهم...، والمراد بالأُمة المجاهدون من المؤمنين.
حاشية السندي على النسائي.
قوله: وعقر دار المؤمنين الشام؛ بفتح العين وضمها، عَقر وعُقر، وهو أصل الشيء وموضعه أو موطنه. قال ابن الأثير: أي أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن، أي يكون الشام يومئذ آمناً منها، وأهل الإسلام به أسلم.
النهاية في غريب الحديث والأثر.
قال العزُّ بن عبد السلام: أخبر × في هذا الحديث بالرِّدَّة التي تقع ممن أراد الله تعالى أن يزيغ قلبه عن الإسلام، وأشار بقتل المرتدين، ثم بسكنى الشام إشارة منه إلى أن المقام بها رباط في سبيل الله تعالى، وإخبار بأنها ثغر إلى يوم القيامة، وقد شاهدنا ذلك فإن أطراف الشام ثغور على الدوام ا.هـ (ص32)
وبنحوه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى [27/39ـ50].
قلت: صدق، فالأمر الآن كسابقه، فالزمان يُعيد نفسه.
ـ تقدم ذكر حديثي عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر السابقين عن النبي × قال: "...ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".
الملحمة الكبرى في الشام آخر الزمان
عن أبي الدرداء أن رسول الله × قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يُقال لها دمشق من خير مدائن الشام".
رواه أبو داود وصححه الألباني.
وفي لفظ آخر: "يوم الملحمة الكبرى...".
فسطاط: أي مَجْمَعُ، والمراد: المكان الذي يجتمع فيه المسلمون، ويتميز صفهم من فسطاط النفاق والكفر.
الغُوطة: بالضم ثم السكون وطاء مهملة، هي الكورة التي منها دمشق، كلها أشجار وأنهار متصلة، قلّ أن يكون بها مزارع للمشتغلات إلا في مواضع كثيرة، وهي بالإجماع أنزه بلاد الله وأحسنها منظراً، وهي إحدى جنان الأرض الأربع.
معجم البلدان [4/248].
قلت: وهي عاصمة سوريا اليوم.
كما أن بلاد الشام ستشهد الفتن والملاحم، ويكون النصر حليف الإسلام والمسلمين، فقد شهدت في تاريخها الماضي معارك عديدة، رفعت فيها راية الإسلام، وكبت فيها العدو الشانئ؛ فقد شهدت اليرموك، وشهدت عين جالوت، وشهدت حطّين، وكانت هذه المعارك معارك مفصَليّة في تاريخ الأُمة الإسلامية.
ففي معركة اليرموك انتهت الدولة البيزنطية.
وفي عين جالوت انتهى غزو التتار لبلاد الإسلام، وتحوّل التتار من قوة شرسة كافرة إلى مسلمين يرفعون لواء الإسلام، ولواء السنّة.
وفي حطين تحطمت جيوش الصليبين، وفتح بيت المقدس وهكذا.
بلاد الشام ومستقبل الإسلام.
يؤيد الله دينه بأهل الشام
ـ عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله × يقول: "إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب فرساً، وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدِّّين".
رواه الحاكم وهو حديث حسن كما قال الألباني.
قلت: وهذا يدل على أن قوة ملك الإسلام في آخر الزمان، ومعظم أجناده من أهل البسالة والشجاعة بالشام.
ـ عن خريم بن فاتك الأسدي قال: أهل الشام سوط الله في الأرض، ينتقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولن يموتوا إلا هماً أو غيظاً أو حزناً.
رواه أحمد وهو صحيح موقوف من كلام خريم.
تنبيهات:
الأول: ومع ما ذكرنا من فضل بلاد الشام وأهلها ينبغي الانتباه إلى أمر ضروري، وهو: أنه إذا فُضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد، كتفضيل القرن الثاني على القرن الثالث، وتفضيل العرب على ما سواهم، وتفضيل قريش على ما سواهم، وهكذا؛ فإن تفضيل الشام لا يستلزم تفضيلها على مكة والمدينة، بل تفضيل جُمْلي، والله أعلم.
الثاني: أن التفضيل سنة شرعية، فتفضيل الزمان والمكان والأعيان، والأشياء الحسية والمعنوية لا يكون راجعاً للاستحسان والطباع والأذواق؛ بل بوحي من الله تعالى كتاباً وسنةً.
الثالث: ولا بد ـ في الختام ـ من الإشارة إلى أنّ اليهود نشروا كتباً كثيرة في فضائل الأقصى ـ وهو قلب بلاد الشام ـ، ولديهم حبٌّ وولعٌ في اقتناء الكتب في فضائل البلدان لا سيما مكة والمدينة، ولديهم دراسات عن مشاعر المسلمين نحو مقدساتهم من خلال كتب الفضائل؛ كي يتبين لهم الخط البياني لنمو هذه المشاعر أو ضمورها، فحينئذِ يساهمون في بث ما يؤدي إلى ضمورها استعداداً للمعركة!
بلاد الشام ومستقبل الإسلام (ص20)
ذكر من دخل الشام من العلماء والمجاهدين
قال الوليد بن مسلم ـ رحمه الله ـ: دخلت الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله ×.
وذكر ابن سعد ما يزيد على مئة رجل من صحابة رسول الله × دخلوا الشام، منهم: أمين هذه الأمّة: أبو عبيدة عامر بن الجراح، وأحد العشرة المبشرين بالجنّة: سعيد بن زيد، ومؤذن رسول الله ×: بلال بن رباح، وأعلم الأمّة بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، وزاهد الأمّة: أبو الدرداء، وأحد النقباء: عبادة بن الصامت، وسيف الله المسلول: خالد بن الوليد، وابن عم رسول الله ×: الفضل بن عباس، وأمير المؤمنين: معاوية بن أبي سفيان، وأبو أمامة الباهليّ صُدي بن عجلان... وغيرهم كثير.
ومن التابعين: يزيد بن الأسود، وكعب الأحبار، وأبو مسلم الخولاني، والأوزاعي.
ودخل من العلماء من بعدهم: قارئ دمشق عبد الله بن عامر اليحصبي، والإمام الطبراني، والحافظ الحجّة ابن عساكر، والضياء المقدسي صاحب كتاب "المختارة"، والأُسرة العلمية المباركة (بنو قدامة)، وعلى رأسهم الفقيه: موفق الدين صاحب "المغني"، وإمام مصطلح الحديث أبو عمرو ابن الصلاح، والنووي، والعَلم الإمام مفخرة أهل الشام وشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وتلاميذه: المزي، والذهبي، وابن كثير، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي.
ودخلها ابن جماعة، والبقاعي، والجزري، والسفاريني، وعبد الغني المقدسي، وجمال الدين القاسمي، وخاتمة المحدثين وإمام السلفيين المحدث العلامة محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني ـ رحمه الله ـ.
ومما ينبغي أن يُذكر: أنّ في "تاريخ دمشق" لابن عساكر كلاماً بديعاً جامعاً مستوعباً للآثار والأحاديث في فضائل الشام في المجلد الأول.
ومن أجود الكتب التي أراها أوعبها، وأكثرها ترتيباً، وأحسنها تنقيحاً وعرضاً هو كتاب الحافظ ابن رجب الحنبلي بعنوان: "فضائل الشام"، وهو مطبوع منتشر.
بلاد الشام ومستقبل الإسلام.
من الشعر الذي قيل فيها
قول ندمانٍ على تركها:
ويا ليت لي بالشــام أدنى معيشـة |
|
أُجاور قومي ذاهب السمع والبصر |
وقول مفضلٍ لها:
أُحبُّ الشـــام في يســـرٍ وعســر |
|
وأُبغــض ما حـييتُ بـلاد حـســر |
وما شــنأ الشــآم ســوى فــريق |
|
بــرأي ضـــــلالة وردى وَمـحْــر |
وكم بالشـام من شـــرف وفضل |
|
ومـرتــقــــب لــدى بــرّ وبحـــر |
بـــلاد بـــارك الرحـمــن فــيها |
|
فـقـدّســـها على عـــلم وخــــبر |
بـــها غُـــرر القــبائل من معــدّ |
|
وقحــــطان ومن سَــروات فِـــهْر |
أُناس يكـرمـــون الجـــار حــتى |
|
يُجــــير عــليهــم مـــن كل وتـر |
وآخر يفضلها على العراق:
عنيت بشرق الأرض قدماً وغربها |
|
أجــوّب في آفــــــاقها وأســـيرها |
فــلم أر مثل الشـــام دار إقــامة |
|
لراح أغــــــاديـها وكـأس أديراها |
مصـــحّـة أبـــدان ونزهــة أعين |
|
ولـهــو نفــوس دائم وســـرورها |
مقـــدسة جــــاد الربيع بــلادها |
|
ففي كل أرض روضــة وغــديرها |
تباشــر قطراها وأضعف حســنها |
|
بأن أمـــير المـؤمــنين يــزورهــــا |
معجم البلدان (5/ 116 ـ 117)
*هو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
نصيحة لأهل الشام
يا أهل الشام، يا أهل الإسلام، يا أهل السنة: لا ترغبوا عن الشام إلى غيرها، بل ارغبوا بها عن غيرها.
اعملوا بوصايا الرسول: هاجروا إليها، واسكنوها، واستوطنوها، ورابطوا فيها، ولا يضركم من خالفكم ولا من خذلكم، فلكم الظهور والغلبة بوعد الله وبشرى رسول الله.
قوموا بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
اصبروا على البلاء فيها، واثبتوا عند وقوع الفتن ـ فتن الشبهات والشهوات ـ ولا تتركوها؛ فإنها خير من غيرها.
قال أحد السلف (وهو عبد الله بن شوذب): تذاكرنا بالشام، فقلت لأبي سهل: أَمَا بلغك أنه يكون بها كذا؟[3] فقال: ولكن ما كان بها فهو أيسر مما يكون بغيرها. قال العِزُّ: والذي ذكره معلوم بالتجربة، معروف بالمشاهدة، إذ الفتن من القحط والغلاء، وغير ذلك من أنواع البلاء إذا نزلت بأرض كانت بالشام أخف منها في غيرها.
والزمان يعيد نفسه، فتأمل يا رعاك الله.
احذروا الذنوب والخطايا؛ فإنها سبب البلايا.
تذكروا قول الله
سبحانه:
[النحل:112].
وقوله عز وجل:
[الروم:41].
وقول الحكيم الخبير: [الرعد:11].
يا شباب الشام، ويا شاباتها، ويا رجالها ونساءها، ويا معشر أهلها؛ أنتم تحت ظل الملائكة، وفي خير أرض الله وصفوتها، وفي حفظ الله ورعايته؛ فاعملوا بطاعة الله وطاعة رسوله، واحذروا أن تفسدوا فيها وتدنسوها بالمعاصي.
استعدوا لما سيأتي عليها ـ من الفتن ـ بالإيمان والعمل الصالح، وكونوا من أنصار الله، وصفوة خلقه في خير أرضه.
لا تغتروا بفضائل الشام وأهلها فتتركوا العمل الصالح؛ فإن الأرض لا تقدس أحداً ولكن يقدسه عمله الصالح.
اعلموا أن الفضيلة الدائمة في كل وقت ومكان في الإيمان والعمل الصالح والكلم الطيب، فأفضل الخلق أعلمهم وأتبعهم لما جاء به رسول الله: علماً، وحالاً، وقولاً، وعملاً، وهم أتقى الخلق.
وأي مكان وعمل كان أعون للشخص على هذا المقصود كان أفضل في حقه.
حَققِوا شروط النصر كي ينصركم الله تعالى:
[النور:51-55].
اعتبروا بما حصل لبلاد كثيرة كانت قوية آمنة مطمئنة، فاعتدت على حدود الله، وخالفت سنة رسوله، وركنت إلى الشهوات، وركبت الشبهات؛ فحلت الويلات وذهبت كل الخيرات، ولن ترفع وتدفع حتى يعودوا إلى دينهم.
محتويات الكتاب
المقدمة.................................................................
5
التفضيل سنة شرعية..................................................
7
معنى الشام وحدها...................................................
8
الشام أرض مباركة....................................................
9
من فضائل بلاد الشام في القرآن.......................................
17
دعاء النبي × للشام بالبركة..........................................
19
اختصاص الشام وقصوره بالإضاءة عند مولد النبي × وظهوره.....
21
الملائكة باسطة أجنحتها على الشام...................................
22
الطائفة المنصورة في الشام.............................................
23
الوصية بسكنى الشام والهجرة إليها...................................
25
الشام أرض المحشر والمنشر............................................
29
نفي الخير عن أهل الإسلام إذا فسد أهل الشام.......................
30
نزول عيسى ابن مريم من السماء آخر الزمان في الشام...............
31
عمود الكتاب والإسلام بالشّام آخر الزمان...........................
31
استقرار الإيمان بالشام عند وقوع الفتن...............................
33
الملحمة الكبرى في الشام آخر الزمان..................................
35
يؤيد الله دينه بأهل الشام..............................................
36
تنبيهات................................................................
37
ذكر من دخل الشام من العلماء والمجاهدين...........................
38
من الشعر الذي قيل فيها..............................................
40
نصيحة لأهل الشام...................................................
41
محتويات الكتاب.......................................................
44
والحمد لله أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، وصلى الله على محمد
============
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق