مصاحف انواع

المصحف تنزيلات

فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

Translate k..k..520....

الاثنين، 9 مايو 2022

مجلد 1. و2.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب عبد القادر بن عمر البغدادي

 مجلد 1. و2.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب عبد القادر بن عمر البغدادي

1

مجلد 1.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب عبد القادر بن عمر البغدادي

سنة الولادة 1030/ سنة الوفاة 1093هـ  بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك يا من شواهد آياته غنية عن الشرح والبيان ودلائل توحيده متلوة بكل لسان صل وسلم على رسولك محمد المؤيد بقواطع الحجج والبرهان وعلى آله وصحبه الباذلين مهجهم في نصر دينه على سائر الأديان صلاة وسلاما دائمين على ممر الأزمان أما بعد فيقول المفتقر إلى معونة ربه الهادي عبد القادر بن عمر البغدادي هذا شرح شواهد الكافية لنجم الأئمة وفاضل هذه الأمة المحقق محمد بن الحسن الشهير بالرضي الأستراباذي عفا الله عنه ورحمه وهو كتاب عكف عليه نحارير العلماء ودقق النظر فيه أماثل الفضلاء وكفاه من الشرف والمجد ما اعترف به السيد والسعد لما فيه من أبحاث أنيقة وأنظار دقيقة وتقريرات رائقة وتوجيهات فائقة حتى صارت بعده كتب النحو كالشريعة المنسوخة أو كالأمة الممسوخة إلا أن أبياته التي استشهد بها وهي زهاء ألف بيت كانت محلولة العقال ظاهرة الإشكال لغموض معناها وخفاء مغزاها وقد انضم إليها التحريف وبأن عليها أثر التصحيف وكنت ممن مرن في علم الأدب حتى صار يلبيه من كثب وأفرغ في تحصيله جهده وبذل فيه وكده وكده وجمع دواوينه وعرف قوانينه واجتمع عنده بفضل الله من الأسفار ما لم يجتمع عند أحد
____________________

في هذه الأعصار فشمرت عن ساعد الجد والاجتهاد وشرعت في شرحها على وفق المنى والمراد فجاء بحمد الله حائز المفاخر والمحامد فائقا على جميع شروح الشواهد فهو جدير بأن يسمى ( خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ) وقد عرضت فيه بضاعتي للامتحان وعنده يكرم المرء أو يهان (1) ( على أنني راض بأن أحمل الهوى ** وأخلص منه لا علي ولا ليا ) وقد جعلته هدية لسدة هي مقبل شفاه الأقيال ومخيم سرادق المجد والإقبال حضرة سيد ملوك بني آدم وواسطة عقد سلاطين العالم ملك ألبس الدنيا خلع الجمال والكمال وأحيا داثر الأماني والآمال حامي بيضة الإسلام بالصارم الصمصام وناشر أعلام الشريفة الغراء والملة الحنيفية البيضاء ومرغم أنوف الفراعين ومعفر تيجان الخواقين خليفة رب السموات والأرضين ظل الله على العالمين وقطب الخلافة في الدنيا والدين خادم الحرمين الشريفين وسلطان المشرقين الغازي في سبيل الله والمجاهد لإعلاء كلمة الله إلا وهو السلطان ابن السلطان السلطان الغازي محمد خان ابن السلطان إبراهيم خان نخبة آل عثمان خلد الله ظلال خلافته السابغة الوارفة وأفاض على العالمين سجال رأفته المترادفة ويسر له النصر المتين وسهل له الفتح المبين بجاه حبيبه ورسوله محمد الأمين آمين
____________________
1- ( الطويل )

وهاهنا مقدمة تشتمل على أمور ثلاثة ينبغي ذكرها أمام الشروع في المقصود فنقول بعون الله المعبود ( الأمر الأول ) ( في الكلام الذي يصح الاستشهاد به في اللغة والنحو والصرف ) قال الأندلسي في شرح بديعية رفيقه ابن جابر علوم الأدب ستة اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع والثلاثة الأول لا يستشهد عليها إلا بكلام العرب دون الثلاثة الأخيرة فإنه يستشهد فيها بكلام غيرهم من المولدين لأنها راجعة إلى المعاني ولا فرق في ذلك بين العرب وغيرهم إذ هو أمر راجع إلى العقل ولذلك قبل من أهل هذا الفن الاستشهاد بكلام البحتري وأبي تمام وأبي الطيب وهلم جرا هـ وأقول الكلام الذي يستشهد به نوعان شعر وغيره فقائل الأول قد قسمه العلماء على طبقات أربع الطبقة الأولى الشعراء الجاهليون وهم قبل الإسلام كامرئ القيس والأعشى الثانية المخضرمون وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كلبيد وحسان الثالثة المتقدمون ويقال لهم الإسلاميون وهم الذين كانوا في صدر الإسلام كجرير والفرزدق الرابعة المولدون ويقال لهم المحدثون وهم من بعدهم إلى زماننا كبشار ابن برد وأبي نواس
____________________

فالطبقتان الأوليان يستشهد بشعرهما إجماعا وأما الثالثة فالصحيح صحة الاستشهاد بكلامها وقد كان أبو عمرو بن العلاء وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن البصري وعبد الله بن شبرمة يلحنون الفرزدق والكميت وذا الرمة وأضرابهم كما سيأتي النقل عنهم في هذا الشرح إن شاء الله في عدة أبيات أخذت عليهم ظاهرا وكانوا يعدونهم من المولدين لأنهم كانوا في عصرهم والمعاصرة حجاب قال ابن رشيق في العمدة كل قديم من الشعراء فهو محدث في زمانه بالإضافة إلى من كان قبله وكان أبو عمرو يقول لقد أحسن هذا المولد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره يعني بذلك شعر جرير والفرزدق فجعله مولدا بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدمين قال الأصمعي جلست إليه عشر حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي وأما الرابعة فالصحيح أنه لا يستشهد بكلامها مطلقا وقيل يستشهد بكلام من يوثق به منهم واختاره الزمخشري وتبعه الشارح المحقق فإنه استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع من هذا الشرح واستشهد الزمخشري أيضا في تفسير أوائل البقرة من الكشاف ببيت من شعره وقال وهو وإن كان محدثا لا يستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية فأجعل ما يقوله بمنزل ما يرويه إلا ترى إلى قول العلماء الدليل عليه بيت الحماسة فيقنعون بذلك لوثوقهم بروايته وإتقانه واعترض عليه بأن قبول الرواية مبني على الضبط والوثوق واعتبار القول مبني على معرفة أوضاع اللغة العربية والإحاطة بقوانينها ومن البين أن إتقان الرواية لا
____________________

يستلزم إتقان الدراية وفي الكشف أن القول رواية خاصة فهي كنقل الحديث بالمعنى وقال المحقق التفتازاني في القول بأنه بمنزلة نقل الحديث بالمعنى ليس بسديد بل هو بعمل الراوي أشبه وهو لا يوجب السماع إلا ممن كان من علماء العربية الموثوق بهم فالظاهر أنه لا يخالف مقتضاها فإن استؤنس به ولم يجعل دليلا لم يرد عليه ما ذكر ولا ما قيل من أنه لو فتح هذا الباب لزم الاستدلال بكل ما وقع في كلام علماء المحدثين كالحريري وأضرابه والحجة فيما رووه لا فيما رأوه وقد خطأوا المتنبي وأبا تمام والبحتري في أشياء كثيرة كما هو مسطور في شروح تلك الدواوين وفي الاقتراح للجلال السيوطي أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربية وفي الكشاف ما يقتضي تخصيص ذلك بغير أئمة اللغة ورواتها فإنه استشهد على مسألة بقول أبي تمام الطائي وأول الشعراء المحدثين بشار بن برد وقد احتج سيبويه ببعض شعره تقربا إليه لأنه كان هجاه لتركه الاحتجاج بشعره ذكره المرزباني وغيره ونقل ثعلب عن الأصمعي أنه قال ختم الشعر بإبراهيم بن هرمة وهو آخر الحجج 1 وكذا عد ابن رشيق في العمدة طبقات الشعراء أربعا قال هم جاهلي قديم ومخضرم وإسلامي ومحدث قال ثم صار المحدثون طبقات أولى وثانية على التدريج هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا
____________________

وجعل الطبقات بعضهم ستا وقال الرابعة المولدون وهم من بعد المتقدمين كمن ذكر والخامسة المحدثون وهم من بعدهم كأبي تمام والبحتري والسادسة المتأخرون وهم من بعدهم كأبي الطيب المتنبي والجيد هو الأول إذ ما بعد المتقدمين لا يجوز الاستدلال بكلامهم فهم طبقة واحدة ولا فائدة في تقسيمهم وأما قائل الثاني فهو إما ربنا تبارك وتعالى فكلامه عز اسمه افصح كلام وأبلغه ويجوز الاستشهاد بمتواتره وشاذه كما بينه ابن جني في أول كتابه المحتسب وأجاد القول فيه وإما بعض إحدى الطبقات الثلاث الأول من طبقات الشعراء التي قدمناها وأما الاستدلال بحديث النبي & فقد جوزه ابن مالك وتبعه الشارح المحقق في ذلك وزاد عليه بالاحتجاج بكلام أهل البيت رضي الله عنهم وقد منعه ابن الضائع وأبو حيان وسندهما أمران أحدهما أن الأحاديث لم تنقل كما سمعت من النبي & وإنما رويت بالمعنى وثانيهما أن أئمة النحو المتقدمين من المصرين لم يحتجوا بشيء منه ورد الأول على تقدير تسليمه بأن النقل بالمعنى إنما كان في الصدر الأول قبل بدوينه في الكتب وقبل فساد اللغة وغايته تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به فلا فرق على أن اليقين غير شرط بل الظن كاف
____________________

ورد الثاني بأنه لا يلزم من عدم استدلالهم بالحديث عدم صحة الاستدلال به والصواب جواز الاحتجاج بالحديث للنحوي في ضبط ألفاظه ويلحق به ما روي عن الصحابة وأهل البيت كما صنع الشارح المحقق وإن شئت تفصيل ما قيل في المنع والجواز فاستمع لما ألقيه بإطناب دون إيجاز قال أبو الحسن بن الضائع في شرح الجمل تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي & لأنه أفصح العرب قال وابن خروف يستشهد بالحديث كثيرا فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن وإن كان يرى أن من قبلة أغفل شيئا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى 1 وقال أبو حيان في شرح التسهيل قد أكثر هذا المصنف من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب وما رأيت أحدا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر والخليل وسيبوية من أئمة البصريين والكسائي والفراء وعلي بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفين لم يفعلوا ذلك وتبعهم على ذلك المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم كنحاة بغداد وأهل الأندلس وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول & إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية وإنما كان ذلك لأمرين أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه & لم تقل بتلك الألفاظ جميعها نحو ما روي من قوله زوجتكها بما
____________________

معك من القرآن ملكتكها بما معك من القرآن خذها بما معك من القرآن وغير ذلك من الألفاظ الواردة فنعلم يقينا أنه & لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ بل لا نجزم بأنه قال بعضها إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه إذ المعنى هو المطلوب ولا سيما مع تقادم السماع وعدم ضبطها بالكتابة والاتكال على الحفظ والضابط منهم من ضبط المعنى وأما من ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما في الأحاديث الطوال وقد قال سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدقوني إنما هو المعنى ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى الأمر الثاني أنه وقع اللحن كثيرا فيما روي من الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون ودخل في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب ونعلم قطعا من غير شك أن رسول الله & كان أفصح العرب فلم يكن يتكلم إلا بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز وتعليم الله ذلك له من غير معلم والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد
____________________

في الأثر متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من له التمييز وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وكان ممن أخذ عن ابن مالك قلت له يا سيدي هذا الحديث رواية الأعاجم ووقع فيه من روايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول فلم يجب بشيء قال أبو حيان وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة لئلا يقول مبتدئ ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر ولا يستدلون بما روى في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وإضرابهما فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث 1 هـ وتوسط الشاطبي فجوز الاحتجاج بالأحاديث التي اعتني بنقل ألفاظها قال في شرح الألفية لم نجد أحدا من النحويين استشهد بحديث رسول الله & وهم يستشهدون بكلام أجلاف العرب وسفهائهم الذين يبولون على أعقابهم وأشعارهم التي فيها الفحش والخنى ويتركون الأحاديث الصحيحة لأنها تنقل بالمعنى وتختلف رواياتها وألفاظها بخلاف كلام العرب وشعرهم فإن رواته اعتنوا بألفاظها لما ينبني عليه من النحو ولو وقفت على اجتهادهم قضيت منه العجب وكذا القرآن ووجوه القراءات وأما الحديث فعلى قسمين قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص كالأحاديث التي قصد بها بيان فصاحة & ككتابه لهمدان وكتابه لوائل بن حجر والأمثال النبوية فهذا يصح الاستشهاد به في العربية وابن مالك لم يفصل هذا التفصيل الضروري الذي لا بد منه وبنى الكلام على الحديث مطلقا ولا أعرف له سلفا إلا ابن خروف فإنه أتى بأحاديث في بعض المسائل حتى قال ابن الضائع لا أعرف هل يأتي بها مستدلا بها أم هي لمجرد التمثيل والحق أن ابن مالك غير مصيب في هذا فكأنه بناه على امتناع نقل الحديث بالمعنى وهو قول ضعيف 1 هـ
____________________

وقد تبعه السيوطي في الاقتراح قال فيه وأما كلامه صلى الله عليه وسلم فيستدل منه بما أثبت أنه قاله على اللفظ المروي وذلك نادر جدا إنما يوجد في الأحاديث القصار على قلة أيضا فإن غالب الأحاديث مروي بالمعنى وقد تداولتها الأعاجم والمولدون قبل تدوينها فرووها بما أدت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا وقدموا وأخروا وأبدلوا ألفاظا بألفاظ ولهذا ترى الحديث الواحد في القصة الواحدة مرويا على أوجه شتى بعبارات مختلفة ومن ثم أنكر على ابن مالك إثباته القواعد النحوية بالألفاظ الواردة في الحديث ثم نقل كلام ابن الضائع وأبي حيان وقال مما يدل على صحة ما ذهبا إليه أن ابن مالك استشهد على لغة أكلوني البراغيث بحديث الصحيحين يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وأكثر من ذلك حتى صار يسميها لغة يتعاقبون وقد استشهد به السهيلي ثم قال لكني أنا أقول إن الواو فيه علامة إضمار لأنه حديث مختصر رواه البزار مطولا فقال فيه إن لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار وقال ابن الأنباري في الإنصاف في منع أن في خبر كاد وأما حديث كاد الفقر أن يكون كفرا فإنه من تغيير الرواة لأنه & أفصح من نطق بالضاد 1 هـ وقد رد هذا المذهب الذي ذهبوا إليه البدر الدماميني في شرح التسهيل ولله دره فإنه قد أجاد في الرد قال وقد أكثر المصنف من الاستدلال بالأحاديث النبوية وشنع أبو حيان عليه وقال إن ما استند إليه من ذلك لا يتم له لتطرق احتمال الرواية بالمعنى فلا يوثق بأن ذلك المحتج به لفظه عليه الصلاة والسلام حتى تقوم به الحجة وقد أجريت ذلك لبعض مشايخنا فصوب رأي ابن مالك فيما فعله بناء على أن اليقين ليس بمطلوب في
____________________

هذا الباب وإنما المطلوب غلبة الظن الذي هو مناط الأحكام الشرعية وكذا ما يتوقف عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب فالظن في ذلك كله كاف ولا يخفى أنه يغلب على الظن أن ذلك المنقول المحتج به لم يبدل لأن الأصل عدم التبديل لا سيما والتشديد في الضبط والتحري في نقل الأحاديث شائع بين النقلة والمحدثين ومن يقول منهم بجواز النقل بالمعنى فإنما هو عنده بمعنى التجويز العقلي الذي لا ينافي وقوع نقيضه فلذلك تراهم يتحرون في الضبط ويتشددون مع قولهم بجواز النقل بالمعنى فيغلب على الظن من هذا كله أنها لم تبدل ويكون احتمال التبديل فيها مرجوحا فيلغى ولا يقدح في صحة الاستدلال بها ثم إن الخلاف في جواز النقل بالمعنى إنما هو فيما لم يدون ولا كتب وأما ما دون وحصل في بطون الكتب فلا يجوز تبديل ألفاظه من غير خلاف بينهم قال ابن الصلاح بعد أن ذكر اختلافهم في نقل الحديث بالمعنى إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت فيه لفظا آخر 1 . هـ وتدوين الأحاديث والأخبار بل وكثير من المرويات وقع في الصدر الأول قبل فساد اللغة العربية حين كان كلام أولئك المبدلين على تقدير تبديلهم يسوغ الاحتجاج به وغايته يومئذ تبديل لفظ بلفظ يصح الاحتجاج به فلا فرق بين الجميع في صحة الاستدلال ثم دون ذلك المبدل على تقدير التبديل ومنع من تغييره ونقله بالمعنى كما قال ابن الصلاح فبقي حجة في بابه ولا يضر توهم ذلك السابق في شيء من استدلالهم المتأخر والله أعلم بالصواب 1 . كلام الدماميني وعلم مما ذكرنا من تبيين الطبقات التي يصح الاحتجاج بكلامها أنه لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله صرح بذلك ابن الأنباري في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف وعلة ذلك مخافة أن يكون ذلك الكلام مصنوعا أو لمولد أو لمن لا يوثق بكلامه ولهذا اجتهدنا في تخريج أبيات الشرح وفحصنا عن قائليها حتى عزونا كل بيت إلى قائلة إن أمكننا ذلك ونسبناه إلى قبيلته أو فصيلته وميزنا الإسلامي عن الجاهلي والصحابي عن التابعي وهلم جرا وضممنا إلى البيت ما يتوقف عليه
____________________

معناه وإن كان من قطعة نادرة أو قصيدة عزيزة أوردناها كاملة وشرحنا غريبها ومشكلها وأوردنا سببها ومنشأها كل ذلك بالضبط والتقييد ليعم النفع ويؤمن التحريف والتصحيف وليوثق بالشاهد لمعرفة قائله ويدفع احتمال ضعفه قال ابن النحاس في التعليقة أجاز الكوفيون إظهار أن بعد كي واستشهدوا بقول الشاعر (1) ( أردت لكيما أن تطير بقربتي ** فتتركها شنا ببيداء بلقع ) قال والجواب أن هذا البيت لا يعرف قائله ولو عرف لجاز أن يكون من ضرورة + ( الشعر ) + وقال أيضا ذهب الكوفيون إلى جواز دخول اللام في خبر لكن واحتجوا بقوله (1) ( ولكنني من حبها لعميد ** ) والجواب أن هذا البيت لا يعرف قائله ولا أوله ولم يذكر منه إلا هذا ولم ينشده أحد ممن وثق في اللغة ولا عزي إلى مشهور بالضبط والإتقان 1 هـ ويؤخذ من هذا أن الشاهد المجهول قائلة وتتمته إن صدر من ثقة يعتمد عليه قبل وإلا فلا ولهذا كانت أبيات سيبويه أصح الشواهد اعتمد عليها خلف بعد
____________________
1- ( الطويل )

سلف مع أن فيها أبياتا عديدة جهل قائلوها وما عيب بها ناقلوها وقد خرج كتابه إلى الناس والعلماء كثير والعناية بالعلم وتهذيبه وكيدة ونظر فيه وفتش فما طعن أحد من المتقدمين عليه ولا أدعى أنه أتى بشعر منكر وقد روى في كتابه قطعة من اللغة غريبة لم يدرك أهل اللغة معرفة جميع ما فيها ولا ردوا حرفا منها قال الجرمي نظرت في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتا فإما الألف فقد عرفت أسماء قائليها فأثبتها وأما الخمسون فلم أعرف أسماء قائليها فأعترف بعجزه ولم يطعن عليه بشيء وقد روي هذا الكلام لأبي عثمان المازني أيضا ولكون أبياته أصح الشواهد التزمنا في هذا الشرح أن ننص على ما وجد فيه منها بيتا بيتا ونميزها عن غيرها ليرتفع شأنها ويظهر رجحانها وربما روي البيت الواحد من أبياته أو غيرها على أوجه مختلفة ربما لا يكون موضع الشاهد في بعضها أو جميعها ولا ضير في ذلك لأن العرب كان بعضهم ينشد شعره للآخر فيرويه على مقتضى لغته التي فطره الله عليها وبسببه تكثر الروايات في بعض الأبيات فلا يوجب ذلك قدحا فيه ولا غضا منه فإذا وقع في هذا الشرح من ذلك شيء نبهنا عليه والتزمنا في شرح هذه الشواهد عدها واحدا بعد واحد ليسهل موضع الحوالة فيه ويزول التعب عن متعاطيه
____________________

( الأمر الثاني ضروب وأجناس ) فمنها ما يرجع إلى علم النحو وهو كتاب س والأصول لأبن السراج ومعاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للزجاج وتأليف أبي علي الفارسي ك التذكرة القصرية والمسائل البغدادية والمسائل العسكرية والمسائل البصرية والمسائل المنثورة ونقض الهاذور على ابن خالويه وكتاب الشعر وتأليف تلميذه ابن جني ك الخصائص والمحتسب وشرح تصريف المازني وسر الصناعة وإعراب الحماسة والمبهج في شرح أسماء شعرائها وشرح ديوان المتنبي والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري وتذكره أبي حيان وارتشاف الضرب له أيضا والضرائر الشعرية لابن عصفور والأمالي لابن الحاجب والأمالي لأبن الشجري وشروح الكافية وشروح التسهيل ومغنى اللبيب وشروحه وغير ذلك من المتداول ومنها ما يرجع إلى شروح الشواهد وهو شرح أبيات الكتاب لأبي جعفر النحاس وللأعلم الشنتمري ولابن خلف ولأبي محمد الأعرابي المسمى فرحة الأديب وشرح أبيات الجمل لابن السيد البطليوسي ولابن هشام اللخمي ولغيرهما وشرح أبيات المفصل لابن المستوفي الإربلي ولبعض علماء العجم المسمى بالتخمير وشرح أبيات شروح ألفية ابن مالك للعيني وشرح أبيات ابن الناظم لابن هشام الأنصاري ولم يكمل وشرح أبيات الكشاف
____________________

للحموي وشرح أبيات التفسيرين لخضر الموصلي وشرح أبيات الإيضاح والمفتاح في علم المعاني وشرح أبيات التلخيص للعباسي وشرح أبيات إصلاح المنطق ليوسف بن السيرافي وشرح أبيات الغريب المصنف له أيضا وشرح أبيات أدب الكاتب للجواليقي ولابن السيد البطليوسي وللبلي وشرح أبيات الآداب المسمى ب العباب وغير ذلك ومنها ما يرجع إلى تفسير أبيات المعاني المشكلة وهو أبيات المعاني للأخفش المجاشعي وأبيات المعاني للأشنانداني بخط ابن جني وعليها أجازة أبي علي له وأبيات المعاني لابن السكيت وأبيات المعاني لابن قتيبة في مجلدين ضخمين وأبيات المعاني لابن السيد البطليوسي وغير ذلك ومنها ما يرجع إلى دفاتر اشعار العرب وهو قسمان دواوين ومجاميع فالأول ديوان امرئ القيس الكندي وديوان الأعشى ميمون وديوان علقمة الفحل وديوان ابن حلزة وديوان أبي دواد الإيادي وديوان طرفه بن العبد وديوان عمرو بن قميئة وديوان طفيل الغنوي وديوان عامر بن الطفيل وديوان بشر بن أبي خازم وديوان أوس بن حجر وديوان أعشى باهلة وديوان عوف بن عطية بن الخرع وديوان مطير بن الأشيم وديوان الحادرة وديوان المثقب العبدي وديوان لقيط بن يعمر الإيادي وديوان نابغة بني شيبان وديوان النابغة الذبياني وديوان زهير بن أبي سلمى وديوان أبي طالب عم النبي & ومن شعر الصحابة ديوان حسان بن ثابت وديوان لبيد بن ربيعة العامري
____________________

وديوان كعب بن زهير وديوان حميد بن ثور وديوان أبي محجن الثقفي وديوان النمر بن تولب وديوان عمرو بن معدي كرب وديوان خفاف بن ندبة وديوان الخنساء أخت صخر وغير ذلك ومن شعر الإسلاميين ديوان رافع بن هريم اليربوعي وديوان القطامي وديوان جران العود وديوان محمد بن بشير الخارجي وديوان ابن همام السلولي وديوان الشماخ وديوان عدي بن الرقاع وديوان عروة بن حزام العذري وديوان عبيد الله الهذلي وديوان أبي دهبل الجمحي وديوان الحطيئة وديوان عمرو بن الأهتم المنقري وديوان ابن قيس الرقيات وديوان الفرزدق وديوان جرير وديوان الأخطل النصراني وديوان ذي الرمة وديوان جميل العذري وديوان المغيرة بن حبناء وديوان رجز رؤبة بن العجاج وديوان رجز الزفيان السعدي وديوان رجز أبي الأخزر الحماني وغير ذلك ومن دواوين المولدين والمحدثين ديوان مسلم بن الوليد وديوان ابن الوكيع وديوان العباس بن الأحنف وديوان علي بن جبلة الطوسي وديوان أبي نواس وديوان ابن المعتز وديوان ابن الرومي وديوان أبي تمام الطائي وديوان البحتري وديوان الشريف المرتضى وديوان المتنبي وديوان أبي فراس الحمداني وغير ذلك والمجاميع منها أشعار بني محارب للشيباني والمفضليات للمفضل الضبي وأشعار الهذليين للسكري وشرحها له وللإمام المرزوقي وأشعار لصوص العرب للسكري أيضا والنقائض لابن حبيب ومختار شعر الشعراء الستة امرئ القيس والنابغة وعلقمة وزهير وطرفة وعنترة وشرحها للأعلم الشنتمري وأشعار تغلب لأبي عمرو الشيباني ومختار شعراء القبائل
____________________

لأبي تمام والحماسة أيضا وشرحها للنمري وأبي محمد الأعرابي وللإمام المرزوقي وللخطيب التبريزي ولأبي الفضل الطبرسي والحماسة البصرية وحماسة الشريف الحسني وحماسة الأعلم الشنتمري وأشعار النساء للمرزباني وشروح المعلقات لابن النحاس وللزوزني وللخطيب التبريزي وجمهرة أشعار العرب ومنتهى الطلب من أشعار العرب فيه أكثر من ألف قصيدة واليتيمة للثعالبي وكتاب المغربين وكتاب النساء الفوارك وكتاب النساء النواشز والثلاثة للمدائني والمجتنى لابن دريد وشروح لأمية العرب للخطيب التبريزي وللزمخشري ولغيرهما وشرح بانت سعاد لابن الأنباري ولأبي العباس الأحول ولابن خالويه ولابن هشام الأنصاري ولابن كتيلة البغدادي وشرح البردة لابن مرزوق وغير ذلك ومن المجاميع النوادر والأمالي أما النوادر فهي نوادر أبي زيد الأنصاري وشرحها لأبي الحسن الأخفش ولغيره ونوادر ابن الأعرابي وشرحها لأبي محمد الأعرابي ونوادر أبي علي القالي وشرحها لأبي عبيد البكري وأما الأمالي فهي أمالي ثعلب وأمالي
____________________

الزجاجي الصغرى والكبرى وأمالي أبي علي القالي وشرحها لأبي عبيد البكري وذيل أمالي القالي للقالي أيضا وصلة ذيل الأمالي له أيضا وأمالي الصولي وأمالي السيد المرتضى المسماة بالغرر والدرر في مجلين ضخمين وأمالي شيخنا الشهاب الخفاجي ومنها ما يرجع إلى فن الأدب وهي البيان للجاحظ والمحاسن والأضداد له أيضا وكتاب الشعر والشعراء له أيضا والكامل للمبرد وشرحه لابن السيد البطليوسي ولأبي الوليد الوقشي ولغيرهما والعقد الفريد لابن عبد ربه وزهر الآداب للحصري وجواهر النكت والملح له أيضا وديوان المعاني لأبي هلال العسكري والأغاني للأصفهاني في عشرين مجلدا والعمدة لابن رشيق في مجلدين والمثل السائر لابن الأثير وتحرير التحبير لابن أبي الإصبع ومساوي الخمر لابن الحباب السعدي والأوائل لابن هبة الله الموصلي في مجلدين ومدرج البلاغة لابن فضالة المجاشعي ونقد الشعر لقدامه الكاتب وشرحه لعبد اللطيف البغدادي وسفر السعادة للسخاوي ومنها ما يرجع إلى كتب السير وكتب الصحابة وأنساب العرب وهو سيرة ابن هشام وشرحه الروض الآنف للسهيلي وسيرة الكلاعي وسيرة ابن سيد الناس وسيرة الشامي والاستيعاب لابن عبد البر والإصابة لابن حجر وجمهرة الأنساب لابن الكلبي ومختصرها لياقوت الحموي وأنساب قريش للزبير بن بكار ومقدمة الاستيعاب لابن عبد البر والمعارف لابن قتيبة وتنكيس الأصنام لابن الكلبي
____________________

ومنها ما يرجع إلى طبقات الشعراء وغيرهم وهو كتاب الشعراء لابن قتيبة والمؤتلف والمختلف للآدمي والموشح لأبي عبيد الله المرزباني وكتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني وكتاب المقتولين غيلة لابن حبيب وكتاب من نسب إلى أمه من الشعراء له أيضا وكتاب المنسوبين إلى أمهاتهم للحلواني بخطه وطبقات النحويين للتاريخي وطبقاتهم أيضا لأبي عبد الله اليمني ومعجم الأدباء لياقوت الحموي في عدة مجلدات ومنها ما يرجع إلى كتب اللغة وهو الجمهرة لابن دريد والصحاح للجوهري والعباب للصاغاني والقاموس لمجد الدين واليواقيت لأبي عمر المطرزي وكتاب ليس لابن خالويه والنهاية لابن الأثير والزاهر لابن الأنباري والمصباح لخطيب الدهشة والتقريب في علم الغريب لولده وكتاب النبات في مجلدات كبار ستة لأبي حنيفة الدينوري وإصلاح المنطق لابن السكيت وشرحه للبلي ومختصره للخطيب التبريزي وكتاب الألفاظ لابن السكيت وأدب الكاتب لابن قتيبة وشرحه للجواليقي ولابن السيد البطليوسي وللزجاجي وللبلي ولابن بري والفصيح
____________________

لثعلب وشروحه لابن درستويه وللهروي وللمرزوقي وللبلي ولابن هشام اللخمي ولغيرهم وذيل الفصيح لعبد اللطيف البغدادي وكتاب الأضداد لابن السكيت ولعبد الواحد اللغوي ولغيره وكتاب الفروق لأبي هلال العسكري وكتاب البيضة والدرع لأبي عبيدة وخلق الإنسان للزجاج والمعربات للجواليقي والمثلثات لابن السيد البطليوسي وكتاب التفسح في اللغة لأبي الحسين النحوي والمرصع لابن الأثير والمزهر للجلال السيوطي وكتاب القلب والإبدال لابن السكيت وكتاب المذكر والمؤنث له أيضا ولغيره وكتاب الأيام والليالي للفراء وكتاب اليوم والليلة والشهر والسنة والدهر لأبي عمر المطرزي كتاب الأنواء وأسماء الشهور للزجاج والأنواء لأبي العلاء المعري وغيره والمقصور والممدود لابن الأنباري وللقالي ولابن ولاد ولغيرهم وغير ذلك ومنها ما يتعلق بأغلاط اللغويين وهو التنبيهات على أغاليط الرواة لعلي ابن حمزة البصري وفيه أغلاط نوادر أبي زياد الكلابي وأغلاط نوادر أبي عمرو الشيباني وأغلاط النبات لأبي حنيفة الدينوري وأغلاط الغريب المصنف لأبي عبيد وأغلاط إصلاح المنطق لابن السكيت وأغلاط الجمهرة لابن دريد وأغلاط المجاز لأبي عبيدة وأغلاط الفصيح لثعلب وأغلاط الكامل للمبرد وغير ذلك وكتاب التصحيف للحسن العسكري وكتاب التنبيه على حدوث التصحيف لحمزة الأصفهاني ولحن العامة للجواليقي ولأبي بكر الزبيدي وحاشية ابن بري على صحاح الجوهري
____________________

وإغلاط الجوهري للصلاح الصفدي ودرة الغواص للحريري وشرحها لأبن بري ولابن ظفر ولابن الحنبلي ولشيخنا الشهاب الخفاجي ومنها كتب الأمثال وهي أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام وشرحها لتلميذه وأمثال أبي فيد مؤرج السدوسي والفاخر للمفضل بن سلمة والأمثال التي على أفعل لحمزة الأصفهاني ومجمع الأمثال للميداني ومستقصى الأمثال للزمخشري وغير ذلك ومنها كتب الأماكن والبلاد وهي المعجم فيما استعجم لأبي عبيد البكري في ثلاث مجلدات كبار ومعجم البلدان لياقوت الحموي في عشر مجلدات كبار وغير ذلك مما لو سردته لطال وأورث السأم والملال ( الأمير الثالث يتعلق بترجمة الشارح المحقق والحبر المدقق رحمه الله وتجاوز عنه ) ولم أطلع على ترجمة له وافية بالمراد وقد رأيت في آخر نسخة قديمة من هذا الشرح ما نصه هو المولى الإمام العالم العلامة ملك العلماء صدر الفضلاء مفتي الطوائف الفقيه المعظم نجم الملة والدين محمد بن الحسن الأستراباذي وقد أملى هذا الشرح بالحضرة الشريفة الغروية في ربيع الآخر من سنة ثمان وثمانين وستمائة هذا صورة ما رأيته وهذا التاريخ غير موافق لما أرخه هو في آخر شرحه قبل أحكام هاء السكت قال فيه هذا آخر شرح المقدمة والحمد لله على إنعامه
____________________

وإفضاله بتوفيق إكماله وصلواته على محمد وكرام آله وقد تم تمامه وختم اختتامه في الحضرة المقدسة الغروية على مشرفها أفضل تحية رب العزة وسلامه في شوال سنة ست وثمانين وستمائة وقد أورده الجلال السيوطي في معجم النحويين ولم يعرف اسمه قال الرضي الإمام المشهور صاحب شرح الكافية لابن الحاجب الذي لم يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث واختيارات جمة ومذاهب ينفرد بها ولقبه نجم الأئمة ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليفه هذا الشرح سنة ثلاث وثمانين وستمائة وأخبرني صاحبنا شمس الدين بن عوم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ست وستمائة الشك مني وله شرح على الشافية هذا ما ذكره السيوطي والتاريخان غير موافقين لما ذكرناه وقد ذكر البقاعي في مناسبات القرآن تاريخ هذا الشرح كما نقلنا قال هو محمد بن الحسن الأستراباذي العلامة نجم الدين وتمم شرح الكافية في سنة ست وثمانين وستمائة ولم ينقل الشرح من العجم إلى الديار المصرية إلا بعد أبي حيان وابن هشام 1 هـ وعلى هذا لا يمكن أن يكون تاريخ وفاته ما ذكره السيوطي فإنه عاش مدة يحرر شرحه ولهذا تختلف نسخه اختلافا كثيرا كما نقله السيد الجرجاني في إجازته الآتيه وشرحه للشافية متأخر عن شرحه للكافية فلا يصح ذلك التاريخ وعصره قريب من عصر ابن الحاجب فإن وفاة ابن الحاجب كانت في سنة ست وأربعين وستمائة وقد رأيت أن أكتب هنا صورة إجازة الشريف الجرجاني لمن قرأ عليه هذا الشرح فإنه بالغ في تقريظه وأطرى ومدح الشارح بما هو اللائق والأحرى وهي هذه أحمده على جزيل نواله وأصلي على نبيه محمد وصحبه وآله وبعد فإن صناعة الإعراب لا يخفي شأنها في رفعه مكانها تجري من علوم الأدب مجرى الأساس وتتنزل منها منزلة البرهان من القياس وبها يتم ارتشاف الضرب من تراكيب كلام العرب بل هي مرقاة منصوبة إلى علم البيان المطلع على نكت نظم
____________________

القرآن وإن شرح الكافية للعالم الكامل نجم الأئمة وفاضل الأمة محمد بن الحسن الرضي الأستراباذي تغمده الله بغفرانه وأسكنه بحبوحة جنانه كتاب جليل الخطر محمود الأثر يحتوى من أصول هذا الفن على أمهاتها ومن فروعه على نكاتها قد جمع بين الدلائل والمباني وتقريرها وبين تكثير المسائل والمعاني وتحريرها وبالغ في توضيح المناسبات وتوجيه المباحثات حتى فاق ببيانه على أقرانه وجاء كتابه هذا كعقد نظم في جواهر الحكم بزواهر الكلم لكن وقع فيه تغييرات وشيء كثير من المحور والإنبات وبدل بذلك صور نسخة تبديلا بحيث لا نجد إلى سيرتها سبيلا وإني مع ما منيت به من الأشغال واختلال الحال وانتكاس سوق الفضل والكمال وانقراض عصر الرجال الذين كانوا محط الرحال ومنبع الأفضال ومعدن الإقبال ومجمع الآمال وتلاطم أمواج الوسواس من غلبة أفواج الشوكة وظهور الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس قد بذلت وسعي في تصحيحه بقدر ما وفي به حسي مع تلك العوائق ووسعه مقدرتي مع موانع العوائق فتصحح إلا ما ندر أو طغى به القلم أو زاغ البصر وقد قرأه على من أوله إلى آخره المولى الإمام والفاضل الهمام زبدة أقرانه في زمانه وأسوة الأفاضل في أوانه محمد حاجي ابن الشيخ المرحوم السعيد عمر بن محمد زيدت فضائله كما طابت شمائله قراءة بحث وإتقان وكشف وإيقان وقد نقر فيها عن معضلاته وكشف عن وجوه مخدراته هذا وقد أجزته أن يرويه عني مع سائر ما سمعه علي من الأحاديث وفنون الأدب والأصولين راجيا منه أن لا ينساني في خلواته وفي دعواته عقيب صلواته لعل الله يجمعنا في جناته ويتغمدنا بمرضاته إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير كتبه الفقير الحقير الجاني علي بن محمد الحسيني الجرجاني وذلك بمحروسة سمرقند سنة اثنتين وثمانمائة وهذا آخر الإجازة وقد حان أن نشرع فيما انتوينا ونتوجه إلى ما انتحينا راجين من الله إخلاص العمل والعصمة عن الزيغ والخطل ومن هنا نقول وعلى الله القبول أنشد في
____________________

خواص الأسم (1) ( يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ** إلى ربنا صوت الحمار اليجدع ) أورده الشارح وابن هشام في مغني اللبيب على أن أل في اليجدع اسم موصول دخل على صريح الفعل لمشابهته لاسم المفعول وهو مع ذلك شاذ قبيح لا يجيء إلى في ضرورة وقال الأخفش أراد الذي يجدع كما تقول هو ال يضربك تريد الذي يضربك وقال ابن السراج في كتاب الأصول لما احتاج إلى رفع القافية قلب الاسم فعلا وهو من أقبح ضرورات الشعر قيل لا ضرورة فيه فإنه يمكن أن يقول يجدع بدون أل لاستقامة الوزن وأن يقول المتقصع أقول هذا مبنى على أن معنى الضرورة عند هذا القائل ما ليس للشاعر عنه مندوحة وهو فاسد كما يأتي بيانه والصحيح تفسيرها بما وقع في الشعر دون النثر سواء كان عنه مندوحة أو لا قال شارح شواهد الألفية ذاك مسلم في يجدع دون المتقصع فإنه يلزمه الإقواء وهو عيب أقول لا يلزمه الإقواء فإن اليربوع مرفوع والمتقصع وصفه كما يأتي بيانه وقيل أل فيه زائدة والجملة صفة الحمار أو حال منه لأن أل في الحمار جنسية وهذا لا يتمشى في أخواته
____________________
1- ( الطويل )

وقول الشارح المحقق لمشابهته لاسم المفعول يريد أنها إذا دخلت على مضارع مبنى للمفعول إنما تدخل عليه لمشابهته لاسم المفعول نحو اليجدع واليتقصع وقول الفرزدق (1) ( ما أنت بالحكم الترضى حكومته ** ولا الأصيل ولا ذي الراي والجدل ) وإذا دخلت على مضارع مبني للفاعل إنما تدخل عليه لمشابهته لاسم الفاعل كقوله + ( الطويل ) + ( وليس اليرى للخل مثل الذي يرى ** له الخل أهلا أن يعد خليلا ) وقوله + ( البسيط ) ( ما كاليروح ويغدو لاهيا فرحا ** مشمر يستديم الحزم ذو رشد ) وقوله + ( السريع ) + ( لا تبعثن الحرب إني لك الينذر ** من نيرانها فاتق ) وقوله + ( الطويل ) + ( فذو المال يؤتي ماله دون عرضه ** لما نابه والطارق اليتعمل )
____________________
1- ( البسيط )

وقوله (1) ( أحين اصطباني أن سكت وإنني ** لفي شغل عن دخلي اليتتبع ) وقول أبي علي الفارسي في المسائل العسكرية إن دخول أل على الفعل المضارع لم يوجد إلا في اليجدع واليتقصع وأظن حرفا أو حرفين آخرين ليس كذلك كما ذكرنا وسكت عن دخولها على الظرف نحو + ( الرجز ) + ( من لا يزال شاكرا على المعه ** فهو حر بعيشة ذات سعه ) وقوله (1) ( وغيرني ما غال قيسا ومالكا ** وعمرا وحجرا بالمشقر ألمعا ) يريد اللذين معا وقال الكسائي أراد معا وأل زائدة وعن دخولها على الجملة الأسمية نحو + ( الوافر ) + ( بل القوم الرسول الله فيهم ** هم أهل الحكومة من قصي )
____________________
1- ( الطويل )

لأنه لا يرد النقض بها وإن كانت موصولة أسميه شاذة كشذوذها مع الفعل والكل خاص بالشعر قال الشاطبي في شرح ألفية ابن مالك وأما آل فمختصه بالأسماء على جميع وجوهها من كونها لتعريف العهد أو الجنس أو زائدة أو موصولة أو غير ذلك من أقسامها وأعلم أن صريح مذهب الشارح المحقق في الضرورة هو المذهب الثاني وهو ما وقع في الشعر وهو مذهب الجمهور وذهب ابن مالك إلى أنها ما ليس للشاعر عنه مندوحة فوصل أل بالمضارع وغيره عنده جائز اختيارا لكنه قليل وقد صرح به في شرح التسهيل فقال وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لإمكان أن يقول الشاعر صوت الحمار يجدع وما من يرى للخل والمتقصع وإذا لم يفعلوا ذلك مع الاستطاعة ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار وما ذهب إليه باطل من وجوه أحدها إجماع النحاة على عدم اعتبار هذا المنزع وعلى إهماله في النظر القياسي جملة ولو كان معتبرا لنبهوا عليه الثاني أن الضرورة عند النحاة ليس معناها أنه لا يمكن في الموضع غير ما ذكر إذ ما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوض من لفظها غيره ولا ينكر هذا إلا جاحد لضرورة العقل هذه الراء في كلام العرب من الشياع في الاستعمال بمكان لا يجهل ولا تكاد تنطق بجملتين تعريان عنها وقد هجرها واصل بن عطاء لمكان لثغته فيها حتى كان يناظر الخصوم ويخطب على المنبر فلا يسمع في نطقه راء فكان إحدى الأعاجيب حتى صار مثلا ولا مرية في أن اجتناب الضرورة الشعرية أسهل من هذا بكثير وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد أدى أن لا ضرورة في شعر عربي وذلك خلاف الإجماع وإنما معنى الضرورة أن الشاعر قد لا يخطر بباله إلا لفظه ما تضمنته ضرورة النطق به في ذلك الموضع إلى زيادة أو نقص أو غير ذلك بحيث قد ينتبه غيره إلى أن يحتال في شيء يزيل تلك الضرورة الثالث أنه قد يكون للمعنى عبارتان أو أكثر واحدة يلزم فيها ضرورة إلا أنها مطابقة لمقتضى الحال ولا شك أنهم في هذه الحال يرجعون إلى الضرورة لأن اعتناءهم بالمعاني أشد من اعتنائهم بالألفاظ وإذا ظهر لنا في موضع أن ما لا ضرورة
____________________

فيه يصلح هنالك فمن أين يعلم أنه مطابق لمقتضى الحال الرابع أن العرب قد تأبى الكلام القياسي لعارض زحاف فتستطيب المزاحف دون غيره أو بالعكس فتركب الضرورة لذلك وقد بسط الرد عليه الشاطبي في شرح الألفية وهذا أنموذج منه ثم قال وقد بينت هذه المسألة بما هو أوسع من هذا في باب الضرائر من أصول العربية وهذا البيت ثاني أبيات سبعة أوردها أبو زيد في نوادره لذي الخرق الطهوي وهي ( الطويل ) (1)
____________________
1- ( أتاني كلام الثعلبي ابن ديسق ** ففي أي هذا ويله يتترع ) ( يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا ** إلى ربنا صوت الحمار اليجدع ) ( فهلا تمناها إذ الحرب لاقح ** وذو النبوان قبره يتصدع ) ( يأتك حيا دارم وهما معا ** ويأتك ألف من طهية أقرع ) ( فيستخرج اليربوع من نافقائه ** ومن جحره بالشيحة اليتقصع ) ( ونحن أخذنا الفارس الخير منكم ** فظل وأعييا ذو الفقار يكرع ) ( ونحن أخذنا قد علمتم أسيركم ** يسارا فنحدي من يسار وننقع ) قوله أتاني كلام الثعلبي هو بفتح المثلثة وسكون العين المهملة كما في نوادر أبي زيد في نسخة قديمة صحيحة نسبة إلى ثعلبة بن يربوع أبي قبيلة لا بمثناة فوقية فغين معجمة نسبة إلى تغلب بن وائل أبي قبيلة كما ضبطه بعضهم فإن ابن ديسق هو أبو مذعور طارق بن ديسق بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع كذا سرد نسبه الأسود أبو محمد الأعرابي الغندجاني في شرحه نوادر ابن الأعرابي وأورد له شعرا جيدا وديسق علم منقول قال الصاغاني في العباب قال الليث الديسق خوان من فضة والطريق المستعمل والحو

الملآن والشيخ والنور وكل حلي من فضة بيضاء صافية ووعاء من أوعيتهم مأخوذ من الدسق بفتحتين وهو امتلاء الحوض يقال ملأت الحوض حتى دسق أي ساح ماؤه وقيل هو بياض الحوض وبريقة وقوله يتترع التترع بفتحتي التاء المثناة فوق والراء في العباب ترع الرجل كفرح إذا اقتحم الأمور مرحا ونشاطا وقيل ترع سارع إلى الشر والغضب وتترع إليه بالشر أي تسرع وكأنه توعده بالقتل والسبي والنهب وما أشبه ذلك يقول إلى أي هذه الأمور يسابق بشره وبلائه وقوله يقول الخنى البيت قال الجوهري وتبعه الصاغاني هذا من أبيات الكتاب وهذا لا اصل له وقد تصفحت شواهد سيبويه في عدة نسخ ولم أجده فيها قال الصاغاني لم أجد هذا البيت في شعر ذي الخرق وقد قرأت شعره في أشعار بني طهية وساق له أبياتا سبعة لم يكن هذا البيت فيها وذكر له بيتا بدل ما قبل البيت الأخير وهو (1) ( ونحن حبسنا الدهم وسط بيوتكم ** فلم تقربوها والرماح تزعزع ) و الخنى بالخاء المعجمة والنون الفحش من الكلام وألفه منقلبة عن ياء ولهذا كتبت بالياء يقال كلام خن وكلمة خنية وقد خني عليه بالكسر وأخنى عليه في منطقة إذا أفحش وهو منصوب بالقول لتضمنه معنى الجملة كقلت قصيدة فلا حاجة لتأويل يقول بيفوه ويتكلم وجملة يقول الخنى تفسير لقوله أتاني كلام الثعلبي وأبغض اسم تفضيل على غير قياس لأنه بمعنى اسم المفعول من أبغضته إبغاضا فهو مبغض أي مقته وكرهته ولأنه من غير الثلاثي أو هو من بغض الشيء بالضم بغاضة بمعنى صار بغيضا فلا شذوذ قال السخاوي في شرح المفصل قالوا هو أبغض لي من زيد وأمقت لي منه أي يبغضني أكثر مما يبغضني زيد وقالوا إنه مردود إلى بغض ومقت يقال بغض بغاضة إذا صار بغيضا قال ابن بري إنما جعل شاذا لأنه جعل من أبغض والتعجب لا يكون من أفعل إلا بأشد وليس كما ظن الجوهري بل هو من بغض فلان إلي وحكى اللغويون والنحويون ما أبغضني له إذا كنت أنت المبغض له وما أبغضني إليه إذا كان هو المبغض لك انتهى وإلى في التفضيل غير ما ذكر في التعجب فإن إلى هنا بمعنى عند ومجرورها فاعل معنى والعجم جمع أعجم وعجماء
____________________
1- ( الطويل )

وهو الحيوان الذي لا ينطق والأعجم أيضا الإنسان الذي في لسانه عجمة وإن كان بدويا لشبهة بالحيوان وناطقا فاعل من النطق قال الراغب النطق في التعارف الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيدا أو على طريق التشبيه كقول الشاعر (1) ( عجبت لها أنى يكون غناؤها ** فصيحا ولم تفغر بمنطقها فما ) انتهى وهو هنا مجاز عن الصوت من إطلاق الخاص وإرادة العام وهو منصوب على التمييز للنسبة وأصله وأبغض نطق العجم أي تصويتها فلما حذف صارت نسبة البغض إلى العجم مبهمة ففسرت بالتمييز ولابد من هذا المحذوف ليصح الإخبار أراد الشاعر تشبيه صوته إذ يقول الخنى في بشاعته بصوت الحمار إذ تقطع أذناه وصوت الحمار شنيع في غير تلك الحال فما الظن به فيها وزعم جماعة أن ناطقا حال ثم اختلفوا فقال بعضهم هو حال من العجم ويرد عليه أنه مفرج وصاحب الحال جمع ومن صححه بإنابة المفرد مناب الجمع أو أن ناطقا بمعنى ذات نطق فقد تكلف وقال بعضهم هو حال من أبغض ويرد عليه أن الأصح أن المبتدأ لا يتقيد بالحال وجوز هذا القائل أن يكون حالا من ضمير يقول مع أعترافه بأنه يلزم الفصل بين المبتدأ والخبر بالأجنبي وذهب بعضهم إلى أنه حال من ضمير أبغض وهذا سهو إذ ليس فيه ضمير ولو كان خبرا لتحمله وقوله إلى ربنا متعلق بأبغض وروى ابن جني في سر الصناعة إلى ربه فالضمير يرجع إلى ابن ديسق وقوله اليجدع قال الصاغاني الجدع بالدال المهملة قطع الأنف وقطع الأذن وقطع اليد وقطع الشفة وجدعته أي سجنته وحبسته ثم قال وحمار مجدع مقطوع الأذنين وأنشد هذا البيت عن نوادر أبي زيد وزعم شارح مغني اللبيب وهو الحق أنه من جدعت الحمار سجنته قال لأن الحمار إذا حبس كثر تصويته وإذا جعل من الجدع الذي هو قطع الأذن لم يظهر له معنى قال السيوطي وليس كما قال لأن صوت الحمار حالة تقطيع أذنه أكثر وأقبح وكأنه ظن أن المراد صوته بعد التجديع وليس كذلك بل المراد وقت التجديع هذا كلامه وفيه
____________________
1- ( الطويل )

نظر فإنه قيل لا يصوت عند قطع أذنه أصلا وقيل إن الحمار إذا كان مقطوع الأذن يكون صوته أرفع وإنما كان صوت الحمار مستكرها لأن أوله زفير وآخره شهيق وهذه الحالة تنفر منها الطباع وقد ورد تمثيل الصوت المرتفع بصوت الحمار في القرآن قال تعالى في وصية لقمان لابنه واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي أوحش الأصوات وأقبحها قال القاضي وفي تمثيل الصوت المرتفع به ثم إخراجه مخرج الاستعارة مبالغة شديدة وقال معين الدين الصفوي شبه الرافعين صوتهم بالحمير من غير أداة التشبيه مبالغة في التنفير ولما كان صوته لا يكاد يختلف وأصوات سائر الحيوانات مختلفة جدا أفرد وجمعت والحمير بمنزلة أسماء الأجناس على الأصح والظاهر أن أنكر الأصوات إلخ كلام لقمان وقيل هذا من كلام الله انتهى وهذا القول الأخير يناسبه قول الشاعر إلى ربنا فإن إلى بمعنى عند وقال النسفي ولو كان في ارتفاع الصوت فضيلة لم يستشنع صوت الحمار الذي هو أرفع الأصوات وقوله فهلا تمناها الضمير راجع إلى معهود في الذهن أي فهلا تمنى الحرب حين كانت حبلى بمنايا الرجال ومقارعة الأبطال ولاقح من لقحت الناقة لقحا من باب تعب فهي لاقح مطاوع ألقح الفحل الناقة إلقاحا أحبلها كذا في المصباح وقوله وذو النبوان في شرح نوادر أبي زيد وذو النبوان لم يعرفه أبو زيد والنبوان بفتح النون والباء الموحدة اسم ماء بنجد لبني أسد وقيل لبني السيد من ضبة كذا في معجم البلدان لياقوت الحموي ويقال له نبوان أيضا بلا
____________________

لام قال أبو صخر الهذلي (1) ( ولها بذي نبوان منزله ** قفر سوى الأرواح والرهم ) أي لها بأراضي نبوان منزلة والمراد ب ذي النبوان هنا رجل وهو إما صاحب هذا الماء أو لأنه دفن في ارضها والتصدع التشقق يقال صدعته صدعا من باب نفع شققته وصدعت القوم صدعا فتصدعوا فرقتهم فتفرقوا والمراد به هنا الحفر والنبش أي هلا تمنيت الحرب إذ قتلنا منكم ذا النبوان فحفرت له قبرا وواريته فيه وأنت شديد الحزن عليه ولم تقدر على الأخذ بثأره وقوله يأتك حيا دارم فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب جزم يأت في جواب شرط مقدر أي إن تمنيت حربنا يأتك الحيان من دارم دفعه ودارم أبو قبيلتين من تميم وطهية حي من تميم سموا باسم أمهم وهي طهية بنت عبد شمس ابن سعد بن زيد مناة بن تميم وهي أم أبي سود وعوف بن مالك بن حنظلة والنسبة إليها طهوي بسكون الهاء وبعضهم يفتحها على القياس وأقرع بالقاف تام يقال ألف أقرع ودرهم أقرع ومائة قرعاء وقوله فيستخرج اليربوع ألخ الفاء للسببية ويستخرج منصوب بأن مضمرة وجوبا وهو مبني للمفعول ويجوز بالبناء للفاعل نسبة إلى الألف واليربوع دويبة تحفر الأرض والياء زائدة لأنه ليس في كلام العرب فعلول سوى صعفوق على ما فيه وله جحران أحدهما القاصعاء وهو الذي يدخل فيه وأما قول الفرزدق يهجو جريرا (1) ( وإذا أخذت بقاصعائك لم تجد ** أحدا يعينك غير من يتقصع ) فمعناه إنما أنت في ضعفك إذا قصدت لك كاولاد اليرابيع لا يعينك إلا ضعيف مثلك والآخر النافقاء وهو الجحر الذي يكتمه ويظهر غيره وهو موضع يرققه فإذا أتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي خرج وجمعهما قواصع ونوافق ونافق اليربوع أخذ في نافقائه ومنه المنافق شبه باليربوع
____________________
1- ( الكامل )

لأنه يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي دخل فيه وقيل لأنه يستر كفره فشبه بالذي يدخل النفق وهو السرب يستتر فيه والجحر يكون للضب واليربوع والحية والجمع جحرة كعنبة وانجحر الضب على انفعل أوى إلى جحرة وقوله بالشيحة رواة أبو عمر الزاهد وغيره تبعا لابن الأعرابي ذي الشيحة وقال لكل يربوع شيحة عند جحرة ورد الأسود أبو محمد الأعرابي الغندجاني على ابن الأعرابي وقال ما أكثر ما يصحف في أبيات المتقدمين وذلك أنه توهم أن ذا الشيحة موضع ينبت الشيح وإنما الصحيح ومن جحرة بالشيخه بالخاء المعجمة وقال هي رملة بيضاء في بلاد بني أسد وحنظلة وكذا رواه الجرمي أيضا والشين في الروايتين مكسورة وقوله اليتقصع رواه أبو محمد الخوارزمي عن الرياشي بالبناء للمفعول يقال تقصع اليربوع دخل في قاصعائه فتكون صفة للجحر وصلته محذوفة أي من جحرة الذي يتقصع فيه كما قدره ابن جني في سر الصناعة وروي بالبناء للفاعل فيكون صفة اليربوع ولا حذف ورواه أبو زيد المتقصع بصيغة اسم المفعول وقال والمتقصع متفعل من القاصعاء فيكون صفة اليربوع أيضا لكن فيه حذف الصلة قال أبو الحسن الأخفش في شرح نوادر أبي زيد رواه لنا أبو العباس ثعلب اليتقصع واليجدع قال هكذا رواه أبو زيد قال والرواية الجيدة عنده المتقصع والمجدع وقال لا يجوز إدخال أل على الأفعال فإن أريد بها الذي كان افسد في العربية وكان لا يلتفت إلى شيء من هذه الروايات التي تشذ عن الإجماع والمقاييس ومعنى البيت إنكم إن حاربتمونا جئناكم بجيش لهام يحيطون بكم فيوسعونكم قتلا وأسرا ولا نجاه لكم ولو احتلتم بكل حيلة كاليربوع الذي يجعل النافقاء حيلة لخلاصة من الحارش فإذا كثر عليه الحارش أخذوا عليه من نافقائه وقاصعائه فلا يبقى له مهرب البتة وروى بعض شراح الشواهد هذا البيت بعد البيتين الأولين ولم يزد على الثلاثة وظن أن قوله يستخرج اليربوع بالبناء للمعلوم معطوف على قوله يقول الخنى فقال ووصفة أخيرا بالخديعة والمكر ثم أخذ الشاعر في الفخر عليه بما فعل قومه فيهم من القتل والأسر في الحروب
____________________

السابقة فقال ونحن أخذنا ألخ الخير هنا إما أفعل تفضيل أي أفضلكم وإما مخفف خير بالتشديد أي الجيد الفاضل ومنكم على التقديرين متعلق بأخذنا وقوله فظل أي استمر في أسرنا وقوله وأعيا ذو الفقار هو بفتح الفاء قال الصاغاني هو معشر بن عمرو الهمداني وهو فاعل أعيا من أعيا في مشيه أي كل بمعنى لم يقدر على شيء وجملة يكرع بالبناء للمفعول حال من الفاعل ومعناه تقطع أكارعه جمع كراع بالضم وهو كما قال ابن فارس من الإنسان ما دون الركبة ومن الدواب ما دون الكعب وروى الصاغاني وأضحى ذو الفقار يكرع فجملة يكرع إما خبر أضحى أو حال أيضا إن كانت تامة وقوله ونحن أخذنا قد علمتم الخ يقول نحن قد فككنا يسارا الذي أسرتموه من أسركم بأموالنا فنحن نعطي ونضيف من ثروة وأنتم صعاليك لا تقدرون على شيء من ذلك ويسار الأول اسم رجل والثاني بمعنى الغنى والثروة ونحذي بضم النون وسكون المهملة والذال المعجمة بمعنى نعطي من الإحذاء وهو الإعطاء وننقع بالنون والقاف يقال نقع الجزور ينقع بفتحتين نقوعا إذا نحرها للضيافة قال الصاغاني وفي كلام العرب إذا لقى الرجل منهم قوما يقول ميلوا ينقع لكم أي يجزر لكم كأنه يدعوهم إلى دعوته والنقيعة الجزور التي تجزر للضيافة وفسر بعض من كتب على نوادر أبي زيد ننقع بقوله نروى وهذا غير مناسب وقال الرياشي حفظي ونمنع ومصدره المنع إما مقابل الإعطاء وإما بمعنى الحياطة والنصرة يقال فلان في عز ومنعة بالتحريك وقد تسكن النون وكلاهما مناسب لنحذي قال الصاغاني والمانع من صفات الله تعالى له معنيان أحدهما مقابل الإعطاء والثاني أنه يمنع أهل دينه أي يحوطهم وينصرهم ( تتمة ) نسب أبو زيد في نوادره هذا الشعر لذي الخرق الطهوي قال وهو جاهلي ومن لقب من الشعراء من بني طهية ذا الخرق ثلاثة أحدهم خليفة
____________________

ابن حمل بن عامر بن حميري بن وقدان بن سبيع بن عوف بن مالك بن حنظلة بن طهية ولقب ذا الخرق بقوله (1) ( ما بال أم حبيش لا تكلمنا ** لما افتقرنا وقد نثري فننتففق ) ( تقطع الطررف دوني وهي عابسة ** كما تشاوس فيك الثائر الحنق ) ( لما رأت إبلي جاءت حمولتها ** غرثى عجافا عليها الريش والخرق ) ( قالت إلا تبتغي مالا تعيش به ** عما تلاقي وشر العيشة الرمق ) ( فيئي إليك فإنا معشر صبر ** في الجدب لا خفة فينا ولا ملق ) ( إنا إذا حطمة حتت لنا ورقا ** نمارس العيش حتى ينبت الورق ) الثاني قرط ويقال له ذو الخرق بن قرط أخو بني سعيدة بن عوف ابن مالك بن حنظلة بن طهية وهو فارس أيضا الثالث شمير بن عبد الله بن هلال بن قرط بن سعيدة كذا في المؤتلف والمختلف للآمدي ولم يذكر هذا صاحب العباب ولم أر من قيد أحد هذه الثلاثة بكونه جاهليا فلا يظهر أن هذا الشعر لمن هو من هؤلاء الثلاثة وقال العيني إن ذا الخرق الطهوي صاحب الشعر اسمه دينار بن هلال ولا أدري من أين نقله وقال شارح شواهد المغني وفي المؤتلف والمختلف للآمدي أن اسمه قرط شاعر جاهلي سمي بذلك لقوله ( جاءت عجافا عليها الريش والخرق ** )
____________________
1- ( البسيط )

وفيه ثلاثة أمور الأول أن الآمدي لم يذكر هذا الشعر فكيف ينسبه إلى قرط الثاني أنه لم يقيد قرطا بكونه جاهليا الثالث أن هذا الشعر ليس لقرط وإنما هو لخليفة بن حمل كما تقدم آنفا وفيه أيضا أن الرواية غرثى عجافا لا جاءت عجافا بقي من يلقب بذي الخرق من الشعراء من غير طهيه وهم اثنان أحدهما ذو الخرق اليربوعي أحد بني صبير بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم والثاني ذو الخرق بن شريح بن سيف بن أبان بن دارم وهذا والذي قبله من شعراء الجاهلية ومن غير الشعراء ذو الخرق النعمان بن راشد بن معاوية بن عمرو بن وهب ابن مرة كان يعلم نفسه في الحرب بخرق حمر وصفر وذو الخرق أيضا فرس عباد بن الحارث بن عدي بن الأسود كان يقاتل عليه يوم اليمامة والخرق جمع خرقة وهي القطعة من الثوب والأسود الغندجاني ترجمه ياقوت الحموي في معجم الأدباء المسمى إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب قال هو الحسن بن أحمد أبو محمد الأعرابي المعروف بالأسود الغندجاني اللغوي النسابة وغندجان بلد قليل الماء لا يخرج منه إلا أديب أو حامل سلاح في القاموس غندجان بالفتح بلد بفارس بمفازة معطشة وكان الأسود صاحب دنيا وثروة وكان عارفا بأيام العرب وأشعارها قيما بمعرفة أحوالها وكان مستنده فيما يرويه عن محمد بن أحمد أبي الندى وكان قد رزق في
____________________

أيامه سعادة وذاك أنه كان في كنف الوزير العادل أبي منصور بهرام بن مافنه وزير الملك أبي كالنجار ابن بهاء الدولة ابن بويه صاحب شيراز وقد خطب له ببغداد بالسلطنة وكان الأسود إذا صنف له كتابا جعله باسمه وكان يفضل عليه إفضالا جما فأثرى من جهته ومات أبو منصور الوزير في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة قال ياقوت وقرأت في بعض تصانيفه أنه صنفه في شهور سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وقرئ عليه في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وله من التصانيف فرحة الأديب في الرد على يوسف بن أبي سعيد السيرافي في شرح أبيات سيبويه وكتاب قيد الأوابد في الرد على ابن السيرافي أيضا في شرح أبيات إصلاح المنطق وكتاب ضالة الأديب في الرد على ابن الأعرابي في النوادر التي رواها ثعلب عنه وكتاب الرد على أبي علي النمري في شرح مشكل أبيات الحماسة وكتاب نزهة الأديب في الرد على أبي علي في التذكرة وكتاب السل والسرقة وكتاب الخيل مرتب على حروف المعجم وكتاب في أسماء الأماكن وأكثرها عندي ولله الحمد والمنة وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني من شواهد سيبويه (1) ( ولا أرض أبقل إبقالها ) أوله
____________________
1- ( المتقارب )

( فلا مزنة ودقت ودقها ** ) أورده نظيرا لعرفات في كونها مؤنثة لا يجوز فيها التذكير إلا بتأويل بعيد وهو أن يراد بهما المكان وأورده أيضا في باب المذكر والمؤنث على أنه لا يحذف علامة التأنيث من المسند إلى ضمير المؤنث المجازي إلا لضرورة الشعر وهو من شواهد الكتاب ومغني اللبيب قال ابن خلف الشاهد فيه أنه ذكر أبقل وهو صفة للأرض ضرورة حملا على معنى المكان فأعاد الضمير على المعنى وهو قبيح والصحيح أنه ترك فيه علامة التأنيث للضرورة واستغنى عنه مما علم من تأنيث الأرض وإلى هذا الوجه أشار أبو علي وقال غيره وإنما قبح ذلك لاتصال الفاعل المضمر بفعله فكأنه كالجزء منه حتى لا يمكن الفصل بينهما بما يسد مسد علامة التأنيث ولا يخفي ما فيه وعند ابن كيسان والجوهري أن الفعل إذا كان مسندا لضمير المؤنث المجازي لا يجب إلحاق علامة التأنيث وقول بعضهم وهذا ليس بضرورة لأنه كان يمكنه أن يقول ولا أرض أبقلت إبقالها بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها وإسقاطها ليس بجيد لأن الصحيح أن الضرورة ما وقع في الشعر سواء كان للشاعر عنه فسحة أم لا وأجاب السيرافي بأنه يجوز أن يكون هذا الشاعر ليس من لغته تخفيف الهمزة وحينئذ لا يمكنه ما ذكره وذكر ابن يسعون أن بعضهم رواه بالتاء بالنقل المذكور وقال ابن هشام فإن صحت الرواية وصح أن القائل ذلك هو الذي قال ولا أرض أبقل بالتذكير صح لابن كيسان مدعاه وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم بعضا وكل يتكلم على مقتضى لغته التي فطر عليها ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات وزعم جماعة أنه لا شاهد فيه فقال ابن القواس في شرح ألفية ابن معطي أنه روى إبقالها بالرفع مسندا إلى المصدر ويرده أن إبقالها منصوب على المصدر التشبيهي أي ولا أرض أبقلت كإبقال هذه الأرض ولو كان كما زعم كان معناه نفي الإبقال وهو نقيض مراد الشاعر وزعم بعضهم أن ضمير أبقل عائد على مذكر محذوف أي ولا مكان أرض فقال أبقل باعتبار المحذوف وقال إبقالها باعتبار المذكور وهذا فاسد أيضا لأن ضمير إبقالها ليس عائدا على الأرض المذكورة هنا فتذكير أبقل باعتبار المحذوف لا دليل عليه ولو قال إن الأرض مما يذكر ويؤنث كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات عندما أنشد هذا البيت إن الأرض تذكر وتؤنث وكذلك السماء ولهذا قال أبقل إبقالها
____________________

لكان وجها قال ابن الحاجب في أماليه الضمير في ودقها وإبقالها راجع إلى غير المزنة والأرض المذكورتين ولا يستقيم أن يعود إليهما لئلا يصير مخبرا أنه ليس مزنة تدق مثل ودق نفسها وهو فاسد وإن لم تقدر محذوفا كان أفسد إذ يصير المعنى أنه ليس مزنة تدق ودق نفسها والأمر على خلافه إذ لا تدق مزنة إلا ودق نفسها فوجب أن يكون التقدير فلا مزنة ودقت ودقا مثل هذه المزنة المحذوفة وزعم الصاغاني في العباب أن الرواية ولا روض أبقل إباقلها وهذا لا يصادم نقل سيبويه لأنه ثقة والاعتماد عليه أكثر فقوله فلا مزنة الخ لا الأولى نافية للجنس على سبيل الظهور عاملة عمل ليس أو ملغاة والثانية نافية للجنس على سبيل التنصيص ومزنة اسم لا إن كانت عاملة عمل ليس أو مبتدأ إن كانت غير عاملة وصح الابتداء بالنكرة إما للعموم وإما للوصف وجملة ودقت محلها نصب خبر لا أو رفع خبر المبتدأ أو نعت ل مزنة والخبر محذوف أي موجودة أو معهودة وجملة أبقل خبر لا فقط ولا يجوز كونها صفة لاسم لا كما جوزه شراح الشواهد لأنه يجب حينئذ تنوين اسم لا لكونه مضارعا للمضاف والمزنة واحدة المزن السحابة البيضاء ويقال المطرة والمعنى هنا على الأول انتهى وكلاهما غير صحيح أما الأول فلأن السحابة البيضاء لا ودق لها وأما الثاني فيرده قوله تعالى ! ( أأنتم أنزلتموه من المزن ) ! والودق المطر قال المبرد في الكامل يقال ودقت السماء يا فتى تدق ودقا قال تعالى ! ( فترى الودق يخرج من خلاله ) ! وأنشد هذا البيت وأبقل قال الدينوري في كتاب النبات يقال بقل المكان يبقل بقولا إذا نبت بقله وأبقل يبقل إبقالا وهذا أكثر اللغتين وأعرفهما وأكثر العلماء يرد بقل المكان وقال بعض الرواة أبقلت الأرض وأبقلها الله وبقل وجه الغلام إذا خرج وجهه وقال بعض علماء العربية أبقل المكان ثم يقولون مكان باقل
____________________

قال ولا نعلمهم يقولون بقل المكان ومثله قولهم أدرست الأرض ونبت دارس ولا يقولون غيرها وقال أيضا أعشب البلد ثم قال بلد عاشب وكذا قال ابو عبيدة والأصمعي وتبعهما ابن السكيت وغيره قالوا يقال بلد عاشب ولا يقال إلا أعشب وباقل الرمث وهو نبت وقد أبقل ودارس الرمث وقد أدرس فيقولون في النعت على فاعل وفي الفعل على أفعل كذا تكلمت به العرب قال الدينوري وتبعه علي بن حمزة البصري في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة وقد جاء عن العرب ما يرد عليهم قال رؤبة (1) ( يملحن من كل غميس مبقل ** ) وقال ابن هرمة + ( الطويل ) + ( لرعت بصفراء السحالة حرة ** لها مرتع بين النبيطين مبقل ) وقال آخر ( ولا أرض أبقل إبقالها ** ) فجاء به على أبقل يبقل فهو مبقل وقال النابغة الجعدي + ( المتقارب ) + ( على جانبي حائر مفرط ** ببرث تبوأنه معشب ) وقال الدينوري في موضع آخر النبات كله ثلاثة أصناف شيء باق على الشتاء أصله وفرعه وشيء آخر يبيد الشتاء فرعه ويبقى أصله فيكون نباته في أرومته الباقية وشيء ثالث يبيد الشتاء أصله وفرعه فيكون نباته من بزره وكل
____________________
1- ( الرجز )

ذلك يتفرق ثلاثة أصناف آخر فصنف يسمو صعدا على ساقه مستغنيا بنفسه عن غيره وصنف يسمو أيضا صعدا لا يستغني بنفسه ويحتاج إلى ما يتعلق به ويرتقي فيه وصنف ثالث لا يسمو ولكن يتسطح على الأرض فينبت مفترشا فيقال لكل ما سما بنفسه شجر دق أو جل قاوم أو عجز عنه وقيل له شجر لأنه شجر فسما فكل ما سمكته ورفعته فقد شجرته وما كان منه ينبت في بزره ولا ينبت في أرومته فاسمه البقل وكل نابته بقلة في أول ما تنبت ولذلك قيل لوجه الغلام أول ما يخرج بقل . وما نبت في أرومة وكان مما يهلك فرعه فاسمه الجنبة لأنه فارق الذي يبقى فرعه وأصله وفارق البقل الذي يبيد أصله وفرعه فكان جنبة بينهما وما تعلق بالشجر فرقى فيه وعصب به فهو في طريقة العصبة وما افترش ولم يسم فهو في طريقة السطاح وقد زعم أبو عبيدة أنه النجم على ان كل ما طلع من الأرض فقد نجم فهو نجم إلى أن تتبين وجوهه 1 . هـ وقال الجواليقي في لحن العامة يذهب العامة إلى أن البقل ما يأكله الناس خاصة دون البهائم من النبات الناجم الذي لا يحتاج في أكله إلى طبخ وليس كذلك إنما البقل العشب وما ينبت الربيع مما تألكه البهائم قال الشاعر ( ولا أرض أبقل إبقالها ** ) وقال آخر الكامل ( قوم إذا نبت الربيع لهم ** نبتت عداتهم مع البقل ** ) وقال زهير (1) ( رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ** قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل ) يقال منه بقلت الأرض وأبقلت لغتان فصيحتان إذا أنبتت البقل قال أبو النجم يصف الإبل + ( الرجز ) +
____________________
1- الطويل )

( تبقلت في أول التبقل ** ) والفرق بين البقل ودق الشجر أن البقل إذا رعي لم يبق له ساق والشجر يبقى له ( تتمة ) قال شراح شواهد الكتاب هذا البيت لعامر بن جوين الطائي وهو أحد الخلعاء الفتاك قد تبرأ قومه من جرائره وله حكاية مع امرئ القيس وستأتي في ترجمته إن شاء الله وصف به أرضا مخصبة بكثرة ما نزل بها من الغيث ولم يذكروا مما قبله ولا مما بعده شيئا وقال شارح شواهد المغني قال الزمخشري أوله (1) ( وجارية من بنات الملوك ** قعقعت بالرمح خلخالها ككرفئة الغيث ذات الصبي ر ترمي السحاب ويرمي لها تواعدتها بعد مر النجو م كلفاء تكثر تهطالها فلا مزنة ودقت ودقها البيت انتهى وقد رأيت البيتين الأولين في شعر الخنساء من قصيدة ترثي بها أخاها صخرا أولها المتقارب ألا ما لعيني ألا مالها لقد أخضل الدمع سربالها
____________________
1- ( المتقارب )

ثم وصفت جيشاً فقالت : ( ورجراجة فوقها بيضها ** عليها المضاعف زفنا لها ) ( ككرفئة الغيث ذات الصبير ** . . . ( البيت المذكور ) ) وقال الشارد ديوانها الأخفش : ' الرجراجة ' : الكتيبة ، كأنها تتحرك وتتمخض من كثرتها . و ' المضاعف ' من الدروع : التي تنسج حلقتين حلقتين . و ' زفنا لها ' : مشينا لها باختيال ، وهي بالزاي المعجمة والفاء ، زاف يزيف زيفاً وزيفاناً : تبختر في مشيته . وشبه الرجراجة في كثرتها وحركتها وتمخضها بالكرفئة ، وهي السحابة العظيمة التي يركب بعضها على بعض حملاً للماء . والحمل - بالفتح - : ما كان في الجوف مستكناً . والحمل - بالكسر - : ظاهر مثل الوقر على الظهر . شبه الكرفئة بالناقة يكثر لحمها وشحمها ، يقال : إن عليها لكرافئ من اللحم والشحم . و ' يرمي لها ' بالبناء للمفعول ، أي : يضم إليها حتى يستوي ويخلولق . قال ابن الأعرابي : هذا البيت لعامر بن جوين الطائي . وقال الأصمعي : الكوفة وجمعه كرافئ : قطع من السحاب بعضها فوق بعض . والصبير : السحاب الأبيض . ثم قالت تخاطب أخاها : ( وبيض منعت غداة الصباح ** وقد كفت الروع أذيالها ) ( وهاجرة حرها واقد ** جعلت رداءك أظلالها ) ( وجامعة الجمع قد سقتها ** وأعلمت بالرمح أغفالها ) ( ورعبوبة من بنات الملوك ** قعقعت بالرمح خلخالها ) ' بيض ' ، تعني جواري سبين . ' كفت ' : كشفت . و ' الروع ' : الفزع . وروى ابن الأعرابي : ' تكشف للروع أذيالها ' . ' واقد ' : شديد الحر . قد سقتها إما لتزويج وإما لسباء تفكه . وروى ابن الأعرابي : ' ومعلمة سقتها قاعداً ' . معلمة : إبل . قاعداً : أي : قاعداً على فرسك . و ' الأغفال ' : التي لا
____________________

سمات عليها ولا علامات تقول أعلمت منها ما كان أغفالا وألرعبوبة الناعمة الرخصة اللينة قعقعت خلخالها أي تزوجت بها أو سبيتها فهو سلبها ولا يخفى أن هذه الأبيات غير مرتبطة ببيت الشاهد ولا مناسبة لها به والله أعلم وقد نسب أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب الأبيات التي نقلت عن الزمخشري إلى عامر المذكور وقال المظهري في شرح المفصل كلاما يشبه كلام المبرسمين وهذيان المحمومين وهو قوله قصة هذا البيت أن جارية هربت من غارة وفي رجلها خلخال يقول الشاعر إن هذه الجارية تعدو ويصوت خلخالها كصوت الرعد فليس مزنة تمطر مطرا مثل السحاب الذي يشبه هذه الجارية وليس أرض تخرج النبات مثل أرض أصابها ذلك السحاب هذا كلامه وعامر بن جوين صاحب الشاهد هو كما قال محمد بن حبيب في أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام هو عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران الطائي أحد بني جرم بن عمرو بن الغوث بن طيئ كان سيدا شاعرا فارسا شريفا وهو الذي نزل به أمرؤ القيس بن حجر وكان سبب قتله أن كلبا غزت بني جرم فأسر بشر بن حارثة وهبيرة بن صخر الكلبي عامر بن جوين وهو شيخ فجعلوا يتدافعونه لكبره فقال عامر بن جوين لا يكن لعامر بن جوين الهوان فقالوا له وإنك لهو قال نعم فذبحوه ومضوا فأقبل الأسود بن عامر فلما رأى أباه قتيلا تتبعهم فأخذ منهم ثمانية نفر وكانوا قتلوا عامرا وقد هبت الصبا فكعمهم ووضع أيديهم في جفان فيها ماء وجعل كلما هبت الصبا ذبح واحدا حتى أتى عليهم قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين عاش عامر بن جوين مائتي سنة
____________________

ورضاء بضم الراء والمد قال ابن الكلبي في كتاب الأصنام وقد كانت العرب تسمى بأسماء يعبدونها لا أدرى أعبدوها للأصنام أم لا منها عبد رضاء كان بيتا لأبي ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وهدمه المستوغر في الإسلام وقال (1) ( ولقد شددت على رضاء شدة ** فتركتها تلا تنازع أسحما ) وقمران بفتح القاف وسكون الميم وبعدها راء مهملة وجرم اسم ثعلبة حضنته أمة يقال لها جرم فسمي بها وابنه الأسود كان شريفا شاعرا وقبيصة بن الأسود وفد إلى النبي & وهذه نسبة عامر بن جوين من الجمهرة عامر بن جوين بن عبد رضاء بن قمران بن ثعلبة بن جيان وهو جرم بن عمرو بن الغوث بن طيء وأبو حنيفة الدينوري هو أحمد بن داود بن ونند أخذ عن البصريين والكوفيين وأكثر أخذه عن ابن السكيت وكان نحويا لغويا مهندسا منجما حاسبا راوية ثقة فيما يرويه ويحكيه مات في جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين قال أبو حيان التوحيدي أبو حنيفة الدينوري من نوادر الرجال جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب له في كل فن ساق وقدم وهذا كلامه في الأنواء يدل على حظ وافر من علم النجوم وأسرار الفلك وأما كتابة في النبات فكلامه فيه في عروض كلام أبدى بدوي وعلى طباع أفصح عربي ولقد قيل لي إن له في القرآن كتابا يبلغ ثلاثة عشر مجلدا وما رأيته وإنه ما سبق إلى ذلك النمط مع ورعه وزهده وجلاله قدره وله من الكتب كتاب الباءة كتاب ما تلحن فيه العامة كتاب الشعر والشعراء كتاب الفصاحة كتاب الأنواء كتاب في حساب الدور كتاب البحث في حساب الهند كتاب الجبر والمقابلة
____________________
1- ( الكامل )

كتاب البلدان كبير كتاب النبات لم يصنف مثله في معناه كتاب الجمع والتفريق كتاب الأخبار الطوال كتاب الوصايا كتاب نوادر الجبر كتاب إصلاح المنطق كتاب القبلة والزوال كتاب الكسوف وله غير ذلك روي أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائرا لعيسى بن ماهان فأول ما دخل عليه وقضى سلامة قال له عيسى أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهى النبي & عن أكل لحمها فقال هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة فقال هل من شاهد قال نعم قول الراجز (1) ( لم يبق من آل الحميد نسمه ** إلا عنيز لجبة مجثمه ) فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري فلما دخل عليه قال أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها فقال هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف قفاها فقال كيف تقول وهذا شيخ أهل العراق يقول هي مثل اللجبة وأنشده الشعر فقال أبو حنيفة أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه وإن كان الشعر إلا لساعته هذه فقال أبو العباس صدق الشيخ فإنني أنفت أن أرد عليك من العراق وذكري ما قد شاع فأول ما تسألني عنه لا أعرفه فاستحسن منه هذا الإقرار * * * وأنشد بعده لامرئ القيس وهو الشاهد الثالث وهو من شواهد س + ( الطويل ) + ( تنورتها من أذرعات وأهلها ** بيثرب أدنى دارها نظر عال ) وقال الشارح يروى بكسر التاء بلا تنوين وبعضهم يفتح التاء في مثله مع
____________________
1- الرجز )

حذف التنوين ويروى من أذرعات كسائر ما لا ينصرف فعلى هذين الوجهين التنوين للصرف بلا خلاف والأشهر بقاء التنوين في مثله مع العلمية أقول أراد بهذا الكلام تقرير ما ذهب إليه تبعا للربعي والزمخشري وإن خالفهما في الدليل من أن تنوين جمع المؤنث السالم تنوين صرف لا تنوين مقابلة فإن حذف التنوين في بعض اللغات مما سمى بهذا الجمع دليل على أن تنوينه قبل التسمية تنوين صرف فاستند أولا إلى تجويز المبرد والزجاج حذف التنوين منه مع العلمية وثانيا إلى رواية منع الصرف فيه مع العلمية بوجهين سماعي وقياسي فالأول نقله ابن جني في سر الصناعة عن بعض العرب فقال واعلم أن من العرب من يشبه التاء في مسلمات معرفة بتاء التأنيث في طلحة وحمزة ويشبه الألف التي قبلها بالفتحة التي قبل هاء التأنيث فيمنعها حينئذ الصرف فيقول هذه مسلمات مقبلة وعلى هذا بيت امرئ القيس تنورتها من أذرعات وقد أنشدوه من أذرعات بالتنوين وقال الأعشى (1) وعلى هذا ما حكاه س من قولهم هذه قرشيات غير منصرفة انتهى والثاني أن بعضهم أي بعض النحاة يفتح التاء في مثله أي في مثل أذرعات مما سمي بجمع مؤنث سالم مع حذف التنوين أي يفتح التاء ويحذف التنوين منه ويروي ذلك البعض من أذرعات بفتح التاء قياسا على سائر مالا ينصرف فعلى هذين الوجهين أي حذف التنوين مع كسر التاء وحذف التنوين مع فتح التاء التنوين للصرف أي التنوين الذي كان قبل التسمية فإن النحاة اتفقوا على أن التنوين الذي يحذف فيما لا ينصرف إنما هو تنوين الصرف وأذرعات قال ياقوت في معجم البلدان وهي بلد في أطراف الشام يجاور البلقاء وعمان وينسب إليه الخمر وقد ذكرتها العرب في أشعارها لأنها لم
____________________
1- ( الوافر تخيرها أخو عانات شهرا ورجى خيرها عاما فعاما )

تزل من بلادها والنسبة إليه أذرعي ويثرب زاد الصاغاني واثرب اسم مدينة رسول الله & صلى الله عليه وسلم قال ياقوت نقلا عن الزجاجي سميت مدينة الرسول & صلى الله عليه وسلم & بذلك لأن أول من سكنها عند التفرق يثرب بن عوص بن إرم بن سام بن نوح & فلما نزلها رسول الله & سماها طيبة وطابة كراهية للتثريب وسميت مدينة الرسول & صلى الله عليه وسلم لنزوله بها ثم اختلفوا فقيل إن يثرب اسم للناحية التي منها مدينة & وقال آخرون بل يثرب ناحية من مدينة الرسول & وقيل هي مدينة الرسول & قال ابن عباس من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله ثلاثا إنما هي طيبة وقال في المصباح ثرب عليه من باب ضرب عتب ولام وبالمضارع بياء الغائب سمي رجل من العمالقة وهو الذي بنى المدينة سميت باسمه قاله السهيلي وأما يترب بالمثناة الفوقية بدل المثلثة فقال ياقوت هي بفتح الراء قيل قرية باليمامة عند جبل وشم وقيل اسم موضع في بلاد بني سعد وقال الحسن بن أحمد الهمداني اليمني هي مدينة بحضرموت نزلها كندة وإياها عنى الأعشى بقوله (1) ( بسهام يترب أو سهام الوادي ** ) ويقال إن عرقوبا صاحب المواعيد كان بها ثم قال والصحيح أنه من قدماء يثرب وأما قول ابن عبيد الأشجعي (1)
____________________
1- ( الطويل )

( وعدت وكان الخلف منك سجية ** مواعيد عرقوب أخاه بيترب ) فهكذا أجمعوا على روايته بالتاء المثناة قال ابن الكلبي وكان من حديثه أنه كان رجلا من العماليق يقال له عرقوب فأتاه أخ له يسأله شيئا فقال له عرقوب إذا أطلعت النخلة فلك طلعها فلما أتاه للعدة قال دعها تصير بلحا فلما أبلحت قال دعها تصير زهوا ثم حتى تصير بسرا ثم حتى تصير رطبا ثم تمرا فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجدها ولم يعطه شيئا فصار مثلا في الخلف والتنور قال المبرد في الكامل المتنور الذي يلتمس ما يلوح له من النار ورد عليه أبو الوليد الوقشي في شرحه عليه بأن المتنور إنما هو الناظر إلى النار من بعد أراد قصدها أو لم يرد كما قال امرؤ القيس تنورتها من أذرعات ولم يرد أن يأتيها كما لم يرد القائل (1) ( وأشرف بالقور اليفاع لعلني ** أرى نار ليلى أو يراني بصيرها ) والنظر إلى نارها إنما هو بنظر قلبه تشوقا إليها كما قال ابن قتيبة في أبيات المعاني هذا تحزن وتظنن منه ليس أنه رأى بعينه شيئا إنما أراد رؤية القلب ومثله قول الآخر (1) ( أليس بصيرا من رأى وهو قاعد ** بمكة أهل الشام يختبزونا ) وقال الأعشى + ( الوافر ) + أريت القوم نارك لم أغمض ** بواقصة ومشربنا زرود )
____________________
1- ( الطويل )

( فلم أر موقدا منها ولكن ** لأية نظرة زهر الوقود ) وجوز أرباب البديع في الإغراق من المبالغة أن يكون نظرا بالعين حقيقة قالوا لا يمتنع عقلا أن يرى من أذرعات من الشام نار أحبته وكانت بيثرب مدينة النبي & على بعد هذه المسافة على تقدير استواء الأرض وأن لا يكون ثم حائل من جبل أو غيره مع عظم جرم النار وإن كان ذلك ممتنعا عادة وجملة تنورتها استئنافية وأدنى دارها مبتدأ ونظر عالي خبرة بتقدير مضاف قال أبو علي في الإيضاح الشعري ولا يجوز أن يكون نظر خبر أدنى لأنه ليس به لأن أدنى أفعل تفضيل وأفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعض له فوجب أن يكون بعض الدار وبعض الدار لا يكون النظر فإما أن يحذف المضاف من النظر أي أدنى دارها ذو نظر وإما أن يحذف من الأول أي نظر أدنى دارها نظر عالي ليكون الثاني الأول في المصباح علا علوا من باب قعد ارتفع فهو عال يريد أن أقرب مكان من دارها بعيد فكيف بها ودونها نظر عال والجملتان الاسميتان حال من ضمير المؤنث في تنورتها وجاءت الثانية بلا واو كقوله (1) ( والله يبقيك لنا سالما ** برداك تعظيم وتبجيل ) وهذا البيت من قصيدة طويلة لامرئ القيس عدتها ستة وخمسون بيتا وهي من عيون شعره وأكثرها وقعت شواهد في كتب المؤلفين هنا وفي مغني اللبيب وفي كتب النحو والمعاني فينبغي شرحها تتميما للفائدة وإن شرحت هنا بأجمعها طال الكلام فلنوزعها مع الأبيات التي ذكرت منها في هذا الكتاب متفرقة فنذكر هنا من أول القصيدة إلى البيت الذي شرحناه ( الا عم صباحا أيها الطلل البالي ** وهل يعمن من كان في العصر الخالي ) ( وهل يعمن إلا سعيد مخلد ** قليل الهموم ما يبيت بأوجال ) قوله عم صباحا هذه الكلمة تحية عند العرب يقال عم صباحا وعم مساء وعم ظلاما والصباح من نصف الليل الثاني إلى الزوال والمساء من الزوال إلى نصف الليل الأول قال ابن السيد في شرح شواهد أدب الكاتب يقال وعم يعم كوعد يعد وومق يمق وذهب قوم إلى أن يعم محذوف من ينعم وأجازوا عم صباحا بفتح العين وكسرها كما يقال أنعم صباحا وأنعم زعموا أن
____________________
1- ( السريع )

بعض العرب أنشد ( إلا عم صباحا أيها الطلل البالي ** ) بفتح العين وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء سئل عن قول عنترة (1) ( وعمي صباحا دار عبلة واسلمي ** ) فقال هو من نعم المطر إذا كثر ونعم البحر إذا كثر زبده كأنه يدعو لها بالسقيا وكثرة الخير وقال الأصمعي والفراء إنما هو دعاء بالنعيم والأهل وهو المعروف وما حكاه يونس نادر غريب ولم يذكر صاحب الصحاح مادة وعم قال وقولهم عم صباحا كأنه محذوف من نعم ينعم بالكسر وزعم ابن مالك في التسهيل أن عم فعل أمر غير متصرف قال أبو حيان ليس الأمر كما زعم بل هو فعل متصرف وقد حكى يونس وعمت الدار أعم أي قلت لها انعمي قال الأصمعي عم في كلام العرب أكثر من انعم وقد روى ألا انعم صباحا الخ ونعم الشيء نعومة صار ناعما لينا من باب كرم وحذر وحسب ويقال انعم صباحك أيضا من النعومة وصباحا ظرف أو تمييز محول عن الفاعل والطلل ما شخص من آثار الدار والرسم مطلق الأثر والبالي من بلي الثوب من باب تعب بلى بالكسر والقصر وبلاء بالفتح والمد خلق أو من بلي الميت أفنته الأرض وقوله وهل يعمن هو استفهام إنكاري استشهد به ابن هشام في شرح الألفية على أن من يستعمل في غير العقلاء وقال العسكري في كتاب التصحيف اختلفوا في معناه لا في لفظه فقال الأصمعي اللفظ على مذهب أنت يا طلل قد تفرق أهلك وذهبوا فكيف تنعم بعدهم أو المعنى كيف أنعم أنا فكأنه يعني أهل الطلل والعصر بضمتين لغة في العصر وهو الدهر والخالي الماضي قال تعالى ! ( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) ! وقوله وهل يعمن إلا سعيد إلخ قال العسكري المخلد الطويل العمر الرخي البال ومخلد إذا لم يشب وقيل المخلد المقرط والقرط الخلدة ورواه بعضهم
____________________
1- ( الكامل )

( وهل ينعمن إلا خلي مخلد ) وقال يعني غلاما حدثا خليا من العشق والأوجال جمع وجل وهو الخوف وفعله من باب تعب ( وهل يعمن من كان أحدث عهده ** ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال ) قال العسكري نقلا عن الأصمعي وابن السكيت يقول كيف ينعم من كان أقرب عهده بالرفاهية ثلاثين شهرا من ثلاثة أحوال على أن في بمعنى من ثم قالا وقد تكون بمعنى مع قال ابن السيد وكونها بمعنى مع أشبه من كونها بمعنى من ورواه الطوسي أو ثلاثة أحوال وكل من فسره ذهب إلى أن الأحوال هنا السنون جمع حول والقول فيه عندي أن الأحوال هنا جمع حال لا جمع حول وإنما أراد كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهرا وقد تعاقبت عليه ثلاثة أحوال وهي اختلاف الرياح عليه وملازمة الأمطار له والقدم المغير لرسومه فتكون في هنا هي التي تقع بمعنى واو الحال في نحو قولك مرت عليه ثلاثة أشهر في نعيم أي وهذه حاله ( ديار لسلمى عافيات بذي الخال ** الح عليها كل أسحم هطال ) عافيات من عفا المنزل يعفو عفوا وعفوا وعفاء بالفتح والمد درس وذو الخال قال ابن الأثير في المرصع جبل مما يلي نجدا وقيل موضع وأنشد هذا البيت ولم يذكره ياقوت في معجم البلدان والأسحم الأسود أراد به السحاب لكثرة مائه وهذا البيت مصرع وديار مبتدأ ولسلمى وصفه وعافيات خبره وبذي الخال حال من ضمير عافيات وجملة ألح خبر بعد خبر ** وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ** بوادي الخزامى أو على رأس أو عال ) والعهد الحال والعلم يقال هو قريب العهد بكذا أي قريب العلم والحال والخزامى بالضم والقصر خيري البر ووادي الخزامى ورأس
____________________

أوعال موضعان ويروى ذات أوعال قال ابن الأثير في المرصع هي هضبة فيها بئر وقيل هي جبل بين علمين في نجد والأوعال جمع وعل وأنشد هذا البيت أي إن سلمى تظن أنها تبقى على الحالة التي كنا عليها في ذينك المكانين ( وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا ** من الوحش أو بيضا بميثاء محلال ) سلمى فاعل تحسب والمفعول الأول من ترى محذوف أي نفسها جملة ترى خبر لا تزال وهذا الإعراب جار في السابق على هذا الترتيب والرؤية علمية وطلا مفعولها الثاني والطلا بالفتح ولد الظبية ومن الوحش صفة طلا وبيضا معطوف على طلا أراد بيض النعام في البياض والملاسة والنعومة والميثاء قال في العباب هو بالفتح الأرض السهلة وأنشد هذا البيت وقال العسكري في التصحيف هو بفتح الميم طريق للماء عظيم مرتفع من الوادي فإذا كان صغيرا فهي شعبة وهو نحو من ثلث الوادي أو أقل فإذا كان أكثر من ذلك فهو تلعة فإذا كان مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهو ميثاء والميث ما لأن وسهل من الأرض وروي الميثاء بالكسر وهي الأرض اللينة وروي الميتاء بالكسر وبالتاء المثناة فوق وهو الطريق المأتي أي المسلوك والمحلال بالكسر من حللت إذا نزلت به قال الصاغاني وأرض محلال إذا أكثر القوم النزول فيها وكذلك روضة محلال وأنشد هذا البيت وقال العيني أي تحسبها ظبية لا تزال تنظر إلى ولدها وتحسبها بيض نعام وقال بعض شراح القصيدة أي بالبادية حيث يكون بيض النعام أو ولد الوحش 1 هـ وهذا لا يخفى ما فيه ( ليالي سلمى إذ تريك منصبا ** وجيدا كجيد الريم ليس بمعطال ) ليالي منصوب بتقدير اذكر ونحوه وإذ بدل من ليالي ومنصبا قال العسكري من رواه بالنون أراد ثغرها والمنصب المستوى من الأرض المتسق ومن روى مقصبا بالقاف أراد شعرها قصبته جعلته ذوائب وشعر مقصب أي قصابة قصابه وقال الأصمعي قصبه قصبة وقال غيره
____________________

قصيبة وقصائب انتهى وفي الصحاح الذوائب المقصبة تلوى ليا حتى تترجل ولا تضفر واحدتها قصيبة وقصابة بالضم والتشديد والمعطال المرأة التي خلا جيدها من القلائد والفعل من باب قتل وعطلا بالتحريك وعطولا بالضم ( ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ** كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي ) بسباسة امرأة من بني أسد وكبر شاخ يقال كبر الصبي وغيره من باب تعب مكبرا كمسجد وكبرا كعنب وشهده بالكسر يشهده بالفتح شهودا حضره واللهو مصدر لهوت بالشيء إذا لعبت به قال في الصحاح وقد يكنى باللهو عن الجماع وقوله تعالى ( لو أردنا أن نتخذ لهوا قالوا ) أمرأة ويقال ولدا ( بلى رب يوم قد لهوت وليلة ** بآنسة كأنها خط تمثال ) بلى حرف إيجاب يختص بالنفي ويفيد إثباته وأثبت به هنا الشهود المنفي في البيت السابق ورواه ابن هشام في مغني اللبيب فيارب يوم إلخ وأورده شاهدا على ورود رب للتكثير وجملة قد لهوت صفة يوم والعائد محذوف أي فيه وصفة ليلة مع العائد محذوف أي لهوت فيها ولا يجوز أن يكون الوصف لهما والآنسة المرأة التي تأنس بحديثك والخط الكتابة قال في العباب يقال خطة فلان كما يقال كتبه وأنشد هذا البيت واقل في مادة مثل والتمثال الصورة والجمع التماثيل وقوله تعالى ! ( ما هذه التماثيل ) ! أي الأصنام وقوله تعالى ! ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل ) ! وهي صور الأنبياء عليهم السلام وكان التصوير مباحا في ذلك الوقت ( يضيء الفراش وجهها لضجيعها ** كمصباح زيت في قناديل ذبال ) الفراش مفعول مقدم ووجهها الفاعل والمصباح السراج والذبال بضم الذال وتشديد الموحدة جمع ذبالة وهي الفتيلة لغة في الذبال
____________________

بتخفيف الباء ويروى في قناديل آبال جمع أبيل كشريف وأشراف وهو الراهب قال عدي بن زيد العبادي (1) ( إنني والله فاقبل حلفتي ** بأبيل كلما صلى جأر ) و في بمعنى مع ( كأن على لباتها جمر مصطل ** أصاب غضى جزلا وكف بأجذال ) ( وهبت له ريح بمختلف الصوى ** صبا وشمالا في منازل قفال ) اللبة المنحر وموضع القلادة من الصدر والمراد هنا هو الثاني والمصطلى اسم فاعل من اصطلى بالنار وصلى بها وصليها من باب تعب وجد حرها وجملة أصاب غضى صفة لمصطل والغضى شجر خشبة من أصلب الخشب ولهذا يكون في فحمه صلابة وأصاب وجد والجزل الغليظ وجزل الحطب بالضم إذا عظم وغلظ فهو جزل وكف بالبناء للمفعول من كففت الثوب أي خطت حاشيته وهي الخياطة الثانية أراد جعل حول الجمر أجزال وهي أصول الحطب العظام جمع جذل بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة والمختلف بفتح اللام موضع الاختلاف أي التردد وهو أن تذهب ريح وتجيء ريح والصوى جمع صوة كقوى جمع قوة والصوة قال في الصحاح هي مختلف الريح وأنشد هذا البيت والصوة أيضا حجر يكون علامة في الطريق وليس بمراد هنا خلافا لبعضهم والقفال جمع قافل كعباد وعابد والقافل الراجع من سفره وفعله من باب قعد ويكون القفول في المبتدئ للسفر تفاؤلا بالرجوع بالغ في سخونة هذه المرأة في الشتاء حيث وصف الحلي الذي على لباتها بما ذكر في البيتين وهذا مدح في النساء كما إذا بردت في الصيف قال الأعشى + ( المتقارب ) +
____________________
1- ( الرمل )

( وتسخن ليلة لا يستطيع ** نباحا بها الكلب إلا هريرا ) ( ** ( وتبرد برد رداء العروس ** بالصيف رقرقت فيه العبيرا ) ( كذبت لقد أصبي على المرء عرسه ** وامنع عرسي أن يزن بها الخالي ) صرح بتكذيب بسباسة حيث زعمت أنه لا يلهو بالنساء فقال إني أشوق النساء إلي مع وجود أزواجهن ولا أدع أحدا يتهم بامرأتي لأنها لا تميل إلى أحد مع وجودي لأني محبب عند النساء وأصبي مضارع أصبيت المرأة بمعنى شوقتها وجعلتها ذات صبوة وهي الشوق والعرس بالكسر الزوجة ويزن يتهم بالبناء للمفعول يقال أزننته بشيء اتهمته به وهو يزن بكذا وأزنة بالأمر إذا اتهمه به والخالي قال في الصحاح قال الأصمعي هو من الرجال الذي لا زوجة له وأنشد هذا البيت ( ومثلك بيضاء العوارض طفلة ** لعوب تنسيني إذا قمت سربالي ) الواو واو رب وهو خطاب لبسباسة في القاموس العارض والعارضة صفحة الخد وصفحتا العنق وجانبا الوجه والعارضة أيضا ما يستقبلك من الشيء ومن الوجه ما يبدو عند الضحك والطفلة بفتح الطاء الناعمة البدن والطفل الناعم واللعوب الحسنة الدل والنسيان خلاف الذكر وأنسانية الله ونسانيه تنسية بمعنى ورواه الجوهري عن أبي عبيدة لعوب تناساني إذا قمت سربالي قال ومعناه تنسيني والسربال القميص ( لطيفة طي الكشح غير مفاضة ** إذا انفتلت مرتجة غير متفال ) لطف لطفا ولطافة ككرم صغر ودق وهو لطيف والكشح بالفتح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وطي الكشح هنا جدلها وفتلها يريد أنها مجدولة الكشح جدلا لطيفا فإن هيف الكشح والخصر ممدوح والمفاضة من النساء الضخمة البطن وهذا ذم فيهن ومن الدروع الواسعة وهما من الفيض وانفتلت انصرفت ومرتجة من الارتجاج وهو التحرك والاضطراب أراد عظم كفلها وهي خبر تكون محذوفة والمتفال بالكسر من تفل بالمثناة الفوقية
____________________

والفاء قال في العباب التفل بالتحريك مصدر قولك تفل الرجل بالكسر إذا ترك الطيب فهو تفل وأمرأة تفلة وفي الحديث لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات أي تاركات للطيب وامرأة متفال إذا كانت كذلك وأتفله غيره ومنه حديث علي رضي الله عنه لرجل رآه نائما في الشمس قم عنها فإنها تتفل الريح وتبلي الثوب وتظهر الداء الدفين وصفها بثلاثة أمور بهضم الخصر وضخامة الكفل والطيب ( إذا ما الضجيع ابتزها من ثيابها ** تميل عليه هونة غير معطال ) ابتزها نزع بزها أي ثيابها وأراد مطلق النزع والسلب والهونة بالفتح والضم المتئدة والهون السكينة والوقار والمعطال تقدم تفسيره ويروي مجبال قال الأصمعي معناه هي الغليظة ( كدعص النقا يمشي الوليدان فوقه ** بما احتسبا من لين مس وتسهال ) الدعص بالكسر قطعة من الرمل مستديرة والنقا الكثيب من الرمل أراد تشبيه عجزها بالدعص لعظمه حتى أن ولدين يمكنهما أن يلعبا فوقه من غير ضرر عليهما للينه وسهولته والوليدان الصبيان وأحتسب أكتفى والتسهال السهولة ( إذا ما أستحمت كان فيض حميمها ** على متنتيها كالجمان لدى الحال ) استحمت اغتسلت بالحميم وهو الماء الحار ومتنتا الظهر مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم والمفرد متن ومتنة والجمان بالضم اللؤلؤ والحال وسط الظهر ومن الفرس موضع اللبد أراد أن الماء الذي ينفصل من ظهرها عند الاغتسال يشبه اللؤلؤ المتناثر تنورتها من أذرعات (1) الضمير راجع إلى بسباسة وقد شرح البيت ( نظرت إليها والنجوم كأنها ** مصابيح رهبان تشب لقفال )
____________________
1- ( البيت )

ضمير إليها راجع إلى النار المفهوم من تنورتها وجملة والنجوم إلخ حال من الفاعل وجملة تشب حال من ضمير النار قال ابن رشيق في العمدة ومن أبيات المبالغة قول امرئ القيس يصف نارا وإن كان فيه إغراق نظرت إليها والنجوم البيت يقول نظرت إلى نار هذه المرأة تشب لقفال والنجوم كأنها مصابيح رهبان وقد قال تنورتها من أذرعات البيت وبين المكانين بعد أيام وإنما يرجع القفال من الغزو والغارات وجه الصباح فإذا رآها من مسيرة أيام وجه الصباح وقد خمد سناها وكل موقدها فكيف كانت أول الليل وشبه النجوم بمصابيح الرهبان لأنها في السحر يضعف نورها كما يضعف نور المصابيح الموقدة ليلها أجمع لا سيما مصابيح الرهبان لأنهم يكلون من سهر الليل فربما نعسوا في ذلك الوقت وقال بعضهم ومن التشبيه الصادق هذا البيت فإنه شبه النجوم بمصابيح رهبان لفرط ضيائها وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عليها لتزهر إلى الصبح فكذلك النجوم زاهرة طول الليل وتتضاءل إلى الصبح كتضاؤل المصابيح له وقال تشب لقفال لأن أحياء العرب بالبادية إذا قفلت إلى مواضعها التي تأوي إليها من مصيف إلى مشتى إلى مربع أوقدت لها نيران على قدر كثرة منازلها وقلتها ليهتدوا بها فشبه النجوم ومواقعها من السماء بتفرق تلك النيران واجتماعها من مكان بعد مكان على حسب منازل القفال بالنيران الموقدة لهم وقد طال الكلام هنا ولم يمكننا أن نترجم امرا القيس ونترجمه إن شاء الله في الشاهد الثاني من شواهد شعره * * *
____________________

( أقسام التنوين ) وأنشد بعده وفي آخر الشرح في التنوين وهو الشاهد الرابع (1) ( أقلي اللوم عاذل والعتابن ** وقولي إن أصبت لقد اصابن ) على أن تنوين الترنم يلحق الفعل والمعرف باللام وقد اجتمعا في هذا البيت والفعل سواء كان ماضيا كما ذكر أو مضارعا كقوله + ( الرجز ) + ( داينت أروى والديون تقضين ** ) وقد لحقت المضمر أيضا كقوله
____________________
1- ( الوافر )

( يا أبتا علك أو عساكن ** ) قال الشارح ولم يسمع دخولها على الحرف ولا يمتنع ذلك في القياس أقول قد سمع في الحرف أيضا كما مثل له شراح الألفية بقول النابغة (1) ( أفد الترحل غير أن ركابنا ** لما تزل برحالنا وكأن قدن ) ولحاق هذا التنوين لما ذكر إنما هو عند بني تميم كما قال الشارح وعند قيس أيضا كما قاله ابن جني في سر الصناعة وأقلي فعل أمر مسند إلى ضمير العاذلة يقال أقللته وقللته بمعنى جعلته قليلا بتعدية قل بالهمزة والتضعيف وهذا المعنى ليس بمراد بل المقصود اتركي اللوم فإن القلة يعبر بها عن العدم كما هو مستفيض واللوم مفعول أقلي وهو مصدر لام يلوم ومعناه العذل والتوبيخ وعاذل منادى محذوف منه حرف
____________________
1- ( الكامل )

النداء ومرخم عاذلة من عذل يعذل من بابي ضرب وقتل بمعنى لام والعتاب معطوف على اللوم مصدر عاتب معاتبة وعتابا قال الخليل العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة أي الغضب وهذا ليس بمقصود إذ هو بهذا المعنى لا يكون إلا بين متحابين وإنما المراد مصدر عتب عليه عتبا من بابي ضرب وقتل بمعنى لامه في تسخط وقوله قولي فعل أمر أيضا معطوف على أقلي وقوله لقد أصابن مقول القول وجملة إن أصبت معترضة بينهما وجواب الشرط محذوف وجوبا يفسره جملة القول وهذا البيت مطلع قصيدة طويلة عدد أبياتها مائة وتسعة لجرير يهجو عبيد الراعي النميري والفرزدق وسبب هجوه إياهما على ما حكى في شرح المناقضات أن عرادة النميري كان نديما للفرزدق فقدم الراعي البصرة فقدم عرادة طعاما وشرابا فدعا الراعي فلما أخذت الكاس منهما قال عراده للراعي يا أبا جندل قل شعرا تفضل الفرزدق على جرير فلم يزل يزين له ذلك حتى قال (1) ( يا صاحبي دنا الأصيل فسيرا ** غلب الفرزدق في الهجاء جريرا ) فغدا به عرادة على الفرزدق فأنشده إياه وكان عبيد الراعي شاعر مضر وذا سنها فحسب جرير أنه مغلب الفرزدق عليه فلقيه يوم الجمعة فقال يا أبا جندل إني أتيتك بخبر أتاني إني وابن عمي هذا يعني الفرزدق نستب صباحا ومساء وما عليك غلبة المغلوب ولا عليك غلبة الغالب فإما أن تدعني وصاحبي وإما أن تغلبني عليه لانقطاعي إلى قيس وحطي في حبلهم فقال له الراعي صدقت لا أبعدك من خير ميعادك المربد فصحبه جرير فبينما هما يستخرج كل منهما مقالة صاحبه رآهما جندل بن عبيد فأقبل يركض على فرس له فضرب بغلة أبيه الراعي وقال مالك يراك الناس واقفا على كلب بني كليب فصرفه عنه فقال جرير أما والله لأثقلن رواحلك ثم أقبل إلى منزلة فقال للحسين روايته زد في دهن سراجك الليلة وأعدد لوحا ودواة ثم أقبل على هجاء بني نمير فلم يزل يملي
____________________
1- ( الكامل )

حتى ورد عليه قوله (1) ( فغض الطرف إنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كلابا ) فقال حسبك أطفئ سراجك ونم فرغت منه ثم إن جريرا أتم هذه بعد وكان يسميها الدامغة أو الدماغة وكان يسمى هذه القافية المنصورة لأنه قال قصائد فيها كلهن أجاد فيها وبعد أن أتمها أدخل طرف ثوبه بين رجليه ثم هدر فقال أخزيت ابن يربوع حتى إذا أصبح غدا ورأى الراعي في سوق الإبل فأتاه وأنشده إياها حتى وصل إلى قوله ( أجندل ما تقول بنو نمير ** إذا ما الأير في أست أبيك غابا ) فقال الراعي شرا والله تقول ( علوت عليك ذروة خندفي ** ترى من دونها رتبا صعابا ) ( لنا حوض النبي وساقياه ** ومن ورث النبوة والكتابا ) ( إذا غضبت عليك بنو تميم ** حسبت الناس كلهم غضابا ) ( فغض الطرف إنك من نمير ** ) + ( البيت ) + فقال الراعي وهو يريد نقضها ( أتاني أن جحش بني كليب ** تعرض حول دجلة ثم هابا ) ( فأولى أن يظل البحر يطفو ** بحيث ينازع الماء السحابا ) ( أتاك البحر يضرب جانبيه ** أغر ترى لجريته حبابا ) ثم كف ورأي أن لا يجيبه فأجاب عنه الفرزدق على روي قوله (1)
____________________
1- ( الوافر )

( أنا ابن العاصمين بني تميم ** إذا ما أعظم الحدثان نابا ) ثم إن الراعي قال لابنه يا غلام بئسما كسبنا قومنا ثم قام من ساعته وقال لأصحابه ركابكم فليس لكم ها هنا مقام فضحكم جرير فقال له بعض القوم ذلك بشؤمك وشؤم ابنك وسار إلى أهله فلما وصل إليهم سمع عند القدوم ( فغض الطرف إنك من نمير ** ) (1) وأقسم بالله ما بلغها إنسي وإن لجرير لأشياعا من الجن فتشاءمت به بنو نمير وسبوه وسبوه ابنه وهم يتشاءمون به إلى الآن قال ابن رشيق في العمدة وممن وضعه ما قيل فيه من الشعر حتى أنكر نسبه وسقط عن رتبته وعيب بفضيلته بنو نمير كانوا جمرة من جمرات العرب إذا سئل أحدهم ممن الرجل فخم لفظه ومد صوته وقال من بني نمير إلى أن صنع جرير قصيدته التي هجا بها عبيد بن حصين الراعي فسهر لها فطالت ليلته إلى أن قال فغض الطرف إنك من نمير البيت فأطفأ سراجه ونام وقال والله قد أخزيتهم آخر الدهر فلم يرفعوا رأسا بعدها إلا نكس بهذا البيت حتى أن مولى لباهلة كان يرد سوق البصرة ممتارا فيصيح به بنو نمير ياجوذاب بالهة فقص الخبر على مواليه وقد ضجر من ذلك فقالوا له إذا نبزوك فقل لهم ( فغض الطرف أنك من نمير ** ) (1) ومر بهم بعد ذلك فنبزوه وأراد البيت فنسيه فقال غمض وإلا جاءك ما تكره فكفوا عنه ولم يعرضوا له بعدها ومرت امرأة ببعض مجالس بني نمير فأداموا النظر إليها فقالت قبحكم الله يا بني نمير ما قبلتم قول الله عز وجل ! ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ! ولا قول الشاعر ( فغض الطرف إنك من نمير ** ) (1)
____________________
1- ( البيت )

وهذه القصيدة تسميها العرب الفاضحة وقيل سماها جرير الدماغة تركت بني نمير بالبصرة ينتسبون إلى عامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميرا إلى أبيه هربا من ذكر نمير وفرارا مما وسم به من الفضيحة والوصمة وأعلم أن جمرات العرب ثلاث وهم بنو نمير بن عامر بن صعصعة وبنو الحارث بن كعب وبنو ضبة بن أد فطفئت جمرتان وهما بنو ضبة لأنها حالفت الرباب وبنو الحارث بن كعب لأنها حالفت مذحجا وبقيت نمير لم تحالف فهي على كثرتها ومنعتها وكان الرجل منهم إذا قيل له من أنت قال نميري إدلالا بنسبه وافتخارا بمنصبه حتى قال جرير ( فغض الطرف إنك من نمير ** ) (1) وكعب وكلاب ابنا ربيعة بن عامر بن صعصعة والتجمير في كلام العرب التجميع وإنما سموا بذلك لأنهم متوافرون في أنفسهم لم يدخلوا معهم غيرهم وفي القاموس الجمرة النار المتقدة وألف فارس والقبيلة لا تنضم إلى أحد أو التي فيها ثلاثمائة فارس وجمرات العرب بنو ضبة بن أد وبنو الحارث بن كعب وبنو نمير بن عامر أو عبس والحارث وضبة لأن أمهم رأت في المنام أنه خرج من فرجها ثلاث جمرات فتزوجها كعب بن عبد المدان فولدت له الحارث وهم أشراف اليمن ثم تزوجها بغيض بن ريث فولدت له عبسا وهم فرسان العرب ثم تزوجها أد فولدت له ضبة فجمرتان في مضر وجمرة في اليمن وجرير ابن عطية بن الخطفى بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وجرير من الأسماء المنقولة لأن الجرير حبل يكون في عنق الدابة أو الناقة من أدم كذا في أدب الكاتب وسمي جريرا لأن أمه كانت رأت في نومها وهي حاملة به أنها تلد جريرا فكان يلتوي على عنق رجل فيخنقه ثم في عنق آخر ثم في عنق آخر حتى كاد يقتل عدة من الناس ففزعت من رؤياها وقصتها على معبر فقال لها إن صدقت رؤياك ولدت
____________________
1- ( البيت )

ولدا يكون بلاء على الناس فلما ولدته سمته جريرا وكان تأويل رؤياها أنه هجا ثمانين شاعرا فغلبهم كلهم إلا الفرزدق وكانت أمه ترقصه وهو صغير وتقول (1) ( قصصت رؤياي على ذاك الرجل ** فقال لي قولا وليت لم يقل ) ( لتلدن عضلة من العضل ** ذا منقق جزل إذا قال فضل ) ( مثل الحسام العضب ما مس فصل ** يعدل ذا الميل ولما يعتدل ) ( ينهل سما من يعادي ويعل ** ) والخطفى لقب جده واسمه حذيفة مصغر حذفة وهي الرمية بالعصا ولقب بالخطفى لقوله (1) ( يرفعن بالليل إذا ما أسدفا ** أعناق جنان وهاما رجفا ) ( وعنقا باقي الرسيم خطفا ) ويروى خطيفا وهو السريع ويكنى جرير أبا حزرة بفتح المهملة وسكون المعجمة بابن كان له والحزرة فعلة من حزرت الشيء إذا خرصته وخمنته والحزرة أيضا خيار المال وحموضة اللبن قال ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء وكان له عشرة من الولد فيهم ثمانية ذكور منهم بلال وكان أفضلهم وأشعرهم وله عقب منهم عمارة ابن عقيل بن بلال ومن ولد جرير نوح وعكرمة وكانا شاعرين أيضا وكان
____________________
1- ( الرجز )

جرير من فحول شعراء الإسلام وكان يشبه بالأعشى ميمون وكان من أحسن الناس تشبيبا قال الأصمعي سمعت الحي يتحدثون عن جرير أنه قال لولا ما شغلني من هذه الكلاب لشببت تشبيبا تحن منه العجوز إلى شبابها حنين الناقة إلى سقبها وكان من أشد الناس هجاء وقد أجمع علماء الشعر على أن جريرا والفرزدق والأخطل مقدمون على سائر شعراء الإسلام واختلفوا في أيهم أفضل وقد حكم مروان بن أبي حفصة بين الثلاثة بقوله (1) ( ذهب الفرزدق بالفخار وإنما ** حلو الكلام ومره لجرير ) ( ولقد هجا فأمض أخطل تغلب ** وحوى اللهى بمديحه المشهور ) فحكم للفرزدق بالفخار وللأخطل بالمدح والهجو ولجرير بجميع فنون الشعر قال المدائني كان جرير أعق الناس لأبيه وكان أبنه بلال أعق الناس به فراجع جرير بلالا في الكلام فقال بلال الكاذب من ناك أمه فأقبلت عليه وقالت له يا عدو الله أتقول هذا لأبيك قال جرير فوالله لكأني أسمعها وأنا أقولها لأبي ولما بلغ موت الفرزدق جريرا قال (1) ( هلك الفرزدق بعد ما جدعته ** ليت الفرزدق كان عاش قليلا ) ثم أطرق طويلا وبكى فقيل له ما أبكاك قال بكيت على نفسي والله إني لأعلم أني عن قليل لاحقه فلقد كان نجمنا واحدا وكل واحد منا مشغول بصاحبه وقلما مات ضد أو صديق إلا تبعه الآخر ثم أنشأ يرثيه + ( الطويل ) +
____________________
1- ( الكامل )

( فجعنا بحمال الديات ابن غالب ** وحامي تميم عرضها والبراجم ) ( بكيناك حدثان الفراق وإنما ** بكناك إذ نابت أمور العظائم ) ( فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ** ولا شد أنساع المطي الرواسم ) ثم لم يلبث أن مات بعد قليل باليمامة وذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من اسمه جرير من الشعراء سبعة أحدهم هذا وتوفي في سنة عشر وقيل إحدى عشرة ومائة وعمره قد قارب التسعين والثاني جرير العجلي وهو عصري الأول وقد رد على الفرزدق الثالث جرير بن عبد الله أحد بني عامر بن عقيل فارس شاعر والرابع جرير بن عبد المسيح الضبعي وهو المتلمس صاحب طرفة بن العبد والخامس جرير بن كليب ابن نوفل وهو إسلامي السادس جرير بن الغوث أخو بني كنانة بن القين السابع جرير وهذا مصغر وهو أبو مالك المدلجي * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس وهو من شواهد سيبويه أنشده في باب وجوه القوافي واستشهد به لما يلزم من إثبات الواو والياء إذا كانتا قافيتين كما يلزم إثبات القاف في المخترق لأنها حرف الروي (1) ( وقاتم الأعماق خاوي المخترقن )
____________________
1- ( الرجز )

على أن تنوين الترنم قد يلحق الروي المقيد فيختص باسم الغالي تبع الشارح المحقق في جعل تنوين الغالي نوعا من تنوين الترنم لابن جني فإنه قال في سر الصناعة الرابع من وجوه التنوين وهو أن يلحق أواخر القوافي معاقبا لما فيه من الغنة لحرف الميم وهو على ضربين أحدهما أن يلحق متمما للبناء والآخر أن يلحق زيادة بعد استيفاء البيت جميع أجزائه نيفا من آخره بمنزلة الزيادة المسماة خزما في أوله ثم قال وإنما زادوا هذا التنوين في هذا الموضع ونحوه بعد تمام الوزن لأن من عادتهم أن يلحقوه فيما يحتاج إليه الوزن نحو ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلن ** ) وقوله ( الحمد لله الوهوب المجزلن ** ) فلما اعتادوه فيما يكمل وزنه ألحقوه أيضا بما هو مستغنى عنه وهذا معنى قول الشارح وإنما الحق بالروي المقيد تشبيها له بالمطلق وزعم ابن يعيش أن فائدة هذا التنوين التطريب والتغني وجعله ضربا من تنوين الترنم وزعم أن تنوين الترنم يراد به ذلك وهو غلط كما بينه الشارح المحقق وقال عبد القاهر فائدته الإيذان بأن المتكلم واقف لأنه إذا أنشد عجلا والقوافي ساكنة صحيحة لم يعلم أو اصل هو أم واقف وأنكر هذا التنوين الزجاج والسيرافي وزعما أن رؤبة كان يزيد في أواخر الأبيات إن فلما ضعف صوته بالهمزة لسرعة الإيراد ظن السامع أنه نون وفي هذا توهيم الرواة الثقات بمجرد الأحتمال وقول الشارح فيفتح ما قبل النون تشبيها لها بالخفيفة أو يكسر للساكنين كما في حينئذ قال ابن هشام في شرح الشواهد والأخفش يسمي هذا التنوين غاليا والحركة التي قبل التنوين غلوا وهي الكسرة لأنها الأصل في التقاء الساكنين كقولهم يومئذ ومه وزعم ابن الحاجب أن الأولى أن تكون الحركة قبل فتحة كما في نحو اضربن وأن هذا أولى من أن يقاس على يومئذ لأن ذاك له أصل في المعنى وهو عوض من المضاف إليه ولنا أن قياس التنوين على التنوين أولى
____________________

لاتحاد جنسهما ولأنهما يكونان في الاسم والنون لا تكون إلا في الفعل ثم إن فتحه اضربن للتركيب كما في خمسة عشر لا لالتقاء الساكنين والروي هو الحرف الذي تنسب إليه القصيدة مأخوذ من الرواء بالكسر والمد وهو الحبل والمقيد الساكن الذي ليس حرف علة وهذا البيت مطلع قصيدة مرجزة مشهورة لرؤبة بن العجاج وقال ابن قتيبة في أول كتاب الشعر والشعراء حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال كان ثلاثة إخوة من بني سعد لم يأتوا الأمصار ذهب رجزهم يقال لهم نذير ومنيذر ومنذر يقال إن قصيدة رؤبة التي أولها وقاتم الأعماق لنذير وهذه القصيدة طويلة لا فائدة في إيراد جميعها لكن فيها بيت من شواهد التفسير ومغني اللبيب لا يتضح معناه إلا بشرح الأبيات التي قبلة فلهذا شرحت فقوله وقاتم الواو واو رب وهي عاطفة لا جارة وقاتم مجرور برب لا بالواو على الصحيح وقد أنشد الشارح هذا البيت في رب من حروف الجر أيضا على أن رب محذوفة بعد الواو وذكر أنه يجوز حذفها في الشعر بعد الواو والفاء وبل ولم أر من قيد حذفها في الشعر وغيره وهذا هو مذهب البصريين وزعم الكوفيون والمبرد أن الجر ب الواو لا ب رب واستدلوا في افتتاح القصائد بها كهذا البيت وأجيب بجواز العطف على كلام تقدم ملفوظ به لم ينقل أو مقدر حكم له منويا في النفس بحكم المنطوق به ورد مذهبهم بوجوه أيضا أحدها أنها مع ذكر رب عاطفة باتفاق فكذلك مع حذفها ولا تنقل عن ذلك إلا بدليل والأصل عدمه قال ابن خالويه الواو إذا كانت في أوائل القصائد نحو وقاتم الأعماق فإنها تدل على رب فقط ولا تكون للعطف لأنه لم يتقدم ما يعطف عليه بالواو قال أبو علي الفارسي في نقض الهاذور هذا شيء لم نعلم أحدا ممن حكينا قوله في ذلك ذهب إليه ولا قال به وليس هذا الذي تظناه من الفصل بين الأوائل وغيرها بشيء وذلك أن أوائل القصائد يدخل عليها
____________________

حروف العطف على جهة الخزم نحو مارووا من قوله (1) ( بل ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا ** ) وكأنه جعله عطفا على كلام قد كانوا يقولونه وقصة خاضوا فيها فعطف الشعر بحرف العطف على ذلك الكلام الذي كانوا فيه الثاني لو كانت الواو عوضا من رب لما جاز ظهورها معها لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض عنه الثالث أنها لو كنت نائبة عن رب لجامعها واو العطف كما تجامعها واو القسم كقوله + ( الطويل ) + ( ووالله لولا تمره ما حببته ** ) الرابع أن رب تضمر بعد الفاء وبل ولم يقل أحد إنهما حرفا جر فكذلك ينبغي أن يكون الحكم مع الواو وقال الشاطبي وفي هذه الأدلة كلها نظر وأقربها الرابع إن ثبت الاتفاق من الفريقين على أن الفاء وبل ليستا جارتين عند حذف رب فإن الفرق بينهما وبين الواو فيه بعد وبعد فهذه المسألة لا ثمرة لها في النحو وإنما البحث فيها مظهر للمرتكب الأولى في ضبط القوانين خاصة وإذا كان كذلك فما قاله أهل البصرة له وجه صحيح وما قاله الآخرون كذلك والله أعلم وقاتم قال الأصمعي في شرح ديوان رؤبة القتمة الغبرة إلى الحمرة مصدر الأقتم وقال ابن السكيت في كتاب القلب والإبدال ويقال أسود قاتم وقاتن بالميم والنون وفعله من بابي ضرب وعلم وهو صفة لموصوف محذوف أي رب بلد قاتم والأعماق جمع عمق بفتح العين وضمها وهو ما بعد من أطراف
____________________
1- ( الرجز )

المفاوز مستعار من عمق البئر يقال عمقت البئر عمقا من باب قرب وعماقة بالفتح أيضا بعد قعرها وتعديته بالهمزة والتضعيف والخاوي من خوى المنزل إذا خلا والمخترق بفتح الراء مكان الاختراق من الخرق بالفتح وأصله من خرقت القميص من باب ضرب إذا قطعته وقد استعمل في قطع المفازة فقيل خرقت الأرض إذا جبتها ومخترق الرياح ممرها ( مشتبه الأعلام لماع الخفق ) الأعلام جمع علم وهي الجبال التي يهتدي بها يريد أن أعلام هذا البلد يشبه بعضها بعضا فتشتبه عليك الهداية والخفق بفتح الخاء وسكون الفاء مصدر خفق السراب وخفقت الراية من بابي نصر وضرب خفقا وخفقانا إذا تحركت واضطربت وتحريك الفاء ضرورة يريد أنه يلمع فيه السراب ومشتبه ولماع صفتان لقاتم ( يكل وفد الريح من حيث انخرق ** ) يكل مضارع كل من باب ضرب كلالة تعب وأعيا ويتعدى بالألف وروي بضم الياء مضارع أكله ف الوفد مفعوله وضميره المستتر راجع لقاتم والجملة على الوجهين صفة لقاتم إلا أن الرابط في الوجه الأول محذوف أي يكل فيه الوفد جمع وافد من وفد على القوم من باب وعد وفدا ووفودا بمعنى قدم ووفد الريح أولها وهذا مثل وقوله حيث أنخرق أي حيث صار خرقا والخرق الواسع يريد أتسع فإذا اتسع الموضع فترت الريح وإذا ضاق اشتد مرورها فيه ( شأز بمن عوة جدب المنطلق ** ) قال أبو زيد شئز مكاننا شأزا غلظ واشتد ويقال قلق وأشأزه أقلقه ومثله شأس تصرفا ومعنى وهو هنا وصف كصعب بمعنى الغليظ والشديد وعوه بالعين المهملة مصدره التعويه بمعنى التعريس وهو النزول في آخر الليل وكل من احتبس في مكان فقد عوه والجدب بالفتح نقيض الخصب وهو هنا وصف كالأول فإنه يقال مكان جدب وأرض جدبة ويقال أيضا مكان
____________________

جديب وأرض جدوب أي بين الجدوبة فيهما وشأز وجدب وصفان لقاتم والمنطلق بفتح اللام محل الانطلاق يعني أن هذا البلد شديد على من تلبث فيه غير خصيب على المار والسالك ( ناء من التصبيح نأي المغتبق ** ) يقول هو بعيد من أن يصبحه الراكب فيصطبح فيه أو يأتيه ليلا فيغتبق وهو وصف لقاتم أيضا ( تبدو لنا أعلامه بعد الغرق ** ) يعني تظهر جبال بعد أن تغرق في الآل وضمير أعلامه لقاتم ومثله (1) ( ترى قورها يغرقن في الآل مرة ** وآونة يخرجن من غامر ضحل ) ( في قطع الآل وهبوات الدقق ** ) متعلق بالغرق قبله قال الأصمعي قطع الآل غدران من الآل جمع قطعة والآل قال ابن قتيبة في أدب الكاتب الفرق بين الآل والسراب أن الآل يكون أول النهار وآخره وسمي آلا لأن الشخص هو الآل فلما رفع الشخص قيل هذا آل قد بدا وتبين أما السراب فهو الذي تراه نصف النهار كأنه ماء ورد عليه ابن السيد في شرحه فقال إنكار أن يكون الآل هو السراب من أعجب شيء يسمع به وذكر أبياتا تدل على أن الآل هو السراب والهبوة الغبرة والدقق بضم الدال وفتح القاف الأولى جمع دقة وهو التراب الذي كسحته الريح من الأرض ( خارجة أعناقها من معتنق ** ) خارجه حال سببية من الأعلام وأعناقها فاعل خارجه والضمير للأعلام والمعتنق مخرج أعناق الجبال من السراب
____________________
1- ( الطويل )

( تنشطته كل مغلاة الوهق ) هذا جواب رب وقد غفل عنه العيني مع أنه شرح القصيدة جميعها فقال وجواب وقاتم الأعماق محذوف والتقدير ورب قاتم الأعماق إلخ قد قطعته أو جبته أو نحو ذلك انتهى وتنشطته تجاوزته بنشاط قال أبو حاتم هو أن تمد يدها ثم تسرع ردها والضمير للقاتم وكل فاعل والمغلاة من النوق التي تبعد الخطو وتغلو فيه أي تفرط والوهق المباراة في السير وقال الليث المواهقة المواظبة في السير ومد الأعناق وتواهقت الركاب تسايرت ( مضبورة قرواء هرجاب فنق ) المضبورة المجموعة الخلق المكتنزة والقرواء الطويلة القرا بالفتح والقصر وهو الظهر وفي الصحاح وناقة قرواء طويلة السنام ويقال الشديدة الظهر بينه القرا والهرجاب بالكسر والجيم الطويلة الضخمة من النوق والفنق بضم الفاء والنون الناقة الفتية الناقة الفتية ولا يقال لشيء من الذكور فنق وقيل المنعمة في عيشها وقال الأصمعي وهي الفتية الضخمة وهذه الكلمات الأربع صفات للمغلاة ( مائرة العضدين مصلات العنق ) مار الشيء يمور مورا تحرك وجاء وذهب أي يمور ضبعاها لسعة إبطيها وليست بكنزة فرجعهما سريع والعضدان بسكون الضاد مخفف من ضمها ويروي الضبعين بفتح المعجمة وسكون الموحدة وهو كالعضدين وزنا ومعنى والمصلات بالكسر ومثله الصلته بالفتح وهي التي انحسر الشعر عن عنقها والهجينة تكون شعراء العنق وقيل هي التي تنصلت في السير أي تتقدم ( مسودة الأعطاف من وسم العرق ) مسودة مجرور كالمائرة والمصلات صفات للمغلاة يقول قد جهدت حتى عرقت وتراكب عليها العرق واسود حتى صار وسما يقال وسمه وسما
____________________

وسمه إذا أثر فيه بسمة وكي وروى من وشم بالمعجمة يقال وشم يده وشما إذا غرزها بإبرة ثم ذر عليها النئور وهو النيل والاسم الوشم أيضا ( إذا الدليل استاف أخلاق الطرق ** ) إذا هنا ظرف وليست شرطية والعامل فيها ما في كأن من معنى التشبيه واستاف شم يقال ساف يسوف سوفا إذا شم وذلك بالليل يشم الدليل التراب وأخلاق الطرق الدارس منها التي قد أخلقت واحدها خلق بفتحتين شبهها بالثوب الخلق لأن الاستدلال بشم التراب إنما يكون في الطرق القديمة التي كثر المشي فيها فيوجد رائحة الأرواث والأبوال ( كأنها حقباء بلقاء الزلق ** ) ضمير كأنها للناقة المغلاة والحقباء مؤنث الأحقب وهو حمار الوحش سمي بذلك لبياض في حقويه شبه الناقة بالأتان الوحشية وهي في الجلادة والسرعة مثلها والبلقاء مؤنث الأبلق والزلق عجز الدابة أي المكان الذي تزلق اليد عن كفلها أبيض وأسود ( أو جادر الليتين مطوي الحنق ** ) في العباب وجدر ليته إذا بقي فيها جدر بالتحريك أي أثر الكدم والعض وجادر بمعنى ذو جدر والليت بالكسر صفحة العنق وهما ليتان يقول عضته الفحول فصار في عنقة أثر ومطوي الحنق قال الأصمعي في شرحه يقول طوي بالحنق أي بالضمر يقال أحنق إذا ضمر وإبل محانيق أي ضوامر وفي الصحاح حمار محنق ضمر من كثرة الضراب شبه الناقة التي سلكت به هذا البلد الهائل ممره في الوقت الذي يحار الدليل في الطرق القديمة التي لا علم بها وذلك آية الهلاك بالأتان الوحشية أو الحمار الوحشي الموصوفين بهذه الأوصاف وإنما خصهما بالتشبيه لكونهما أجلد الوحوش وأسرع وجادر معطوف على حقباء ( محملح أدرج الطلق ** )
____________________

هذا وصف للحمار الوحشي والمحملج اسم مفعول من حملج الحبل فتله فتلا شديدا وأوله مهملة وآخره معجمة وأدرج بالبناء للمفعول أيضا بمعنى فتل وطوي وإدراج بكسر الهمزة مصدر تشبيهي أي كإدراج الطلق والطلق بفتحتين قيد من جلود وصف هذا الحمار بالضمر واكتناز الخلق وذلك أشد لعدوه ( لوح منه بعد بدن وسنق ** ) يقال لاحه السفر ولوحه غيره وأضمره وضمير منه لجادر الليتين وفاعل لوح قود ثمان في البيت الثالث بعد هذا ومن للتبعيض وبدن بضم فسكون وبضمتين السمن والاكتناز تقول منه بدن الرجل بالفتح يبدن بدنا بالضم فيهما إذا ضخم وكذلك بدن بدانة فهو بادن وامرأة بادن أيضا في الصحاح والسنق بفتحتين البشم يقال شرب الفصيل حتى سنق بالكسر يسنق بالفتح وهو كالتخمة قال الأصمعي والسنق كراهة الطعام من كثرته على الإنسان حتى لا يشتهيه قيل لأعرابية أترين أحدا لا يشتهي الخبيص قالت ومن لا يشتهيه إلا من سنق منه ( من طول تعداء الربيع في الأنق ** ) هذا علة للسنق والأنق بفتحتين الإعجاب بالشيء تقول أنقت به من باب فرح فأنا به أنق أي معجب وقال الأصمعي الأنق المنظر المعجب ومنه أنيق يعني أنه سنق من طول ما عدا في الربيع في مكان أنيق ( تلويحك الضامر يطوى للسبق ** ) تلويحك مصدر تشبيهي منصوب بلوح المذكور قبل وهو مضاف إلى الفاعل والضامر مفعول به يقول كما تلوح أنت الفرس الضامر تريد أن تسابق عليه ويطوى يجوع ويضمر بالبناء للمفعول والسبق بفتحتين والسبقة بالضم مثله الخطر والرهن الذي يوضع بين أهل السباق والجمع أسباق ( قود ثمان مثل أمراس الأبق ** )
____________________

قود فاعل لوح المتقدم وهو جمع قوداء بمعنى الطويلة العنق والظهر والأمراس جمع مرس وهو جمع مرسة بمعنى الحبل والأبق بفتح الهمزة والموحدة القنب وقيل قشر القنب وقال الأصمعي هو الكتان يفتل يقول هذه الأتن كأنها حبال من شدة طيها وهذه الأوصاف مما تزيد في نشاط الحمار وجريه فإذا كانت الناقة تشبهه فلا شيء أسرع منها ( فيها خطوط من سواد وبلق ** ) ( كأنه في الجلد توليع البهق ** ) البلق بفتحتين والبلقة بالضم مثله وهو سواد وبياض والتوليع استطالة البلق قال الأصمعي إذا كان في الدابة ضروب من الألوان من غير بلق فذلك التوليع يقال برذون مولع والملمع الذي يكون في جسده بقع تخالف سائر لونه فإذا كان فيه استطالة فهو مولع والبهق كما في المصباح بياض مخالف للون الجسد وليس ببرص وقال ابن فارس سواد يعتري الجلد أو لون يخالف لونه وفعله من باب تعب وهو أبهق وهي بهقاء وجملة فيها خطوط إما صفة ثالثة لقود وإما حال منها والرابط الضمير وبه علم سقوط ما نقله شارح شواهد التفسيرين خضر الموصلي من أن الضمير راجع إما إلى بقرة يصفها كما في بعض الحواشي أو إلى أفراس كما قال جماعة أو إلى أتان كما قاله ابن دريد مع أنه لم يتقدم ذكر شيء من بقر وأفراس والعجب منه أنه سطر الأرجوزة برمتها ولم يتأمل مرجع الضمير وقوله من سواد وبلق بيان للخطوط يريد أن بعض الخطوط من سواد بحت وبعضها من سواد يخالطه بياض فالتقابل بين سوادين وجملة كأنه في الجلد إلخ صفة للخطوط أو للسواد والبلق والرابط الضمير بتأويله باسم الإشارة واسم الإشارة مؤول بالمذكور ونحوه وإنما لم يؤول بالمذكور ابتداء لأن التأويل قد كثر في اسم الإشارة كما نقلوا عن أبي عبيدة أنه قال لرؤبة إن كنت أردت الخطوط فقل كأنها وإن أردت السواد والبلق فقل كأنهما فقال رؤبة أردت كأن ذلك ويلك وتأويل اسم الإشارة بالمذكور إذا خالف المشار إليه جعله علماء التفسير والعربية قانونا يرجع إليه عند الاحتياج وخرجوا عليه آيات منها قوله تعالى ! ( ذلك بما عصوا ) ! بإفراد اسم الإشارة مع أن المشار إليه شيئان الكفر
____________________

والقتل وأورد هذا البيت نظيرا له وزعم ابن جني في المحتسب أنه لو قال قائل إن الهاء في كأنه عائدة على البلق وحده لكان مصيبا لأن في البلق ما يحتاج إليه من تشبيهه بالبهق فلا ضرورة إلى إدخال السواد معه انتهى وفيه أن المحدث عنه هو الخطوط وهي المشبهة بالبهق فإما أن يرجع الضمير إلى المبين الذي هو المحدث عنه أو إلى البيان بتمامه وأما إرجاعه إلى بعض البيان فيلزم تشبيه بعضه دون بعض وهذا ليس بمقصود بل المراد تشبيه الخطوط التي بعضها من سواد بحت وبعضها من سواد فيه بياض أيضا فتأمل وروى الأصمعي كأنها أيضا بضمير المؤنث وعليها فلا إشكال وفي هذه الأرجوزة بيت وهو ( لواحق الأقراب فيها كالمقق ** ) أورده الشارح في حرف الكاف من حروف الجر على أن الكاف فيه زائدة ونشرحه هناك إن شاء الله تعالى ورؤبة هو أبو الجحاف بن العجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم هو وأبوه شاعران كل منهما له ديوان رجز وهما مجيدان فيه عارفان باللغة وحشيها وغريبها وهو أكثر شعرا من أبيه وأفصح منه روي أنه قال لأبيه أنا أشعر منك لأني شاعر وابن شاعر وأنت شاعر فقط وقيل ليونس النحوي من أشعر الناس قال العجاج ورؤبة فقيل له لم نعن الرجاز قال هما أشعر أهل القصيد وإنما الشعر كلام فأجوده أشعره قال ابن عون ما شبهت لهجة الحسن البصري إلا بلهجة رؤبة
____________________

وحكي عن يونس بن حبيب النحوي أنه قال كنت عند أبي عمرو بن العلاء فجاءه شبيل بن عزرة الضبعي فقام إليه أبو عمرو وألقى إليه لبدة بغلته فجلس إليها ثم أقبل عليه يحدثه فقال شبيل يا أبا عمرو سألت رؤبتكم عن اشتقاق اسمه فما عرفه قال يونس فلم أملك نفسي عند ذكر رؤبة فقلت لعلك تظن أن معد بن عدنان أفصح منه ومن أبيه أفتعرف أنت ما الرؤبة وكررها خمسا فلم يحر جوابا وقام مغضبا فقال لي أبو عمرو هذا رجل شريف يزور مجلسنا ويقضي حقوقنا وقد أسأت بما فعلت مما واجهته به فقلت لم أملك نفسي عند ذكر رؤبة فقال أوقد سلكت على تقويم الناس وحكى المدائني قال قدم البصرة راجز من رجاز العرب فجلس إلى حلقة فيها الشعراء وجعل يقول أنا أرجز العرب أنا الذي أقول (1) ( مروان يعطي وسعيد يمنع ** مروان نبع وسعيد خروع ) والله أنا أرجز من العجاج فليت البصرة جمعت بيني وبينه ورؤبة والعجاج حاضرا المجلس فقال رؤبة لأبيه قد أنصفك الرجل فقم إليه فأقبل عليه وقال هأنا العجاج وزحف إليه قال أي العجاجين أنت قال ما خلتك تعني غيري أنا عبد الله الطويل وكان يعرف بذلك فقال ما عنيتك وما قصدتك قال كيف وقد هتفت باسمي وتمنيت أن تلقاني قال أو ما في الدنيا عجاج سواك قال فهذا ابني رؤبة قال اللهم غفرا إنما مرادي غيركما فضحك الناس وكفا عنه قال ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء قال أبو عبيدة دخلت على رؤبة وهو يجيل جرذانا في النار فقلت أتأكلها قال نعم إنها خير من دجاجكم
____________________
1- ( الرجز )

التي تأكل العذرة إنها تأكل البر والتمر وكان رؤبة مقيما بالبصرة ولحق الدولة العباسية كبيرا ومدح المنصور وأبا مسلم ولما ظهر بها إبراهيم بن الحسن بن علي رضي الله عنه وخرج على المنصور خاف على نفسه من الفتنة فخرج إلى البادية فمات بها في سنة خمس وأربعين ومائة كذا قيل وهذا يخالف ما روي عن يعقوب قال لقيت الخليل بن أحمد يوما بالبصرة فقال لي يا أبا عبد الله دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم فقلت له وكيف ذاك فقال هذا حين انصرفنا من دفن رؤبة بن العجاج وله أر له في ديوانه من غير الرجز إلا هذين البيتين (1) ( أيها الشامتث المعير بالشيب ** أقلن بالشباب افتخارا ) ( قد لبست الشباب غضا طريا ** فوجدت الشباب ثوبا معارا ) وبيتين آخرين وهما + ( الوافر ) + ( إذا ما الموت أقبل قبل قوم ** أكب الحظ وانتقص العديد ) ( أرانا لا يفيق الموت عنا ** كأن الموت إيانا يكيد ) وذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من اسمه رؤبة ثلاثة أحدهم هذا والثاني رؤبة بن العجاج بن شدقم الباهلي وهو وأبوه شاعران وكنية هذا أبو بيهس ومن شعره + ( الرجز ) + ( قالت لنا وقولها أحزان ** ذروة والقول له بيان ) ( يا أبتا أرقني القذان ** فالنوم لا تطعمه العينان )
____________________
1- ( الخفيف )

( من وخز برغوث له أسنان ** وللبعوض فوقه دندان الدندنة الكلام الذي لا يفهم والقذان جمع قذذ وهو البرغوث والثالث رؤبة بن عمرو بن ظهير الثعلبي أحد بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان بن بغيض ( تتمة ) رؤبة اسم منقول إما من رؤبة بالهمز وهي قطعة ترأب بها الشيء أي تشده بها قال صاحب أدب الكاتب في باب ما يغير من أسماء الناس إن رؤبة بن العجاج بالهمز لا غير وهذا الحصر باطل لأن المهموز في مثله يجوز تخفيف همزة بلا خلاف وقد نقض قوله هذا بما ذكره في أوائل الكتاب في باب المسمين بالصفات وغيرها فيجوز أن يكون مهموزا وغير مهموز فإنه قال روبة اللبن خميرة تلقي فيه من الحامض ليروب وروبة الليل ساعة منه ويقال فلان لا يقوم بروبة أهله أي بما أسندوا إليه من حوائجهم غير مهموز ورؤبة بالهمز قطعة ترأب بها الشيء وإنما سمي رؤبة بواحدة من هذه فذكر لغير المهموز ثلاثة معان وبقي له معان آخر رابعها روبة الفرس وهي طرقه في جمامة خامسها يقال أرض روبة أي كريمة سادسها شجر الزعرور سابعها روبة الرجل عقله ثامنها الفترة والكسل من كثرة شرب اللبن تاسعها اللبن الذي فيه زبدة والذي نزع زبده فهو من الأضداد وله معان آخر قال ابن خلف في شرح شواهد سيبويه قيل سمي روبة لأنه ولد نصف الليل والله أعلم * * * وأنشد بعده وهو من شواهد مغني اللبيب وهو الشاهد السادس (1)
____________________
1- ( البسيط )

( ياما أميلح غزلانا شدن لنا ** من هؤليائكن الضال والسمر ) أورده على أن التصغير في فعل التعجب راجع إلى المفعول المتعجب منه أي هن مليحات والتصغير للشفقة وأنشده في باب التعجب أيضا على أن الكوفيين غير الكسائي زعموا اسميته واستدلوا عليها بتصغيره في نحو البيت وهذا جواب س قال الشاطبي وعلل ذلك سيبويه بأنهم أرادوا تصغير الموصوف بالملاحة كأنك قلت مليح لكنهم عدلوا عن ذلك وهم يعنون الأول ومن عادتهم أن يلفظوا بالشيء وهم يريدون شيئا آخر وقد ذكر ابن الأنباري في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف جميع أدلة الكوفيين مع أجوبة البصريين عنها فقال ومن جملة أدلتهم أنهم استدلوا على أسميته بالتصغير وأجاب عنه بثلاثة أوجه أحدها أن التصغير في هذا الفعل ليس على حد التصغير في الأسماء فإنه على اختلاف ضروبه من التحقير والتقليل والتقريب والتحزن والتعطف كقوله & أصيحابي أصيحابي والتعظيم كقوله (1) ( دويهية تصفر منها الأنامل ** )
____________________
1- ( الطويل )

والتمدح كقوله ( أنا جذيلها المحكك ) فإنه يتناول الاسم لفظا ومعنى والتصغير اللاحق فعل التعجب إنما يتناوله لفظا لا معنى من حيث كان متوجها إلى المصدر وإنما رفضوا ذكر المصدر هاهنا لأن الفعل إذا أزيل عن التصرف لا يؤكد بذكر المصدر لأنه خرج عن مذهب الأفعال فلما رفضوا المصدر وأثروا تصغيره صغروا الفعل لفظا ووجهوا التصغير إلى المصدر وجاز تصغير المصدر بتصغير فعله لأن الفعل يقوم في الذكر مقام مصدره لأنه يدل عليه بلفظه ولهذا يعود الضمير إلى المصدر بذكر فعله وإن لم يجر له ذكر فكما يجوز عود الضمير إلى المصدر وإن لم يجر له ذكر استغناء بذكر فعله فكذلك يجوز أن يتوجه التصغير اللاحق لفظ الفعل إلى مصدره وإن لم يجر له ذكر ونظيره إضافة أسماء الزمان إلى الفعل نحو هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وإنما جاز لأن المقصود بالإضافة إلى الفعل مصدره من حيث كان ذكر الفعل يقوم مقام ذكر مصدره فكما أن هذه الإضافة لفظية لا اعتداد بها فكذلك التصغير لفظي لا اعتداد به الوجه الثاني إنما دخله التصغير حملا على باب أفعل التفضيل لاشتراك اللفظين في التفضيل والمبالغة إلا ترى أنك تقول ما أحسن زيدا لمن بلغ الغاية في الحسن كما تقول زيد أحسن القوم فتجمع بينه وبينهم في أصل الحسن وتفضله عليهم والثالث إنما دخله التصغير لأنه ألزم طريقة واحدة فأشبه بذلك الأسماء فدخله بعض أحكامها وحمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لا يخرجه عن أصله ألا ترى أن اسم الفاعل محمول على الفعل في العمل ولم يخرج بذلك عن كونه اسما وكذلك المضارع محمول على الاسم في الإعراب ولم يخرج بذلك عن كونه فعلا 1 هـ .
____________________

و يا حرف نداء والمنادى محذوف أي يا صاحبي ونحوه والملاحة البهجة وحسن المنظر وفعله ملح الشيء بالضم ملاحة وملح الرجل وغيره ملحا من باب تعب اشتدت زرقته وهو الذي يضرب إلى البياض فهو أملح وهي ملحاء والاسم الملحة كغرفة والغزلان جمع غزال وهو ولد الظبية قال أبو حاتم الظبي أول ما يولد هو طلا ثم هو غزال والأنثى غزالة فإذا قوي وتحرك فهو شادن فإذا بلغ شهرا فهو شصر بمعجمة ومهملة مفتوحتين فإذا بلغ ستة أشهر أو سبعة فهو جداية بفتح الجيم للذكر والأنثى وهو خشف أيضا والرشأ الفتي من الظباء فإذا أثنى فهو ظبي ولا يزال ثنيا حتى يموت والأنثى ثنية وظبية والثني الذي يلقي ثنيته أي سنة من ذوات الظلف والحافر في السنة الثالثة يقال أثنى فهو ثني فعيل بمعنى فاعل وشدن ماضي شدن الغزال بالفتح يشدن بالضم شدونا قوي وطلع قرناه واستغنى عن أمه وربما قالوا شدن المهر وأشدنت الظبية فهي مشدن إذا شدن ولدها النون الثانية ضمير الغزلان وجملة شدن صفة غزلان ولنا ومن متعلقان بشدن وقوله ( من هؤليائكن ) هو مصغر هؤلاء شذوذا وأصله أولا بالمد والقصر وها للتنبيه وهو اسم إشارة يشار به إلى جمع سواء كان مذكرا أو مؤنثا عاقلا أم غير عاقل والكاف حرف خطاب والنون حرف أيضا لجمع الإناث وقد استشهد به النحاة على دخول ها التنبيه وعلى تصغيره شذوذا وقد رواه الجوهري ( من هؤلياء بين الضال والسمر ** ) وقال ولم يصغروا من الفعل غير هذا وغير قولهم ما احيسنه والضال صفة اسم الإشارة أو عطف بيان والضال السدر البري جمع ضالة ولهذا صح إتباعه لاسم الإشارة إلى الجمع وألفه منقلبة من الياء والسدر شجر النبق الواحدة سدرة وما نبت منه على شطوط الأنهار فهو العبري نسبة إلى العبر بالضم وهو شط النهر وجانبه والسمر بفتح السين وضم الميم جمع سمرة وهو شجر الطلح والطلح نوع من العضاه وهو شجر عظام والعضاه بكسر
____________________

العين جمع عضاهة وهو كل شجر عظيم وله شوك وهذا البيت من جملة أبيات ذكرها هشام في شرح شواهده وهي (1) ( حوراء لو نظرت يوما إلى حجر ** لأثرت سقما في ذلك الحجر ) ( يزداد توريد خديها إذا لحظت ** كما يزيد نبات الأرض بالمطر ) ( فالورد وجنتها والخمر ريقتها ** وضوء بهجتها أضوا من القمر ) ( يامنء رأى الخمر في غير الكروم ومن ** هذا رأى نبت ورد في سوى الشجر ) ( كادت ترف عليها الطير من طرب ** لما تغنت بتغريد على وتر ) ( بالله يا ظبيات القاع قلن لنا ** ليلاي منكن أم ليلى من البشر ) ( ياما أميلح غزلانا شدن لنا البيت ** ) وروى العباسي في معاهد التنصيص عن بعضهم أنه من أبيات لبعض الأعراب وذكرها في الدمية للباخرزي أنه أول أبيات ثلاثة لبدوي اسمه كامل الثقفي ثانيها بالله يا ظبيات القاع قلن لنا البيت وثالثها ( إنسانة الحي أم أدمانة السمر ** بالنهي رقصها لحن من الوتر ) وقال العيني إنه من قصيدة للعرجي ومنها بالله يا ظبيات القاع البيت وهذا البيت قد روي للمجنون ولذي الرمة وللحسين بن عبد الله والله أعلم
____________________
1- ( البسيط )

ثم رأيت الصاغاني قال في العباب يقولون ما أميلح زيدا ولم يصغروا من الفعل غيره وغير قولهم ما أحيسنه قال الحسين بن عبد الرحمن العريني ( بالله يا ظبيات القاع قلن لنا البيت ** ) ( بانت لنا بعيون من براقعها ** مملوءة مقل الغزلان والبقر ) ياما أميلح غزلان ضدن لنا 1 هـ و الأدمانة قال الجوهري والأدم من الظباء بيض تعلوهن جدد فيهن غبرة تسكن الجبال يقال ظبية أدماء وقد جاء في شعر ذي الرمة أدمانة قال (1) ( أقول للركب لما عارضت أصلا ** أدمانة لم تربيها الأجاليد وأنكره الأصمعي والنهي بكسر النون وسكون الهاء الغدير في لغة نجد ) وغيرهم يقول بالفتح كذا في الصحاح وقال السخاوي في شرح المفصل والنحاة ينشدون ياما أميلح غزلانا البيت ظنا منهم أنه شعر قديم وإنما هو لعلي بن محمد العريني وهو متأخر وكان يروم التشبه بطريقة العرب في الشعر وله مدح في علي بن عيسى وزير المقتدر وقتل المقتدر في شوال سنة عشرين وثلاثمائة ونسبه قوم من النحاة إلى مجنون بني عامر وأنشدوا معه بالله يا ظبيات القاع البيت والصحيح ما قدمته 1 . هـ و العرجي اسمه عبد الله وهو أموي وإنما لقب العرجي لأنه كان يسكن العرج قال في الصحاح والعرج منزل بطريق مكة وإليه ينسب العرجي الشاعر ولم يكن له نباهة في أهله مات في حبس محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو خال هشام بن عبد الملك وكان واليا بمكة بعد ضرب كثير وتشهير في الأسواق لأنه شبب بأمه ليفضحه لا لمحبة كانت بينه وبينها
____________________
1- ( البسيط )

وقالت في حبسه قصيدته التي منها (1) ( كأني لم أكن فيهم وسيطا ** ولم تك نسبتي من آل عمرو ) ( أضاعوني وأي فتي أضاعوا ** ليوم كريهة وسداد ثغر ) وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم وترجمته مع أحواله مفصلة في الأغاني والمعاهد
____________________
1- ( الوافر )

( المعرب والمبني ) وأنشد في باب المعرب وهو من شواهد سيبويه وهو البيت السابع ( تكتبان في الطريق لام ألف ) على أن مقصود الشاعر اللام والهمزة لا صورة لا فيكون معناه أنه تارة يمشي مستقيما فتخط رجلاه خطا شبيها ب الألف وتارة يمشي معوجا فتخط رجلاه خطا شبيها ب اللام وعليه فالظاهر أن يقول لاما والفا ووجهه أنه حذف التنوين من الأول من باب الوصل بنيه الوقف وحذف العاطف ووقف على الثاني على لغة ربيعة وليس في واحد من هذه الثلاثة ضرورة ووجه هذا البيت ابن جني في سر الصناعة بوجهين آخرين فقال إنما أراد كأنهما تخطان حروف المعجم لا يريد بعضها دون بعض وقد يمكن أنه أراد بقوله لام ألف شكل لا فإنه تلقاه من أفواه العامة لأن الخط ليس له تعلق بالعرب ولا عنهم يؤخذ وقول من لا خبرة له بحروف المعجم كالمعلمين لام ألف خطأ وصواب النطق به لا فإنه اسم الألف اللينة التي تكون قبل الياء في آخر حروف المعجم وفيما قاله نظر من وجهين الأول قال الدماميني في شرح المغني نسبة العربي الفصيح إلى أنه اعتمد في النطق على العامة أمر بعيد لا يلتفت إليه وقوله لأن الخط لا تعلق له بالفصاحة ساقط لأن ما صدر عنه لفظ لا خط .
____________________

الثاني أن قوله لام ألف خطأ ممنوع فإنه قد ورد في الشعر أنشد أبو زيد في نوادره لراجز يصف جنديا وقيل غرابا (1) ( يخط لام الف موصول ** والزاي والرا أيما تهليل ) وسيأتي شرحه في الشاهد الثاني بعد هذا وأما ما أورده أبو بكر الشنواني في جواب أسئلة السيوطي السبع بقوله قال روى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال سالت رسول الله & فقلت يا رسول الله كل نبي يرسل بم يرسل قال بكتاب منزل قلت يا رسول الله أي كتاب أنزله الله على آدم قال كتاب المعجم ألف با تا ثا إلى آخرها قلت يا رسول الله كم حرفا قال تسعة وعشرون قلت يا رسول الله عددت ثمانية وعشرين فغضب رسول الله & حتى احمرت عيناه ثم قال يا أبا ذر والذي بعثني بالحق نبيا ما أنزل الله على آدم إلا تسعة وعشرين حرفا قلت أليس فيها ألف ولام فقال & لام ألف حرف واحد قال أنزله الله تعالى على آدم في صحيفة واحدة ومعه سبعون ألف ملك من خالف لام ألف فقد كفر بما أنزل علي من لم يعد لام ألف فهو بريء مني وأنا بريء منه ومن لم يؤمن بالحروف وهي تسعة وعشرون لا يخرج من النار أبدا 1 . هـ فهو موضوع قال ابن عراق سئل عنه ابن تيمية فقال لا أصل له ولوائح الوضع عليه ظاهرة ولا سيما في آخره فهو كذب قطعا 1 هـ ؟ وعلى هذا فالفرق بين لا وبين لام ألف أن لا اسم الألف اللينة ولام ألف اسم لا لأنها على صورة اللام والهمزة إذا كتبتا معا وعلم مما تقدم أن بيت الشاهد إنما هو بإضافة لام إلى ألف بكون أصل لام ألف مركبا مزجيا فأعرب بإضافة أحد الجزءين إلى الآخر على أحد الوجوه لا كما زعمه الشارح وتبعه الدماميني في شرح المغني ثم قال ابن جني وإنما لم يجز أن تفرد الألف اللينة من اللام وتقام بنفسها كما أقيم سائر حروف المعجم سواها بأنفسها من قبل أنها لا تكون إلا ساكنة
____________________
1- ( الرجز )

تابعة للفتحة والساكن لا يمكن ابتداؤه فدعمت باللام ليقع الابتداء بها ويؤيد هذا أن واضع حروف المعجم إنما رسمها منثورة غير منظومة فلو كان غرضه في لا إن يرينا كيفية تركب اللام مع الألف للزمه أيضا أن يرينا كيف تركب الجيم مع الطاء والقاف مع التاء وغير ذلك مما يطول تعداده وإنما غرضه التوصل إلى النطق بالألف فدعم باللام ليمكن الابتداء به فإن قيل ما بالهم دعموه باللام دون سائر الحروف أجيب بأنهم خصوا اللام من قبل إنهم لما احتاجوا لسكون لام التعريف إلى حرف يقع الابتداء به قبلها أتوا بالهمزة فقالوا الغلام فكما أدخلوا الألف قبل اللام كذلك أدخلوا اللام قبل الألف ليكون ذلك ضربا من التقارض 1 هـ واعترض عليه الدماميني بأن الذي توصل به إلى النطق بلام التعريف هو الهمزة لا الألف والذي توصل باللام إلى النطق به هو الألف الهوائي لا الهمزة فلا تقارض 1 هـ وفيه أنهما أخوان يبدل كل منهما إلى الآخر فتبدل الهمزة ألفا في نحو رأس وتبدل الألف همزة في نحو دأبة وشأبة وحبلأ في الوقف وفي هذا القدر من الاشتراك يتحقق التقارض واستشهد به سيبويه على أنه ألقى حركة ألف على ميم لام وكذلك أورده الشارح في شرح الشافية أيضا في باب التقاء الساكنين على أنه نقل حركة همزة ألف إلى ميم لام كما نقلت حركة همزة أربعة إلى الهاء في قولك ثلاثة أربعة إذا صلت ثلاثة بما بعدها وهذا البيت ثالث أبيات ثلاثة لأبي النجم العجلي وهي (1) ( خرجت من عند زياد كالخرف ** تخط رجلاي بخط مختلف ) ( تكتبان في الطريق لام ألف ** ) قال المرزباني في الموشح وهو طبقات الشعراء في الجاهلية والإسلام أخبرني الصولي قال حدثنا القاسم بن إسماعيل قال أنشدنا محمد بن سلام لأبي النجم العجلي وكان له صديق يسقيه الشراب فينصرف من عنده ثملا
____________________
1- ( الرجز )

( أخرج من عند زياد كالخرف الأبيات ** ) قال الصولي وقد عيب أبو النجم بهذا فقيل لولا أنه كان يكتب ما عرف صورة لام ألف وعناقها لها 1 . هـ وقد عرفت ما فيه وروي أيضا ** أقبلت من عند زياد إلخ ** ) والخرف صفة مشبهة من خرف الرجل خرفا من باب تعب فسد عقله لكبره وخط على الأرض خطا أعلم علامة وخط بيده خطا كتب وكتب يقال بالتخفيف والتثقيل والتثقيل هنا لتكثير الفعل وأبو النجم هو الفضل بن قدامة بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث ابن عبدة بن الحارث بن الياس بن العوف بن ربيعة بن مالك بن عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهو أحد رجاز الإسلام المتقدمين في الطبقة الأولى قال أبو عمرو بن العلاء هو أبلغ من العجاج في النعت قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء كان أبو النجم ينزل سوق الكوفة وراجز العجاج فخرج إليه العجاج على ناقة له كوماء وعليه ثياب حسان وخرج أبو النجم على جمل مهنوء وعليه عباءة فأنشد العجاج (1) ( قد جبر الدين الإله فجبر ** ) وأنشد أبو النجم ( تذكر القلب وجهلا ما ذكر ** )
____________________
1- ( الرجز )

حتى بلغ قوله ( إني وكل شاعر من البشر ** شيطانه أنثي وشيطاني ذكر ) ( فما رآني شاعر إلا استتر ** فعل نجوم الليل عاين القمر ) فبينا هو ينشد إذ وثب جمله على ناقة العجاج فضحك الناس وانصرفوا يقولون ( شيطانه أنثى وشيطاني ذكر ** ) وقال له هشام بن عبد الملك يوما يا أبا النجم حدثني قال عني أو عن غيري قال بل عنك قال إني لما كبرت عرض لي البول فوضعت عند رجلي شيئا أبول فيه فقمت من الليل أبول فخرج مني صوت فتشددت ثم عدت فخرج مني صوت آخر فأويت إلى فراشي فقلت يا أم الخيار هل سمعت شيئا قالت لا ولا واحدة منهما فضحك هشام وأحسن إليه بصلة وله معه نوادر ومضحكات مذكورة في الأغاني وغيرها وسنورد له إن شاء الله منها إذا ورد شاهد من شعره وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن (1) ( تداعين باسم الشيب في متثلم ) على أن اسم الصوت إنما أعرب في هذا للتركيب وإن كان بناؤه أصليا يريد أن أسماء الأصوات إذا ركبت جاز إعرابها اعتبارا بالتركيب العارض بشرط إرادة اللفظ لا المعنى كما يجوز إعراب الحروف إذا قصد ألفاظها والإعراب مع اللام أكثر من البناء لكونه علامة الاسم الذي أصله الإعراب لكنها لا توجبه بدليل الآن والذي والخمسة عشر كذا فصله الشارح في باب الصوت وعجز هذا المصراع
____________________
1- ( الطويل )

( جوانبه من بصرة وسلام ** ) وهو من قصيدة لذي الرمة يمدح بها إبراهيم بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وقبل بيت الشاهد (1) ( وكم عسفت من منهل متخطأ ** أفل وأقوى فالجمام طوامي ) ( إذا ما وردنا لم نصادف بجوفه ** سوى واردات من قطا وحمام ) ( إذا ساقيانا أفرغا في إزائه ** على قلص بالمقفرات حيام ) ( تداعين باسم الشيب البيت ** ) يصف قطعه القفار على إبله والعسف الأخذ على غير هدى والضمير المستتر راجع إلى الإبل العيس والمنهل المورد وهو عين ماء ترده الإبل والمنهل المتخطأ الذي تخطأه الناس فلم ينزلوه وأفل بالفاء فعل ماض بمعنى لم يصبه مطر وهو مع ضميرة صفة لمنهل وهذا سبب كون الناس لم ينزلوا فيه يقال أرض فل بالكسر لا نبات فيها لعدم المطر وأقوى بمعنى خلا يقال أقوت الدار وقويت أيضا أي خلت والجمام بكسر الجيم جمع جمة بضمها وهو المكان الذي اجتمع فيه ماؤه وطوامي مملوءة جمع طام اسم فاعل من طما الماء يطمو طموا كسمو إذا ارتفع وملأ النهر وساقيانا تثنية ساق وهو من يستقي الماء من البئر والإزاء بكسر الهمزة والزاي معجمة مصب الماء في الحوض قال أبو زيد هو صخرة وما جعلت وقاية على مصب الماء حين يفرغ الماء ويقال أزيت الحوض تأزية وآزيته بالمد إزاء وعلى قلص متعلق بأفرغا والقلص بضمتين جمع قلوص وهي الناقة الشابة والحيام بكسر المهملة جمع حوم والحوم بالفتح القطيع الضخم من الإبل وب المقفرات صفة لقلص من أقفرت الدار إذا خلت وتداعين دعا بعض القلص بعضا وروى تنادين من النداء والجملة جواب إذا والشيب بالكسر حكاية أصوات مشافر الإبل عند الشرب والصوت شيب شيب جعل هذا الصوت مما يدعوهن إلى الشرب ويأتي إن شاء الله تعالى في باب الإضافة الكلام على إضافة اسم إلى الشيب والمتثلم المتكسر والمتهدم أراد في حوض متثلم فحذف الموصوف لدلالة مصب الحوض عليه يقال ثلمته من باب ضرب كسرته فانثلم وتثلم والبصرة بفتح الباء حجارة رخوة فيها بياض وبه سميت البصرة
____________________
1- ( الطويل )

والسلام بكسر المهملة جمع سلمة بفتحها وكسر اللام وهي الحجارة وذو الرمة هو غيلان بالمعجمة ابن عقبة من بني صعب بن مالك بن عدي بن عبد مناة ويكنى أبا الحارث وسمي ذا الرمة بقوله ( لم يبق فيها أبد الأبيد ** غير ثلاث ماثلات سود ) ( وغير مرضوخ القفا موتود ** أشعث باقي رمة التقليد ) و الرمة بضم الراء وتشديد الميم قطعة من الحبل الخلق ويجوز كسرها وقال ثعلب إن مية لقبته بذلك وذلك أنه مر بخبائها قبل أن يشبب بها فرآها فأعجبته فأحب الكلام معها فخرق دلوه وأقبل إليها وقال يا فتاة أخرزي لي هذا الدلو فقالت إنني خرقاء والخرقاء التي لا تحسن عملا فخجل غيلان ووضع دلوه على عنقه وهي مشدودة بقطعة حبل بال وولى راجعا فعلمت مية ما أراد فقالت يا ذا الرمة انصرف فانصرف فقالت له إن كنت أنا خرقاء فإن أمتي صناع فاجلس حتى تخرز دلوك ثم دعت أمتها قالت أخرزي له هذا الدلو وكان ذو الرمة يسمي مية خرقاء لقولها إنني خرقاء وغلب عليه ذو الرمة لقولها يا ذا الرمة 1 . هـ وهذا خلاف ما نقله ابن قتيبة في كتاب الشعراء أن مية بنت فلان ابن طلبة ابن قيس وهي غير الخرقاء فإن الخرقاء من بني البكاء بن عامر وكان سبب تشبيبه بها أنه مر في بعض أسفارة ببعض البوادي وإذا خرقاء خارجه من خباء لها فنظر إليها فوقعت في قلبه فخرق إداوته ودنا منها وقال إني رجل على ظهر سفر
____________________

وقد تخرقت إدواتي فأصلحيها يستطعم بذلك كلامها فقالت والله إني ما أحسن العمل وإني لخرقاء والخرقاء التي لا تعمل بيدها شيئا لكرامتها على أهلها فشبب بها وسماها خرقاء وقال أبو العباس الأحول سمي ذا الرمة لأنه خشي عليه العين وهو غلام فأتي به إلى شيخ من الحي وصنع له معاذة وشدت في عضده بحبل والمشهور القول الأول قال حماد الراوية امرؤ القيس أحسن الجاهلية تشبيها وذو الرمة أحسن الإسلام تشبيها وما أخر القوم ذكره إلا لحداثة سنه وأنهم حسدوه وكان الفرزدق وجرير يحسدانه على شعره ولقيه جرير فقال هل لك في المهاجاة قال لا قال كأنك هبتني قال لا والله ولكن حرمك قد هتكهن السفل وما أرى في نسوتك مترقعا قال أبو المطرف لم يكن أحد من القوم في زمانه أبلغ منه ولا أحسن جوابا ولقد عارضه رجل بسوق الإبل في البصرة يهزأ به فقال يا أعرابي أتشهد بما لا ترى قال نعم أشهد بأن أباك ناك أمك وقال أبو عمرو بن العلاء مرة ختم الشعر بذي الرمة والرجز برؤبة وقال أخرى كما في الموشح للمرزباني شعر ذي الرمة نقط عروس تضمحل عن قليل وأبعار ظباء لها مشم في أول شمها ثم تعود إلى أرواح البعر وإنما وضع منه لأنه كان لا يحسن الهجاء والمدح قال المبرد معنى قوله نقط عروس أنها تبقى أول يوم ثم تذهب وبعر الظباء إذا شممته من ساعته وجدت فيه كرائحة المسك فإذا غب ذهب ذلك منه وقد أسند هذا التعبير في حقه إلى جماعة منهم الفرزدق وجرير قال الأصمعي إن شعر ذي الرمة حلو أول ما تسمعه فإذا كثر إنشاده ضعف ولم يكن له حسن لأن أبعار الظباء أول ما تشم توجد لها رائحه ما أكلت من الشيح والقيصوم والجثجاث والنبت الطيب الريح فإذا أدمت شمه ذهبت تلك الرائحة
____________________

ونقط العروس إذا غسلتها ذهبت وقال ابن قتيبة وقف ذو الرمة في سوق الإبل ينشد شعره الذي يذكر فيه ناقته صيدح فوقف عليه الفرزدق فقال كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس قال ما أحسن ما تقول قال فمالي لا أذكر مع الفحول قال قصر بك عن غاياتهم بكاؤك في الدمن ونعتك الأبعار والعطن ومات بالبادية ولما حضرته الوفاة قال أنا ابن نصف الهرم أي ابن الأربعين وقال المفضل الضبي كنت أنزل على بعض الأعراب إذا حججت فقال لي يوما هل لك في خرقاء صاحبة ذي الرمة قلت بلى فتوجهنا نريدها فعدل بي عن الطريق بقدر ميل فإذا أبيات فقرع بابا منها فخرجت إلينا امرأة حسانة بها قوة فتحدثا طويلا فقالت أحججت قبل هذه قلت بلى قالت فما منعك من زيارتي أما علمت أني منسك من مناسك الحج قلت وكيف ذلك قالت أما سمعت قول ذي الرمة (1) ( تمام الحج لا تقف المطايا ** على خرقاء واضعة اللثام ) وفي الأغاني عن ابن قتيبة أن مية جعلت لله عليها أن تنحر بدنة يوم تراه فلما رأته رجلا دميما أسود وكانت من أجمل الناس فقالت وأسوءتاه واضيعة بدنتاه فقال ذو الرمة + ( الطويل ) ( على وجه مي مسحة من ملاحة ** وتحت الثياب الشين لو كان باديا ) قال فكشفت ثوبها عن بدنها وقالت أشينا ترى لا أم لك فقال ( الم تر أن الماء يخبث طعمه ** وإن كان لون الماء أبيض صافيا ) فقالت أما ما تحت الثياب فقد رأيته وعلمت أن لا شين فيه ولم يبق إلا أن
____________________
1- ( الوافر )

أقول لك هلم حتى تذوق ما وراءه والله لا ذقت ذلك أبدا فقال ( فيا ضيعة الشعر الذي لج وانقضى ** بمي ولم أملك ضلال فؤاديا ) قال ثم صلح الأمر بينهما بعد ذلك فعاد إلى ما كان عليه من حبها ثم قال صاحب الأغاني أن مية كانت لها بنت عم قالت على لسان ذي الرمة ( على وجه مي مسحة من ملاحة ** ) الأبيات فكان ذو الرمة إذا ذكر ذلك له يتمعض منه ويحلف أنه ما قاله قط وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع (1) ( إذا اجتمعوا على ألف وواو ** وياء هاج بينهم جدال ) على أن أسماء حروف المعجم تعرب إذا ركبت وإن كان بناؤها أصليا قيل حيث كانت معربة لأجل التركيب علم أنها قبل التركيب غير معربة وهذا حكم جميع الأسماء سواء قلنا إنها قبل التركيب موقوفة أم مبنية فما الفرق بينها وبين سائر الأسماء أقول الفرق أن أسماء حروف الهجاء إنما وضعت لسردها مفردة للتعليم لا لأن تكون مركبة مع عامل فالتركيب فيها عارض بخلاف سائر الأسماء فإنها إنما وضعت للتركيب وسردها منثورة أمر عارض ثم رأيت الشارح المحقق قد ذكر ما قلته في مواضع أخر من شرحه فقال إن أسماء حروف المعجم لم توضع إلا لتستعمل مفردات لتعليم الصبيان ومن يجري مجراهم موقوفا عليهم فإذا استعملت مركبة
____________________
1- ( الوافر )

مع عاملها فقد خرجت عن حالها الموضوعة لها وهذا مذهب ابن جني في سر الصناعة حيث قال أعلم أن هذه الحروف ما دامت حروف هجاء فإنها سواكن الأواخر في الدرج والوقف لأنها أصوات بمنزلة صه ومه فإن وقعت موقع الأسماء أعربت وأراد الشارح بإعرابها عند التركيب وجوب إعرابها كما نص عليه في موضع آخر فقال إذا أردت إعراب أسماء حروف المعجم الكائنة على حرفين ضعفت الألف وقلبتها همزة ولا تجوز الحكاية في أسماء حروف المعجم مع التركيب مع عاملها وأغرب السيوطي في جمع الجوامع وشرحه فقال وأسماء الحروف ألف با تا ثا إلى آخرها وقف إلا مع عامل فالأجود حينئذ فيها الإعراب ومد المقصور منها ويجوز فيها الحكاية كهيئتها بلا عامل ويجوز ترك المد بأن يعرب مقصورا منونا كما إذا تعاطفت فإن الأجود فيها الإعراب والمد وإن لم يكن عامل انتهى فجوز مع العامل الحكاية والقصر كما إذا لم تكن مع عامل وجوز أيضا إعرابها مع القصر وجوز في التعاطف مع عدم العامل الإعراب والمد وأما الأول فصرح بمنعه ابن جني والشارح وأما الثاني فمنعه ابن جني أيضا فقال فأما ما كان من نحو با تا فإنك متى أعربته لزمك أن تمده وذلك أنه على حرفين الثاني منهما حرف ؟ لين والتنوين يدرك الكلمة فتحذف الألف لالتقاء الساكنين فيلزمك أن تقول بن وتن يا فتى فيبقى الاسم على حرف واحد فإن ابتدأته وجب أن يكون متحركا وإن وقفت عليه وجب أن يكون ساكنا وهذا ظاهر الاستحالة فأما ما روى شربت ما يريد ماء فحكاية شاذة لا نظير لها ولا يسوغ قياس غيرها عليها وإذا كان الأمر كذلك زدت على ألف با تا ألفا أخرى كما رأيت العرب فعلت حين أعربت لوا فقالوا (1)
____________________
1- ( الخفيف )

( إن لوا وإن ليتا عناء ** ) وأما قول الشاعر ( بخط لام ألف موصول ** والزاي والرا أيما تهليل ) إنما أراد والراء ممدودة فلم يمكنه ذلك لئلا يكسر الوزن فحذف الهمزة من الراء وجاء بذلك على قراءة أبي عمرو وتحقيقه الأولى من الهمزتين إذا التقتا من كلمتين وكانتا جميعا متفقتي الحركتين نحو فقد جاء أشراطها وشاء أنشره وكذلك كان أصل هذا والزاي والراء أيما تهليل فلما اتفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين وأما الثالث فلا وجه للإعراب والمد جميعا مع عدم العامل وأظن أن السيوطي لخص كلامه من الارتشاف لأبي حيان وأصله من المقصور والممدود لابن الأنباري وتبعه أبو علي القالي في المقصور والممدود له أيضا حرفا بحرف فقالا وما كان من حروف الهجاء على حرفين فالعرب تمده وتقصره فيقولون باء وتاء ومنهم من يقصر فيقول با وتا ومنهم من ينون فيقول با وتا قال يزيد بن الحكم يذكر النحويين ( إذا أجتمعوا على ألف وواو ** وياء البيت ) والزاي فيها خمسة أوجه من العرب من يمدها فيقول زاء فاعلم ومنهم من يقول زاي ومنهم من يقول هذه زا فيقصرها ومنهم من ينون فيقول زا ومنهم من يقول زي فيشدد وأنشد الفراء ( بخط لام ألف موصول ** والزاي والرا أيما تهليل ) انتهى فأنت تراهما كيف أطلقا ولم يفصلا وهو مخالف لكلام الناس ومراد الشارح بالتركيب أن تقع مع عامل نحو أول الجيم جيم وأوسط السين ياء وكتبت ياء حسنة وكذلك العطف فيقال ما هجاء بكر فنقول باء وكاف وراء وكبيت الشاهد فإن لم تعطف تبن فتقول باء كاف راء بإسكان الأواخر وبيت الشاهد ليزيد بن الحكم كما نسبه إليه الزجاج في أول تفسيره وابن
____________________

الأنباري وأبو علي القالي وروى الحريري في درة الغواص عن الأصمعي أنه قال أنشدني عيسى بن عمر بيتا هجا به النحويين يعني أنهم إذا اجتمعوا للبحث عن إعلال حروف العلة ثار بينهم جدال والجدال مصدر جادل إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب وهذا أصله ثم استعمل في لسان حملة الشرع في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها وهو محمود إن كان للوقوف على الحق وإلا فمموم يقال إن أول من دون الجدل أبو علي الطبري ويروى بدله قتال أما يزيد بن الحكم فهو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي البصري الشاعر المشهور ومن قال يزيد بن الحكم بن عثمان بن أبي العاص فقد وهم فإن عثمان جده أو عم أبيه أحد من أسلم من ثقيف يوم الطائف حدث عن عمه عثمان المذكور وروى عنه معاوية بن قرة وعبد الرحمن بن إسحاق حكى أن الفرزدق مر على يزيد هذا وهو ينشد في المسجد فقال من هذا الذي ينشد شعرا كأنه شعرنا قالوا يزيد بن الحكم فقال أشهد بالله أن عمتي ولدته وأم يزيد بكرة بنت الزبرقان بن بدر وأمها هنيدة بنت صعصعة بن ناجية وكانت بكرة أول عربية ركبت البحر وروى الزجاجي في أماليه الصغرى قال ورد يزيد بن الحكم الثقفي من الطائف على الحجاج بن يوسف بالعراق وكان شريفا شاعرا فولاه الحجاج فارس فلما جاء لأخذ عهده قال له يا يزيد أنشدنا من شعرك يريد أن ينشده مديحا له فأنشده (1)
____________________
1- ( الوافر )

( من يك سائلا عني فإني ] ** أنا ابن الصيد من سلفي ثقيف ) ( وفي وسط البطاح محل بيتي ** محل الليث من وسط الغريف ) ( وفي كعب ومن كالحي كعب ** حللت ذؤابة الجبل المنيف ) ( حويت فخارها غوا ونجدا ** وذلك منتهى شرف الشريف ) ( نماني كل أصيد لا ضعيف ** بحمل المعضلات ولا عنيف ) فوجم الحجاج وأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال الحمد لله أحمده وأشكره إذ لم يأت علينا زمان إلا وفينا أشعر العرب ثم قال أنشدنا يا يزيد فأنشأ يقول (1) وأبي الذي فتح البلاد بسيفه ** فأذلها لبني الزمان الغابر ) ( وأبي الذي سلب ابن كسرى راية ** في الملك تخفق كالعقاب الكاسر ) ( وإذا فخرت فخرت غير مكذب ** فخرا أدق به فخار الفاخر ) فقام الحجاج مغضبا ودخل القصر وانصرف يزيد والعهد في يده فقال الحجاج لخادمه اتبعه وقل له اردد علينا عهدنا فإذا أخذته فقل له هل ورثك أبوك مثل هذا العهد ففعل الخادم وأبلغه الرسالة فرد عليه العهد فقال قل للحجاج أورثني أبي مجدة وفعاله وأورثك أبوك أعنزا ترعاها ثم سار تحت الليل فلحق بسليمان وهو ولي عهد الوليد فضمه إليه وجعله في خاصته ومدحه بقصائد فقال له سليمان كم كان أجري لك في عمالة فارس قال عشرين ألفا قال هي لك علي ما دمت حيا ومما مدحه به هذه القصيدة ومطلعها + ( البسيط ) +
____________________
1- ( الكامل )

( أمسى بأسماء هذا القلب معمودا ** إذا أقول صحا يعتاده عيدا ) ( كأن أحور من غزلان ذي بقر ** أهدى لنا شبه العينين والجيدا ) ( أجري على موعد منها فتخلفني ** فلا أمل ولا توفي المواعيدا ) ( كأنني يوم أمسي لا تكلمني ** ذو بغية يشتهي ما ليس موجودا ) ومنها ( سميت باسم امرىء أشبهت شيمته ** فصلا وعدلا سليمان بن داودا ) ( أحمد به في الورى الماضين من ملك ** وأنت أصبحت في الباقين محمودا ) ( لا يبرأ الناس من أن يحمدوا ملكا ** أولاهم في الأمور الحلم والجودا ) ومن الناس من ينسب هذه الأبيات لعمر بن أبي ربيعة وذلك خطأ وفي الأغاني بسنده إلى ابن عائشة قال دخل يزيد بن الحكم على يزيد ابن المهلب في سجن الحجاج وهو يعذب وقد حل عليه نجم كان قد نجم عليه وكانت نجومه في كل أسبوع ستة عشر ألف درهم فقال له (1) ( أصبح في قيدك السماحة والجود وفضل الصلاح والحسب ) ( لا بطر إن تتابعت نعم ** وصابر في البلاء محتسب ) ( برزت سبق الجياد في مهل ** وقصرت دون سعيك العرب ) قال فالتفت يزيد إلى مولى له وقال أعطه نجم هذا الأسبوع ونصبر على العذاب إلى السبت الآخر
____________________
1- ( المنسرح )

وليزيد بن الحكم عدة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربه بن الحكم وابن عمه عبد الرحمن بن عثمان بن أبي العاص ومما قال في ابن عمه (1) ( ومولى كذئب السوء لو يستطيعني ** أصاب دمي يوما بغير قتيل ) ( وأعرض عما ساءه وكأنما ** يقاد إلى ما ساءني بدليل ) ( مجاملة مني وإكرام غيره ** بلا حسن منه ولا بجميل ) ( ولو شئت لولا الحلم جععت أنفه ** بإيعاب جدع بادىء وعليل ) ( حفاظا على أحلام قوم رزئتهم ** رزان يزينون الندي كهول ) وقال في أخيه عبد ربه + ( البسيط ) + ( أخي يسر لي الشحناء يضمرها ** حتى ورى جوفه من غمره الداء ) ( حران ذو غصة جرعت غصته ** وقد تعرض دون الغصة الماء ) ( حتى إذا ما أساغ الريق أنزلني ** منه كما ينزل الأعداء أعداء ) ( أسعى فيكفر سعي ما سعيت له ** إني كذاك من الإخوان لقاء ) ( وكم يد ويد لي عنده ويد ** يعدهن ترات وهي آلاء ) والغريف بفتح الغين المعجمة هو الأجمة والغابة وأما عيسى بن عمر فهو عيسى بن عمر الثقفي مولى خالد بن الوليد أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وعبد الله بن إسحاق وروى عن الحسن البصري والعجاج ورؤبة وجماعة وعنه أخذ الأصمعي وغيره وكان يتقعر في كلامه حكى عنه الجوهري في الصحاح أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال مالي أراكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني واتهمه عمر
____________________
1- ( الطويل )

ابن هبيرة بوديعة فضربه نحو ألف سوط فجعل يقول والله إن كانت إلا أثيابا في أسيفاط قبضها عشاروك مات سنة تسع وأربعين وقيل سنة خمسين ومائة كذا في معجم النحويين للسيوطي والبيت الذي مثل به ابن جني ووعدنا بشرحه هو من أبيات رواها أبو زيد في نوادره قال إنها لراجز يصف بها جندبا وهي ( يحجل فيها مقلز الحجول ** بغيا على شقيه كالمشكول ) ( يخط لام ألف موصول ** والزاي والرا أيما تهليل ) ( خط يد المستطرق المسؤول ** ) الجندب بفتح الدال وضمها ضرب من الجراد وقال أبو الحسن الأخفش في شرح نوادر أبي زيد قال أبو العباس ثعلب إنه عنى غرابا يحجل قال في العباب الحجلان مشيه المقيد يقال حجل الطائر يحجل بضم الجيم وكسرها إذا نزا في مشيه والحجول بفتح المهملة وضم الجيم صفة الجندب أو الغراب وضمير فيها للأرض والمقلز بكسر الميم وفتح اللام أراد به رجل الجندب أو الغراب لأنه اسم آلة من قلز الغراب والعصفور في مشيهما وكل من لا يمشي مشيا فهو يقلز بضم اللام وكسرها قلزا بسكون اللام ورواه أبو حاتم بفتح الميم وكسر اللام فيكون مصدرا ميميا وزعم الأخفش في شرح النوادر أنه مقلوب مقزل من القزل بفتحتين وهو أسوا العرج وقد قزل بالكسر فهو أقزل والقزلان العرجان وقد قزل بالفتح قزلانا إذا مشى مشية العرجان ولا حاجة إلى ادعاء القلب لأن مادة قلز ثابتة مذكورة في العباب والقاموس ولم يقل أحد إنها مقلوبة من قزل ثم قال الأخفش روى لي ثعلب مقلز الحجول بكسر الميم ولا وجه له عند أهل العربية لأن المقلز هو الحجول ولا يضاف الشيء إلى نفسه والرفع في الحجول أجود وإن كان الشعر يصير مقوى وقد روي بالرفع وفيه مع هذا عيب وهو أنه
____________________

حذف التنوين من مقلز لسكونها وسكون اللام وحذف التنوين هو الذي شجع من رواه مخفوضا ولم يتأمل المعنى والإقواء أصلح من الإحالة انتهى أقول هذا تطويل بلا طائل يعلم فساده مما قدمناه على ان المقلز لم يقل أحد إنه بمعنى الحجول والبغي هنا الاختيال والمرح والمشكول الذي في رجليه شكال يقال شكلته شكلا من باب قتل قيدته بالشكال وشكلت الكتاب شكلا أعلمته بعلامات الإعراب وقوله بخط الباء متعلقة بيحجل ويجوز أن يكون بمثناة تحتية مضارع خط فيكون ضميره المستتر للمقلز ولام ألف مفعوله وموصول وصف اللام والصلة محذوفة أي موصول بها أي بالألف والزاي والرا منصوبان بالعطف على محل لام ألف وقوله ( أيما تهليل ) منصوب بفعل محذوف وما زائدة أي هلل تهليلا أي تهليل وهو مصدر هلل بمعنى نكص وجبن وفر وخط منصوب على المصدر التشبيهي أي بخط لام ألف كخط يد الكاهن المسؤول منه التكهن والمستطرق الكاهن الذي يطرق الحصى بعضه ببعض والطرق ضرب الكاهن الحصى وقد استطرقته أنا روي بكسر الراء وفتحها وقد أورد هذه الأبيات ابن الأعرابي أيضا في نوادره قال أنشدنيها المفضل وذكر دارا خلت من أهلها فصار فيها الغربان والظباء والوحش ثم قال المستطرق الذي يتكهن فإذا سئل عن الشيء خط في التراب ونظر وحكى عن أعرابي قال عالجت جارية شابه فإذا قلزة كأنها أتان وحش قال القلزة الشديدة والقلز النحاس الذي لا يعمل فيه الحديد وقال أبو المنهال هو القلز ولم يعرف القلز 1 . هـ وروي الحجول بضمتين على أنه مصدر وروي نعبا بدل بغيا بفتح النون وسكون العين المهملة بعدها موحدة وهو صوت الغراب وروي تفصيل بدل تهليل وأنشد بعده وهو الشاهد العاشر وهو من شواهد سيبويه ( أحضر الوغى )
____________________

وهو قطعة من بيت وهو (1) ( إلا ايهذا اللائمي أحضر الوغى ** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي ) على ان نصب أن المقدرة في مثل هذا ضعيف وقال في باب نواصب الفعل نصبها في مثله شاذ والكوفيون يجوزون النصب في مثله قياسا أقول ذهب الكوفيون إلى أنها تعمل محذوفة في غير المواضع المعدودة واستدلوا بهذا البيت فقالوا الدليل على صحة هذا التقدير أنه عطف عليه قوله ( وأن أشهد ) فدل على أنها تنصب مع الحذف ومنع البصريون ذلك بأن عوامل الأفعال ضعيفة لا تعمل مع الحذف وإذا حذفت ارتفع الفعل ومنه عند سيبويه قوله تعالى ! ( قل أفغير الله تأمروني أعبد ) ! وقالوا رواية البيت عندنا إنما هي بالرفع فقال سيبويه أصله أن أحضر فلما حذفت أن أرتفع وأن أحضر مجرور بفي مقدرة وأن أشهد معطوف عليه وقال المبرد جملة أحضر حال من الياء وأن أشهد معطوف على المعنى لأنه لما قال أحضر دل على الحضور كما تقول من كذب كان شرا له أي كان الكذب كذا نقلوا عنه ولئن صحت رواية النصب فهو محمول على أنه توهم أنه أتى بأن فنصب كقوله (1)
____________________
1- ( الطويل )

( بدا لي أني لست مدرك ما مضى ** ولا سابق شيئا إذا كان جائيا ) بجر سابق على توهم أنه قال لست بمدرك ما مضى وهذا لا يجوز القياس عليه وروي ألا أيهذا الزاجري وروي أيضا ألا أيها اللاحي بتشديد الياء والوغي الحرب وأصله الأصوات التي تكون فيها وقال ابن جني الوغي بالمهملة الصوت وبالمعجمة الحرب نفسها والشهود الحضور يقال شهدت المجلس بمعنى حضرته وأخلده أبقاه ومعنى البيت يا من يلومني في حضور الحرب لئلا أقتل وفي ان أنفق مالي لئلا أفتقر ما أنت مخلدي إن قبلت منك فدعني أنفق مالي في الفتوة ولا أخلفه لغيري وهذا البيت من قصيدة لطرفة بن العبد وهي إحدى المعلقات السبع ونذكر ترجمته وأخباره في موضع آخر إن شاء الله تعالى وبعد هذا البيت ( فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي ** فذرني أبادرها بما ملكت يدي ) يقول إن كنت لا تقدر أن تدفع موتي فذرني أسبق الموت بالتمتع بإنفاق مالي يريد أن الموت لابد منه فلا معنى للبخل وترك اللذات * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي عشر
____________________

( أدنو فأنظور ) وهو قطعة من بيت ثان أنشدهما الفراء وهما (1) ( الله يعلم أنا في تلفتنا ** يوم الفراق إلى أحبابنا صور ) ( وأنني حوثما يثني الهوى بصري ** من حوثما سلكوا أدنو فأنظور ) على أن الواو حاصلة من إشباع الضمة وأصله أنظر ويروى إلى إخواننا بدل أحبابنا والصور بصاد مهملة جمع أصور وهو المائل من الشوق من صور يصور صورا بالتحريك مال وأصاره فانصار أماله فمال ويجوز أن يكون جمع صورة أي إذا تلفتنا إلى الأحباب عند رحيلهم فكأننا أشكال وأشباح ليس فيها أرواح وأنني بفتح الهمزة ووحوث ظرف مكان لغة في حيث بتثليث الثاء فيهما وهو خبر أن وما زائدة وثناه أماله والهوى العشق وهو فاعل وبصري مفعوله أي أنا في الجهة التي يميل الهوى بصري إليها وقوله ( من حوثما ) روى في الموضعين حيثما متعلق بأدنو وبأنظر أي أدنو فأنظر إليهم من الجهة التي سلكوا فيها وروى ابن جني في سر الصناعة وفي الخصائص وفي المبهج يسري بدل يثني وزاد في المحتسب فقال هكذا روى أبو علي يسري من سريت ورواه ابن الأعرابي يشري بالشين معجمة اي يعلق ويحرك الهوى بصري وما أحسن هذه الرواية وأظرفها انتهى أما الأول فهو مضارع سريت الثوب عني سريا لغة في سروته عني سروا بمعنى ألقيته وأما الثاني فهو مضارع أشريته متعدي شري البرق شرى من باب فرح إذا كثر لمعانه وشري زمام الناقة إذا كثر اضطرابه وشرى الرجل واستشرى إذا لج في الأمر وقوله ( أدنو فأنظور ) روى ابن جني موضعه أثني فأنظور أي أثني عنقي فأنظر نحوهم من ثناه بمعنى لواه قال أبو علي وتبعه ابن جني لو سميت
____________________
1- ( البسيط )

رجلا بأنظر لمنعته الصرف للتعريف ووزن الفعل ولو سميته بأنظور من قول الشاعر أدنو فأنظور لصرفته لزوال لفظ الفعل وإن كنا نعلم أن الواو إنما تولدت من إشباع ضمة الظاء وأن المراد عند الجميع أنظر وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني عشر (1) ( ينباع من ذفرى غضوب جسرة ) تمامه ( زيافة مثل الفنيق المكدم ) على أن الألف تولدت من إشباع الفتحة والأصل ينبع كذا قال جماعة وقال أبن الأعرابي ينباع ينفعل من باع يبوع إذا مر مرا لينا فيه تلو وأنكر أن يكون الأصل فيه ينبع وقال ينبع يخرج كما ينبع الماء من الأرض ولم يرد هذا إنما أراد السيلان وتلويه على رقبتها وفي العباب وانباع العرق سال وأنشد هذا البيت وقال ويروى ينبع وقيل ينبع فتولدت الألف من إشباع الفتحة ويروى ينهم أي يذوب يقال همه المرض إذا أذابه وأنهم الشحم والبرد ذابا وإنكار ابن الأعرابي رواية ينبع مردود برواية الثقات وقوله ليس المراد ينبع إلخ مردود أيضا فإن الذفري هو الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن وفاعل ينباع ضمير عائد على الرب أو الكحيل في البيت السابق وجملة ينباع خبر كأن وهو (1) ( وكأن ربا أو كحيلا معقدا ** حش الوقود به جوانب قمقم )
____________________
1- ( الكامل )

الرب بضم المهملة معروف وهو شبيه الدبس والكحيل بضم الكاف وفتح الحاء المهملة القطران شبه عرق الناقة بهما وقال الخطيب التبريزي وقيل الكحيل هناء تهنأ به الإبل من الجرب شبيه بالنفط يقال له الخضخاض وقال أبو جعفر النحوي هو رديء القطران يضرب إلى الحمرة ثم يسود إذا عقد وفي العباب الكحيل مصغر الذي يطلي به الإبل للجرب وهو النفط قاله الأصمعي قال والقطران إنما يطلى به للدبر والقراد وشبه ذلك وانشد هذا البيت ومعقد اسم مفعول من أعقد وهو الذي أوقد تحته النار حتى انعقد وغلظ قال في الصحاح وعقد الرب وغيره اي غلظ فهو عقيد أعقدته تعقيدا قال الكسائي يقال للقطران والرب ونحوه أعقدته حتى تعقد وهو وصف الثاني لا الأول فإن الرب يكون معقدا وحش بالحاء المهملة يقال حششت النار إذا أوقدتها والوقود بفتح الواو الحطب والوقود بالضم المصدر وهو فاعل حش وجوانب مفعوله ويجوز أن يكون حش بمعنى احتش أي اتقد كما يقال هذا لا يخلطه شيء بمعنى لا يختلط به فيكون جوانب منصوبا على الظرف كذا في شرح أبي جعفر النحوي والقمقم كهدهد الجرة وآنية معروفة قال القاضي أبو الحسين الزوزني في شرحه شبه العرق السائل من رأسها وعنقها برب أو قطران جعل في قمقم أوقدت عليه النار فهو يترشح به عند الغليان وعرق الإبل شبهه بهما وشبه رأسها بالقمقم في الصلابة وتقدير البيت وكأن ربا أو كحيلا حش الوقود بإغلائه في جوانب قمقم عرقها الذي ينرشح منها 1 . هـ والذفرى بكسر الذال المعجمة وسكون الفاء من القفا الموضع الذي يعرق من الإبل خلف الأذن يقال هذه ذفرى أسيلة لا تنون لأن ألفها للتأنيث وبعضهم ينون ويجعل ألفها للإلحاق وهي ماخوذة من ذفر العرق لأنها أول ما يعرق من الإبل الذفريان وأول ما يبدو فيه السمن لسانه وكرشه وآخر ما يبقى فيه السمن عينه وسلاماه وعظام أخفافه والغضوب بالغين والضاد المعجمتين قالوا هي الناقة
____________________

العبوس والمراد الناقة الصعبة الشديدة المراس قال الخطيب في شرحه تبعا لأبي جعفر الغضوب والغضبى واحد وغضوب للتكثير كما يقال ظلوم وغشوم وروى شارح شواهد التفسيرين من ذفرى أسيل قال والأسيل من كل شيء المسترسل الطويل السهل وهذه الرواية غير صحيحة لأنه إن كان بإضافة ذفرى إليه فكان يجب ان يقول أسيلة لأن كلامه في الناقة بدليل ما بعده وإن كان الأسيل وصفا للذفرى وإن صح بتقدير ألفها للإلحاق لكن تبقى الذفرى غير مقيدة والجسرة بفتح الجيم وسكون السين المهملة قال في الصحاح الجسر العظيم من الإبل والأنثى جسرة وفي الشروح الجسرة الماضية في سيرها ومنه جسر فلان على كذا وقيل هي الضخمية القوية وروى بدله حرة والحر الجيد الأصل والخالص من كل شيء و الزيافة بفتح الزاي المعجمة وتشديد المثناة التحتية والفاء مبالغة زائف وهو من زاف يزيف زيفا وزيفانا إذا تبختر في مشيته كذا في العباب وقال الخطيب هي المسرعة والفنيق بفتح الفاء وكسر النون الفحل المكدم الذي لا يؤذي ولا يركب لكرامته على أهله والمكدم بضم الميم وسكون الكاف اسم مفعول قياسه أن يكون من أكدمه لكنهم لم ينقولا إلا كدمه ثلاثيا من الباب الأول والثاني قالوا الكدم العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار والمكدم بالتشديد المعضض وروى موضعه المقرم على وزنه وهو البعير الذي لا يحمل عليه ولا يذلل وإنما هو للفحلى بكسر الفاء وسكون الحاء المهملة قال الزوزني يقول ينبع هذا العرق من خلف أذن ناقة غضوب مؤثقة الخلق شديدة التبختر في سيرها مثل فحل من الإبل قد كدمته الفحول شبهها بالفحل في تبخترها ووثاقة خلقها وضخمها وهذان البيتان من معلقة عنترة وهي من أجود شعره وكانت العرب تسميها المذهبة بصيغة اسم المفعول من الإذهاب أو التذهيب وهما بمعنى التمويه والتطلية بالذهب
____________________

ومعنى المعلقة أن العرب كانت في الجاهلية يقول الرجل منهم الشعر في أقصى الأرض فلا يعبأ به ولا ينشده أحد حتى يأتى مكة في موسم الحج فيعرضه على أندية قريش فإن استحسنوه روي وكان فخرا لقائله وعلق على ركن من أركان الكعبة حتى ينظر إليه وإن لم يستحسنوه طرح ولم يعبأ به وأول من علق شعره في الكعبة أمرؤ القيس وبعده علقت الشعراء وعدد من علق شعره سبعة ثانيهم طرفة بن العبد ثالثهم زهير بن أبي سلمى رابعهم لبيد بن ربيعة خامسهم عنترة سادسهم الحارث بن حلزة سابعهم عمرو بن كلثوم التغلبي هذا هو المشهور وفي العمدة لابن رشيق وقال محمد بن أبي الخطاب في كتابه الموسوم بجمهرة أشعار العرب إن أبا عبيدة قال أصحاب السبع التي تسمى السموط امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى ولبيد وعمرو وطرفه قال وقال المفضل من زعم أن في السبع التي تسمى السموط لأحد غير هؤلاء فقد أبطل فاسقطا من أصحاب المعلقات عنترة والحارث بن حلزة وأثبتا الأعشى والنابغة وكانت المعلقات تسمى المذهبات وذلك أنها اختيرت من سائر الشعر فكتبت في القباطي بماء الذهب وعلقت على الكعبة فلذلك يقال مذهبة فلان إذا كانت أجود شعره ذكر ذلك غير واحد من العلماء وقيل بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة يقول علقوا لنا هذه لتكون في خزانته ونذكر إن شاء الله خبر كل واحد من أصحاب القصائد وأنسابهم والسبب الذي دعاهم إلى قول تلك القصائد عندما يأتي شعر كل منهم وقد طرح عبد الملك بن مروان شعر أربعة منهم وأثبت مكانهم أربعة وروي أن بعض أمراء بني أمية أمر من أختار له سبعة أشعار فسماها المعلقات
____________________

والسبب الذي حمل عنترة على نظم هذه القصيدة أنه كان لا يقول من الشعر إلا البيتين والثلاثة حتى سابه رجل من قومه فعابه بسواده وسواد أمه وأنه لا يقول الشعر فأجابه عنترة أبلغ جواب نقله ابن قتيبة في طبقات الشعراء وقال أما الشعر فستعلم فقال هذه القصيدة ويستحسن منها قوله في وصف روضه (1) ( وخلا الذباب بها فليس ببارح ** غردا كفعل الشارب المترنم ) ( هزجا يحك ذراعه بذراعه ** فعل المكب على الزناد الأجذم ) البراح الزوال والغرد وصف من غرد من باب فرح إذا تغنى يقول خلا الذباب بهذه الروضة فلا زال يرجع صوته بالغناء كشارب الخمر والهزج تراكب الصوت ومعنى يحك ذراعه بذراعه يمر إحداهما على الأخرى والأجذم بالمعجمتين صفة المكب وهو المقطوع اليد شبه الذباب إذا سن إحدى ذراعيه بالأخرى بأجذم يقدح نارا بذراعيه وهذا من عجيب التشبيه يقال إنه لم يقل أحد في معناه مثله وقد عده أرباب الأدب من التشبيهات العقم وهي التي لم يسبق إليها ولا يقدر أحد عليها مشتق من الريح العقيم وهي التي لا تلقح شجرة ولا تنتج ثمرة وقد شبه بعضهم من يفرك يديه ندامة بفعل الذباب وزاده اللطم فقال (1) ( فعل الأديب إذا خلا بهمومه ** فعل الذباب يرن عند فراغه ) ( فتراه يفرك راحتيه ندامة ** منه ويتبعها بلطم دماغه ) \ و عنترة هو عنترة العبسي بن شداد بن عمرو بن قراد قال الكلبي شداد جده غلب على اسم أبيه وإنما هو عنترة بن عمرو بن شداد وقال غيره شداد
____________________
1- ( الكامل )

عمه تكفله بعد موت أبيه فنسب إليه ويقال إن أباه ادعاه بعد الكبر وذلك أنه كان لأمة سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلية إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده وكان لعنترة إخوة من أمه عبيد وكان سبب ادعاء أبي عنترة إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على قوم من بني عبس فأصابوا منهم فتبعهم العبسيون فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة فقال له أبوه كر يا عنترة فقال العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر قال كر وانت حر فقاتلهم واستنقذ ما في أيدي القوم من الغنيمة فادعاه أبوه بعد ذلك وهو أحد أغربة العرب وهم ثلاثة والثاني خفاف كغراب واسم أمه ندبة كتمرة والثالث السليك بالتصغير وأسم أمه السلكة بضم ففتح وأمهات الثلاثة سود وكان عنترة أشجع أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده وكان شهد حرب داحس والغبراء وحمدت مشاهده فيها وقتل فيها ضمضما المري أبا الحصين بن ضمضم وأبا أخيه هرم ولذلك قال في هذه القصيدة ( ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ** للحرب دائرة على ابني ضمضم ) ( الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ** والناذرين إذا لم القهما دمي ) ( إن يفعلا فلقد تركت أباهما ** جزر السباع وكل نسر قشعم ) وهذا آخر المعلقة قال أبو عبيدة إن عنترة بعد ما أوت عبس إلى غطفان بعد يوم جبلة وحمل الدماء احتاج وكان صاحب غارات فكبر وعجز عنها وكان له يد على رجل من غطفان فخرج يتجازاه فمات في الطريق ونقل عن أبي عبيدة أيضا أن طيئا تدعي قتل عنترة ويزعمون أن الذي قتله الأسد الرهيص وهو القائل (1)
____________________
1- ( الوافر )

( أنا الأسد الرهيص قتلت عمرا ** وعنترة الفوارس قد قتلت ) والله أعلم والعنتر في اللغة الذباب الأزرق الواحد عنترة قال سيبويه نونه ليست بزائدة وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث عشر (1) ( في كلت رجليها سلامى زائده ** كلتاهما قد قرنت بواحده ) على أن كلت أصلها كلتا حذفت الفها ضرورة وفتحة التاء دليل عليها رأيت في حاشية الصحاح أن هذا البيت من رجز يصف به نعامة فضمير رجليها عائد على النعامة والسلامى على وزن حبارى عظم في فرسن البعير وعظام صغار طول إصبع أو أقل في اليد والرجل والجمع سلاميات والفرسن بكسر أوله وثالثه هو للبعير بمنزلة الحافر للفرس والضمير في كلتاهما للرجلين وقوله في كلت خبر مقدم والكسرة مقدرة على الألف المحذوفة وسلامى مبتدأ مؤخر وزائدة وصفه وكلتاهما مبتدأ وما بعده الخبر وهذا المصراع تأكيد للأول وفيه قلب يجعل المجرور والمرفوع في الأول مرفوعا ومجرورا في الثاني أي قرنت بواحدة من السلاميات وأورده الشارح مرة ثانية هنا على أن الكوفيين زعموا أن كلت مفرد كلتا لكن هذا المفرد لم يستعمل ويجوز استعماله للضرورة كما في هذا البيت أقول الكوفيون ذهبوا إلى أن كلا وكلتا فيهما تثنية لفظية ومعنوية وأصلهما كل فكسرت الكاف وخففت اللام وزيدت الألف للتثنية والتاء للتأنيث وقد بين الشارح مذهبهم واستدلوا على أنهما مثنيان لفظا ومعنى وأن ألفهما للتثنية
____________________
1- ( الرجز )

بالسماع والقياس أما السماع فنحو هذا البيت فأفرد كلت وهي بمعنى إحدى فدل عن أن كلتا تثنية وأما القياس فقالوا الدليل على أن ألفهما للتثنية أنها تنقلب إلى الياء في النصب والجر إذا أضيفا إلى المضمر ولو كانت ألف قصر لم تنقلب وذهب البصريون إلى أنهما ليستا بمأخوذتين من كل لأن كلا للإحاطة وهما لمعنى مخصوص ليس أحد القبيلين مأخوذا من الآخر بل مادتهما الكاف واللام والواو وهما مفردان لفظا مثنيان معنى والألف في كلا كألف عصا وفي كلتا للتأنيث ويدل لما قالوا عود الضمير إليهما تارة مفردا حملا على اللفظ وتارة مثنى حملا على المعنى وقد اجتمعا في قوله (1) ( كلاهما حين جد الجري بينهما ** قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي ولو كانا مثنيين حقيقة للزمهم أمران ) الأول كان يجب عود الضمير إليهما مثنى مع أن الحمل على اللفظ فيهما أكثر من الحمل على المعنى ونظيرهما كل فإنه يجوز عود الضمير إليها مفردا بالنسبة إلى لفظها نحو كل القوم ضربته وعوده جمعا بالنسبة إلى معناها نحو كل القوم ضربتهم لكن الحمل على المعنى فيه أكثر من الحمل على اللفظ عكس كلا وكلتا الثاني كان يمتنع نحو كلا أخويك لأنه يلزم إضافة الشيء إلى نفسه ويدل على أن ألفهما ألف مقصورة إمالتها كما قرأ حمزة والكسائي وخلف بإمالة قوله تعالى ! ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) ! وقوله تعالى ! ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ! فلو كانت للتثنية لما جاز إمالتها
____________________
1- ( البسيط )

وأجابوا عن الدليل الأول بأنه لا حجة في البيت فإن أصله كلتا ، حذفت الألف ضرورة واكتفى عنها بفتحة التاء ، كما قال الشاعر : ( الرجز ) ( وصاني العجاج فيما وصني ** ) أراد وصاني . وقال الآخر : ( الوافر ) ( فلست بمدرك ما فات مني ** بلهف ولا بليت ولا لو أني ) أراد بلهفى ، فحذفت الألف منهما ضرورة ، مثله كثير . أقول : استدلالهم بهذا البيت على الإفراد يرده معناه ، فإن المعنى على التثنية ، بدليل تأكيده بالمصراع الثاني ، فتأمل . وأجابوا عن الدليل الثاني بأنها إنما قلبت في حال الإضافة إلى المضمر لوجهين : ' أحدهما ' : أنه لما كان فيهما إفراد لفظي وتثنية معنوية ، وكانا تارة يضافان إلى المظهر وتارة إلى المضمر ، جعلوا لهما حظاً من حالة الإفراد وحظاً من حالة التثنية . وإنما جعلوهما مع الإضافة إلى المظهر بمنزلة المفرد لأن المفرد هو الأصل ؛ وجعلوهما مع الإضافة إلى المضمر بمنزلة التثنية لأن المضمر فرع والتثنية فرع ، فكان الفرع أولى بالفرع . و ' الثاني ' : أنه لم تقلب ألفهما مع المظهر لأنهما لزمتا الإضافة وجر الاسم بعدهما ، فأشبهتا لدى ، وإلى ، وعلى . وكما أن هذه الثلاثة لا تقلب ألفها مع المظهر وتقلب مع المضمر ، وكان ' كلا ' و ' كلتا ' كذلك . ويدل على صحة ذلك أن القلب فيهما يختص بحالة النصب والجر دون الرفع ، لأن لديك إنما تستعمل في حالة النصب والجر ، دون الرفع ، فلهذا المعنى كان القلب مختصاً بهما دون حالة الرفع .
____________________

قال ابن الأنباري في كتاب الإنصاف وهذا الوجه أوجه الوجهين وبه علل أكثر المتقدمين قال والدليل على أن الألف فيهما ليست للتثنية أنها لو كانت للتثنية لانقلبت في حالة النصب والجر إذا أضيفتا إلى المظهر لأن الأصل هو المظهر والمضمر فرعه فلما لم تنقلب دل على أنها ألف مقصورة لا أنها للتثنية والله أعلم هذا وقد قال أبو حيان في تذكرته هذا البيت من اضطرار الشعراء وكلت ليس بواحد كلتا بل هو جاء بمعنى كلا غير أنه أسقط الألف اعتمادا على الفتحة التي قبلها وعملا على أنها تكفي من الألف الممالة إلى الياء وما من الكوفيين أحد يقول كلت واحدة كلتا ولا يدعي أن لكلا وكلتا واحدا منفردا في النطق مستعملا فإن ادعاه عليه مدع فهو تشنيع وتفحيش من الخصوم على قول خصومهم انتهى ويؤيده ما رأيته في معاني القرآن للفراء عند تفسير قوله تعالى ! ( كلتا الجنتين آتت أكلها ) ! وهذه عبارته وقد تفرد العرب إحدى كلتي بالإمالة وهم يذهبون بإفرادها إلى تثنيتها وأنشدني بعضهم ( في كلت رجليها سلامى واحده ** كلتاهما قد قرنت بزائده ) يعني الظليم يريد بكلت كلتي * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع عشر (1) ( كلت كفيه توالي دائما ** بجيوش من عقاب ونعم )
____________________
1- ( الرمل )

على أن كلت مفرد كلتا عند الكوفيين والكلام عليه كالكلام على البيت الذي قبله ووالى بين الأمرين موالاة وولاء تابع والجيش الجند وقيل الجند السائر لحرب أو غيرها والعقاب النكال والنعم جمع نعمة وهو المال هنا والظاهر أن مراد الشاعر أن إحدى يديه تفيد النعم لأوليائه والأخرى توقع النقم بأعدائه كما قال آخر (1) ( يداك يد خيرها يرتجى ** وأخرى لأعدائها غائظه ) وحينئذ فلا يتأتى قول الكوفيين إن كلت هنا بمعنى إحدى فوجب أن يكون أصله كلتا حذفت الألف ضرورة كما تقدم بيانه في البيت السابق وفيه أيضا ما نقلناه وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس عشر + ( الطويل ) + ( كلانا إذا ما نال شيئا أفاته ) تمامه ( ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل ) على أن كلا وكلتا لو كانتا مثنيين حقيقة لم يجز عود ضمير المفرد إليهما كما عاد ضمير نال المفرد إلى كلا في هذا البيت فلما عاد إليها ضمير المفرد علم أنها مفردة لفظا مثناة معنى فعاد إليها باعتبار اللفظ وهو الكثير ويجوز أن يثنى الضمير العائد إليها باعتبار المعنى وهذا البيت من أبيات أربعة رواها الرواة لتأبط شرا منهم الأصمعي وأبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات وابن قتيبة في أبيات المعاني وخالفهم أبو سعيد السكري وزعم أنها لامرئ القيس ورواها في معلقته المشهورة بعد قوله
____________________
1- ( المتقارب )

كأن الثريا علقت في مصامها ** بأمراس كتان إلى صم جندل ) والأبيات هذه (1) ( وقربة أقوام جعلت عصامها ** على كاهل مني ذلول مرحل ) ( وواد كجوف العير قفر قطعته ** به الذئب يعوي كالخليع المعيل ) ( فقلت له لما عوى إن شأننا ** قليل الغنى إن كنت لما تمول ) ( كلانا إذا ما نال شيئا أفاته ** ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل ) وهذا الشعر أشبه بكلام اللص والصعلوك لا بكلام الملوك الواو واو رب والعصام الحبل الذي تحمل به القربة ويضعه الرجل على عاتقه وعلى صدره والكاهل موصل العنق والظهر والذلول فعول من ذلت الدابة ذلا بالكسر سهلت وانقادت فهي ذلول والمرحل اسم مفعول من رحلته ترحيلا إذا أظعنته من مكانه وأرسلته يصف نفسه بأنه يخدم أصحابه قوله وواد كجوف العير إلخ الواو حرف عطف عطفت على مجرور واو رب وجوف العير فيه قولان أحدهما أنه مثل ما لا ينتفع منه بشيء قال أبو نصر والعير عند الأصمعي الحمار يذهب به إلى أنه ليس في جوف الحمار شيء يؤكل وينتفع به إذا صيد فجوف الحمار عندهم بمنزلة الوادي القفر وفي كتاب العشرات للتميمي في المثل تركه جوف حمار أي ليس فيه ما ينتفع به
____________________
1- ( الطويل )

الثاني أن العير رجل من العمالقة وقيل من عاد كان له بنون وواد خصيب وكان حسن الطريقة فخرج بنوه يتصيدون فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم فكفر بالله وقال لا أعبد ربا أحرق بني وأخذ في عبادة الأصنام ودعا قومه إليها فمن أبى قتله فسلط الله على واديه نارا فأهلكه وأخرب واديه والوادي بلغة اليمن الجوف قال حمزة الأصبهاني في أمثاله قال أبو نصر قال الأصمعي حدثني ابن الكلبي عن فروة بن سعيد عن عفيف الكندي أن هذا الذي ذكرته العرب كان رجلا من بقايا عاد يقال له حمار بن مويلع فعدلت العرب عن ذكر الحمار إلى ذكر العير لأنه في الشعر أخف وأسهل مخرجا 1 هـ وقد ضربت العرب المثل به في الخراب والخلاء فقالوا أخرب من جوف حمار وأخلى من جوف حمار قال الشاعر (1) ( وبشؤم البغي والغشم قديما ** ما خلا جوف ولم يبق حمار ) وقالوا أيضا أكفر من حمار وقال بعضهم أراد بجوف العير وسط السيف والعير وسط السيف والخليع قال ابن قتيبة في أبيات المعاني هو الذي قد خلعه أهله لجناياته والمعيل الذي ترك يذهب ويجيء حيث شاء وقال الخطيب التبريزي الخليع المقامر ويقال هو الذي خلع عذاره فلا يبالي ما ارتكب والمعيل الكثير العيال وأراد يعوي عواء مثل عواء الخليع وقوله إن كنت لما تمول لما نافية وتمول مضارع محذوف منه التاء الماضي تمول إذا صار ذا مال ومثله مال الرجل يمول ويمال مولا ومؤولا يقول إن كنت لم تصب من الغنى ما يكفيك فإن
____________________
1- ( الرمل ) *

شأننا قليل الغنى أي أنا لا أغنى عنك وأنت لا تغني عني شيئا أي أنا أطلب وأنت تطلب فكلانا لا غنى له ومن رواه طويل الغنى أراد همتي تطول في طلب الغنى وروى ابن قتيبة وقلت له لما عوى إن ثابتا قليل الخ وقوله كلانا إذا ما نال إلخ نال ينال نيلا أصابه وأفاته فوته ولم يدخره ورواه ابن قتيبة ( كلانا مضيع لا خزانة عنده ) والمضيع من أضاع المال بمعنى أهلكه وروى الدينوري ( كلانا مقل لا خزانة عنده ) وقال يقال للعمل في الحرث لزرع كان أو لغرس الحراثة والفلاحة والإكارة ثم قيل للعمل في كل شيء حرث فقيل فلان يحرث لآخرته يقول من يكسب كسبي وكسبك لا يستغني لأنه يعيش من الخلس ولا يقتني وقال الخطيب التبريزي أي من طلب مني ومنك شيئا لم يدرك مراده وقال قوم معناه من كانت صناعته وطلبته مثل طلبتي وطلبتك في هذا الموضع مات هزالا لأنهما كانا بواد لا نبات فيه ولا صيد وتأبط شرا اسمه ثابت وكنيته أبو زهير بن جابر بن سفيان بن عميثل ابن عدي بن كعب بن حرب بن تيم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان وأمه أميمة من قين بطن من فهم وفي تلقيبه بتأبط شرا أربعة أقوال
____________________

أحدها وهو المشهور أنه تأبط سيفا وخرج فقيل لأمه أين هو فقالت لا أدري تأبط شرا وخرج الثاني أن أمه قالت له في زمن الكمأة ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهلهم الكمأة فيروحون بها فقال لها أعطيني جرابك حتى أجتني لك فيه فأعطته فملأه لها أفاعي من أكبر ما قدر عليه وأتى به متأبطا له فألقاه بين يديها ففتحته فسعين بين يديها في بيتها فوثبت وخرجت منه فقال لها نساء الحي ماذا كان الذي تأبطه اليوم قالت تأبط شرا الثالث أنه رأى كبشا في الصحراء فاحتمله تحت إبطه فجعل يبول طول الطريق عليه فلما قرب من الحي ثقل عليه حتى لم يقله فرمى به فإذا هو الغول فقال له قومه بم تأبطت يا ثابت فأخبرهم فقالوا لقد تأبط شرا الرابع أنه أتى بالغول فألقاه بين يديها فسئلت أمه عما كان متأبطا فقالت ذلك فلزمه وكان أحد لصوص العرب يغزو على رجليه وحده وكان إذا جاع نظر إلى الظباء فيتنقى على نظره أسمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه وترجمته مذكورة في الأغاني بحكايات كثيرة يتعجب منها العقل لغرابتها وقيس عيلان تركيب إضافي لأن عيلان اسم فرس قيس لا أبيه كما ظنه بعض الناس كذا في القاموس وغيره وهو بفتح العين المهملة وليس عيلان في لغة العرب غيره وما عداه غيلان بالمعجمة وقيس أبو قبيلة من مضر واسمه الناس ابن مضر بن نزار وقيس لقبه يقال تقيس فلان إذا تشبه بهم أو تمسك منهم بسبب إما بحلف أو جوار أو ولاء قال رؤبة (1) ( وقيس عيلان ومن تقيسا )
____________________
1- ( الرجز )

ثم رأيت في شرح أدب الكاتب للجواليقي قال عند بيت رؤبة هذا قيس عيلان بن مضر ويقال قيس بن عيلان واسمه الناس بالنون وأخوه إلياس بالياء وفيه العدد وكان الناس متلافا وكان إذا نفذ ما عنده أتى أخاه إلياس فيناصفه ماله أحيانا ويواسيه أحيانا فلما طال ذلك عليه وأتاه كما كان يأتيه قال له إلياس غلبت عليك العيلة فأنت عيلان فسمي لذلك عيلان وجهل الناس ومن قال قيس ابن عيلان فإن عيلان كان عبدا لمضر حضن ابنه الناس فغلب على نسبة 1 هـ ومثله في الأنساب للكلبي قال كان عيلان عبدا لمضر فحضن ابنه الناس وأنشد بعده وهو الشاهد السادس عشر وهو من شواهد س (1) ( فلا أعني بذلك أسفليكم ** ولكني أريد به الذوينا ) على أن الذوين داخل في حد الجمع المذكور على أي وجه كان لأن واحده ذو وأنشده أيضا في آخر باب الإضافة على أن قطع ذو وإدخال اللام عليه شاذ وذلك لإجرائه مجرى صاحب وأنشده أيضا في باب الجمع المذكر السالم على أنه لو اعتبر اللام أي لام الفعل لقال الذوين كالأعلين فإن ذو مفتوح العين عند س قال أبو علي الفارسي في الإيضاح الشعري كسر العين من الذوين وكان حقها أن تفتح لأن ذوين جمع ذوى وقد ثبت ب ذواتا أفنان أن العين مفتوحة 1 هـ قال في الصحاح ولو سميت رجلا ذو لقلت هذا ذوى قد أقبل فترد
____________________
1- ( الوافر )

ما ذهب منه لأنه لا يكون اسم على حرفين أحدهما حرف لين لأن التنوين يذهبه فيبقى على حرف واحد وأنشده س أيضا في باب تغيير الأسماء المبهمة إذا صارت أعلاما خاصة فإنه جمع ذو جمعا سالما وأفرده من الإضافة وأدخل عليه اللام وجعله أسما على حياله قال في الصحاح ولو جمعت ذو مال لقلت هؤلاء ذوون لأن الإضافة قد زالت وأنشد بيت الكميت وقال أراد أذواء اليمن وكذلك قال أبو البقاء في شرح الإيضاح النحوي للفارسي إنما جاز هذا لأنه أراد ملوك اليمن فقد أخرجه إلى باب المفرد ولذلك قالوا الأذواء في هؤلاء لكن قال أبو بكر الزبيدي في كتاب لحن العامة لا يجوز أن تدخل اللام على ذو ولا على ذات في حال إفراد ولا تثنية ولا جمع ولا تضاف إلى المضمرات وإنما تقع مضافة إلى الظاهر وقد غلط في ذلك اهل الكلام وأكثر النحويين من الشعراء والكتاب والفقهاء فأما قولهم في ذي رعين وذي أصبح وذي كلاع الأذواء وقوله ( ولكني أريد به الذوينا ) فليس من كلامهم المعروف ألا ترى أنك لا تقول هؤلاء أذواء الدار ولا مررت بأذواء المال وإنما أحدث ذلك بعض أهل النظر كأنه ذهب إلى جمعه على الأصل لأن أصل ذو ذوى فجمعه على أذواء مثل قفا وأقفاء وكذلك الذوون كأنه جمعه مفردا وأخرجه مخرج الأذواء في الانفراد وذلك غير مقول لأن ذو لا تكون إلا مضافة وكما لا يجوز أن تقول هذا الذو والذوان فتفرد فكذلك لا تقول الأذواء ولا الذوون لأن ذو لا تكون إلا مضافة وكذلك جمعها 1 هـ والصحيح عند س ومن تبعه جواز جمع ذو في نحو ذي رعين مما هو جزء علم على الأذواء والذوين كما في شعر الكميت وهو عربي فصيح ومراد الزبيدي
____________________

بتغليط من ذكر أنهم يقولون الذات وذاته فيدخلون اللام عليه ويضيفونه إلى الضمير وهو مؤنث ذو وهذا جائز أيضا وإن توقف فيه أكثر الناس فإن الذات قد أجري مجرى الأسماء الجامدة فإن المراد به حقيقة الشيء ونفسه من غير ملاحظة موصوف يجري عليه قال الزركشي في تذكرته سئل الزمخشري عن إطلاق الذات على الله عز وجل فأجاب بأنها تأنيث ذو بمعنى صاحب وهي موضوعة ليوصف بها ما تلبس بما يلزمها الإضافة إليه من الأجناس في نحو قولهم رجل ذو مال وامرأة ذات جمال ثم قطعت عن مقتضاها وأجريت مجرى الأسماء الجوامد فلا تلزم الإضافة ولا الإجراء على موصوف وعني بها نفس الباري وحقيقته وأصلها في التقدير نفس ذات علم وغيره من الصفات ثم استغنى بالصفة عن الموصوف ومثله كثير وحذف المضاف إليه لإرادة التعميم كما تحذف المفاعيل فإن قلت كيف جاز إطلاقه على الله مع ما فيه من التأنيث وهم يمنعون إطلاق العلامة عليه مع أن تاءه للمبالغة لما فيه من الإيهام قلت ساغ من حيث ساغ النفس والحقيقة ووجهه أن امتناع علامة لأنه صفة حذي بها حذو الفعل في التفصلة بين المذكر والمؤنث بخلاف الأسماء التي لا تجري على مجرى الأفعال في الفرق فلما انسلكت الذات في مسلك الأسماء جرت مجرى النفس والحقيقة فإن صح ما حكي عن العرب من قولهم جعل الله ما بيننا في ذاته وعليه بنى حبيب قوله (1) ( ويضرب في ذات الإله فيوجع ) فالكلمة إذن عربية وعلى ذلك استعمال المتكلمين 1 هـ
____________________
1- ( الطويل )

وأعلم أن استشهادهم بشعر حبيب وبما وقع في الحديث من قوله ثلاث كذبات في ذات الله لتصحيح هذه اللفظه فيه أن بعض المحققين قال ليس معناه ما ذكروه وإنما معنى ذات فيه أمور تستند إلى الله مما أراده وأوجبه على عبادة من طاعته وعبادته والإيمان به ونحو ذلك وهو المتبادر منه بشهاده السياق والتأمل الصادق وهذا البيت من قصيدة الكميت بن زيد هجا بها أهل اليمن تعصبا لمضر وسيأتي في الشاهد الرابع والعشرين سبب عصبيته لمضر ونظمه لهذه القصيدة يقول لا أعنى بهجوي إياكم أراذلكم وإنما أعنى عليتكم وملوككم وروى (1) ( لم أقصد بذلك أسفليكم ** ولكني عنيت به الذوينا ) يقال عنيته عنيا من باب رمى قصدته فمفعوله أسفليكم وهو جمع مذكر سالم واعتنيت بأمري اهتممت واحتفلت وعنيت به أعني من باب رمى أيضا عناية كذلك وأما المبني لمفعول نحو عنيت بأمر فلان عناية وعنيا فهو بمعنى شغلت به ولتعن بحاجتي أي لتكن حاجتي شاغلة لسرك وربما قيل عنيت بأمره بالبناء للفاعل كذا في المصباح والأسفلون جمع أسفل وهو خلاف الأعلى يقال سفل سفولا من باب قعد وسفل من باب قرب لغة صار أسفل من غيره وسفل في خلقه وعمله سفلا من باب قتل وسفالا والاسم السفل بالضم ومنه قيل للأراذل سفلة بفتح السين وكسر الفاء ويجوز التخفيف بنقل الكسرة إلى ما قبلها وأراد بالذوين الأذواء وهم ملوك اليمن المسمون بذي يزن وذي جدن وذي نواس وهم التبابعة وقال ابن الشجري في أمالية وأذواء اليمن منهم ملوك ومنهم أقيال والقيل دون الملك ثم سرد من سمي بذي كذا من ملوك اليمن وبالغ في جمعها وشرحها
____________________
1- ( الوافر )

فمن أرادها فلينظر ثمة ومن يقال له الكميت من الشعراء كما في المؤتلف والمختلف للآمدي ثلاثة من بني أسد بن خزيمة أولهم الكميت الأكبر بن ثعلبة بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن جحوان بتقديم المعجمة ابن فقعس والثاني الكميت بن معروف بن الكميت الأكبر والثالث هو صاحب الشاهد وهو الكميت بن زيد بن الأخنس بن مجالد بن ربيعة بن قيس بن الحارث بن عامر بن دويبة بن عمرو بن مالك بن سعد بن ثعلبة ابن دودان بن أسد وهو كوفي شاعر مقدم عالم بلغات العرب خبير بأيامها ومن شعراء مضر وألسنتها المتعصبين على القحطانية المقارعين العالمين بالمثالب يقال ما جمع أحد من علم العرب ومناقبها ومعرفة أنسابها ما جمع الكميت فم صحح الكميت نسبه صح ومن طعن فيه وهن وسئل معاذ الهراء عن أشعر الناس فقال من الجاهليين امرؤ القيس وزهير وعبيد ابن الأبرص ومن الإسلاميين الفرزدق وجرير والأخطل فقيل له يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت قال ذاك أشعر الأولين والآخرين وقال أبو عكرمة الضبي لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان يقال إن شعره بلغ أكثر من خمسة آلاف بيت وقال أبو عبيدة لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت لكفاهم حببهم إلى الناس وأبقى لهم ذكرا وقال بعضهم في الكميت خصال لم تكن في شاعر كان خطيب بني أسد
____________________

وفقيه الشيعة وحافظ القرآن وكان ثبت الجنان وكان كاتبا حسن الخط وكان نسابة وكان جدليا وهو أول من ناظر في التشيع مجاهرا بذلك وله في أهل البيت القصائد المشهورة وهي أجود شعره وكان في صغره ذكيا لوذعيا يقال إنه وقف وهو صبي على الفرزدق وهو ينشد فأعجبه سماعه فلما فرغ قال يا غلام كيف ترى ما تسمع قال حسن يا عم قال أيسرك أني أبوك قال أما أبي فلا أبغي به بدلا ولكن يسرني أنك أمي فحصر الفرزدق وقال ما مر بنا مثلها وحكى صاعد مولى الكميت قال دخلت مع الكميت على علي بن الحسين رضي الله عنه فقال إني قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلة عند رسول الله & ثم أنشده قصيدته التي أولها (1) ( من لقلب متيم مستهام ** غير ما صبوة ولا أحلام ) فلما أتى على آخرها قال له ثوابك نعجز عنه ولكن ما عجزنا عنه فإن الله لا يعجز عن مكافأتك اللهم أغفر للكميت اللهم أغفر للكميت ثم قسط له على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم وقال له خذ يا أبا المستهل فقال له لو وصلتني بدانق لكان شرفا لي ولكن إن أحببت أن تحسن إلي فادفع إلي بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرك بها فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها ثم قال اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس وأظهر ما كتمه غيره من الحق فأحيه سعيدا وأمته شهيدا وأره الجزاء عاجلا وأجزل له جزيل المثوبة آجلا فإنا قد عجزنا عن مكافاته قال الكميت ما زلت أعرف بركة دعائه وحدث محمد بن سهل قال دخلت مع الكميت على جعفر الصادق في أيام التشريق فقال جعلت فداءك ألا أنشدك قال إنها أيام عظام قال إنها
____________________
1- ( الخفيف )

فيكم قال هات فأنشده قصيدته التي أولها (1) ( ألا هل عم في رأيه متأمل ** وهل مدبر بعد الإساءة مقبل ) ( وهل أمة مستيقظون لدينهم ** فيكشف عنه النعسة المتزمل ) ( فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى ** مساويهم لو أن ذا الميل يعدل ) ( وعطلت الأحكام حتى كأننا ** على ملة غير التي نتنحل ) ( كلام النبيين الهداة كلامنا ** وأفعال أهل الجاهلية نفعل ) ( رضينا بدنيا لا نريد فراقها ** على أننا فيها نموت ونقتل ) ( ونحن بها مستمسكون كأنها ** لنا جنة مما نخاف ومعقل ) فكثر البكاء وارتفعت الأصوات فلما مر على قوله في الحسين رضي الله عنه ( كأن حسينا والبهاليل حوله ** لأسيافهم ما يختلي المتبقل ) ( وغاب نبي الله عنهم وفقده ** على الناس رزء ما هناك مجلل ) ( فلم أر مخذولا أجل مصيبة ** وأوجب منه نصرة حين يخذل ) فرفع جعفر الصادق رضي الله عنه يديه وقال اللهم اغفر للكميت ما قدم وما آخر وما أسر وما أعلن وأعطه حتى يرضى ثم أعطاه ألف دينار وكسوه فقال له الكميت والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيت من هي في يديه ولكنني أحببتكم للآخرة فأما الثياب التي أصابت أجسادكم فإني أقبلها لبركتها وأما المال فلا أقبله وكانت ولادة الكميت سنة ستين وهي أيام مقتل الحسين رضي الله عنه وكانت وفاته سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمد
____________________
1- ( الطويل )

وكان السبب في موته أنه مدح يوسف بن عمر بعد عزل خالد القسري عن العراق فلما دخل عليه أنشده مديحة معرضا بخالد وكان الجند على رأس يوسف متعصبين لخالد فوضعوا سيوفهم في بطنه وقالوا أتنشد الأمير ولم تستأمره فلم يزل ينزف الدم منه حتى مات رحمه الله تعالى والكميت مشتق من الكمتة يقال للذكر والأنثى ولا يستعمل إلا مصغرا وهو تصغير أكمت على غير قياس والأسم الكمته وهو من الخيل بين الأسود والأحمر قال أبو عبيد ويفرق بين الكميت والأشقر بالعرف والذنب فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو الكميت ووجه تصغيره س بما يستحسن فقال لأنه لم يخلص له لون بعينه فينفرد به مكبرا والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد السابع عشر (1) ( وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع ) على أن الكوفيين وبعض البصريين جوزوا للضرورة ترك صرف المنصرف بشرط العلمية وأنشده أيضا هنا في آخر الكلام على منتهى الجموع على أن الكوفيين يمنعون الصرف بالعلمية وحدها لأنها سبب قوي في باب منع الصرف أراد ببعض البصريين أبا الحسن الأخفش وأبا علي الفارسي وابن برهان واشتراط العلمية لمنع الصرف إنما هو مذهب السهيلي لا غير وأما الكوفيون فهم يجيزون ترك الصرف للضرورة مطلقا في الأعلام وغيرها ومن جملة شواهدهم
____________________
1- ( المتقارب )

قول الشاعر (1) ( فأوفض منها وهي ترغو حشاشة ** بذي نفسها والسيف عريان أحمر ) قالوا ترك صرف عريان وهو منصرف لأن مؤنثه عريانه لا عريا وسيأتي مثله للشارح في هذا الباب وقول الفرزدق وقيل هو لابن أحمر (1) ( إذا قال عاو من تنوخ قصيدة ** بها جرب عدت علي بزوبرا ) قالوا ترك صرف زوبر وهو منصرف ومعناه نسبت إلي بكمالها من قولهم أخذ الشيء بزوبره إذا أخذه كله وقيل بزوبرا أي كذبا وزورا وإن كان زوبر عند البصريين معرفة قال ابن جني في المبهج وهو تفسير أسامي شعراء الحماسة سألت أبا علي عن ترك صرف زوبر فقال جعلها علما لما تضمنته القصيدة من المعنى وقال الزمخشري في المفصل هو علم للكلية كسبحان علم للتسبيح وكذا ذكره الشارح في باب العلم نعم أكثر شواهدهم جاءت في الأعلام وكأنهم راعوا بحسب الأغلب العلمية في منع الصرغ وحدها للضرورة كما أهملوها أيضا للضرورة فالمسألة ثلاثية الجواز مطلقا وهو مذهب الكوفيين والمنع مطلقا وهو مذهب البصريين والجواز مع العلمية وهو مذهب السهيلي وقد حكى هذه المذاهب الثلاثة الشاطبي في شرح الألفية وقال المبرد الرواية ( يفوقان شيخي في مجمع )
____________________
1- ( الطويل )

قال ابن مالك في شرح التسهيل وللمبرد إقدام في رد ما لم يرو مع أن البيت بذكر مرادس ثابت بنقل العدل عن العدل في صحيح البخاري ومسلم وذكر شيخي لا يعرف له سند صحيح ولا سبب يدنيه من التسوية فكيف من الترجيح وقال ابن جني في سر الصناعة بعد أن عارض الرواية المشهورة برواية المبرد على أن المبرد قد حكى عنهم سلام عليكم غير منون والقول فيه أن اللفظة كثرت في كلامهم فحذف تنوينها تخفيفا كما قالوا لم يك ولا تبل ولا أدر انتهى يريد إن سلمنا رواية الكوفيين فهو من باب حذف التنوين لا من باب منع الصرف وهذا ظاهر في المنصوب وليت شعري ما يقول في المجرور إذا جر بالفتحة كقول الشاعر (1) ( قالت أميمة ما لثابت شاخصا ** عاري الأشاجع ناحلا بالمفصل ) ف ثابت علم جر بالفتحة وقول الآخر (1) ( وإلى ابن أم أناس تعمد ناقتي ** عمرو لتنجح ناقتي أو تتلف ) فجر أناس بالفتحة وأم أناس بنت ذهل بن شيبان وعمرو هو عمرو بن حجر الكندي وقوله + ( الطويل ) + ( وقائلة ما بال دوسر بعدنا ** صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند ) ونحو هذا من أبيات أخر واستدل الكوفيون على جواز ترك الصرف ضرورة بالسماع والقياس أما
____________________
1- ( الكامل )

السماع فكثرة الشواهد وهي تزيد على عشرين بيتا ذكرها ابن الأنباري في كتاب الإنصاف واثبتها البصريون بروايات ليس فيها ترك الصرف فقالوا في قوله ( وقائلة ما بال دوسر بعدنا ) الرواية ( وقائلة ما للقريعي بعدنا ) وقالوا في قوله (1) ( ومصعب حين جد الأمر ** أكثرها وأطيبها ) الرواية وأنتم حين جد الأمر وهكذا رووا في سائر الأبيات فقال الكوفيون الرواية الصحيحة المشهورة ما رويناه ولو سلمنا صحة روايتكم فما جوابكم عما رويناه مع صحته وشهرته وأما القياس فإنه لما جاز صرف مالا ينصرف اتفاقا وهو خلاف القياس جاز العكس أيضا إذ لا فرق بينهما وأيضا فإنه إذا جاز حذف الواو المتحركة ضرورة من قوله + ( الطويل ) + ( فبيناه يشري رحله قال قائل ** لمن جمل رخو الملاط نجيب ) وأصله فبينا هو فجواز حذف التنوين ضرورة من باب أولى لأن الواو من هو متحركة والتنوين ساكن ولا خلاف أن حذف الحرف الساكن أسهل من حذف المتحرك وأما البصريون فقالوا لا يجوز ترك الصرف لأن الأصل في الأسماء الصرف فلو أنا جوزنا ذلك أدى إلى رده عن الأصل إلى الفرع ولا لتبس ما ينصرف بما لا ينصرف وعلى هذا يخرج حذف الواو من هو نحو قوله فبيناه يشري رحله
____________________
1- ( مجزوء الوافر )

فإنه لا يؤدي إلى لبس وإنما جاز في الضرورة صرف مالا ينصرف لأنه من أصل الاسم فإذا اضطروا ردوه إلى أصله وإن لم ينطقوا إليه في السعة كما لم ينطقوا بنحو ضننوا في السعة بخلاف منع الصرف لأنه ليس من أصل المنصرف ألا ينصرف وقد ذهب ابن الأنباري في كتاب الإنصاف مذهب الكوفيين لكثرة النقل الذي خرج عن هذا الشذوذ والقلة فقال ولما صحت الرواية عند الأخفش والفارسي وابن برهان من البصريين صاروا إلى جواز ترك الصرف ضرورة تبعا للكوفيين وهم من أكابر أئمة البصريين والمشار إليهم من المحققين وأجاب عن كلمات البصريين فقال أما قولهم يؤدي ترك الصرف إلى الفرع قلنا هذا يبطل بحذف الواو من هو في قوله فبيناه يشري خصوصا على أصل البصريين فإن الواو عندهم أصلية وقولهم لا التباس بحذفها غير مسلم فإنك إذا قلت غزا هو بتأكيد الضمير المتصل بالمنفصل فإذا حذفت الواو حصل اللبس وكذلك يحصل اللبس بصرف ما لا ينصرف فإنه يوقع لبسا بين المنصرف وغيره ومع هذا وقع الإجماع على جوازه فإن قالوا الكلام هو الذي يتحصل القانون به دون الشعر وصرف ما لا ينصرف لا يوقع لبسا بين ما ينصرف وبين ما لا ينصرف لأنه لا يلتبس ذلك في أختيار الكلام قلنا وهذا هو جوابنا عما ذكرتموه فإنه إذا كان الكلام هو الذي يتحصل به القانون فترك صرف ما لا ينصرف في الضرورة لا يوجب لبسا بينهما إذ لا يلتبس ما ينصرف وما لا ينصرف في اختيار الكلام وأطال الكلام في الرد على البصريين وقد أورد الفارسي في تذكرته على أصل البصريين سؤالا لم يجب عنه فقال أفيجوز في الضرورة أن لا يعرب الفعل المضارع لأن الأصل كان فيه أن لا يعرب كما كان الأصل في الاسم أن لا يصرف فإذا لم تعربه رددته إلى الأصل في
____________________

الضرورة كما رددت الاسم إلى الصرف في الضرورة واستشهد على ذلك بقوله فاليوم أشرب ونحو ذلك قيل أما الأبيات فليست بدليل قاطع لأنه يجوز أن يكون أجريت في الوصل مجرى الوقف وبقي النظر في هل يجوز أن لا يعرب هذا ما قاله ولم يجب عنه قال الشاطبي وكأنه إشكال على مذهب البصريين لكن الجواب يظهر عنه بأدنى نظر انتهى وهذا البيت من أبيات سبعة للعباس بن مرداس الصحابي رضي الله عنه ابن أبي عامر بن حارثة بن عبد بن عبس بن رفاعة بن الحرث بن بهثة بن سليم أسلم قبل فتح مكة بيسير وأمه الخنساء الصحابية الشاعرة كما يأتي بيانه في ترجمتها وكان عباس هذا من المؤلفة قلوبهم ولما فرغ رسول الله & من رد سبايا حنين إلى أهلها أعطى المؤلفة قلوبهم وكانوا أشراف يتألفهم ويتألف بهم قومهم فأعطى أبا سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحارث بن الحارث بن كلدة والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وصفوان بن أمية وكل هؤلاء من أشراف قريش والأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان المجاشعي التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ومالك ابن عوف النصري أعطى كل واحد من هؤلاء مائة بعير وأعطى دون المائة رجالا من قريش وأعطى عباس بن مرداس أباعر فسخطها وقال يعاتب النبي & (1)
____________________
1- ( المتقارب )

( أتجعل نهبي ونهب العبيد ** بين عيينة والأقرع ) ( وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع ) ( وما كنت دون امرئ منهما ** ومن تضع اليوم لا يرفع ) ( وقد كنت في الحرب ذا تدرإ ** فلم أعط شيئا ولم أمنع ) ( إلا أفائل من حربة ** عديد قوائمه الأربع ) ( وكانت نهابا تلافيتها ** ** بكري على المهر في الأجرع ) ( وإيقاظي القوم أن يرقدوا ** إذا هجع الناس لم أهجع ) النهب الغنيمة والعبيد بالتصغير اسم فرس العباس وكان يدعى فارس العبيد وتدرأ تفعل بضم التاء وفتح العين مهموز من الدرء وهو الدفع قال في الصحاح وقولهم السلطان ذو تدرإ أي 1 ذو عدة وقوة على دفع أعدائه عن نفسه وهذا اسم موضوع للدفع وقوله فلم أعط شيئا إلخ أي لم أعط شيئا طائلا أو لم أعط شيئا استحقه وهو المائة ولم أمنع من الإعطاء لأني أعطيت بعضا قيل كان أعطي خمسين واستشهد به النحاة على حذف الصفة لئلا يلزم التناقض والأفائل جمع أفيل بالفاء كالفصيل وزنا ومعنى وقال الأصمعي هو ابن سبعة أشهر أو ثمانية ويجمع على إفال أيضا بكسر الهمزة وهذه رواية سفيان بن عيينة وروى ابن عقبة وابن إسحاق إلا افائل أعطيتها كذا في الاستيعاب لابن عبد البر فلما أنشد هذه الأبيات بين يدي النبي & قال اقطعوا عني لسانة فأعطي حتى رضي وقال سفيان بن عيينة أتمها له مائة وقال ابن أبي الإصبع في تحرير التحبير قال لعلي يا علي اقطع لسانه عني فقبض على يده وخرج به فقال أقاطع أنت لساني يا أبا الحسن فقال إني لممض
____________________

فيك ما أمرت ثم مضى به إلى إبل الصدقة فقال خذ ما أحببت قال وقول علي رضي الله عنه أحسن مواربة سمعتها في كلام العرب وفيه روايات آخر حكاها السيوطي في شرح شواهد المغني والمرداس الحصاة التي يرمي بها في البئر لينظر هل فيها ماء أم لا وأخطأ شارح اللب حيث قال إن مرداسا هذا هو رأس الخوارج وكنيته أبو بلال وحكى رواية الأبيات للصحابي بقيل * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن عشر (1) ( أرقني الليلة برق بالتهم ** يا لك برقا لا يشقه لا يلم ) قال الشارح وكذا تهام بفتح التاء في المنسوب إلى التهم بمعنى تهامة يريد أن الألف في تهام بالفتح عوض من إحدى ياءي النسب كما في يمان إذ هو منسوب إلى يمن وإنما قيد بفتح التاء لأنك إذا كسرتها قلت تهامي بتشديد الياء لأنه منسوب إلى تهامة بالكسر فالألف من لفظها وليست بدلا قال المرزوقي في شرح فصيح ثعلب رجل تهام أي من أهل تهامة والأصل تهمي لأن تهما قد وضع موضع تهامة لكنهم حذفوا إحدى ياءي النسبة وأبدلوا منها ألفا وأنشد هذا البيت عن أبي علي الفارسي وقال ابن جني في الخصائص فإن قلت فإن في تهامة ألفا فلم ذهبت إلى أن هذه الألف في تهام عوض من إحدى الياءين للإضافة قيل قال الخليل في هذا كأنهم نسبوه إلى فعل أو فعل وكأنهم كفوا صيغة تهامة وأصاروها إلى تهم أو تهم ثم أضافوا إليه فقالوا تهام وإنما مثل الخليل بين فعل وفعل ولم يقطع بأحدهما لأنه قد جاء هذا العمل في هذين المثالين جميعا وهو الشأم واليمن وهذا الترخيم الذي أشرف عليه الخليل ظنا قد جاء به السماع نصا أنشدنا أبو علي قال أنشد أحمد بن يحيى
____________________
1- ( الرجز )

( أرقني الليلة برق بالتهم البيت ) وقال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم التهم بفتح أوله وثانية قاله ابن الأعرابي وأنشد ( أرقني الليلة برق بالتهم البيت ) ثم قال تهامة بكسر أوله أرض طرفها من قبل الحجاز مدارج العرج وأولها من قبل نجد مدارج ذات عرق وسميت تهامة لتغير هوائها من قولهم تهم الدهن وتمه إذا تغيرت رائحته 1 هـ وقال ابن حجر في شرح البخاري وتهامة اسم لكل ما نزل من بلاد الحجاز سميت بذلك من التهم بفتح المثناة والهاء وهو شدة الحر وركود الريح وقيل تغير الهواء لكن صاحب الصحاح والقاموس قالا إن التهم مصدر من تهامة وبينه صاحب القاموس فقال وتهامة بالكسر مكة شرفها الله تعالى وأرض لا بلد ووهم الجوهري ثم قال والتهمة بالفتح البلدة ولغة في تهامة وبالتحريك الأرض المتصوبه إلى البحر كالتهم كأنهما مصدران من تهامة لأن التهائم متصوبة إلى البحر وأرقني أسهرني من الأرق بالتحريك وهو السهر بالليل وفعله من باب فرح ونعديته بالتضعيف ويا لك برقا تعجب من البرق واستعظام له وقد شرح الشارح في باب الاستغاثة نحو هذا التركيب وبرقا تمييز وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب والشوق إلى الشيء نزاع النفس إليه يقال شاقني الشيء أي جعلني مشتاق وإنما جعله البرق مشتاقا لأن حبيبته في تلك الأرض تذكر بالبرق وميض ثناياها فلم تأخذه سنة كما قال الشاعر (1) ( جارية في رمضان الماضي ** تقطع الحديث بالإيماض ) وقال المتنبي + ( الطويل ) + ( إذا الغصن أم ذا الدعص أم أنت فتنة ** وذيا الذي قبلته البرق أم ثغر )
____________________
1- ( الرجز )

وأستحسن قول ابن نباته المصري (1) ( تذكرت لما أن رأيت جبينها ** هلال الدجى والشيء بالشيء يذكر ) وفاعل يشقه ضمير البرق والهاء مفعول وهو ضمير من الشرطية ولا يلم بالبناء للمفعول مناللوم وهو العذل جواب من ووجود لا النافية لا يمنع الجزم فإن المضارع المنفي بلا إذا وقع جزاء يجوز جزمه كقوله تعالى ! ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ) ! ويجوز رفعه لكن يجب أقترانة حينئذ بالفاء نحو قوله تعالى ! ( فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ) ! وأورد ابن الأعرابي في نوادره بعد هذين البيتين ثلاثة أبيات آخر ولم يعز الشعر لأحد وهي + ( الرجز ) + ( ما زال يسري منجدا حتى عتم ** كأن في ريقه إذا ابتسم ) ( بلقاء تنفي الخيل عن طفل متم ** ) ومنجد من أنجد إذا ذهب إلى النجد والنجد كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد وعتم دخل في العتمة والمشهور أعتم بالألف والعتمة بالتحريك الثلث الأول من الليل بعد غيبوبة الشفق والريق بالتشديد وريق كل شيء أوله والبلقاء الفرس التي فيها البلق وهو بياض وسواد وتنفي تطرد والخيل مفعوله وعن متعلق بتنفي والمتم بفتح التاء الولد الذي يولد لتمام مدته وهذا البيت مثل بيت أوس بن حجر في رصف البرق وهو + ( البسيط ) + ( كان ريقه لما علا شطبا ** أقراب أبلق ينفي الخيل رماح ) قال شارحة ابن السكيت ريقه مسترقه ليس بمعظمه والأقراب جمع القرب وهو الكشح يقول ينكشف البرق كما يرمح الأبلق فيبدو بياضه 1 ه
____________________
1- ( الطويل )

وأنشد بعده وهو وهو من شواهد س (1) ( يحدو ثماني مولعا بلقاحها ) على أن ثماني لم يصرف في الشعر شذوذا لما توهم الشاعر أن فيه معنى الجمع ولفظه يشبه لفظ الجمع وكان القياس أن يقول ثمانيا قال ابن السيد في ثماني لغتان الصرف لأنه اسم عدد وليس بجمع ومنع الصرف لأنه جمع من جهة معناه لأنه عدد يقع للجمع بخلاف يمان وشآم لأنه غير جمع وفيه جمع فإن س وغيره قالوا إنه شاذ توهم الشاعر فيه معنى الجمع فلم يصرفه ولم يقل أحد إنه لغة وفي شرح شواهد الكتاب للنحاس قال سيبويه وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذاري حدثني أبو الخطاب أنه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منون وسمعت أبا الحسن يقول إن هذا الأعرابي غلط وتوهم أن ثماني جمع على الواحد وتوهم أنه من الثمن 1 هـ أي توهم أنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية فهو ثمنها وقال الأعلم الشنتمري كأنه توهم أن واحده ثمنية كحذرية ثم جمع فقال ثماني كما يقال حذاري في جمع حذرية والمعروف صرفها على أنها اسم واحد أي بلفظ المنسوب نحو يمان والحذرية بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وتخفيف المثناة التحتية قطعة غليظة من الأرض وهذا المصراع صدر وعجزه ( حتى هممن بزيغة الإرتاج ) وقبل هذا البيت ( وكأن أصل رحالها وحبالها ** علقن فوق قويرح شحاج )
____________________
1- ( الكامل )

وهذان البيتان من قصيدة لابن ميادة كما قال السيرافي شبه ناقته بسرعتها بحمار وحش قارح يحدو ثماني أتن أي يسوقها مولعا بلقاحها حتى تحمل وهي لا تمكنه فتهرب منه لأن الأنثى من الحيوان غير الإنسان لا تمكن الفحل إذا حملت والرحال جمع رحل وهو كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن وضمير رحالها للناقة وعلقن بالبناء للمفعول والنون ضمير الرحال والحبال واكتسب المضاف الجمعية من المضاف إليه لأنه يصح سقوطه والقويرح مصغر قارح وهو من ذي الحافر الذي انتهت أسنانه وإنما ينتهي أسنانه في خمس سنين والتصغير للتعظيم والشحاج بفتح الشين المعجمة وتشديد الحاء المهملة قال في الصحاح هو الحمار الوحشي وهو بدل من قويرح أو عطف بيان ويحدو بمعنى يسوق وفاعله ضمير الشحاج والجملة صفة له وأراد بالثماني أتنه ولهذا حذف التاء منه أو لأن المعدود محذوف والمولع من أولع بالشيء بالبناء للمفعول فهو مولع به بفتح اللام أي أغرى به وعلق به واللقاح كسحاب ماء الفحل في رحم الناقة وفي المصباح اللقاح بفتح اللام وبكسرها اسم من ألقح الذكر والأنثى أي أحبلها وحتى غاية لقوله يحدو وهم بالشيء من باب قتل إذا أراده ولم يفعله والزيغة بفتح الزاي المعجمة وسكون المثناة التحتية وبالغين المعجمة مصدر زاغ يزيغ أي مال والإرتاج بالكسر مصدر أرتجت الناقة إذا أغلقت رخمها على ماء الفحل يريد أن هذا الحمار عدا خلف أتنه ليلقحها ويركبها حتى تحبل فهربت منه فكأنه ساقها سوقا عنيفا حتى همت بإسقاط ما أرتجت عليه أرحامها من الأجنة وإزلاقه وكأن زمام هذه الناقة مرتبط بهذا الحمار الشديد الحرص على اللقاح بأتنه فهي تعدو بعدوه وهذا غاية في سرعة الناقة وروى بربقة الإرتاج والربقة بكسر الراء المهملة وسكون الموحدة وبالقاف أراد به العقد لأنها إذا أغلقت فم الرحم على ماء الفحل فكأنها عقدته ومنه الحديث فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه أي عقد الإسلام وأصل الربقة واحد الربق بالكسر وهو حبل فيه عدة عرى تشد به البهم الواحدة من العرى ربقة ولابد من تقدير مضاف على هذه الرواية أي حتى هممن بحل ربقة
____________________

الإنتاج يعني أرتجت هذه الأتن وانحلت من شدة الجري حتى لم تقدر أن تضبط ما في أرحامها ولم يقف الأعلم الشتنتمري على البيت الأول فظن أنه في وصف راع فقال وصف إبلا أولع راعيها بلقاحها حتى لقحت ثم حداها أشد الحداء حتى همت بإسقاط ما في بطونها من الأجنة و ابن ميادة هو أبو شراحيل وقيل أبو شرحبيل واسمه الرماح كشداد بن يزيد وهو من بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان رهط الحارث بن ظالم كذا في كتاب الشعراء لابن قتيبة وميادة أمة وهي أم ولد بربرية وقيل صقلبية وكان هو يزعم أنها فارسية وفي ذلك يقول (1) ( أنا ابن أبي سلمى وجدي ظالم ** وأمي حصان حصنتها الأعاجم ) ( أليس غلام بين كسرى وظالم ** بأكرم من نيطت عليه التمائم ) وسبب تسميتها أنه لما أقبلوا بها من الشام نظر إليها رجل وهي ناعسة تتمايل على بعيرها فقال أنها لميادة فسميت به وغلب عليها وابن ميادة شاعر مقدم فصيح لكنه كان متعرضا للشر طالبا لمهاجاه الناس ومسابة الشعراء وله مع الحكم الخضري مهاجاة ومناقضات كثيرة وأراجيز طويلة وقد أدرك الدولتين كان في أيام هشام بن عبد الملك وبقي إلى زمن المنصور ومدح من بني أمية الوليد بن يزيد وعبد الواحد بن سليمان ومن بني هاشم أبا جعفر المنصور وجعفر بن سليمان ولما قال من قصيدة (1) ( فضلنا قريشا غير رهط محمد ** وغير بني مروان أهل القبائل )
____________________
1- ( الطويل )

قال له إبراهيم بن هشام أأنت فضلت قريشا وجرده وضربه اسواطا ولما سمع البيت الوليد بن يزيد قال له قدمت آل محمد علينا قال ما كنت يا أمير المؤمنين أظنه يكون غير ذلك فلما أفضت الخلافة إلى بني العباس قدم على المنصور فمدحه فقال له لما دخل عليه كيف قال لك الوليد فأخبره فجعل يتعجب ولم يعد إلى المنصور بعدها لما رأى قلة رغبته في مدائح الشعراء ونزارة ثوابه لهم وتوفي في صدر خلافته في حدود الست والثلاثين بعد المائة وبنو ذبيان تزعم أن ابن ميادة آخر الشعراء الذين يستشهد بأشعارهم روى أبو داوود الفزاري أن ابن ميادة وقف يوما في الموسم ينشد (1) ( لو أن جميع الناس كانوا بتلعة ** وجئت بجدي ظالم وابن ظالم ) ( لظلت رقاب الناس خاضعة لنا ** سجودا على أقدامنا بالجماجم ) والفرزدق واقف عليه متلثم فقال له يا ابن يزيد أنت صاحب هذه الصفة كذبت والله وكذب سامع ذلك منك فلم يكذبك قال فمن يا أبا فراس قال أنا أولى به منك وقال ( لو أن جميع الناس كانوا بتلعة ** وجئت بجدي دارم وابن دارم ) ( لظلت رقاب الناس خاضعة لنا ** سجودا على أقدامنا بالجماجم ) فأطرق ابن ميادة ولم يجبه ومضى الفرزدق وانتحلها وأنشد بعده وهو الشاهد العشرون + ( الرجز ) + ( بلغتها واجتمعت أشدي ) على أن أشد جمع شدة على غير قياس أو جمع لا واحد له بدليل تانيث الفعل له
____________________
1- ( الطويل )

وفي الصحاح كان س يقول واحدة شدة وهو حسن في المعنى لأنه يقال بلغ الغلام شدته ولكن لا يجمع فعلة على أفعل وأما أنعم فإنما هو جمع نعم بالضم ضد البؤس وقيل هو جمع شد بالفتح نحو كلب وأكلب وقيل جمع شد بالكسر مثل ذئب وأذوب وكلا هذين القولين قياس وليسا بمسموعين وقيل هو جمع لا واحد له من لفظه مثل محاسن ومشابه وقيل هو ليس بجمع وإنما هو مفرد جاء على صيغة الجمع مثل أنك وهو الأسرب ولا نظير لهما وهذا قول أبي زيد وحكى في همزته الضمة لغة في فتحها ومعنى الأشد القوة وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين وقيل إلى أربعين أو إلى خمسين قال سحيم بن وثيل (1) ( أخو خمسين مجتمع أشدي ** ونجذني مداورة الشوون ) وفي عمدة الحفاظ للسمين هو جمع شدة بمعنى القوة والجلادة في البدن والعقل وقد شد يشد شدة إذا كان قويا وأصل الشدة العقد القوي وشددت الشيء قويت عقده وأشد يستعمل في العقل وفي البدن وفي قوى النفس هذا واستدلال الشارح المحقق تبعا لابن الحاجب في شرح المفصل بتأنيث الفعل لكون أشد جمعا محل بحث فإن أهل التفسير واللغة أجمعوا على تفسيره بالقوة فيحتمل أن يكون تأنيث الفعل له باعتبار معناه لا لكونه جمعا وكان ينبغي أن يستدل بمادة الفعل وصيغته فإن الجمع معناه تأليف المتفرق والاجتماع مطاوعه وهو تألف المتفرق فلا يتصور معناه إلا بين متعدد ولا يكون الاجتماع من شيء واحد على أن الرواية ( بلغتها مجتمع الأشد ) بالخطاب لا بالتكلم
____________________
1- ( الوافر )

وهو من أرجوزة لأبي نخيلة مدح بها هشام بن عبد الملك منها (1) ( وقلت للعيس اعتلي وجدي ** فهي تخدى أحسن التخدي ) ( قد ادرعن في مسير سمد ** ليلا كلون الطيلسان الجرد ) ( إلى أمير المؤمنين المجدي ** رب معد وسوى معد ) ( ممضن دعا من أصيد وعبد ** ذي المجد والتشريف بعد المجد ) ( في وجهه بدر بدا بالسعد ** أنت الهمام القرم عند الجد ) ( بلغتها مجتمع الأشد ** فانهل لما قمت صوب الرعد ) و العيس الإبل البيض يخالط بياضها شقرة مفرده المذكر أعيس والمؤنث عيساء واعتلي ارتفعي والجد بالكسر الاجتهاد في الأمور تقول جد في الأمر يجد بالضم وتخدى بالخاء المعجمة وفتح الدال المهملة أصله تتخدى أي تسرع حذفت منه التاء من خدى البعير يخدي خديا أسرع وزج بقوائمه والسمد بفتح السين المهملة وسكون الميم في الصحاح وسمدت الإبل في سيرها جدت وفي القاموس هو السرمد أي الطويل الدائم يقال هو لك سمدا أي سرمدا والادراع افتعال لبس الدرع وهو قميص المرأة والطيلسان من لباس العجم لونه أسود للمهابة والجرد الخلق يقال ثوب جرد والمجدي اسم فاعل من أجدي عليه بمعنى أعطاه عطاءا كثيرا من الجداء والجدوى بفتح الجيم فيهما وهو المطر الذي لا يعرف أقصاه وقيل المطر العام ورب كل شيء مالكه ومستحقه ومعد أبو العرب وهو معد بن عدنان وقوله ممن دعا بيان لقوله سوى معد وقوله من أصيد إلخ بيان لمن دعا أي هو سيد من دعا لنفسه من ملك وسوقة والأصيد الملك وقوله أنت الهمام التفات من الغيبة إلى الخطاب والهمام الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع والقرم بالفتح السيد وأصله الفحل المكرم لا يركب ولا يرحل والجد بالكسر ضد الهزل تقول جد يجد بالكسر وقوله بلغتها بالبناء للفاعل وروى بلغتها بالبناء للمفعول والتشديد أيضا وروى أيضا طوقتها بالبناء للمفعول والتشديد أيضا والطوق حلي
____________________
1- ( الرجز )

العنق وكل ما استدار بشيء وتطوقه لبسه وضمير بلغتها للخلافة المعهودة ذهنا ومجتمع اسم فاعل حال من ضمير المخاطب ولا تضر بالإضافة لأنها لفظية وظهر بهذا أن بيت الشاهد على غير وجهه ويحتمل أن يكون من أرجوزة أخرى والله أعلم وأنهل بمعنى سال إن كان الصوب بالباء الموحدة وبمعنى ارتفع إن كان الصوت بالمثناة الفوقية يريد إنك لما قمت بأمر الخلافة انفتح أبواب الخير وفي الأغاني أن أبا نخيلة قال قرأتها حتى أتيت إلى آخرها وهممت أن أسأله فيها ثم تذكرت أن الناس نصحوني على أن لا أسأله شيئا فإنه يحرم من يسأله فلما فرغت أقبل على جلسائه فقال الغلام السعدي أشعر من الشيخ أبي النجم العجلي وخرجت فلما كان بعد أيام أتتني جائزته ولما أفضت الخلافة إلى السفاح نقل هذه الأرجوزة الدالية إليه فهي إلى الآن في ديوانه منسوبة إلى السفاح و أبو نخيلة بضم النون وفتح الخاء المعجمة اسم الشاعر لا كنيته كذا في الأغاني وقال ابن قتيبة اسمه يعمر وكني أبا نخيلة لأن أمه ولدته إلى جنب نخلة ويكنى أبا الجنيد وأبا العرماس وهو من بني حمان بن كعب بن سعد بكسر المهملة وتشديد الميم وكان عاقا لأبيه فنفاه أبوه عن نفسه فخرج إلى الشأم فأقام هناك إلى أن مات أبوه ثم عاد وبقي مشكوكا في نسبه مطعونا عليه وكان الأغلب على شعره الرجز وله قصيد ليس بالكثير ومن شعره (1) ( وإن بقوم سودوك لحاجة ** إلى سيد لو يظفرون بسيد ) ولما خرج إلى الشأم اتصل بمسلمة بن عبد الملك فاصطنعه وأحسن إليه وأوصله إلى الخلفاء واحدا بعد واحد واستماحهم له فأغنوه وكان بعد ذلك قليل الوفاء
____________________
1- ( الطويل )

انقطع إلى بني العباس ولقب نفسه بشاعر بني هاشم فمدح الخلفاء من بني العباس وهجا بني أمية وكان طامعا فحمله طمعه على أن قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى وبعقد العهد لابنه محمد المهدي فوصله أبو جعفر بألفي درهم وأمره أن ينشدها بحضره عيسى ففعل فطلبه عيسى فهرب منه وبعث في طلبه مولى له فأدركه في طريق خراسان فذبحة وسلخ وجهه وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والعشرون (1) على أن الصراري جمع صراء وهو جمع صار بمعنى الملاح وهو السفان الذي يجري السفينة والصاري بالصاد والراء المهملتين على وزن القاضي معتل اللام بالياء وجمعه على صوار قياس مطرد لأنه جمع فاعل اسما لا وصفا بخلاف جمعه على صراء إذ جمع فاعل المعتل اللام على فعال نادر نحو جان وجناء وغاز وغزاء وقار وقراء ولما شابه صراء وزن المفرد نحو زنار وكلاب جاز جمعه على فعاعيل نحو صراري كما تقول زنانير وكلاليب ثم جمع الصراري جمع تصحيح فقيل الصراريون هذا تقرير كلام الشارح وقال أبو علي الفارسي في الإيضاح الشعري الأشبه أن يكون صراء مفردا جمعه صراري ألا ترى أن فعالا جمعا كشهاد ولم نعلمه جاء مكسرا كما جاء تكسير فعال نحو جمال وجمائل وعلى هذا يكون الصراء كالصارى وكلا هذين القولين خلاف المنقول والمسموع أما الأول فقد نقل الثقات كابن السيرافي في شرح شواهد إصلاح المنطق والجواليقي وابن السيد في شرح شواهد أدب الكاتب وصاحب الصحاح والعباب والقاموس أن الصراري مفرد مثل الصاري وأن جمعه الصراريون وأنشدوا له هذا البيت وأن جمع الصاري الصراء كقوله ( إشراف مردي على صرائه )
____________________
1- ( الرجز جذب الصواريين بالكرور )

فيكون الصراري من مادة الثلاثي المضعف والصاري من مادة الثلاثي المعتل إلا أن صاحب القاموس أساء حيث أورد الصراري في المعتل أيضا جمعا للصاري مع أن فاعلا لا يجمع على فعاعيل وإنما الذي يجمع عليه فعال بالضم والتشديد كما مر أو فعال بالفتح والتشديد نحو جبار وجبابير وزنه فعالي غير موجودة في أوزان المفردات من أبنية سيبويه وغيرها فيكون في الأصل منسوبا إلى صرارة وهو اسم نهر والذي لم يحج والذي لم يتزوج أو إلى صرار بدون هاء وهو كسحاب وكتاب اسم واد بالحجاز وأما الثاني فقد قال الفرزدق البسبيط ) (1) ( البسيط ) + ( ترى الصراري في غبراء مظلمة ** تعلوه طورا ويعلو فوقها تيرا ) فقد رجع الضمير إليه في البيت الأول مفردا ثلاث مرات وفي البيت الثاني رجع إليه مفردا مرتين وقال القطامي في وصف غواص درة شبه حبيبته بها من قصيدة + ( البسيط ) + ( حتى إذا السفن كانت فوق معتلج ** ألقى المعاوز عنه ثمت انكتما ) ( في ذي جلول يقضي الموت صاحبه ** إذا الصراري من أهواله ارتسما ) فلو كان جمعا كما زعما لقال ارتسموا قال شارح ديوانه أبو سعيد السكري والصراري الملاح والصراء الملاحون والواحد صار
____________________
1- ( ترى الصراري والأمواج تضربه ** لو يستطيع إلى برية عبرا ) وقال خليفة بن حمل الطهوي أيضا

وأورد الحريري في درة الغواص البيت الثاني وزعم أنه يصف فلكا والمعتلج اسم فاعل من اعتلجت الأمواج التطمت واضطربت والمعاوز بالفتح جمع معوز بالكسر وهو الثوب الخلق الذي لا يتبدل لأنه لباس المعوزين والمعاوز مفعول ألقى وفاعله ضمير الغواص في بيت قبله وأنكتم معطوف على ألقى وضميره كضميره وقوله في ذي جلول متعلق بانكتم أي توارى في ماء كثير عظيم والجلول جمع جل وهو معظم الشيء وقيل الجلول جمع جل بفتح الجيم بمعنى الشراع يعني ماء فيه سفن لها شرع والارتسام بالسين المهملة التكبير والتعوذ والدعاء يقول إن الملاح دعا وعوذ حين شاهد عظم الأهوال بتلاطم الأمواج وبيت الشاهد من أرجوزه للعجاج يصف فيها سفينة وقبله (1) ( لأيا ينائيها من الجئور ** جذب الصرارين بالكرور ) ( إذ نفحت في جلها المسجور ** حدواء جاءت من حيال الطور ) اللاي بفتح اللام وسكون الهمزة البطء والشدة وهو منصوب على نزع الخافض أي بلاي وينائيها يباعدها من النأي وروى يثانيها بالمثلثة والنون من ثناه إذا عطفه والجئور مصر جار إذا عدل عن القصد وهو مصدر سماعي جاء على فعول بالضم لكن همز عينه على مقتضى القاعدة ولم أر من نبه على هذا المصدر غير ابن السيرافي في شرح شواهد إصلاح المنطق وابن السيد البطليوسي في شرح شواهد أدب الكاتب وكلاهم نبها عليه في هذا البيت وكذلك الجواليقي في شرح أدب الكاتب أيضا والكرور الحبال واحدها كر بالفتح قال أبو حنيفة في كتاب النبات
____________________
1- ( الرجز )

قال أبو خيرة الكر الغليظ من الحبال وقال الطوسي هو حبل يكون من جلود وغيرها وأنشد هذا البيت وجذب فاعل ينائيها يقول إذا عدلت هذه السفينة وجارت عن القصد لم يصرفها الملاحون عن ذلك إلا بعد بطء ومشقة ونفحت بالحاء المهملة هبت والجل بفتح الجيم الشراع كما تقدم والمسجور بالسين المهملة والجيم الذي شد بالحبال قال في العباب اللؤلؤ المسجور المنظوم المسترسل قاله أبو عبيد وأنشد للمخبل السعدي (1) ( وإذا ألم خيالها طرفت ** عيني فماء شؤونها سجم ) ( كاللولؤ المسجور أغفل في ** سلك النظام فخانه النظم ) و الحدواء فاعل نفحت بالحاء والدال المهملتين وهي الريح التي تحدو السحاب أي تسوقها وهي ريح الشمال والطور جبل والريح التي تجيء من قبله هي الشمال وحيال الطور ناحيته وإزاوه وهي بكسر الحاء المهملة وبالمثناة التحتية يقال قعد حياله وبحياله أي بإزائه وروى من بلاد الطور و العجاج اسمه عبد الله وكنيته أبو الشعثاء وتقدم نسبه في ترجمة ولده روبة في الشاهد الخامس وكان يقال له عبد الله الطويل ولقب بالعجاج لقوله + ( الرجز ) + * ( حتى يعج عندها من عجعجا )
____________________
1- ( الكامل )

\ وهو أول من رفع الرجز وجعل له أوائل وشبهه بالقصيد وأنشد بعده للكميت وهو الشاهد الثاني والعشرون (1) ( ولم يستريثوك حتى رمي ت ** فوق الرجال خصالا عشارا ) على أن عشار المعدول عن عشرة قد جاء في قول الكميت والمسألة مفصلة في الشرح قال الحريري في درة الغواص روى خلف الأحمر أنهم صاغوا هذا البناء متسقا إلى عشار وأنشد عليه ما عزي إلى أنه مصنوع ومنه + ( مجزوء الرمل ) + ( قل لعمرو يا ابن هند ** لو رأيت اليوم شنا ) ( لرأت عيناك منهم ** كل ما كنت تمنى ) ( إذ أتتنا فيلق شهباء من هنا وهنا ) ( وأتت دوسر والملحاء ** سيرا مطمئنا ) ( ومشى القوم إلى القوم ** أحاد وأثنى ) ( وثلاثا ورباعا ** وخماسا فاطعنا ) ( وسداسا وسباعا ** وثمانا فاجتلدنا ) ( وتساعا وعشارا ** فأصبنا وأصبنا ) ( لا ترى إلا كميا ** قاتلا منهم ومنا ) ودلائل الوضع في هذه الأبيات ظاهرة وكان خلف الأحمر متهما بالوضع وشن قبيلة والفيلق الجيش وأنثه باعتبار الكتيبة وهنا بالفتح اسم
____________________
1- ( المتقارب )

إشارة للقريب ودوسر كتيبة للنعمان بن المنذر والملحاء كتيبة أيضا لآل المنذر وترجمة الكميت قد مضت في الشاهد السادس عشر قال ابن السيد في شرح شواهد أدب الكاتب ومعنى يستريثوك يجدونك رائثا أي بطيئا من الريث وهو البطء ورميت زدت يقال رمى على الخمسين وأرمى أي زاد يقول لما نشأت نشء الرجال أسرعت في بلوغ الغاية التي يطلبها طلاب المعالي ولم يقنعك ذلك حتى زدت عليهم بعشر خصال فقت السابقين وأيأست الذين راموا أن يكونوا لك لاحقين انتهى ووقع في رواية ابن جني في الخصائص علوت موضع رميت وروى أبو جعفر النحاس ( حتى أتيت فوق الرجال خلالا عشارا ) وروى الحريري في الدرة نصالا بدل خصالا والأول هو الصحيح وهذا البيت من قصيدة للكميت يمدح بها أبان بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وقبله (1) رجوك ولم يبلغ العمر منك ** عشرا ولا نبت فيك اتغارا ) ( لأدنى خسا أو زكا من سنيك ** إلى أربع فبقوك انتظارا ) وبعده بيت الشاهد يقول تبينوا فيك السؤدد لسنة أو سنتين من مولدك فرجوا أن تكون سعيدا أميرا مطاعا رفيع الذكر ولم تبلغ عشرين سنة وقوله ولا نبت فيك أتغارا أي أثغرت ولم تنبت أسنانك بعد في الصحاح وإذا سقطت رواضع الصبي قيل ثغر فهو مثغور فإذا نبتت قيل اتغر وأصله اثتغر فقلبت الثاء تاء ثم أدغمت وإن شئت قلت اثغر يجعل الحرف الأصلى هو الظاهر وقوله لأدنى خسا أو زكا الخسا بفتح الخاء المعجمة الفرد والزكا
____________________
1- ( المتقارب )

بفتح الزاي المعجمة الزوج وخسا وزكا ينون ولا ينون والمعنى أنهم رجوك أن تكون كذلك لأقل ما يعبر عنه بخسا وزكا وهو سنة أو سنتان إلى أن سار لك أربع سنين فظهر للناس ما دلهم على ما رجوه منك وتفرسوك عند كمال سنك وقوله فبقوك أي انتظروك يقال بقوت الشيء إذا انتظرته ومنه يقال للمؤذنين بقاة لأنهم ينتظرون أوقات الصلاة وانتظارا منصوب بقوله بقوك لأنه في معنى انتظروك انتظارا وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والعشرون وهو من أبيات سيبويه مجزوء الكامل ( إلا علالة أو بدا ** هة سابح نهد الجزاره ) على أن المضاف يحذف مع دلالة ما أضيف إليه تابع ذلك المضاف عليه ذكر الشارح المحقق في باب الإضافة أن هذا مذهب المبرد وأيده بما ذكره هناك على مذهب سيبويه وهو أن علالة مضاف إليه المجرور الظاهر وبداهة في الأصل مضاف إلى ضميرة والتقدير إلا علالة سابح أو بداهته ثم حذف الضمير وجعل بداهة بين المتضايقين إلى آخر ما ذكره وسيأتي عليه هناك إن شاء الله تعالى وهذا البيت من قصيدة للاعشى يخاطب هبا شيبان بن شهاب منها ( وهناك يكذب ظنكم ** أن لا اجتماع ولا زياره ) ( ولا براءة للبريء ** ولا عطاء ولا خفاره ) ( إلا علالة أو بدا ** هة سابح نهد الجزارة )
____________________

إلى أن قال ( ولا نقاتل بالعصي ** ولا نرامي بالحجاره ) يقول إذا غزوناكم علمتم أن ظنكم بأننا لا نغزوكم كذب وهو زعمكم أننا لا نجتمع ولا نزوركم بالخيل والسلاح غازين لكم ومن كان بريئا منكم لم تنفعه براءته لأن الحرب إذا عظمت لحق شرها البريء كما يلحق المسيء يريد أننا ننال منكم من المسيء والبريء بما تكرهون ولا نقبل منكم عطاء ولا نعطيكم خفارة تفتدون بهما منا والخفارة بالضم والكسر الذمة قال في المصباح خفر بالعهد من باب ضرب وفي لغة من باب قتل إذا وفى به وخفرت الرجل حميته وأجرته من طالبه والاسم الخفارة بضم الخاء وكسرها وقوله ألا علالة استثناء منقطع من قوله لا اجتماع أي لكن نزوركم بالخيل والعلالة بضم العين المهملة بقية جري الفرس وبقية كل شيء أيضا وهو من التعلل بمعنى التلهي والبداهة بضم الموحدة أول جرى الفرس وأو للإضراب ووقع في رواية ابن جني في سر الصناعة والخصائص تقديم بداهة فهو على هذا لأحد الشيئين والسابح الفرس الذي يدحو الأرض بيديه في العدو ويروى بدله القارح وهو من الخيل الذي بلغ أقصى أسنانه يقال قرح ذو الحافر يقرح بفتحهما قروحا انتهت أسنانة وذلك عند أكمال خمس سنين والنهد بفتح النون المرتفع والجزارة بضم الجيم الرأس واليدان والرجلان وهذا في الأصل فيما يذبح وسميت بذلك لأن الجزار يأخذها في مقابلة ذبحها كما يقال أخذ العامل عمالته بالضم فبقي هذا الاسم عليها يريد أن في عنقه وقوائمه طولا وارتفاعا فإنه يستحب في عنق الخيل الطول واللين وقد فرق سليمان بن ربيعة بين العتاق والهجن بالأعناق فدعا بطست من ماء فوضعت بالأرض ثم قدمت الخيل إليها واحدا واحدا فما ثنى سنبكة وهو مقدم الحافر ثم شرب هجنة وما شرب ولم يثن سنبكه جعله عتيقا وذلك لأن في أعناق الهجن قصرا فهي لا تنال الماء على تلك الحالة حتى تثنى سنابكها ويستحب أيضا أن يكون ما فوق الساقين من الفخذين طويلا فيوصف حينئذ بطول القوائم
____________________

قال الشاعر (1) ( شرحب سلهب كأن رماحا ** حملته وفي السراة دموج ) و الشرحب والسلهب كلاهما على وزن جعفر بمعنى الطويل والسراة بفتح المهملة أعلى الظهر والدموج دخول بعض الشيء في بعضه من شدته واكتنازه وأما الساقان فيستحب قصرهما وقال الشاعر + ( المتقارب ) + ( له متن عير وساقا ظليم ) العير الحمار الوحشي والظليم ذكر النعام كذا في أدب الكاتب لابن قتيبة وبه يعلم سقوط قول الشنتمري النهد الغليظ والجزارة الرأس والقوائم ويستحب غلظهما مع قلة لحمهما وأوهى منه قول الجوهري وتبعه صاحب العباب ونقله العيني إذا قالوا فرس نهد أو عبل الجزارة فإنما يراد غلظ اليدين والرجلين وكثرة عصبهما ولا يدخل الرأس في هذا لأن عظم الرأس هجنة في الخيل وخبط المطرزي في شرح المفصل خبط عشواء فقال يعني كنا في سفر أو حرب انقطع فيها جميع الأفراس عن السير ولم يبق لها جري إلا علالة أو بداهة فرس سابح هذا كلامه وكأنه لم يقف على ما قبله من الأبيات وقوله ولا نقاتل بالعصي إلخ يصف قومه بأنهم أصحاب حروب يقاتلون على الخيل لا أصحاب أبل يرعونها فيقاتل بعضهم بعضا بالعصي والحجارة والأعشى كنيته أبو بصير واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وكان أبوه قيس يدعى قتيل الجوع وذلك أنه كان في جبل فدخل غارا فوقعت صخرة من الجبل فسدت فم الغار فمات فيه جوعا وكان الأعشى من فحول شعراء الجاهلية وممن قدم على سائرهم سلك في شعره كل مسلك وقال في أكثر أعاريض العرب وليس ممن تقدم من الفحول
____________________
1- ( الخفيف )

أكثر شعرا منه وسئل ابن أبي حفصة من أشعر العرب قال شيخا وائل الأعشى في الجاهلية والأخطل في الإسلام وسئل يونس النحوي من أشعر الناس قال لا أومئ إلى رجل بعينه ولكني أقول امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب وهو أول من سأل بشعره وكانوا يسمونه صناجة العرب لجودة شعره وكان أبو عمرو بن العلاء يفخم منه ويعظم محله ويقول شاعر مجيد كثير الأعاريض والافتنان وإذا سئل عنه وعن لبيد قال لبيد رجل صالح والأعشى رجل شاعر وروى المفضل بسنده عن الشعبي قال عبد الملك بن مروان لمؤدب أولاده أدبهم برواية شعر الأعشى فإنه قاتله الله ما كان أعذب بحره وأصلب صخره قال المفضل من زعم أن أحدا أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر وكان الأعشى يفد على الملوك لا سيما ملوك فارس ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء وكان الأعشى جاهليا قديما وأدرك الإسلام في آخر عمره ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبة فسأله أبو سفيان بن حرب عن وجهه الذي يريد فقال أردت محمدا قال إنه يحرم عليك الخمر والزني والقمار قال أما الزنى فقد تركني ولم أتركه وأما الخمر فقد قضيت منها وطرأ وأما القمار فلعلي أصيب منه عوضا قال فهل لك إلى خير من هذا قال وما هو قال بيننا وبينه هدنة فترجع عامك هذا وتأخذ مائة ناقة حمراء فإن ظفر بعد ذلك أتيته وإن ظفرنا كنت قد أصبت من رحلتك عوضا فقال لا أبالي فأخذه أبو سفيان إلى منزله وجمع عليه أصحابه وقال يا معشر قريش هذا أعشى قيس ولئن وصل إلى محمد ليضربن عليكم العرب قاطبة فجمعوا له مائة ناقة حمراء فانصرف فلما صار بناحية اليمامة ألقاه بعيرة فقتله انتهى
____________________

وقال شارح ديوانه محمد بن حبيب وكان الأعشى فيما روي رحل عند ظهور النبي & حتى أتى مكة وكان قد سمع قراءة الكتب فنزل عند عتبة بن ربيعة فسمع به أو جهل فأتاه في فتية من قريش وأهدى له هدية ثم سأله ما جاء بك قال جئت إلى محمد إني كنت سمعت مبعثه في الكتب لأنظر ماذا يقول وماذا يدعو إليه فقال أبو جهل إنه يحرم الزنى فقال لقد كبرت ومالي في الزنى حاجة قال فإنه يحرم عليك الخمر قال فما أحل فجعلوا يحدثونه بأسوأ ما يقدرون عليه فقالوا أنشدنا ما قلت فيه فأنشد (1) ( ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ** وعادك ما عاد السليم المسهدا ) وهي قصيدة جيدة عدتها أربعة وعشرون بيتا فلما أنشدهم قالوا هذا رجل لا يمدح أحد إلا رفعه ولا يهجو أحدا إلا وضعه فمن لنا يصرفه عن هذا الوجه فقال أبو جهل للأعشى أما أنت فلو أنشدته هذه لم يقبلها فلم يزالوا به لشقاوته حتى صدوه وخرج من فورته حتى وصل اليمامة فمكث بها قليلا ثم مات وروى ابن دأب وغيره أن الأعشى خرج يريد النبي & وقال شعرا حتى إذا كان ببعض الطريق نفرت به راحلته فقتلته فلما أنشد شعره الذي يقول فيه (1) ( وآليت لا أرثي لها من كلاله ** ولا من حفى حتى تلاقي محمدا ) ( متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ** تراحي وتلقي من فواضلة ندى ) فقال النبي & كاد ينجو ولما وترد هذه القصيدة إن شاء الله مشروحة في شواهد مغني اللبيب فإنه استشهد بغالب أبياتها ولم يقع منها شيء في هذه الشواهد .
____________________
1- ( الطويل )

وللأعشى أخبار أخر تأتي متفرقة في شرح شواهد من شعره و الأعشى في اللغة الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار والمرأة عشواء وعشي الرجل بالكسر عشا بالقصر إذا ضعف بصره وكان هذا الأعشى عمي في أواخر عمره وعدة من هو أعشى من الشعراء سبعة عشر شاعرا ذكرهم الآمدي في المؤتلف والمختلف وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والعشرون (1) ( حلائل أسودين وأحمرينا ) وأوله ( فما وجدت بنات بني نزار ) على أن جمع أسود وأحمر جمع تصحيح شاذ كما يجيء في باب الجمع وقال في باب الجمع فكل صفة لا تلحقها التاء فكأنها من قبيل الأسماء فلذا لم يجمع هذا الجمع أفعل فعلاء وفعلان فعلى وأجاز ابن كيسان أحمرون وسكرانون واستدل بهذا البيت وهو عند غيره شاذ 1 هـ و بنات فاعل وجدت وحلائل مفعوله نزار بكسر النون هو والد مضر بن نزار بن معد بن عدنان والحلائل جمع حليل بالحاء المهملة وهو الزوج والحليلة الزوجة سميا بذلك لأن كلا منهما يحل للأخر ولا يحرم أو لأن كلا منهما يحل من صاحبه محلا لا يحله غيره وأسودين صفة حلائل وهذا البيت من قصيدة لحكيم الأعور ابن عياش الكلبي من شعراء الشام هجا بها مضر ورمى فيها أمرأة الكميت بن زيد بأهل الحبس لما فر منه بثياب امرأته
____________________
1- ( الوافر )

وسبب حبس الكميت على وجه الاختصار أن حكيما الأعور هذا كان ولعا بهجاء مضر فكانت شعراء مضر تهجوه وتجيبه وكان الكميت يقول هو والله أشعر منكم قالوا فأجب الرجل قال إن خالد بن عبد الله القسري محسن إلي فلا أقدر أن أرد عليه قالوا فاسمع بأذنك ما يقول في بنات عمك وبنات خالك من الهجاء فأنشدوه ذلك فحمي الكميت لعشيرته فقال المذهبة التي أولها ( ألا حييت عنا يا مدينا ) وأحسن فيها وهي زهاء ثلاثمائة بيت لم يترك فيها حيا من أحياء اليمن إلا هجاهم ومنها (1) ( ولا أعني بذلك أسفليكم ** ولكني أريد به الذوينا ) وتقدم شرحه وهو الشاهد السادس عشر وعرض الكميت فيها بأخذ الفرس والحبشة وغيرهما نساء اليمن بقوله ( لنا قمر السماء وكل نجم ** تشير إليه أيدي المهتدينا ) ( وما ضربت بنات بني نزار ** هوائج من فحول الأعجمينا ) ( وما حملوا الحمير على عتاق ** مطهمة فيلفوا منغلينا ) و الهوائج جمع هائج وهو الفحل الذي يشتهى الضراب وبلغ خالدا القسري خبر هذه القصيدة فقال والله لأقتلنه ثم اشترى ثلاثين جارية في نهاية الحسن فرواهن القصائد الهاشميات للكميت ودسهن مع نخاس إلى هشام بن عبد الملك فاشتراهن فأنشدنه يوما القصائد المذكورة فكتب إلى خالد وكان يومئذ عامله بالعراق أن ابعث إلي برأس الكميت فأخذه خالد وحبسه فوجه الكميت إلى امرأته ولبس ثيابها وتركها في موضعه وهرب من الحبس فلما علم خالد أراد أن ينكل بالمرأة فاجتمعت بنو أسد إليه وقالوا ما سبيلك على امرأة لنا خدعت فخافهم وخلى سبيلها ثم إن الكميت أتصل بمسلمة بن هشام فشفع فيه عند والده فشفعه
____________________
1- ( الوافر )

وقيل إن سبب هجاء الكميت أهل اليمن أن حكيما الأعور هذا كان يهجو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبني هاشم جميعا وكان منقطعا إلى بني أمية فانتدب له الكميت رحمه الله تعالى فهجاه وسبه وأجابه ولج الهجاء بينهما وكان الكميت يخاف أن يفصح بشعره عن علي رضي الله عنه لما وقع بينه وبين هشام وكان يظهر أن هجاءه إياه للعصبية التي بين عدنان جد مضر وبين قحطان أبي اليمن وقال المستهل بن الكميت يوما لوالده لما افتخر في قصيدة بائية موحدة ببني أية هاجيا بها قحطان كيف فخرت ببني أمية وأنت تشهد عليها بالكفر فهلا فخرت بعلي وبني هاشم الذين تتولاهم فقال يا بني أنت تعلم انقطاع الكلبي إلى بني أمية وهم أعداء علي رضي الله عنه فلو ذكرت عليا لترك ذكري وأقبل على هجائه فأكون قد عرضت عليا له ولا أجد له ناصرا من بني أمية ففخرت عليه ببني أمية وقلت إن نقضها علي قتلوه وإن أمسك عن ذكرهم ثنيته عن الذي هو عليه فكان كما قال أمسك الأعور الكلبي عن جوابه فغلب عليه وأفحم الكلبي وقال الأعور الكلبي يوما (1) ( ما سرني أن أمي من بني أسد ** وأن ربي نجاني من النار ) ( وأنهم زوجوني من بناتهم ** وأن لي كل يوم ألف دينار ) فأجابه الكميت (1) ( يا كلب مالك أم من بني أسد ** معروفة فاحترق يا كلب بالنار ) فأجابه الكلبي ( لن يبرح اللؤم هذا الحي من أسد ** حتى يفرق بين السبت والأحد ) وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والعشرون + ( الرجز ) + ( قدذ صرت البكرة يوما أجمعا )
____________________
1- ( البسيط )

على أن الكوفيين جوزوا تأكيد النكرة المحدودة وقد أورده الشارح في باب التوكيد أيضا ويأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى وهذا البيت مجهول لا يعرف قائله حتى قال جماعة من البصريين إنه مصنوع والبكرة بفتح الموحدة وسكون الكاف إن كانت البكرة التي يستقي عليها الماء من البئر ف صرت بمعنى صوتت من صر الباب يصر صريرا أي صوت فيكون المعنى ما انقطع استقاء الماء من البئر يوما كاملا وإن كانت الفتية من الإبل مؤنث البكر وهو الفتي منها قال أبو عبيدة البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الإنسان والبكرة بمنزلة الفتاة والقلوص بمنزلة الجارية والبعير بمنزلة الإنسان والجمل بمنزلة الرجل والناقة بمنزلة المرأة ف صرت بالبناء للمفعول يقال صررت الناقة شددت عليها الصرار وهو خيط يشد فوق الخلف والتوديه لئلا يرضعها ولدها والفتي بفتح الفاء وكسر المثناة وتشديد الياء هو من الدواب خلاف المسن وهو كالشاب من الناس والأنثى فتية والفتى بالقصر الشاب والأنثى فتاة والخلف بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام هو لذوات الخف كالثدي للإنسان والتودية بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر الدال وتخفيف المثناة التحتية هي خشبة تشد على خلف الناقة إذا صرت وجمعها تواد كمساجد قال العيني بعد أن شرحه على الوجه الأول صدره ( إنا إذا خطافنا تقعقعا ) وفيه نظر من وجهين الأول أن بيت الشاهد بيت من الرجز وليس مصراعا من بيت حتى يكون ما ذكره صدره والثاني أنه غير مرتبط ببيت الشاهد فإن بيت الشاهد لا يصح أن يكون خبرا لقوله إنا ولا جوابا ل إذا اللهم إلا إن قدر الرابط أي صرت البكرة فيه وتكون حينئذ الجملة الشرطية خبرا لإنا فافهم والخطاف بالضم والتشديد حديدة معوجة تكون في جانبي البكرة فيها المحور وكل حديدة معطوفة خطاف والقعقعة تحريك الشيء اليابس الصلب مع صوت والتقعقع مطاوعه
____________________

وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والعشرون وهو من شواهد المفصل (1) ( أتاني وعيد الحوص من آل جعفر ** فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا ) على أن الأحوص بالنظر إلى الوصفية جمع على الحوص وبالنظر إلى نقله إلى الإسمية بالغلبة جمع على الأحاوص وهذا البيت أورده الزمخشري في المفصل على أن الأحوص يجمع على هذين الجمعين أحدهما فعل ولا يجمع على هذا إلا أفعل صفة وشرطه أن يكون مؤنثه على فعلاء كما هو مبين في جمع التكسير والثاني أفاعل ولا يجمع على هذا إلا أفعل اسما أو أفعل التفضيل والبيت من قصيدة لأعشى قيس نفر فيها عامر بن الطفيل قاتله الله تعالى ابن مالك بن جعفر على ابن عمه علقمة الصحابي رضي الله عنه ابن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابي العامري قال في الاستيعاب وكان سيدا في قومه حليما عاقلا ولم يكن فيه ذاك الكرم و الوعيد التهديد والتخويف وأراد ب الحوص والأحاوص أولاد الأحوص بن جعفر وهم عوف بن الأحوص وعمرو بن الأحوص وشريح ابن الأحوص والأحوص اسمه ربيعة سمي أحوص لضيق كان في عينه قال في الصحاح والحوص اي بمهملتين ضيق في مؤخر العين والرجل أحوص ويقال بل هو الضيق في إحدى العينين والمرأة حوصاء وعبد عمرو قال ابن السيرافي في شرحه لشواهد إصلاح المنطق هو عبد بن عمرو بن الأحوص وقال في الصحاح عبد عمرو وهو ابن شريح بن الأحوص وجواب لو محذوف أي لو نهيتهم لكان خيرا لهم ويجوز أن تكون للتمني على سبيل التهكم
____________________
1- ( الطويل )

وإنما وجه الخطاب إليه لأنه كان رئيسهم حينئذ وإنما قال الأعشى هذا الكلام لأن علقمة بن علاثة كان أوعده بالقتل ويدل عليه قوله بعد هذا بأبيات (1) ( فإن تتعدني أتعدك بمثلها ** وسوف أزيد الباقيات القوارصا ) و القوارص الكلمات المؤذية يريد إني أزيدك على الإيعاد بقصائد الهجو ولولا أنها في صحابي لأوردت منها أبياتا وكان سبب تهديد علقمة بالقتل للأعشى هو أن علقمة بن علاثة كان نافر ابن عمه عامر بن الطفيل وكان علقمة كريما رئيسا وكان عامر عاهرا سفيها وساقا إبلا جمة لينحر لهما المنفر فهاب حكام العرب أن يحكموا بينهما بشيء وأتوا هرم بن قطبة بن سنان فقال أنتما كركبتي البعير تقعان معا وتنهضان معا قالا فأينا اليمنى قال كلاكما يمين وأقاما سنة لا يجسر أحد أن يحكم بينهما بشيء إلى أن جاء الأعشى علقمة مستجيرا به فقال أجيرك من الأسود والأحمر قال ومن الموت قال لا فأتى عامرا فقال له مثل ذلك فقال ومن الموت قال نعم قال وكيف قال إن مت في جواري وديتك فقال علقمة لو علمت أن ذلك مراده لهان علي ثم إن الأعشى ركب ناقته ووقف في نادى القوم وانشدهم قصيدة نفر فيها عامرا على علقمة منها + ( السريع ) + ( أقول لما جاءني فخره ** سبحان من علقمة الفاخر ) ومنها
____________________
1- ( الطويل )

( ولست بالأكثر منهم حصى ** وإنما العزة للكاثر ) وهما شاهدان من شواهد هذا الكتاب وسيأتي شرحهما إن شاء الله تعالى في محلهما وبعد أن أنشد القصيدة نادى الناس نفر عامر على علقمة ورووا الشعر وأمضوا حكم الأعشى ودعواه أنهما حكماه باطلة كما يعلمه الناس وكان رأي هرم خلاف ذلك فلما سمع علقمة بهذا هدده بالقتل فقال الأعشى هذه القصيدة الصادية ومعنى المنافرة كما في الصحاح المحاكمة في الحسب يقال نافرة فنفره ينفره بالضم لا غير أي غلبه والمنفور المغلوب والنافر الغالب ونفره عليه تنفيرا أي قضى عليه بالغلبة وكذلك أنفره والحسب هو من الحسبان وهو ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه ويقال حسبه دينه ويقال ماله وقال ابن السكيت الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف والمجد لا يكون إلا بالآباء وترجمة الأعشى مرت في الشاهد الثالث والعشرين * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والعشرون (1) ( يابى الظلامة منه النوفل الزفر ) وأوله ( أخو رغائب يعطيها ويسألها ) على أن الزفر بمعنى السيد قال الشارح المحقق في فعل بضم الفاء إذا كان علما يشترط لمنع صرفه جمع شرطين ثبوت فاعل وعدم فعل قبل العلمية أما عمر وزفر علمين فكان الواجب صرفهما لأنه لما جاء لهما فاعل قبل العلمية جاء فعل أيضا نحو عمر جمع عمرة والزفر السيد قال الأعشى وأنشد الشعر
____________________
1- ( البسيط )

ثم قال لكنهما لما سمعا غير منصرفين حكمنا بأنهما علمان غير منقولين عن فعل الجنسي بل هما معدولان عن فاعل انتهى يفهم منه أنه لم يسمع صرف زفر في العلمية لكن يجوز صرفه باعتبار كونه معدولا من الزافر كما صرح به ابن جني ناقلا عن أبي علي في كتابه المبهج وهو شرح أسماء شعراء الحماسة وعبارته زفر معدول عن زافر ولذلك لم يصرف لاجتماع التعريف والعدل فيه ويدل على أنه معدول أنك لا تجده في الأجناس كما تجد صرد ونغر وأما قوله ( يأبى الظلامة منه النوفل الزفر ) فقال أبو علي إنك لو سميت بهذا صرفته كما تصرفه إذا سميته صردا وجرذا وحطما ولبدا وقال في موضع آخر من هذا الكتاب الزفر الناهض بحمله وليس زفر هذا الاسم منقولا من هذا الوصف ولو كان كذلك لوجب صرفه إلا تعلم أن فعلا المعدول عن فاعل لا يجوز دخول اللام عليه وذلك نحو زحل وقثم وقد قال ( يأبى الظلامة منه النوفل الزفر ) فدخول اللام عليه يعرفك أن زفر الذي ليس مصروفا ليس بهذا لداخلية اللام ولو سميت رجلا بزفر هذا بعد خلعك اللام عنه لوجب صرفه لأنه حينئذ كصرد ونغر وهذا واضح وهو رأي أبي علي وتفسيره انتهى والأخ هنا بمعنى الملابس والملازم للشيء فإن العرب استعملت الأخ على أربعة أوجه أحدها هذا كقولهم أخو الحرب والثاني المجالس والمشابة كقولهم هذا الثوب آخو هذا والثالث الصديق والرابع أخو النسب وهو قسمان نسب قرابة وهو المشهور ونسب قبيلة وقوم كقولهم يا أخا تميم يا أخا فزارة لمن هو منهم وبه فسر قوله تعالى ( يا أخت هرون ) والرغائب جمع
____________________

رغيبة وهي العطايا الكثيرة كذا في الصحاح وفي شرح شواهد الغريب المصنف لابن السيرافي والرغائب الأشياء التي يرغب فيها يريد يعطي ما يرغب الرجال في إدخاره ويحرصون على التمسك به لنفاسته وأخو خبر مبتدا محذوف أي هو أخو رغائب وجملة يعطيها ويسألها مفسرة لوجه الملابسة في قوله أخو رغائب ويسألها بالبناء للمجهول من السؤال ويروي موضعه ويسلبها بالبناء للمعلوم من السلب والظلامة بالضم ومثله الظليمة والمظلمة بكسر اللام وضمها وهو ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك والنوفل البحر والكثير العطاء وقال ثعلب النوفل العزيز الذي ينفل عنه الضيم أي يدفعه والزفر الكثير الناصر والأهل والعدة وقال في الصحاح هو السيد لأنه يزدفر اي يتحمل بالأموال في الحمالات من دين ودية مطيقا لها وأنشاد هذا البيت ثم قال وإنما يريديه بعينه كقولك لئن لقيت فلانا ليلقينك منه الأسد ومحصل كلامهم أن من تجريدية والتجريد كما في الكشف هو تجريد المعنى المراد عما قام به تصويرا له بصورة المستقل مع إثبات ملابسة بينه وبين القائم به بأداة أو سياق وهذا البيت من قصيدة عدة أبياتها أربعة وثلاثون بيتا لأعشى باهله رثى بها المنتشر بن وهب الباهلي قال الآمدي في المؤتلف والمختلف اعشى باهلة يكنى أبا قحطان جاهلي واسمه عامر بن الحارث أحد بني عامر بن عوف بن وائل ابن معن ومعن أبو باهلة وباهلة امرأة من همدان وهو الشاعر المشهور صاحب القصيدة المرثية في أخية لأمة المنتشر انتهى والمنتشر هو كما قال أبو عبيدة ابن وهب بن سلمة بن كراثة بن هلال ابن عمرو بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان وكان المنتشر رئيسا فارسا وكان رئيس الأبناء يوم أرمام وهو أحد
____________________

يومي مضر في اليمن كان يوما عظيما قتل فيه مرة بن عاهان وصلاءة بن العنبر والجموح ومعارك وقال الأصمعي المنتشر هو ابن هبيرة بن وهب بن عوف بن حارث بن ورقة ابن مالك قال السيد المرتضى في أماليه المسماة غرر الفوائد ودرر القلائد وهذه القصيدة من المراثي المفضلة المشهورة بالبراعة والبلاغة قال وقد رويت أنها للدعجاء أخت المنتشر وقيل لليلى أخته قال ومن هنا اشتبه الأمر على عبد الملك بن مروان فظن أنها لليلى الأخيلية وينبغي أن نورد هذه القصيدة مشروحة لأمور منها أنها نادرة قلما توجد ومنها أنها جيدة في بابها ومنها أن كثيرا من أبياتها شواهد في كتب العلماء ونورد أولا خبر المنتشر حتى يظهر بناء القصيدة عليه وكان من حديثه على ما رواه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في روايته ديوان الأعشى قال خرج المنتشر ابن وهب الباهلي يريد حج ذي الخلصة ومعه غلمه من قومه والأقيصر بن جابر أخو بني فراص وكان بنو نفيل بن عمرو بن كلاب أعداء له فلما رأوا مخرجه وعورته وما يطلبه به بنو الحارث بن كعب وطريقة عليهم وكان من حج ذا الخلصة أهدى له هديا يتحرم به ممن لقيه فلم يكن مع المنتشر هدي فسار حتى إذا كان بهضب النباع انكسر له بعض غلمته الذين كانوا معه فصعدوا في شعب من النباع فقالوا في غار فيه وكان الأقيصر يتكهن وأنذر بنو نفيل بالمنتشر بني الحارث بن كعب فقال الأقيصر النجاء يا منتشر فقد أتيت فقال لا أبرح حتى أبرد فمضى الأقيصر وأقام المنتشر وأتاه غلمته بسلاحه واراد قتالهم فأمنوه وكان قد أسر رجلا من بني الحارث بن كعب يقال له هند بن أسماء بن زنباع فسأله أن يفدي نفسه فأبطأ عليه فقطع أنملة ثم أبطأ فقطع منه أخرى وقد أمنه القوم
____________________

ووضع سلاحه فقال أتؤمنون مقطعا وإلهي لا أؤمنه ثم قتله وقتل غلمته انتهى وذو الخلصة بفتحات الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة الكعبة اليمانية التي كانت باليمن أنفذ إليها رسول الله & جرير بن عبد الله فخربها وقيل هو بيت كان فيه صنم لدوس وخثعم وبجيلة وغيرهم كذا في النهاية لابن الأثير وفي الصحاح هو بيت لخثعم كان يدعي الكعبة اليمانية وكان فيه صنم يدعى الخلصة فهدم وفي شرح البخاري لابن حجر ذو الخلصة بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانية وحكى ابن هشام ضمهما وقيل بفتح أوله وضم ثانية والأول أشهر والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق وذو الخلصة اسم البيت الذي كان فيه الصنم وقيل اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم ووهم من قال إنه كان في بلاد فارس انتهى ورأيت في كتاب الأصنام لابن الكلبي أن ذا الخلصة كان مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج وكانت بتبالة بين مكة واليمن مسيرة سبع ليال من مكة وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصر وكانت تعظمها وتهدي لها خثعم وبجيلة وأزد السراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن وفيها يقول خداش بن زهير العامري لعثعث بن وحشي في عهد كان بينهم فغدر بهم (1) ( وذكرته بالله بيني وبينه ** وما بيننا من هذه لو تذكرا )
____________________
1- ( الطويل )

( وبالمروة البيضاء يوم تباله ** ومحبسة النعمان حيث تنصرا ) فلما فتح رسول الله & مكة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها قدم عليه جرير بن عبد الله مسلما فقال له يا جرير ألا تكفيني ذا الخلصة فقال بلى فوجهه إليه فخرج حتى أتى أحمس من بجيلة فسار بهم إليه فقاتلته خثعم وباهلة دونه فقتل من سدنته من باهلة يؤمئذ مائة رجل وأكثر القتل في خثعم وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم فظفر بهم وهزمهم وهدم بنيان ذي الخلصة واضرم فيه النار فاحترق وذو الخلصة اليوم عتبة باب مسجد تبالة وبلغنا أن رسول الله & قال لا تذهب الدنيا حتى تصطك أليات نساء دوس على ذي الخلصة يعبدونه كما كانوا يعبدونه انتهى والقصيدة هذه ( إني أتتني لسان لا أسر بها ** من علو لا عجب منها ولا سخر ) هذا البيت أورده الشارح المحقق في الظروف على أن علو روي بضم الواو وكسرها وفتحها واستشهد به صاحب الكشاف على أن اللسان في قوله تعالى ! ( وجعلنا لهم لسان صدق عليا ) ! أطلق على ما يوجد بها من العطية واللسان هنا بمعنى الرسالة وأراد بها نعي المنتشر ولهذا أنث له الفعل فإنه إذا أريد به الكلمة أو الرسالة يؤنث ويجمع على ألسن وإذا كان بمعنى جارحة الكلام فهو مذكر ويجمع على ألسنة روى ثعلب ( إني أتيت بشيء لا أسر به ** من علو لا عجب فيه ولا سخر ) وروى أبو زيد في نوادره ( إني أتاني شيء لا أسر به ** من عل لا عجب فيه ولا سخر )
____________________

قال : ويروى ' من علو ' و ' سخر ' - بضمتين - . قال في ' الصحاح ' : ' وعلو مثلث الواو ، أي : أتاني خبر من أعلى نجد ' . وقال أبو عبيدة : أراد العالية . وقال ثعلب : أي : من أعالي البلاد . ويقال من علو بتثليث الواو ومن عل بكسر اللام وضمهما ، ومن علا ، ومن أعلى ، ومن معال . وقوله ' لا عجب ' إلخ ، أي : لا أعجب منها ، وإن كانت عظيمة ، لأن مصائب الدنيا كثيرة ؛ ' ولا سخر ' : بالموت ، وقيل معناه لا أقول ذلك سخرية ، وهو بفتحتين وبضمتين : مصدر سخر منه كفرح وسخرا بضمتين ومسخرا : استهزأ به . ( فظلت مكتئباً حران أندبه ** وكنت أحذره لو ينفع الحذر ) وروى : وكنت ذا حذر : ( فجاشت النفس لنا جاء جمعهم ** وراكب جاء من تثليت معتمر ) في ' الصحاح ' : ' جاشت نفسه أي : غثت ، ويقال دارت للغثيان . فإن أردت أنها ارتفعت من حزن أو فزع . قلت : جشأت ، بالهمز ' . وروى بدل ' جمعهم ' أي : الذين شهدوا مقتله : ' فلهم ' بفتح الفاء وتشديد اللام ؛ يقال جاء فل القوم أي : منهزموهم ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وربما قالوا : فلول وفلال . وتثليت بالمثلثة . اسم موضع . و ' معتمر ' صفة راكب بمعنى زائر ، ويقال من عمرة الحج . ( يأتي على الناس لا يلوي على أحد ** حتى التقينا وكانت دوننا مضر ) فاعل ' يأتي ' ضمير الراكب . و ' يلوي ' : مضارع لوى بمعنى توقف وعرج ، أي : يمر هذا الراكب على الناس ولم يعرج على أحد حتى أتاني ؛ لأني كنت صديقه . و ' دون ' بمعنى قدام . ( إن الذي جئت من تثليث تندبه ** منه السماح ومنه النهي والغير ) أي : فقت لهذا الراكب : إن الذي جئت إلخ ، يقال ندب الميت من باب نصر : بكى عليه وعدد محاسنه . وجملة ' منه السماح ' إلخ خبر إن . و ' النهي ' : خلاف الأمر . و ' الغير ' ، بكسر المعجمة وفتح المثناة التحتية : اسم من غيرت الشيء فتغير ، أقامه مقام الأمر .
____________________

( ينعى امرا لا تغب الحي جفنته ** إذا الكواكب أخطا نوءها المطر ) النعي خبر الموت يقال نعاه ينعاه قال الأصمعي كانت العرب إذا مات ميت له قدر ركب راكب فرسا وجعل يسير في الناس ويقول نعاء فلانا أي انعه وأظهر خبر وفاته وهي مبنية على الكسر ولا يغب هو من قولهم فلان لا يغبنا عطاؤه أي لا يأتينا يوما دون يوم بل يأتينا كل يوم والجفنة القصعة وأخطاه كتخطاه تجاوزه والنوء سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما وهكذا كل نجم إلى انقضاء السنة وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها يريد أن جفانه لا تنقطع في القحط والشدة ** وراحت الشول مغبرا مناكبها ** شعثا تغير منها الني والوبر ) معطوف على مدخول إذا في القاموس الشائلة من الإبل ما أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها والجمع شول على غير قياس وفي النهاية الشول مصدر شال لبن الناقة أي ارتفع وتسمى الناقة الشول أي ذات شول لأنه لم يبق في ضرعها إلا شول من لبن اي بقية ويكون ذلك بعد سبعة أشهر من حملها وروى مباءتها أي مراجها بدل مناكبها ومغبرا يعني من الرياح والعجاج والني بفتح النون الشحم ومصدر نوت الناقة تنوي نواية ونيا إذا سمنت يريد أن الجدب وقلة المرعى خشن لحمها وغيره ( وألجأ الكلب مبيض الصقيع به ** وألجأ الحي من تناحه الحجر ) معطوف أيضا على مدخول إذا وألجأ اضطر ويروي أجحر يقال أجحرته أي ألجأته إلى أن دخل جحرة والصقيع الجليد وتنفاحه ضربه وهو مصدر نفحت الريح إذا هبت باردة والضمير للصقيع والباء في به بمعنى على والضمير للكلب والحجر بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة بالضم الغرفة وحظيرة الإبل من شجر يقول هو في مثل هذه الأيام الشديدة يطعم الناس الطعام ( عليه أول زاد القوم قد علموا ** ثم المطي إذا ما أرملوا جزر )
____________________

يعني أنه يرتب على نفسه زاد أصحابة أولا وإذا فني الزاد نحر لهم وأرمل الرجل نفد زاده والمطي جمع مطية وهي الناقة والجزر بضمتين جمع جزور وهي الناقة التي تنحر وروي بفتحتين جمع جزرة وهي الناقة والشاة تذبح ( قد تكظم البزل منه حين تبصره ** حتى تقطع في أعناقها الجرر ) ويروى ( وتفزع الشول منه حين يفجؤها ) يقال كظم البعير بالفتح يكظم بالكسر كظوما إذا أمسك عن الجرة وقيل الكظم أن لا تجتر لشدة الفزع إذا رأت السيف والبزل جمع بازل وهو الداخل في السنة التاسعة والجرر جمع جرة بكسر الجيم فيهما وهي ما يخرجه البعير للاجترار يقول تعودت الإبل أنه يعقر منها فإذا رأته كظمت على جرتها فزعا منه وتقطع فعل مضارع منصوب بأن ( أخو رغائب يعطيها ويسألها ** يأبى الظلامة منه النوفل الزفر ) ( لم تر أرضا ولم ] تسمع بساكنها ** إلا بها من نوادي وقعه أثر ) نوادي كل شيء بالنون أوائله وما ندر منه واحدة نادية ومنه قولهم لا ينداك مني سوء أبدا أي لا يندر إليك والوقع النزول ( وليس فيه إذا استنظرته عجل ** وليس فيه إذا ياسرته عسر ) ( وإن يصبك عدو في مناوأة ** يوما فقد كنت تستعلي وتنتصر ) ويروي فقد كان يستعلي وينتصر المناوأة المعاداة يقال ناوأت الرجل مناوأة وقيل هي المحاربة ناوأته أي حاربته قال الشاعر (1) إذا أنت ناوأت القرون فلم تنؤ ** بقرنين عزتك القرون الكوامل ) ( من ليس في خيره من يكدره ** على الصديق ولا في صفوه كدر ) ( أخو شروب ومكساب إذا عدموا ** وفي المخافة منه الجد والحذر )
____________________
1- ( الطويل )

الشروب جمع شرب وهو جمع شارب كصحب جمع صاحب ويروى أخو حروب والمكاسب مبالغة كاسب والعدم الفقر وفعله من باب فرح ( مردى حروب ونور يستضاء به ** كما أضاء سواد الظلمة القمر ) المردى بكسر الميم قال في الصحاح هو حجر يرمي به ومنه قيل للشجاع إنه لمردى حروب ومعناه أنه يقذف في الحروب ويرجم فيها وروى ( كما أضاء سواد الطخية القمر ) الطخية بضم المهملة وسكون المعجمة الظلمة والطخياء بالمد الليلة المظلمة يريد أنه كامل شجاعة وعقلا فشجاعته كونه يرمى في الحروب وعقله كون رأيه نورا يستضاء به وهما وصفان متضادان غالبا ( مهفهف أهضم الكشحين منخرق ** عنه القميص لسير الليل محتقر ) المهفهف الخميص البطن الدقيق الخصر والأهضم المنضم الجنبين والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف وهذا مدح عند العرب فإنها تمدح الهزال والضمر وتذم السمن وفي العباب ورجل منخرق السربال إذا طال سفره فشققت ثيابه ولسير الليل متعلق بما بعده وهذا يدل على الجلادة وتحمل الشدائد ( طاوي المصير على العزاء منجرد ** بالقوم ليلة لا ماء ولا شجر ) الطوى الجوع وفعله من باب فرح وطوى بالفتح يطوي بالكسر طيا إذا تعمد الجوع والمصير المعى الرقيق وجمعه مصران كرغيف ورغفان وجمع هذا مصارين أراد طاوي البطن والعزاء بفتح العين المهمله وتشديد الزاي المعجمة الشدة والجهد وقال في الصحاح هي السنة الشديدة والمنجرد المتشمر وقوله ليلة لا ماء ولا شجر أي يرعى ( لا يصعب الأمر إلا ريث يركبه ** وكل أمر سوى الفحشاء يأتمر )
____________________

أصعب الأمر وجده صعبا وكل مفعول مقدم ليأتمر أي يفعل كل خير ولا يدنو من الفاحشة ( لا يهتك الستر عن أنثى يطالعها ** ولا يشد إلى جاراته النظر ) ( لا يتأرى لما في القدر يرقبه ** ولا يعض على شرسوفه الصفر ) لا يتأرى لا يتجبس ويتلبث يقال تأرى بالمكان إذا أقام فيه أي لا يلبث لإدراك طعام القدر وجملة يرقبه حال من المستتر في يتأرى يمدحه بأن همته ليس في المطعم والمشرب وإنما همته في طلب المعالي فليس يرقب نضج ما في القدر إذا هم بأمر له شرف بل يتركها ويمضى والشرسوف طرف الضلع والصفر دويبة مثل الحية تكون في البطن تعتري من به شدة الجوع قال في النهاية في حديث لا عدوى ولا هامة ولا صفر إن العرب كانت تزعم أن في البطن حية يقال لها الصفر تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه وأنها تعدي فأبطل الإسلام ذلك وقيل أراد به النبي & النسيء الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية وهو تأخير المحرم إلى صفر ويجعلون صفر هو الشهر الحرام فأبطله انتهى ولم يرد الشاعر أن في جوفه صفرا لا يعض على شراسيفه وإنما أراد أنه لا صفر في جوفة فيعض يصفه بشدة الخلق وصحة البنية ( لا يغمز الساق من أين ولا وصب ** ولا يزال أمام القوم يقتفر ) لا يغمز الساق لا يجسها يصف جلده وتحمله للمشاق والأين الإعياء والوصب الوجع والاقتفار بتقديم القاف على الفاء اتباع الآثار في الصحاح وقفرت أثره أقفره بالضم أي قفوته وأقتفرت مثله وأنشد هذا البيت ورواه أبو العباس في شرح نوادر أبي زيد يقتفر بالبناء للمجهول ومعناه أنه يفوت الناس فيتبع ولا يلحق
____________________

( لا يأمن الناس ممساه ومصبحه ** في كل فج وإن لم يغز ينتظر ) اي لا يأمنه الناس على كل حال سواء كان غازيا أم لا فإن كان غازيا يخافون أن يغير عليهم وإن لم يكن غازيا فإنهم قي قلق أيضا لأنهم يترقبون غزوة وينتظرونه ** تكفيه حزة فلذان ألم بها ** من الشواء ويروي شربه الغمر ) الحزة بضم الحاء المهملة وتشديد الزاي المعجمة قطعة من اللحم قطعت طولا والفلذان جمع فلذ بكسر الفاء فيهما القطعة من الكبد واللحم وألم بها أصابها يعني أكلها والغمر بضم الغين المعجمة وفتح الميم قدح صغير لا يروي ( لا تأمن البازل الكوماء عدوته ** ولا الأمون إذا ما أخروط السفر ) البازل البعير الذي فطر نأبه بدخوله في السنة التاسعة ويقال للناقة بازل أيضا يستوى فيه الذكر والأنثى والكوماء بالفتح الناقة العظيمة السنام والعدوة التعدي فإنه ينحرها لمن معه سواء كانت المطية مسنة كالبازل أو شابة كالأمون وهي الناقة الموثقة الخلق يؤمن عثارها وضعفها واخروط امتد وطال ( كأنه بعد صدق القوم أنفسهم ** باليأس تلمع من قدامه البشر ) لمع أضاء والبشر بضمتين جمع بشير يقول إذا فزع القوم وأيقنوا بالهلاك عند الحروب أو الشدائد فكأنه من ثقته بنفسه قدامه بشير يبشره بالظفر والنجاح فهو منطلق الوجه نشيط غير كسلان قال السيد المرتضى في أمالية قال المبرد لا نعلم بيتا في يمن النقيبة وبركه الطلعة أبرع من هذا البيت ( لا يعجل القوم أن تغلي مراجلهم ** ويدلج الليل حتى يفسح البصر ) يريد أنه رابط الجأش عند الفزع لا يستخفه الفزع فيعجل أصحابه عن الأطباخ وقوله حتى يفسح البصر أي يجد متسعا من الصبح وقيل معناه ليس
____________________

هو شرها يتعجل بما يؤكل والمراجل القدور جمع مرجل ( عشنا به حقبة حيا ففارقنا ** كذلك الرمح ذو النصلين ينكسر ) وروى ( عشنا بذلك دهرا ثم ودعنا ) والنصلان هما السنان وهي الحديدة العليا من الرمح والزج وهي الحديدة السفلى ويقال لهما الزجان أيضا وهذا مثل أي كل شيء يهلك ويذهب ( فإن جزعنا فقد هدت مصابتنا ** وإن صبرنا فإنا معشر صبر ) المصابة بضم الميم بمعنى المصيبة يقال جبر الله مصابته وهو فاعل والمفعول محذوف أي قوانا والصبر بضمتين جمع صبور مبالغة صابر ( أصبت في حرم منا أخا ثقة ** هند بن أسماء لا يهني لك الظفر ) خاطب قاتل المنتشر هند بن أسماء وأراد بالحرم ذا الخلصة ثم دعا عليه والتهنئة خلاف التعزية ( لو لم تخنه نفيل وهي خائنة ** لصبح القوم وردا ما له صدر ) صبحه سقاه الصبوح وهو الشرب بالغداة أراد أنه كان يقتلهم ( وأقبل الخيل من تثليث مصغية ** وضم أعينها رغوان أو حضر ) أقبل الخيل جعلها مقبلة ومصغية مائلة نحوكم ورغوان وحضر موضعان أي كانت تأتي خيله عليكم في هذين الموضعين وما كانت تنام في منزل إلا فيهما ( إذا سلكت سبيلا أنت سالكه ** فاذهب فلا يبعدنك الله منتشر ) * * *
____________________

وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والعشرون ( شمس بن مالك ) وهو قطعة من بيت وهو (1)
( إني لمهد من ثنائي وقاصد ** به لابن عم الصدق شمس بن مالك ) على أنه مصروف مع أنه معدول عن شمس بالفتح وعليه اقتصر في باب العلم وإنما صرف لكونه لم يلزم الضم فإنه سمع فيه الفتح أيضا فلما لم يلزم الضم لم يعتبر عدله ولو لزم الضم لصرف أيضا لأنه يكون حينئذ منقولا من جمع شموس لا معدولا من شمس بالفتح وقد تبع الشارح المحقق في رواية الضم والفتح شراح الحماسة منهم ابن جني في إعرابها فإنه قال أما من روى شمس فتح الشين فأمره واضح كما يسمى ببدر ونحوه ومن رواه شمس بضم الشين فيحتمل أن يكون جمع شموس سمي به من قول الأخطل + ( البسيط ) + ( شمس العداوة حتى يستقاد لهم ** وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا ) ويجوز أن يكون ضم الشين على وجه تغيير الأعلام نحو معد يكرب وثهلل وموهب وموظب ومكوزة وغير ذلك مما غير في حال نظائره لأجل العلمية الحادثة فيه وليس في كلام العرب شمس إلا هذا الموضع 1 هـ وفيه نظر فإن شمسا في هذا البيت مضموم الشين لا غير وإن المضموم غير المفتوح كما فصله الحسن العسكري في كتاب التصحيف فإنه قال بعد ما أورد هذا البيت شمس مضموم الشين بطن من الأزد من مالك بن فهم وكل ما جاء في أنساب اليمن فهو شمس بالضم وكل ما جاء في قريش فهو شمس بالفتح انتهى
____________________
1- ( الطويل )

وهذا البيت أول أبيات عشرة لتأبط شرا أثبتها أبو تمام في أول الحماسة قال ابن جني ضمير به عندي راجع إلى موصوف محذوف أي ثناء من ثنائي وراجع عند الأخفش إلى نفس ثنائي ومن عنده زائدة وسيبويه لا يرى زيادتها في الواجب انتهى فعلى الأول يكون ما أهدى محذوفا وعلى الثاني مذكورا واللام في قوله لابن عم متعلقة بقاصد عند البصريين يقال قصدته بكذا وقصدت له به قال في العباب كل ما نسب إلى الصلاح والخير أضيف إلى الصدق فقيل رجل صدق وصديق صدق وتأبط شرا تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس عشر وأما مصنف كتاب التصحيف فهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري ولد يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين ومات يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة من سنة أثنتين وثمانين وثلاثمائة قال أبو طاهر السلفي إن أبا أحمد هذا كان من الأئمة المذكورين بالتصرف في أنواع العلوم والتبحر في فنون الفهوم ومن المشهورين بجودة التأليف وحسن التصنيف ومن جملته كتاب صناعة الشعر كتاب الحكم والأمثال كتاب التصحيف كتاب راحة الأرواح كتاب الزواجر والمواعظ كتاب تصحيح الوجوه والنظائر وكان قد سمع ببغداد والبصرة واصبهان وغيرها من شيوخ منهم أبو القاسم البغوي وابن أبي داود السجستاني وأكثر عنهم وبالغ في الكتابة وبقي حتى علا به السن واشتهر في الآفاق بالرواية والإتقان وانتهت إليه رياسة التحديث والإملاء والتدريس بقطر خوزستان ورحل الأجلاء إليه للاخذ عنه والقراءة عليه نقلته مختصرا من معجم الأدباء
____________________

وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والعشرون (1) ( وهم قريش الأكرمون إذا انتموا ** طابوا فروعا في العلا وعروقا ) على أن الأب ربما جعل مؤولا بالقبيلة فمنع الصرف كما منع قريش الصرف لتأويله بالقبيلة والأكرمون صفة قريش \ ومثله لعدي بن زيد بن الرقاع العاملي يمدح الوليد بن عبد الملك (1) ( غلب المساميح الوليد سماحة ** وكفى قريش المعضلات وسادها ) والمساميح جمع سمح على خلاف القياس وقوله إذا انتموا يقال انتمى إلى أبيه انتسب ونميته إلى أبيه نميا نسبته في العباب قال ابن دريد كثر الكلام في قريش فقال قوم سميت قريش بقريش بن مخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش وقال قوم سميت قريشا لأن قصيا قرشها أي جمعها فلذلك سمي قصي مجمعا قال الفضل ) + ( أبونا قصي كان يدعى مجمعا ** به جمع الله القبائل من فهر ) وقال الليث قريش قبيلة أبوهم النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس ابن مضر فكل من كان من ولد النضر فهو قريشي دون ولد كنانة ومن فوقه وقال صاحب العباب وينقض هذين القولين قول ابن الكلبي لأنه المرجوع إليه في هذا الشأن وهو أن قريشا اسمه فهر بن مالك بن النضر وفي تسميته قريشا سبعة أقوال
____________________
1- ( الكامل )

أحدها سموا قريشا لتجمعهم إلى الحرم ثانيها أنهم كانوا يتقرشون البياعات فيشترونها ثالثها أنه جاء النضر بن كنانة في ثوب له يعني اجتمع في ثوبه فقالوا قد تقرش في ثوبه رابعها قالوا جاء إلى قومه فقالوا كأنه جمل قريش أي شديد خامسها قول ابن عباس لما سأله عمرو بن العاص بم سميت قريش قال بدابة في البحر تسمى قريشا لا تدع دابة إلا أكلتها فدواب البحر كلها تخافها قال المشمرج بن عمرو الحميري (1) ( وقريش هي التي تسكن البحر ** بها سميت قريش قريشا ) سادسها قال عبد الملك بن مروان سمعت أن قصيا كان يقال له القرشي لم يسم قرشي قبله سابعها أنهم كانوا يفتشون الحاج عن خلتهم فيسدونها ويعلم من هذه الأقوال أن كون قريش أبا إنما هو على القول الثالث والرابع والسادس * * * وأنشده بعده ( جذب الصراريين بالكرور ) على أن جمع التكسير لا يمتنع جمعه جمع سلامة فإن الصراري جمع صراء وهو جمع تكسير وقد جمع على الصراريين جمع سلامة وتقدم ما فيه مشروحا في الشاهد الحادي والعشرين فراجعه * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثلاثون وهو من شواهد س + ( الكامل ) +
____________________
1- ( الخفيف )

( وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم ** خضع الرقاب نواكسي الأبصار ) على أن جمع التكسير نحو نواكس لا يمتنع جمعه جمع سلامة كنواكسين كما ذكره أبو علي في الحجة أقول ذكره أبو علي في إعراب الشعر أيضا وأعلم أن الكلام على هذه الكلمة من ثلاثة وجوه أحدها أن نواكس جمع ناكس وهو المطأطئ رأسه وفاعل إذا كان اسما نحو كاهل أو صفة مؤنث سواء كان ممن يعقل نحو حائض أو ممن لا يعقل نحو ناقة حاسر إذا أعيت أو صفة مذكر غير عاقل نحو صاهل يجمع قياسا على فواعل تقول كواهل وحوائض وحواسر وصواهل أما إذا كان صفة لمذكر عاقل لا يجمع على فواعل وقد شذت ألفاظ خمسة وهي ناكس ونواكس وفارس وفوارس نحو (1) ( لولا فوارس من نعم وأسرتهم ) * وهالك وهوالك قالوا هالك في الهوالك وغائب وغوائب وشاهد وشواهد قال عتبة بن الحارث لجزء بن سعد + ( الوافر ) + ( أحامي عن ديار بني أبيكم ** ومثلي في غوائبكم قليل ) فقال له جزء نعم وفي شواهدنا فجمع عتبة غائبا على غوائب وجمع جزء شاهدا على شواهد وقد وجهت بتوجيهات أما الأول فقد حمله سيبويه على اعتبار التأنيث في الرجال قال لأنك تقول هي الرجال كما تقول هي الجمال فشبهه بالجمال ومنه أخذ أبو الوليد فقال في شرح كامل المبرد هذا مخرج على غير الضرورة وهو أن تريد بالرجال جماعات الرجال فكأنه جماعات نواكس وواحدة جماعة ناكسة فيكون مقيسا جاريا على بابه كقائله وقوائل
____________________
1- ( البسيط )

ووجهه ابن الصائغ على أنه صفة للأبصار من جهة المعنى لأن الأصل قبل النقل نواكس أبصارهم والجمع في هذا قبل النقل سائغ لأنه غير عاقل فلما نقل تركوا الأمر على ما كان عليه لأن المعنى لم ينتقل وأما الثاني فقالوا إنه من الصفات التي استعملت استعمال الأسماء فقرب بذلك منها ولأنه لا لبس فيه لما ذكر سيبويه من أن الفارس في كلامهم لا يقع إلا للرجال وأما الثالث فوجهه أنه جرى عندهم مجرى المثل ومن شأن الأمثال أن لا تغير عن أصلها وأما الرابع والخامس فوجههما يعلم مما وجه به الشلوبين هوالك ونواكس فإنه يجري في جميع ما جاء من هذا وهو قوله قد عرف بقولهم أولا هالك أنه إنما يريد المذكر وكذلك بقوله وإذا الرجال رأوا يزيد قال فصار ذلك مما تقدم ذكره من قولهم فارس في الفوارس وإن لم يكن مثله في الجملة لأن المعنى الذي يتضمنه نواكس يصلح للمذكر والمؤنث والمعنى الذي يتضمنه الفوارس لا يصلح إلا للمذكر هذا قوله وهو جار في الأخيرين لأنه إنما يريد فيمن غاب من رجالكم ولم يرد أن مثله في نسائهم قليل فعين أنه يريد المذكر من جهة قصده فصار كالفوارس قال الشاطبي في شرح الألفية وطريقة المبرد في جميع ما جاء شاذا من هذا النوع أن فواعل هو الأصل في الجميع وإنما منع منه خوف اللبس فإذا اضطروا راجعوا الأصل كما يراجعونه في سائر الضرورات وكذلك حيث أمنوا الإلباس 1 . هـ قال المبرد في الكامل بعد ما أورد بيت الشاهد وفي هذا البيت شيء يسطرفه النحويون وهو أنهم لا يجمعون ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث لا يقولون ضارب وضوارب لأنهم قالوا ضاربة وضوارب ولم يأت هذا إلا في حرفين أحدهما فارس لأن هذا مما لا يستعمل في النساء فامنوا الالتباس ويقولون في المثل هو هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة
____________________

الاستعمال لأنه مثل فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر أجراه على أصله فقال نواكسي الأبصار ولا يكون مثل هذا أبدا إلا ضرورة 1 هـ وفيه أنه كان ينبغي أن يقيد النعت بمن يعقل ولكنه أطلق لشهرته وفيه أيضا أن المسموع خمسة لا ثلاثة كما تقدم ثم رأيت في شرح أدب الكاتب للجواليقي زيادة على هذه الخمسة وهي حارس وحوارس وحاجب وحواجب من الحجابة نقلهما عن ابن الأعرابي ثم قال ومن ذلك ما جاء في المثل مع الخواطئ سهم صائب وقولهم أما وحواج بيت الله ودواجه جمع حاج وداج والداج الأعوان والمكارون وحكى المفضل رافد وروافد وأنشد (1) ( إذا قل في الحي الجميع الروافد ) فالجميع إحدى عشرة كلمة الوجه الثاني أن المشهور في رواية هذه الكلمة نواكس بدون جمعها جمع سلامة وبه استشهد س وصاحب الجمل وقالا كان القياس أن يجمع ناكس على أنكاس أو نكس وكأنه حمله على تأنيث الجمع وقد رواها جماعة جمعها بجمع السلامة قال ابن السيد في شرح كامل المبرد وهذا أطرف وأغرب من جمع ناكس على نواكس فإنه غريب جدا لأن الخليل يرى أن هذا البناء نهاية الجمع وقال في شرح أبيات الجمل ولما كان الجمع الذي ثالثه ألف وبعده حرفان أو ثلاثة لا يتهيا تكسيرة لأنه نهاية التكسير وأريد جمعه لم يكن ذلك إلا بأن يجمع جمع سلامة لأنه لا يغير الاسم عن لفظه قال الجاربردي في شرح الشافية بعد ما قال ابن الحاجب وقد بجمع الجمع أي جمع تكسير وجمع تصحيح بالألف والتاء وأفاد بقد أنه لا يطرد قياسا لكنه كثير في جمع القلة قليل في جمع الكثرة إلا بالألف والتاء الوجه الثالث أنه يتراءى في ظاهر الأمر تدافع بين هذا الوزن من جمع التكسير
____________________
1- ( الطويل )

وبين جمع التصحيح فإن الأول موضوع للكثرة والثاني للقلة وقد سأل ابن جني في إعراب الحماسة عن هذا فقال فإن قلت فقد قالوا ( فهن يعلكن حدائدداتها ) وقالوا ( قد جرت الطير أيامنينا ) وقالوا صواحبات يوسف ومواليات العرب وقال الفرزدق ( خضع الرقاب نواكسي الأبصار ) فيمن رواه بالياء ففي هذا على قولك اجتماع الضدين وهو دلالة المثال على الكثرة مع جمعة بالواو والنون والألف والتاء وكل واحد منهما على ما قدمت موضوع للقلة وأجاب عنه بقوله قيل لا يكون مفيد القلة في القلة كأن لا يوجد البتة الا ترى أن نفس نواكس وصواحب يفيد بنفسه مفرد الكثرة أفتراه إذا جمع جمع القلة يصيره ذلك أن يكون أقل من أن لا يجمع أصلا قد كفاه موضوعه للكثرة من احتياجه إلى تثنية فضلا عن جمع قلة أو تجاوز به إلى مثال كثرة كما أن المضمر المجرور وإن ضعف عن عطف المظهر عليه بغير إعادة حرف جر معه فإنه لا يضعف عن توكيده كمررت به نفسه وذلك أنه لا يبلغ به الضعف أن يكون أقل من لا شيء وأنت لو قلت مررت بنفسه لكان قولا جائزا فاعرف هذا النحو انتهى كلامه وهذه عبارة قلقة يتعسر فهم المراد منها فينبغي شرحها فقوله ففي هذا على قولك اجتماع الضدين إلخ أقول لا يخفى عليك أن هذا ليس على ظاهره بل إنما هو في الحقيقة اعتراض بالترديد بين المحذورين ذكر أحدهما لظهوره وترك الآخر اعتمادا على فهم من له حظ من قانون المناظرة وإلا فلا يتم التقريب أصلا كما لا يخفى وتقريره أن هذا الجمع لو جمع جمع القلة يلزم أحد المحذورين إما إجتماع الضدين على تقدير أن يكون القلة والكثرة موجودتين
____________________

معا أو كون مفيد القلة كان لا يوجد على تقدير إعدام القلة ولم يتعرض لكون مفيد الكثرة كان لا يوجد لأنه لا خفاء في امتناعه ضرورة بقاء الكثرة على حالها بعد أن جمع جمع القلة وقوله قيل لا يكون مفيد القلة في القلة كأن لا يوجد البتة إلخ ظاهره جواب باختيار الشق الثاني لكن يحصل منه الجواب باختيار الشق الأول أيضا وتقريره إنا لا نسلم لزوم كون مفيد القلة كان لا يوجد على تقدير إعدام القلة بل إنما يلزم ذلك أن لو كانت القلة منتفية بجميع أنواعها وذلك ممنوع لأن وضع لفظ التكسير للكثرة يقتضي انتفاء القلة المباينة لها لا القلة المجامعة معها ولا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني حتى يكون مفيد القلة كأن لا يوجد ولا نسلم أيضا لزوم اجتماع الضدين على تقدير وجودهما معا بل إنما يلزم ذلك أن لو كانت القلة الباقية بعد أن جمع جمع القلة هي القلة المباينة للكثرة المذكورة وذلك أيضا ممنوع بل مقتضاه اجتماع الكثرة مع القلة المجامعة معها ضرورة أن لفظ القلة يفيد تقليل أفراد مدخولها لا غير وهما ليسا بضدين حتى يلزم من وجودهما معا اجتماع الضدين وقوله ألا ترى إلخ مع قوله أفتراه إلخ تنوير لعدم كون مفيد القلة كان لا يوجد وتقريره أنك تعرف قطعا أن نفس صواحب وأمثالها يفيد الكثرة بنفسه مفردا وتعرف أيضا أن جمعه جمع القلة لا يصيره إلى أقل من أن لا يجمع ذلك الجمع أي لا يغيره إلى حكم المفرد حتى يكون جمع القلة مفيدا للقلة في المفردات المباينة لتلك الكثرة كيف لا ولو كان كذلك يلزم انتفاء الكثرة مع أن وضعه كاف في ذلك من غير احتياج إلى تثنية أو جمع قلة أو جمع كثرة فظهر لك أن ذلك الجمع لإفادة أمر آخر زائد عليه وهو تعليل تلك الكثرة فقط فلما كنت القلة المجامعة مع تلك الكثرة باقية على حالها لم يكن مفيد القلة كأن لا يوجد البتة وقوله كما أن المضمر المجرور إلخ تنظير لعدم تغيير جمع القلة مع الكثرة وتقريره أن امتناع اجتماع الضدين نظير ضعف عطف المظهر على المضمر بغير إعادة الجار وجمع القلة فيما نحن فيه نظير تأكيد المضمر بغير إعادة الجار فكما أن ضعف العطف المذكور لكونه كالعطف على بعض حروف الكلمة لا ينافي جواز التأكيد بغير إعادة الجار لأنه كنفسه بناء على تغاير المادتين كذلك امتناع اجتماع
____________________

الضدين لا ينافي جواز جمع التكسير جمع القلة لتغاير المادتين وكما أن التأكيد لا يجعل المضمر أقل من أن لا يؤكد بل يفيد أمرا زائدا عليه وهو التأكيد كذلك الجمع فيما نحن فيه لا يجعل لفظ التكسير أقل من ان لا يجمع بل يفيد أمرا زائدا عليه وهو تقليل الكثرة الحاصلة من المجامعة معه والحاصل أن ما هو لازم ليس بمحذور وما هو محذور ليس بلازم هكذا ينبغي أن يفهم هذا المقام وقوله خضع الرقاب حال من مفعول رأيتهم والرؤية بصرية في الموضعين ولا تضر الإضافة فإنها لفظية وكذلك نواكسي الأبصار لأن المعنى خضعا رقابهم نواكس أبصارهم وخضع بضمتين جمع خضوع مبالغة خاضع من الخضوع وهو التطامن والتواضع يقال خضع لغريمة يخضع بفتحهما خضوعا ذل واستكان وهو قريب من الخشوع إلا أن الخشوع أكثر ما يستعمل في الصوت والخضوع في الأعناق ولهذا أضافه إلى الرقاب ويحتمل أن يكون خضع بضمه فسكون جمع أخضع وهو الذي في عنقه تطامن من خلقة وهذا أبلغ من الأول أي ترى أعناقهم إذا رأوه كأنها خلقت متطامنة من شدة تذللهم وفعل قياس في جمع أفعل وفعلاء صفة غير تفضيل نحو أحمر وحمراء وجمعهما حمر وهذا البيت من قصيدة للفرزدق يمدح بها آل المهلب وخص من بينهم ابنه يزيد أولها (1) ( فلأمدحن بني المهلب مدحة ** غراء ظاهرة على الأشعار ) ( مثل النجوم أمامها قمر لها ** يجلو الدجى ويضيء ليل الساري ) ( ورثوا الطعان عن المهلب والقرى ** وخلائقا كتدفق الأنهار ) ( أما البنون فإنهم لم يورثوا ** كتراثه لبنيه يوم فخار ) إلى أن قال ( أما يزيد فإنه تأبى له ** نفس موطنة على المقدار ) ( ورادة شعب المنية بالقنا ** فتدر كل معاند نعار ) ( وإذا النفوس جشأن طامن جأشها ** ثقة به لحماية الأدبار )
____________________
1- ( الكامل )

( ملك عليه مهابة الملك التقى ** قمر التمام به وشمس نهار ) ( وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم البيت ** ) إلى أن قال ( ما زال مذ عقدت يداه إزاره ** وسما فأدرك خمسة الأشبار ) ( يدني خوافق من خوافق للتقى ** في كل معتبط الغبار مثار ) قوله تأبى له نفس مفعول تأبى محذوف أي القعود عن الحروب ونحوه وقوله موطنة على المقدار أي تقول نفسه عند اقتحام المهالك لا يصيبني إلا ما قدر الله والمقدار بمعنى القدر وورادة مبالغة واردة صفة نفس وشعب مفعول ورادة بمعنى فروع المنية وأنواعها مستعار من الشعب التي هي أغصان الشجرة جمع شعبة والقنا جمع قناة وهي الرمح وتدر فاعله ضمير القنا من أدرت الريح السحاب واستدرته أي استحلبته وكل مفعوله والمعاند العرق الذي يسيل ولا يرقا ويقال له عاند أيضا وفعله من باب نصر والنعار بالعين المهملة من نعر العرق ينعر بالفتح فيهما أي فار منه الدم فهو عرق نعار ونعور وجشأن يقال جشأت نفسه إذا ارتفعت من حزن أو فزع والجأش بالهمز جأش القلب وهو رواعه إذا اضطرب عند الفزع يقال فلان رابط الجأش أي يربط نفسه عن الفرار لشجاعته وطأمن مقلوب طمأن بالهمز فيهما بمعنى سكن وثقة فاعله والتقى فعل ماض وقمر التمام فاعله يقال قمر تمام بفتح التاء وكسرها إذا تم ليلة البدر وأما ليل التمام فمكسور لا غير وهو أطول ليلة في السنة
____________________

وقوله ما زال مذ عقدت يداه إلى آخره هذا البيت استشهد به النحاة في عدة مواضع منهم ابن هشام أورده في المغني شاهدا لإيلاء الجملة الفعلية ل مذ كما يليها الجملة الأسمية وأورده أيضا في شرح الألفية لقوله خمسة الأشبار حيث جرد المضاف من أداة التعريف وهو حجة على الكوفيين في جوازهم الجمع بين تعريف المضاف باللام والإضافة إلى المعرفة مستدلين بقول عرب غير فصحاء الثلاثة الأبواب والمسموع تجريد الأول من أداة التعريف كما قال ذو الرمة أيضا (1) ( وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ** ثلاث الأثافي والديار البلاقع ) و سما ارتفع وشب من السمو وهو العلو وأدرك بمعنى بلغ ووصل وفاعلهما ضمير يزيد وقوله خمسة الأشبار أراد طول خمسة أشبار بشبرالرجال وهي ثلثا قامة الرجل وينسب إليها فيقال غلام خماسي قال ابن دريد غلام خماسي قد ايفع في الصحاح والعباب وغلام رباعي وخماسي أي طوله أربعة أشبار وخمسة أشبار ولا يقال سداسي ولا سباعي لأنه إذا بلغ ستة أشبار أو سبعة أشبار صار رجلا والغلام إذا بلغ خمسة أشبار عندهم تخيلوا فيه الخير والشر ولهذا قال بعض العرب أيما غلام بلغ خمسة أشبار فاتهمته قتلته هذا ما عندي وأما الناس فقد اختلفوا في تفسيره على أقوال أحدها قال ابن السيد في شرح شواهد الجمل ومعنى فأدرك خمسة الأشبار ارتفع وتجاوز حد الصبا لأن الفلاسفة زعموا أن المولود إذا ولد لتمام مدة الحمل ولم تغيره آفة في الرحم فإنه يكون في قدة ثمانية أشبار من شبر نفسه وتكون سرته بمنزلة المركز له فيكون منها إلى نهاية شقه الأعلى أربعة أشبار بشبره ومنها إلى نهاية شقة الأسفل أربعة أشبار ومنها إلى أطراف أصابعه من يده معا أربعة أشبار حتى أنه لو رقد على صلبة وفتح ذراعية ووضع ضابط في سرته وأدير لكان
____________________
1- ( الطويل )

شبه الدائرة قالوا فما زاد على هذا أو نقص فلآفة عرضت له في الرحم فإنك تجد من نصفه الأعلى أطول من نصفه الأسفل ومن نصفه الأسفل أطول من نصفه الأعلى ومن يداه قصيرتان ومن يده الواحدة أقصر من الثانية فإذا تجاوز الصبي أربعة أشبار فقد أخذ في الترقي إلى غاية الكمال 1 هـ وقوله أولا ارتفع وتجاوز حد الصبا شرح به المعنى المراد ولا حاجة بعده إلى نقل كلام الفلاسفة لأنه خارج عن المقام بل مفسد لأنه رتب بعده قوله فإذا تجاوز الصبي أربعة أشبار فقد أخذ في الترقي إلى غاية الكمال وهذا غير متصور لأن الطفل الذي تجاوز أربعة أشبار بشبر نفسه لا يحسن عقد إزاره فضلا عن الأخذ في الترقي إلى غاية الكمال وإنما المعنى تجاوز خمسة أشبار بشبر الرجال وهي ثلثا قامة الرجل كما ذكرها ثانيها أنه أراد ب خمسة الأشبار السيف قال ابن هشام اللخمي في شرح شواهد الجمل هذا هو الصحيح لأنه منتهى طول السيف في الأكثر كما أن منتهى طول القوس ثلاث أذرع وإصبع قال الراجز (1) ( أرمى عليها وهي فرع أجمع ** وهي ثلاث أذرع وإصبع ) وإنما زاد إصبعا لاختلاف أذرع الناس في الطول والقصر وربما زادوا شبرا كما قال آخر ( وهي ثلاث أذرع وشبر )
____________________
1- ( الرجز )

وكما أن منتهى طول القناة أحد عشر ذراعا قال عتبة بن مرداس (1) ( وأسمر خطيا كأن كعوبه ** نوى القسب قد أرمى ذراعا على العشر ) وقال البحتري أيضا + ( البسيط ) + ( كالرمح أذرعه عشر وواحدة ** فليس يزري به طول ولا قصر ) ثالثها أنه أراد عصا الخطبة وهذا غير مناسب لما قبله ولما بعده ورابعها أنه أراد الخيزرانة التي كان الخلفاء يحبسونها بأيديهم وهذا أيضا غير مناسب كالذي قبله على أن يزيد ليس خليفة ولا من نسل الخلفاء وأراد هذا القائل الخلفاء الأمويين خامسها أنه أراد خلال المجد الخمسة العقل والعفة والعدل والشجاعة والوفاء وكانت عندهم معروفة بهذا العدد كذا نقلوه ولا يخفى أنه لو كان المراد هذا لبقي ذكر الأشبار لغوا سادسها أنه أراد بخمسة الأشبار القبر لأن البيت من مريثة وهذا باطل لا أصل له فإنه من قصيدة في مدح يزيد بن المهلب وكان حيا واسم زال ضمير يزيد وخبرها البيت الذي بعده وهو يدني خوافق إلخ وأراد بالخوافق الرايات وهو جمع خافقة يقال خفقت الراية بالفتح تخفق
____________________
1- ( الطويل )

بالكسر والضم خفقا وخفقانا إذا تحركت واضطربت ومعتبط الغبار بالعين والطاء المهملتين هو الموضع الذي لم يقاتل عليه ولم يثر فيه غبار قبل ما أثاره هذا الممدوح يقال أعبطت الأرض إذا حفرت منها موضعا لم يحفر فيها قبل ذلك والمثار المهيج المحرك وروى بدله ( يدني كتائب من كتائب تلتقي ** في ظل معترك العجاج مثار ) و الكتائب جمع كتيبة وهو الجيش والمعترك موضع الاعتراك وهو المحاربة وأراد ب ظله الغبار الثائر في المعركة فإنه إذا اشتد لا يرى معه ضوء فيصير كالظل الكثيف ومذ اسم فقيل إنها ظرف مضاف إلى الجملة وقيل إلى زمن مضاف إلى الجملة وقيل مبتدأ فيجب تقدير زمان للجملة يكون هو الخبر والإزار معروف وقيل كنى بعقد الإزار عن شده لما يحتوى عليه من كساءي المجد وهذا يناسب تفسيره خمسة الأشبار بخلال المجد الخمسة وخمسة الأشبار مفعول أدرك بتقدير مضاف كما تقدم وقال الأعلم على ما نقله اللخمي فاعل سما مضمر لدلالة المعنى عليه والتقدير وسما جسمه أو طوله وفاعل أدرك مضمر أيضا عائد على الجسم الذي دل عليه المعنى ومعنى أدرك انتهى والأفعال يحمل بعضها على بعض إذا اشتركت في المعنى والتقدير انتهى طوله أو جسمه خمسة أشبار ويكون انتصاب خمسة أشبار على أنه مفعول على إسقاط حرف الجر أي انتهى إلى خمسة أشبار 1 هـ أقول هذا كله تعسف لا ضرورة تدعو إليه ومثل هذا قول ابن يسعون في شرح شواهد الإيضاح ويجوز نصبه نصب الظروف بقوله سما أي فعلا مقدار خمسة الأشبار 1 هـ فإنه تعسف أيضا لأنه يكون المدرك غير معلوم ما هو وبقي قوله أدرك غير مفيد شيئا ومن فسر الخمسة بالسيف والعصا والخيزرانة فهو على حذف مضاف أي فأدرك أخذ خمسة الأشبار للقتال به أو للجس باليد أو للخطبة وقال ابن يسعون بعد جعل الخمسة مفعولا لأدرك على تقدير معناها السيف أو خلال المجد الخمسة ما نصه ويجوز نصب خمسة نعتا لإزاره أو بدلا منه أو عطف بيان هـ فتأمل
____________________

وأما يزيد فهو ابن المهلب بن أبي صفرة أحد شجعان العرب وكرمائهم وشهرته في الشجاعة والكرم غنية عن الوصف كان في دولة الأمويين واليا على خراسان وافتتح جرجان ودهستان وطبرستان وبعد الحجاج صار أمير العراقين وأجمع علماء التاريخ على أنه لم يكن في دولة بني أمية أكرم من بني المهلب كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكة وولد يزيد سنة ثلاث وخمسين من الهجرة وتوفي مقتولا يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة اثنتين ومائة وقد ترجمه ابن خلكان وترجم والده بما لا مزيد عليه وستاتي ترجمة والده في رب من حروف الجر في شرح قوله (1) ( فلقد يكون أخا دم وذبائح ) والفرزدق هو أبو فراس واسمه همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم البصري وهمام بصيغة المبالغة من الهمة وقال ابن قتيبة في طبقات الشعراء بعد أن قال اسمه همام وكان للفرزدق إخوة منهم هميم بن غالب وبه سمي الفرزدق والأخطل وكان أسن منه وأخت يقال لها جعثن كانت امرأة صدق وكان جرير في مهاجاته للفرزدق يذكرها بسوء قال اليربوعي وكذب عليها جرير وكان يقول أستغفر الله فيما قلت لجعثن قال وكانت إحدى الصالحات .
____________________
1- ( الكامل )

والفرزدق قال صاحب العباب قال الليث الفرزدق الرغيف الذي يسقط في التنور ويقولون أيضا الفرزدقة قال وقال بعضهم هو فتات الخبز وقال غيره الفرزدق القطعة من العجين وأصلها بالفارسية براذده وقال ابن فارس هذه كلمة منحوته من كلمتين من فرز ومن دق لأنه دقيق عجن ثم أفرزت منه قطعة فهي من الإفراز والدقيق 1 . هـ فلقب بأحد هذه المعاني ويشهد للأول ما روي أنه كان أصابه جدري وبقي أثره في وجهه ويروى أن رجلا قال له يا أبا فراس كأن وجهك أحراح مجموعة فقال تأمل هل ترى فيها حر أمك والأحراح جمع حر بالكسر وحذف لام الفعل هو فرج المرأة وأخذ الفرزدق هذا الجواب من كلام أبي الأسود الديلي فإنه كما في الأغاني قال كان طريق أبي الأسود إلى المسجد والسوق في بني تيم الله بن ثعلبة وكان فيهم رجل متفحش يكثر الاستهزاء بمن يمر به فمر به أبو الأسود يوما فلما رآه قال لقومه كأن وجه أبي الأسود وجه عجوز راحت إلى أهلها بطلاق فضحك القوم وأعرض عنه أبو الأسود ثم مر بهم فقال لهم كأن غضون قفا أبي الأسود غضون الفقاح فأقبل عليه أبو الأسود فقال هل تعرف فقحة أبيك فيهن فأفحمه وضحك القوم منه وقاموا إلى أبي الأسود فاعتذروا إليه ولم يعاوده الرجل بعد ذلك ويحتمل أنه لقب بالمعنى الثالث وبه صرح ابن قتيبة في أدب الكاتب فقال والفرزدق قطع العجين واحدها فرزدقة ومنه سمي الرجل وهو لقب له لأنه كان جهم الوجه ويحتمل أنه لقب بالمعنى الثاني بأن شبه غضون وجهه بفتات الخبز وقال ابن السيد في شرح شواهد الجمل وتبعه فيها ابن هشام اللخمي وابن خلف وغيرهما قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء إنما سمي الفرزدق لغلظة وقصره شبه بالفتيتة التي تشربها النساء وهو الفرزدقة 1 هـ أقول لم أر الفرزدقة بهذا المعنى في اللغة ولا الفتيتة بمعنى ما ذكره على أن ابن قتيبة لم يذكر في الطبقات شيئا في تلقيبه بالفرزدق ثم رأيت في الأغاني في ترجمته أن الفرزدق الرغيف الضخم الذي يجففه النساء للفتوت وروى أن الجهم ابن سويد بن المنذر الجرمي قال له ما وجدت أمك أسما لك إلا الفرزدق الذي
____________________

تكسره النساء في سويقها قال والعرب تسمي خبز الفتوت الفرزدق فقال له الفرزدق أحق الناس بأن لا يتكلم في هذا أنت لأن أسمك اسم متاع المرأة واسم أبيك اسم الحمار واسم جدك اسم الكلب وروى بسنده عن أبي عمرو بن العلاء قال أخبرت عن هشام العنزي أنه قال جمعني والفرزدق مجلس فتجاهلت عليه فقلت من أنت قال أما تعرفني قلت لا قال فأنا أبو فراس قلت ومن أبو فراس قال أنا الفرزدق قلت ومن الفرزدق قال أو ما تعرف الفرزدق قلت أعرف الفرزدق أنه شيء تتخذه النساء عندنا بالمدينة تتسمن به وهو الفتوت فضحك وقال الحمد لله الذي جعلني في بطون نسائكم وقال السيد المرتضي في أمالية والفرزدق لقب وإنما لقب به لجهامة وجهه وغلظة لأن الفرزدقة هي القطعة الضخمة من العجين وقيل إنها الخبزة الغليظة التي يتخذ منها النساء الفتوت وفي الأغاني بسنده إلى محمد بن وهيب الشاعر قال جلست بالبصرة إلى جنب عطار فإذا أعرابية سوداء قد جاءت فاشترت من العطار خلوقا فقلت له تجدها اشترته لابنتها وما ابنتها ألا خنفساء فالتفتت إلي متضاحكة وقالت لا والله إلا مهاة جيداء وإن قامت فقناة وإن قعدت فحصاة وإن مشت فقطاة أسفلها كثيب وأعلاها قضيب لا كفتياتكم اللواتب تسمنونهن بالفتوت ثم انصرفت وهي تقول (1) ( إن الفتوت للفتاة مضرطه ** يكربها في البطن حتى تثلطه ) فلا أعلمني ذكرتها إلا أضحكني ذكرها وبالجملة هو وجرير والأخطل النصراني في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين واختلف العلماء بالشعر فيه وفي جرير في المفاضلة وكان يونس يفضل الفرزدق ويقول لولا الفرزدق لذهب شعر العرب وقال ابن شبرمة الفرزدق أشعر الناس وقال أبو عمرو بن العلاء لم أر بدويا أقام في الحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة والفرزدق
____________________
1- ( الرجز )

وفي العمدة لابن رشيق كتب الحجاج بن يوسف إلى قتيبة بن مسلم يسأله عن أشعر الشعراء في الجاهلية وأشعر شعراء وقته فقال أشعر الجاهلية امرؤ القيس وأضربهم مثلا طرفة وأما شعراء الوقت فالفرزدق أفخرهم وجرير أهجاهم والأخطل أوصفهم وقد طبق المفصل الأصبهاني في قوله حين سئل عنهما من كان يميل إلى جودة الشعر وفخامته وشدة أسره فليقدم الفرزدق ومن كان يميل إلى أشعار المطبوعين والكلام السمح الجزل فليقدم جريرا قال أبو عبيدة وكان الفرزدق يشبه من شعراء الجاهلية بزهير وكان صعصعة جد الفرزدق كما قال ابن قتيبة في الطبقات عظيم القدر في الجاهلية وكان اشترى ثلاثين موؤدة ثم أسلم وصار صحابيا وأم صعصعة قفيرة بتقديم القاف على الفاء وبالتصغير بنت مسكين الدارمي وكانت أمها أمة وهبها كسرى لزرارة فوهبها زرارة لهند بنت يثربي فوثب أخو زوجها وهو مسكين ابن حارثة بن زيد بن عبد الله بن دارم على الأمة فأحبلها فولدت له قفيرة فكان جرير يعير الفرزدق بها وكان لصعصعة قيون والقين الحداد منهم جبير ووقبان وديسم فلذلك جعل جرير مجاشعا قيونا وكان جرير ينسب غالب بن صعصعة إلى جبير فقال (1) ( وجدنا جبيرا أبا غالب ** بعيد القرابة من معبد ) يعني معبد بن زرارة وكان يعيبهم بالخزيرة وذلك أن ركبا من مجاشع مروا بشهاب التغلبي فسالهم أن ينزلوا فحمل إليهم خزيرة فجعلوا يأكلون وهي تسيل على لحاهم وهم على رواحلهم والخزيرة بفتح الخاء وكسر الزاي المعجمتين وبالراء المهملة قطع لحم صغار توضع في القدر بماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة ويقال خزير أيضا بدون تاء تأنيث .
____________________
1- ( المتقارب )

وأما غالب أبو الفرزدق فإنه كان يكنى أبا الأخطل واستجير بقبره بكاظمه فاحتملها عنه الفرزدق وفي نهج البلاغة وقال علي رضي الله عنه لغالب بن صعصعة أبي الفرزدق في كلام دار بينهما ما فعلت إبلك الكثيرة قال ذعذعتها الحقوق يا أمير المؤمنين فقال رضي الله عنه ذاك أحمد سبيلها قوله ذعذعتها بذالين معجمتين وعينين مهملتين بمعنى فرقتها يقال ذعذعته فتذعذع وذعذعة السر إذاعته قال شارح نهج البلاغة ابن أبي الحديد دخل غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال المجاشعي على أمير المؤمنين رضي الله عنه أيام خلافته وغالب شيخ كبير ومعه أبنه همام الفرزدق وهو غلام يومئذ فقال له علي رضي الله عنه من الشيخ قال أنا غالب بن صعصعة قال ذو الإبل الكثيرة قال نعم قال ما فعلت إبلك قال ذعذعتها الحقوق وأذهبتها الحمالات والنوائب قال ذاك أحمد سبيلها من هذا الغلام معك قال هذا ابني قال ما اسمه قال همام وقد رويته الشعر يا أمير المؤمنين وكلام العرب ويوشك أن يكون شاعرا مجيدا فقال أقرئه القرآن فهو خير له فكان الفرزدق بعد يروي هذا الحديث ويقول ما زالت كلمته في نفسي حتى قيد نفسه بقيد وآلى ألا يفكه حتى يحفظ القرآن فما فكة حتى حفظه 1 . وقد روى عنه عليه السلام أحاديث وعن غيره من الصحابة وعاش حتى قارب المائة ومات بعلة الدبيلة رحمه الله تعالى قال النويري في تاريخه مات الفرزدق في سنة عشر ومائة وله إحدى وتسعون سنة ومات فيها جرير أيضا وقال السيد المرتضي قدس الله سره في أماليه الفرزدق مع تقدمه في الشعر وبلوغه فيه إلى الذروة العليا والغاية القصوى شريف الآباء كريم البيت
____________________

له ولآبائه مآثر لا تدفع ومفاخر لا تجحد وكان مائلا إلى بني هاشم ونزع في آخر عمره عما كان عليه من القذف والفسق وراجع طريقة الدين على أنه لم يكن في خلال فسقه منسلخا من الدين جملة ولا مهملا لأمره أصلا روي أنه تعلق بأستار الكعبة وعاهد الله على ترك الهجاء والقذف وقال (1) ( ألم ترني عاهدت ربي وإنني ** لبين رتاج قائم ومقام ) ( على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ** ولا خارجا من في زور كلام ) ( أطعتك يا إبليس تسعين حجة ** فلما انقضى عمري وتم تمامي ) ( فزعت إلى ربي وأيقنت أنني ** ملاق لأيام الحتوف حمامي ) وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والثلاثون (1) ( وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد ) على أنه يمكن لمح الوصف مع العلمية اي يمكن أن يلاحظ بعد العلمية الوصف الذي كان قبلها وبملاحظته بوضع علما فإن محمدا وضع علما لنبينا & بملاحظة معناه فإن معناه في اللغة كما قال صاحب العباب وغيره الذي كثرت خصالة المحمودة كما قال الأعشى في مدح النعمان ابن المنذر + ( الطويل ) + ( إليك أبيت اللعن كان كلالها ** إلى الماجد الفرع الجواد المحمد ) وبعد أن صار علما يجوز أن يلحظ معناه اللغوي كما لحظه حسان في هذا البيت
____________________
1- ( الطويل )

وهو أول أبيات ثمانية مدح بها نبينا محمدا & والصواب في روايته شق له من اسمه بدون واو فإنها للعطف ولم يتقدم شيء يعطف عليه لكن يبقى الشعر مخروما والخرم جائز عندهم وهو بالخاء المعجمة والراء المهملة عبارة عن حذف أول الوتد المجموع في أول البيت وذلك نحو فعولن ومفاعيلن ومفاعلتن كما أن ضمير له راجع إلى النبي & ومفعوله محذوف أي شق له اسما من اسمه واسم الله تعالى المشقوق منه محمود بمعنى أن الحمد لا يكون إلا له ولا يقع إلا عليه فأراد تبارك وتعالى أن يشرك نبيه في اسم من هذا الوصف تعظيم له & فسماه محمدا كما سيأتي بيانه وقوله من اسمه بهمزة الوصل وسمعت بعضهم يقرؤة بهمزة القطع وهو لحن وقوله ليجله روى بدله كي يجله وبقية الأبيات هذه (1) ( نبي أتانا بعد يأس وفترة ** من الرسل والأوثان في الأرض تعبد ) ( فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا ** يلوح كما لاح الصقيل المهند ) ( وأنذرنا نارا وبشر جنة ** وعلمنا الإسلام فالله نحمد ) ( وأنت إله العرش ربي وخالقي ** بذلك ما عمرت في الناس أشهد ) ( تعاليت رب الناس عن قول من دعا ** سواك إلها أنت أعلى وأمجد ) ( لك الخلق والنعماء والأمر كله ** فإياك نستهدي وإياك نعبد ) ( لأن ثواب الله كل موحد ** جنان من الفردوس فيها يخلد ) كذا في ديوانه من رواية أبي سعيد السكري ورأيت في المواهب اللدنية قال مؤلفة ثم إن في اسمه محمد خصائص منها أنه تعالى شقه من اسمه المحمود كما قال حسان بن ثابت (1) ( أغر عليه للنبوة خاتم ** من الله من نور يلوح ويشهد )
____________________
1- ( الطويل )

( وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن اشهد ) ( وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد ) وعلى هذه الرواية فالواو للعطف وفاعل شق ضمير الإله والضمير في له راجع للنبي ثم قال صاحب المواهب وأخرج البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن زيد قال كان أبو طالب يقول ( وشق له من اسمه ليجله البيت ) وقد سماه الله تعالى بهذا الاسم قبل الخلق بألفي ألف عام كما ورد من حديث أنس بن مالك من طريق أبي نعيم في مناجاة موسى وروى ابن عساكر عن كعب الأحبار قال إن الله أنزل على آدم عصيا بعدد الأنبياء والمرسلين ثم أقبل على ابنه شيث فقال أي بني أنت خليفتي من بعدي فخذها بعمارة التقوى والعروة الوثقى وكلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإنى رأيت اسمه مكتوبا على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ثم إني طفت السموات فلم أر في السموات موضعا إلا رأيت اسم محمد مكتوبا عليه وإن ربي أسكنني الجنة فلم أر في الجنة قصرا ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوبا عليها ولقد رأيت اسم محمد مكتوبا على نحور الحور العين وعلى ورق قصب آجام الجنة وعلى ورق شجرة طوبى وعلى ورق سدره المنتهى وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها ولما سماه جده عبد المطلب بمحمد قيل له كيف سميته باسم ليس لأحد من آبائك وقومك فقال لأني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم وذلك لرؤيا كان رآها عبد المطلب كما ذكر حديثها علي القيرواني العابر في كتاب البستان قال كان عبد المطلب قد رأى في المنام كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في المشرق وطرف في المغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور وإذا أهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها فقصها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمدا مع ما حدثته به أمه آمنه حين قيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وضعته فسميه محمدا قال السهيلي محمد منقول من صفة في معنى محمود ولكن فيه معنى المبالغة
____________________

والتكرار لأن المحمد الذي حمد مرة بعد مرة كما ان المكرم من أكرم مرة بعد مرة وكذلك المدح ونحو ذلك فاسم محمد مطابق لمعناه والله سبحانه سماه به قبل أن يسمى به علم من أعلام نبوته عليه السلام إذ كان اسمه صادقا عليه فهو & محمود في الدنيا بما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وهو محمود في الآخرة بالشفاعة فقد تكرر معنى الحمد ومحمود أيضا من أسمائه & قال صاحب المواهب أعلم أن من أسماء الله تعالى الحميد ومعناه المحمود لأنه تعالى حمد نفسه وحمده عبادة وقد سمى الرسول & بمحمود وكذا وقع اسمه في زبور داود وقال الشامي في سيرته ومن أسمائه & المحمود وهو المستحق لأن يحمد لكثرة خصالة الحميدة قال حسان بن ثابت رضي الله عنه (1)
____________________
1- ( الطويل ) ( فأصبح محمودا إلى الله راجعا ** يبكيه حق المرسلات ويحمد ) وهو من أسمائة تعالى قال حسان أيضا ( وشق له من اسمه ليجله ) . هـ وعليه فهو اسم مشترك بين الله وبين نبيه ولم أر من صرح به غير الشامي وأما أحمد فهو اسمه عليه الصلاة والسلام الذي سمي به على لسان عيسى وموسى قال السهيلي هو منقول من الصفة التي معناها التفضيل فمعنى أحمد أحمد الحامدين لربه وكذلك هو في المعنى لأنه يفتح عليه في المقام المحمود محامد لم تفتح على أحد قبله فيحمد بها ربه ولذلك يعقد له لواء الحمد وقال السخاوي في سفر السعادة أحمد هو مأخوذ من الحمد كما أخذ من الحمرة أحمر ومن الصفرة أصفر وأحمد أبلغ من محمد كما أن أحمر وأصفر أبلغ من محمر ومصفر لأنه في أحمر وأصفر ألزم وليس أحمد بمنقول من الفعل المضارع ولا هو أفعل فتقول كأكرم ومن هذا الله أكب

وحسان هو أبو الوليد بن ثابت بن المنذر الأنصاري من بني النجار وأمه الفريعة بنت خنس من بني الخزرج والفريعة بالفاء والعين المهملة مصغر قرعة بالتحريك وهي القملة الكبيرة قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء وهو جاهلي إسلامي متقدم الإسلام إلا أنه لم يشهد مع رسول الله & مشهدا لأنه كان يرمى بالجبن لعلة أصابته وكانت له ناصية يسدلها بين عينيه وكان يضرب بلسانه روثه أنفه من طوله ويقول والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقة وعاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام ستين سنة فهو من المخضرمين ومات في زمن معاوية وكف بصره في آخر عمرة * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والثلاثون (1) ( فتى فارسي في سراويل رامح ) وصدره ( أتى دونها ذب الرياد كأنه ) على أن سراويل غير منصرف عند الأكثرين كما هنا وهذا البيت من قصيدة لتميم بن أبي بن مقبل يصف الثور الوحشي وضمير دونها لأنثاه ودون بمعنى قدام وروى يمشي بها ذب الرياد وروى أيضا
____________________
1- ( الطويل )

يرود بها والذب بفتح الذال المعجمة وتشديد الموحدة قال في الصحاح هو الثور الوحشي ويقال له ذب الرياد لأنه يرود أي يذهب ويجيء ولا يثبت في موضع قال النابغة الذبياني يصف ناقته (1) ( كأنما الرحل منها فوق ذي جدد ** ذب الرياد إلى الأشباح نظار ) وزاد في العباب فقال ورجل ذب الرياد إذا كان زوارا للنساء قال عبد من عبيد بجيله (1) ( قد كنت فتاح أبواب مغلقة ** ذب الرياد إذا ما خولس النظر ) وقال القالي في أماليه يقال فلان ذب إذا كان لا يستقر في موضع ومنه قيل للثور الوحشي ذب الرياد وأنشد بيت الشاهد وقد خالف أبو هلال العسكري في ديوان المعاني فزعم أن ذب الرياد اسم للوعل ونسب البيت إلى الراعي فقال وقد أحسن الراعي في وصف الوعل ثم قال وذب الرياد علم على الوعل والصواب ما قدمناه فيهما شبه الشاعر ما على قوائم الثور الوحشي من الشعر بالسراويل وهو من لباس الفرس ولهذا شبهه بفتى فارسي وشبه قرنه بالرمح ولهذا قال رامح أي ذو رمح فقوله فتى خبر كأن وفارسي صفة فتى وفي سراويل حال من ضمير فارسي إذ هو بمعنى منسوب إلى الفرس أو صفة لفارسي ورامح صفة ثانية لفتى والسراويل يذكر ويؤنث كما في العباب وجر بالفتحة لأنه غير منصرف قال الشارح المحقق واختلف في تعليله فعند س وتبعه أبو علي أنه اسم أعجمي مفرد أعرب كما أعرب الآجر ولكنه أشبه من كلامهم ما لا ينصرف قطعا نحو قناديل فحمل على ما شابهه فمنع الصرف
____________________
1- ( البسيط )

أقول الذي رأيته في تذكره أبي على مخالفة س فإنه بعد أن نقل كلام س قال سراويل وإن كان واحدا فهو على مثال الجمع الذي لا يكون واحد على مثاله فأنت ما لم تسم به فهو منصرف كآجر الذي ليس في الواحد ولا غيره على مثاله فإذا سميت به صار مثل شراحبل 1 هـ وكأن أبا علي فهم من قول س أنه أعجمي كما أعرب الآجر أنه يريد يصرف كما يصرف الآجر وليس كذلك بل مراده أنه معرب لا مبني كما أن الآجر معرب بدليل قول س بعده إلا أن سراويل أشبه من كلامهم ما لا ينصرف في نكرة ولا معرفة و أبو هلال العسكري هو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى ابن مهران اللغوي العسكري وكان تلميذ أبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري وافق اسمه اسم شيخه واسم أبيه اسم أبيه وهو عسكري أيضا فربما اشتبه ذكره بذكره إذا قيل الحسن بن عبد الله العسكري وقد ترجمنا أبا أحمد العسكري في الشاهد الثامن والعشرين قال أبو طاهر السلفي سألت الرئيس أبا المظفر الأبيوردي بهمذان عنه فأثنى عليه ووصفه بالعلم والعفة معا قال كان يبزز احترازا من الطمع والدناءة والتبذل وكان الغالب عليه الأدب والشعر وله كتاب في اللغة سماه التلخيص وهو كتاب مفيد وكتاب صناعتي النظم والنثر وهو أيضا كتاب مفيد جدا قال ياقوت في معجم الأدباء وذكر غيره أن أبا هلال كان ابن أخت أبي أحمد وله من الكتب بعد ما ذكره السلفي كتاب جمهرة الأمثال كتاب معاني الأدب كتاب أعلام المعاني في معاني الشعر كتاب شرح الحماسة كتاب الأوائل كتاب الفرق بين المعاني كتاب نوادر الواحد والجمع كتاب من احتكم من الخلفاء إلى القضاة كتاب التبصرة وهو كتاب مفيد كتاب الدرهم والدينار كتاب العمدة كتاب فضل الغنى
____________________

على العسر كتاب ما تلحن فيه الخاصة كتاب المحاسن في تفسير القرآن خمس مجلدات وكتاب ديوان شعره قال ياقوت وأما وفاته فلم يبلغني فيها شيء غير أني وجدت في آخر كتاب الأوائل من تصنيفه وفرغنا من إملاء هذا الكتاب يوم الأربعاء لعشر خلت من شعبان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة هذا ما ذكره ياقوت وله عندي كتاب الفروق في اللغة وكتاب ديوان المعاني وهما دالان على غزارة علمه ومن شعره (1) ( إذا كان مالي مال من يلقط العجم ** وحالي فيكم حال من حاك أو حجم ) ( فأين انتفاعي بالاصالة والحجا ** وما ربحت كفي على العلم والحكم ) ( ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي ** ولا يلعن القرطاس والحبر والقلم ) وله أيضا (1) ( جلوسي في سوق أبيع وأشتري ** دليل على أن الأنام قرود ) ( ولا خير في قوم يذل كرامهم ** ويعظم فيهم نذلهم ويسود ) ( ويهجوهم عني رثاثة كسوتي ** هجاء قبيحا ما عليه مزيد ) وأما تميم صاحب الشاهد فهو ابن أبي بن مقبل وأبي بالتصغير وتشديد الياء ابن عوف بن حنيف بن قتيبة بن العجلان بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وكان يبكي أهل الجاهلية وبلغ مائة وعشرين سنة وكان يهاجي النجاشي الشاعر فهجاه النجاشي فاستعدى عليه عمر رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين هجاني فقال عمر يا نجاشي ما قلت قال يا أمير المؤمنين قلت ما لا أرى فيه عليه بأسا وأنشده (1)
____________________
1- ( الطويل )

( إذا الله جازى أهل لؤم بذلة ** فجازى بني العجلان رهط ابن مقبل ) فقال عمر إن كان مظلوما استجيب له وإن لم يكن مظلوما لم يستجب له . قالوا وقد قال أيضا (1) ( قبيلته لا يغدرون بذمة ** ولا يظلمون الناس حبة خردل ) فقال عمر ليت آل الخطاب كذلك قالوا فإنه قال ( ولا يردون الماء إلا عشية ** إذا صدر الوراد عن كل منهل ) فقال عمر ذلك أقل للزحام قالوا فإنه قال ( تعاف الكلاب الضاريات لحومهم ** وتأكل من كعب بن عوف ونهشل ) فقال عمر يكفي ضياعا من تأكل الكلاب لحمه قالوا فإنه قال ( وما سمي العجلان إلا لقولهم ** خذ القعب وأحلب أيها العبد واعجل ) فقال عمر كلتا عبد وخير القوم خادمهم قال تميم فسله يا أمير المؤمنين عن قوله ( أولئك إخوان اللعين وأسرة الهجين ** ورهط الواهن المتذلل ) فقال عمر أما هذا فلا أعذرك عليه فحبسه وقيل جلده قال صاحب زهر الآداب كان بنو العجلان يفخرون بهذا الاسم إذ كان عبد الله بن كعب جدهم إنما سمي العجلان لتعجيله القرى للضيفان وذلك أن حيا من طيئ نزلوا به فبعث إليهم بقراهم عبدأ له وقال له أعجل عليهم ففعل العبد فأعتقه لعجلته فقال القوم ما ينبغي أن يسمى إلا العجلان فسمي بذلك فكان شرفا لهم حتى قال النجاشي هذا الشعر فصار الرجل إذا سئل عن نسبه قال كعبي ويرغب عن العجلان
____________________
1- ( الطويل )

قال وزعمت الرواة أن بني العجلان استعدوا على النجاشي وذكر هذه الحكاية * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والثلاثون (1) ( عليه من اللؤم سروالة ** فليس يرق لمستعطف ) على أن السراويل عند المبرد عربي وهو جمع سروالة والسروالة قطعة خرقة أقول هذا البيت قيل مصنوع وقيل قائلة مجهول والذي أثبته قال إن سروالة واحدة السراويل وكيف تكون سروالة بمعنى قطعة خرقة مع الحكم بأنها واحدة السراويل هذا لا يكون وقال السيرافي سروالة لغة في السراويل إذ ليس مراد الشاعر عليه من اللؤم قطعة من جزء السراويل وسروالة في البيت مبتدأ مؤخر وعليه خبر مقدم وقوله من اللؤم كان في الأصل صفة لسروالة فلما قدم عليه صار حالا منه هذا هو المقرر وقال العيني ومن اللؤم صفة لسروالة فيكون محلها الرفع وهذا خطأ واللؤم بالهمز شح النفس ودناءة الآباء وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والثلاثون + ( الرجز ) + ( جاء الشتاء وقميصي أخلاق ** شراذم يعجب منه التواق )
____________________
1- ( المتقارب )

على أن شراذم لفظة جمع بالاتفاق \ أقول نسب أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات هذا البيت إلى بعض الأعراب وقال الأخلاق والأرمام والأرماث لا تكون إلا في الخلقان وقال إنما نعت الواحد بالجمع لكثرته فيه كما قالوا برمة أعشار إذا انكسرت اريد أن كسرها كثير وفي العباب وقد خلق الثوب بالضم خلوقة أي بلي وثوب أخلاق إذا كانت الخلوقة فيه كله كما قالوا برمة أعشار وأرض سباسب وفي الزاهر لابن الأنباري وقال الفراء من العرب من يقول قميص أخلاق وجبة أخلاق فيصف الواحد بالجمع لأن الخلوقة في الثوب تتسع فيسمى كل موضع منها خلقا ثم يجمع على هذا المعنى ومن قال جبة خلق قالوا في التثنية جبتان خلقان وفي الجمع جباب أخلاق والشراذم بالشين والذال المعجمتين جمع شرذمة بكسر الأول والثالث قال في الصحاح الشرذمة الطائفة من الناس والقطعة من الشيء وثوب شراذم أي قطع والتواق بفتح التاء المثناة الفوقية وتشديد الواو اسم ابن الشاعر قاله الفراء وغيره وأصله مبالغة تائق من تاقت نفسه إلى الشيء بمعنى اشتاقت قال الشاعر (1) ( المرء تواق إلى ما لم ينل ** ) وقال صاحب العباب وروى النواق بالنون وقال في نوق والنواق من الرجال الذي يرود الأمور ويصلحها وعلى هذا فيجوز أن يراد به أيضا الرفاء ونحوه وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والثلاثون وهو من شواهد س + ( الطويل ) +
____________________
1- ( الرجز )

( ولو كان عبد الله مولى هجوته ** ولكن عبد الله مولى مواليا ) على أن بعض العرب يجر نحو جوار بالفتحة فيقول مررت بجواري كما قال الفرزدق مولى موالي بإضافة موالي إلى مولى والألف للإطلاق وجمهور العرب يقول مررت بجوار ومولى موال بحذف الياء والتنوين في الجر والرفع وأما في النصب عندهما فلا تحذف الياء بل تظهر الفتحة عليها نحو رأيت جواري والمراد بجوار ما كان جمعا على هذا الوزن معتل اللام وهذا خلاف ما قاله س قال الأعلم في شرح أبياته الشاهد في إجرائة موالي على الأصل ضرورة وكان الوجه موال كجوار ونحوه من الجمع المنقوص فاضطر إلى الإتمام والإجراء على الأصل كراهة للزحاف 1 هـ وكذا قال صاحب الصحاح قال وإنما قال مواليا لأنه رده إلى أصله للضرورة وإنما لم ينون لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف وصاحب اللباب وغيره جعله قولا للنحويين لا لغة لبعض العرب وقال ونحو جوار حكمه حكم قاض رفعا وجرا على الأعرف وحكم ضوارب نصبا وقيل نصبا وجرا وبهذا سقط اعتراض ابن ابي إسحاق على الفرزدق في قوله ( ولو كان عبد الله مولى هجوته البيت ** ) والمولى الحليف هو الذي يقال له مولى الموالاة والحليف المعاهد يقال منه تحالفا إذا تعاهدا وتعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية وبينهما حلف وحلفة بالكسر فيهما اي عهد والرجل إذا كان ذليلا يوالي قبيلة وينضم إليها ليعتز بهم وإذا والى مولى كان أذل ذليل وكذلك القبيلة توالي وأراد بالموالي الحضرميين وكانوا موالي بني عبد شمس ابن عبد مناف يقول لو كان عبد الله ذليلا لهجوته ولكنه أذل من الذليل لأنه حليف الحضرميين وهم حلفاء بني عبد شمس وهذا مبالغة في الهجو والحضرمي منسوب إلى حضرموت وحضرموت بلد وقبيلة والصواب في رواية البيت ( لو كان عبد الله مولى هجوته ** )
____________________

بحذف الواو وجعل البيت مخروما فإنه بيت واحد ولم يتقدمه شيء حتى تكون الواو عاطفة وعبد الله هو عبد الله بن أبي إسحاق الزيادي الحضرمي قال الواحدي في كتاب الأغراب في علم الإعراب كان عبد الله من تلامذة عنبسة بن معدان وهو من تلامذة أبي الأسود الدؤلي واضع النحو وليس في أصحاب عنبسة مثل عبد الله واسمه ميمون الأقرن وهو الذي كان يرد على الفرزدق قوله (1) ( وعض زمان يا ابن مروان لم يجع ** من المال إلا مسحتا أو مجلف ) فهجاه الفرزدق بقوله ( فلو كان عبد الله مولى هجوته البيت ** ) وكان يقال عبد الله أعلم أهل البصرة وأعقلهم وفرع النحو وقاسه وكان أبو عمرو بن العلاء قد أخذ عنه النحو ومن أصحاب عبد الله الذين أخذوا عنه النحو عيسى بن عمر الثقفي ويونس بن حبيب وأبو الخطاب الأخفش 1 هـ وقال أبو بكر محمد بن عبد الملك بن السراج المعروف بالتاريخي في تاريخ النحاة وتوفي عبد الله هذا سنة سبع عشرة ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة وصلى عليه بلال بن أبي بردة واعلم أنهم قد ذكروا في سبب هجو الفرزدق لعبد الله أن عبد الله لحنه في قوله إلا مسحتا أو مجلف فإنه عطف المرفوع على المنصوب كما نقله الواحدي
____________________
1- ( الطويل )

وغيره وسيأتي إن شاء الله شرح هذا البيت مستوفى في باب العطف فلما بلغ الفرزدق تلحين عبد الله إياه هجاه بهذا البيت فلما بلغ هجو الفرزدق لعبد الله قال قولوا للفرزدق لحنت في هذا البيت أيضا حيث حركت موالي في الخفض هكذا رووا هذه الحكاية والذي رأيته في تاريخ النحاة للتاريخي المذكور آنفا قال حدثني ابن الفهم عن محمد بن سلام قال أخبرنا يونس أن ابن أبي إسحاق قال للفرزدق في مديحة يزيد بن عبد الملك بن مروان ( مستقلين شمال الشام تضربنا ** على زواحف تزجى مخها رير ) فقال له ابن أبي إسحاق أسأت موضعها رفع وإن رفعت أقويت وألح الناس على الفرزدق في ذلك فقلبها فقال ( على زواحف نزجيها محاسير ** ) ثم ترك الرواة هذا ورجعوا إلى القول الأول قال يونس وهذا جيد فلما أكثر ابن أبي إسحاق على الفرزدق هجاه فقال ( لو كان عبد الله مولى هجوته البيت ** ) وقد حكى مثل حكاية التاريخي أبو القاسم على بن حمزة البصري اللغوي في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة قال وقد حكى أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي في إسناد ذكره في أخبار الفرزدق أن عبد الله بن أبي إسحاق النحوي قال إن الفرزدق لحن في قوله ( على زواحف تزجى مخها رير ** ) وإن ذلك بلغ الفرزدق فقال أما وجد هذا المنتفخ الخصيين لبيتي مخرجا في العربية أما إني لو أشاء لقلت ( على زواحف نزجيها محاسير ** ) ولكنني والله لا أقوله ثم قال ( فلو كان عبد الله مولى هجوته البيت ** )
____________________

فبلغ ذلك عبد الله فقال عذره شر من ذنبه والخفض في رير جيد وتقديره على زواحف رير مخها تزجى 1 هـ كلامه وهذا البيت مركب من بيتين وهما (1) ( مستقبلين شمال الشام تضربنا ** بحاصب كنديف القطن منثور ) ( على عمائمنا يلقى وأرحلنا ** على زواحف نزجيها محاسير ) و الشمال هي الريح المعروفة وهي مفعولة وجملة تضربنا حال منها والحاصب بمهملتين الريح التي تثير الحصباء والزواحف جمع زاحفة بالزاي المعجمة والحاء المهملة وهي الإبل التي أعيت فجرت فراسنها يقال زحف البعير إذا أعيا فجر فرسنة أي خفة ونزجيها نسوقها والإزجاء السوق ومحاسير جمع محسور من حسرت البعير حسرا إذا أتعبته فهو حسير أيضا ويقال أحسرته بالألف أيضا ويكون لازما أيضا يقال حسر البعير يحسر حسورا إذا أعيا والرير على ما في الرواية الأخرى هو بإهمال الراءين قال الفراء مخ رير بفتح الراء وكسرها ورار أيضا أي فاسد ذائب من الهزال ومن الأمثال أسمح من مخة الرير قال الزمخشري في أمثاله الرير والرار المخ الذي قد ذاب في العظم حتى كأنه ماء وسماحه ذوبه وجريانه وترجمة الفرزدق ذكرت في الشاهد الثلاثين ( تتمة ) قد تكلم ابن جني في شرح تصريف أبي عثمان المازني المسمى بالتصريف الملوكي بتفصيل جيد في الكلام على تنوين جوار أحببت أن أذكره هنا قال فأما جوار وغواش ونحوهما فللسائل أن يقول لم صرف هذا الوزن وبعد
____________________
1- ( البسيط )

ألفه حرفان وقد قال أبو إسحاق الزجاج في هذا ما أذكره لك وهو انه ذهب إلى أن التنوين إنما دخل في هذا الوزن لأنه عوض من ذهاب حركة الياء فلما جاء التنوين وهو ساكن والياء قبله ساكنه التقى ساكنان فحذفت الياء فقيل هؤلاء جوار قيل هذا قاض ومررت بقاض يريد أن أصله هؤلاء جواري ثم أسكنت الياء استثقالا للضمة عليها فبقيت جواري ثم عوض من الحركة التنوين فالتقى ساكنان فوجب حذف الياء إلا ترى أن الحركة لما ثبتت في موضع النصب في قولك رايت جواري لم يؤت بالتنوين لأنه إنما كان يجيء عوضا من الحركة فإذا كانت الحركة ثابتة لم يلزم أن يعوض منها شيء وأنكر أبو علي هذا القول على أبي إسحاق وقال ليس التنوين عوضا من حركة الياء وقال لأنه لوكان كذلك لوجب أن يعوض التنوين من حركة الياء في يرمي ألا ترى أن أصله يرمي بوزن يضرب فكما لم نرهم عوضوا من حركة هذه الياء كذلك لا يجوز أن يكون التنوين في جوار عوضا من ذهاب حركة الياء فإن انتصر منتصر لأبي إسحاق فقال إلزام أبي علي إياه لا يلزمه لأن له أن يقول إن جوار ونحوه اسم والتنوين بابه الأسماء ويرمى فعل والتنوين لا مدخل له فيه فلذلك لم يلزم أن يعوض من حركته قيل له ومثال مفاعل أيضا لا يدخله التنوين فإن قال مفاعل اسم والأسم مما يصح فيه التنوين قيل له لو كان الأمر كذلك لوجب ان يعوض من حركة الألف في حبلى ونحوها تنوينا فإن قال لو عوض لدخل التنوين ما لا ينصرف على وجه من الوجوه قيل وكذلك مثال مفاعل لا ينصرف معرفة ولا نكرة فإن قال مفاعل قد ينصرف في بعض المواضع في ضرورة الشعر وحبلى وبابها لم يصرف قط لضرورة قيل إنما لم يصرفوا حبلى للضرورة لأن التنوين كان يذهب الألف من اللفظ فيحصل على ساكن هو التنوين وقد كانت الألف قبله ساكنة فلا يزدادون أكثر مما كان قبل الصرف فتركوا الصرف في نحو حبلى لذلك ألا ترى أنهم يصرفون نحو حمراء فيقولون مررت بحمراء للضرورة لأنهم قد أزدادوا حرفا يقوم به وزن البيت وهمزة حمراء كألف سكرى وحبلى
____________________

والقول في هذا ما ذهب إليه الخليل وسيبويه من أن الياء حذفت حذفا لا لالتقاء الساكنين فلما حذفت إلياء صار في التقدير جوار بوزن جناح فلما نقص عن وزن فواعل دخله التنوين كما يدخل جناحا فدل على أن التنوين إنما دخله لما نقص عن وزن ضوارب ولذا إذا تم الوزن في النصب وظهرت الياء امتنع التنوين أن يدخل لأنه قد تم في وزن ضوارب فالتنوين على هذا معاقب للياء لا للحركة إذ لو كان معاقبا للحركة لوجب ان يدخل في يرمي لأن الحركة قد حذفت من الياء في موضع الرفع وشيء آخر يدل عندي على أن التنوين ليس بدلا من الحركة وذلك أن الياء في جوار قد عاقبت الحركة في الرفع والجر في الغالب وإذا كان كذلك فقد صارت الياء لمعاقبتها الحركة تجري مجراها فكما لا يجوز أن يعوض من الحركة وهي ثابتة كذلك لا يجوز أن يعوض منها وفي الكلمة ما هو معاقب لها وجار مجراها وقد دللت في هذا الكتاب على أن الحركة قد تعاقب الحرف وتقوم مقامه في كثير من كلام العرب فإن قال قائل فلم ذهب الخليل وسيبويه إلى أن الياء قد حذفت حذفا حتى أنه لما نقص وزن الكلمة عن بناء فواعل دخلها التنوين قيل لأن الياء قد حذفت في مواضع لا تبلغ أن تكون في الثقل مثل هذا كقوله تعالى ! ( الكبير المتعال ) ! ويوم يدع الداع ) ويوم التناد ) وقال الشاعر (1) ( وأخو الغوان متى يشب يصرمنه )
____________________
1- ( الكامل )

وقال آخر (1) ( دوامي الأيد يخبطن السريحا ) فاكتفى في جميع هذا بالكسرة من الياء وهو كثير جدا فلما كان الاكتفاء بالكسرة جائزا مستحسنا في هذه الأسماء الآحاد والآحاد أخف من الجموع كان باب جوار جديرا بأن يلزم الحذف لثقله ألا ترى أنه جمع وهو مع ذلك الجمع الأكبر الذي تنتهي إليه الجموع فلما اجتمع فيه ذلك وكانوا قد حذفوا الياء مما هو أخف منه ألزموه الحذف البتة حتى لم يجز غيره وقد حذفت الياء من الفعل أيضا في موضع الرفع حذفا كالمطرد كقوله تعالى ! ( ما كنا نبغ ) ! ! ( والليل إذا يسر ) ! وهو كثير فهذا يدلك على اطراد حذف الياء فإن قال قائل الفعل أثقل من الاسم فكيف ألزم باب جوار الحذف ولم يلزموه الفعل قيل له لم يلزم في الفعل لأن الياء قد تحذف للجزم حذفا مطردا فلو ألزموها الحذف في موضع الرفع أيضا لالتبس الرفع بالجزم وأجازوا الحذف في بعض المواضع استخفافا فإن قيل هلا فصلت بين الرفع والجر أيضا في جوار كما فصلت بين الرفع والجزم قيل له الضمة والكسرة وإن اختلفتا في الصورة فقد أتفقتا في أن كل واحدة منهما حركة وأنهما كلتيهما مستثقلتان في الياء فكذلك لم يفصلوا بينهما في باب جوار واعتمدوا على ما يصحب الكلام من أوله إلى آخره وليس
____________________
1- ( الوافر )

كذلك في الرفع والجزم لأنهما لم يتفقا في حال كما اتفقت الضمة والكسر فافهم وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والثلاثون وهو من شواهد س (1) ( سماء الإله فوق سبع سمائيا ) وصدره ( له ما رأت عين البصير وفوقه ) أنشده لما تقدم في البيت قبله قال أبو جعفر النحاس في شرح شواهد س نقلا عن الأخفش ومثله ابن جني في شرح تصريف المازني واللفظ له قال قد خرج هذا الشاعر عما عليه الاستعمال من ثلاثة أوجه أحدها أنه جمع سماء على فعائل فشبهها بشمال وشمائل والجمع المعروف فيها إنما هو سمي على فعول ونظيره عناق وعنوق ألا ترى أن سماء مؤنثة كما أن عناقا كذلك والثاني أنه أقر الهمزة العارضة في الجمع مع أن اللام معتلة وهذا غير معروف ألا ترى أن ما تعرض الهمزة في جمعه ولامه واو أو ياء أو همزة فالهمزة العارضة فيه مغيرة مبدلة نحو خطيئة وخطايا ومطية ومطايا ولم يقولوا خطائي ولا مطائي والثالث أنه أجرى الياء في سمائي مجرى الباء في ضوارب ففتحها في موضع الجر والمعروف عندهم أن تقول هؤلاء جوار ومررت بجوار فتحذف الياء وتدخل التنوين وللنحويين في ذلك احتجاج لما يذهبون إليه من أن أصل مطايا مطائي ألا ترى أن الشاعر لما اضطر جاء به على أصله فقال سمائيا كما أنه لما اضطر إلى إظهار أصل ضن
____________________
1- ( الطويل )

قال (1) ( أني أجود لأقوام وإن ضنوا ) وكما قال الآخر + ( الطويل ) + ( صددت فأطولت الصدود ) * يريد أطلت فهذه الأشياء الشاذة فيها حجج في أن يقولوا إن أصل هذا كذا وكذلك ما حكى عنهم من أنهم يقولون غفر الله له خطائئه بوزن خطاععة فيه دلالة على ان أصل رزايا رزائي بوزن رزاعع ألا ترى أن رزيئة كخطيئة فلابد لهم في جميع ما يدعونه
____________________
1- ( البسيط )

وهذا كله من الأصول لابن السيرافي إلا أن ابن جني بسط ما أجملة لابن السراج وهذا البيت من قصيدة طويلة لأمية بن أبي الصلت مطلعها (1) ( ألا كل شيء هالك غير ربنا ** ولله ميراث الذي كان فانيا ) ( ولي له من دون كل ولاية ** إذا شاء لم يمسوا جميعا مواليا ) ( وإن يك شيء خالدا ومعمرا ** تأمل تجد من فوقه الله باقيا ) ( له ما رأت عين البصير وفوقه ** سماء الإله فوق سبع سمائيا ) وهذه قصيدة عظيمة تشتمل على توحيد الله وقصص بعض الأنبياء كنوح ويوسف وموسى وداود وسليمان عليهم السلام ويعجبني منها قوله ( ألا لن يفوت المرء رحمه ربه ** ولو كان تحت الأرض سبعين واديا ) ( يعالى وتدركه من الله رحمة ** ويضحي ثناه في البرية زاكيا ) وقوله في آخرها ( وأنت الذي من فضل سيب ونعمة ** بعثت إلى موسى رسولا مناديا ) ( فقال أعني يابن أمي فإنني ** كثير به يا رب صل لي جناحيا ) ( وقلت لهارون اذهبا فتظاهرا ** على المرء فرعون الذي كان طاغيا ) ( وقولا له أأنت سويت هذه ** بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا ) ( وقولا له أأنت رفعت هذه ** بلا عمد أرفق إذا بك بانيا ) ( وقولا له أأنت سويت وسطها ** منيرا إذا ما جنه الليل ساريا ) ( وقولا له من أخرج الشمس بكرة ** فاصبح ما مست من الأرض ضاحيا ) ( وقولا له من أنبت الحب في الثرى ** فأصبح منه البقل يهتز رابيا ) ( فاصبح منه حبه في رؤوسه ** ففي ذاك آيات لمن كان واعيا ) وقوله ولي له من دون كل ولاية ألخ هو خبر مبتدأ محذوف أي ربنا ولي وهو فعيل بمعنى فاعل من وليه إذا قام به وكل من ولي أمر أحد فهو وليه
____________________
1- ( الطويل )

والضمير في له راجع لقوله الذي كان فانيا والولاية قال أبو عمرو هي بالكسر في العمل وبالفتح في الدين وقوله إذا شاء إلخ يقول إذا شاء أماتهم وفرقهم والموالي الورثة جمع مولى قال تعالى ! ( ولكل جعلنا موالي ) ! أي ورثة وقوله له ما رأت عين البصير إلخ له خبر مقدم وضميره لربنا وما موصولة مبتدأ مؤخر وتقديم الخبر للحصر أي الذي رأته الأعين ملك لربنا ليس لأحد شيء منه وضمير فوقه عائد ل ما الموصولة وسماء الإله أراد به العرش مبتدا وخبره الظرف قبله وقوله فوق سبع سمائيا حال من الضمير المستتر في فوقه ومن رفع سماه الإله بالظرف قبله كان فوق سبع سمائيا حالا من سماء الإله كذا في إيضاح الشعر لأبي علي قال ابن جني في الخصائص وكان أبو علي ينشدنا فوق ست سمائيا وكذا رأيته أنا قد أثبته في الإيضاح وكذلك رأيته أنا أيضا في ديوان أمية فيكون المراد بسماء الإله السماء السابعة وأمية هو أمية بن أبي الصلت واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي قال الأصمعي ذهب أمية في شعره بعامه ذكر الآخرة وعنترة بعامة ذكر الحرب وقد صدقه النبي & في بعض شعره وفي صحيح مسلم عن الرشيد بن سويد قال ردفت رسول الله & فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت فقال كاد ليسلم وفي رواية ليسلم في شعره وفي رواية آمن شعره وكفر قلبه
____________________

وفي الإصابة عن ابن عباس أن النبي & أنشد قول أمية (1) ( رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأخرى وليث مرصد ) فقال صدق وهذه صفة حملة العرش وفي شرح ديوانه لمحمد بن حبيب يقال أن حملة العرش ثمانية رجل وثور ونسر وأسد هذه أربعة وأربعة أخرى فأما اليوم فهم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدوا بأربعة أخرى فذلك قوله تعالى ! ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) ! كذلك بلغني والله أعلم ويقال إن الذي في صورة رجل هو الذي يشفع لبني آدم في أرزاقهم وأما الذي في صورة نسر فهو الذي يشفع للطير في أرزاقهم وبلغني أيضا أن لكل ملك منهم أربعة وجوة وجه رجل ووجه ثور ووجه أسد ووجه نسر 1 هـ وفي الأغاني بسنده لما أنشد النبي & قول أمية + ( البسيط ) + ( الحمد لله ممسانا ومصبحنا ** بالخير صبحنا ربي ومسانا ) ( رب الحنيفة لم تنفد خزائنها ** مملوءة طبق الافاق أشطانا ) ( ألا نبي لنا منا فيخبرنا ** ما بعد غايتنا من رأس مجرانا ) ( بينا يرببنا آباؤنا هلكوا ** وبينما نقتني الأولاد أبلانا ) ( وقد علمنا لو أن العلم ينفعنا ** أن سوف تلحق أخرانا بأولانا ) ( وقد عجبت وما بالموت من عجب ** ما بال أحيائنا يبكون موتانا )
____________________
1- ( الكامل )

إلى أن قال : ( يا رب لا تجعلني كافراً أبداً ** واجعل سريرة قلبي الدهر إيماناً ) ( واخلط به بنيتي واخلط به بشري ** واللحم والدم ما عمرت إنساناً ) ( إني أعوذ بمن حج الحجيج له ** والرافعون لدين الله أركاناً ) ( مسلمين إليه عند حجهم ** لم يبتغوا بثواب الله أثماناً ) فقال & : ' آمن شعره وكفر قلبه ' . وقال ابن قتيبة في ' طبقات الشعراء ' : ' وكان أمية يخبر أن نبياً يخرج ، قد أظل زمانه ، وكان يؤمل أن يكون ذلك النبي ؛ فلما بلغه خروج النبي & كفر به حسداً ' . ولما أنشد النبي & شعره قال : ' آمن لسانه وكفر قلبه ' . وأتى بألفاظ كثيرة لا تعرفها العرب ، وكان يأخذها من الكتب . منها قوله : ( الوافر ) ( بآية قام ينطق كل شيء ** وخان أمانة الديك الغراب ) وزعم أن الديك كان نديماً للغراب ، فرهنه على الخمر وغدر به وتركه عند الخمار ، فجعله الخمار حارساً . ومنها قوله : ( قمر وساهور يسل ويغمد ** ) وزعم أهل الكتاب أن ' الساهور ' غلاف القمر يدخل فيه إذا انكسف .
____________________

وقوله في الشمس (1) ( ليت بطالعة لهم في رسلها ** إلا معذبة وإلا تجلد ) وكان يسمى السماوات صاقورة وحاقورة وبرقع وعلماؤنا لا يرون شعره حجة على الكتاب ولما حضرته الوفاة قال + ( الخفيف ) + ( كل عيش وإن تطاول يوما ** صائر مرة إلى أن يزولا ) ( ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ** في رؤوس الجبال أرعى الوعولا ) قال شارح ديوانه في شرح بيت الشمس قال أبو عمرو قال أبو بكر الهذلي قلت لعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما أرأيت ما بلغنا عن النبي & أنه قال لأمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر قلبه فقال هو حق وما أنكرتم من ذلك قال قلنا أنكرنا قوله ( والشمس تصبح كل آخر ليلة ** حمراء يصبح لونها يتورد ) ( ليست بطالعة لهم في رسلها البيت ** ) فما شأن الشمس تجلد قال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك يقال لها أطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدوني من دون الله فيأتيها ملكان حتى تستقل لضياء العباد فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع على قرنيه فيحرقه الله تحتها وما غربت قط إلا خرت لله ساجدة فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن سجودها فتغرب على قرنية فيحرقه الله تحتها فذلك قول النبي & تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان
____________________
1- ( الكامل )

وفي الأغاني عن الزبير بن بكار قال حدثني عمي قال كان أمية في الجاهلية نظر الكتب وقرأها ولبس المسوح تعبدا وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية وحرم الخمر وتجنب الأوثان وصام والتمس الدين طمعا في النبوة لأنه كان قد قرأ في الكتب أن نبيا يبعث في الحجاز من العرب وكان يرجو أن يكون هو فلما بعث النبي & حسده وكان يحرض قريشا بعد وقعة بدر ويرثي من قتل فيها فمن ذلك قصيدته الحائية التي نهى النبي عن روايتها التي يقول فيها (1) ( ماذا ببدر والعقنقل من مرازبة جحاجح ) لأن رؤوس من قتل بها عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وهما ابنا خاله لأن أمة رقية بنت عبد شمس وفي الإصابة ذكر صاحب المرأة في ترجمته عن ابن هشام قال كان أمية آمن بالنبي & فقدم الحجاز ليأخذ ماله من الطائف ويهاجر فلما نزل بدرا قيل له إلى أين يا أبا عثمان فقال أريد أن أتبع محمدا فقيل له هل تدري ما في هذا القليب قال لا قال فيه شيبة وربيعة وفلان وفلان فجدع أنف ناقته وشق ثوبه وبكى وذهب إلى الطائف فمات بها ذكر ذلك في حوادث السنة الثامنة والمعروف أنه مات في التاسعة ولم يختلف أصحاب الأخبار أنه مات كافرا وصح أنه عاش حتى رثى أهل بدر وقيل إنه الذي نزل فيه قوله تعالى ! ( الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) ! وقيل إنه مات سنة تسع من الهجرة في الطائف كافرا قبل أن يسلم الثقفيون
____________________
1- ( مجزوء الكامل )

ورأيت في ديوانه قصيدة مدح بها النبي & أولها (1) ( لك الحمد والمن رب العباد ** أنت المليك وأنت الحكم ) إلى أن قال ( ودن دين ربك حتى التقى ** واجتنبن الهوى والضجم ) ( محمد أرسله بالهدى ** فعاش غنيا ولم يهتضم ) ( عطاء من الله أعطيته ** وخص به الله أهل الحرم ) ( وقد علموا أنه خيرهم ** وفي بيتهم ذي الندى والكرم ) ( يعيبون ما قال لما دعا ** وقد فرج الله إحدى البهم ) ( به وهو يدعو بصدق الحديدث ** غلى الله من قبل زيغ القدم ) ( أطيعوا الرسول عباد الإله ** تنجون من شر يوم ألم تنجون من ظلمات العذاب ومن حر نار على من ظلم ) ( دعانا النبي به خاتم ** فمن لم يجبه أسر الندم ) ( نبي هدى صادق طيب ** رحيم رؤوف يوصل الرحم ) ( به ختم الله من قبله ** ومن بعده من نبي ختم ) ( يموت كما مات من قد مضى ** يرد إلى الله باري النسم ) ( مع الأنبيا في جنان الخلود ** هم أهلها غير حل القسم ) ( وقدس فينا بحب الصلاة ** جميعا وعلم خط القلم ) ( كتابا من الله نقرا به ** فمن يعتديه فقد ما أثم ) ما زائدة وأثم فعل ماض ( تتمة ) تتبعت من اسمه أمية فوجدتهم خمسة أحدهم هذا والثاني أمية بن كعب المحاربي والثالث أمية بن خلف الخزاعي والرابع أمية بن أبي عائذ الهذلي والخامس أمية بن الأسكر الكناني ولم يذكر واحدا منهم الآمدي في كتابه المؤتلف والمختلف مع أن هذا من شرط كتابه
____________________
1- ( المتقارب )

ونترجم إن شاء الله من هؤلاء من يأتي له شعر في هذه الشواهد بعون الله تعالى وحسن توفيقه وأنشد بعده ( يفوقان مرداس في مجمع ** ) تقدم الكلام عليه مستوفى في الشاهد السابع عشر * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والثلاثون (1) ( كم دون مية من خرق ومن علم ** كأنه لامع عريان مسلوب ) على أن عريان جاء في ضرورة الشعر ممنوع الصرف تشبيها بباب سكران قد تقدم في الشاهد السابع عشر أن الكوفيين يجيزون ترك الصرف للضرورة في الأعلام وغيرها ومن جملة شواهدهم + ( الطويل ) + ( والسيف عريان أحمر ** ) وتقدم وكم هنا للتكثير ودون بمعنى قدام ومية اسم محبوبة ذي الرمة ولقبها الخرقاء كما تقدم بيانه في الشاهد الثامن وفي أكثر نسخ هذا الشرح بيشة بدل مية وهو موضع باليمن وهو مأسدة وفي كتاب النبات للدينوري بيشة واد عظيم من أودية نجد وهو تحريف من الكتاب والخرق بفتح المعجمة وسكون الراء المهملة وبالقاف هو الأرض الواسعة التي تتخرق فيها الرياح والعلم الجبل والمنار الذي يهتدى به في الطرق وجملة كأنه صفة للعلم والرابط ضمير كأنه شبهه برجل عريان سلب ثوبه فهو يشير
____________________
1- ( البسيط )

إلى القوم واللامع من لمع الرجل بيده إذا أشار والموصوف محذوف أي رجل لامع وهذا البيت من أبيات عشرة لذي الرمة وقبل هذا البيت (1) ( هيهات خرقاء إلا أن يقربها ** ذو العرش والشعشعانات الهراجيب ) يستبعد الوصول إليها لبعد ما بينهما إلا أن يقربها الله إليه والجمال والشعشعانة الناقة الخفيفة الطويلة والهراجيب جمع هرجاب وهي الناقة الطويلة الضخمة ثم بعد أن وصف الناقة في أبيات ثلاثة قال ( كم دون مية من خرق ومن علم ** ) البيت ( ومن ملمعة غبراء مظلمة ** ترابها بالشعاف الغبر معصوب ) هذا معطوف على قوله من خرق ومن علم والملمعة اسم فاعل وهي الفلاة التي يلمع فيها السراب ويقال لها اللماعة أيضا قال ابن أحمر + ( السريع ) + ( كم دون ليلى من تنوفية ** لماعة ينذر فيها النذر ) والسراب يقال له يلمع ويشبه به الكذوب والشعاف رؤوس الجبال والمعصوب الملفوف عليه كالعصابة وبعده وهو آخر الأبيات ( كأن حرباءها في كل هاجرة ** ذو شيبة من رجال الهند مصلوب )
____________________
1- ( البسيط )

الهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر والحرباء دويبة تستقبل الشمس على أغصان الشجر وتدور معها كيف دارت ويتلون ألوانا بحر الشمس يخضر كأنه شيخ هندي مصلوب على عود وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والثلاثون وهو من شواهد س (1) ( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى أضع العمامة تعرفوني ) على أن جلا غير منصرف عند عيسى بن عمر لأنه منقول من الفعل ولم يشترط غلبة الوزن بالفعل وأجاب عنه الشارح المحقق تبعا لغيره بوجهين الأول وهو جواب س أن العلم إنما هو الفعل مع ضميرة المستتر فهو جملة محكية وليس العلم هو الفعل بدون ضميره ويرد عليه أن جلا ليس اسما لأبي الشاعر ولا لقبا له كما يعلم من ترجمته الآتية وإنما ابن جلا في اللغة المنكشف الأمر كما قاله المبرد في الكامل وقال القالي في أمالية يقال هو ابن جلا أي المنكشف المشهور الأمر وأنشد الأصمعي
____________________
1- ( الوافر )

( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا إلخ ** ) قال وابن أجلى مثله وأنشد للعجاج ( لاقوا به الحجاج والإصحارا ** به ابن أجلى وافق الإسفارا ) قال ولم أسمع بابن أجلا إلا في بيت العجاج وقوله لاقوا به أي بذلك المكان وقوله والإصحارا أي وجدوا به ابن أجلى كما تقول لقيت به الأسد أي كأني لقيت بلقائي وقوله وافق الإسفارا أي واضحا مثل الصبح وقال ابن الأثير في المرصع ابن جلا وابن أجلى هو الرجل المعروف المشهور والأمر الواضح المكشوف وزعم بعضهم أن ابن جلا اسم رجل كان فاتكا صاحب غارات مشهورا بذلك وأنشد هذا البيت وقوله بعد هذا وهو في الأصل فعل ماض سمي به وإنما لم يصرف لأنه أراد به الحكاية فاسد لأنه ركب من القولين قولا وقال البلوي في كتاب ألف باء ابن جلا وابن أجلى هما بمعنى التجلي والأمر المنكشف وهو أول النهار وقال صاحب القاموس وابن جلا الواضح الأمر كابن أجلى وقال ابن الأنباري والقالي في المقصور والممدود لهما وقولهم أنا ابن جلا أنا ابن البارز الأمر أنا ابن من لا ينكر فهذا كله يدل على عدم اختصاصة بأحد بل يجوز لكل أحد أن يقول للتمدح أنا ابن جلا كما قال اللعين المنقري يهجو رؤبة بن العجاج (1) ( إني أنا ابن جلا إن كنت تعرفني ** يا رؤب والحية الصماء والجبل ) ( أبالأراجيز يا ابن اللوم توعدني ** وفي الأراجيز خلت اللوم والفشل ) وهذا البيت ينشده النحويون ( وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور ** )
____________________
1- ( البسيط )

والصواب ما ذكرناه فإن القصيدة لأمية إلا أن يكون من قصيدة أخرى رائية وقال الآخر ( أنا القلاخ بن جناب بن جلا ) قال العسكري في التصحيف جناب جد القلاح أنتسب إليه وابن جلا ليس بجد إنما أراد أنا أبن الأمر المكشوف مثل قول سحيم ( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا انتهى ** ) الثاني وهو جواب الزمخشري في المفصل أن جلا ليس بعلم وإنما هو فعل ماض مع ضميره صفة لموصوف محذوف وبهذا الوجه أورده الشارح في باب النعت وفي باب أفعال المدح والذم أيضا وضعفه في الأبواب الثلاثة بأن الجملة إذا كانت صفة لمحذوف فشرط موصوفها أن يكون بعضا من متقدم مجرور بمن أو في كما بين ويبقى وجه ثالث ذكره ابن الحاجب في أمالية وهو أن يكون جلا اسما لا فعلا وأن يكون بتقدير ذي أي أنا ابن ذي جلا والجلا هو انحسار الشعر عن مقدم الرأس أقول في القاموس وغيره الجلا بالقصر انحسار مقدم الرأس من الشعر أو نصف الرأس أو هو دون الصلع جلي كرضي جلا أنتهى وفي المقصور والممدود لابن الأنباري والقالي الجلا انحسار الشعر من مقدم الرأس من جانبي الجبهة مقصور يكتب بالألف لأنه يقال رجل أجلى وامرأة جلواء وعلى هذا الوجه لا يحتاج إلى تقدير ذي فإنه يقال فلان ابن كذا بمعنى أنه ملازم له كما يقال أخو حروب والصلع ونحوه أحد محايل الشجاعة وأماراتها وقيل من دلائل الكرم لأن العرب تقول الذي ولد أصلع يكون كريما بحسب الغالب والمراد من وضع العمامة إزالتها عن الرأس إما لأن الذي يعرفه إنما رآه مكشوف الرأس في الحروب لكثرة مباشرته إياها فإذا رأى العمامة جهلة وإما لأن
____________________

الذي يعرفه إنما رآه لابسا آلات الحرب وعلى رأسه البيضة لكثرة حروبه فينحي عمامته ويلبس البيضة وهذا محصل كلام ابن الحاجب في أمالية وعبارته قوله متى أضع العمامة تعرفوني إلخ إما أن يريد كثرة مباشرته الحروب فلا يراه الأكثر إلا بغير عمامة فقال متى أضع العمامة يعرفني الذي ما رآني إلا غير متعمم أو يريد أنني بكثرة مباشرتي الحروب ولباسي بيضة الحرب فمتى أضع العمامة وألبس آلة الحرب يعرفوني يعني إذا حاربت عرفت بإقدامي وشجاعتي انتهى والوجه هو الأول وقد لحظة ضياء الدين موسى بن ملهم الكاتب فأخذه وضمنه ببعض تغيير في الرشيد عمر الغوي وكان به داء الثعلب وهو من نوادر ما قيل في أقرع وقال (1) ( عجبت لمعشر غلطوا وغضوا ** من الشيخ الرشيد وأنكروه ) ( هو ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى يضع العمامة يعرفوه ) وقال أبو العباس أحمد اللمخي المالكي وتوفي في سنة 603 ثلاث وستمائة ( يسر بالعيد أقوام لهم سعة ** من الثراء وأما المقترون فلا ) ( هل سرني وثيابي فيه قوم سبا ** أو راقني وعلى رأسي به ابن جلا ) يعني بقوم سبا قوله تعالى ! ( مزقناهم كل ممزق ) ! وابن جلا ما له عمامة وقال ثعلب في أمالية في الكلام على هذا البيت والعمامة تلبس في الحروب وتوضع في السلم وهذا خلاف الواقع وضد معنى البيت وقال الكرماني شارح شواهد الموشح شرح الكافية الحاجبية للخبيصي قوله متى أضع العمامة يحتمل معنيين بحسب اختلاف التقديرين الأول أن يقدر على فيكون التقدير متى أضع العمامة على رأسي تعرفوني أني أهل للسيادة والإمارة
____________________
1- ( الوافر )

والثاني أن يقدر عن أي متى أضع العمامة على رأسي تعرفوا شجاعتي بواسطة صلع رأسي لأنه أحد مخايل الشجاعة هذا كلامه ولم يتعرض لمعنى وضع العمامة العيني ولا السيوطي ولا صاحب المعاهد في شروح شواهدهم وطلاع مبالغة طالع يقال طلعت الجبل طلوعا أي علوته يتعدى بنفسه وطلعت فيه رقيته قال ثعلب في أماليه من رفع طلاع الثنايا جعله مدحا لابن ومن خفضه جعله مدحا لجلا يعني أنه روي فيه الخفض والرفع والجيد عندي الرفع والثنايا جمع ثنية قال المبرد في الكامل هي الطريق في الجبل والطريق في الرمل يقال له الخل وإنما أراد به أنه جلد بطلع الثنايا في ارتفاعها وصعوبتها قال دريد بن الصمة يعني عبد الله أخاه (1) ( كميش الإزار خارج نصف ساقه ** بعيد من السوءات طلاع أنجد ) و النجد ما ارتفع من الأرض وقال ابن قتيبة في أبيات المعاني قوله طلاع الثنايا أي يطلع على الثنايا وهي ما علا من الأرض وغلظ ومثله قولهم طلاع أنجد وقال العيني والثنايا جمع ثنية وهي السن المشهورة وهذا غير لائق به
____________________
1- ( الطويل )

وهذا البيت مطلع قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي وليس هو للعرجي كما توهمه التفتازاني في المطول . وبعده ( وإن مكاننا من حميري ** مكان الليث من وسط العرين ) ( وإني لن يعود إلي قرني ** غداة الغب إلا في قرين ) ( بذي لبد يصد الركب عنه ** ولا تؤتى قرينته لحين ) ( غذرتث البزل إذ هي خاطرتني ** فما بالي وبال ابني لبون ) ( وماذا يبتغي الشعراء مني ** وقد جاوزت حد الأربعين ) ( أخو خمسين مجتمع أشدي ** ونجدني مداورة الشؤون ) ( فإن علالتي وجراء حولي ** لذو شق على الضرع الظنون ) ( كريم الخال من سلفي رياح ** كنصل السيف وضاح الجبين ) ( متى أحلل إلى قطن وزيد ** وسلمى تكثر الأصوات دوني ) ( وهمام متى احلل إليه ** محل الليث في عيص أمين ) ( ألف الجانبين به أسود ** منطقة بأصلاب الجفون ) ( وإن قناتنا مشظ شظاها ** شديد مدها عنق القرين ) روى صاحب المعاهد وغيره أن السبب في هذه الأبيات أن رجلا أتى الأبيرد الرياحي وابن عمه الأخوص وهما من ردف الملوك من بني رياح يطلب منهما هناء لإبله أي قطرانا فقالا له إذا أنت أبلغت سحيم بن وثيل الرياحي هذا الشعر أعطيناك فقال قولا فقالا أذهب وقل له ( فإن بداهتي وجراء حولي ** لذو شق على الحطم الحرون ) فلما أتاه وأنشده الشعر أخذ عصاه وانحدر في الوادي يقبل فيه ويدبر ويهمهم بالشعر ثم قال اذهب وقل لهما وأنشد هذه الأبيات قال فأتياه واعتذرا له
____________________

فقال إن أحدكما ليرى أنه صنع شيئا حتى يقيس شعره بشعرنا وحسبه بحسبنا ويستطيف بنا استطافة البعير الأرب انتهى وفي العمدة لابن رشيق أن الأحوص والأبيرد ابني المعذر وهما شاعران مفلقان وقال عبد الكريم الأبيرد ابن أخي الأحوص انتهى والردف بضمتين جمع ردف بكسر فسكون والردف هو الذي يجلس على يمين الملك فإذا شرب الملك شرب الردف قبل الناس وإذا غزا الملك قعد الردف في موضعه وكان خليفته على الناس حتى ينصرف وإذا عادت كتيبة الملك أخذ الردف ربع الغنيمة والبداهة بضم الموحدة أول جري الفرس والجراء بكسر الجيم مصدر جاراه مجاراة وجراء أي جرى معه والحول العام والشق بالكسر المشقة والحطم بفتح الحاء وكسر الطاء المهملتين الفرس الهرم قال في الصحاح الحطم المتكسر في نفسه ويقال للفرس إذا تهدم لطول عمره حطم ويقال حطمت الدابة بالكسر إذا أسنت وحطمته السن بالفتح حطما والحرون الفرس الذي لا يقاد وإذا اشتد به الجري وقف وهذا البيت تعريض لسحيم بأنه لا يبلغ غايتهما لكبره وعجزه والأزب بالزاي المعجمة والزبب هو طول الشعر ويقال بعير أزب ولا يكاد يكون الأزب إلا نفورا لأنه ينبت على حاجبيه شعرات فإذا ضربته الريح نفر وقول سحيم وإن مكاننا من حميري يأتي في نسبه أن حميريا أحد أجداده والليث الأسد والعرين بفتح المهملة الأجمة والغابة وفيها يكون
____________________

ماوى الأسد يريد أنه في بحبوحة النسب إلى حميري لا في أطرافه والقرن بكسر القاف الكفء في الشجاعة وقيل عام والغب بالكسر ورود الإبل الماء في اليوم الثاني وغداة الغب اليوم الذي يسوقون إبلهم فيه والقرين المقارن والمصاحب وفي بمعنى مع وقوله بذي لبد بدل من قوله في قرين وفاعل يصد ضمير ذي لبد وضمير عنه وقرينته للقرن وذو اللبد هو الأسد بكسر اللام وفتح الباء جمع لبده كقرب جمع قربة واللبدة هي الشعر المتلبد بين كتفي الأسد والقرينة النفس يقول إن قرني لا يقدر أن يقابلني من خوفه إلا مع رفيق كالأسد يقدر أن يدفع ركبا عنه حتى تسلم نفسه منى لحين من الأحيان وقوله عذرت البزل هو جمع بازل وهو البعير المسن وخاطرتني راهنتني من الخطر بالتحريك وهو الشيء الذي يتراهن عليه وقد أخطر المال جعله خطرا بين المتراهنين وخاطره على كذا راهنه وابن اللبون ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة يقول إذا راهنني الشيوخ على شيء عذرتهم لأنهم أقراني وأما الشبان فلا مناسبة بيني وبينهم وأراد بابني لبون الأبيرد وابن عمه فإنهما طلبا مجاراته في الشعر وقوله وماذا يبتغي الشعراء مني إلخ رواه الجوهري وماذا يدري الشعراء قال ادراه افتعله بمعنى ختله من درى الصيد إذا أختله واستشهد النحاة بهذا البيت على كسر نون الجمع وقوله أخو خمسين آي أنا أخو خمسين سنة واجتماع الأشد عبارة عن كمال القوى في البدن والعقل وقال صاحب العباب والرجل المجتمع الذي بلغ أشده واستوت لحيته ولا يقال ذلك للنساء وأنشد هذا البيت لسحيم وفيه نظر وقوله ونجذني بالذال المعجمة أي هذبني قال في الصحاح ورجل منجذ أي مجربي أحكمته الأمور وهو من الناجذ وهو آخر الأضراس
____________________

ويسمى ضرس الحلم بكسر الحاء لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل والمداورة مفاعله من دار يدور بمعنى المعالجة والمزاولة والشؤون الأمور والأحوال جمع شأن وقوله فإن علالتي إلخ العلالة بضم العين المهملة بقية جرى الفرس والضرع بفتح الضاد المعجمة والراء المهملة الضعيف وفي القاموس وضرع ككرم ضعف فهو ضرع محركة من قوم ضرع محركة أيضا ومهر ضرع محركة لم يقو على العدو والظنون بالمعجمة كصبور الرجل الضعيف والقليل الحيلة وهذا تعريض بأن فيهما ضعفا لا يقدران على مجاراته وإن كان شيخا وقوله كريم الخال أي أنا كريم الخال ورياح بكسر الراء المهملة وبالمثناة التحتية هو ابن يربوع وأبو قبيلة سحيم وأحلل أنزل وقطن وزيد هما خالاه وسلمى خالته وكثرة أصواتهم للترحيب والتهنئة وهمام هو عمه والعيص بكسر العين وبالصاد المهملتين الشجر الكثير المتف . وبين بهذين البيتين سلفيه من رياح والألف الموضع الملتف الكثير الأهل والمنطقة المحزمة بالمنطقة وهي الحزام يقال انتطق الرجل وتنطق شد وسطه بالمنطقة كمكنسة وهي ما ينتطق به والجفون جمع جفن بالفتح وهو قراب السيف وأراد بالجفون السيوف وبالأصلاب سيورها وقوله وإن قناتنا مشظ إلخ مشظ بفتح الميم وكسر الشين المعجمة وإعجام الظاء هو الذي يدخل في اليد من الشوك إذا مس . يقال مشظ من باب فرح مس الشوك أو الجذع فدخل في يده منه شيء والشظى بفتح الشين والظاء المعجمتين بمعنى الشظية وهي الفلقة والقطعة من الشيء والشديد من الشدة ومدها فاعل شديد وعنق القرين منصوب بمدها والقرين القرن المقاوم والبيت على طريق التشبيه يقول من تعرض لنا بسوء ناله مكروه يتأذى به كالذي يمس جلده قناة مشظة فيدخل في جلده من شظاها وهي مع ذلك صلبة من قرن بها مدت عنقه إليها ولم تنثن إليه كذا في شرح أبيات الإصلاح لابن السيرافي
____________________

وسحيم مصغر أسحم تصغير ترخيم من السحمة بالضم وهي السواد ابن وثيل بفتح الواو وكسر الثاء المثلثة وهو في اللغة كما في القاموس الليف والرشاء الضعيف والحبل من القنب والضعيف وفي الإصابة لابن حجر وتبعه السيوطي في شواهد المغنى أنه بالتصغير وهو غير منقول ابن أعيفر مصغر أعفر بالعين المهملة والفاء وهو الرمل الأحمر والأبيض وليس بالشديد البياض وأعيفر ابن أبي عمرو بن إهاب بكسر الهمزة ابن حميري بلفظ النسبة إلى حمير وهو أبو قبيلة من اليمن وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان قال ابن الكلبي في جمهرة الأنساب حميري بن رياح يقال فيه حمري أيضا أي بفتح الحاء وتشديد الميم وزعم الدماميني في الحاشية الهندية أن الياء في حميري زائدة أو للنسبة بتقدير من نسب حميري وهذا من عدم اطلاعه على نسب الشاعر وتقدم في شرح أول بيت من الشواهد أن حميريا أحد آباء ذي الخرق الطهوي أيضا وحميري بن رياح وتقدم ضبطه ورياح بن يربوع ويربوع اثنان أحدهما يربوع أبو حي من تميم وهو يربوع بن حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان والثاني أبو بطن من مرة وهو يربوع بن غيظ بن مرة ابن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ابن مضر بن نزار وسحيم بن وثيل يتصل نسبه بيربوع بن حنظلة كما قال ابن الكلبي في الجمهرة فمن بني حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة سحيم بن وثيل بن عمرو بن جوين بن أهيب بن حميري الشاعر القائل ( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا البيت ** ) وهو الذي نافر غالبا أبا الفرزدق في الإسلام انتهى
____________________

وليس في آباء سحيم من اسمه جلا وسحيم شاعر معروف في الجاهلية والإسلام عده الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام وقال سحيم بن وثيل شاعر خنذيذ شريف مشهور الذكر في الجاهلية والإسلام جيد الموضع في قومه وقال ابن دريد عاش سحيم في الجاهلية أربعين سنة وفي الإسلام ستين سنة فهو من الشعراء المخضرمين وله أخبار مع زياد ابن أبيه وهو الذي افتخر مع غالب بن صعصعة والد الفرزدق في نحر الإبل فبلغ عليا رضي الله فأفتى بحرمة ما نحره سحيم وستأتي إن شاء الله تعالى هذه القصة مشروحة في باب الاشتغال في قول جرير (1) ( تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ** بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا ) وله سميان من الشعراء أحدهما سحيم بن الأعرف وهو من بني الهجيم وكان في الدولة الأموية ولم يذكر أبن قتيبة في طبقات الشعراء غير هذا وأورد طرفا من شعره والثاني سحيم عبد بني الحسحاس وكان عبدا حبشيا وهو صاحب القصيدة التي أولها (1)
____________________
1- ( الطويل )

( عميرة ودع إن تجهزت غاديا ** كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ) وهو من شواهد مغني اللبيب وسنذكر إن شاء الله ترجمته بتوفيق الله تعالى في الشاهد الرابع والتسعين ولم يذكر الآمدي في كتابه المؤتلف والمختلف واحدا من هؤلاء الثلاثة مع أنه من شرط كتابه وقد حصل اللبس للعيني في باب المعرب والمبنى من اتفاق أسماء هؤلاء فزعم أن الأول هو الثالث فقال سحيم بن وثيل الرياحي كان عبدا حبشيا وكان عبد بني الحسحاس هذا فيما قاله الجوهري انتهى مع أن الجوهري لم يذكر لفظ سحيم في صحاحه وأغرب من هذا كله أنه أورد أبياتا قبل بيت أنا ابن جلا وأكثرها من قصيدة المثقب العبدي التي أولها (1) ( أفاطم قبل بينك متعيني ** ومنعك ما سألت كأن تبيني ) وفيها بيت لعلي بن بدال من بني سليم وهو (1)
____________________
1- ( الوافر )

( فلو أنا على حجر ذبحنا ** جرى الدميان بالخبر اليقين ) وهذا ثالث أبيات ثلاثة يأتي شرحها إن شاء الله في باب المثنى وفيها ثلاثة أبيات لسحيم بن وثيل من الأبيات التي شرحناها وهي قوله أنا ابن جلا البيت والثاني وماذا يبتغي الشعراء مني البيت والثالث أخو خمسين مجتمع أشدي البيت فما أورده مجموع من شعر شعراء ثلاثة وقال في باب ما لا ينصرف عند شرح بيت أنا ابن جلا قائله سحيم بن وثيل الرياحي وقيل المثقب العبدي وقيل أبو زبيد وقيل إنه من قصيدة سحيم التي أولها ( أفاطم قبل بينك متعيني ** ) ( تتمة ) المخضرم بالخاء والضاد المعجمتين على صيغة اسم المفعول ونقل السيوطي في شرح تقريب النووي عن بعض أهل اللغة كسر الراء أيضا قال صاحب القاموس هو الماضي نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام وقيل من أدركهما وهذان القولان يعمان الشاعر وغيره وقيل الشاعر الذي أدركهما وهذا هو المشهور وعليه اقتصر صاحب الصحاح ثم توسع حتى أطلق على من أدرك دولتين كرؤبة بن العجاج وحماد عجرد فإنهما أدركا دولة بني أمية ودولة بني العباس وقال السيوطي في شرح التقريب المخضرم في اصطلاح أهل الحديث هو الذي أدرك الجاهلية وزمن النبي & ولم يره وفي اصطلاح أهل اللغة هو الذي عاش نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام سواء أدرك الصحبة أم لا فبين الاصطلاحين عموم وخصوص من وجه فحكيم بن حزام مخضرم باصطلاح اللغة لا الحديث وبشر بن عمرو مخضرم باصطلاح الحديث لا اللغة انتهى وفي تعريفه اصطلاح اللغة نظر وتأمل
____________________

ثم قال والمراد بإدراك الجاهلية ما قبل البعثة كما قال النووي في شرح مسلم قال العراقي وفيه نظر والظاهر إدراك قومه أو غيرهم على الكفر قبل فتح مكة فإن العرب بعده بادروا إلى الإسلام وزال أمر الجاهلية وخطب & في الفتح بإبطال أمرها وقد ذكر مسلم في المخضرمين بشير بن عمرو وإنما ولد بعد الهجرة قال ابن رشيق في العمدة قال أبو الحسن الأخفش ماء خضرم كزبرج إذا تناهى في الكثرة والسعة فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مخضرما كأنه استوفى الأمرين قال ويقال أذن مخضرمة إذا كانت مقطوعة فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام وحكى ابن قتيبة عن عبد الرحمن عن عمه قال أسلم قوم في الجاهلية على إبل قطعوا آذانها فسمي كل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرما وزعم أنه لا يكون مخضرما حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي & وهذا عندي خطأ لأن النابغة الجعدي ولبيدا قد وقع عليهما هذا الاسم وحكى علي بن الحسن كراع يقال شاعر محضرم بحاء غير معجمة مأخوذ من الحضرمة وهي الخلط لأنه خلط الجاهلية والإسلام وحكى ابن خلكان مع الحاء المهملة كسر الراء أيضا وأعلم أن الشعراء أربع طبقات الأولى جاهلي قديم الثانية المخضرم الثالثة إسلامي الرابعة محدث وهم أربعة أقسام شاعر خنذيذ بالخاء والنون والذالين المعجمات على وزن إبريق وهو الذي يجمع إلى جيد شعره رواية الجيد من شعر غيره وشاعر مفلق وهو الذي لا رواية له إلا أنه مجود كالخنذيذ في شعره والمفلق معناه الذي يأتي في شعره بالفلق بالكسر وهو العجب وقيل هو اسم الداهية وشاعر فقط وهو الذي فوق الرديء بدرجة وشعرور وهو لا شيء وقيل بل هم
____________________

شاعر مفلق وشاعر مطلق وشويعر وشعرور \ وسمى الشاعر شاعرا لأنه يشعر لما لا يشعر له غيره فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى واختراعه واستطراف لفظ وابتداعه أو زيادة فيما أجحف به غيره من المعاني أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ وصرف معنى إلى وجه من وجه آخر كان اسم الشاعر عليه مجازا لا حقيقة * * * وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والثلاثون (1) ( نبئت أخوالي بني يزيد ** ظلما علينا لهم فديد ) على أن يزيد علم محكي لكونه سمي بالفعل مع ضميره المستتر من قولك المال يزيد ولو كان من قولك يزيد المال لوجب منعه من الصرف وكان هنا مجرورا بالفتحة ونبئت مجهول نبأ بالتشديد من النبأ وهو الخبر وقال الراغب النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة وحقه أن يتعرى عن الكذب كاتلواتر وخبر الله وخبر الرسول ولتضمن النبأ معنى الخبر يقال أنبأته بكذا أخبرته به ولتضمنه معنى العلم قيل أنبأته كذا كقولك علمته كذا قال السمين أنبأ ونبأ وأخبر وخبر متى تضمنت معنى أعلم تعدت لثلاثة مفاعيل وهو نهاية التعدي وأما أعلمته بكذا فلتضمنه معنى الإحاطة قيل ونبأته أبلغ من أنبأته ولذلك قال تعالى ! ( من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ) ! ولم يقل أنبأني لأنه من قبل الله تعالى
____________________
1- ( الرجز )

والمفعول الأول هنا ضمير المتكلم في نبئت والثاني أخوالي والثالث جملة لهم فديد وأصل المفعولين الأخيرين المبتدأ والخبر والفديد الصوت وهو مصدر فد يفد بالكسر أي أن أصواتهم تعلو علينا ولا يوقروننا في الخطاب ورجل فداد بالتشديد شديد الصوت وفي الحديث إن الجفاء والقسوة في الفدادين وهم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وبني يزيد هم تجار كانوا بمكة حرسها الله تعالى وإليهم تنسب البرود اليزيدية كما يأتي آنفا نعت لأخوالي أو بيان له أو بدل منه وقال ابن الحاجب في الإيضاح لا يحسن أن يكون بدلا لأن البدل هو المقصود بالذكر ولو جعلته بدلا لاحتاج إلى موصوف مقدر وهم الأخوال أو ما يقوم مقامهم ولا حاجة إلى هذا التقدير مع الاستغناء عنه فيتعين أن يكون صفة وقد يجوز البدل على قبحة انتهى وفيه نظر فإنه على تقدير كونه بدلا لا يحتاج إلى موصوف مقدر فإنه مذكور وهو أخوالي وليس معنى الإبدال أن يكون المبدل منه لغوا ساقطا عن الاعتبار كيف وقد يعود الضمير عليه في نحو قطع زيد إصبعه فلو كان في حكم الساقط بالكلية لجهل مرجع الضمير ولم يقل أحد إنه راجع إلى زيد مقدر مع وجوده وإنما المقصود بالذكر في بدل الكل المبدل منه والبدل جميعا كما حققه الشارح المحقق ويؤيده أنهم جعلوا الجن بدلا من شركاء في قوله تعالى ! ( وجعلوا لله شركاء الجن ) ! فلولا اعتبارهما ما كان معنى لقولنا وجعلوا لله الجن وقد تبع ابن الحاجب الزمخشري في هذا فإنه منع في كشافة أن يكون أن اعبدوا الله بدلا من ضمير به من قوله تعالى ! ( ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ) ! ظنا منه أن المبدل منه في قوة الساقط فتبقى الصلة بلا عائد ووهمه صاحب المغني بأن العائد موجود حسا فلا مانع وقد نقض ابن الحاجب ما عده قبيحا هنا بقوله في أمالية والأحسن أن يكون بني يزيد بدلا من أخوالي لأن البدل إنما يكون بالأسماء الموضوعة للذوات بخلاف ابن فإنه موضوع لذات باعتبار معنى هو المقصود وهو البنوة
____________________

قال الشارح المحقق الأغلب في البدل أن يكون جامدا بحيث لو حذف الأول لاستقل الثاني ولم يحتج إلى متبوع قبله في المعنى انتهى ولا يجوز أن يكون بني يزيد المفعول الثالث لأنه لم يرد الإخبار عن أخواله بأنهم بنو يزيد ولأن قوله لهم فديد يبقى غير مرتبط بما قبله وقوله ظلما عندي أنه تمييز محول عن المفعول أب نبئت ظلم أخوالي وقال ابن الحاجب في الإيضاح واختاره ابن هشام في شواهده وقد أجيز أن يكون ظلما مفعولا ثالثا يعني ظالمين أو ذوي ظلم ويكون ما بعده كالتفسير له ولا يخفي ما في هذا وقال في أمالية لا يجوز أن يكون حالا أي بالتأويل المذكور من أخوالي لأن المبتدأ لا يتقيد ولا من ضمير لهم لأنها لا تتقدم على عاملها المعنوي وفيه أنه حال من المفعول لا من المبتدأ لأنه انفسخ حكمه وقوله لأن المبتدأ لا يتقيد فيه مسامحة لأن الحال إنما هي قيد في عاملها لا في صاحبها ولما كان العامل في المبتدا الابتداء وهو ليس معنى فعليا ليصح تقييده امتنع مجيء الحال منه لذلك ومن جوزه كسيبويه لم يلتزم اتحاد العامل فيهما فجوز أن يكون العامل في المبتدأ الأبتداء وفي الحال منه الانتساب واعترض بأن الانتساب عامل ضعيف لا يتحقق إلا بتقدم الطرفين عليه وأجيب بأن قوه طلب المبتدأ لخبره جعلته في حكم المتقدم ولا يجوز أيضا أن يكون مفعولا لأجله كما اختاره العيني سواء كان علة لنبئت لأنه لم ينبأ لأجل ظلمهم أو للاستقرار لأنه تقدم على عامله المعنوي أو للفديد لأنه يلزم تقدم معمول المصدر عليه وقيل تمييز من لهم فديد أي يصيحون ظلما لا عدلا وفيه أن التمييز لا يتقدم على عامله وقيل هو مفعول مطلق عامله من لفظه محذوفا وقال العيني ويجوز أن يكون حالا بتقدير جملة أي في حال كونهم يظلمون علينا ظلما فحذفت الجملة التي وقعت حالا وأقيم المصدر مقامها ولا يخفى أن هذه الوجوه كلها ظاهر فيها التعسف وقوله علينا أما متعلق بظلما أو بقوله لهم ولا حاجة حينئذ إلى تضمين الفديد معنى الجور خلافا للعيني لأنه يتعدى
____________________

بعلى وقوله لهم خبر مقدم لقوله فديد وهو بإشباع ضمة الميم وإسكانها خطأ لأنه يؤدي إلى جعل كل مصراع من بحر وذلك لا يجوز كما بينه الدماميني في الحاشية الهندية وأعلم أن الرواية يزيد بالمثناة التحتية ورواه ابن يعيش بالمثناة الفوقية قال ابن الحاجب في الإيضاح ومن رواه بالفوقية فقد تنطع وتبجح بأنه قد علم أن في العرب تزيد بالتاء الفوقية وإليه تنسب البرود التزيديه وهو مردود من وجهين أحدهما أن الرواية هنا بالتحتية والثاني أن تزيد بالفوقية في كلامهم مفرد لا جملة قال (1) يعثرن في حد الظبات كأنما ** كسيت برود بني تزيد الأذرع ) فاستعماله كالجملة خطأ انتهى وفيما قاله أمران الأول قوله وإليه تنسب البرود التزيدية وإيراده البيت أعني كسيت برود بني تزيد الأذرع مأخوذ من الصحاح فإنه قال فيه وتزيد أي بالمثناة الفوقية وهو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وإليه تنسب البرود التزيديه قال علقمة + ( البيسط ) + ( رد القيان جمال الحي فاحتملوا ** فكلها بالتزيديات معكوم ) وهي برود فيها خطوط حمر يشبه بها طرائق الدم قال أبو ذؤيب ( يعثرن في حد الظبات كأنما ** كسيت برود بني تزيد الأذرع )
____________________
1- ( الكامل )

انتهى وفيه أمور الأول أنه قصر في تعديد من اسمه تزيد وهم على ما ذكره العسكري في التصحيف ثلاثة أحدهم تزيد قضاعة وهو ما ذكره والثاني تزيد الأنصار وهو تزيد بن جشم بن الخزرح بن حارثة منهم صاحب رسول الله & معاذ بن جبل رضي الله عنه والثالث تزيد تنوخ كانت الترك أغارت عليهم فأفنتهم فقال عمرو بن مالك التزيدي (1)
____________________
1- ( الوافر ) ( وليلتنا بآمد لم ننمها ** كليلتنا بميا فارقينا ) الثاني قوله تزيد بن حلوان بالضم وتبعه صاحب العباب والقاموس وغيرهما صوابه تزيد بن حيدان نبه عليه العسكري في التصحيف فيما تلحن فيه الخاصة الثالث قوله وإليه تنسب البرود التزيدية صوابه الهوادج التزيدية كما قال العسكري قال والبرود اليزيدية إنما هو بالمثناة التحتية منسوبة إلى بني يزيد بالتحتية وبنو يزيد تجار كانوا بمكة حرسها الله وهي برود حمر وأما قول أبي ذؤيب كسيت برود بني يزيد الأذرع فليس إلا يزيد بالياء تحتها نقطتان ومن قال في هذا البيت بني تزيد بالتاء فقد أخطأ وقد أدعى الجهمي النسابة على الأصمعي أنه صحف تزيد بالتاء منقوطة فوقها ولا أدري أصدق الجهمي أم كذب لأن الأصمعي ينكر في تفسير أشعار هذيل من يقول تزيد بتاء منقوطة فوقها انتهى كلام العسكري ورأيت في شرح أشعار هذيل للسكري في نسخة بخط أبي بكر القناوي وقد قرأها ابن فارس على ابن العميد وعليها خطهما قال في تفسير هذا هذ البيت العامة تقول بني تزيد أي بنقطتين من فوق ولم أسمعها هكذا ورأيت في شرحها أيضا للإمام المرزوقي في هذا البيت روى الأصمعي بني يزيد أي بالتحتية وقال ه

تجار كانوا بمكة وروى أبو عمر بني تزيد أي بالفوقية وقال هو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة واحتج ببيت علقمة ( فكلها بالتزيديات معكوم ** ) والظبة حد السهم والسيف ومعنى البيت أن الحمر تعثر والسهام فيها وأذرعها مما سالت من الدماء عليها كأنها كسيت برودا حمرا شبه طرائق الدم بطرائق البرود انتهى وفي العباب للصاغاني قال ابن حبيب تزيد بالمثناة فوق هو تزيد بن حلوان إلى آخر ما ذكره صاحب الصحاح وقال غير ابن حبيب يزيد بالمثناة من تحت وهم تجار كانوا بمكة وروى أبو عبيدة برود أبي يزيد وقال كان يبيع العصب بمكة وهو ضرب من البرود وصاحب القاموس قد أخل باختصاره حيث لم يقيد بالفوقية أو بالتحتية فإنه قال تزيد بن حلوان أبو قبيلة ومنه البرود التزيدية وبها خطوط حمر فلا يعلم هو بالتاء أم بالياء رأيت في معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري في الكلام على جزيرة العرب عندما ذكر تفرق كلمة العرب ووقوع الحروب بينهم وتشتتهم أن تزيد تنوخ هي تزيد قضاعة قال وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ورئيسهم عمرو بن مالك التزيدي فنزلوا عبقر من أرض الجزيرة فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي فهي التي يقال لها العبقرية وعملوا البرود وهي التي يقال لها التزيدية وأغارت عليهم الترك فأصابتهم وسبت منه فذلك قول عمرو بن مالك بن زهير (1) ( ألا لله ليل لم ننمه ** على ذات الحصاب مجنبينا ) ( وليلتنا بآمد لم ننمها ** كليلتنا بميا فارقينا ) وأقبل الحارث بن قراد البهراني ومضت بهراء حتى لحقت بالترك فهزموهم واستنقذوا ما بأيديهم من بني تزيد انتهى
____________________
1- ( الوافر )

الأمر الثاني في كلام ابن الحاجب أن قوله تزيد بالفوقية في كلامهم مفرد لا جملة إلخ أقول لا مانع من استعماله مفردا وجملة باعتبار نقله مع الضمير وبدونه كما استعمل يزيد بالوجهين مع الاعتبارين في قوله ( ليبك يزيد ضارع لخصومة ** ) فإنهم قالوا روي ليبك بالبناء للفاعل ويزيد مفعوله وهو منصوب بالفتحة وضارع فاعله وروي بالبناء للمفعول ويزيد نائب فاعل وأي فرق بينهما تأمل ( تتمة ) هذا البيت في غالب كتب النحو ولم أظفر بقائله ولم يعزه أحد لقائله غير العيني فإنه قال هو لرؤبة بن العجاج وقد تصفحت ديوانه فلم أجده فيه والله أعلم
____________________

أنشد فيه وهو الشاهد الأربعون (1) ( جزى ربه عني عدي بن حاتم ** جزاء الكلاب العاويات وقد فعل ) على أن الأخفش وابن جني قد أجازا اتصال ضمير المفعول به بالفاعل مع تقدم الفاعل لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به كاقتضائه للفاعل أقول وممن ذهب مذهبهما أبو عبد الله الطوال من الكوفيين وابن مالك في التسهيل وشرحه وأطال في الرد عليه الشاطبي في شرح الألفية ونصر الإمام عبد القاهر الجرجاني مذهب الأخفش في المسائل المشكلة قال الفناري في حاشية المطول وذهب بعضهم إلى عدم إخلال الإضمار قبل الذكر بالفصاحة مستندا بأن عبد القاهر قدوة في فن البلاغة وهو المرجع فيها وكلامه حجة مطلقا وقد بين ابن جني مذهبة في الخصائص فقال وأجمعوا على أن ليس بجائز ضرب غلامه زيدا لتقدم المضمر على مظهره لفظا ومعنى وقالوا في قول النابغة ( جزى ربه عني عدي بن حاتم ** ) إن الهاء عائدة على عدي خلافا على الجماعة فإن قيل الفاعل رتبته التقدم والمفعول رتبته التأخر فقد وقع كل منهما الموقع الذي هو أولى به فليس لك أن تعتقد في الفاعل إذا وقع مؤخرا أن موضعه التقديم فإذا وقع مقدما فقد أخذ
____________________
1- ( الطويل )

مأخذه وإذا كان كذلك فقد وقع المضمر قبل مظهره لفظا ومعنى وهذا ما لا يجوزه القياس قيل الأمر وإن كان ظاهرة ما تقوله فإن هنا طريقا آخر يسوغك غيره وذلك أن المفعول قد شاع وأطرد كثرة تقدمه على الفاعل حتى دعا ذاك أبا علي إلى أن قال إن تقديم المفعول على الفاعل فسم قائم برأسه كما أن تقديم الفاعل قسم أيضا قائم برأسه وإن كان تقديم الفاعل أكثر وقد جاء به الاستعمال مجيئا واسعا فلما كثر وشاع تقديم المفعول صار كأن الموضع له حتى إنه إذا أخر فموضعه التقديم فعلى ذلك كأنه قال جزى عدي بن حاتم ربه ثم قدم الفاعل على أنه قد قدره مقدما عليه مفعوله فجاز لذلك ولا تستنكر هذا الذي صورته لك فإنه مما تقبله هذه اللغة ألا ترى أن سيبوية أجاز في جر الوجه من قولك هذا الحسن الوجه أن يكون من موضعين أحدهما بإضافة الحسن إليه والآخر تشبيهه له بالضارب الرجل مع أنا نعلم أن الجر في الرجل إنما جاءه من تشبيههم إياه بالحسن الوجه لكن لما أطرد الجر في الضارب الرجل صار كأنه أصل في بابه حتى دعا ذاك سيبويه إلى أن عاد فشبه الحسن الوجه به وهذا يدلك على تمكن الفروع عندهم حتى أن الأصول التي أعطت فروعها حكما قد حارت فاستعارت من فروعها ذلك الحكم فكذلك تصيير تقديم المفعول لما استمر وكثر كأنه هو الأصل وتأخير الفاعل كأنه أيضا هو الأصل ويؤكد أن الهاء في ربه لعدي بن حاتم من جهة المعنى عادة العرب في الدعاء لا تكاد تقول جزى رب زيد عمرا وإنما يقال جزاك ربك خيرا أو شرا وذلك أوفق لأنه إذا كان مجازيه ربه كان أقدر على جزائه وإيلامه ولذلك جرى العرف بذلك فاعرفه انتهى وملخص كلامه أن المفعول في هذه الصورة متقدم في الرتبة لكن تأخر لضرورة الشعر فالضمير المتصل بالفاعل عائد على متقدم حكما وهذا غير قول الشارح المحقق لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به على أن حفيد السعد قال في حاشية المطول فيه أن ذلك لا يدفع الإضمار
____________________

قبل الذكر نعم لو كان اقتضاء المفعول أشد تم الكلام انتهى وتبع التفتازاني في المطول الشارح فيما ذكرناه وأورد بيت الشاهد وقوله ( لما عصى أصحابه مصعبا ** أدى إليه الكيل صاعا بصاع ) ثم قال ورد بأن الضمير للمصدر المدلول عليه بالفعل أي رب الجزاء وأصحاب العصيان كقوله تعالى ! ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ! أي العدل وأما قوله (1) ( جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ** وحسن فعل كما يجزى سنمار ) وقوله + ( الطويل ) + ( ألا ليت شعري ] هل يلومن قومه ** زهيرا على ما جر من كل جانب ) فشاذ لا يقاس عليه انتهى قال الفناري ويمكن أن يقال الضمير في ربه راجع إلى المتكلم على طريقة الالتفات عند السكاكي على قول امرئ القيس ( تطاول ليلك بالإثمد ** ) انتهى ولا يخفي بطلانه لسماجته فإن الالتفات إنما وقع من المتكلم إلى خطاب النفس لا إلى الغيبة فتأمل والجزاء المكافأة وعن هنا للبدل كقوله تعالى ! ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) ! وقوله جزاء الكلاب مصدر تشبيهي أي
____________________
1- ( البسيط )

جزاء كجزاء الكلاب العاويات وهو الضرب والإهانة قيل هذا ليس بشيء وإنما المراد الكلاب التي تتداعى للسفاد يقال عاوت الكلبة الكلاب فهي معاوية أي دعتهم للسفاد ولا يكاد يستعمل العواء للكلاب إلا عند السفاد والمستعمل في غير ذلك النباح وإنما العواء للسباع وقيل أنه يعني بالعاويات المسعورة ومن شأنها إذا أريد برؤها أن يؤخذ سفود فيدخل في أدبارها والسعر بضمه وبضمتين والسعار بضم أوله الجنون والسعر ككتف المجنون وروي الكلاب العاديات جمع العادي من العدو دعا عليه بأحد هذه المعاني ثم حققها عليه فقال وقد فعل أي استجاب الله ما دعوت عليه وحققه ومثله للمتنبي (1) ( وهذا دعاء لو سكت كفيته ** لأني سألت الله فيك وقد فعل ) وجملة وقد فعل حال من ربه وهذا البيت لأبي الأسود الديلي يهجو به عدي بن حاتم الطائي وزعم ابن جني وغيره أنه للنابغة الذبياني وهو وإن عاصر عديا لكن الذي روي له إنما هو (1) ( جزى الله عبسا عبس آل بغيض ** جزاء الكلاب العاويات وقد فعل ) وليس فيه ما نحن فيه وسيأتي الكلام عليه وقال العيني قيل إن قائله لم يعلم حتى قال ابن كيسان أحسبه مولدا مصنوعا قال والضمير لغير عدي فكأنه وصف رجلا أحسن إليه ثم قال جزاه ربه خيرا وجزى عني عدي بن حاتم شرا فحينئذ لا شذوذ في البيت ولا يخفى ركاكته أما أبو الأسود الديلي فاسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر ابن حليس بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركه بن الياس بن مضر بن نزار وهم إخوة قريش لأن قريشا تختلف في الموضع الذي أفترقت فيه مع بني أبيها والنسابون يقولون إن من لم يلده فهر بن مالك بن النضر فليس قرشيا
____________________
1- ( الطويل )

وهو واضع علم النحو بتعليم علي رضي الله عنه وكان من وجوه شيعته واستعمله على البصرة بعد ابن عباس وقبل هذا كان استعمله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وتوفي فيما ذكره المدائني في الطاعون الجارف في سنة تسع وستين وله خمس وثمانون سنة وقيل مات قبل ذلك قال الجاحظ أبو الأسود الديلي معدود في طبقات من الناس وهو فيها كلها مقدم ومأثور عنه الفضل في جميعها كان معدودا في التابعين والفقهاء والمحدثين والشعراء والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضرين الجواب والشيعة والبخلاء والصلع الأشراف والبخلاء الأشراف وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى كان أبو الأسود كاتبا لابن عباس على البصرة وهو الذي يقول (1) ( وإذا طلبت من الخلائق حاجة ** فادع الإله وأحسن الأعمالا ) ( فليعطينك ما أراد بقدرة ** وهو اللطيف إذا أراد فعالا ) ( إن العباد وشأنهم وأمورهم ** بيد الإله يقلب الأحوالا ) ( فدع العباد ولا تكن بطلابهم ** لهجا تضعضع للعباد سؤالا ) وفي الأغاني بسنده إلى ابن عياش قال خطب أبو الأسود امرأة من عبد القيس يقال لها أسماء بنت زياد فأسر أمرها إلى صديق له من الأزد يقال له الهيثم بن زياد فحدث به ابن عم له كان يخطبها وكان لها مال عند أهلها فمشى ابن عمها الخاطب لها إلى أهلها الذين مالها في أيديهم فأخبرهم خبر أبي الأسود وسألهم أن يمنعوها من نكاحه ومن مالها الذي في أيديهم ففعلوا ذلك وضاروها حتى تزوجت ابن عمها فقال أبو الأسود في ذلك + ( الطويل ) + ( لعمري لقد أفشيت يوما فخانني ** إلى بعض من لم يخش سرا ممنعا ) ( فمزقه مزق العمى وهو غافل ** ونادى بما أخفيت منه فأسمعا ) ( فقلت ولم أفحش لعا لك عاثرا ** وقد يعثر الساعي إذا كان مسرعا )
____________________
1- ( الكامل )

( ولست بجازيك الملامة إنني ** أرى العفو أدنى للرشاد وأوسعا ) ( ولكن تعلم أنه عهد بيننا فبن غير مذموم ولكن مودعا ) ( حديث أضعناه كلانا فلن أرى ** وأنت نجيا آخر الدهر أجمعا ) ( وكنت إذا ضيعت سرك لم تجد ** سواك له إلا أشت وأضيعا ) وقال فيه أيضا (1) ( أمنت امرأ في السر لم يك حازما ** ولكنه في النصح غير مريب ) ( أذاع به في الناس حتى كأنه ** بعلياء نار أوقدت بثقوب ) ( وكنت متى لم ترع سرك تنتشر ** قوارعه من مخطىء ومصيب ) ( فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ** وما كل مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند واحد فحق له من طاعة بنصيب ) وفي الأغاني أيضا بسنده عن عوانة قال كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة فيتحدث إليها وكانت برزة جميلة فقالت له يا أبا الأسود هل لك أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة بالميسور قال نعم فجمعت أهلها وتزوجته فوجد عندها خلاف ما قدره وأسرعت في ماله ومدت يدها إلى خيانته وأفشت سره فغدا على من كان حضر تزويجه إياها فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا فقال لهم + ( المتقارب ) +
____________________
1- ( الطويل )

( أريت امرأ كنت لم أبله ** فقال اتخذني صديقا خليلا ) ( فخاللته ثم أكرمته ** فلم أستفد من لدنه فتيلا ) 5 ( وألفيته حين جربته ** كذوب الحديث سروقا بخيلا ) ( فذكرته ثم عاتبته ** عتابا رفيقا وقولا جميلا ) ( فألفيته غير مستعتب ** ولا ذاكر الله إلا قليلا ) ( ألست حقيقا بتوديعه ** وإتباع ذلك صرما طويلا ) فقالوا له بلى والله يا أبا الأسود فقال تلك صاحبتكم وقد طلقتها لكم وأنا أحب أن أستر ما أنكرته من أمرها فانصرفت معهم وفيه أيضا بسنده إلى ابن عياش قال كان المنذر بن الجارود العبدي صديقا لأبي الأسود يعجبه مجالسته وحديثه وكان كل منهما يغشى صاحبه وكانت لأبي الأسود مقطعة من برود يكثر لبسها فقال له المنذر لقد أدمنت لبس هذه المقطعة فقال أبو الأسود رب مملول يستطاع فراقه فعلم المنذر أنه قد احتاج إلى كسوة فأهدى له ثيابا فقال أبو الأسود يمدحه (1) ( كساك ولم تستكسه فحمدته ** أخ لك يعطيك الجزيل وياصر ) ( وإن أحق الناس إن كنت حامدا ** بحمدك من أعطاك والعرض وافر ) وروى الحريري في درة الغواص عن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر قال
____________________
1- ( الطويل )

اجتمع عندنا أبو نصر أحمد بن حاتم وابن الأعرابي فتجاريا الحديث إلى أن حكى أبو نصر أن أبا الأسود دخل على عبيد الله بن زياد وعليه ثياب رثة فكساه ثيابا جددا من غير أن عرض له بسؤال فخرج وهو يقول وأنشد البيتين ثم قال وأنشد أبو نصر وياصر يريد به ويعطف فقال له ابن الأعرابي بل هو وناصر بالنون فقال له أبو نصر دعنى يا هذا وياصري وعليك بناصرك \ وفي الأغاني أيضا بسنده إلى أبي عبيدة قال كان أبو حرب بن أبي الأسود قد لزم منزل أبيه بالبصرة ولا ينتجع أرضا ولا يطلب الرزق في تجارة ولا غيرها فعاتبه أبوه على ذلك فقال أبو حرب إن كان لي رزق فسيأتيني فقال له أبوه (1) ( وما طلب المعيشة بالتمني ** ولكن ألق دلوك في الدلاء ) ( تجيء بملئها يوما ويوما ** تجيء بحمأة وقليل ماء ) وفيه أيضا بسنده إلى عبد الملك بن عمير قال كان ابن عباس رضي الله عنه يكرم أبا الأسود لما كان عاملا بالبصرة لعلي رضي الله عنه ويقضي حوائجة فلما ولي ابن عامر جفاه وأبعده ومنعه حوائجه لما كان يعلمه من هواه في علي رضي الله عنه فقال فيه أبو الأسود + ( الطويل ) + ( ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر ** وما مر من عيشي ذكرت وما فضل ) ( أميرن كانا صاحبي كلاهما ** فكلا جزاه الله عني بما فعل ) ( فإن كان شرا كان شرا جزاؤه ** وإن كان خيرا كان خيرا إذا عدل )
____________________
1- ( الوافر )

وفيه أيضا بسنده إلى العتبي قال كان لأبي الأسود جار في ظهر داره له باب إلى قبيلة أخرى وكان بين داره ودار أبي الأسود باب مفتوح يخرج منه كل واحد إلى قبيلة صاحبه إذا أرادها وكان الرجل ابن عم أبي الأسود دنيا وكان شرسا سيء الخلق فأراد سد ذلك الباب فقال له قومه لا تفعل فتضر بأبي الأسود وهو شيخ وليس عليك في هذا الباب ضرر ولا مؤنة فأبى إلا سده ثم ندم على ذلك لأنه أضر به فكان إذا أراد سلوك الطريق التي يسلكها منه بعد عليه فعزم على فتحه وبلغ ذلك أبا الأسود فمنعه منه وقال فيه (1) ( بليت بصاحب إن أدن شبرا ** يزدني في مباعدة ذراعا ) ( وإن أمدد له في الوصل ذرعي ** يزدني فوق قيس الذرع بارعا ) ( أبت نفسي له إلا اتباعا ** وتأبى نفسه إلا امتناعا ) ( كلانا جاهد أدنو وينأى ** فذلك ما استطعت وما استطاعا ) وقال فيه أيضا + ( مجزوء الكامل ) + ( أعصيت أمر ذوي النهى ** وأطعت أمر ذوي الجهاله ) ( أخطأت حين صرمتني ** والمرء يعجز لا محاله ) ( والعبد يقرع بالعصا ** والحر تكفيه المقاله ) وقد أطلتا في إيراد شعره لكنا أطبنا فإن حكمة شفاء الصدور ودرر قلائد النحور وأما عدي بن حاتم فنسبته عدي بن حاتم الطائي بن عبد الله بن سعد ابن حشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم واسمه هزومة بن ربيعة ابن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ بن أدد بن زيد بن كهلان إلا أنهم يختلفون في بعض الأسماء إلى طيء وكنية عدي أبو طريف قال أبو حاتم السجستاني
____________________
1- ( الوافر )

في كتاب المعمرين عاش عدي مائة وثمانين سنة 1 . هـ قدم على النبي & في شعبان من سنة سبع وقال الواقدي من سنة عشر وخبره في قدومه خبر عجيب وحديث صحيح ثم قدم على أبي بكر رضي الله عنه بصدقات قومه في حين الردة ومنع قومه وطائفة معهم من الردة بثبوته على الإسلام وحسن رأيه وكان سريا شريفا في قومه خطيبا حاضر الجواب فاضلا كريما روي عنه أنه قال ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها وروي عنه أنه قال ما دخلت على النبي & قط إلا وسع لي أو تحرك ودخلت عليه يوما في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه وفي حديث الشعبي أن عدي بن حاتم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ قدم عليه ما أظنك تعرفني فقال وكيف لا أعرفك وأول صدقة بيضت وجه رسول الله & صدقة طيئ أعرفك آمنت إذ كفروا وأقبلت إذ أدبروا ووفيت إذ غدروا ثم نزل عدي الكوفة وسكنها وشهد مع علي رضي الله عنه الجمل وفقئت عينه يومئذ ثم شهد مع علي رضي الله عنه صفين والنهروان ومات بالكوفة وهو ابن مائة وعشرين في سنة سبع وستين كذا في الاستيعاب لابن عبد البر وأما شعر النابغة الذبياني فهو (1) ( جزى الله عبسا عبس آل بغيض ** جزاء الكلاب العاويات وقد فعل ) ( بما انتهكوا من رب عدنان جهرة ** وعوف يناجيهم وذلكم جلل ) ( فاصبحتم والله يفعل ذاكم ** يعزكم مولى مواليكم شكل ) وروى ( يبوك النساء المرضعات بنو شكل ** ) ( إذا شاء منهم ناشئ دربخت له ** لطيفة طي الكشح رابية الكفل ) قال المفضل بن سلمة في الفاخر روى هذا الشعر للنابغة الذبياني وقيل إنه لعبد الله بن همارق بضم الهاء وآخره قاف وهو أحد بني عبد الله بن غطفان
____________________
1- ( الطويل )

وليس في هذا الشعر شاهد لما نحن فيه والسبب فيه أن بني عبس لحقت ببني ضبة بعد يوم الفروق ثم وقع بينهما دم ففارقتهم عبس فمرت تريد الشام وبلغ بني عامر ارتفاعهم فخافوا انقطاعهم من قيس بن زهير رئيس بني عبس فخرجت وفود بني عامر إليهم فدعتهم إلى أن يرجعوا ويحالفوهم فقال قيس بن زهير حالفوا قوما في صيابة بني عامر ليس لهم عدد فيبغوا عليكم بعددهم وإن احتجتم أن يقوموا بنصرتكم قامت بنو عامر فحالفوا معاوية بن شكل بن كعب بن عامر بن صعصعة فمكثوا فيهم إلى أن قال الشاعر هذه الأبيات يعير بني عبس فلما بلغت قيسا قال ماله قاتله الله أفسد علينا حلفنا فخرجوا عنهم ويبوك مضارع باك المرأة بمعنى جامعها بالباء الموحدة وآخره كاف ودربخت بالدال والراء المهملتين وبالباء الموحدة والخاء المعجمة يقال دربخت الحمامة لذكرها طاوعته للسفاد والصيابة بضم الصاد المهملة وتشديد المثناة التحتية الخالص والصميم والأصل والخيار من كل شيء والسيد وصيابة القوم لبابهم وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والأربعون (1) ( لما عصى أصحابه مصعبا ** أدى إليه الكيل صاعا بصاع ) لما تقدم في البيت الذي قبله قال حفيد السعد في حاشية المطول أفرد ضمير إليه مع أنه راجع إلى الأصحاب قصدا إلى كل واحد منهم وقال الفناري قيل الضمير في أدى راجع إلى شخص مذكور فيما سبق وفي إليه راجع إلى مصعب . وقيل الضمير في أدى راجع إلى مصعب وفي إليه راجع إلى أصحابه قصدا إلى كل واحد منهم أو نقول لمشابهة لفظ أفعال للمفرد ولهذا يجيء في كثير من المواضع وصف المفرد به نحو ثوب أسمال ونطفه
____________________
1- ( السريع )

أمشاج ونظيره قوله تعالى ! ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه ) ! فإن الضمير في بطونه راجع للأنعام 1 . هـ وهذا الكلام برمته من شرح اللب في باب المفعول المطلق وقوله أدى إليه الكيل إلخ قال الميداني في مجمع الأمثال جزاه كيل الصاع بالصاع أي كافا إحسانه بمثله وإساءته بمثلها وقوله صاعا قال الحفيد هو في موضع الحال مثل بايعته يدا بيد وهو في الأصل جملة أي صاع منه بصاع كذا كتب قدس سره بخطه في الحاشية 1 . هـ وقال الفناري وقوله صاعا بصاع حال من ضمير أدى والأصل مقابلا صاعا بصاع ثم طرح مقابلا وأقيم صاعا مقامه ثم الحال ليست هي صاعا وحده بل هو مع قوله بصاع لأن معنى المنوب عنه يحصل بالمجموع كذا ذكره صاحب الإقليد في كلمته فاه إلى في 1 هـ ومرجع الضميرين على ما تقدم ناشئ عن عدم الاطلاع عليه والبيت من قصيدة للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي رثى بها يحيى بن شداد ابن ثعلبة بن بشر أحد بني ثعلبة بن يربوع وقال أبو عبيدة هي لرجل من بني قريع رثى بها يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير وكان وفي له حتى قتل معه وهذه أبيات من مطلعها (1)
____________________
1- ( السريع )

( صلى على يحيى وأشياعه ** رب رحيم وشفيع مطاع ) ( لما عصى أصحابه مصعبا ** أدى إليه الكيل صاعا بصاع ) ( يا سيدا ما أنت من سيد ** موطأ البيت رحيب الذراع ) نقلته من المفضليات وشرحها لابن الأنباري فالضمير في أدى راجع إلى يحيى وضمير إليه راجع إلى مصعب وروى البيت أيضا كذا ( لما جلا الخلان عن مصعب ** أدى إليه القرض صاعا بصاع ) فلا شاهد في البيت على هذه الرواية وهي رواية المفضل الضبي في المفضليات وجلا بالجيم بمعنى تفرق من الجلاء بالفتح والمد وهو الخروج من الوطن يقال قد جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا لازم ومتعد ويقال أيضا أجلو عن البلد وأجليتهم أنا كلاهما بالألف والخلان جمع خليل وقوله يا سيدا ما أنت من سيد إلخ يأتي إن شاء الله تعالى في الشاهد الخامس والثلاثين بعد الأربعمائة * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والأربعون (1) لما تقدم في البيت الذي قبله
____________________
1- ( الطويل )

قال الفناري إنما لم يجز هاهنا رجوع الضمير إلى المصدر المدلول عليه وهو اللوم أو إلى الشاعر على سنن الالتفات لأن مقصود الشاعر قوم زهير فإن الذوق السليم يفهم من هذا البيت تحريض أقربائه على لومه ولومهم على ترك لومه ولعل قوم زهير غير قوم الشاعر والله أعلم 1 هـ وقوله على ما جر في القاموس الجريرة الذنب والجناية جر على نفسه وغيره جريرة يجر بالضم والفتح جرا وقال حفيد السعد قوله على ما جر أي على العار الذي جره ومده من كل جانب وناحية بسبب الظلم والعداوة لكنه قدس سره قد كتب في الحاشية يقال جر عليهم جريرة أي جنى جناية وقال الفناري وقد يروى بالحاء المهملة والزاي المعجمة من الحز وهو القطع 1 هـ وهذا لا وجه له هنا والرواية إنما هي الأولى كما يأتي وبعده ( بكفي زهير عصبة العرج منهم ** ومن بيع في الركبين لخم وغالب ) والبيتان من شعر أبي جندب بن مرة القردي قال السكري في شرح أشعار هذيل زهير من بني لحيان وجر جنى أي جر على نفسه جرائر من كل جانب وروى قومه زهير 1 هـ يعني بنصب قومه ورفع زهير وعليه لا شاهد فيه وقوله بكفي زهير إلخ عصبة مبتدأ والظرف قبله خبره ومن يبيع معطوف على المبتدأ والعصبة الجماعة والعرج بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة بين مكة والمدينة بها قتل قوم زهير وسبي نساؤهم وذراريهم وضمير منهم لقوم زهير والظرف حال من عصبة بتقدير مضاف له وللمعطوف أي قتل العصبة في العرج وسبي من بيع في الركبين حال كونهم من قوم زهير بسبب جناية كفي زهير ولخم وغالب بدل من الركبين ولخم حي من اليمن وغالب قبيلة من قريش ويقدر منهم أيضا بعد قوله ومن بيع وسبب هذا الشعر ما رواه السكري قال مرض أبو جندب وكان له جار من خزاعة اسمه خاطم فقتله زهير اللحياني وقتلوا امرأته فلما برأ أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتى قدم مكة فاستلم الركن وكشف عن استه وطاف
____________________

فعرف الناس أنه يريد شرا فقال (1) ( إني امرؤ أبكي على جاريه ** أبكى على الكعبي والكعبيه ) ( ولو هلكت بكيا عليه ** كانا مكان الثوب من حقويه ) يقال عذت بحقويك يريد كانا في موضع المعاذ أي كانا مني بمكان من أجرت فلما فرغ من طوافه وقضى من مكة حاجته خرج في الخلعاء من بكر وخزاعة فاستجاشهم على بني لحيان فخرجوا معه حتى صبح بهم بني لحيان في العرج فقتل فيهم وسبى من نسائهم وذراريهم وباعهم فاشترتهم هاتان القبيلتان فقال أبو جندب في ذلك ( ألا ليت شعري هل يلومن قومه ) و القردي نسبة إلى قرد بكسر القاف على لفظ الحيوان المعروف وهو بطن من هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر ولحيان بكسر اللام وسكون المهملة بعدها مثناة تحتية بطن من هذيل أيضا وأبو جندب شاعر جاهلي ( تتمة ) البيت الذي في المطول وهو قوله جزى بنوه إلخ رواه الأصبهاني في الأغاني في ترجمة عدي بن زيد كذا + ( البسيط ) + ( جزى بنوه أبو الغيلان من كبر ** وحسن فعل كما يجزى سنمار ) وذكر فيه جزاء سنمار قال وأما صاحب الخورنق فهو النعمان بن الشقيقة وهو الذي ساح على وجهه فلم يعرف له خبر والشقيقة أمة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شبيان وهو النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر ابن ربيعة اللخمي فذكر ابن الكلبي أنه كان سبب بنائه الخورنق أن يزدجرد بن سابور كان
____________________
1- ( الرجز )

لا يبقى له ولد فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام فدل على ظهر الحيرة فدفع ابنه بهرام جور بن يزدجرد إلى النعمان بن الشقيقة وكان عاملة على أرض العرب وأمره بأن يبني الخورنق مسكنا له ولابنه وينزله إياه معه بإخراجه إلى بوادي العرب وكان الذي بنى الخورنق رجلا يقال له سنمار فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال لو علمت أنكم توفوني أجرتي وتصنعون بي ما أستحقه لبنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت فقالوا وإنك لتبني ما هو أفضل منه ولم تبنه ثم أمر به فطرح من رأس الجوسق وفي بعض الروايات أنه قال إني لأعرف في هذا القصر موضع عيب إذا هدم تداعى القصر فقال أما والله لا تدل عليه أحدأ أبدا ثم رمى به من أعلى القصر فقالت الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة منها قول أبي الطمحان القيني (1) ( جزاء سنمار جزوها وربها ** وباللات والعزى جزاء المكفر ) ومنها قول سليط بن سعد + ( البسيط ) + ( جزى بنوه أبا الغيلان من كبر ** وحسن فعل كما يجزى سنمار قال عبد العزى بن امرىء القيس الكلبي وكان أهدى إلى الحارث بن مارية الغساني أفراسا ووفد إليه فأعجب به واختصه وكان للملك ابن مسترضع في بني عبد ود من كلب فنهشته حية فظن الملك أنهم اغتالوه فقال لعبد العزى جئني بهؤلاء القوم فقال هم قوم أحرار ليس لي عليهم فضل في نسب ولا فعل فقال لتأتيني بهم أو لأفعلن وأفعلن فقال له رجونا من جنابك أمرا حال دونه عقابك ودعا ابنيه شراحيل وعبد الحارث فكتب معهما إلى قومه (1)
____________________
1- ( الطويل )

( جزاني جزاه الله شر جزائه ** جزاء سنمار وما كان ذا ذنب ) ( سوى رصه البنيان عشرين حجة ** يعل عليه بألقراميد والسكب ) وهي أبيات قال فقتله النعمان 1 هـ * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والأربعون (1) ( كأن لم يمت حي سواك ولم تقم ** على أحد إلا عليك النوائح ) على أنه إذا وقع مرفوع بعد المستثنى في الشعر أضمروا له عاملا من جنس الأول أي قامت النوائح والمسألة مفصلة في الشرح وهذا البيت من أبيات مذكورة في الحماسة لأشجع السلمي وهي ( مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ** ولا مغرب إلا له فيه مادح ) ( وما كنت أدري ما فواضل كفه ** على الناس حتى غيبته الصفائح ) ( فأصبح في لحد من الأرض ميتا ** وكانت به حيا تضيق الصحاصح ) ( سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض ** فحسبك مني ما تجن الجوانح ) ( وما أنا من رزء وإن جل جازع ** ولا لسرور بعد موتك فارح ) ( لئن حسنت فيك المراثي وذكرها ** لقد حسنت من قبل فيك المدائح ) كأن لم يمت حي سواك البيت والصفائح أحجار عراض يسقف بها القبر والصحاصح جمع صحصح وهي الأرض المستوية الواسعة وتغيض تنقص يقال غاض الماء وغضته
____________________
1- ( الطويل )

وقوله كأن لم يمت كأن مخففه واسمها ضمير شأن يقول أفرط الحزن عليك حتى كان الموت لم يعهد قبل موتك وكأن النياحة لم تقم على من سواك وأشجع هو ابن عمرو السلمي ويكنى أبا الوليد من ولد الشريد بن مطرود السلمي وتزوج أبوه امرأة من أهل اليمامة فشخص معها إلى بلدها فولدت له هناك أشجع ونشأ باليمامة ثم مات أبوه فقدمت به أمه البصرة فطلبت ميراث أبيه وكان له هناك مال فماتت بها وربي أشجع ونشأ بالبصرة فكان من لا يعرفه يدفع نسبته ثم كبر وقال الشعر فأجاد وعد في الفحول وكان الشعر يؤمئذ في ربيعة واليمن ولم يكن لقيس عيلان شاعر فلما نجم أشجع افتخرت به قيس واثبتت نسبه ثم خرج أشجع إلى الرقة والرشيد بها فنزل على بني سليم ومدح البرامكة وانقطع إلى جعفر خاصة فوصله الرشيد فأثرى وحسنت حاله ولما ولى الرشيد جعفر بن يحيى خراسان جلس لتهنئة الناس وأنشده الشعراء ودخل في آخرهم أشجع فقال لتأذن في إنشاد شعر قضيت به حق سوددك وكمالك وخففت به ثقل أياديك عندي فقال هات يا أبا الوليد فأنشده (1) ( أتصبر يا قلب أم تجزع ** فإن الديار غدا بلقع ) ( غدا يتفرق أهل الهوى ** ويكثر باك ومسترجع ) إلى أن بلغ قوله ( ودوية بين أقطارها ** مقاطع أرضين لا تقطع ) ( تجاوزتها فوق عيرانة ** من الريح في سيرها أسرع ) ( إلى جعفر نزعت رغبة ** وأي فتى نحوه تنزع ) ( فما دونه لامرئ مطمع ** ولا لامرئ غيره مقنع ) ( ولا يرفع الناس ما حطه ** ولا يضعون الذي يرفع )
____________________
1- ( المتقارب )

( يريد الملوك مدى جعفر ** ولا يصنعون كما يصنع ) ( وليس بأوسعهم في الغنى ** ولكن معروفه أوسع ) ( يلوذ الملوك بآرائه ** إذا نالها الحدث الأفظع ) ( بديهته مثل تدبيره ** متى رمته فهو مستجمع ) ( وكم قائل إذ راى ثروتي ** وما في فضول الغنى أصنع ) ( غدا في ظلال ندى جعفر ** يجر ثياب الغنى أشجع ) ( فقل لخراسان تحيا فقد ** أتاها ابن يحيى الفتى الأروع ) فأقبل عليه جعفر يخاطبه مخاطبة الأخ أخاه ثم أمر له بألف دينار قال الصولي في الورقات قال لي يوما عبد الله بن المعتز من أين أخذ أشجع قوله ( وليس بأوسعهم في الغنى البيت ** ) فقلت من قول موسى شهوات لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ( ولم يك أوسع الفتيان مالا ** ولكن كان ارحبهم ذراعا ) فقال أصبت هكذا هو 1 . هـ ورأيت في الحماسة في باب الأضياف وقال أبو زياد الأعرابي الكلابي (1) ( له نار تشب على يفاع ** إذا النيران ألبست القناعا ) ( ولم يك أكثر الفتيان مالا البيت ** ) وإنما لقب موسى بشهوات لأن عبد الله بن جعفر كان يشتهى عليه الشهوات فيشتريها له موسى ويتربح عليه وهو مولى لبني سهم وأصله من أذربيجان كذا في كتاب الشعراء لابن قتيبة
____________________
1- ( الوافر )

وقال أبو عبيد البكري في شرح أمالي القالي موسى شهوات هو موسى ابن يسار مولى قريش ويقال مولى بنى سهم ويقال مولى بني تيم كان يجلب إلى المدينة القند والسكر من أذربيجان فقالت امرأة ما يزال موسى يجلب إلينا الشهوات فغلب عليه وقال أبن شبة كان موسى سؤولا ملحفا فإذا رأى مع أحد شيئا يعجبه من ثوب أو متاع أو دابة تباكى فإذا قيل له مالك قال أشتهي هذا فسمى موسى شهوات وقال ابن الكلبي سمي بذلك لقوله في يزيد بن معاوية (1) ( لست منا وليس خالك منا ** يا مضيع الصلاة بالشهوات ) يقال موسى شهوات على الصفة وعلى الإضافة وهو أصح ويكنى أبا محمد وهو أخو إسماعيل بن يسار 1 هـ وبيت موسى شهوات نسبه السعد في المطول وصاحب المعاهد في شواهد التلخيص إلى أبي زياد الأعرابي الكلابي كما في الحماسة قال الصولي بعد أن تصرف جعفر بالأمر والنهي والتولية والعزل بدا للرشيد عزله فعزله عن خراسان فاغتم لذلك جعفر فدخل عليه أشجع فقال + ( السريع ) + ( أمست خراسان تعزى بما ** أخطأها من جعفر المرتجى ) ( كان الرشيد المعتلى أمره ** ولى على مشرقها الأبلجا ) ( ثم أراه رأيه أنه ** أمسى إليه منهم أحوجا ) ( كم فرق الدهر بأسبابه ** من محصن أهلا وكم زوجا ) ( وكم به الرحمن من كربة ** في مدة تقصر قد فرجا ) فقال له جعفر قمت والله بالعذر لأمير المؤمنين وأصبت الحق وخففت علي العزل فأمر له بألف دينار أخرى
____________________
1- ( الخفيف )

ولما دخل أشجع على الرشيد بالرقة كان قد فرغ من قصره الأبيض فأنشده (1) ( قصر عليه تحيه وسلام ** فيه لأعلام الهدى أعلام ) ( نشرت عليه الأرض كسوتها التي ** نسج الربيع وزخرف الأوهام ) إلى أن قال ( وعلى عدوك يا ابن عم محمد ** رصدان ضوء الصبح والإظلام ) ( فإذا تنبه رعته وإذا غفا ** سلت عليه سيوفك الأحلام ) قال الصولي في الورقات بسنده إلى أشجع إن الرشيد قال لي من أين أخذت قولك وعلى عدوك البيتين فقلت لا أكذب والله من قول النابغة + ( الطويل ) + ( فإنك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع ) فقال صه هو عندي من كلام الأخطل لعبد الملك بن مروان وقد قال له أنا مجيرك من الجحاف فقال من يجيرني منه إذا نمت وترجمة أشجع مطولة في الورقات للصولي وفي الأغاني للأصبهاني وأشجع ليس ممن يستشهد بكلامه فكان ينبغي تأخيره عن البيت الذي بعده * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والأربعون (1)
____________________
1- ( الكامل )

44 - ( لا أشتهي يا قوم إلا كارهاً ** باب الأمير ولا دفاع الحاجب ) على أن ' باب الأمير ' منصوب ب ' لا أشتهي ' مقدراً . والمسألة مفصلة في الشرح أيضاً . قال أمين الدين الطبرسي ، في شرح الحماسة : هنا ' كارها ' حال ، يقول : لا أعلق شهوتي بورود باب الأمير ومدافعة الحاجب إلا على كره ؛ يصف ميله إلى البدو وأهله وإلفه إياهم . وقال السيد في حاشيته على المطول : قصر فيه الشاعر نفسه في زمان اشتهائه باب الأمير على صفة الكراهة له ؛ فهو من قصر الموصوف على الصفة . ويمكن أن يقال : قصر فيه اشتهاءه باب الأمير عليه موصوفاً بالكراهية له لا يتعداه إليه موصوفاً بصفة الإرادة له ، فهو من قصر الصفة على الموصوف . ولك أن تقول قصر اشتهاءه الباب على أنه مجتمع مع كراهيته له دون إرادته إياه ؛ فيكون أيضاً من قصر الموصوف على الصفة . ثم اشتهاء الشيء إن لم يكن مستلزماً لإرادته لم يناف كراهته ، فجاز أن يكون الشيء مشتهى مكروهاً كاللذات المحرمة عند الزهاد ، كما جاز أن يكون الشيء مراداً منفوراً عنه ، كشرب الأدوية المرة عند المرضى . فإن قيل : الاشتهاء يستلزم الإرادة ، فالجمع بينه وبين الكراهية باختلاف الجهة ، فيشتهي الدخول على الأمير لما فيه من التقرب ، يكرهه لما فيه من المذلة ودفاع الحاجب ، فبالحقيقة المشتهى هو التقرب ، والمكروه تلك المذلة . ا . هـ . وبهذا يعرف سقوط قول بعض شراح الحماسة هنا ، فإنه قال : ليس قوله ' كارهاً ' حالاً من أشتهي ، لأنه لا يكون كارهاً للشيء مشتهياً له في حال ، من أجل أن الشهوة منافية للكراهية ، ولكنه حال من فعل مقدر ، والمعنى : لا أشتهي باب الأمير ولا آتيه إلا كارهاً ، أو ولكن آتيه كارهاً ا . هـ . وهذا البيت أول أبيات ثلاثة مذكورة في الحماسة ، لموسى بن جابر الحنفي والبيتان بعده : ( ومن الرجال أسنة مذروبة ** ومزندون شهودهم كالغائب ) الجزء 9
____________________

( منهم أسود لا ترام وبعضهم ** مما قمشت وضم حبل الحاطب ) يشبه الرجل في مضائه وصرامته وفي دقته إذا هزل بالسيف والسنان ومذروبة محددة وكذلك مذربة وكل شيء حددته فقد ذربته يقول من الرجال رجال كالأسنة المطرورة مضاء ونفاذا في الأمور والمزند وكذلك الزند الضيق وقولهم فلان زند متين أي زند شديد الضيق متين شديد بخيل أي إن نالهم خطب ضاقوا عنه ولم يتجهوا فيه لرشد وكان من حقه أن يقول ومنهم مزندون لكنه أكتفى بالأول كقوله تعالى ( منها قائم وحصيد ) قال المرزوقي سمعت أبا علي الفارسي يقول كل صفتين تتنافيان فلا يصح اجتماعهما لموصوف واحد فلابد من إضمار من معهما إذا فصل جملة بهما متى لم يجىء ظاهرا فإن أمكن أجتماع صفتين لموصوف واحد استغنى عن إضمار من كقولك صاحباك منهما ظريف وكريم وقوله شهودهم إلى آخره يروى بدله حضورهم يريد أنه لا غناء عندهم فحضورهم كغيبتهم كقول الشاعر (1) ( شهدت جسيمات العلى وهو غائب ** ولو كان أيضا شاهدا كان غائبا ) قال الطبرسي يجوز أن يريد بالشهود جمع شاهد وهو الحاضر وأراد بالغائب الكثرة فتكون جنسا وإن كان الشهود مصدرا فالغائب يجوز أن يكون جنسا كالأول أي شهودهم كغيبة الغائب بحذف المضاف ويجوز أن يكون مصدرا كالباطل وقوله منهم ليوث إلخ يقول من الرجال رجال كالأسود في العزة والمنعة لا يطلب اهتضامهم ولا يطمع فيهم ومنهم متفاوتون كقماش البيت وهو رديء متاعه جمع من ههنا وههنا وقوله وضم حبل الحاطب هو كقول الآخر ( وكلهم يجمعهم بيت الأدم ** )
____________________
1- ( الطويل )

قال الأصمعي بيت الأدم يجمع الجيد والرديء ففيه من كل جلد رقعه وكذلك الحاطب يجمع في حبله الرطب واليابس والجزل والشخت وربما احتطب ليلا فضم في حبلة أفعى وهو لا يدري ونحوه قول العامة في الشيء المتفاوت والقوم المختلطين هم خرق البرنس استانف بهذا البيت تلك القسمة على وجه آخر فهو من باب البيان وهو أن يحمل الشاعر معنى ويفسره بما يليه وصاحب هذه الأبيات موسى بن جابر الحنفي أحد شعراء بني حنيفة المكثرين يقال له ابن الفريعة وهي أمة كما أن حسان بن ثابت رضي الله عنه يقال له ابن الفريعة وتقدم في ترجمته ويقال كان نصرانيا وهو القائل (1) ( وجدنا أبانا كان حل ببلدة ** سوى بين قيس عيلان والفزر ) ( برابية أما العدو فحولنا ** مطيف بنا في مثل دائرة المهر ) ( فلما نأت عنا العشيرة كلها ** أقمنا وحالفنا السيوف على الدهر ) كذا في المؤتلف والمختلف للآمدي وسوى صفة بلدة بمعنى متوسطة والفزر لقب لسعد بن زيد مناة والمعنى وجدنا أبانا حل ببلدة متوسطه لديار قيس بن عيلان وسعد بن زيد مناة يريد حل بين مضر وناى عن ربيعة لأن قيسا والفزر من مضر وقوله فلما نأت إلخ يقول لما خذلتنا عشيرتنا وهم ربيعة اكتفينا بأنفسنا فأقمنا بدار الحفاظ والصبر واتخذنا سيوفنا حلفاء على الدهر وهذا مثل ضربه لاستقلالهم فيما نهضوا فيه بعددهم وعدتهم وبلائهم وصبرهم واستغنائهم عن القاعدين
____________________
1- ( الطويل )

وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والأربعون وهو من شواهد سيبويه (1) ( ليبك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط مما تطيح الطوائح ) على أن الفعل المسند إلى ضارع حذف جوازا أي يبكة ضارع وهذا على رواية ليبك بالبناء للمفعول ويزيد نائب فاعل وأما على روايته بالبناء للفاعل ففاعله ضارع ويزيد مفعوله ولا حذف ولا شاهد وهذه الرواية هي الثابتة عند العسكري وعد الرواية الأولى غلطا فإنه قال في كتاب التصحيف فيما غلط فيه النحويون ومما قلبوه وخالفهم الرواة قول الشاعر ( ليبك يزيد ضارع البيت ) وقد رواه خالد والأصمعي وغيرهما بالبناء للفاعل من البكاء ونصب يزيد ومثله في كتاب فعلت وأفعلت لأبي حاتم السجستاني قال أنشد الأصمعي ليبك يزيد ضارع أي بالبناء للفاعل ولم يعرف ليبك يزيد أي بالبناء للمفعول وقال هذا من عمل النحويين وزعم بعضهم أنه لا حذف في البيت على الرواية الأولى أيضا لجواز أن يكون يزيد منادى وضارع نائب الفاعل قال ابن هشام في شرح الشواهد والتوجيه
____________________
1- ( الطويل )

الأول أولى لأنه قد روى ليبك يزيد بفتح ياء يبك وكسر كافة ونصب يزيد فلما ظهر ضارع فاعلا في هذه الرواية استحق أن يقدر فاعلا في الأخرى ليستويا وتوهم الدماميني في الحاشية الهندية وتبعه الفناري في حاشية المطول أن القائل بنداء يزيد يزعم أنه منادى في الروايتين واستشكله بأنه لم يثبت رفع يزيد في رواية البناء للفاعل وليس كما توهم فإن الذي خرجه على النداء إنما هو على رواية ليبك بالبناء للمفعول كما نقل ابن هشام والرواية الأولى أبلغ بتكرار الإسناد إجمالا ثم تفصيلا كما بينه السعد في المطول وقال ابن خلف لما قال ليبك يزيد عم المأمورين بالتفجع على هذا الميت والبكاء عليه من كثرة الغناء ثم خص هذين الصنفين من جملة الباكين عليه لشدة احتياجهما إليه ثم قال نقلا عن بعضهم إن الإبهام على المخاطب في مثل هذا النحو الذي يقصد به العموم تعظيم للمقصود ومدح عميم ويزيد على رواية البناء لفاعل غير منصرف للعلمية ووزن الفعل لأنه منقول من الفعل دون ضميره المستتر وعلى الرواية الأخرى يحتمل أن يكون كالأول وهو الظاهر ويحتمل أن يكون منقولا من الفعل مع فاعله المستتر ويكون حينئذ جملة محكية وأعلم أن هذا البيت لوقوعه في المتن شرحه الشارح المحقق ونحن نذكر ما يتعلق به فقوله الضارع الذليل من قولهم ضرع ضراعة فعله من الباب الثالث وورد في لغة أيضا من باب تعب ويقال أيضا ضرع ضرعا كشرف شرفا بمعنى ضعف فهو ضرع أيضا تسمية بالمصدر كذا في المصباح وقوله لخصومة متعلق بضارع وإن لم يعتمد على شيء إلخ أقول ظاهره أنه لم يعتمد على شيء مما ذكر من شروط عمل اسم الفاعل النصب وفيه أنه معتمد على موصوف مقدر قال ابن مالك في الخلاصة (1) ( وقد يكون نعت محذوف عرف ** فيستحق العمل الذي وصف ) ويحتمل أن يكون معناه أنه متعلق بضارع وإن فرض أنه لم يعتمد على شيء لأنه يكفيه رائحة الفعل وكيف لا يتعلق به مع اعتماده على موصوف مقدر لكنه بعيد عن السياق قال الفناري في حاشية المطول فإن قلت بل قد اعتمد على الموصوف
____________________
1- ( الرجز )

المقدر أي شخص ضارع فعلى تقدير اشتراط الاعتماد في تعلق الجار به لا محذور أيضا قلت إن كفى في عمله الاعتماد على موصوف مقدر لا يتصور الإلغاء لعدم الاعتماد حينئذ لتصريح الشارح يعني السعد في شرح الكشاف بأن ذكر الموصوف مع اسم الفاعل ملتزم لفظا أو تقديرا تعيينا للذات التي قام بها المعنى وهو مخالف لتصريحهم اللهم إلا أن يقال الاعتماد على موصوف مقدر إنما يكفي لعمله إذا قوي المقتضى لتقديره كما في يا طالعا جبلا ويا راكبا فرسا لانضمام اقتضاء حرف النداء إلى اقتضاء نفس اسم الفاعل لكن تأتي اعتبار مثل هذا المقتضى في كل موضع محل نظر 1 هـ وهذا كلام جيد وقوله لأجل الخصومة أشار إلى أن اللام في الخصومة لام التعليل ويحتمل أن يكون بمعنى عند أيضا وقوله فإن يزيد كان ملجأ للأذلاء والضعفاء الأولى ملجأ للأذلاء والفقراء فإن المختبط بمعنى السائل كما فسره الشارح به وقوله وتعليقه بيبك ليس بقوي في المعنى قال الفناري لأن مطلق الخصومة ليس سببا للبكاء بل هي بوصف المغلوبية وقوله والمختبط الذي يأتيك للمعروف من غير وسيلة وقع في بعض النسخ الذي يأتي بالليل للمعروف والظاهر أن قيد الليل تحريف من النساخ وكون الاختباط الإتيان للمعروف من غير وسيلة هو قول أبي عبيدة فإنه قال المختبط الرجل يسألك من غير معرفة كانت بينكما ولا يد سلفت منه إليك وعليه فيكون الاختباط متعديا لمفعول واحد كما مثل الشارح المحقق بقوله يقال اختبطني فلان وقال ابن خلف الاختباط بمعنى السؤال والطلب فهو بمنزلة الاقتضاء تقول اختبطني معروفي فخبطته أي أنعمت عليه ومثله اقتضيته مالا أي سألته إياه وحكى بعضهم اختبط فلان فلانا ورقا إذا أصاب منه خيرا فعلى تفسير أبي عبيدة في البيت حذف مفعول واحد أي ومختبط ورقا أو رزقا أو نحو ذلك ويجوز أن يكون هذا المفعول ضمير يزيد أي ومختبط إياه وعلى التفسير الثاني فيه حذف مفعولين أي ومختبط الناس أموالهم ومثله إذا سألت فاسأل الله أي إذا سألت أحدا معروفة فاسأل الله معروفة
____________________

وروى ومستنمح بدل ومختبط أي من أستمنحه أي طلب منحته وهي العطية والرفد والأصل في المنحة هي الشاة أو الناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن ثم كثر استعماله حتى أطلق على كل عطاء ومنحته من باب نفع وضرب إذا أعطيته وصف الشاعر يزيد بالنصر والكرم للذليل وطالب المعروف فيقصده الضارع للخصومة ويلتجىء إليه المختبط إذا أصابته شدة السنين وقوله وأصله من خبطت الشجرة إلخ الخبط بسكون الباء إسقاط الورق من الشجر بالعصا لعلف الإبل والخبط بفتحتين هو الورق الساقط والمخبط بكسر الميم هي العصا التي يخبط بها والفعل من باب ضرب وقال ابن مالك الأصل فيه أن الساري والسائر لابد من أن يختبط الأرض ثم اختصر الكلام فقيل للآتي طالبا للجدوى مختبط وخبطت الرجل إذا أنعمت عليه من غير معرفة وخبطته إذا سألته أيضا فهو ضد وقوله وهو إما على حذف الزوائد إلخ أشار إلى أن الطوائح جمع على غير قياس لأن فعله رباعي يقال أطاحته الطوائح وطوحته فقياس الجمع أن يكون المطيحات والمطارح فإن تكسير مفعل مفاعل بحذف إحدى العينين وإبقاء الميم وتخريج الجمع على حذف الزوائد هو لأبي علي الفارسي وتخريجه على النسب هو لأبي عمرو الشيباني فإن تقديره عنده مما تطيحه الحادثات ذوات الطوائح ونقل ابن خلف عن الأصمعي أن العرب تقول طاح الشيء بنفسه وطاحه غيره بمعنى طوحه وأبعده فعلى هذا تكون الطوائح جمع طائحة من المتعدي قياسا ولا شذوذ ولم أر هذا النقل في الكتب المدونه في اللغة ولا في غيرها وقوله يقال طاح يطوح إلخ طاح بمعنى هلك وكل شيء ذهب وفني فقد طاح وقوله وطاح يطيح وهو واوي إلخ فيكون أصلهما طوح يطوح بكسر الواو فيهما فأعلا
____________________

وجعله صاحب العباب مما عينه جاء معتلا بالواو تارة وبالياء تارة أخرى ولم يعتبر أن الواو صارت ياء بالإعلال وسبقه ابن جني في إعراب الحماسة فإنه قال ومن قال طاح يطيح فكان عنده كباع يبيع فقياسة أن يقول المطايح فيصحح الياء لأنها عين مفعل وقوله مما تطيح متعلق بمختبط إلخ هذا هو الظاهر المتبادر إليه وقال ابن خلف وقوله مما تطيح موضعه رفع على النعت لمختبط أوله ولضارع جميعا أي كائن أو كائنان فتكون ما للجنس ويؤيد هذا التأويل رواية من روى ممن تطيح أي من الذي تطيحه الطوائح فحذف العائد وروى أبو علي قد طوحته الطوائح وهذا يؤيد كون هذه الجملة نعتا لمختبط لرجوع الضمير إليه مفردا وقوله أي يسأل من أجل أشار إلى أن من تعليلية وقال ابن الحاجب في إيضاحه وأماليه ومن للابتداء أو بمعنى السببية فالأول على أن ابتداء الاختباط من الإطاحة أو سبب الاختباط الإطاحة فإن قلت ما الفرق بينهما قلت فيه خلاف قال أبو حيان كأن التعليل والسبب عندهم شيء واحد قال السيوطي هذا هو الحق وفي شرح جمع الجوامع للمحلي ما يصرح به لأنه قال المعبر عنه هنا بالسبب هو المعبر عنه في القياس بالعلة وخالفهم ابن السبكي في الأشباه والنظائر فقال إن الفرق بينهما ثابت لغة ونحوا وشرعا قال اللغويون السبب كل شيء يتوصل به إلى غيره ومن ثم سموا الحبل سببا وذكروا أن العلة المرض وكلمات يدور معناها على أن العلة أمر يكون عنه أمر آخر وذكر النحاة أن اللام للتعليل ولم يقولوا للسببية وقال أكثرهم الباء للسببية ولم يقولوا للتعليل وذكر ابن مالك السببية والتعليل وهذا تصريح بأنهما غيران وقال أهل الشرع السبب ما يحصل الشيء عنده لا به والعلة ما يحصل به وأنشد ابن السمعاني على ذلك (1) ( ألم تر أن الشيء للشيء عله ** تكون به كالنار تقدح بالزند ) والمعلول يتأثر عن علته بلا واسطة بينهما ولا شرط يتوقف الحكم على وجوده والسبب إنما يفضي إلى الحكم بواسطة أو وسائط ولذلك يتراخى الحكم
____________________
1- ( الطويل )

عنه حتى توجد الشرائط وتنتفي الموانع وأما العلة فلا يتراخى الحكم عنها إذ لا شرط لها بل متى وجدت أوجبت معلولها بالاتفاق إلى آخر ما فصله وقوله إذهاب الوقائع ماله أشار إلى أن مفعول تطيح محذوف وهو ماله وقوله أي يبك لأجل إهلاك المنايا يزيد أشار إلى أن مفعول تطيح على هذا التقدير هو يزيد وأراد بالمنايا أسباب الموت إطلاقا لاسم المسبب على السبب وإلا فالشخص الواحد لا تهلكه إلا منية واحدة وقوله ويجوز أن تكون ما بمعنى التي زاد بعضهم ويجوز أن تكون نكرة موصوفة وهذا البيت من أبيات لنهشل بن حري على ما في شرح أبيات الكتاب لابن خلف في مرثية يزيد وهي (1) ( لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل ** حشا حدث تسفي عليه الروائح ) ( لقد كان ممن يبسط الكف بالندى ** إذا ضن بالخير الأكف الشحائح ) ( فبعدك أبدى ذو الضغينة ضغنه ** وسد لي الطرف العيون الكواشح ) ( ذكرت الذي مات الندى عند موته ** بعاقبه إذ صالح العيش طالح ) ( إذا أرق أفنى من الليل ما مضى ** تمطى به ثني من الليل راجح ) ( ليبك يزيد ضارع ** ) ** البيت سقى جدثا أمسى بدومة ثاويا ** من الدلو والجوزاء غاد ورائح ) الحشا ما في البطن والجدث بالجيم والثاء المثلثة القبر وتسفي مضارع سفت الريح التراب ذرته ويقال أسفته أيضا فالمفعول محذوف والروائح أي الأيام الروائح من راح اليوم يروح روحا من باب قال وفي لغة من باب خاف إذا اشتدت ريحه فهو رائح وأما كونه جمع ريح لم أقف على من نبه عليه مع أن ريحا لم تجمع على هذا الوزن وضن يقال ضن بالشيء يضن من باب تعب ضنا وضنة بالكسر وضنانة بالفتح بخل فهو
____________________
1- ( الطويل )

ضنين ومن باب ضرب لغة والشحائح جمع شحيح من الشح وهو البخل وفعله من باب قتل وفي لغة من بابي ضرب وتعب أراد أنه إن فقد بالعدم فهو حي بذكره بالكرم وما أحسن قول أبي نصر الميكالي (1) ( باني العلى والمجد والإحسان ** والفضل والمعروف أكرم باني ) ( الجود رأي مسدد وموفق ** والبذل فعل مؤيد ومعان ) ( والبر أكرم ما وعته حقيبة ** والشكر افضل ما حوته يدان ) ( وإذا الكريم مضى وولى عمره ** كفل الثناء له بعمر ثان ) ولأجل هذا البيت الأخير أنشدت هذه الأبيات وعاه يعيه حفظه وجمعه والحقيبة أصله العجز ثم سمي ما يحمل من القماش على الفرس خلف حقيبته مجازا لأنه محمول على العجز وقوله فبعدك أبدى إلخ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب والضغينة والضغن بالكسر اسم من ضغن صدره ضغنا من باب تعب بمعنى حقد وسد أغلق والطرف مصدر طرف البصر طرفا من باب ضرب تحرك ونظر وهو مفعول مقدم والعيون فاعل مؤخر والكواشح جمع كاشحة مؤنث الكاشح وهو مضمر العداوة وكشح له بالعداوة عاداه ككاشحه وإنما نسبه إلى العيون لأن العداوة أول ما تظهر من العين أي صرت بعدك ذليلا لا أقدر أن أرفع بصري إلى أحد وفي نسخة وسدد لي من التسديد وهو التقويم أي صوبت نحوي عيون الأعداء نظرها وهذه أحسن وقوله ذكرت الذي إلخ ضمير موته راجع للذي وهو العائد والباء متعلقة بمات والعاقب الذي يخلف من كان قبله في الخير وضمير عاقبه راجع للندى يقول مات الندى مع من يخلفه عند موت يزيد ويصح أن يعود الضمير ليزيد وإذ متعلقة بذكرت والصالح من الصلاح والطالح من الطلاح وهو ضد الصلاح والأرق السهر وتمطى امتد وطال وضمير به راجع إلى ما مضى والثني بكسر المثلثة وسكون النون يقال ثني من الليل أي
____________________
1- ( الكامل )

ساعة وقيل وقت وراجح أي زائد ثقيل من رجح الميزان رجوحا مال وإذا عاملها تمطى يشكو بهذا البيت طول الليل وقوله أمسى بدومة ثاويا دومة بفتح الدال والميم اسم موضع بين الشام والموصل وهو من منازل جذيمة الأبرش كان وقع فيه الطاعون ذكره الأخطل في شعره كذا في المعجم لأبي عبيد البكري وغاد فاعل سقى واحده غادية وهي السحابة تنشأ غدوة والرائح مطر العشي وهو آخر النهار وقوله من الدلو كان في الأصل صفة لما بعده فلما قدم صار حالا وإنما خص السحاب كونه من الدلو والجوزاء لكثرة ماله فإن الدلو وسط فصل الشتاء فإن الشمس تحل فيه بالجدي والدلو والحوت والجوزاء آخر فصل الربيع والشمس تحل فيه بالحمل والثور والجوزاء ونهشل بن حري بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين بلفظ المنسوب إلى الحر أو إلى الحرة وهو ابن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة ابن مالك بن زيد مناة بن تميم وكان اسم ضمرة جد نهشل شقة بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف ودخل على النعمان فقال له من أنت فقال أنا شقة بن ضمرة قال النعمان تسمع بالمعيدي لا أن تراه فقال أبيت اللعن إنما المرء باصغريه بقلبه ولسانه إن نطق نطق ببيان وإن قاتل قاتل بجنان قال أنت ضمرة بن ضمرة يريد أنك كأبيك كذا في كتاب الشعراء لابن قتيبة وكان نهشل شاعرا حسن الشعر وهو القائل (1)
____________________
1- ( الطويل )

( ويوم كأن المصطلين بحره ** وإن لم تكن نار وقوف على جمر ) ( صبرنا له حتى يبوخ وإنما ** تفرج أيام الكريهة بالصبر ) قال العسكري في التصحيف وابنه حري بن نهشل بن حري شاعر أيضا وله يقول الفرزدق ( أحري قد فاتتك أخت مجاشع ** فصيلة فانكح بعدها أو تأيم ) ونهشل بن حري من المخضرمين نقل ابن حجر في الإصابة عن المرزباني أنه شريف مشهور مخضرم بقي غلى أيام معاوية وكان مع علي في حروبه وقتل أخوه مالك بصفين وهو يومئذ رئيس بن حنظلة وكانت رايتهم معه ورثاه نهشل بمراث كثيرة قال وأبوه شاعر شريف مشهور مذكور وجده ضمره سيد ضخم الشرف وكان من خير بيوت بني دارم ( تتمة ) نسب النحاس هذه الأبيات في شرح أبيات الكتاب وتبعه ابن هشام للبيد الصحابي وحكى الزمخشري أنها لمزرد أخي الشماخ وقال ابن السيرافي هي للحارث بن ضرار النهشلي يرثي يزيد بن نهشل وقال اللبلي إنها لضرار النهشلي وذكر البعلي أنها للحارث بن نهيك النهشلي وقيل هي للمهلهل والصواب أنها لنهشل بن حري كما في شرح أبيات الكتاب لابن خلف وكذا في شرح أبيات الإيضاح والله أعلم * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والأربعون وهو من شواهد سيبويه
____________________

( لا تجزعي إن منفس أهلكته ) وتمامه ( وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ** ) على أن الكوفيين أضمروا فعلا رافعا لمنفس أي إن هلك منفس أو أهلك منفس وأورده في باب الاشتغال أيضا كذا وأما البصريون فقد رووه ( لا تجزعي إن منفسا أهلكته ** ) وكذا أورده سيبويه بنصب منفس على أنه منصوب بفعل مضمر تقديره إن أهلكت منفسا أهلكته فأهلكته المذكور مفسر للمحذوف وهذه الجملة من باب الاشتغال لا تدخل في الجملة التفسيرية التي لا محل لها من الإعراب وإن حصل بها تفسير قال أبو علي في البغداديات الفعل المحذوف والفعل المذكور في نحو قوله لا تجزعي إن منفسا أهلكته مجزومان في التقدير وإن انجزام الثاني ليس على البدلية إذ لم يثبت حذف المبدل منه بل على تكرير إن أي إن أهلكت منفسا إن أهلكته وساغ إضمار إن وإن لم يجز إضمار لام الأمر إلا ضرورة لاتساعهم فيها بدليل إيلائهم إياها الاسم ولأن تقدمها مقو للدلالة عليها وقوله وإذا هلكت الواو عطفت هذه الجملة الشرطية على الشرطية التي قبلها ولم أر في جميع الطرق من روى بالفاء بدل الواو إلا العيني فإنه قال الفاء عاطفة والمعنى لا يقتضي الفاء فإنها تدل على الترتيب والتعقيب والسببية والثلاثة منتفية سواء كان الترتيب معنويا كما في قام زيد فعمرو أو زكريا وهو عطف مفصل على مجمل نحو ونادى نوح ربه فقال رب ) وقوله فعند ذلك فاجزعي أورده الشارح في الفاء العاطفة على أن إحدى الفاءين زائدة ولم يعين أيتهما زائدة
____________________

قال أبو علي في المسائل القصرية الفاء الأولى زائدة والثانية فاء الجزاء ثم قال أجعل الزائدة أيهما شئت (1) ( الطويل ) + ( لقد علم الحي اليمانون أنني ** إذا قلت أما بعد أني خطيبها ) أعيد أني لبعد العهد بأنني وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا وحكى زيد فوجد وقيده بعضهم بكون الخبر أمرا أو نهيا نحو ( وقائلة خولان فانكح فناتهم ** ) وقوله + ( الخفيف ) + ( أنت فانظر لأي ذاك تصير ** ) وأوله المانعون بأن التقدير هذا زيد فوجد وهذه خولان وبأن الأصل انظر فانظر ثم حذف انظر فبرز ضميره والجزع قيل هو الحزن وقيل أخص منه فإنه حزن يمنع الإنسان ويصرفه عما هو بصدده ويقطعه عنه وأصله القطع يقال جزعت الحبل قطعته لنصفه ويقال أيضا جزعنا الوادي أي قطعناه عرضا
____________________
1- وعين القاضي في تفسيره الفاء الأولى فإنه أورد البيت نظيرا لقوله تعالى ! ( فبذلك فليفرحوا ) ! فقال الفاء في بذلك زائدة مثلها الفاء الداخلة على عند في البيت وتقديم عند للتخفيف كتقديم ذلك وسيبويه لا يثبت زيادة الفاء وحكم بزيادتها هنا للضرورة ومن تبعه وجه ما أوهم الزيادة فوجهها صاحب اللباب بأنها إنما كررت هنا لبعد العهد بالفاء الأولى كما كرر العامل في قوله

وقيل هو قطعة مطلقا فالجزع بالفتح المصدر والجزع بالكسر منقطع الوادي وقيل هو الفزع ومنه قوله تعالى ! ( أجزعنا أم صبرنا ) ! والفزع أخص من الخوف وهو انقباض يعتري الإنسان ونفار من كل شيء مخيف وهو من جنس الجزع والمنفس قال في القاموس وشيء نفيس ومنفوس ومنفس بالضم يتنافس فيه ويرغب ونفس ككرم نفاسه ونفاسا بالكسر ونفسا بالتحريك والنفيس المال الكثير ونفس به كفرح ضن وعليه بخير حسد وعليه الشيء نفاسه لم يره له أهلا انتهى وفي عمدة الحفاظ وأصل المنافسة مجاهدة النفس للتشبيه بالأفاضل في غير إدخال ضرر على غيره وشيء نفيس منفوس به أي مضنون والإهلاك لشيء إيقاع الهلاك به والهلاك على أربعة أوجه أحدها وهو المراد هنا افتقاد الشيء عنك وهو موجود عند غيرك ومنه هلك عني سلطانيه . والثاني هلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله تعالى ! ( ويهلك الحرث والنسل ) ! والثالث الموت نحو إن امرؤ هلك والرابع الشيء من العالم وعدمه رأسا وذلك هو المسمى فناء كقوله تعالى ( كل شيء هالك إلا وجهه ) وقد يطلق الهلاك على العذاب والخوف والفقر ونحوها لأنها أسبابه يقول لا تجزعي من إنفاقي النفائس ما دمت حيا فإني أحصل أمثالها وأخلفها عليك ولكن أجزعي إذا مت فإنك لا تجدين خلفا منى وهذا البيت آخر قصيدة للنمر بن تولب يصف نفسه فيها بالكرم ويعاتب زوجته على لومها فيه وكان أضافه قوم في الجاهلية فعقر لهم أربع قلائص واشترى لهم زق خمر فلامته على ذلك فقال هذه القصيدة وهي (1) ( قالت لتعذلني من الليل اسمع ** سفه تبيتك الملامة فاهجعي )
____________________
1- ( الكامل )

قوله اسمع مقول قولها وقوله سفه إلخ هو خبر مقدم وتبيتك مبتدأ مؤخر والملامة مفعول تبيتك وهو مضاف لفاعله وروى سفها بالنصب فتكون كان مقدرة وعلى الوجهين الجملة مقولة لقول محذوف اي فقلت لها يقول لامت من الليل عجلة عن الصبح وكان ذلك منها سفها مثله قول الشاعر (1) ( هبت تلوم وبئست ساعة اللاحي ** هلا انتظرت بهذا اللوم إصباحي ) و السفه خفة العقل والأصل فيه خفة النسج في الثوب يقال ثوب سفيه أي خفيف النسج والسفه أيضا خفه البدن ومنه زمام سفية أي كثير الاضطراب واستعمل في خفة النفس كنقصان العقل في الأمور الدنيوية والأخروية قال تعالى ( فإن كان الذي عليه الحق سفيها أي ضعيف العقل باعتبار خفته ولذلك قوبل برزانة فقيل رزين العقل والتبيت أراد به التبييت لأنه مصدر بيت الأمر أي دبره ليلا والهجوع النوم بالليل ( لا تجزعي لغد وأمر غد له ** أتعجلين الشر ما لم تمنعي ) يقول إننا الآن بخير فلم تعجلين الشر ما لم تمنعي من الخير وقوله وأمر غد له أي أن أمر غد أو رزق غد موكول إلى غد فلا ينبغي له التحزن منذ اليوم وقوله أتعجلين استفهام توبيخي وتعجلين بفتح التاء وأصله بتاءين وأراد ب الشر الفقر أو الجزع وما مصدرية ظرفيه ( قامت تبكي أن سبأت لفتية ** زقا وخابية بعود مقطع ) تبكي بضم التاء وكسر الكاف المشددة يقال بكاه عليه تبكية اي هيجه للبكاء فمفعوله محذوف وروى تباكى أي تتباكى وسبأ الخمر مهموز الآخر كجعل سبأ وسباء واستبأها أيضا بمعنى اشتراها للشرب لا للتجارة والزق بالكسر جلد يخرز ولا ينتف صوفه يكون للشراب وغيره والزق بالضم الخمر نفسها والخابية الجرة العظيمة ويقال الحب والزير وأصلها الهمز لكن تركوه والعود بفتح المهملة المسن من الإبل والمقطع بزنة اسم المفعول
____________________
1- ( البسيط )

البعير الذي أقطع عن الضراب والبعير قام من الهزال يخبر أنها لامته فيما لا خطر له ( وقريت في مقرى قلائص أربعا ** وقريت بعد قرى قلائص أربع ) قريت الضيف قرى بالكسر والقصر وقراء بالفتح والمد أي أضفته والمقرى بالفتح موضع القرى وبالكسر وكذلك المقرأة القصعة التي يقرى فيها وقلائص مفعول قريت وهي جمع قلوص وهي الناقة الشابة ولهذا حذف التاء من العدد وقوله بعد قرى قلائص أربع كل لفظ مضاف لما بعده إلى الآخر يقول قريت في موضع قلائص أربعا ولم يمنعنى ذلك أن قريت بعدهن ( أتبكيا من كل شيء هين ** سفة بكاء العين ما لم تدمع ) يقول سفة بكاؤك من كل شيء لا يحزنك ولا تدمع عينك منه فلو كنت حزينة كان أعذر لك عندي ( فإذا أتاني إخوتي فدعيهم ** يتعللوا في العيش أو يلهوا معي ] 9 ** تعلل بالأمر تشاغل به والعيش الحياة المختصة بالحيوان وهو أخص من الحياة لأن الحياة تقال في الحيوان وفي الملك وفي الباري تعالى ( واللهو ) الشغل عن مهمات الأمور بما تميل إليه النفس والواو في يلهوا ضمير الجماعة ولام الفعل محذوفة مثل الرجال يعفون ( لا تطرديهم عن فراشي إنه ** لابد يوما أن سيخلو مضجعي ) الفراش البيت كذا قال محمد بن حبيب في شرحه وهي هنا لفظة قبيحة وأن مخففة من الثقيلة ( هلا سألت بعادياء وبيته ** والخل والخمر التي لم تمنع ) قال شارح الديوان محمد بن حبيب بعادياء يريد عن عادياء يقول لم يبق عادياء وكذلك أنا أقل بقاء وهو عادياء أبو السموءل الأزدي الغساني وقال آخرون يريد عادا وكل شيء قديم عند العرب عادي وقوله والخل والخمر التي لم تمنع يعني الخير والشر كما يقال ما فلان بخل ولا بخمر أي ليس عنده خير ولا شر واذهب فما أنت بخل ولا خمر قال أبو عبيد في الأمثال أراد أنه كان لا يبخل بشيء مما كان عنده
____________________

( وفتاتهم عنز عشية أبصرت ** من بعد مرأى في الفضاء ومسمع ) ( قالت أرى رجلا يقلب نعله ** أصلا وجو آمن لم يفزع ) قوله وفتاتهم مجرور وعنز عطف بيان عليه وهو بفتح العين المهملة وسكون النون وآخره زاي معجمة اسم زرقاء اليمامة وكانت من جديس بنت ملكهم وكانت تغذى بالمخ وفي القاموس وعنز امرأة من طسم سبيت فحملوها في هودج وألطفوها بالقول والفعل فقالت هذا شر يومي حين صرت أكرم للسباء ونصب شر على معنى ركبت في شر يوميها ثم قال وزرقاء اليمامة امرأة من جديس كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام انتهى فتأمل قال الشاعر (1) ( شر يوميها وأغواه لها ** ركبت عنز بحدج جملا ) وكانت رأت رجلا من طلائع جمع تبع قدام الجيش يقلب نعلا من مسيرة ثلاثة أيام ولم يفزع لهم أحد ولم يعلم بمجيئهم والأصل جمع أصيل وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب وقوله وجو يريد أهل جو وجو اسم بلد وهي اليمامة التي تضاف إليها زرقاء اليمامة وقوله وفتاتهم قال ابن حبيب نسب عنزا إلى بيت عادياء وليست منهم وإنما كان شيئا في أول الدهر فنسبه إلى بعضهم كما قال زهير كأحمر عاد وإنما كان في ثمود وكما قال آخر ( مثل النصارى قتلوا المسيحا ** ) ( فكأن صالح أهل جو غدوة ** صبحوا بذيفان السمام المنقع ) يريد الجميع لأنه إذا هلك الوجوه والصالحون منهم فالذين دونهم أحرى أن يهلكوا وقد صبحوا بالبناء للمفعول من الصبوح وهو شرب الغداة تقول
____________________
1- ( الرمل )

صبحته صبحا من باب ضربته والذيفان بفتح الذال وكسرها وبالمثناة التحتية وتهمز فيهما السم القاتل والسمام بالكسر جمع سم والمنقع كل ما ينقع مالماء ونحوه ( كانوا كأنعم من رأيت فأصبحوا ** يلوون زاد الراكب المتمتع ) أي كانوا بنعمة وخصب ثم أصبحوا يعسر عليهم أن يزودوا راكبا لأنهم لا يقدرون على ذلك والمتعة الزاد يقول ما له متعة ولا بتات يقول المسافر متعني وبتتني وزودني كل ذلك بمعنى واحد ( كانت مقدمة الخميس وخلفها ** رقص الركاب إلى الصباح بتبع ) الرقص بفتحتين الخبب وهو نوع من السير وأرقص الرجل بعيره أي حمله على الخبب ويروى ركض الركاب والركاب الإبل واحده راحلة وضمير كانت راجع إلى نظرة عنز المرأة المذكورة المفهومة من السياق وخلف تلك النظرة إبل تبع تسير إلى الصباح حتى لحقهم وتبع أبو حسان بن تبع الذي غزا جديس فقتلهم واستباح اليمامة ( لا تجزعي إن منفس أهلكته البيت ** ) وهذا آخر القصيدة والنمر بن تولب صحابي يعد من المخضرمين ونسبه مذكور في الاستيعاب وغيره وهو عكلي منسوب إلى عكل بضم المهملة وسكون الكاف وهي أمة كان تزوجها عوف بن قيس بن وائل بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة فولدت له ثلاث بنين ثم مات فحضنتهم عكل فنسبوا إليها والنمر شاعر جواد واسع العطاء كثير القرى وهاب لماله وكان أبو عمرو ابن العلاء يسمية الكيس لجودة شعره وكثرة أمثاله ويشبه شعره بشعر حاتم
____________________

الطائي وقال أبو عبيدة كان النمر شاعر الرباب في الجاهلية ولم يمدح أحدا ولا هجا ووفد على النبي & مسلما وهو كبير قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين عاش النمر بن تولب مائتي سنة وخرف وألقي على لسانه انحروا للضيف أعطوا السائل اصبحوا الراكب أي اسقوه الصبوح قال ابن قتيبة في ترجمته من كتاب الشعراء وألقى بعض البطالين على لسانه نيكوا الراكب فكان يقولها ومن شعره (1) ( لا تغضبن على امرئ في ماله ** وعلى كرائم صلب مالك فاغضب ) ( وإذا تصبك خصاصة فارج الغنى ** وإلى الذي يعطي الرغائب فارغب )
____________________
1- ( الكامل )

( باب التنازع ) أنشد فيه وهو الشاهد السابع والأربعون (1) ( فكنت كالساعي إلى مثعب ** موائلا من سبل الراعد ) على أن الكسائي وقع في أشنع مما فر منه من حذف الفاعل مضمرا لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر في نحو ضرباني وضربت الزيدين مع أن الإضمار قبل الذكر قد ورد وحذف الفاعل في غير المسائل المحصورة لم يرد والساعي من سعى الرجل في مشيه وسعى إلى الصلاة ذهب إليها على أي وجه كان وأصل السعي التصرف في كل عمل ومنه قوله تعالى ! ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) ! والمثعب بفتح الميم وسكون المثلثة وفتح العين المهملة قال في الصحاح هو واحد مثاعب الحياض وانثعب الماء جرى في المثعب وثعبت الماء في الحوض بالتخفيف فجرته والثعب بالتحريك مسيل الماء في الوادي والموائل اسم فاعل من واءل منه على وزن فاعل أي طلب النجاة وهرب والموثل الملجأ وقد وأل يئل وألا ووؤلا على فعول أي لجأ والسبل بالسين المهملة والباء الموحدة المفتوحتين هو المطر والراعد سحاب ذو رعد ويقال رعدت السماء رعدا من باب قتل ورعودا لاح منها الرعد كذا في المصباح يقول أنا في التجائي إليه كالهارب من السحاب ملتجئا إلى الميزاب ومثله قول الشاعر + ( البسيط ) + ( المستجير بعمرو عند كربته ** كالمستجير من الرمضاء بالنار )
____________________
1- ( السريع )

والبيت لسعيد بن حسان وقبله ( فررت من معن وإفلاسه ** إلى اليزيدي أبي واقد ) و معن هو معن بن زائدة الأمير الجواد المضروب مثلا في الجود والكرم وإنما قال وإفلاسه لأن الإفلاس لازم للكرام في أكثر الأيام واليزيدي هو أحد أولاد يزيد بن عبد الملك وقد أورد العتبي هذين البيتين في تاريخ يمين الدولة محمود بن سبكتكين تمثيلا ونسبهما إلى سعيد بن حسان ونقلتهما منه لأني لم أرهما إلا فيه ونقلت شرح بيته الأول من شرح التاريخ المذكور لأبي عبد الله محمود بن عمر النيسابوري الشهير بالنجاتي * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والأربعون (1) ( لا تخلنا على غراتك إنا ** طالما قد وشى بنا الأعداء ) على أن بعضهم جوز في السعة حذف أحد مفعولي باب علمت للقرينة مستدلا بهذا البيت أي لا تخلنا أذلاء الأولى هالكين أو جازعين والقرينة البيت الذي بعده وهو ( فبقينا على الشناءة تنمينا ** جدود وعزة قعساء ) أي فبقينا على بغض الأعداء لنا ولم يضرنا بغضهم والشناءة بالفتح
____________________
1- ( الخفيف )

والمد البغض وتنمينا ترفعنا يقال نماه كذا أي رفعه والقعساء الثابتة والجدود جمع جد بالفتح وهو الحظ والبخت وخال يخال بمعنى ظن وحسب وعلى بمعنى مع والغراة بالفتح والقصر اسم بمعنى الإغراء ويقال أغريته به إغراء فأغري به بالبناء للمفعول وقد روى على غرائك أيضا بالمد وهو مضاف لفاعله والمفعول محذوف أي الملك وقال أبو زيد في نوادره يقال أغريت فلانا بصاحبه إغراء وآسدت بينهما إيسادا إذا حملت كل واحد منهما على صاحبه حتى غري به أي لزق به غرى شديدا مقصور وغريت أنا بفلان فأنا أغرى به غرى إذا أولعت به من غير تحميل وأنشد هذا البيت وإنا بالكسر لأنه استئناف بياني وطالما أي كثيرا ما وهو فعل مكفوف عن الفاعل لاتصاله بما الكافة وروى أيضا قبل ما قد وشى بضم اللام أي قبلك وما زائدة ووشى به عند السلطان وشيا سعى به وقبل هذا البيت ( أيها الناطق المرقش عنا ** عند عمرو وهل لذاك بقاء ) و المرقش المزين أراد الذي يزين القول بالباطل يقول يا أيها الناطق عند الملك الذي يبلغه عنا ما يريبه في محبتنا إياه ودخولنا تحت طاعته هل لهذا التبليغ بقاء وهو استفهام إنكاري لأن الملك يبحث عنه فيعلم ذلك من الأكاذيب و عمرو هو عمرو هو عمرو بن المنذر الأكبر بن ماء السماء ويقال له أيضا عمرو بن هند ويلقب بالمحرق لأنه حرق بني تميم في النار وقيل بل حرق نخل اليمامة وهو من ملوك الحيرة وهذه الأبيات من المعلقة المشهورة لابن حلزة وهو الحارث بن حلزة من بني يشكر بن بكر بن وائل وهو بكسر الحاء المهملة وكسر اللام المشددة وهو في
____________________

اللغة كما قال الصاغاني اسم دويبة واسم البومة والذكر بدون هاء ويقال امرأة حلزة للقصيرة والبخيلة والحلز السيء الخلق انتهى وقال قطرب حكي لنا أن الحلزة ضرب من النبات ولم نسمع فيه غير ذلك قال أبو عبيدة أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة طويلة ثلاثة نفر عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وطرفة بن العبد وزعم الأصمعي أن الحارث قال قصيدته هذه وهو ابن مائة وخمس وثلاثين سنة وكان من حديثه أن عمرو بن هند لما ملك الحيرة وكان جبارا جمع بكرا وتغلب فأصلح بينهم وأخذ من الحيين رهنا من كل حي مائة غلام ليكف بعضهم عن بعض وكان أولئك الرهن يسيرون ويغزون مع الملك فأصابتهم سموم في بعض مسيرهم فهلك عامة التغلبيين وسلم البكريون فقالت تغلب لبكر بن وائل أعطونا ديات أبنائنا فإن ذلك لازم لكم فأبت بكر فاجتمعت تغلب إلى عمرو بن كلثوم فقال عمرو بن كلثوم لتغلب بمن ترون بكرا تعصب أمرها اليوم قالوا بمن عسى إلا برجل من بني ثعلبة قال عمرو أرى الأمر والله سينجلي عن أحمر أصلع أصم من بني يشكر فجاءت بكر بالنعمان بن هرم أحد بني ثعلبة بن غنم بن يشكر وجاءت تغلب بعمرو بن كلثوم فلما اجتمعوا عند الملك قال عمرو بن كلثوم للنعمان بن هرم يا أصم جاءت بك أولاد ثعلبة تناضل عنهم وقد يفخرون عليك فقال النعمان وعلى من أظلت السماء يفخرون قال عمرو بن كلثوم والله إني لو لطمتك لطمة ما أخذوا بها قال والله أن لو فعلت ما أفلت بها قيس أير أبيك فغضب عمرو بن هند وكان يؤثر بني تغلب على بكر وجرى بينهما كلام فغضب عمرو بن هند غضبا شديدا حتى هم بالنعمان فقام الحارث بن حلزة وارتجل هذه القصيدة وتوكأ على قوسه فزعموا أنه انتظم بها كفه وهو لا يشعر من الغضب وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب كان متكئا على عنزة فارتزت في جسده وهو لا يشعر والعنزة بفتح العين المهملة والنون رمح صغير فيه
____________________

زج أي حديدة وكان عمرو بن هند شريرا لا ينظر إلى أحد به سوء وكان ابن حلزة إنما ينشده من وراء حجاب لبرص كان به فلما أنشده هذه القصيدة أدناه حتى جلس إليه وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء وكان ينشده من وراء سبعة ستور فأمر برفع الستور عنه استحسانا لها * * * وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والأربعون وهو من شواهد سيبويه (1) ( ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ** كفاني ولم أطلب قليل من المال ) ( ولكنما أسعى لمجد مؤثل ** وقد يدرك المجد الموثل أمثالي ) على أنه ليس من التنازع وقد بينه الشارح المحقق وأصله من إيضاح ابن الحاجب وقد تكلم عليه ابن هشام أيضا في مغنى اللبيب في لو وفي الأشياء التي تحتاج إلى رابط من الباب الرابع بتحقيق لا مزيد عليه
____________________
1- ( الطويل )

بقى أن ابن خلف نقل في شرح أبيات الكتاب عن أبي عبد الله الحسن بن موسى الدينوري أنه قال والذي يقوى في نفسي وما سبقني إليه أحد أن قوله ولم أطلب معناه ولم أسع وهو غير متعد فلذلك لم يحفل به ولا أعمل الأول ولا أدري كيف خفي على الأفاضل من أصحابنا ذلك حتى جعلوا البيت شاهدا لجواز إعمال الأول انتهى وهذا ليس بشيء فإن الطلب معناه الفحص عن وجود الشيء عينا كان ذلك الشيء أو معنى والسعي السير السريع دون العدو ويستعمل للجد في الأمر وهذا غير معنى الطلب وقد يكون لازما له واستعماله في اللازم لا قرينة له مع أن الأول متعد والثاني لازم ولم أطلب مسند إلى ضمير المتكلم فكيف يرفع وما في أن ما مصدرية لا موصولة لاحتياجها إلى العائد المقدر أي أسعى له قال ابن خلف المجد الشرف وأصله الكثرة فكأن معناه كثرة الأفعال الجميلة التي توجب لصاحبها الشرف وهو الارتفاع انتهى ومثله في عمدة الحفاظ قال وأصل المجد من مجدت الإبل حصلت في مرعى كثير واسع وقد أمجدها الراعي جعلها في ذلك وتقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ويروى بصيغة الماضي والمرخ فاعله بمعنى استكثر النار وفي القاموس المجد نيل الشرف والكرم أو لا يكون إلا بالآباء وكرم الآباء خاصة والموثل قال ابن الأنباري في شرح المفضليات هو المجموع ومنه قول امرئ القيس وقال ابن السكيت الموثل المستمر المثبت يقال قد تأثل فلان بأرض كذا وكذا أي ثبت فيها وقال قال أبو عبيدة يقال مجد موثل قديم له أصل والتأثل اتخاذ أصل مال والأثلة بسكون المثلثة الأصل قال الأعشى
____________________

( ألست منتهيا عن نحت أأثلتنا ) وهذا البيتان من قصيدة لامرىء القيس مطلعها ( ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ) وقد شرحنا في الشاهد الثالث من أولها إلى قوله ( نظرت إليها والنجوم كأنها ** مصابيح رهبان تشب لقفال ) عشرين بيتا وقد أخذ هذين البيتين وبسط معناهما خفاف بن غضين البرجمي كما رأيته في مختار أشعار القبائل لأبي تمام وفي المؤتلف والمختلف للآمدي (1) ( ولو أن ما أسعى لنفسي وحدها ** لزاد يسير أو ثياب على جلدي ) ( لأنت على نفسي وبلغ حاجتي ** من المال مال دون بعض الذي عندي ) ( ولكنما أسعى لمجد مؤثل ** وكان أبي نال المكارم عن جدي ) و خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى وغضين بضم الغين وفتح الضاد المعجمتين وأنت بضم الهمزة فهي ماض من الأون وهو الدعة والرفق والمشي الهين وبعد هذين البيتين وهو آخر القصيدة ( وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ** بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي ) أي ولا بمقصر من ألا يألو بمعنى قصر وقبلهما بيتان وحكايتهما بين سيف الدولة والمتنبي مشهورة وهما ( كأني لم اركب جوادا للذة ** ولم أتبطن كاعبا ذات خلجال )
____________________
1- ( الطويل )

( ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال ) أخذهما عبد يغوث الجاهلي وأودعهما في قصيدة قالها بعد أن أسر في يوم الكلاب الثاني ولم يرد عليه ما ورد على امرئ القيس وهما ( كأني لم أركب جوادا ولم أقل ** لخيلي كري نفسي عن رجاليا ) ( ولم اسبأ الزق الروي ولم أقل ** لأيسار صدق عظموا ضوء ناريا ) و الأيسار جمع ياسر وهو الجازر والذي يلي قسمة جزور الميسر ونسب امرئ القيس على ما في المؤتلف والمختلف امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع ابن معاوية بن ثور الأكبر وهو كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة ابن أدد الشاعر المقدم ونسبه لابن الأنباري في شرح المعلقات امرؤ القيس بن حجر بن الحارث ابن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن الحارث بن مرة بن عدي بن أدد بن عمرو بن هميسع بن عريب بن عمرو بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ومرتع بسكون الراء وكسر التاء ذكره ابن ماكولا وابن الكلبي وقال سمي بذلك لأنه كان يقال له أرتعنا فيقول أرتعتكم أرض كذا والتشديد ذكره أيضا لغة انتهى وقال الصاغاني في التكملة إن مرتعا اسمه عمرو وذكر بقية نسبه وهو أدد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
____________________

قال ابن خلف ويكنى امرؤ القيس أبا زيد وأبا وهب وأبا الحارث وذكر بعض اللغويين أن اسمه حندج وامرؤ القيس لقب له لقب به لجماله وذلك أن الناس قيسوا إليه في زمانه فكان أفضلهم والحندج بضم الحاء المهملة والدال وسكون النون وآخره جيم وهو في اللغة الرملة الطيبة وقيل كثيب من الرمل أصغر من النقا ويقال لامرئ القيس ذو القروح أيضا لقوله (1) ( وبدلت قرحا داميا بعد صحة ) ويقال له الملك الضليل وحجر في الموضعين بضم الحاء المهملة وسكون الجيم والمرار بضم الميم وتخفيف الراءين المهملتين شجر من أفضل العشب وأضخمة إذا أكلته الإبل قلصت مشافرها فبدت أسنانها ولذلك قيل لجد امرئ القيس آكل المرار لكشر كان به وهذه أحواله على وجه الإجمال قال ابن قتيبة في ترجمته ولما ملك حجر على بني أسد كان يأخذ منهم شيئا معلوما فامتنعوا منه فسار إليهم فأخذ سراوتهم فقتلهم بالعصي فسموا عبيد العصا وأسر منهم طائفة فيهم عبيد بن الأبرص فقام بين يدي الملك وأنشده أبياتا يرققه بها منها + ( مجزوء الكامل ) + ( أنت المليك عليهم ** وهم العبيد إلى القيامه ) فرحمهم الملك وعفا عنهم وردهم إلى بلادهم حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكهن كاهنهم عوف بن ربيعة الأسدي فقال يا عبادي قالوا لبيك ربنا فسجع لهم على قتل حجر وحرضهم عليه فركبت بنو أسد كل صعب
____________________
1- ( الطويل )

وذلول فما أشرق لهم الضحى حتى انتهوا إلى حجر فوجدوه نائما فذبحوه وشدوا على هجائنه فاستاقوها وكان امرؤ القيس طرده أبوه لما صنع في الشعر بفاطمة ما صنع وكان لها عاشقا فطلبها زمانا فلم يصل إليها وكان يطلب منها موعدا حتى كان منها يوم الغدير بدارة جلجل ما كان فقال ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) فلما بلغ ذلك حجرا دعا مولى له يقال له ربيعة فقال له اقتل امرأ القيس وائتني بعينيه فذبح جؤذرا فأتاه بعينيه فندم حجر على ذلك فقال أبيت اللعن إني لم أقتله قال فائتني به فانطلق فإذا هو قد قال شعرا في رأس جبل وهو قوله (1) ( فلا تسلميني يا ربيع لهذه ** وكنت أراني قبلها بك واثقا ) فرده إلى أبيه فنهاه عن قول الشعر ثم إنه قال (1) ( إلا عم صباحا أيها الطلل البالي ** ) فبلغ ذلك أباه فطرده كذا قال ابن قتيبة وفيه أن امرأ القيس قال هذه القصيدة في طريق الشام عند مسيره إلى قيصر بعد قتل أبيه ولعله شعر آخر ثم قال ابن قتيبة فبلغه مقتل أبيه وهو بدمون فقال + ( الرجز ) + ( تطاول الليل علينا دمون ** دمون إنا معشر يمانون ) ( وإننا لأهلنا محبون ** )
____________________
1- ( الطويل )

ثم قال ضيعني صغيرا وحملني دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر ثم آلى لا يأكل لحما ولا يشرب خمرا حتى يثأر بأبيه فلما كان الليل لاح له برق فقال (1) ( أرقت لبرق بليل أهل ** يضيء سناه بأعلى جبل ) ( بقتل بني أسد ربهم ** ألا كل شيء سواه جلل ) ثم استجاش بكر بن وأئل فسار إليهم وقد لجئوا إلى كنانة فأوقع بهم ونجت بنو كاهل من بني أسد فقال + ( الرجز ) + ( يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا ** القاتلين الملك الحاحلا ) ( تالله لا يذهب شيخي باطلا ) وقد ذكر امرؤ القيس في شعره أنه ظفر بهم فيأبى عليه ذلك الشعراء قال عبيد + ( مجزوء الكامل ) + ( يا ذا المخوفنا بقتل أبيه إذلالا وحينا ) ( أزعمت أنك قد قتلت سراتنا كذبا ومينا ) ولم يزل يسير في العرب يطلب النصر حتى خرج إلى قيصر يستمده ونظرت إليه ابنه قيصر فعشقته فكان يأتيها وتأتيه وفطن الطماح بن قيس الأسدي لهما وكان حجر قتل أباه فوشى به إلى الملك فخرج امرؤ القيس متسرعا
____________________
1- ( المتقارب )

فبعث قيصر في طلبه رسولا فأدركه دون أنقرة بيوم ومعه حلة مسمومة فلبسها في يوم صائف فتناثر لحمه وتفطر جسده ومات هناك وكان يحمله جابر بن حني التغلبي فذلك قوله (1) ( فإما تريني في رحالة جابر ** على حرج كالقر تخفق أكفاني ) ( فيا رب مكروب كررت وراءه ** وعان فككت الغل منه فقداني ) ( إذا المرء لم يخزن عليه لسانه ** فليس على شيء سواه بخزان ) وقال حين حضرته الوفاة + ( منهوك الكامل ) + ( وطعنة مسحنفره ** وجفنه مثعنجره ) ( تبقى غدا بأنقره ) قال ابن الكلبي هذا آخر شيء تكلم به ثم مات وجابر بن حني بضم المهملة وفتح النون والياء المشددة والرحالة بالكسر قيل السرج وقيل السرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد والحرج الضيق والقر بفتح القاف مركب للرجال كالهودج والمسحنفر الواسع والمثعنجر السائل المنسكب ثم قال ابن قتيبة قال أبو عبد الله الجمحي كان امرؤ القيس ممن يتعهر في شعره وذلك قوله (1)
____________________
1- ( الطويل )

( فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ) وقال (1) ( سموت إليها بعد ما نام أهلها ) وقد سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته فيها الشعراء من استيقاف صحبه والتبكاء في الديار ودقة التشبيه وقرب المأخذ ويستجاد من تشبيهه قوله ( الطويل ) ( كأن عيون الوحش حول خبائنا ** وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب ) ومما عيب عليه قوله (1) ( إذا ما الثريا في السماء تعرضت ** تعرض أثناء الوشاح المفصل ) قالوا الثريا لا تعرض لها وإنما أراه أراد الجوزاء فذكر الثريا على الغلط كما
____________________
1- ( الطويل )

قال الآخر كأحمر عاد وإنما هو كأحمر ثمود وهو عاقر الناقة وأقبل قوم من اليمن يريدون النبي & فضلوا الطريق ومكثوا ثلاثا لا يقدرون على الماء إذ أقبل راكب على بعير وأنشد بعض القوم (1) ( ولما رأت أن الشريعة همها ** وأن البياض من فرائصها دامي ) ( تيممت العين التي عند ضارج ** يفيء عليها الظل عرمضها طامي ) فقال الراكب من يقول هذا قالوا امرؤ القيس فقال والله ما كذب هذا ضارج عندكم وأشار إليه فمشوا على الركب فإذا ماء غدق وإذا عليه العرمض والظل يفيء عليه فشربوا وحملوا ولولا ذلك لهلكوا انتهى كلام ابن قتيبة ( تتمه ) ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف عشرة من الشعراء ممن اسمهم امرؤ القيس واحد منهم صحابي وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي وزاد صاحب القاموس على ما قال الآمدي اثنين وهما صحابيان أحدهما امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي وامرؤ القيس بن الفاخر بن الطماح * * *
____________________
1- ( الطويل )

( مفعول ما لم يسم فاعله أنشد فيه وهو الشاهد الخمسون (1) ( نبئت عمرا غير شاكر نعمتي ) على أن أعلم وأخواتها مما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل إذا بنيت للمفعول لا ينوب عن الفاعل إلا المفعول الأول كما في هذا البيت فإن ضمير المتكلم كان في الأصل مفعولا أولا والتقدير نبأني فلان فلما بنى فعله للمفعول ناب عن الفاعل وقد بينه الشارح المحقق وعمرأ هو المفعول الثاني وغير المفعول الثالث وأصلهما المبتدأ والخبر وهذا المصراع صدر وعجزه ( والكفر مخبثة لنفس المنعم ** ) وهذا البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسي والكفر هنا الجحد يقال كفر النعمة وبالنعمة إذا جحدها ومخبثة بفتح الميم من الخبث يقال خبث الشيء خبثا من باب قرب خلاف طاب والاسم الخباثة ومفعلة صيغة سبب الفعل والحامل عليه والداعي إليه كقوله & الولد مجبنة مبخلة أي سبب يجعل والده جبانا لم يشهد الحروب ليربيه ويجعله بخيلا يجمع المال ويتركه لولده من بعده ومثله كثير في العربية ولم يتكلم علماء التصريف على هذه الصيغة قال الخطيب التبريزي في شرح المعلقة يقال طعام مطيبة للنفس ومخبثة لها وشراب مبولة انتهى يقول من أنعمت عليه نعمة فلم ينشرها ولم يشكرها فإن ذلك سبب لتغير نفس المنعم من الإنعام على كل أحد وليس المعنى يتغير نفس المنعم على ذلك الجاحد كما قال شراح المعلقة فإنه تقصير
____________________
1- ( الكامل )

وهذا المصراع من باب إرسال المثل ولما كان هذا البيت تاما في نفسه لم نضف إليه شيئا من هذه القصيدة وترجمة عنترة قد تقدمت مع أبيات من هذه المعلقة في الشاهد الثاني عشر * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والخمسون (1) ( ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسب بذلك الجرو الكلابا ) على أن الكوفيين وبعض المتأخرين أجازوا نيابة الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول الصريح قال ابن جني في الخصائص هذا من أقبح الضرورة ومثله لا يعتد به أصلا بل لا يثبت إلا محتقرا شاذا وبعض المتأخرين هو علي بن سليمان الأخفش تلميذ المبرد وقفيرة بتقديم القاف على الفاء وبالراء المهملة مصغرا اسم أم الفرزدق وروي فكيهة أيضا على وزنه وهو تحريف والجرو مثلث الجيم ولد السباع ومنها الكلب ذم الشاعر قفيرة بأنها لو ولدت جروا لسبت جميع الكلاب بسبب ذلك الجرو لسوء خلقه وخلقه وقال القالي في شرح اللباب وقيل الكلاب ليست مفعوله بل مفعول ولدت وجرو نصب على النداء أو على الذم وقيل الكلاب نصب على الذم وجمع لأن قفيرة وجروا وكلبا ثلاثة انتهى
____________________
1- ( الوافر )

وهذا التخريج نقله ابن الحاجب في أمالية عن أبي جعفر النحاس في كتابه الكافي في النحو عن أبي إسحاق الزجاج وقال معنى قوله لسب لحصل السب بسبب ذلك الجرو وهذا مستقيم وهذا البيت من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق مطلعها (1) ( أقلي اللوم عاذل والعتابا ** وقولي إن أصبت لقد أصابا ) وتقدم شرحه مع ترجمة جرير في الشاهد الرابع وقبل البيت الشاهد ( وهل أم تكون أشد رعيا ** وصرا من قفيرة واحتلابا ) وقد نقض هذه القصيدة عليه الفرزدق بقصيدة وكلتاهما مسطورة في النقائض * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والخمسون وهو من شواهد س ( أمرتك الخير ) وهو قطعة من بيت وهو + ( البسيط ) +
____________________
1- ( الوافر )

( أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب ) على أن الجزولي منع نيابة المنصوب بسقوط الجار مع وجود المفعول به المنصوب من غير حذف الجار وأصله أمرتك بالخير لأن أمر يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد وهو الكاف هنا وبحرف الجر إلى آخر ف الخير منصوب بنزع الباء بدليل ما أمرت به قال الأعلم وسوغ الحذف والنصب أن الخير اسم فعل يحسن أن وما عملت فيه في موضعه وأن يحذف معها حرف الجر كثيرا تقول أمرتك أن تفعل تريد بأن تفعل فإذا وقع موقع أن اسم فعل شبه بها فحسن الحذف فإن قلت أمرتك بزيد لم يجز أن تقول أمرتك زيدا انتهى ونقل ابن هشام اللخمي هذا الكلام في شرح أبيات الجمل إلا أنه قال الخير مصدر وهذا ليس بجيد قال المرزوقي في شرح الفصيح عند قول الشاعر (1) ( ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما ) يجوز أن يكون جعل الخير كناية عن كل ما يحمد من إصابة الحق وتعاطي العدل واتباع الرشد ويكون ومن يغو على الضد منه ويجوز أن يكون الخير كناية عن الغنى خاصة والغي كناية عن الفقر وقد علم أن الغنى محمود والفقر مذموم والعرب تسمى كل مرتضى عندهم خيرا وحقا وصوابا
____________________
1- ( الطويل )

وحسنا وكل مذموم عندهم شرا وخطأ وسيئة وجهلا وغيا انتهى وقد أورد القاضي هذا البيت عند قوله تعالى ( فأفعلوا ما تؤمرون على أنه بتقدير تؤمرون به كما في البيت ولا يخفى ركاكة قول شارح شواهده الموصلي إن الأمر لا يستعمل إلا بالباء وقد شاع حذفه في هذا الفعل وكثر استعمال أمرته كذا حتى لحقت بالأفعال المتعدية إلى مفعولين هذا كلامه روى أبو علي الهجري في نوادره أمرتك الرشد بدل الخير وهو الصلاح وإصابة الصواب وفعله من بابي تعب وقتل وأمرت بالبناء للمفعول وضمير به لما الموصولة أو الموصوفة والفاء الأولى جواب شرط مقدر أي إن تمتثل فافعل وقال اللخمي جواب لما في الجملة من معنى الأمر والفاء الثانية جواب الأمر وقال أيضا ذا حال من الكاف في تركتك والعامل فيه ترك وهو بمعنى صاحب وهو عند ابن درستويه مفعول ثان لتركت لأنها تتعدى إلى مفعولين والثاني هو الأول وهذا وهم لأن تركت في معنى خليت وخليت لا يجيء معها إلا الحال فكذلك لا يجيء مع تركت إلا الحال انتهى والصواب أن ترك يتضمن معنى جعل فيتعدى تعديته وهذا مستفيض لا يخفى على مثله وقال ابن خلف وتركتك إن كان بمعنى صيرتك كان ذا مال مفعولا ثانيا كما تقول تركت زيدا فقيه البلد إذا كنت أنت الذي فقهته وعلمته ومنه قوله سبحانه ( تركناها آية ) أي جعلناها وصيرناها وإن كانت بمعنى خلفتك كان ذا مال حالا كما تقول تركت زيدا وهو فقيه البلد انتهى وقد للتحقيق وقال اللخمي يجوز أن تكون للتوقع أيضا والمال قال
____________________

اللخمي في شرح فصيح ثعلب هو عند العرب الإبل والبقر والغنم ولا يقال للذهب والفضة مال وإنما يقال لهما ناض وأقله ما تجب فيه الزكاة وما نقص عن ذلك فليس بمال وحكى أبو عمر صاحب الياقوته المال الصامت والناطق فالصامت الدنانير والدراهم والجواهر والناطق البعير والبقرة والشاة قال ومنه قولهم ماله صامت ولا ناطق ومنهم من أوقع المال على جميع ما يملكه الإنسان وهو الصحيح انتهى ويشهد للقول الأخير قوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم وهذا لا يخص شيئا دون شيء والنشب بالشين المعجمة قيل بمعنى جميع ما يملك بمعنى المال وقيل المال الأصيل الثابت بمعنى العقار كالدور والضياع مأخوذ من نشب الشيء إذا ثبت في موضع لزومه فعلى الأول يكون من عطف المترادفين للتوكيد وعلى الثاني يكون من عطف الخاص على العام وإن فسر المال بغير القول الأخير كان من عطف المتقابلين وقال الأعلم قد قيل إن النشب هنا جميع المال فيكون عطفه على الأول مبالغة وتوكيدا وسوغ ذلك أختلاف اللفظين وهذا كلامه فتأمله وهذه رواية سيبويه في كتابه ولم يختلفوا فيه ورواه الهجري في نوادره ذا نسب بالسين المهملة قال اللخمي وأبو الوليد الوقشي فيما كتبه على كامل المبرد هذا هو الصحيح لأنه لا معنى لإعادة ذكر المال وإنما يقول تركتك غنيا حسيبا يخاطب ابنه وقد نسب السيوطي في شرح أبيات المغني هذا الكلام لابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل وهذا لا أصل له فإنه لم يكتب عليه هنا شيئا وإنما كتب ما يقارب هذا في أبيات الجمل وقد ورد هذا البيت في شعرين أحدهما في شعر أعشى طرود والثاني في شعر اختلف في قائله أما الأول فقد نقله الآمدي في المؤتلف والمختلف وأبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب وهو (1)
____________________
1- ( البسيط )

( يا دار أسماء بين السفح فالرحب ** أقوت وعفى عليها ذاهب الحقب ) ( فما تبين منها غير منتضد ** وراسيات ثلاث حول منتصب ) ( وعرصة الدار تستن الرياح بها ** تحن فيها حنين الوله السلب ) ( دار لأسماء إذ قلبي بها كلف ** وإذ أقرب منها غير مقترب ) ( إن الحبيب الذي أمسيت أهجره ** من غير مقلية مني ولا غضب ) ( أصد عنه ارتقابا أن ألم به ** ومن يخف قالة الواشين يرتقب ) ( إني حوبت على الأقوام مكرمة ** قدما وحذرني ما يتقون أبي ) ( وقال لي قول ذي علم وتجربة ** بسالفات أمور الدهر والحقب ) ( أمرتك الرشد فافعل ما أمرت به ** ) انتهى وقال اللخمي من قال إن البيت لأعشى طرود قال بعده ( لا تبخلن بمال عن مذاهبه ** في غير زلة إسراف ولا تغب ) ( فإن وراثه لن يحمدوك به ** إذا أجنوك بين اللبن والخشب ) وقد أورد الهجري أيضا في نوادره هذين البيتين بعد البيت الشاهد وأما الثاني فهو هذا (1) ( فقال لي قول ذي رأي ومقدرة ** مجرب عاقل نزة عن الريب ) ( قد نلت مجدا فحاذر أن تدنسه ** أب كريم وجد غير مؤتشب ) ( أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ** فقد تركتك ذا مال وذا نشب ) ( واترك خلائق قوم لا خلاق لهم ** واعمد لأخلاق أهل الفضل والأدب ) ( وإن دعيت لغدر أو أمرت به ** فاهرب بنفسك عند آبد الهرب ) وهذا الشعر قد نسب إلى عمرو بن معد يكرب وللعباس بن مرداس ولزرعة ابن السائب ولخفاف بن ندبة قال اللخمي من نسب البيت لأحد الثلاثة الأول قال قبلة ( فقال لي قول ذي رأي ومقدرة البيت ** ) ونسب قوله فاترك خلائق قوم لا خلاق لهم
____________________
1- ( البسيط )

وقوله قد نلت مجدا فحاذر أن تدنسه البيتين إلى أعشى طرود لا غير وقال هما بعد البيت الشاهد وقد نسب البيت في كتاب سيبويه لعمرو بن معد يكرب والله أعلم وأعشى طرود قال الآمدي في المؤتلف والمختلف لم يذكر اسمه ولا عرف نسبه إلى القبيل وبنو طرود من فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان وهم حلفاء بني سليم ثم في بني خفاف انتهى ونقل الصاغاني في العباب هذا الكلام ولم يزد عليه وقال أبو الوليد الوقشي نقلا عن نوادر الهجري واللخمي نقلا عن أبي مروان عبد الملك بن سراج إن أعشى طرود اسمه إياس بن موسى بكسر الهمزة بعدها مثناة تحتية ولم يزيدا على هذا قال المرزباني حضر هوذه بن الحارث المعروف بابن حملة في أيام عمر العطاء فدعا قبله إياس بن موسى هذا فقال هوذة (1) ( لقد دار هذا الأمر في غير أهله ** فابصر أمين الله كيف تذود ) ( ايدعى جشيم والسويد أمامنا ** ويدعى إياس قبلنا وطرود ) ( فإن كان هذا في الكتاب فهم إذن ** ملوك سوى حرب ونحن عبيد ) انتهى وفهم من هذا أن أعشى طرود إسلامي لكن لو يعلم ما هو صحابي أم تابعي والله أعلم وقوله يا دار أسماء بين السفح إلخ قال ياقوت في معجم البلدان السفح بلفظ سفح الجبل وهو أسفله حيث يسفح فيه الماء وهو موضع كانت به وقعة بين بكر بن وائل وتميم ولم يذكر أبو عبيد هذه الكلمة في المعجم
____________________
1- ( الطويل )

والرحب بضم الراء وفتح الحاء المهملتين موضع ولم يذكرها أبو عبيد ولا ياقوت وأقوت خلت من الأنيس كأنه ذهب قوتها وعفى عليها بالتشديد كعفاها أي طمسها ومحا علاماتها والحقب بضمتين الدهر وبكسر ففتح جمع حقبة وهي السنة أي طمسها الدهر الذاهب والسنون الماضية وتبين ظهر والمنتضد الحجارة المصفوفة بعضها فوق بعض وأراد بقوله راسيات ثلاث حجارة القدر الثلاثة وهو معطوف على منتضد وكذلك عرصة واستنت الرياح هبت عليها من هنا ومن هنا والوله جمع الواله المرأة التي فقدت ولدها والسلب بضمتين اللابسة الثياب السود وتحن من الحنين بمعنى الأنين وقوله وإذ أقرب منها إلخ أي أمني نفسي منها ما لا يكون والمقلية بتخفيف الياء مصدر بمعنى القلى وهو البغض والكراهية والارتقاب الانتظار وأن ألم أي لأن أنزل وأحل به والتغب بمثناة فوقية فغين معجمة قال اللخمي هو جمع تغبة وهي السقطة وما يعاب به ابنه والتغب أيضا الهلاك وقال في الصحاح تغب بالكسر تغبا هلك ونزه بفتح وسكون الزاي البعيد سكن الزاي وهي مكسورة للضرورة والمؤتشب المختلط يقال أشبت القوم إذا خلطت بعضهم ببعض * * *
____________________

( المبتدأ والخبر ) أنشد فيه وهو الشاهد الثالث والخمسون (1) ( غير مأسوف على زمن ** ينقضي بالهم والحزن ) أورده مثالا لإجراء غير قائم الزيدان مجرى ما قائم الزيدان لكونه بمعناه \ وتخريج البيت على هذا أحد أقوال ثلاثة هو أحسنها وإليه ذهب ملك النحاة الحسن بن أبي نزار وابن الشجري أيضا في أمالية و مأسوف اسم مفعول من الأسف وهو أشد الحزن وباب فعله فرح وعلى زمن متعلق به على أنه نائب الفاعل وجملة ينقضي صفة لزمن وبالهم حال من ضميره أي مشوبا بالهم فلما كانت غير للمخالفة في الوصف وجرت لذلك مجرى حرف النفي وأضيفت إلى اسم المفعول المسند إلى الجار والمجرور والمتضايفان بمنزلة الاسم الواحد سد ذلك مسد الجملة كأنه قيل ما يؤسف على زمن هذه صفته قال أبو حيان في تذكرته ولم أر لهذا البيت نظيرا في الأعراب إلا بيتا في قصيدة المتنبي يمدح بها بدر بن عمار الطبرستاني يقول فيها + ( الرمل ) + ( ليس بالمنكر أن برزت سبقا ** غير مدفوع عن السبق العراب ) ف العراب مرفوع بمدفوع ومن جعله مبتدأ فقد أخطأ لأنه يصير التقدير
____________________
1- ( المديد )

العراب غير مدفوع عن السبق والعراب جم فلا أقل من أن يقول غير مدفوعة لأن خبر المبتدأ لا يتغير تذكيره وتأنيثه بتقديمة وتأخيره والقول الثاني لابن جني وتبعه ابن الحاجب وهو أن غير خبر مقدم والأصل زمن ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه ثم قدمت عليه وما بعدها ثم حذف زمن دون صفته فعاد الضمير المجرور بعلى على غير مذكور فأتى بالاسم الظاهر مكانه وحذف الموصوف بدون شرطه المعروف ضرورة والثالث وهو لابن الخشاب أن غير خبر لأنا محذوفا ومأسوف مصدر كالمعسور والميسور أريد به اسم الفاعل والتقدير أنا غير آسف على زمن هذه صفته وهذا البيت لأبي نواس وهو ليس ممن يستشهد بكلامه وإنما أورده الشارح مثالا للمسألة ولهذا لم يقل كقوله وبعده بيت ثان وهو ( إنما يرجو الحياة فتى ** عاش في أمن من المحن ) و أبو نواس هو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي بفتح الحاء والكاف نسبة إلى الحكم بن سعد العشيرة وهي قبيلة كبيرة منها الجراح ابن عبد الله الحكمي أمير خراسان وكان جد أبي نواس من مواليه وإنما قيل له أبو نواس لذوابتين كانتا له تنوسان على عاتقة و الذؤابة بهمزة بعد الذال المضمومة الضفيرة من الشعر إذا كانت غير ملوية فإن كانت ملوية فهي عقيصة والذؤابة أيضا طرف العمامة وناس ينوس إذا تدلى وتحرك والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء وقيل إن خلفا الأحمر كان له ولاء في اليمن وكان أميل الناس إلى أبي نواس فقال له يوما أنت من اليمن فتكن باسم ملك من ملوكهم الأذواء فاختار ذا نواس فكناه أبا نواس بحذف صدره وغلبت عليه ومولده بالبصرة سنة خمس وأربعين ومائة وقيل ست وثلاثين ومائة ومات ببغداد سنة خمس وتسعين ومائة وقيل سنة ست وقيل سنة ثمان ونشأ بالبصرة ثم خرج إلى الكوفة وقيل بل ولد بالأهواز وقيل بكورة من كور خوزستان سنة إحدى وأربعين ومائة ونقل منها وعمره سنتان إلى البصرة
____________________

وأمه أهوازية اسمها جلبان وكان أبوه من أهل دمشق من جند مروان الحمار انتقل إلى الأهواز للرباط فتزوجها وقدم أبو نواس بغداد مع والبة بن الحباب الشاعر وبه تخرج وعرض القرآن على يعقوب الحضرمي وأخذ اللغة عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة ومدح الخلفاء والوزراء وكان في الشعر من الطبقة الأولى من المولدين قال أبو عبيدة أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين وشعره عشرة أنواع وهو مجيد في الكل وما زال العلماء والأشراف يروون شعره ويتفكهون به ويفضلونه على أشعار القدماء وقال أبو عمرو الشيباني لولا أن أبا نواس أفسد بهذه الأقذار يعني الخمور لا حتججنا به لأنه كان محكم القول لا يخطئ وديوان شعره مختلف لاختلاف جامعيه فإنه أعتنى بجمعه جماعة منهم أبو بكر الصولي وهو صغير ومنهم علي بن حمزة الأصبهاني وهو كبير جدا وكلاهما عندي ولله الحمد على نعمة ومنهم إبراهيم بن أحمد الطبري المعروف بتوزون ولم أره إلى الآن * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والخمسون (1) ( على مثلها من أربع وملاعب ** تذال مصونات الدموع السواكب [ ) على أنه لما أنشد المصراع الأول عارضه شخص فقال لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فانخزل منه وترك الإنشاد لأن تقديم الخبر في مثله يوهم الدعاء
____________________
1- ( الطويل )

باللعنة وسمى ابن أبي الإصبع هذا النوع في تحرير التحبير التوليد وقال التوليد على ضربين من الألفاظ ومن المعاني فالذي من الألفاظ هو أن يزوج المتكلم كلمة من لفظه إلى كلمة من غيره فيتولد بينهما كلام يناقض غرض صاحب الكلمة الأجنبية وذلك في الألفاظ المفرده دون الجمل المؤتلفة ومثاله ما حكى أن مصعب بن الزبير وسم خيله بلفظه عدة فلما قتل وصارت إلى العراق رآها الحجاج فوسم بعد لفظة عدة لفظة الفرار فتولد بين اللفظتين غير ما أراده مصعب ومن توليد الألفاظ توليد المعنى من تزويج الجمل المفيدة ومن لطيف التوليد قول بعض العجم (1) ( كأن عذاره في الخد لام ** ومبسمه الشهي الطعم صاد ) ( وطرة شعره ليل بهيم ** فلا عجب إذا سرق الرقاد ) فإن هذا الشاعر ولد من تشبيه العذار باللام وتشبيه الفم بالصاد لفظه لص وولد من معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم فجعل في هذا البيت توليدا وإدماجا وهذا من أغرب ما سمعت ومثاله ما حكي أن أبا تمام أنشد أبا دلف ( على مثلها من أربع وملاعب ** ) فقال بعض من أراد نكتة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فولد من الكلامين كلاما ينافي غرض أبي تمام من وجهين أحدهما خروج الكلام عن التشبيب إلى الهجاء بسبب ما انضم إليه من الدعاء والثاني خروج الكلام عن أن يكون بيتا من شعر إلى أن صار قطعة من نثر ومن هذا الضرب قول الشاعر + ( الطويل ) + ( ألوم زيادا في ركاكة عقله ** وفي قوله أي الرجال المهذب ) ( وهل يحسن التهذيب منك خلائقا ** أرق من الماء الزلال وأطيب )
____________________
1- ( الوافر )

( تكلم والنعمان شمس سمائه ** وكل مليك عند نعمان كوكب ) ( ولو أبصرت عيناه شخصك مرة ** لأبصر منه شمسه وهي غيهب ) فإن هذا الشاعر زوج مدح ممدوحه بتهذيب الأخلاق إلى قول النابغة أي الرجال المهذب فتولد بين الكلامين ما ينافي غرض النابغة حيث أخرج الشاعر كلامه مخرج المنكر على النابغة ذلك الاستفهام وأوضح مناقضته للنابغة ببيته الثاني وهو قوله وهل يحسن التهذيب البيت وزوج قوله في عجز البيت الثالث وكل مليك عند نعمان كوكب إلى قول النابغة بأنك شمس والملوك كواكب بدليل قول الشاعر يعني النابغة تكلم والنعمان شمس سمائه البيت فتولد بين الكلامين قوله (1) ( ولو أبصرت عيناه شخصك مرة ** لأبصر منه شمسه وهي غيهب ) وأما الضرب الثاني وهو ما تولد من المعاني كقول القطامي + ( البسيط ) + ( قدء يدرك المتأني بعض حاجته ** وقد يكون مع المستعجل الزلل ) فقال من بعده + ( البسيط ) + ( عليك بالقصد فيما أنت فاعله ** إن التخلق يأتي دونه الخلق ) فمعنى صدر هذا البيت معنى بيت القطامي بكماله ومعنى عجز البيت مولد بينهما وهو قوله ( إن التخلق يأتي دونه الخلق ** )
____________________
1- ( الطويل )

والقطامي أخذ معناه من عدي بن زيد العبادي حيث قال (1) ( قد يدرك المبطئ من حظه ** والخير قد يسبق جهد الحريص ) وعدي نظر إلى قول جمانة الجعفي + ( الطويل ) + ( ومستعجل والمكث أدنى لرشده ** ولم يدر في استعجاله ما يبادر ) ومن التوليد توليد بديع من بديع كقول أبي تمام + ( الطويل ) + ( لها منظر قيد النواظر لم يزل ** يروح ويغدو في خفارته الحب ) فإنه ولد قوله قيد النواظر من قول امرئ القيس قيد الأوابد لأن هذه اللفظة التي هي قيد انتقلت بإضافتها من الطرد إلى النسيب فكأن النسيب تولد من الطرد وتناول اللفظ المفرد لا يعد سرقة وإنما سقنا هذا الفصل برمته لغرابته وقلما يوجد في موضع آخر وقول أبي تمام على مثلها من أربع ضمير مثلها مفسر بالتمييز المجرور بمن والأكثر أن يكون التمييز مفسرا لضمير نعم وبئس ورب قال ابن هشام في المغني والزمخشري يفسر الضمير بالتمييز في غير بابي نعم ورب وذلك أنه قال في فسواهن سبع سموات الضمير في فسواهن ضمير مبهم وسبع سموات تفسيره كقولهم ربه رجلا ولولا تشبيهه بربه رجلا لحمل على البدل والأربع جمع ربع بالفتح وهو محلة القوم ومنزلهم والملاعب جمع ملعب وهو موضع اللعب وتذال مبني للمجهول مضارع أذاله بمعنى أهانة وهو متعدي ذال الشيء ذيلا هان والثابت في نسخ ديوانه وشروحه أذيلت والمصونات من الصون وهو خلاف الابتذال والسواكب المنصبة فإن سكب يأتي لازما يقال سكب الماء سكبا وسكوبا أنصب ويأتي متعديا يقال سكب زيد الماء قال الإمام أبو بكر بن يحيى الصولي في شرحه قد أنكر بعضهم مصونات الدموع السواكب وقال كيف يكون من السواكب ما هو مصون وإنما أراد أبو تمام أذيلت مصونات الدموع التي هي الآن سواكب
____________________
1- ( السريع )

ثم قوله أذيلت بمعنى صبت صبا سائلا حتى يصير لها ذيل ليس بجيد فإن معنى البيت أهينت الدموع الغزيرة يسكبها على مثل هذه المنازل لخلها من الحبائب وهذا البيت مطلع قصيدة مدح بها أبا دلف القاسم بن عيسى العجلي وبعده (1) ( أقول لقرحان من البين لم يجد ** رسيس الهوى بين الحشا والترائب ) ( أعني أفرق شمل دمعي فإنني ** ارى الشمل منهم ليس بالمتقارب ) إلى أن قال ( إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد ** تقطع ما بيني وبين النوائب ) ( هنالك تلقى الجود حيث تقطعت ** تمائمه والمجد مرخى الذوائب ) ( تكاد عطاياه يجن جنونها ** إذا لم يعوذها بنغمة طالب ) قال الإمام المرزوقي في شرح ديوانه القرحان أصله الذي لم يصبه الجدري واستعارة هنا لمن لم يمتحن بالنوى ولم يدخل في إسار الهوى قال في الصحاح رس الحمى ورسيسها أول مسها وقوله أعني أفرق البيت قال الصولي اي لا أرى شملهم مجتمعا بالرجوع إليها يقول قد اجتمع دمعي لأني لم أبك حتى رأيت منازلهم فأعني بوقفة ثم معي حتى أبكيهم فأستريح وقوله إذا العيس لاقت بي البيت يقول إذا أقدمتني الإبل إليه انقطعت الأسباب بيني وبين النوائب أي لم يبق لها سبيل علي وقوله هنالك تلقى الجود البيت قال الصولي يقال تقطعت تمائم فلان في بني فلان إذا تربى ونشأ فيهم وأراد إن المجد كالآمن فيهم أن يتحول إلى غيرهم فيكون قد أحاط به الشرف من كل جانب ويروى وافي الذوائب وقوله تكاد عطاياه البيت قال الإمام المرزوقي يقول قد تعود هذا الرجل تفريق ماله بالصلات وتبديده بالعطيات حتى تقرب عطاياه لو أمسك
____________________
1- ( الطويل )

يوما من أن تجن إن لم يعلق عليها عوذها من نغم الطلاب والزوار وقوله يجن جنونها إنما يريد يجن صحتها أي يصير بدل صحتها جنون لكنه سماها بما يؤول إليه كما يقال خرجت خوارجه وكذلك عطاياه أي أمواله التي تصير عطاياه فسماه بما يؤول إليه وقال الصولي مما أنكر أبو العباس ابن المعتز من رديء طباقة قوله تكاد عطاياه البيت وفيه استعارة فقال ولم يجن جنون عطاياه انتظارا للطلب بل يبدأ بالعطاء ويستريح وفيه قبح لم يعودها بنغمة طالب يعطبها ليغر طالب وفي هذا الآعتراض نظر فإن مراده أنه أغنى الناس فلم يبق طالب إلا نادرا فإذا أبطأ طالب المعروف جنت عطاياه شوقا إليه فتأمل ومنها وهو مما يستجاد ( يرى أقبح الأشياء أوبة آمل ** كسته يد المأمول حلة خائب ) ( وأحسن من نور يفتحه الندى ** بياض العطايا في سواد المطالب ) ( إذا ألجمت يوما لجيم وحولها ** بنو الحصن نجل المحصنات النجائب ) ( فإن المنايا والصوارم والقنا ** أقاربهم في الروع دون الأقارب ) ( جحافل لا يتركن ذا جبرية ** سليما ولا يحربن من لم يحارب ) ( يمدون من أيد عواص عواصم ** تصول بأسياف قواض قواضب ) و لجيم بالتصغير أبو عجل جد أبي دلف والحصن هو ثعلبة بن عكابة وبنو الحصن أعمامه (1) ( إذا افتخرت يوما تميم بقوسها ** فخارا على ما وطدت من مناقب ) ( فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم ** عروش الذين استرهنوا قوس حاجب ) قال الإمام المرزوقي يعني بالقوس قوس حاجب بن زرارة رهنها عند كسرى
____________________
1- ( الطويل )

وكان السبب في ذلك أن النبي & كان دعا على مضر وقال اللهم أشدد وطأتك على مضر وأبعث عليهم سنين كسني يوسف فتوالت الجدوبة عليهم سبع سنين فلما رأى حاجب الجهد على قومه جمع بني زرارة وقال إني أزمعت على أني آتي الملك يعني كسرى فأطلب أن يأذن لقومنا فيكونوا تحت هذا البحر حتى يحيوا فقالوا رشدت فافعل غير أنا نخاف عليك بكر بن وائل فقال ما منهم وجه إلا ولي عنده يد إلا ابن الطويلة التيمي وسأداويه ثم ارتحل فلم يزل ينتقل في الإتحاف والبر من الناس حتى أنتهى إلى الماء الذي عليه ابن الطويلة فنزله ليلا فلما أضاء الفجر دعا بنطع ثم أمر فصب عليه التمر ثم نادى حي على الغداء فنظر ابن الطويلة فإذا هو بحاجب فقال لأهل المجلس أجيبوه وأهدى إليه جزرا ثم ارتحل فلما بلغ كسرى شكا إليه الجهد في أموالهم وأنفسهم وطلب أن بأذن لهم فيكونوا في حد بلاده فقال أنتم معشر العرب أهل غدر فإذا أذنت لهم عاثوا في الرعية وأغاروا قال حاجب إني ضامن للملك أن لا يفعلوا قال فمن لي بأن تفي أنت قال أرهنك قوسي فلما جاء بها ضحك من حوله فقال الملك ما كان ليلمسها اقبضوها منه ثم جاءت مضر إلى النبي & بعد موت حاجب فدعا لهم فخرج أصحابه إلى بلادهم وارتحل عطارد بن حاجب إلى كسرى يطلب قوس أبيه فقال ما أنت بالذي وضعتها قال أجل إنه هلك وأنا ابنه وفي للملك قال ردوا عليه وكساه حلة فلما وفد إلى النبي & أهداها إليه فلم يقبلها فباعها من يهودي بأربعة آلاف درهم فصار ذلك فخرا ومنقبة لحاجب وعشيرته فيقول أبو تمام إذا افتخرت تميم بذلك فأنتم قتلتم الذين كسبوهم هذا المجد مما ارتهنوه وهدمتم عزهم وإنما يعني وقعة ذي قار حين
____________________

قتلت بنو شيبان العجم ونكلوا فيهم وكان رئيسهم سيار بن حنظلة العجلي وأبو دلف عجلي فلذلك خاطبه بهذا 1 هـ وقد لمح بعضهم إلى قوس حاجب بقوله في مليح قلندري قد حلق حاجبه فقال (1) ( حبيبي بحق الله قل لي ما الذي ** دعاك إلى هذا فقال مجابي ) ( وعدت بوصل العاشقين تعطفا ** فلم يثقوا واسترهنوا قوس حاجبي ) ولما أنشد أبو تمام أبا دلف هذه القصيدة استحسنها وأعطاه خمسين ألف درهم وقال والله إنها لدون شعرك ثم قال له والله ما مثل هذا القول في الحسن إلا ما رثيت به محمد بن حميد الطوسي فقال وأي ذلك أراد الأمير قال الرائية التي أولها (1) ( كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر ** وليس لعين لم يفض ماؤها عذر ) وددت والله أنها لك في قال بل أفدي الأمير بنفسي وأكون المقدم قبله فقال إنه لم يمت من رثي بهذا الشعر و أبو تمام الطائي هو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى ابن مروان بن مر بن سعد بن كاهل بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الغوث بن طيئ ولد في جاسم بالجيم والسين المهملة وهي قرية من قرى الجيدور بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية وهو إقليم من دمشق في آخر خلافة الرشيد سنة تسعين ومائة وقيل غير ذلك ونشأ بمصر واشتغل إلى أن صار أوحد عصره كان
____________________
1- ( الطويل )

يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد وله كتاب الحماسة الذي دل على غزارة علمه وكمال فضله وإتقان معرفته بحسن اختياره وهو في جمعه للحماسة أشعر منه في شعره وله كتاب مختار أشعار القبائل وهو دون الحماسة وكلاهما عندي ومات سنة اثنتين وثلاثين بعد المائتين وقيل غير هذا وكان شعره غير مرتب فرتبه الصولي على الحروف ثم رتبه علي بن حمزة الأصفهاني على أنواع الشعر وترجمته طويلة تركناها لشهرتها * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والخمسون وهو من شواهد س (1) ( ولقد أمر على اللئيم يسبني ** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني ) على أن التعريف غير مقصود قصده فإن تعريف أل الجنسية لفظي لا يفيد التعيين وإن كان في اللفظ معرفة وقد أورد الشارح هذا البيت في الحال والإضافة والنعت والموصوف والمعرف بأل أيضا وجملة يسبني وصف اللئيم في المعنى وحال منه باعتبار اللفظ والأول أظهر للمقصود وهو التمدح بالوقار والتحمل لأن المعنى أمر
____________________
1- ( الكامل )

على اللئيم الذي عادته سبي ولا شك أنه لم يرد كل لئيم ولا لئيما معينا والواو للقسم ولقد أمر جوابه والمقسم به محذوف وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية كما في الخصائص لابن جني أو للاستمرار التجددي ومضيت معطوف على أمر بمعنى أمضي وعبر به للدلالة على تحقق إعراضه عنه وقوله ثمت هي ثم العاطفة وإذا كانت مع التاء اختصت بعطف الجمل وقوله لا يعنيني أي لا يهمني أو بمعنى لا يقصدني وروى بدل هذا المصراع وأعف ثم أقول ما يعنيني يقال عف عن الشيء من باب ضرب عفة وعفافا امتنع وهذا البيت أول بيتين لرجل من بني سلول ثانيهما ( غضبان ممتلئا علي إهابه ** إني وحقك سخطه يرضيني ) وغضبان بالنصب حال من اللئيم أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف ومتلئا حال سببية من ضمير غضبان وإهابه فاعل ممتلئا وهو في الأصل الجلد الذي لم يدبغ وقد استعير هنا لجلد الإنسان والسخط بالضم اسم مصدر والمصدر بفتحتين بمعنى الغضب والفعل من باب تعب وروى الأصمعي بيتين في هذا المعنى وهما (1) ( لا يغضب الحر على سفلة ** والحر لا يغضبه النذل ) ( إذا لئيم سبني جهده ** أقول زدني فلي الفضل ) وأنشد سيبويه البيت الشاهد على أن أمر قد وضع موضع مررت وجاز أمر في معنى مررت لأنه لم يرد ماضيا منقطعا وإنما أراد أن هذا أمره ودابه فجعله كالفعل الدائم وقيل معنى ولقد أمر ربما أمر فالفعل على هذا موضعه * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والخمسون وهو من شواهد س + ( الرجز ) +
____________________
1- ( السريع )

( قد أصبحت أم الخيار تدعي ** علي ذنبا كله لم أصنع ) على أن الضمير العائد على المبتدأ من جملة الخبر يجوز حذفه قياسا عند الفراء إذا كان منصوبا مفعولا به والمبتدأ لفظ كل نقل الصفار أنه مذهب الكسائي أيضا وقد نقل ابن مالك في التسهيل الإجماع على جواز ذلك وزاد على كل ما أشبهها في العموم والافتقار من موصول وغيره نحو أيهم يسألني أعطي ونحو رجل يدعو إلى الخير أجيب أي أعطيه وأجيبه وقال شارح كلامه لم نر هذا الإجماع بل منعه البصريون وأما نقله في شبه كل فقد قال أبو حيان لا أعلم له سلفا في ذلك أقول الصحيح جوازه بقلة لوروده في المتواتر قرأ ابن عامر في سورة الحديد فقط وكل وعد الله الحسنى وأما في سورة النساء فقد قرأ مثل الجماعة بالنصب وقال ابن جني في المحتسب لحذف هذا الضمير وجه من القياس وهو تشبيه عائد الخبر بعائد الحال أو الصفة وهو إلى الحال أقرب لأنها ضرب من الخبر وهو في الصفة أمثل بشبه الصفة بالصلة وفي حذفه من لم أصنع ما يقوم مقامه ويخلفه لأنه يعاقبه ولا يجتمع معه وهو حرف الإطلاق أعني الياء في أصنعي فلما حضر ما يعاقب الهاء صارت لذلك كأنها حاضرة 1 هـ ومفهوم قول الفراء أن المبتدأ إذا لم يكن كلا يمتنع حذف العائد والصحيح فيه أيضا الجواز بقلة في الكلام والشعر أما الأول فقد قرأ يحيى وإبراهيم والسلمي في الشواذ أفحكم الجاهلية يبغون بالمثناة التحتية وأما الثاني فكثير منه قول الشاعر ( فخالد يحمد ساداتنا ) أي يحمده ساداتنا وأعلم أن الشارح المحقق أورد هذا الشاهد في باب الإشتغال أيضا وقال يروى برفع كل ونصبه وكذلك رواهما سيبويه وقد أنكر عليه المبرد رواية الرفع وقال الذي رواه الجرمي وغيره من الرواة النصب فقط ومنع هذه المسألة نظما ونثرا قال ابن ولاد س أيضا رواه بالنصب وقال إن النصب أكثر وأعرف فأغنى هذا الاحتجاج عليه بقول الجرمي ألا ترى قوله إن الرفع ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر لأن النصب لا يكسر ولا يخل به ترك إضمار الهاء كأنه قال كله غير مصنوع وقد روى أهل الكوفة والبصرة هذه الشواهد رفعا كما رواها س 1 . هـ وظاهر كلام س أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه فسحة وتقدم الكلام عليها في أول شاهد من هذه الشواهد وزعم تقي الدين السبكي في رسالة كل وفي تفسيره أن رواية النصب تساوي رواية الرفع في المعنى كله غير مصنوع وهذا يقتضي أن النصب أيضا يفيد العموم وأنه لم يصنع شيئا منه لما تقرر من دلالة العموم وقد تأملت ذلك فوجدت قول س أصح من قول البيانيين وأن المعنى حضره وغاب عنهم لأنه ابتدأ في اللفظ بكل ومعناها كل فرد فكان عاملها المتأخر في معنى الخبر لأن السامع إذا سمع المفعول تشوف إلى عامله كما يتشوف سامع المبتدأ إلى الخبر وبه يتم الكلام فكان كله لم أصنع مرفوعا ومنصوبا سواء في المعنى وإن اختلفا في الإعراب ويبعد كل البعد أن يحمل كلام سيبويه على أن كله لم أصنع بالرفع والنصب معناه عدم صنع المجموع فيكون قد صنع بعضه لأن معنى الحديث على خلافة في قوله كل ذلك لم يكن إلى آخر ما ذكره ونقل الدماميني بعض هذا الكلام في الحاشية الهندية وقال وكأن ابن هشام لم يقف على كلام س فنقل تساوي المعنى في الرفع والنصب عن الشلوبين وابن مالك ولو وقف على كلام سيبويه لم ينقل عنهما
____________________

( فخالد يحمد ساداتنا ** ) أي : يحمده ساداتنا . واعلم أن الشارح المحقق أورد هذا الشاهد في باب الاشتغال أيضاً وقال : ' يروى برفع كل ونصبه ' . وكذلك رواهما سبيويه . وقد أنكر عليه المبرد رواية الرفع وقال : الذي رواه الجرمي وغيره من الرواة النصب فقط ، ومنع هذه المسألة نظماً ونثراً . قال ابن ولاد : س أيضاً رواه بالنصب ، وقال : إن النصب أكثر وأعرف ، فأغنى هذا عن الاحتجاج عليه بقول الجرمي ، ألا ترى قوله إن الرفع ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر لأن النصب لا يكسر ، ولا يخل به ترك إضمار الهاء ، كأنه قال كله غير مصنوع . وقد روى أهل الكوفة والبصرة هذه الشواهد رفعاً كما رواها س ا . هـ . وظاهر كلام س أن الضرورة ما ليس للشاعر فسحة . وتقدم الكلام عليها في أول شاهد من هذه الشواهد . وزعم تقي الدين السبكي في رسالة ' كل ' وفي تفسيره : أن رواية النصب تساوي رواية الرفع في المعنى ؛ وذلك أنه قال : ' لا فرق بين الرفع والنصب في قول س : إن المعنى : كله غير مصنوع . وهذا يقتضي أن النصب أيضاً يفيد العموم ، وأنه لم يصنع شيئاً منه ، لما تقرر من دلالة العموم . قد تأملت ذلك فوجدت قول س أصح من قول البيانيين ، وأن المعنى حضره وغاب عنهم ؛ لأنه ابتدأ في اللفظ بكل ومعناها كل فرد ، فكان عاملها المتأخر في معنى الخبر ، لأن السامع إذا سمع المفعول تشوف إلى عامله كما يتشوف سامع المبتدأ إلى الخبر ، وبه يتم الكلام ؛ فكان كله لم أصنع مرفوعاً ومنصوباً سواء في المعنى ، وإن اختلفا في الإعراب . ويبعد كل البعد أن يحمل كلام سيبويه على أن كله لم أصنع بالرفع والنصب معناه عدم صنع المجموع فيكون قد صنع بعضه ؛ لأن معنى الحديث على خلافه في قوله : كل ذلك لم يكن ' . إلى آخر ما ذكره . ونقل الدماميني بعض هذا الكلام في الحاشية الهندية وقال : وكأن ابن هشام لم يقف على كلام س فنقل تساوي المعنى في الرفع والنصب عن الشلوبين وابن مالك ؛ ولو وقف على كلام سيبويه لم ينقل عهما .
____________________

وقد نقل الشيخ بهاء الدين كلام سيبويه في عروس الأفراح وبينه تابعا لوالده السبكي ورواية الرفع عند علماء البيان هي الجيدة فإنها تفيد عموم السلب ورواية النصب ساقطة عن الاعتبار بل لا تصح فإنها تفيد سلب العموم وهو خلاف المقصود وما ذكره السبكي لم يعرجوا عليه وهو مفصل في التلخيص وشروحه ورأيت للفاضل اليمني على هذا البيت كلاما أحببت إيراده وهو قوله معنى هذا البيت أن هذه المرأة أصبحت تدعي علي ذنبا وهو الشيب والصلع والعجز وغير ذلك من موجبات الشيخوخة ولم يقل ذنوبا بل قال ذنبا لأن المراد كبر السن المشتمل على كل عيب ولم أصنع شيئا من ذلك الذنب ولم ينصب كله لأنه لو نصبه مع تقدمه على ناصبه لأفاد تخصيص النفي بالكل ويعود دليلا على أنه فعل بعض ذلك الذنب ومراده تنزيه نفسه عن كل جزء منه فلذلك رفعه إيذانا منه بأنه لم يصنع شيئا منه قط بل كله بجميع أجزائه غير مصنوع ثم قال ولقائل أن يقول لما كان الضمير في كله عائدا إلى ذنبا وهو نكرة والنكرة لواحد غير معين لابد أن يكون المضمر هو ذلك الذنب الذي ليس بمعين فقط لإعادة الضمير به فلا يكون نفيه نفيا لجميع الذنوب فلا يلزم ما ذكره من تنزيه نفسه من جملة الذنوب لا يقال إن الضمير لما كان عبارة عن النكرة المذكورة ودخول النفي عليها يقتضي العموم فدخول النفي عليه أيضا يقتضي ذلك لأنا نقول إن الفرق ظاهر بين قولنا لم أصنع ذنبا وبين قولنا لم أصنع ذلك الذنب المذكور الذي ليس بمعين في اقتضاء الأول العموم دون الثاني 1 هـ وقوله ولقائل أن يقول إلخ فيه إنه قال أولا إن قال أولا إن ذنب الشيخوخة يستلزم ثبوته جميع الذنوب وحينئذ نفيه يستلزم نفي جميع الذنوب وقوله والنكرة لواحد غير معين فيه أنه حمل الذنب \ سابقا على كبر السن المشتمل على كل عيب فالمراد به معين وأفاد أن كلا حينئذ لاستغراق أجزاء هذا الذئب المعين فإن رفع كل أفاد استغراق جميع أجزاء ذلك الذنب وإن نصب كل أفاد سلب العموم لجميع الأجزاء واقتضى ثبوت بعض الأجزاء فهذا البحث غير وارد فتأمل وبهذا يسقط قوله بعد هذا ثم نقول فتكون القضية حينئذ شخصية والتقدير كل ذلك الذنب غير مصنوع لي وإنما يكون ذلك إذا كان هنالك ذنب
____________________

ذو أجزاء يمكن الاتصاف ببعضه دون بعض وعلى هذا إما أن يكون المراد بالكل الكل المجموعي وهو الغالب الظاهر من دخوله في الشخصيات فلا تفاوت في تقدم السلب عليه وتقديمه على السلب في عدم اقتضاء شمول النفي جميع الأجزاء أو يكون المراد كل واحد من الأجزاء كما يستعمل في الكلي باعتبار الجزئيات فقد يظهر الفرق بينهما فإنك إن رفعت كلا لزم عموم النفي لجميع الأجزاء وإن نصبتها لا يلزم مع أن الاستعمال على هذا الوجه في الشخصي قليل فإنه لا يلزم صدق ما ذكره من تبرئة نفسه من جملة أجزاء ذلك الذنب الواحد 1 , . هـ وقال ابن خلف قوله كله لم أصنع يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد أنه لم يصنع جميعها ولا شيئا منها والوجه الآخر أنه صنع بعضها ولم يصنع جميعها كما تقول لمن يدعى عليك أشياء لم تفعل جميعها ما فعلت جميع ما ذكرت بل فعلت بعضها 1 هـ أقول احتماله لوجهين غير صحيح فإن كلا منهما مدلول رواية يعلم وجهها مما تقدم وقوله أراد بقوله ذنبا ذنوبا لكنه استعمل الواحد في موضع الجمع ليس كذلك كما علم من كلام الفاضل اليمني وهذا البيت مطلع أرجوزة لأبي النجم العجلي وبعده (1) ( من أن رأت رأسي كرأس الأصلع ** ميز عنه قنزعا عن قنزع ) ( جذب الليالي أبطئي أو أسرعي ** قرنا أشيبيه وقرنا فانزعي ) ( أفناه قيل الله للشمس أطعي ** حتى إذا واراك أفق فارجعي ) ( حتى بدا بعد السخام الأفرع ** يمشي كمشي الأهدأ المكنع ) ( يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ** لا يخرق اللوم حجاب مسمعي ) ( الم يكن يبيض إن لم يصلع ** إن لم يصبني قبل ذاك مصرعي ) ( أفناه ما أفنى إيادا فاربعي ** وقوم عاد قبلهم وتبع ) ( لا تسمعيني منك لوما واسمعي ** أيهات أيهات فلا تطلعي ) ( هي المقادير فلومي أو دعي ** لا تطمعي في فرقتي لا تطمعي )
____________________
1- ( الرجز )

( ولا تروعيني لا تروعي ** واستشعري اليأس ولا تفجعي ) ( فذاك خير لك من أن تجزعي ** فتحبسي وتشتمي وتوجعي ) و أم الخيار هي زوجة أبي النجم وقوله من أن رأت إلخ من تعليلية وزعم القونوي في شرح تلخيص المفتاح أنها بيانية ثم قال فإن قلت كيف يبين الذنب برؤية أم الخيار فإن الرؤية قائمة بها والذنب قائم به قلت أراد المرئي وأطلق عليه الرؤية للملابسة انتهى و الأصلع هو الذي لم يكن شعر على رأسه وصلع الرأس صلعا من باب تعب والصلع يحدث للمشايخ إذا طعنوا في السن قال ابن سينا ولا يحدث الصلع للنساء لكثرة رطوبتهن ولا للخصيان لقرب أمزجتهم من أمزجة النساء والتمييز العزل وفصل شيء من شيء والتشديد للكثرة فإنه يقال مازه ميزا ويكون في المشتبهات وضمير عنه للرأس والقنزع كقنفذ والقنزعة بضم الزاي وفتحها وهي الشعر حوالي الرأس والخصلة من الشعر تترك على رأس الصبي أو هي ما ارتفع من الشعر وطال وأما نهى النبي & عن القنازع فهي أن يؤخذ الشعر ويترك منه مواضع كذا في القاموس وجعل النون أصلية وعن بمعنى بعد وجذب الليالي فاعل ميز قال في الصحاح جذب الشهر مضى عامته وقوله أبطئي أو أسرعي حال من الليالي على تقدير القول أو كون الأمر بمعنى الخبر وصحت من المضاف إليه لأن المضاف عامل فيهما وقيل صفة الليالي ويجوز أن يكون منقطعا أي أصنعي أيتها الليالي فلا أبالي بعد هذا وقال القونوي وقد يجوز أن يكون استئنافا أمرا لأم الخيار على معنى أن حالي ما قررت لك فعند ذلك أبطئي أو أسرعي في قبول العذر فيه فلا محيص لي عن ذلك وهذا بديع انتهى وهذه غفلة عما بعده وهو قرنا أشيبيه إلخ فإنه خطاب لليالي والقرن بفتح القاف الخصلة من الشعر ونصبه من باب الاشتغال والقرن الثاني مفعول لما بعده وأشيبيه فعل أمر والياء ضمير الليالي يقال أشاب الحزن رأسه وبرأسه بمعنى شيبه وقوله وانزعي من النزع بفتحتين وهو انحسار الشعر عن جانبي
____________________

الجبهة من الرأس وهو أنزع وذلك الموضع النزعة محركة وقوله أفناه قيل الضمير لجذب وقيل لشعر رأسه وقيل لأبي النجم وهو المناسب لما بعده وقيل الله أمره وهو فاعل أفناه وهذا يدل على أن الشاعر لا يريد أن المميز هو جذب الليالي الذي هو ظاهر كلامه بل يريد أن المميز قول الله وأمره وقوله حتى بدا فاعله المستتر ضمير أبي النجم والسخام بضم السين والخاء المعجمة اللين يقال ثوب سخام إذا كان لين المس مثل الخز وريش سخام أي لين رقيق والأفرع بالفاء هو التام الشعر قال في الصحاح ولا يقال للرجل إذا كان عظيم اللحية أو الجمة أفرع وإنما يقال رجل أفرع بضد الأصلع والأهدأ مهموز كجعفر الأحدب والتكنع التقبض كنع كفرح يبس وتشنج وشيخ كنع ككتف شنج وكنع كمنع كنوعا انقبض وانضم يقول يمشى أبو النجم بعد الشباب كما يمشي الأحدب المتقبض الكز من الكبر وقوله يا ابنة عما إلخ استشهد به شراح الألفية على أن أصله يا أبنه عمي فابدلت الياء ألفا وفاعل يبيض ضمير الرأس وإياد بالكسر حي من معد وقوله فاربعي في الصحاح ربع الرجل يربع بفتحهما إذا وقف وتحبس ومنه قولهم أربع على نفسك أي ارفق بنفسك وكف وأيهات أيهات لغة في هيهات وتطلعي بفتح التاء وتشديد اللام وأصله تتطلعي بتاءين من التطلع للشيء وقوله واستشعري يقال استشعر خوفا أي أضمره واليأس ضد الرجاء وترجمة أبي النجم تقدمت في الشاهد السابع * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والخمسون وهو من شواهد س (1) ( ثلاث كلهن قتلت عمدا ** فأخزى الله رابعة تعود )
____________________
1- ( الوافر )

لما تقدم في البيت قبله وهو أنه حذف عائد المبتدأ الذي هو كلهن من جملة الخبر حذفا قياسيا عند الفراء قال الأعلم استشهد به س على رفع كل مع حذف الضمير من الفعل وجعله مثل زيد ضربت ولو نصب وقال كله لم أصنع وكلهن قتلت لأجراه على ما ينبغي ولم يحتج إلى الرفع مع حذف الضمير والقول عندي أن الرفع هنا أقوى من زيد ضربت لأن كلا لا يحسن حملها على الفعل لأن أصلها أن تأتي تابعة للاسم مؤكدة كقولك ضربت القوم كلهم أو مبتدأة بعد كلام نحو القوم كلهم ذاهب فإن قلت ضربت كل القوم وبنيتها على الفعل لخرجت عن الأصل فينبغي أن يكون الرفع أقوى من النصب وتكون الضرورة حذف الهاء لا رفع كل انتهى وتبعه في هذا ابن الحاجب في شرح المفصل ونقله عنه السعد في المطول ونقل ابن الأنباري في الإنصاف أن هذا البيت مما استدل به الكوفيون على جواز تأكيد النكرة قال ولا حجة لهم فيه لأنه محمول على أنه بدل لا تأكيد ويجوز أن يكون أيضا ثلاث مبتدأ وكلهن مبتدأ ثان وقتلت خبر كلهن وهما جميعا خبر ثلاث انتهى وقال أبو جعفر النحاس ولا ينشد ثلاثا بنصبه بقتلت لأن قوله كلهن قتلت جملة في موضع نعت لثلاث ومن رفع قدره لي ثلاث ويكون كلهن قتلت نعتا وإنما لم يجز أن يروى ثلاثا لئلا يتقدم النعت على المنعوت انتهى أقول من رفع وجعل الجملة بعده نعتا قدر لي ونحوه خبرا للمبتدأ وقوله وإنما لم يجز أن يروى ثلاثا إلخ مراده أنه إذا نصب ثلاث بقتلت كان ثلاثا منعوتا بجملة كلهن قتلت فيكون قتلت من أجزاء النعت لثلاثا لأنه بعض الجملة المنعوت بها ومع كونه من أجزاء النعت هو عامل في المنعوت المتقدم فيكون المنعوت متأخرا في الرتبة فيلزم تقديم النعت على المنعوت من حيث الرتبة وهذا
____________________

كلام مخالف للقواعد لا ينبغي تسطيره من مثله ونقل ابن خلف عن أبي علي أن ثلاث مبتدأ وكلهن قتلت خبر كأنه في تقدير زيد أخاه ضربته وفيه نظر فإن الشاهد ليس من باب الاشتغال لعدم الضمير فتأمل وأعلم أن الضمير المحذوف من الشاهد تقديره قتلتها لأن كلا المضافة إلى المعرفة يكون عائدها مفردا قال تعالى ! ( وكلهم آتيه ) ! وفي الحديث كلكم جائع إلا من أطعمته وقال الشاعر (1) ( وكلهم قد نال شبعا لبطنه ** وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه * ** وقال آخر + ( الوافر ) + ( وكل القوم يسأل عن نفيل ** كأن علي للحبشان دينا ) قال أبو حيان ولا يكاد يوجد في لسان العرب كلهم يقومون ولا كلهن قائمات وإن كان موجودا في تمثيل كثير من النحاة قال السبكي في رسالة كل وقد طلبته فلم أجده وجوز ابن مالك وغيره أن يحمل على المعنى فيجمع وجعلوا منه أنتم كلكم بينكم درهم قالوا يجوز كلكم بينه درهم على اللفظ وبينكم على المعنى وإن جعل كلكم توكيدا جوز بعضهم أيضا أن يقول بينه والمشهور بينكم انتهى وقدر الضمير هنا بعضهم قتلتهن وكأنه بناه على مذهب ابن مالك وقدره ابن خلف نقلا عن بعضهم قتلته أو قتلتهم ولا أعرف وجهه وقوله فأخزى الله هذه جملة دعائية يقال خزي الرجل خزيا من باب علم ذل وهان وأخزاه الله أذله وأهانه وتعود من العود وهو
____________________
1- ( الطويل )

الرجوع قال صاحب المصباح عاد إلى كذا وعاد له أيضا عودا وعودة صار إليه فالصلة هنا محذوفة أي تعود إلي قال ابن خلف يجوز أن يريد بالثلاث ثلاث نسوة تزوجهن ويجوز أن يريد ثلاث نسوة هوينه فقتلهن هواه أو يعنى غير ذلك مما يحتمله المعنى وجعل مجيء الرابعة عودا وإن لم تكن جاءت قبل لأنه جعل فعل صواحبها الماضيات كأنه فعلها انتهى وقال شارح أبيات الموشح ويروى تقود من القود وهو القصاص وهذا البيت وإن كان من شواهد س لا يعرف ما قبله ولا ما بعده ولا قائلة فإن سيبويه إذا استشهد ببيت لم يذكر ناظمه وأما الأبيات المنسوبة في كتابه إلى قائليها فالنسبة حادثة بعده اعتنى بنسبتها أبو عمر الجرمي قال الجرمي نظرت في كتاب سيبويه فإذا فيه ألف وخمسون بيتا فأما ألف فعرفت أسماء قائليها فأثبتها وأما خمسون فلم أعرف أسماء قائليها وإنما امتنع سيبويه من تسمية الشعراء لأنه كره أن يذكر الشاعر وبعض الشعر يروي لشاعرين وبعضه منحول لا يعرف قائله لأنه قدم العهد به وفي كتابه شيء مما يروى لشاعرين فاعتمد على شيوخه ونسب الإنشاد إليهم فيقول أنشدنا يعني الخليل ويقول أنشدنا يونس وكذلك يفعل فيما يحكيه عن أبي الخطاب وغيره ممن أخذ عنه وربما قال أنشدني أعرابي فصيح وزعم بعض الذين ينظرون في الشعر أن في كتابه أبياتا لا تعرف فيقال له لسنا ننكر أن تكون أنت لا تعرفها ولا أهل زمانك وقد خرج كتاب سيبويه إلى الناس والعلماء كثير والعناية بالعلم وتهذيبه أكيده ونظر فيه وفتش فما طعن أحد من المتقدمين عليه ولا أدعى أنه أتى بشعر منكر وقد روى في كتابه قطعة من اللغة غريبة لم يدرك أهل اللغة معرفة جميع ما فيها ولا ردوا حرفا منها
____________________

قال أبو إسحاق إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة قال أبو جعفر النحاس وحدثنا علي بن سليمان قال حدثنا محمد بن يزيد أن المفتشين من أهل العربية ومن له المعرفة باللغة تتبعوا على سيبويه الأمثلة فلم يجدوه ترك من كلام العرب إلا ثلاثة أمثلة منها الهندلع وهي بقلة والدرداقس وهو عظم في القفا وشنمصير وهو اسم أرض وقد فسر { الأصمعي حروفا من اللغة التي في كتابه وفسر الجرمي الأبنية وفسرها أبو حاتم وأحمد بن يحيى وكل واحد منهم يقول ما عنده فيما يعلمه ويقف عما لا علم له به ولا يطعن على ما لا يعرفه ويعترف لسيبويه في اللغة بالثقة وأنه علم ما لم يعلموا وروى ما لم يرووا قال أبو جعفر لم يزل أهل العربية يفضلون كتاب سيبويه حتى لقد قال محمد بن يزيد لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه وذلك أن الكتب المصنفة في العلوم مضطرة إلى غيرها وكتاب سيبويه لا يحتاج من فهمه إلى غيره وقال أبو جعفر سمعت أبا بكر بن شقير يقول حدثني أبو جعفر الطبري قال سمعت الجرمي يقول هذا وأومأ بيديه إلى أذنية وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب حديث فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش قال أبو جعفر وقد حكى بعض النحويين أن الكسائي قرأ على الأخفش كتاب سيبويه ودفع إليه مائتي دينار وحكى أحمد بن جعفر أن كتاب سيبويه وجد بعضه تحت وسادة الفراء التي كان يجلس عليها وكان المبرد يقول إذا أراد مريد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه هل ركبت البحر تعظيما لما فيه واستصعابا لألفاظه ومعانيه وقال المازني من أراد أن يعمل كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي مما أقدم عليه وقال أيضا ما أخلو في كل زمن من أعجوبة في كتاب
____________________

سيبويه ولهذا سماه الناس قرآن النحو وقال ابن كيسان نظرنا في كتاب سيبويه فوجدناه في الموضع الذي يستحقه ووجدنا ألفاظه تحتاج إلى عبارة وإيضاح لأنه كتاب ألف في زمان كان أهله يألفون مثل هذه الألفاظ فاختصر على مذاهبهم قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى غير ما قال ابن كيسان قال عمل سيبويه كتابه على لغة العرب وخطبها وبلاغتها فجعل فيه بينا مشروحا وجعل فيه مشتبها ليكون لمن استنبط ونظر فضل وعلى هذا خاطبهم الله عز وجل بالقرآن قال أبو جعفر وهذا الذي قاله علي بن سليمان حسن لأن بهذا يشرف قدر العالم وتفضل منزلته إذ كان ينال العلم بالفكرة واستنباط المعرفة ولو كان كله بينا لاستوى في علمه جميع من سمعه فيبطل التفاضل ولكن يستخرج منه الشيء بالتدبر ولذلك لا يمل لأنه يزداد في تدبره علما وفهما وقال محمد بن يزيد المبرد قال يونس وقد ذكر عنده سيبويه أظن هذا الغلام يكذب على الخليل فقيل له قد روى عنك أشياء فانظر فيها فنظر وقال صدق في جميع ما قال هو قولي ومات سيبويه قبل جماعة قد كان أخذ عنهم كيونس وغيره وقد كان يونس مات في سنة ثلاث وثمانين ومائة وذكر أبو زيد النحوي اللغوي كالمفتخر بذلك بعد موت سيبويه قال كل ما قال سيبويه وأخبرني الثقة فأنا أخبرته به ومات أبو زيد بعد موت سيبويه بنيف وثلاثين سنة * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والخمسون وهو من شواهد سيبويه (1)
____________________
1- ( المتقارب )

اوله ( فأقبلت زحفا على الركبتين ** ) على أن حذف الضمير المنصوب بالفعل من الخبر سماعي أي فثوب نسيته وثوب أجره قال ابن عقيل في شرح الألفية وجاز الابتداء بثوب وهو نكرة لأنه قصد به التنويع قال الأعلم ويجوز عندي أن يكون نسيت وأجر من نعت الثوبين فيمتنع أن يعمل فيه لأن النعت لا يعمل في المنعوت فيكون التقدير فثوباي ثوب منسي وثوب مجرور وقال ابن هشام في مغني اللبيب ومما ذكروا من المسوغات أن تكون النكرة للتفصيل نحو فثوب نسيت وثوب أجر وفيه نظر لاحتمال نسيت وأجر للوصفية والخبر محذوف أي فمن أثوابي ثوب نسيته ومنها ثوب أجرة ويحتمل أنهما خبران وثم صفتان مقدرتان أي فثوب لي نسيته وثوب لي أجرة وإنما نسي ثوبه لشغل قلبه كما قال (1) ( لعوب تنسيني إذا قمت سربالي ** ) وإنما جر الاخر ليعفي الأثر على القافة ولهذا زحف على الركبتين انتهى والقافة جمع قائف وهو من يعرف الآثار يقال قفا أثره أي تبعه وروى
____________________
1- ( الطويل )

( فلما دنوت تسديتها ** فثوب نسيت إلخ ) قال ابن الأنباري في شرح المفضليات يقال تسديته إذا تخطيت إليه وقيل علوته وأنشد هذا البيت وروى ( فثوبا نسيت وثوبا أجر ** ) وعليه فهو مفعول لما بعده وهو من قصيدة لامرئ القيس عدتها اثنان وأربعون بيتا ومطلعها (1) ( لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر ) وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في حروف الزيادة في آخر الكتاب وأثبت هذه القصيدة له أبو عمرو الشيباني والمفضل وغيرهما وزعم الأصمعي في روايته عن أبي عمرو بن العلاء أنها لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة ابن جعشم وأولها عنده ( أحار بن عمرو كأني خمر ** ويعدو على المرء ما يأيمر ) وبه استشهد ابن أم قاسم في شرح الألفية لتنوين الغالي حيث لحق الروي
____________________
1- ( المتقارب )

المقيد رواه ما يأتمرون بضم الراء والهمزة للنداء وحار مرخم حارث قال في الصحاح والخمار بقية السكر تقول منه رجل خمر بفتح فكسر أي في عقب خمار ويقال هو الذي خامره الداء أي خالطه وعد عليه جار والائتمار الامتثال أي ما تأمر به نفسه فيرى أنه رشد فربما كان هلاكه فيه والوا عطفت جملة فعلية على جملة إسمية على قولين من ثلاثة أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والجواز مع الواو فقط وليست للاستئناف ولا للتعليل ولا زائدة كما زعمها العيني وبعد بيت الشاهد (1) ( ولم يرنا كالئ كاشح ** ولم يفش منا لدى البيت سر ) ( وقد رابني قولها يا هناه ويحك ألحقت شرا بشر ) والكالئ بالهمز الحارس والرقيب والكاشح المبغض ورابني أوقعني في الريبة وهناه كلمة يكنى بها عن النكرات كما يكنى بفلان عن الأعلام فمعنى يا هناه يا رجل ولا يستعمل إلا في النداء عند الجفاء والغلظة وقوله ألحقت شرا بشر أي كنت متهما فلما صرت إلينا ألحقت تهمة بعد تهمة وهذه الضمائر المؤنثة راجعة إلى هر بكسر الهاء وتشديد الراء وكنيتها أم الحويرث وهي التي كان يشبب بها في أشعاره وكانت زوجه والده فلذلك كان طرده وهم بقتله من أجلها وفي هذه القصيدة بيت في وصف فرسه يأتي شرحه إن شاء الله في أفعال القلوب وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين * * * وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والخمسون وهو من شواهد س + ( الطويل ) + ( لعمرك ما معن بتارك حقه ** ولا منسئ معن ولا متيسر )
____________________
1- ( المتقارب )

على أن وضع الظاهر مقام الضمير إن لم يكن في معرض التفخيم فعند س يجوز في الشعر بشرط أن يكون بلفظ الأول كهذا البيت وهو للفرزدق أول بيتين ثانيهما ( أتطلب يا عوران فضل نبيذهم ** وعندك يا عوران زق موكر ] ) و اللام لام الابتداء والعمر الحياة والمعنى أنه أقسم بحياة مخاطبه لعزته عليه والعمر فتحا وضما واحد غير أنه متى اتصل بلام الابتداء مقسما به وجب فتح عينه وإلا جاز الأمران وهو مبتدأ خبره محذوف تقديره قسمي وسياتي الكلام عليه إن شاء الله في المفعول المطلق وجملة ما معن إلخ جواب القسم وما نافية تميمية زيدت الباء في خبرها ومعن قال أبو علي القالي في ذيل أمالية قال أبو محلم هو رجل كان كلاء بالبادية يبيع بالكالئ أي بالنسيئة وكان يضرب به المثل في شدة التقاضي قال سيار بن هبيرة يعاتب خالدا وزيادا أخويه (1) ( يؤذنني هذا ويمنع فضله ** وهذا كمعن أو أشد تقاضيا ) يؤذنني يحرمني مضارع أذنه بتشديد الذال المعجمة قال في المصباح وكلأ الدين يكلأ مهموز بفتحتين كلوءا تأخر فهو كالئ بالهمز ويجوز تخفيفه فيصير كالقاضي وقال الأصمعي هو مثل القاضي ولا يجوز همزه ونهي عن بيع الكالئ بالكالئ أي بيع النسيئة بالنسيئة قال أبو عبيد صورته أن يسلم الرجل الدراهم في طعام إلى أجل فإذا حل الأجل يقول الذي عليه الطعام ليس عندي طعام ولكن بعني إياه إلى أجل فهذه نسيئة انقلبت إلى نسيئة فلو قبض الطعام ثم باعه منه أو من غيره لم يكن كالئا بكالئ ويعدى بالهمزة والتضعيف انتهى وقال شراح أبيات الكتاب عنى بالبيت معن بن زائدة الشيباني وهو أحد أجواد العرب وسمحائهم فوصفه ظلما بسوء الاقتضاء وأخذ الغريم على عسرة وأنه لا ينسئه بدينه انتهى
____________________
1- ( الطويل )

وهذا غير صحيح فإن معن بن زائدة متأخر عن الفرزدق فإنه قد توفي الفرزدق في سنة عشر ومائة وتوفي معن بن زائدة في سنة ثمان وخمسين ومائة وقوله ولا منسئ هو اسم فاعل من أنسات الشيء أخرته ويقال أيضا نسأته فعلت وأفعلت بمعنى فالمفعول محذوف أي حقه قال الشارح الرواية بجر منسئ وإذا رفعته فهو خبر مقدم على المبتدأ أقول الجر يكون بالعطف على مدخول الباء الزائدة ومعن فاعله أقيم مقام الضمير فيكون من تتمة الجملة الأولى وإذا رفع كان من جملة أخرى وبالرفع أنشده سيبويه قال الأعلم استشهد به سيبويه على أن تكرير الاسم مظهرا من جملتين أحسن من تكريره في جملة واحدة فلو حمل البيت على أن التكرير من جملة واحدة لقال ولا منسئ معن عطف على قوله بتارك حقه ولكنه كرره مظهرا ولما أمكنه أن يجعل الكلام جملتين استأنف الكلام فرفع الخبر وقال أعلم أن الاسم الظاهر متى احتيج إلى تكرير ذكره في جملة واحدة كان الاختيار أن يذكر ضميره لأن ذلك أخف وأنفى للشبهة واللبس كقولك زيد ضربته ولو أعدت لفظه بعينه في موضع كنايته لجاز ولم يكن وجه الكلام كقولك زيد ضربت زيدا على معنى زيد ضربته وإذا أعدت ذكره في غير تلك الجملة جاز إعادة ظاهره وحسن كقولك مررت بزيد وزيد رجل صالح قال تعالى ! ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ! فأعاد الظاهر لأن قوله الله أعلم ابتداء وخبر وقد مرت الجملة الأولى فإذا قلت ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد جاز الرفع والنصب فإذا نصبت فقلت ولا محسنا زيد جعلت زيدا هذا الظاهر بمنزلة كنايته فكأنك قلت ما زيد ذاهبا ولا محسنا كما تقول ولا محسنا أبوه فتعطف محسنا على ذاهبا وترفع زيدا بفعله وهو محسن فإذا رفعت جعلت زيدا كالأجنبي ورفعته بالابتداء وجعلت محسنا خبرا مقدما
____________________

وأختار سيبويه الرفع لأن العرب لا تعيد لفظ الظاهر إلا أن تكون الجملة الأولى غير الجملة الثانية وتكون الثانية مستأنفة كما قلنا في رسل الله الله أعلم فإذا رفعته فهو مطابق لما ذكرناه وخرج عن باب العيب لأنك جعلته جملة مستانفة واستشهد سيبويه لجواز النصب وجعل الظاهر بمنزلة المضمر بقوله ( لا أرى الموت يسبق الموت شيء ) فأعاد الإظهار وذلك أن قوله لا أرى الموت يسبق الموت شيء الموت الأول هو المفعول الأول لأرى ويسبق الموت شيء في موضع المفعول الثاني وهما في جملة واحدة وكان ينبغي أن يقول يسبقه شيء فيضمره واستشهد لاختيار الرفع فيما اختاره فيه بقول الفرزدق ( لعمرك ما معن بتارك حقه البيت ** ) ومعن الثاني هو الأول فهو بمنزلة قوله ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد وللمعترض أن يقول الفرزدق تميمي وهو يرفع خبر ما على كل حال مكنيا كان أو ظاهرا ألا ترى أن الفرزدق من لغته أن يقول ما معن تارك حقه ولا منسئ هو فالظاهر والمكنى على لغته سواء انتهى * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الستون وهو من شواهد س (1) ( لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** )
____________________
1- ( الخفيف )

تمامه ( نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ** ) لما تقدم في البيت قبله أي لا أرى الموت يسبقه شيء أي لا يفوته وأنشده ثانيا في الإخبار بالذي وجعله من قبيل الحاقة ما الحاقة مما إظهاره يفيد التفخيم فخالف كلامه هنا وتبع الشارح هنا س وخالفه المبرد في هذا وفرق بينه وبين ما ذكر لأن الموت جنس وإنما كره زيد قام زيد لئلا يتوهم أن الثاني خلاف الأول وهذا لا يتوهم في الأجناس قال تعالى ! ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ) ! وأخرجت الأرض أثقالها وكذا إذا اقترن بالاسم الثاني حرف الاستفهام بمعنى التعظيم والتعجب كان الباب الإظهار كقوله تعالى ( القارعة ما القارعة والحاقة ما ( الحاقة ) والإضمار جائز كما قال تعالى ( فأمة هاوية وما أدراك ما هيه ) وكذلك لم يرتضه شراح أبياته قال الأعلم وتبعه ابن خلف ومثله لأبي جعفر النحاس استشهد بهذا البيت سيبويه على إعادة الظاهر موضع المضمر وفيه قبح إذا كان تكريره في جملة واحدة لأنه يستغني بعضها عن بعض فلا يكاد يجوز إلا في ضرورة كقولك زيد ضربت زيدا فإن كان إعادته في جملتين حسن كقولك زيد شتمته وزيد أهنته لأنه قد يمكن أن تسكت عن الجملة الأولى ثم تستأنف الأخرى بعد ذكر رجل غير زيد فلو قيل زيد ضربته وهو أهنته لجاز أن يتوهم الضمير لغير زيد فإذا أعيد مظهرا وزال التوهم ومع إعادته مضمرا في الجملة الواحدة كقولك زيد ضربته لا يتوهم الضمير لغيره لأنك لا تقول زيد ضربت عمرا والإظهار في مثل هذا أحسن منه في هذا ونحوه لأن الموت اسم جنس فإذا
____________________

أعيد مظهرا لم يتوهم أنه اسم لشيء آخر فلذلك كان الإظهار في هذا أمثل لأنه أشكل وقوله نغص الموت إلخ يريد نغض عيش ذي الغنى والفقير يعني أن خوف الغني من الموت ينغص عليه الالتذاذ بالغنى والسرور به وخوف الفقير من الموت ينغص عليه السعي في التماس الغنى لأنه لا يعلم أنه إذا وصل إليه الغنى هل يبقى حتى ينتفع به أو يقتطعه الموت عن الانتفاع وهذا البيت من قصيدة لعدي بن زيد وقيل لابنه سواده بن عدي والصحيح الأول وأولها ( طال ليلي أراقب التنويرا ** ارقب الليل بالصباح بصيرا ) ( شط وصل الذي تريدين مني ** وصغير الأمور يجني الكبيرا ) ( إن للدهر صولة فاحذرنها ** لا تبيتن قد أمنت الدهورا ) ( قد يبات الفتى صحيحا فيردى ** ولقد بات آمنا مسرورا ) ( لا أرى الموت يسبق الموت شيء ** نغص الموت ذا الغنى والفقيرا ) ( للمنايا مع الغدو رواح ** كل يوم ترى لهن عقيرا ) ( كم ترى اليوم من صحيح تمنى ** وغدا حشو ريطة مقبورا ) ( أين أين الفرار مما سيأتي ** لا أرى طائرا نجا أن يطيرا ) ( فامش قصدا إذا مشيت وأبصر ** إن للقصد منهجا وجسورا ) ( إن في القصد لابن آدم خيرا ** وسبيلا على الضعيف يسيرا ) و عدي بن زيد بن حماد بن زيد بن أيوب من بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم قال صاحب الأغاني وكان أيوب هذا أول من سمي من العرب أيوب وكان عدي شاعرا فصيحا من شعراء الجاهلية وكان نصرانيا وكذلك أبوه وأمه
____________________

وأهله وليس ممن يعد في الفحول وهو قروي قد أخذوا عليه أشياء عيب فيها وكان الأصمعي وأبو عبيدة يقولان عدي بن زيد في الشعراء بمنزلة سهيل في النجوم يعارضها ولا يجري معها مجراها وكذلك عندهم أمية بن أبي الصلت ومثلهما من الإسلاميين الكميت والطرماح وكان سبب نزول آل عدي بن زيد الحيرة أن جدة أيوب بن محروف كان منزله اليمامة في بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم فأصاب دما في قومه فهرب إلى أوس بن قلام أحد بني الحارث بن كعب بالحيرة وكان بينهما نسب من قبل النساء فأكرمه وابتاع له موضع دار هـ بثلاثمائة أوقية من ذهب وأنفق عليها مائتي أوقية ذهبا وأعطاه مائتين من الإبل برعاتها وفرسا وقينة واتصل بملوك الحيرة فعرفوا حقه وحق ابنه زيد بن أيوب فلم يكن منهم ملك يملك إلا ولولد أيوب منه جوائز ثم إن زيدا بن أيوب نكح امرأة من آل قلام فولدت له حمادا فخرج زيد بن أيوب يوما يوما للصيد فلقيه رجل من بني امرئ القيس الذين كان لهم الثأر فاغتال زيدا وهرب ومكث حماد في أخواله حتى أيفع وعلمته أمه الكتابة فكأن أول من كتب من بني أيوب فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب الملك النعمان الأكبر فلبث كاتبا له حتى ولد له ولد فسماه زيدا باسم أبيه وكان لحماد صديق من دهاقين الفرس اسمه فرخ ماهان فلما حضرت الوفاة حمادا أوصى بابنه زيد إلى الدهقان وكان من المرازبة فأخذه إليه وكان زيد قد حذق الكتابة والعربية قبل أن يأخذه الدهقان وعلمه الدهقان الفارسية وكان لبيبا فأشار الدهقان إلى كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه فولاه وبقي زمانا ثم إن النعمان النصري هلك فاختلف أهل الحيرة فيمن يملكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل منهم فأشار المرزبان عليهم بزيد بن حماد فكان على الحيرة إلى أن ملك كسرى المنذر بن ماء السماء
____________________

ونكح زيد نعمة بنت ثعلبة العدوية فولدت له عديا وولد للمرزبان وسماه شاهان مرد فلما أيفع عدي أرسله المرزبان مع ابنه إلى كتاب الفارسية وتعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وأفصحهم بالعربية وقال الشعر وتعلم الرمي بالنشاب فخرج من الأساورة الرماة وتعلم لعب العجم على الخيل بالصوالجة وغيرها ثم إن المرزبان لما اجتمع بكسرى قال له إن عندي غلاما من العرب هو أفصح الناس وأكتبهم بالعربية والفارسية والملك يحتاج إلى مثله فأحضر المرزبان عدي بن زيد وكان جميل الوجه فائق الحسن وكانت الفرس تتبرك بالجميل الوجه فرغب فيه فكان عدي أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى فرغب أهل الحيرة إلى عدي ورهبوه ولم يزل بالمدائن في ديوان كسرى معظما وأبوه زيد كان حيا إلا أن صيته قد حمل بذكر ابنه عدي ثم لما هلك المنذر اجتهد عدي عند كسرى حتى ملك النعمان بن المنذر الحيرة ثم بعد مدة افتروا على عدي وقالوا للنعمان إن عديا يزعم أنك عامله على الحيرة فاغتاظ منه النعمان وأرسل إلى عدي بأنه مشتاق إليه يستزيره فلما أتى إليه حبسه وبقي في الحبس إلى أن جاء رسول كسرى ليخرجه فخاف النعمان من خلاصة فغمة حتى مات وندم النعمان على قتله وعرف أنه غلب على رأيه ثم إنه خرج يوما إلى الصيد فلقي ابنا لعدي يقال له زيد فلما رآه عرف شبهه فقال له من أنت قال أنا زيد بن عدي فكلمه فإذا هو غلام ظريف ففرح به فرحا شديدا فقربه واعتذر إليه من أمر أبيه ثم كتب إلى كسرى يربيه ويشفع له مكان أبيه فولاه كسرى وكان يلي الكتابة عنده إلى ملوك العرب وفي خواص أمور الملك وكانت لملوك العجم صفة النساء مكتوبة عندهم وكانوا يبعثون في تلك الأرضين تلك الصفة فإذا وجدت حملت إلى الملك غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب
____________________

فلما كتب كسرى في طلب تلك الصفة قال له زيد بن عدي أنا عارف بآل المنذر وعند عبدك النعمان بين بناته وأخواته وبنات عمه أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة فابعثني مع ثقة من رجالك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه فبعث معه رجلا فطنا وخرج به زيد فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة فلما دخل على النعمان قال له إن كسرى قد احتاج إلى نساء لنفسه ولولده واراد كرامتك بصهره فبعث إليك فقال النعمان لزيد والرسول يسمع أما في مها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته فقال الرسول لزيد بالفارسية ما المها فقال له بالفارسية كاوان أي البقر فأمسك الرسول وقال زيد للنعمان إنما أراد الملك أن يكرمك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به فأنزلهما عنده يومين ثم كتب إلى كسرى إن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد اعذرني عنده فلما رجع إلى كسرى قال زيد للرسول أصدق الملك عما سمعت فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا كتابه فقرأه عليه فقال له كسرى وأين الذي كنت خبرتني به قال قد كنت خبرتك ببخلهم بنسائهم على غيرهم وأن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش وإيثارهم السموم على طيب أرضك حتى إنهم ليسمونها السجن فسل هذا الرسول الذي كان معي عما قال فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال فقال للرسول وما قال النعمان فقال له الرسول إنه قال أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه وسكت كسرى أشهرا وسمع النعمان غضبه ثم كتب إليه كسرى أن أقبل فإن لي حاجة بك فخافه النعمان وحمل سلاحه وما قدر عليه ولجأ إلى قبائل العرب فلم يجره أحد وقالوا لا طاقة لنا بكسرى حتى نزل بذي قار في بني شيبان سرأ فلقي هانئ بن قبيصة فأجاره وقال لزمني ذمامك وإني مانعك مما أمنع منه نفسي وأهلي وإن ذلك مهلكي ومهلكك وعندي راي لست أشير به لأدفعك عما تريده من مجاورتي ولكنه الصواب فقال هاته قال إن كل أمر يجمل بالرجل أن يكون عليه إلا أن يكون بعد الملك سوقة والموت نازل بكل أحد ولأن تموت كريما خير من أن تتجرع الذل أو تبقى سوقة بعد الملك امض إلى صاحبك وأحمل إليه هدايا ومالا والق نفسك
____________________

بين يديه فإما أن يصفح عنك فعدت ملكا عزيزا وإما أن يصيبك فالموت خير من أن تتلعب بك صعاليك العرب ويتخطفك ذئابها قال فكيف بحرمي وأهلي قال هن في ذمتي لا يخلص إليهن حتى يخلص إلى بناتي فقال هذا وأبيك الرأي ثم اختار خيلا وحللا من عصب اليمن وجواهر وطرفا كانت عنده ووجه بها إلى كسرى وكتب إليه يعتذر ويعلمه أنه صائر إليه فقبلها كسرى وأمره بالقدوم فعاد إليه الرسول وأخبره بذلك وأنه لم ير له عند كسرى سوءا فمضى إليه حتى إذا وصل إلى ساباط لقيه زيد بن عدي فقال له انج نعيم إن استطعت النجاة فقال له النعمان أفعلتها يا زيد أما والله لئن عشت لأقتلنك قتله لم يقتلها عربي قط فقال له زيد قد والله أخيت لك آخية لا يقطعها المهر الأرن فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وسجنه فلم يزل في السجن حتى هلك وقيل ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات وذلك قبيل الإسلام بمدة وغضبت له العرب حينئذ فكان قتله سبب وقعة ذي قار وانشد بعده وهو الشاهد الحادي والستون (1) ( إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ** حبال الهوينى بالفتى أن تقطعا ) على ان الاسم إن أعيد ثانيا ولم يكن بلفظ الأول لم يجز عند سيبويه ويجوز عند الأخفش سواء كان في شعر أم في غيره كهذا البيت قال ابن حني في إعراب الحماسة عند قول أبي النشناش (1) ( إذا المرء لم يسرح سواما ولم يرح ** سواما ولم تعطف عليه أقاربه )
____________________
1- ( الطويل )

( فللموت خير للفتى من حياته ** فقيرا ومن مولى تدب عقاربه ) كان يجب أن يقول فللموت خير له فعدل عن المظهر والمضمر جميعا إلى لفظ آخر كقوله ( إذا المرء لم يغش الكريهة البيت ** ) وسبب ذلك أن هذا المظهر المخالف للفظ المظهر قبله قد أشبه عندهم المضمر من حيث كان مخالفا للفظ المظهر قبله خلاف المضمر له وقال ابن رشيق في العمدة قوله بالفتى حشو وكان الواجب أن يقول به لأن ذكر المرء قد تقدم إلا أن يريد بالفتى معنى الزراية والأطنوزة فإنه محتمل 1 هـ وهذا تخيل دقيق والغشيان الإتيان يقال غشيته من باب تعب أتيته والكريهة الحرب وقيل شدتها وقيل النازلة وهذا هو المراد هنا وأوشكت قاربت ودنت والحبال جمع حبل بمعنى السبب استعير لكل شيء يتوصل به إلى أمر من الأمور والهويني الرفق والراحة وعدة ابن دريد في الجمهرة في الكلمات التي وردت مصغرة لا غير قال والسكون والخفض قال السمين في عمدة الحفاظ يقال فلان يمشي الهوينى وهو مصغر الهونى والهونى تأنيث الأهون كالفضلى تأنيث الأفضل وبالفتى الباء للمصاحبة فيكون حالا أو بمعنى عن فيتعلق بما بعدها وجاز لأنه ظرف ومثله قوله تعالى ! ( وتقطعت بهم الأسباب ) ! قال السمين في الباء أربعة أوجه أحدها للحال أي تقطعت موصولة بهم الأسباب الثاني للتعدية أي قطعتهم الأسباب كقولهم تفرقت بهم الطرق أي فرقتهم الثالث للسببية أي تقطعت بسبب كفرهم الأسباب التي كانوا يرجون بها النجاة والرابع بمعنى عن أي تقطعت عنهم الأسباب الموصلات بينهم وهي مجاز والسبب في الأصل الحبل ثم أطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء عينا كان أو
____________________

معنى وتقطعا أصله تتقطع بتاءين وفاعله ضمير حبال وهذا البيت آخر أبيات للكلحبة العريني وهي (1) ( فإن تنج منها يا حزيم بن طارق ** فقد تركت ما خلف ظهرك بلقعا ) ( ونادى منادي الحي أن قد أتيتم ** وقد شربت ماء المزادة أجمعا ) ( وقلت لكأس ألجميها فإنما ** نزلنا الكثيب من زرود لنفزعا ) ( فأدرك إبقاء العرادة ظلعها ** وقد جعلتني من حزيمة إصبعا ) ( أمرتكم أمري بمنعرج اللوى ** ولا أمر للمعصي إلا مضيعا ) ( إذا المرء لم يغش الكريهة البيت ) وسبب هذه الأبيات أن الكلحبة كان نازلا بزرود وهي أرض بني مالك ابن حنظلة وهو من بني يربوع فأغارت بنو تغلب على بني مالك وكان رئيسهم حزيمة بن طارق فاستاق إيلهم فأتى الصريخ إلى بني يربوع فركبوا في إثره فهزموه واستقذوا ما كان أخذه فقوله إن تنج منها الضمير راجع إلى فرس الكلحبة وحزيم بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي المعجمة مرخم حزيمة وهذا البيت يشهد بانفلاته وشعر جرير يشهد بأسره وهو + ( الكامل ) + ( قدنا حزيمة قد علمتم عنوة ** ) ولا مانع منه بأن أدركه غير الكلحبة وأسره لما ظلعت فرسه قيل ولما أسر اختصم فيه اثنان أحدهما أنيف بن جبلة الضبي وهو أحد بني عبد مناة بن سعد بن ضبة وكان أنيف يؤمئذ نازلا في بني يربوع وليس معه من قومه أحد وثانيهما أسيد بن حناءة السليطي فاختصما إلى الحارث بن قراد فحكم
____________________
1- ( الطويل )

أن جز ناصيته لأنيف وأن لأسيد عنده مائة من الإبل فرضيا بذلك والحارث بن قراد من بني حميري بن رياح بن يربوع وأمه من بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة وقوله فقد تركت إلخ العرب كثيرا ما تذكر أن الخيل فعلت كذا وكذا وإنما يراد به أصحابها لأنهم عليها فعلوا وأدركوا يقول إن تنج يا حزيمة من فرسي لم تفلت إلا بنفسك وقد استبيح مالك وما كنت حويته وغنمته فلم تدع لك هذه الفرس شيئا وقوله ونادى منادي الحي إلخ كأن الكلحبة يعتذر من انفلات حزيمة يقول أتي الصريخ وقد شربت فرسي ملء الحوض ماء وخيل العرب إذا علمت أنه يغار عليها وكانت عطاشا فمنها ما يشرب بعض الشرب ولا يروى وبعضها لا يشرب البتة لما قد جربت من الشدة التي تلقي إذا شربت الماء وحورب عليها وفاعل شربت ضمير الفرس وجملة قد شربت حال أي أتيتم في هذه الحال وقوله وقلت لكأس البيت كأس بنت الكلحبة وقيل جاريته والعرب لا تثق في خيلها إلا بأولادها ونسائها وقوله لنفزعا أي لنغيث يقول ما نزلنا في هذا الموضع إلا لنغيث من استغاث بنا والفزع من الأضداد بمعنى الإغاثة والاستغاثة وقوله فأدرك إبقاء العرادة إلخ العرادة بفتح العين والراء والدال المهملات اسم فرس الكلحبة كانت أنثى والإبقاء ما تبقية الفرس من العدو إذ من عتاق الخيل ما لا تعطي ما عندها من العدو بل تبقي منه شيئا إلى وقت الحاجة يقال فرس مبقية إذا كانت تأتي بجري عند انقطاع جريها وقت الحاجة يريد أنها شربت الماء فقطعها عن إبقائها ففأته حزيمة
____________________

وروى أنقاء العرادة بفتح الهمزة وبالنون جمع نقو بالكسر وهو كل عظم ذي مخ يعني ظلعها وصل إلى عظامها وروى أيضا إرقال العرادة بكسر الهمزة وبالقاف وهو السير السريع وهو مفعول والظلع فاعل قال ابن الأنباري الظلوع في الإبل بمنزلة الغمز أي العرج اليسير يقال ظلع يظلع بفتحهما ظلعا وظلوعا ولا يكون الظلوع في الحافر إلا استعارة يقول فاتني حزيمة وما بيني وبينه إلا قدر إصبع وأورد الشارح هذا البيت في باب الإضافة على أن فيه حذف ثلاثة مضافات أي جعلتني ذا مقدار مسافة إصبع والأولى تقدير مضافين أي ذا مسافة إصبع كما قدر ابن هشام في مغنى اللبيب فإن المسافة معناها البعد والمقدار لا حاجة إليه والمسافة وزنها مفعلة أي محل السوف وهو الشم وكان الدليل إذا سلك الطرق القديمة المهجورة أخذ ترابها فشمه ليعلم أعلى قصد هو أم على جور وإنما يقصد بشم التراب رائحة الأبوال والأبعار فيعلم بذلك أنه مسلوك وكذلك أورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى ! ( فكان قاب قوسين ) ! قال فيه حذف مضافين كما في هذا البيت لكن تقديره مقدار مسافة إصبع يحتاج إلى تأويل لصحة الحمل وقوله أمرتكم أمري إلخ اللوى بالقصر هو لوى الرمل أي منقطعه حيث ينقطع ويفضي إلى الجدد ومنعرجه حيث انثنى منه وانعطف وإنما قال بمنعرج اللوى ليعلم أين كان أمره إياهم كما قال الآخر (1) ( ولقد أمرت أخاك عمرا أمره ** فأبى وضيعه بذات العجرم ) وهذا البيت من شواهد سيبويه أورده الشارح أيضا في باب الاستثناء على أن نصب المستثنى في مثله قليل وقال الخليل مضيعا حال وجاز تنكير ذي الحال لكونه عاما كأنه قال للمعصي أمره مضيعا وبهذا يسقط قول الأعلم حيث قال
____________________
1- ( الكامل )

الشاهد فيه نصب مضيع على الحال من الأمر وهو حال من نكرة وفيه ضعف لأن أصل الحال أن تكون للمعرفة 1 . هـ أقول إن جعل حالا من الضمير المستقر في قوله للمعصي فإنه خبر لا النافية فلا يرد عليه ما ذكر وقال النحاس ويجوز أن يكون حالا للمضمر التقدير إلا أمرا في حال تضييعه فهو حال من نكرة أقول هذا التقدير من باب الاستثناء ومضيعا وصف للمضمر لا حال منه وقال الأعلم ويجوز نصبه على الاستثناء والتقدير إلا أمرا مضيعا وفيه قبح لوضع الصفة موضع الموصوف أقول لا قبح فإن الموصوف كثيرا ما يحذف لقرينة وقال ابن الأنباري الاستثناء منقطع أقول التفريغ لا يكون في المنقطع ثم قال ولو رفع في غير هذا الموضع لجاز بجعله خبرا ل لا أقول يجب حينئذ أن يقال ولا أمرا للمعصي بالتنوين إلا على مذهب البغدادين وقد أورد أبو زيد في نوادره هذه الأبيات على غير هذا الترتيب وروى أولها ( أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ** ) و الكلحبة لقب الشاعر وهو بفتح الكاف وسكون اللام وبعدها حاء مهملة فباء موحدة ومعناه في اللغة صوت النار ولهبها كذا في العباب وزاد في القاموس وكلحبه بالسيف ضربه والعريني نسبة إلى عرين بفتح العين وكسر الراء المهملتين والياء في فعيل تثبت في النسب وهو جده القريب ويقال له اليربوعي أيضا نسبة إلى جده البعيد وقولهم الكلحبة عرني نسبة
____________________

إلى عرينه كجهني نسبة إلى جهينة تحريف فإن عرينة بالتصغير بطن من بجيلة وليس من نسبه قال الآمدي في المؤتلف والمختلف الكلحبة اليربوعي اسمه هبيرة بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم أحد فرسان بني تميم وساداتها وشاعر وهو القائل ( فقلت لكأس ألجميها البيت ** ) وكذا قال أبو زيد في نوادره اسمه هبيرة بن عبد مناف عم واقد بن عبد الله ابن عبد مناف ومثله قال ابن الأنباري الكلحبة اسمه هبيرة بن عبد مناف وقال الصاغاني في العباب قال أبو عبيد كلحبة اسمه عبد الله بن كلحبة ويقال هبيرة بن كلحبة فارس العرادة ويقال اسمه حرير وأثبت من ذلك أن اسمه هبيرة بن عبد الله بن عبد مناف إلى آخر نسبه وقال صاحب القاموس الكلحبة شاعر عرني ولقب هبيرة بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين العرني فارس العرادة ذ هـ . فتأمل ما فيه والظاهر أن حريرا ابنه وهو بضم الحاء المهملة وفتح الراء الأولى كما يفهم من قوله (1) ( لعل حريرا أخطأته منية ** ستأتيك بالعلم العشية أو غد ) ( تقول له إحدى بلي شماتة ** من الحنظلي الفارس المتفقد ) فإنه كان أراد بعض ملوك الشام فسار حتى إذا صار في موضع يقال له قرن ظبي رجع وقال + ( الوافر ) + ( رددت ظعائني من قرن ظبي ** وهن على شمائلهن زور فجاور في بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة فأغار عليهم بنو جشم بن
____________________
1- ( الطويل )

بكر من بني تغلب فقاتل مع بلي هو وابنه وقد أخذ بنو جشم أموالهم حتى ردها وجرح ابنه فمات من جراحته ومن شعر الكلحبة يخاطب جاريته كأسا رواه أبو زيد في نوادره (1) ( يا كأس ويلك إني غالني خلقي ** على السماحة صعلوكا ذا مال ) ( تخيري بين راع حافظ برم ** عبد الرشاء عليك الدهر عمال ) ( وبين أروع مشمول خلائقه ** مستغرق المال للذات مكسال ) ( فأي ذينك إن نابتك نائبة ** والقوم ليسوا وإن سووا بأمثال ) قال أبو حاتم فأي بالرفع قال أبو علي أضمر اختاري لأن ذكره قد جرى فهو منصوب وقال أخوه يرد عليه + ( الطويل ) + ( ألم تك قد جربت ما الفقر والغنى ** وما يعظ الضليل إلا ألالكا ) ( عقوقا وإفسادا لكل معيشة ** فكيف ترى أمست إضاعة مالكا ) قال أبو حاتم إضاعة بالنصب وقال أبو علي ترى المتعدية لمفعولين ألغاها ( تتمة ) قد أخذ البيت الشاهد شبيب بن البرصاء وغير قافيته وقال + ( الطويل ) + ( دعاني حصين للفرار فساءني ** مواطن أن يثنى على فأشتما ) ( فقلت لحصن نج نفسك إنما ** يذود الفتى عن حوضه أن يهدما ) ( تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما ) ( سيكفيك أطراف الأسنة فارس ** إذا ريع نادى بالجواد وألجما ) ( إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ** حبال الهوينى بالفتى أن تجذما )
____________________
1- ( البسيط )

في القاموس وجذمه بالجيم والذال المعجمة فانجذم وتجذم قطعه ومثله كثير من الشعراء وسيأتي إن شاء الله تعالى له نظائر كثيرة والبرصاء هي أم شبيب وأبوه اسمه يزيد وتنتهي نسبته إلى قيس بن عيلان وهو ابن خالة عقيل بن علفة وكل منهما كان شريفا سيدا في قومه وكانا من شعراء الدولة الأموية وترجمتها طويلة في الأغاني قال صاحبها كان عبد الملك بن مروان يتمثل بهذه الأبيات لشبيب بن البرصاء في بذل النفس عند اللقاء ويعجب منه * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والستون (1) ( فإن فؤادي عندك الدهر أجمع ** ) صدره ( فإن يك جثماني بأرض سواكم ) على أن الضمير انتقل من متعلق الظرف إلى الظرف وهو عندك ووجه الدلالة أنه ليس قبل أجمع ما يصح أن يحمل عليه إلا أسم إن والضمير الذي في الظرف والدهر فاسم إن والدهر منصوبان فبقي حمله على المضمر في عندك قال ابن هشام هذا هو المختار بدليلين أحدهما امتناع تقديم الحال في نحو زيد في الدار جالسا ولو كان العامل الفعل لم يمتنع ولقوله ( فإن فؤادي عندك الدهر أجمع ** ) فأكد الضمير المستتر في الظرف والضمير لا يستتر إلا في عامله ولا يصح أن يكون توكيدا لضمير محذوف مع الاستقرار لأن التوكيد والحذف متنافيان ولا
____________________
1- ( الطويل )

لاسم إن على محله من الرفع بالابتداء لأن الطالب للمحل قد زال وقوله بأرض سواكم قال أبو عبيد البكري في شرح نوادر أبي علي القالي يروى بأرض سواكم على الإضافة وهذا بين ويروى بأرض سواكم يريد بأرض سوى أرضكم فحذف المضاف واقام المضاف إليه مقامه 1 هـ وقوله عندك بكسر الكاف فإنه خطاب لامرأة فإن قلت فكيف قال سواكم قلت قد تخاطب المرأة بخطاب جماعة الذكور مبالغة في سترها ومنه قوله تعالى ! ( فقال لأهله امكثوا ) ! وهذا البيت من قصيدة لجميل بن معمر يتغزل فيها بمحبوبته بثينة وما قبله ( ألا تتقين الله فيمن قتلته ** فأمسى إليكم خاشعا يتضرع ) وبعده ( إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ** على هجرها ظلت لها النفس تشفع ) ( ألا تتقين الله في قتل عاشق ** له كبد حرى عليك تقطع ) ( غريب مشوق مولع بأدكاركم ** وكل غريب الدار بالشوق مولع ) ( فأصبحت مما أحدث الدهر موجعا ** وكنت لريب الدهر لا أتخشع ) ( فيا رب حببني إليها وأعطني المودة ** منها أنت تعطي وتمنع ) ورأيت في تذكره أبي حيان أن البيت لكثير عزة وقال بعده ( إذا قلت هذا حين أسلو ذكرتها ** فظلت لها نفسي تتوق وتنزع ) والصواب ما قدمناه وجميل هو جميل بن عبد الله بن معمر كذا قال ابن الكلبي وفي اسم أبيه فمن فوقه خلاف ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف وصاحبته بثينة
____________________

وهما من عذرة ويكنى أبا عمرو وهو أحد عشاق العرب المشهورين وكانت بثينه تكنى أم عبد الملك ولها يقول جميل ( يا أم عبد الملك اصرميني ** وبيني صرمك أو صليني ) ويقال أيضا إنه جميل بن معمر بن عبد الله والجمال والعشق في عذرة كثير وعشق جميل بثينة وهو غلام صغير فلما كبر خطبها فرد ! عنها فقال فيها الشعر وكان يأتيها وتأتيه ومنزلهما وأدي القرى فجمع له قومها جمعا ليأخذوه فحذرته بثينة فاستخفى وقال (1) ( ولو أن ألفا دون بثنة كلهم ** غيارى وكل مزمعون على قتلي ) ( لحاولتها إما نهارا مجاهرا ** وإما سرى ليل ولو قطعوا رجلي ) وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان بن الحكم وهو على المدينة من قبل معاوية فنذر ليقطعن لسانه فلحق بجذام فقال (1) ( أتاني عن مروان بالغيب أنه ** مقيد دمي أو قاطع من لسانيا ) ( ففي العيس منجاة وفي الأرض مذهب ** إذا نحن رفعنا لهن المثانيا ) فأقام هناك إلى أن عزل مروان ثم انصرف إلى بلده ومن شعره فيها ( علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ** إلى اليوم ينمي حبها ويزيد ) ( وأفنيت عمري ] بانتظار نوالها ** فباد بذاك الدهر وهو جديد ) ( فلا أنا مردود بما جئت طالبا ** ولا حبها فيما يبيد يبيد ) ويستجاد له قوله (1)
____________________
1- ( الطويل )

( خليلي فيما عشتما هل رأيتما ** قتيلا بكى من حب قاتله قبلي ) وقالت بثينة ولا يعرف لها شعر غيره (1) ( وإن سلوي عن جميل لساعة ** من الدهر ما حانت ولا حان حينها ) ( ) ( سواء علينا يا جميل بن معمر ** إذا مت بأساء الحياة ولينها ) وترجمة جميل في الأغاني طويلة جدا وما ذكرناه ملخص من طبقات الشعراء لابن قتيبة وذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف ثلاثة ممن اسمه جميل أحدهم هذا والثاني جميل بن المعلى الفزاري وهو شاعر فارس ومن شعره + ( الوافر ) + ( فلا وأبيك ما في العيش خير ** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء ) والثالث جميل بن سيدان الأسدي * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والستون + ( الوافر ) + ( ألا يا نخلة من ذات عرق ** عليك ورحمة الله السلام )
____________________
1- ( الطويل )

لما تقدم في البيت قبله بدليل العطف عليه فإن قوله ورحمة الله عطف على الضمير المستكن في عليك الراجع إلى السلام لأنه في التقدير السلام حصل عليك فحذف حصل ونقل ضميره إلى عليك واستتر فيه ولو كان الفعل محذوفا مع الضمير لزم العطف بدون المعطوف عليه وبهذا البيت سقط قول ابن خروف بأن الظرف إنما يتحمل الضمير إذا تأخر عن المبتدأ قال ابن هشام في المغني قول ابن خروف مخالف لإطلاقهم ولقول ابن جني في هذا البيت إن الأولى حمله على العطف على ضمير الظرف لا على تقديم المعطوف على المعطوف عليه قد اعترض بأنه تخلص من ضرورة بأخرى وهو العطف مع عدم الفصل ولم يعترض بعدم الضمير وجوابه أن عدم الفصل أسهل لوروده في النثر كمررت برجل سواء والعدم حتى قيل إنه قياس 1 . وإنما نسب الأولوية إلى ابن جني لأنه ذهب تبعا لغيره في حرف الواو من المغني إلى أنه من باب تقدم المعطوف على المعطوف عليه وأنه من خصائص الواو وما زعمه الدماميني في الاختصاص بأن السعد قال في شرح المفتاح إن تقديم المعطوف جائز بشرط الضرورة وعدم التقديم على العامل وكون العاطف أحد حروف خمسة الواو والفاء وثم وأو ولا صرح به المحققون وقال ابن السيد في شرح أبيات الجمل مذهب الأخفش أنه أراد عليك السلام ورحمه الله فقدم المعطوف ضرورة لأن السلام عنده فاعل عليك ولا يلزم هذا سيبويه لأن السلام عنده مبتدأ وعليك خبره ورحمه الله معطوف على الضمير المستر وأنشد ثعلب في أمالية هذا البيت هكذا (1) ( إلا يا نخلة من ذات عرق ** برود الظل شاعكم السلام ) شاعكم تبعكم وعليه لا شاهد فيه وأنشده صاحب الجمل في باب النداء قال اللخمي ونخلة منادى منكر وهو الشاهد وحكى الأعلم أن كل نكرة تؤنث فلا تكون إلا منصوبة وإن كانت مقصودة معينة ونخلة عنده منادى مقصود ولكن لما نونها نصبها قال وذات عرق موضع بالحجاز
____________________
1- ( الوافر )

وسلم على النخلة لأنه معهد أحبابه وملعبه مع أترابه لأن العرب تقيم المنازل مقام سكانها فتسلم عليها وتكثر من الحنين إليها قال الشاعر (1) ( وكمثل الأحباب لو يعلم العاذل ** عندي منازل الأحباب ) ويحتمل أن يكون كنى عن محبوبته بالنخلة لئلا يشهرها وخوفا من أهلها وأقاربها وعلى هذا الأخير اقتصر ابن أبي الإصبع في تحرير التحبير في باب الكناية قال ومن نخوة العرب وغيرتهم كنايتهم عن حرائر النساء بالبيض وقد جاء القرآن العزيز بذلك فقال سبحانه ! ( كأنهن بيض مكنون ) ! وقال امرؤ القيس + ( الطويل ) + ( وبيضة خدر لا يرام خباؤها ** تمتعت من لهو بها غير معجل ) ومن مليح الكناية قول بعض العرب + ( الوافر ) + ( ألا يا نخلة من ذات عرق ** عليك ورحمة الله السلام ) ( سألت الناس عنك فخبروني ** هنا من ذاك تكرهه الكرام ) ( وليس بما أحل الله بأس ** إذا هو لم يخالطه الحرام ) فإن هذا الشاعر كنى عن المرأة بالنخلة وبالهناة عن الرفث فأما الهناة فمن عادة العرب الكناية بها عن مثل ذلك وأما الكناية بالنخلة عن المرأة فمن ظريف الكناية وغريبها 1 هـ وقال شراح أبيات الجمل وغيرهم بيت الشاهد لا يعرف قائله وقيل هو للأحوص والله أعلم
____________________
1- ( الخفيف )

وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والستون وهو من شواهد س (1) ( أحقا بني أبناء سلمى بن جندل ** تهددكم إياي وسط المجالس ) على أن تهددكم فاعل الظرف أعني قوله حقا لاعتماده على الاستفهام والتقدير أفي حق تهددكم إياي كما قال الآخر (1) ( أفي الحق أني مغرم بك هائم ) وجاز وقوعه ظرفا وهو مصدر في الأصل لما بين الفعل والزمان من المضارعة وكأنه على حذف الوقت وإقامة المصدر مقامه كما قالوا أتيتك خفوق النجم أي وقت خفوق النجم فكأن تقديره أفي وقت حق وقال ابن الشجري في أمالية قالوا حقا إنك ذاهب وأكبر ظني أنك مقيم يريدون في حق وفي أكبر ظني ولك في أن مذهبان فمذهب سيبويه والأخفش والكوفيين رفع أن بالظرف وكل اسم حدث يتقدمه ظرف يرتفع عند سيبويه بالظرف ارتفاع الفاعل وقد مثل ذلك بقوله غدا الرحيل وأحقا أنك ذاهب قال حملوه على أفي حق أنك ذاهب والحق أنك ذاهب والمذهب الآخر مذهب الخليل وذلك أنه يرفع اسم الحدث بالابتداء ويخبر عنه بالظرف المتقدم حكى ذلك عنه سيبويه في قوله وزعم الخليل أن التهدد ها هنا بمنزلة الرحيل بعد غد وأن أن بمنزلته 1 ه
____________________
1- ( الطويل )

وقال ابن هشام في مغني اللبيب أن وصلتها مبتدأ والظرف خبره وقال المبرد حقا مصدر لحق محذوفا وأن وصلتها فاعل 1 هـ وقد استشكل النحاس قول الخليل أن التهدد هنا بمنزلة الرحيل بعد غد إلخ فقال وهذا مشكل وسالت عنه أبا الحسن فقال لأنك تقول أحقا أن تتهددوا وكذا أحقا أنك منطلق قال فحقا عنده ظرف كأنه قال أفي حق انطلاقك قال وحقيقته أزمن حق أنك منطلق مثل وأسأل القرية قال محمد بن يزيد لم يجز الخليل كسر إن هنا لأنه يكون التقدير إنك ذاهب حقا ثم تقدم ومحال أن يعمل ما بعد إن فيما قبلها ولو كان العامل فيها جاز فيه التقديم والتأخير نحو حقا ضربت زيدا ولا يجوز حقا زيد في الدار فلذلك اضطر إلى تقدير في وإن قلت أحقا أنك ذاهب جاز لأن العامل معنى 1 هـ قال النحاس وسمعت أبا الحسن يقول نظرت في أحقا فلم أجد يصح فيه إلا قول سيبويه على حذف في 1 هـ أراد بهذا الرد على الجرمي فإنه قال في هذا البيت ونحوه هو على التقديم والتأخير ولا يكون على ما قاله سيبويه من أنه ظرف لأن الظرف لم يجيء مصدرا في غير هذا وهذا الذي قاله قبيح من جهة أن ما ينتصب لدلالة الجملة عليه متقدم قال أبو علي في التذكرة هذا ليس بالحسن على أن سيبويه قال غير ذي شك أنه خارج وقولهم غير ذي شك فيه دلالة على جواز نصب حقا على الظرف ألا ترى أنه إنما أجاز تقديمه حيث كان غير ذي شك بمنزلة حقا وفي معناه فلولا أن حقا في معنى الظرف عندهم لم يستعملوا تقديم ما كان في معناه إذ العامل إذا كان معنى لم يتقدم عليه معموله فلولا أن حقا بمنزلة الظرف لما تقدم على العامل فيه وهو معنى ويؤكد ذلك أيضا قولهم أكبر ظني أنك منطلق فإجراؤهم إياه مجرى الظرف يدل على أن حقا أيضا قد أجرى مجرى الظرف إذ كانا متقاربي المعنى وقد أجرى الجرمي هذه الأبيات التي أنشدها سيبويه على أنها محمولة على المصدر وأن ما بعد المصدر محمول على الفعل أو على المصدر
____________________

فإما أن يعمل فيه المصدر وإما أن يعمل فيه الفعل العامل في المصدر وهذا الذي أجازه جائز غير ممتنع وهو ظاهر وقد كنت سألت أبا بكر عنه فقلت ما تنكر أن يكون محمولا على الفعل فأجاز ذلك ولم يمتنع منه 1 هـ و بني منادى مضاف لما بعده وسلمى بفتح السين وروي وعيدكم بدل تهددكم وسط بسكون السين ظرف بمعنى بين وهذا البيت للأسود بن يعفر أول أبيات أربعة وهذا ما بعده (1) ( فهلا جعلتم نحوه من وعيدكم ** على رهط قعقاع ورهط ابن حابس ) ( هم منعوا منكم تراث أبيكم ** فصار التراث للكرام الأكايس ) ( وهم أوردوكم ضفة البحر طاميا ** وهم تركوكم بين خاز وناكس ) نحوه أي مثله أي مثل ما هددتموني به والأكايس جمع أكيس من الكياسة وهي الظرافة والضفة بالفتح والكسر جانب البحر والنهر والبئر وطاميا من طما الماء يطمو طموا ويطمي طميا فهو طام إذا ارتفع وملأ النهر وهو بالطاء المهملة وخاز من خزي بالكسر يخزى خزيا إذا ذل وهان والناكس المطأطئ رأسه والسبب في هذه الأبيات كما في الأغاني أن أبا جعل أخا بني عمرو ابن حنظلة من البراجم جمع من شذاذ أسد وتميم وغيرهم فغزوا بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فضوا جمعهم فلحق رجل من بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة جماعة من بني نهشل فيهم جراح بن الأسود بن يعفر وحرير بن شمر بن هزان بن زهير بن جندل ورافع بن صهيب بن حارثة ابن جندل وعمرو والحارث ابنا حرير بن سلمى ابن جندل فقال لهم الحارثي هلم إلي يا طلقاء فقد أعجبني قتالكم وأنا خير لكم من العطش قالوا نعم فنزل ليجز نواصيهم فنظر جراح بن الأسود إلى فرسه فإذا هو أجود فرس في الأرض
____________________
1- ( الطويل )

يقال له العصماء فوثب فركبها وركضها ونجا عليها فقال الحارثي للذين بقوا معه أتعرفون هذا قالوا نعم نحن لك عليه خفراء فلما أتى جراح أباه أمره فهرب بها في بني سعد فابتطنها ثلاثة أبطن وكان يقال لها العصماء فلما رجع النفر النهشليون إلى قومهم قالوا إنا خفراء فارس العصماء فوالله لنأخذنها فأوعدوه وقال حرير ورافع نحن الخفيران لها وكان بنو جرول حلفاء بني سلمى ابن جندل على بني حارثة بن جندل فأعانه على ذلك التيجان بن بلج بن جرول ابن نهشل فقال الأسود بن يعفر يهجوه (1) ( أتاني ولم أخش الذ ي ابتعثا به ** خفيرا بني سلمى حرير ورافع ) ( هم خيبوني كل يوم غنيمة ** وأهلكتهم لو أن ذلك نافع ) وسيأتي إن شاء الله تعالى شرح هذا مع بقية الأبيات في آخر الكتاب في حروف الشرط قال فلما رأى الأسود أنهم لا يقلعون عن الفرس أو يردها أحلفهم عليها فحلفوا أنهم خفراء لها فرد الفرس عليهم وأمسك أمهارها فردوا الفرس إلى صاحبها ثم أظهر الأمهار بعد ذلك فأوعدوه فيها أن يأخذوها فقال الأسود أحقا بني أبناء سلمى بن جندل الأبيات الأربعة والأسود هو ابن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم قال السيوطي وجعله محمد بن سلام في الطبقة الثانية مع خداش بن زهير والمخبل السعدي والنمر بن تولب وكنيته أبو الجراح وكان ممن يهجو قومه
____________________
1- ( الطويل )

وترجمه الآمدي في المؤتلف والمختلف فيمن لقب بالأعشى فقال ومنهم أعشى بني نهشل وهو الأسود بن يعفر بن الأسود بن حارثة بن جندل بن نهشل بن دارم الشاعر المشهور 1 هـ وفي الصحاح الأسود بن يعفر الشاعر إذا قلته بفتح الياء لم تصرفه لأنه مثل يقتل وقال يونس سمعت رؤبة يقول اسود بن يعفر بضم الياء أي وبضم الفاء أيضا وهذا ينصرف لأنه قد زال عنه شبه الفعل 1 هـ وهو شاعر مقدم فصيح من شعراء الجاهلية ليس بمكثر وله القصيدة المشهورة التي أولها (1) ( نام الخلي وما أحس رقادي ** والهم محتضر لدي وسادي ) وفيها أبيات شواهد في المغني لأبن هشام تشرح هناك إن شاء الله تعالى وهي من مختار أشعار العرب وحكمها مأثورة وكان ينادم النعمان بن المنذر ولما أسن كف بصره فكان يقاد إذا ذهب إلى موضع وابنه الجراح وأخوه حطائط شاعران ومن شعر حطائط يقول لأمه وقد عاتبته على جوده + ( الطويل ) + ( أريني جوادا مات هزلا لعلني ** أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا ) ( ذرين أكن للمال ربا ولا يكن ** لي المال ربا تحمدي غب غدا )
____________________
1- ( الكامل )

ذريني يكن مالي لعرضي وقاية ** يقي المال عرضي قبل أن يتبددا ) * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والستون وهو من شواهد س ( أكل عام نعم تحوونه ** ) على أنه بتقدير حواية نعم ليصح الإخبار عن اسم العين باسم الزمان فإن قوله أكل عام منصوب على الظرف في موضع خبر لقوله نعم فوجب تقدير مضاف وقدره الشارح المحقق حواية بدليل تحوونه وهو مصدر حويت الشيء أحويه إذا ضممته واستوليت عليه وملكته وقدره ابن الناظم في شرح الخلاصة إحراز نعم وقدره ابن هشام نهب نعم وقدره ابن خلف أخذ نعم أو تحصيل نعم وقال النحاس كان المبرد يذهب إلى أن المعنى أكل عام حدوث نعم فيكون كل منصوبا بالحدوث كما تقول الليلة الهلال قال أبو الحسن ردا عليه ليس النعم شيئا
يحدث لم يكن كيوم الجمعة وما أشبهه ولكن العامل في كل الاستقرار والخبر محذوف كأنه قال نعم تحوونه لكم 1 هـ أقول المبرد قدر هذا المضاف لصحة الإخبار لا لأنه عامل في الظرف وكيف يكون العامل في كل الاستقرار مع كون الخبر محذوفا مقدرا بلكم فتأمل وقدر صاحب اللب المحذوف مثل المبرد قال شارحه يحتمل أن يكون مراده أن المضاف هنا محذوف أي أحدوث نعم حصل في كل عام أو أحصل في كل عام حدوث نعم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فيكون المبتدأ أو العامل في التقدير حدثا غير مستمر وأن يكون مراده أن للنعم في نفسه تجددا وحدوثا في كل عام كما أن في نفس الهلال تجددا وحدوثا في كل شهر 1 هـ وفهم من كلامه شيئآن
____________________

الأول الرد على أبي الحسن في قوله ليس النعم شيئا يحدث والثاني أن نعما لا يتعين أن يكون مبتدأ بل يجوز أيضا أن يكون فاعل الظرف ومثله قال ابن هشام في شرح الشواهد الأحسن أن يكون نعم فاعلا بالظرف لاعتماده فلا مبتدأ ولا خبر ومع هذا فلابد من التقدير أيضا لأنه لأجل المعنى لا لأجل المبتدأ إذ الذي يحكم له بالاستقرار هو الأفعال لا الذوات 1 هـ وأورد س هذا البيت على أن جملة تحوونه صفة لنعم واستشهد به أيضا صاحب الكشاف على تذكير الأنعام في قوله تعالى ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه لأنه مذكر كما ذكر الشاعر الضمير المنصوب في تحوونه الراجع إلى النعم لأنه النعم اسم مفرد بمعنى الجمع قال الفراء هو مفرد لا يؤنث يقال هذا نعم وارد وقال الهروي والنعم يذكر ويؤنث وكذلك الأنعام تذكر وتؤنث ولهذا قال مما في بطونه وفي موضع آخر مما في بطونها قال الراغب في موضع النعم مختص بالإبل قال وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة ثم قال لكن الأنعام يقال للإبل والبقر والغنم ولا يقال لها أنعام حتى يكون فيها إبل وقال في قوله تعالى ( مما يأكل الناس والأنعام ) إن الأنعام ها هنا عام في الإبل وغيرها وروي أيضا في كل عام بالجار بدل الهمزة والهمزة للاستفهام الإنكاري وبعده (1) ( يلقحه قوم وتنتجونه ** أربابه نوكى فلا يحمونه ) ( ولا يلاقون طعانا دونه ** أنعم الأبناء تحسبونه ) ( أيهات أيهات لما ترجونه ** ) يقول يحملون الفحولة على النوق فإذا حملت أغرتم أنتم عليها فأخذتموها وهي حوامل فتلد عندكم يقال ألقح الفحل الناقة إذا أحبلها واللقاح
____________________
1- ( الرجز )

كسحاب ماء الفحل وتنتجونه بتاء الخطاب يقال نتج الناقة أهلها أي استولدوها وأنتجت الفرس بالهمزة حان نتاجها قال صاحب المصباح النتاج بالكسر اسم يشمل وضع البهائم من الغنم وغيرها وإذا ولي الإنسان ناقة أو شاة ماخضا حتى تضع قيل نتجها نتجا من باب ضرب فالإنسان كالقابلة لأنه يتلقى الولد ويصلح من شأنه فهو ناتج والبهيمة منتوجة والولد نتيجة والأصل في الفعل أن يتعدى إلى مفعولين فيقال نتجها ولدا لأنه بمعنى ولدها ولدا ويبني الفعل للمفعول فيحذف الفاعل ويقام المفعول الأول مقامه ويقال نتجت الناقة ولدا إذا وضعته ويجوز حذف المفعول الثاني اقتصارا لفهم المعنى فيقال نتجت الشاة ويجوز إقامة المفعول الثاني مقام الفاعل وحذف المفعول الأول لفهم المعنى فيقال نتج الولد ونتجت السخلة أي ولدت وقد يقال نتجت الناقة ولدا بالبناء للفاعل على معنى ولدت أو حملت قال السرقسطي نتج الرجل الحامل وضعت عنده ونتجت هي أيضا حملت لغة قليلة وأنتجت الفرس وذو الحافر بالألف استبان حملها فهي نتوج 1 هـ وهذا التفصيل لا يوجد في غير هذا الكتاب ولهذا نقل برمته ونوكى بفتح النون جمع أنوك وهو الأحمق الضعيف التدبير والعمل والاسم النوك بالضم والفتح نوك كفرح نواكة ونوكا محركة واستنوك وهو أنوك ومستنوك والجمع نوكي كسكري ونوك كهوج وامرأة نوكاء من نوك أيضا وأنوكه صادفة أنوك وقوله فلا يحمونه أي لا يمنعون من أراد الإغارة عليه والأبناء كل بني سعد بن زيد إلا بني كعب بن سعد وتحسبونه بالخطاب أيضا وأيهات لغة في هيهات وقوله لما ترجونه بالخطاب أيضا أي رجوا أن يدوم لهم هذا الفعل في الناس فمنعناهم منه وحمينا ما ينبغي أن نحميه وهذه الأبيات قيلت في يوم الكلاب الثاني فإن للعرب فيه يومين عظيمين وهو بضم الكاف وتخفيف اللام وهو ماء لبني تميم بين الكوفة والبصرة
____________________

وكان من حديث هذا اليوم على ما في شرح المناقضات وفي الأغاني أنه لما أوقع كسرى ببني تميم وذلك أنهم كانوا أغاروا على لطيمته فلجئوا إلى الكلاب وذلك في القيظ وقد أمنوا أن تقطع عليهم تلك الصحارى فدل عليهم بنو الحارث ابن عبد المدان فقتلت المقاتلة وبقي الذراري والأموال بلغ ذلك مذحجا فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا اغتنموا بني تميم ثم بعثوا الرسل في قبائل اليمن وأحلافها من قضاعة فقالت مذحج للمأمور الحارثي الكاهن ما ترى فأشار بالكف عن غزوهم وزعموا أنه اجتمع من مذحج ولفها اثنا عشر ألفا فكان رئيس مذحج عبد يغوث بن وقاص ورئيس همدان رجل يقال له مشرح ورئيس كندة البراء ابن قيس بن الحارث الملك فأقبلوا إلى بني تميم فبلغ ذلك سعدا والرباب فانطلق ناس من أشرافهم إلى أكثم بن صيفي فاستشارة فقال أقلوا الخلاف على أمرائكم واعلموا أن كثرة الصياح من الفشل تثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين وربما عجدلة تهب ريثا وابرزوا للحرب وأدرعوا الليل فإنه أخفى للويل فلما انصرفوا من عند أكثم تهيؤوا للغزو واستعدوا للحرب وأقبل أهل اليمن في بني الحارث من أشرافهم يزيد بن عبد المدان ويزيد بن المخرم ويزيد بن اليكسم ابن المأمور ويزيد بن هوبر حتى إذا كانوا بتيمن وهي ما بين نجران إلى بلاد بني تميم نزلوا قريبا من الكلاب ورجل من بني زيد بن رياح بن يربوع يقال له مشمت بن زنباع في إبل له وهو عند خال له من بني سعد ] ومعه رجل من
____________________

بني سعد يقال له زهير بن بو فلما أبصرهم المشمت قال لزهير دونك الإبل وتنحى عن طريقهم حتى أتى الحي فأنذرهم فأعدوا للقوم وصبحوهم فأغاروا على النعم فأطردوه وجعل رجل من أهل اليمن يقول (1) ( في كل عام نعم ننتابه ** على الكلاب غيبا أربابه فأجابه غلام من بني سعد كان في النعم على فرس له فقال ) ( عما قليل يلحقن أربابه ** ) وروى ( عما قليل سترى أربابه ** ) ( صلب القناة حازما شبابه ** على جياد ضمر غيابه ) وأقبل بنو سعد والرباب ورئيس الرباب النعمان بن جساس بكسر الجيم وتخفيف السين ورئيس بني سعدج قيس بن عاصم وأجمع العلماء على أن قيس بن عاصم كان الرئيس يومئذ فقال رجل من بني ضبة حين دنا من القوم وقال شراح أبيات سيبويه هو قيس بن حصين بن يزيد الحارثي ( في كل عام نعم تحوونه الأبيات ** ) وتقدمت سعد والرباب فالتقوا في أوائل الناس فلم يلتفتوا إليهم واستقبلوا النعم من قبل وجوهه فجعلوا يصرفونه بأرماحهم واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا يومهم حتى إذا كان آخر النهار قتل النعمان بن جساس وظن أهل اليمن أن بني تميم ليسوا بكثير حتى قتل النعمان فلم يزدهم ذلك إلا جراءة فاقتتلوا حتى حجز
____________________
1- ( الرجز )

. بينهم الليل فلما صبحوا غدوا على القتال فنادى قيس بن عاصم يا آل مقاعس وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم فسمع الصوت وعلة بن عبد الله بن الجرمي وكان صاحب اللواء يومئذ فطرحه وكان أول من انهزم منهم وحملت عليهم سعد والرباب فهزموهم وجعل رجل منهم يقول (1) ( يا قوم لا يفلتكم اليزيدان ** يزيد حزن ويزيد الريان ) ( مخرم أعني به والديان ) مخرم هو ابن شريح بن المخرم بن حزن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث وهو صاحب المخرم ببغداد وجعل قيس ينادي يال تميم لا تقتلوا إلا فارسا فإن الرجالة لكم وجعل يأخذ الأسرى فما زالوا في آثار القوم يقتلون ويأسرون حتى أسروا عبد يغوث بن وقاص وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب المنادى عند شرح قوله + ( الطويل ) +
____________________
1- ( الرجز )

( فيا راكبا إما عرضت فبلغن ** نداماي من نجران أن لا تلاقيا ) وأما وعلة فإنه لحق رجلا من بني نهد يقال له سليط بن قتب فقال له وعلة أردفني خلفك فإنني أتخوف القتل فأبى أن يردفه فطرحه عن قربوسه وركب عليها وأدركت بنو سعد النهدي فقتلوه فقال وعلة لما أتى أهله (1) ( لما سمعت الخيل تدعو مقاعسا ** تطلع مني ثغرة النحر جائر ) يعني القلب ( نجوت نجاء ليس فيه وتيرة ** كأني عقاب دون تيمن كاسر ) ( وقد قلت للنهدي هل أنت مردفي ** وكيف رداف الفل أمك عابر ) من العبرة يقول عبرت أمك كيف تردفني وإنك فل منهزم ( أناشده والرحم بيني وبينه ** وقد كان في نهد وجرم تدابر ) أي تقاطع وتباغض ( فمن يك يرجو في تميم هوادة ** فليس لجرم في تميم أواصر ) أي قرابات ( فدى لكما رجلي أمي وخالتي ** غداة الكلاب إذ تجز الدوابر ) وذلك أن قيس بن عاصم لما أكثر قومه القتل في اليمن أمرهم بالكف عن القتل وأن يجزوا عراقيبهم * * *
____________________
1- ( الطويل )

وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والستون (1) ( إلا جبرئيل أمامها ) + وهو قطعة من بيت وهو ( شهدنا فما نلقى لنا من كتيبة ** يد الدهر إلا جبرئيل أمامها ) على أن الظرف الواقع خبرا إذا كان معرفة يجوز رفعه بمرجوحية والراجح نصبه وهذا لا يختص بالشعر خلافا للجرمي والكوفيين وجبرئيل مبتدأ وأمامها بالرفع خبره والجملة صفة للكتيبة وقد أورد هذا البيت ابن هشام في شرح بانت سعاد عند قوله + ( البسيط ) + ( غلباء وجناء علكوم مذكرة ** ) وروى نصرنا بدل شهدنا ثم قال قوافي هذا الشعر مرفوعة وإنما استشهدت على جواز رفع الإمام لأن بعض العصريين وهم فيه فزعم أنه لا يتصرف 1 هـ وقوله يد الدهر بمعنى مدى الدهر ظرف متعلق بقوله نلقى ومن زائدة وكتيبة مفعول لنلقي ولنا كان في الأصل صفة لكتيبة فلما قدم صار حالا منه والكتيبة طائفة من الجيش مجتمعة من الكتب وهو الجمع ونلقى بالنون وبالقاف الفوقية من اللقى يقال لقيته ألقاه من باب تعب لقيا والأصل على فعول وكل شيء استقبل شيئا أو صادفة فقد لقيه وشهدنا من شهدت المجلس مثلا إذا حضرته فالمفعول محذوف أي شهدنا عزوات النبي & فما لقينا كتيبة وعبر بالمستقبل لحكاية الحال الماضية وهذا البيت لم أر من ذكره ابتداء إلا أبا إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج في
____________________
1- ( الطويل )

تفسيره أورده عند قوله تعالى ! ( قل من كان عدوا لجبريل ) ! قال جبريل في اسمه لغات قد قرئ ببعضها ومنها ما لم يقرأ به فأجود اللغات جبرئيل بفتح الجيم والهمز لأن الذي يروى عن النبي & في صاحب الصور جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره هذا الذي ضبطه أصحاب الحديث ويقال جبريل بفتح الجيم وكسرها ويقال جبرئل بحذف الياء وإثبات الهمزة ويقال جبرين بالنون وهذا لا يجوز في القرآن لأنه خلاف المصحف قال الشاعر ( شهدنا فما نلقى لنا من كتيبة البيت ** ) وهذا على لفظ ما في الحديث وما عليه كثير من القراء وقد جاء في شعر جبريل قال الشاعر الوافر ( وجبريل رسول الله فينا ** وروح القدس ليس له كفاء 1 هـ ولم يبين قائل البيتين وقد بينهما الصاغاني في العباب قال وجبرئيل اسم يقال هو جبر أضيف إلى إيل وجبر هو العبد وإيل هو الله تعالى وفيه لغات جبرئيل كجبرعيل وجبرييل بغير همز وأنشد الأخفش لكعب بن مالك الأنصاري ( شهدنا فما نلقى لنا من كتيبة البيت ** ) ويقال جبريل كحزقيل وأنشد لحسان بن ثابت ( وجبريل رسول الله فينا البيت ** ) ثم ذكر بقية اللغات ونسبة ابن هشام في شرح بانت سعاد وابن عادل في تفسيره هذا البيت إلى حسان غير صحيحة لنه غير موجود في ديوانه
____________________

وكعب بن مالك هو أحد شعراء رسول الله & الذين كانوا يردون الأذى عنه وكان مجودا مطبوعا قد غلب عليه في الجاهلية أمر الشعر وعرف به ثم أسلم وشهد العقبة ولم يشهد بدرا والمشاهد كلها حاشا تبوك فإنه تخلف عنها وقد قيل إنه شهد بدرا وهو أحد الثلاثة الأنصار الذين قال الله فيهم ! ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض ) ! الآية والثاني والثالث هلال بن أمية ومرارة بن الربيع تخلفوا عن غزوة تبوك فتاب الله عليهم وعذرهم وغفر لهم ونزل القرآن المتلو في شأنهم وتوفي كعب بن مالك في مدة معاوية سنة خمسين وقيل سنة ثلاث وخمسين وهو ابن سبع وسبعين سنة ولبس كعب يوم أحد لأمة النبي & وكانت صفراء ولبس النبي & لأمته فجرح كعب أحد عشر جرحا ولما قال كعب (1) ( جاءت سخينة كي تغالب ربها ** فليغلبن مغالب الغلاب ) قال رسول الله & لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا وله أشعار حسان جدا في المغازي وغيرها كذا في الاستيعاب وأورد له ابن هشام في سيرته مما قاله يوم بدر + ( الطويل ) +
____________________
1- ( الكامل )

( ألا أهل أتى غسان في ناي دارها ** وأخبر شيء بالأمور عليمها ) ( بأن قد رمتنا عن قسي عداوة ** معد معا جهالها وحليمها ) ( لأنا عبدنا الله لم نرج غيره ** رجاء الجنان إذا أتانا زعيمها ) ( نبي له في قومه إرث عزة ** وأعراق صدق هذبتها أرومها ) ( فساروا وسرنا فالتقينا كأننا ** أسود لقاء لا يرجى كليمها ) ( ضربناهم حتى هوى في مكرنا ** لمنخر سوء من لؤي عظيمها ) ( فولوا ودسناهم ببيض صوارم ** سواء علينا حلفها وصميمها ) 1 هـ وفي نسخة نفيته وسخينة لقب قريش قال في الصحاح والسخينة طعام يتخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة وفوق الحساء وإنما يأكلون السخينة في شدة الدهر وغلاء السعر وعجف المال وكانت قريش تعير بها 1 . هـ وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والستون وهو من شواهد س (1) ( فوردن والعيوق مقعد رابء الضرباء ** خلف النجم لا يتتلع ) على أن معقد ظرف منصوب رقع خبرا عن اسم عين وهو العيوق واستشهد به س على نصب المقعد على الظرفية مع اختصاصه به تشبيها له بالمكان لأن مقعد الرابئ مكان من الأماكن المخصوصة وجاز عمل الفعل في مثله ولم يجز في الدار ونحوه لأنهم أرادوا به التشبيه والمثل فكأنهم قالوا والعيوق من الثريا مكان قعود الرابئ من الضرباء فحذفوا اختصارا وجعلوا المقعد ظرفا لذلك ولا تقع الدار ونحوها هذا الموقع فلذلك اختلف حكمهما كذا قال الأعلم
____________________
1- ( الكامل )

وقال الإمام المرزوقي ومقعد وإن كان مختصا في الأمكنة جائز أن يكون ظرفا لانتقاله عن بابه إلى معنى القرب كما أن مقعد الإزار ومقعد القابلة منقولان إليه وجعلا ظرفين وكما أن مناط الثريا ومزجر الكلب نقلا إلى معنى البعد والإهانة وجعلا ظرفين وقال السيرافي أعلم أن هذا الباب ينقسم قسمين أحدهما يراد به تعيين المنزلة من بعد أو قرب والآخر يراد به تقدير القرب والبعد فأما ما كان من ذلك يراد به تعيين الموضع وذكر المحل من قرب أو بعد فإنه يجوز فيه النصب على الظرف والرفع على خبر الأول تشبيها والأكثر فيه النصب ويدلك على ذلك أنه تدخل الباء عليه فتقول هو مني بمنزلة كأنه قال هو مني استقر بمنزلة والباء وفي بمعنى واحد وهو مني بمزجر الكلب إذا أردت هو مهان مباعد فإذا نصبت فالناصب استقر وإذا رفعت فقلت هو مني مقعد القابلة جعلته بمنزلة قولك هو قريب كمقعد القابلة فإن قلت هو مني مناط الثريا فكأنك قلت هو بعيد وجاز أن تكون هذه الأشياء ظروفا لأنهم قد اتسعوا فيما هو من الأماكن أخص من هذه فجعلوه ظرفا ونصبوه كقولهم ذهبت الشام ودخلت البيت تشبيها بالأماكن المحيطة كخلف وقدام قال سيبويه إنما يجوز هذا فيما تستعمله العرب ظرفا من هذه الأماكن ولا يجوز القياس عليها 1 . هـ وهذا البيت من قصيدة مشهورة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي بها أولاده عدتها أثنان وستون بيتا مطلعها (1) ( أمن المنون وريبها تتوجع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع ) ومنها ( أودى بني وأعقبوني غصه ** بعد الرقاد وعبرة لا تقلع ) ( فغبرت بعدهم بعيش ناصب ** وإخال أني لاحق مستتبع ) ( ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ** فإذا المنية أقبلت لا تدفع ) ( وإذا المنية أنشبت أظفارها ** ألفيت كل تميمة لا تنفع )
____________________
1- ( الكامل )

( وتجلدي للشامتين أريهم ** أني لريب الدهر لا أتضعضع ) ( والنفس راغبة إذا رغبتها ** وإذا ترد إلى قليل تقنع ) ( والدهر لا يبقى على حدثانه ** جون السراة له جدائد أربع ) على بمعنى مع والحدثان بمعنى الحادثة والسراة بفتح السين أعلى الظهر وسراة كل شيء أعلاه والجون بفتح الجيم الأسود المائل إلى الحمرة وأراد بجون السراة الحمار الوحشي والجدائد الأتن التي لا ألبان لها واحدها جدود بفتح الجيم أخذ يسلي نفسه ويقول إن أصبت ببني فتكدر بموتهم عيشي فإن الدهر لا يسلم على نوائبه عير أسود الظهر له أتن أربع قد خفت ألبانها والمعنى أن الوحش في تباعدها عن كثير من الآفات التي يقاربها الإنس وفي انصرافها بطبعها وحدسها عن جل مراصد الدهر وعلى نفارها الشديد وحذارها الكثير وبعد مراتعها من الصياد ليست تتخلص بجهدها من حوادث الدهر بل لابد من هلاكها وبعد هذا البيت وصفها بطيب العيش في عشرين بيتا إلى أن قال ( فوردن والعيوق مقعد البيت ** ) والعيوق كوكب أحمر يطلع حيال الثريا وفوق الجوزاء والمقعد بفتح الميم مكان القعود ويأتي مصدرا أيضا والرابئ مهموز الآخر اسم فاعل من ربأهم من باب منع بمعنى علا وارتفع ورفع وأشرف كارتبأ ورابئ الضرباء هو الذي يقعد خلف ضارب قداح الميسر يرتبئ لهم فيما يخرج من القداح فيخبرهم به ويعتمدون على قوله فيه وهو مأخوذ من ربيئة القوم وهو طليعتهم والضرباء جمع ضريب ككريم وكرماء وهو الذي يضرب بالقداح وهو الموكل بها ويقال له الضارب أيضا والنجم الثريا ويروى فوق النظم يعني نظم الجوزاء ويتتلع يتقدم ويرتفع مأخوذ من التلعة فقوله والعيوق مقعد جملة اسمية حال من نون وردن يقول وردت الأتن
____________________

الماء والعيوق من النجم مقعد رابئ الضرباء من الضرباء أي خلفه لا يتقدم وهذا إنما يكون في صميم الحر عند الإسحار وإنما قال خلف النجم لأنك في الصيف ترى المجرة عند الإسحار كأنها ملوية فترى العيوق متخلفا عن الثريا وهذا الوقت الذي أشار إليه هو وقت ورود الوحش الماء ولذلك يكمن الصيادون فيه عند المشارع ونواحيها ومقعد وخلف منصوبان على الظرف وقع الأول خبرا لقوله والعيوق والثاني بدلا منه كأنه أراد والعيوق من خلف النجم مقعد رابئ الضرباء من الضرباء فحذف من خلف لأن البدل وهو قوله خلف النجم يدل عليه كما حذف من الضرباء لأن جملة الكلام يدل عليه ويجوز أن يكون خلف النجم في موضع الحال كأنه قال والعيوق من النجم قريب متخلفا عنه ويجوز العكس فيكون خلف النجم خبر المبتدأ ومقعد حالا والعامل فيه الظرف كأنه قال والعيوق مستقر خلف النجم قريبا وجملة لا يتتلع إما خبر بعد خبر وإما حال بعد قال أبو سعيد الضرير إنما اشترط التتلع لأن العيوق مادام متقدما على الثريا ففي الزمان بقية من الأبارد والأبارد برد أطراف النهار فإذا استوى العيوق معها فقد بقي من الأبارد شيء قليل فإذا استأخر عنها استحكم الحر ثم ذكر أبو ذؤيب فيما بعد هذا من أبيات أن الصياد كمن لهن فأهلكها جميعا و أبو ذؤيب اسمه خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل أخو بني مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس ابن مضر ومحرث بتشديد الراء المكسورة وزبيد تصغير الزبد وهو العطية وقيل براء مهملة وكان هلك لأبي ذؤيب بنون خمسة في عام واحد أصابهم الطاعون وكانوا
____________________

هاجروا إلى مصر وهلك هو في زمن عثمان رضي الله عنه في طريق مصر ودفنه ابن الزبير وقال أبو عمرو الشيباني مات في طريق إفريقية وهو شاعر فحل مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وهو أشعر هذيل من غير مدافعة وفد على النبي & في مرض موته فمات النبي & قبل قدومه بليلة أدركه وهو مسجى وصلى عليه وشهد دفنه & وحكى عن نفسه قال بلغنا أن رسول الله & عليل وأوجس أهل الحي خيفة واستشعرت حربا فبت بليلة طويلة حتى إذا كان وقت السحر هتف الهاتف يقول (1) ( خطب أجل أناخ بالإسلام ** بين النخيل ومقعد الآطام ) ( قبض النبي محمد فعيوننا ** تذري الدموع عليه بالتسجام ) فوثبت من نومي فزعا فنظرت إلى السماء فلم ار إلا سعد الذابح فتفاءلت به ذبحا يقع في الإسلام وعلمت أن النبي & قد قبض وسيأتي له أخبار في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والستون وهو من شواهد س * * * ( هم درج السيول ** ) هو قطعة من بيت وهو + ( الوافر ) +
____________________
1- ( الكامل )

( أنصب للمنية يعتريهم ** رجالي أم هم درج السيول ) على أن درجا ظرف منصوب وقع خبرا لقوله هم وتقدم الكلام على نظيره قبله وهذا البيت لإبراهيم بن هرمه يبكي به قومه لكثرة من فقد منهم والنصب بالضم الشيء المنصوب والشر والبلاء أيضا ومنه قوله تعالى ( مسني الشيطان بنصب وعذاب ودرج السيول الموضع الذي يمر به السيل فينزل من موضع إلى موضع حتى يستقر والدرج بفتحتين الطريق ورجع أدراجه ويكسر أي في الطريق الذي جاء منه يقول قومي كانوا غرضا للمنية فأهلكتهم أم كانوا في ممر السيل فاجترفهم ف رجالي مبتدأ ونصب خبره وجملة يعتريهم بالياء التحتية صفة لنصب وبالتاء الفوقية حال من المنية أي تنزل بهم وإبراهيم هو أبو إسحاق إبراهيم بن هرمة بفتح الهاء وسكون الراء المهملة ابن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة قال ابن قتيبة في الطبقات هو من الخلج من قيس عيلان ويقال إنهم من قريش وفي الأغاني أن نسبه ينتهي إلى قيس بن الحارث وقيس هم الخلج وكانوا في عدوان ثم انتقلوا إلى بني نصر بن معاوية بن بكر فلما استخلف عمر أتوه ليفرض لهم فأنكر نسبهم فلما تولى عثمان أثبتهم في بني الحارث بن فهر وجعل لهم ديوانا فسموا الخلج لأنهم اختلجوا عما كانوا عليه من عدوان وقيل لأنهم نزلوا
____________________

بالمدينة خلف بطحان يدفع عليهم إذا جاء السيل ثلاثة خلج جمع خليج وابن هرمة آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم قال ابن قتيبة حدثني عبد الرحمن عن عمه الأصمعي أنه قال ساقة الشعراء ابن ميادة وابن هرمة ورؤبة وحكم الخضري حي من محارب وقد رأيتهم أجمعين وكان من مخضرمي الدولتين مدح الوليد بن يزيد ثم أبا جعفر المنصور وكان منقطعا إلى الطالبيين وكان مولده سنة سبعين ووفاته في خلافة الرشيد بعد الخمسين ومائة تقريبا وله في آل البيت أشعار لطيفة منها قوله (1) ( ومهما ألام على حبهم ** فإني أحب بني فاطمه ) ( بنى بنت من جاء بالمحكمات والدين والسنة القائمه ) قال ابن قتيبة وكان ابن هرمة مولعا بالشراب وأخذه صاحب شرطة زياد على المدينة فجلده في الخمر وهو زياد بن عبيد الله الحارثي وكان واليا عليها في ولاية أبي العباس فلما ولي المنصور شخص إليه فامتدحه فاستحسن شعره وقال سل حاجتك قال تكتب إلى عامل المدينة لا يحدني في الخمر قال هذا حد من حدود الله وما كنت لأعطلة قال فاحتل لي فيه يا أمير المؤمنين فكتب إلى عاملة من أتاك بابن هرمه سكران فاجلده مائة جلدة وأجلد ابن هرمة ثمانين فكان الناس يمرون به وهو سكران فيقولون من يشترى ثمانين بمائة وترجمته
____________________
1- ( المتقارب )

في الأغاني طويلة وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والستون (1) ( فساغ لي الشراب وكنت قبلا ** ) على أن أصله قبل هذا فحذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ولهذا نكر فنون وتتمته ( أغص بنقطة الماء الحميم ** ) وهذا آخر أبيات خمسة ليزيد بن الصعق وهي ( ألا أبلغ لديك أبا حريث ** وعاقبه الملامة للمليم ) ( فكيف ترى معاقبتي وسعيي ** بأذواد القصيبة والقصيم ) ( وما برحت قلوصي كل يوم ** تكر على المخالف والمقيم ) ( فنمت الليل إذ أوقعت فيكم ** قبائل عامر وبني تميم ) ( وساغ لي الشراب وكنت قبلا ** أغص بنقطة الماء الحميم ) أبو حريث كنية الربيع بن زياد العبسي والمليم من ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه والمعاقبة المناوبة من العقبة بالضم وهي النوبة والذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر لا واحد لها من لفظها والكثير اذواد والقصيبة على لفظ مصغر القصبة والقصيم بفتح القاف وكسر الصاد موضعان والمخالف من الخلوف وهم المقيمون في الحي حين تذهب الرجال
____________________
1- ( الوافر )

للغزو وقوله وساغ إلى آخره معطوف على قوله فنمت وروى فساغ بالفاء وهو خطأ والحميم الماء الحار وليس بمراد وإنما أورده للقافية هو من الأضداد يطلق على الماء البارد أيضا وساغ من باب قال إذا سهل مدخله في الحلق وأسغته جعلته سائغا ويتعدى بنفسه في لغة ومن هنا قيل ساغ فعل الشيء وسوغته إذا أبحته والشراب ما يشرب من المائعات وأغص مضارع غصصت بالطعام غصصا من باب تعب ومن باب قتل لغة والغصة ما غص به الإنسان من طعام أو غيظ على التشبيه ويتعدى بالهمزة وهو هنا مستعمل مكان الشرق لأنه مخصوص بالماء يقال شرق بالماء وبريقة إذا لم يبلعهما والشجى بالقصر يكون في العظم يقال شجى بالعظم من باب فرح إذا وقف في حلقه والجرض بإعجام الطرفين يكون من ألهم والحزن يقال جرض بريقه وهو أن يبتلع ريقه على هم وحزن بالجهد وهو من باب فرح والاسم الجرض بفتحتين وما أحسن قول بعضهم (1) ( ذل السؤال شجى في الحلق معترض ** من دونه شرق من بعده جرض ) والسبب في هذه الأبيات هو ما حكاه أبو عبيدة قال كانت بلاد بني غطفان مخصبة فرعت بنو عامر بن صعصعة ناحية منها فأغار الربيع بن زياد العبسي على يزيد بن الصعق وكان في كرش الناس أي في جماعتهم فلم يستطعه الربيع فاستفاء سروح بني جعفر والوحيد ابني كلاب واستفاء من الفيء وهي الغنيمة أي ردها معه والمعنى فاستاق سروحهم والسرح الإبل التي ترعى فقال في ذلك الربيع + ( الوافر ) + ( فإذا أخطأت قومك يا يزيدا ** فأنعى جعفرا لك والوحيدا ) فحرم على نفسه يزيد بن الصعق الطيب والنساء حتى يغير عليه فجمع قبائل شتى ثم أغار فاستاق نعما لهم وأصاب عصافير النعمان بن المنذر وهي إبل معروفة يقال لها العصافير فقال يزيد في ذلك هذه الأبيات
____________________
1- ( البسيط )

وقال لبيد بن ربيعة أيضا يرد على الربيع بن زياد حين ذكر جعفرا والوحيد (1) ( لست بغافر لبني بغيض ** سفاهتهم ولا خطل اللسان ) ( سآخذ من سراتهم بعرضي ** وليسوا بالوفاء ولا المداني ) ( فإن بقية الأحساب منا ** وأصحاب الحمالة والطعان ) ( جراثيم منعن بياض نجد ** وأنت تعد في الزمع الدواني ) وأجابه النابغة الذبياني وقال (1) ( ألا من مبلغ عني لبيدا ** أبا الدرداء جحفلة الأتان ) ( فقد أزجى مطيته إلينا ** بمنطق جاهل خطل اللسان ) وقول لبيد خطل اللسان يريد طول اللسان وسمي الأخطل لطول لسانه ويقال شاة خطلاء إذا كانت طويلة الأذنين والسراة الأشراف وقوله وليسوا بالوفاء إلخ أي سأنتقم من أشرافهم بسبب عرضي وإن لم يوفوا بعرضي ولا يدانوه والحمالة بالفتح تحمل الدية والجرثومة التراب المجتمع تجمعه الريح في أصول الشجر فيتلبد حتى يصير كأنه خلقة والزمع جمع زمعة بالتحريك وهي هنة زائدة في قوائم الشاة وقول النابغة جحفلة الأتان بدل من قوله لبيدأ وهو بتقديم الجيم على المهملة والأتان الحمارة وهي كلمة ذم وأزجى ساق ( تتمة ) المشهور في رواية هذا البيت ( فساغ لي الشراب وكنت قبلا ** أكاد أغص بالماء الحميم ) قال العيني قائله عبد الله بن يعرب بن معاوية بن عبادة بن البكاء بن عامر وكان له ثأر فأدركه فأنشده انتهى ورواه الثعالبي والزمخشري
____________________
1- ( الوافر )

( أكاد أغص بالماء الفرات ** ) ولعله من شعر آخر وكذلك ما رواه أبو حيان في تذكرته عن الكسائي ( أكاد أغص بالماء المعين ** ) لكنه رواه عنه وكنت قبل بالرفع والتنوين ثم قال قال الفراء هذا التنوين نظير تنوين المنادى المفرد إذا لحقه التنوين في ضرورة الشعر كما قال (1) ( قدموا إذ قيل قيس قدموا ** وارفعوا المجد بأطراف الأسل ) اراد يا قيس فنونه ضرورة والأجود النصب كما قال الآخر + ( الطويل ) + ( فطر خالدا إن كنت تستطيع طيرة ** ولا تقعن إلا وقلبك طائر ) قال أبو حيان وهذا الذي اختاره الفراء من نصب المنادى المفرد في الضرورة هو مذهب أبي عمرو وأصحابه والمذهب الأول وهو رفعه منونا مذهب الخليل وسيبويه وأصحابهما ومذهب أبي عمرو أقيس 1 هـ ووجه كونه أقيس أن المنادى مفعول والقياس إذا نون في الضرورة أن يرجع إلى أصله وهو النصب فإن الضرائر ترجع الأشياء إلى أصولها وأما رفع قبل مع التنوين فوجهه أن أصله كان مبنيا على ضمة لحذف المضاف إليه وإرادة معناة فنون ضرورة كتنوين العلم المنادى ويزيد هو يزيد بن عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي وخويلد يقال له الصعق قال أبو عمرو وابن الكلبي ابن الصعق إنما سمي الصعق لأنه عمل طعاما لقوم بعكاظ فجاءت ريح بغبار فسبها ولعنها فأرسل الله عليه صاعقة فأحرقته وقال ابن دريد الصعق أن يسمع الإنسان الهدة الشديدة فيصعق لذلك ويذهب عقله والصعق الكلابي أحد فرسانهم سمي الصعق لأن بني تميم ضربوه
____________________
1- ( الرمل )

ضربة على رأسه فأمته فكان إذا سمع الصوت الشديد صعق فذهب عقله والله أعلم وأنشد بعده وهو الشاهد السبعون وهو من شواهد س (1) ( ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ** فإنما هي إقبال وإدبار ) على أن اسم المعنى يصح وقوعه خبرا عن اسم العين إذا لزم ذلك المعنى لتلك العين حتى صار كأنه هي هذا من قبيل زيد عدل وفيه ثلاث توجيهات أحدها كونه مجازا عقليا بحملة على الظاهر وهو جعل المعنى نفس العين مبالغة والثاني أن المصدر في تأويل اسم الفاعل في نحوه وتأويل اسم المفعول في نحو زيد خلق أي مخلوق والثالث أنه على تقدير مضاف محذوف أي ذات إقبال وهذا البيت للخنساء قال سيبويه جعلتها الإقبال والأدبار مجازا على سعة الكلام كقولك نهارك صائم وليلك قائم واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى ! ( ولكن البر من اتقى ) ! على أن الإسناد مجازي بدعوى أن المتقى هو عين البر بجعل المؤمن كأنه تجسد من البر وكان الزجاج يأبى غير هذا
____________________
1- ( البسيط )

قال عبد القاهر لم ترد بالإقبال والأدبار غير معناهما حتى يكون المجاز في الكلمة وإنما المجاز في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنها تجسمت من الإقبال والأدبار وليس أيضا على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وإن كانوا يذكرونه منه إذ لو قلنا أريد إنما هي ذات إقبال وإدبار أفسدنا الشعر على أنفسنا وخرجنا إلى شيء مغسول وكلام عامي مرذول لا مساغ له عند من هو صحيح الذوق والمعرفة نسابة للمعاني ومعنى تقدير المضاف فيه أنه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره ولم تقصد لمبالغة لكل حقه أن يجاء بلفظ الذات لا أنه مراد وروى الأخفش في شرح ديوان الخنساء عن ابن الأعرابي أنه روى فإنما هو أراد فإنما فعلها وهذا البيت من قصيدة لها ترثي بها أخاها صخرا تنيف على ثلاثين بيتا في رواية الأخفش وقبله ( فما عجول على بو تطيف به ** قد ساعدتها على التحنان أظآر ) وبعده ( لا تسمن الدهرفي أرض وإن رتعت ** وإنما هي تحنان وتسجار ) ( يوما بأوجد مني يوم فارقني ** صخر وللدهر إحلاء وإمرار ) العجول الثكول أراد به الناقة وروى ما أم سقب وهو الذكر من ولد الناقة ولا يقال للأنثى سقبة ولكن حائل والبو جلد ولد الناقة إذا مات حين تلد أمه يخشى تبنا وهي لا تراه ويدنى منها فتشمه وترأمه فتدر
____________________

عليه اللبن وساعدتها وافقتها والتحنان الحنين والأظآر جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها يقال رتعت الإبل إذا رعت وارتعتها تركتها ترعى وروى ترتع ما غفلت واذكرت أي تذكرت ولدها وأصله اذتكرت وزعم ابن خلف عن بعضهم أنه في وصف بقرة اخذ ولدها وقولها لا تسمن الدهر إلخ يقال حنت الناقة إذا طربت في إثر ولدها فإذا مدت الحنين وطربت قيل سجرت بالجيم وقولها بأوجد مني أي بأشد مني وجدا وللدهر إحلاء وإمرار أي سرور وحزن يقال ما أحلى ولا أمر أي ما أتى بحلوة ولا مرة ومن هذه القصيدة ( وإن صخرا لمولانا وسيدنا ** وإن صخرا إذا نشتوا لنحار ) ( وإن صخرا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار ) قيل إذا اجتمع المولى والسيد قدم المولى كما هنا وروى ( وإن صخرا لحامينا وسيدنا ** ) وإنما قالت إذا نشتو لنحار لأن النحر في الشتاء لأن الإطعام فيه أشد مؤنة وقولها لتأتم الهداة به أي تجعله الأدلاء إماما والعلم الجبل وكل مشرف شبه بالجبل وفي رأسه نار أشد للدلالة والهداية وأشهر في الشرف وهذا إيغال وهو ختم البيت بما يفيد نكته يتم المعنى بدونها فإن قولها كأنه علم يتم المعنى به وهو للتشبيه بما هو معروف بالهداية فإنها جعلت أخاها جبلا مشهورا يتوجه إليه ولا يخفى أمره على قاص ودان ثم لما أرادت المبالغة لم تقنع بذلك واردفته بقولها في رأسه نار فجعلته بعد أن كان علما يشار إليه معلما بعلامة يعرفه كل من يراه والخنساء هي بنت عمرو بن الشريد بن رياح بن يقظة بن عصية بن خفاف ابن امرئ القيس بن بهثة بن سليم
____________________

واسمها تماضر بضم التاء المثناة فوق وكسر الضاد المعجمة قال ابن خلف قد قالوا للبياض تماضر وأكثر ما يكون للنساء ومنه قيل اشتقت المضيرة لبياضها والخنساء مؤنث الأخنس والخنس تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ويقال لها خناس أيضا بضم الخاء غير منصرف للعدل والتأنيث وهي صحابية رضي الله عنها قدمت على رسول الله & مع قومها من بني سليم وأسلمت معهم وهي أم العباس بن مرداس وهي أم إخوته الثلاثة وكلهم شاعر ولم تلد الخنساء إلا شاعرا ومن ولدها أبو شجرة السلمي وقال الكلبي أم ولد مرداس جميعا الخنساء إلا العباس فإنها ليست أمه ولم يذكر من أمه وذكر صاحب الأغاني أن الخنساء أمه وكان النبي & يعجبه شعرها ويستنشدها ويقول هيه يا خناس ويومئ بيده & ولما قدم عدي بن حاتم على رسول & وحادثه فقال يا رسول الله إن فينا أشعر الناس وأسخى الناس وأفرس الناس قال سمهم قال أما أشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر وأما أسخى الناس فحاتم بن سعد يعني أباه وأما أفرس الناس فعمرو بن معد يكرب فقال رسول الله & ليس كما قلت يا عدي أما أشعر الناس فالخنساء بنت عمرو وأما أسخى الناس فمحمد يعني نفسه & وأما أفرس الناس فعلي بن أبي طالب واتفق أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها وقيل لجرير من أشعر الناس قال أنا لولا الخنساء قيل بم فضلتك قال بقولها (1) ( إن الرمان وما يفنى له عجب ** أبقى لنا ذنبا واستؤصل الراس ) ( إن الجديدين في طول اختلافهما ** لا يفسدان ولكن يفسد الناس ) وكانت في أوائل أمرها تقول البيتين والثلاثة حتى قتل أخوها معاوية ثم أخوها صخر فأكثرت من الشعر وأجادت وكان أحبهما إليها لأنه كان حليما جوادا
____________________
1- ( البسيط )

محبوبا في العشيرة شريفا في قومه وكان أبوها يأخذ بيدي ابنيه صخر ومعاوية ويقول أنا أبو خيري مضر فتعترف له العرب بذلك وما زالت ترثي صخرا وتبكيه حتى عميت وكانت تقول بعد إسلامها كنت أبكي لصخر من القتل فأنا اليوم أبكي له من النار ودخلت على عائشة رضي الله عنهما وعليها صدار من شعر فقالت لها ما هذا فو الله لقد مات رسول الله & فلم ألبس صدارا عليه قالت إن له حديثا قالت وما هو قالت زوجني أبي سيدا من سادات قومي متلافأ معطاء فأنفد ماله وقال لي إلى أين يا خنساء قلت إلى أخي صخر فأتيناه فقاسمنا ماله وأعطانا خير النصفين فأقبل زوجي يعطي ويهب ويحمل حتى أنفده ثم قالا لي إلى أين يا خنساء قلت إلى أخي صخر فأتيناه وقاسمنا ماله وأعطانا خير النصفين إلى الثالثة فقالت له امرأته أما ترضى أن تقاسمهم مالك حتى تعطيهم خير النصفين فقال (1)
____________________
1- ( الرجز ) ( والله لا أمنحها شرارها ** ولو هلكت قددت خمارها ) ( واتخذت من شعر صدارها ** ) فذاك الذي دعاني إلى لبس الصدار وكان من حديث قتله أنه جمع جمعا وأغار على بني أسد بن خزيمة فطعنه ابن ربيعة بن ثور الأسدي فأدخل في جوفه حلقا من الدرع فاندمل عليه فأضناه وطال مرضه ومله أهله فكانوا إذا سألوا امرأته سليمى عنه قالت لا هو حي فيرجى ولا هو ميت فينعى وصخر يسمع كلامها فيشق ذلك عليه وإذا سألوا أمه قالت أصبح صالحا بنعمه الله فلما أفاق بعض الإفاقة عمد إلى امرأته فعلقها بعمود الفسطاط حتى مات

وقيل بل قال ناولوني سيفي لأنظر كيف قوتي وأراد قتلها وناولوه فلم يطق السيف ففي ذلك يقول (1) ( أرى أم صخر ما تمل عيادتي ** وملت سليمى مضجعي ومكاني ) ( وما كنت أخشى أن أكون جنازة ** عليك ومن يغتر بالحدثان ) ( أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ** وقد حيل بين العير والنزوان ) ( لعمري لقد نبهت من كان نائما ** وأسمعت من كان له أذنان ) ( وللموت خير من حياة كأنها ** معرس يعسوب برأس سنان ) ( وأي امرىء ساوى بأم حليلة ** فلا عاش إلا في شقا وهوان ) وقيل إن التي قالت ذلك بديلة الأسدية كان قد سباها من أسد واتخذها لنفسه وأنشد مكان البيت الأول (1) ( ألا تلكم عرسي بديلة أوجست ** فراقي وملت مضجعي ومكاني ) قال أبو عبيدة فلما طال عليه البلاء وقد نتأت قطعة مثل اللبد في موضع الطعنة واسترخت قالوا له لو قطعتها لرجونا أن تبرأ قال شأنكم الموت أهون علي مما أنا فيه فقطعها فيئس من نفسه ومات وروي أن امرأته هذه كانت ذات كفل وأوراك وكانت قد ملته وكان يكرمها ويقدمها على أهله فمر بها رجل وهي قائمة فقال لها أيباع هذا الكفل فقالت عما قليل وصخر يسمع فقال لئن استطعت لأقدمنك أمامي ثم قال
____________________
1- ( الطويل )

لها ناوليني السيف أنظر هل تقله يدي فدفعته إليه فإذا هو لا يقله فعندها أنشد الأبيات المذكورة ذكر ياقوت في معجم الأدباء في ترجمة أبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري وقد ترجمناه نحن أيضا في الشاهد الثامن والعشرين أن الصاحب بن عباد كان يود الاجتماع به ويكاتبه ويستميل قلبه فيعتل عليه بالشيخوخة والكبر فلما يئس منه احتال في جذب السلطان إلى ذلك الصوب وكتب إليه حين قرب من عسكر مكرم كتابا يتضمن علوما نظما ونثرا ومنه قوله (1) ( ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ** ضعفنا فما نقوى على الوخدان ) ( أتيناكم من بعد أرض نزوركم ** على منزل بكر لنا وعوان ) ( نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ** بملء جفون لا بملء جفان ) فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذا فأملى عليه الجواب عن النثر نثرا وعن النظم نظما وهو ( أروم نهوضا ثم يثني عزيمتى ** تعوص أعضائي من الرجفان ) ( فضمنت بيت ابن الشريد كأنما ** تعمد تشبيهي به وعناني ) ( أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ** وقد حيل بين العير والنزوان ) فلما بلغت الصاحب استحسنها ووقعت منه موقعا عظيما وقال لو عرفت أن هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها وبقية الحكاية هناك مسطورة وفي الاستيعاب أن الخنساء حضرت حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فقالت لهم يا بني أنتم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا إله إلا غيره إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا
____________________
1- ( الطويل )

فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب العظيم في حرب الكافرين وأعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله عز وجل ! ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) ! فإذا أصبحتم غدا فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائه مستنصرين فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم فتقدموا واحدا بعد واحد ينشدون الأراجيز فقاتلوا حتى استشهدوا جميعا فلما بلغها الخبر قالت الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته فكان عمر رضي الله عنه يعطيها أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد منهم مائة درهم حتى قبض وماتت الخنساء وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والسبعون (1) ( أنا أبو النجم وشعري شعري ** ) على أن عدم مغايرة الخبر للمبتدأ إنما هو للدلالة على الشهرة أي شعري الآن هو شعري المشهور المعروف بنفسه لا شيء آخر استشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى ! ( والسابقون السابقون ) ! على أن المراد السابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم كما في شعري شعري أي شعري ما بلغك وصفه وسمعت ببراعته وفصاحته وصح إيقاع أبي النجم خبرا لتضمنه نوع وصفية واشتهاره بالكمال والمعنى أنا ذلك المعروف الموصوف بالكمال وشعري هو الموصوف بالفصاحة .
____________________
1- ( الرجز )

وهذا البيت من أرجوزة لأبي النجم العجلي وبعده (1) ( لله دري ما أجن صدري ** من كلمات باقيات الحر ) ( تنام عيني وفؤادي يسري ** مع العفاريت بأرض قفر ) الدر في الأصل اللبن يقال في المدح لله دره أي عمله وقد شرحه الشارح في باب التمييز بما لا مزيد عليه وقوله ما أجن صدري هو صيغة تعجب من الجنون قال في الصحاح وقوله ما أجنه في المجنون شاذ لا يقاس عليه ومن كلمات متعلق به ومن ابتدائية أو تعليلية وأبو النجم تقدمت ترجمته في الشاهد السابع وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والسبعون + ( الطويل ) ( رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ** فقلت وأنكرت الوجوه هم هم ) لما تقدم في البيت قبله أي هم الذين يطردونني ويطلبون دمي وهذا البيت لأبي خراش الهذلي مطلع قصيدة وهي ستة عشر بيتا ذكر فيها تفلته من أعدائه حين صادفهم في الطريق كامنين له وسرعة عدوه حتى نجا منهم روى السكري في شرح أشعار الهذليين عن الأخفش قال خرج أبو خراش وأم خراش يريدان بعض أهلهما فمرا بخزاعة فلما رأتهما خزاعة قالوا هذا أبو خراش وامرأته فلا تهيجوهما حتى يدنوا منا فقال أبو خراش لأم خراش
____________________
1- ( الرجز )

فإن سألوك فقولي تخلف كأنه يقضي حاجة وهو مار بكم فمضت حتى إذا علم أبو خراش أنها قد جاوزت الثنية وأمنهم جاء يمشي رويدأ حتى مر في وسطهم فسلم فردوا عليه السلام فقال ممن أنتم قالوا إخوتك وبنو عمك فتباعد منهم فهموا به فعدا وعدوا على إثره فأعجزهم وجعلوا ينظرون إليه ويرمونه ونجا منهم 1 . هـ وفي الأغاني بسنده أن أبا خراش الهذلي خرج من أهله هذيل يريد مكة فقال لزوجته أم خراش ويحك إني أريد مكة لبعض الحاجة وإن بني الديل يطلبونني بترات فإياك أن تذكريني فخرج بها وكمن لحاجته وخرجت إلى السوق لتشتري عطرا وما تحتاجه النساء فمر بها فتيان من بني الديل فقال أحدهما لصاحبه أم خراش ورب الكعبة فسلما عليها فقالت بأبي أنتما من أنتما فقالا رجلان من أهلك هذيل قالت فإن أبا خراش معي فلا تذكراه لأحد ونحن رائحون العشية فجمع الرجلان جماعة وكمنوا في طريقة فلما نظر إليهم قال لها قتلتني قالت ما ذكرتك ورب الكعبة إلا لفتيين من هذيل فقال والله ما هما من هذيل ولكنهما من بني الديل وقد جلسا لي وجمعا جماعة من قومهما فإذا جزت عليهم فإنهم لن يعرضوا لك لئلا أستوحش فأفوتهم فاركضي بعيرك وضعي عليه العصا فكانت على قعود يسابق الريح فلما دنا منهم وقد تلثموا ووضعوا تمرا على طريقة على كساء فوقف قليلا كأنه يصلح شيئا وجازتهم أم خراش ووضعت العصا على قعودها وتوثبوا إليه فوثب يعدو وسبقهم ولم يلحقوه وقال أبو خراش في ذلك هذه القصيدة 1 . هـ و رفوني قال المفضل بن سلمة في الفاخر والمرزوقي في شرح الفصيح رفوت الرجل إذا سكنته وأنشد هذا البيت ثم قالا ويقال رافيت فلانا أي وافقته قال الشاعر (1) ( ولما أن رأيت أبا رويم ** يرافيني ويكره أن يلاما )
____________________
1- ( الوافر * )

وأما رفأت الثوب إذا أصلحت خرقه أرفؤه رفئا فبالهمز ومنه بالرفاء والبنين إذا دعى للمتزوج وفي المقصود والممدود للقالي الرفاء بالمد الاتفاق والالتئام ومنه قولهم بالرفاء والبنين ونهى رسول الله & أن يقال بالرفاء والبنين وقال أبو عبيد قال الأصمعي الرفاء يكون على معنيين يكون من الاتفاق وحسن الاجتماع قال ومنه أخذ رفء الثوب لأنه يرفأ فيضم بعضه إلى بعض ويلأم ويكون الرفاء من الهدو والسكون قال ( رفوني وقالوا يا خويلد البيت ** ) وحدثني أبو بكر بن دريد قال قال الأصمعي في بيت أبي خراش أراد رفئوني بالهمز والدليل على صحة ما روى أبو بكر قول الأصمعي في كتاب الهمز ويقال رفأت الرجل إذا سكنته حتى يسكن وكذلك المرافأة مهموز والدليل على ذلك قول أبي زيد في كتاب الهمز رفأت الثوب أرفؤه رفئا ورفأت المملك ترفئة إذا دعوت له ورافأني الرجل في البيع مرافأة 1 هـ فجعله مهموزا لا غير وكذلك قال العسكري في كتاب التصحيف أخبرنا ابن أبي سعيد أخبرني طابع سمعت قعنب بن محرز يسأل الأصمعي عن قول الشاعر رفوني وقالوا يا خويلد البيت فقال قعنب رقوني بالقاف فقال الأصمعي ما معنى رقوني قال رقوه بالكلام قال يصحف ويفسر التصحيف إنما هو رفوني بالفاء وأصله رفئوني من رفأت فأزال الهمزة الشاعر 1 هـ و خويلد اسم الشاعر ولا ترع نهي بالبناء للمفعول أي لا يحصللك روع وخوف وجملة أنكرت حال من ضمير قلت بتقدير قد وجملة هم هم مقول القول
____________________

و أبو خراش قال ابن قتيبة في الطبقات هو خويلد بن مرة أحد بني قرد بن عمرو بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل أحد فرسان العرب وفتاكهم أسلم وهو شيخ كبير وحسن إسلامه وفي تاريخ الذهبي ما يدل على أن إسلامه كان يوم حنين وذكره ابن حجر في القسم الثالث من الإصابة وهم المخضرمون الذين لم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي & وفي الأغاني عن الأصمعي قال دخل أبو خراش مكة في الجاهلية وكان ممن يعدو على رجليه فيسبق الخيل فرأى الوليد بن المغيرة له فرسان يريد أن يرسلهما في الحلبة فقال ما تجعل لي إن سبقتهما عدوا قال إن فعلت فهما لك فسبقهما وقال الكلبي والأصمعي مر على أبي خراش نفر من اليمن حجاجا فنزلوا عليه فقال ما أمسى عندي ماء ولكن هذه برمة وشاة وقربة فردوا الماء فإنه غير بعيد ثم اطبخوا الشاة وذروا البرمة والقربة عند الماء نأخذهما فامتنعوا وقالوا لا نبرح فأخذ أبو خراش القربة وسعى نحو الماء تحت الليل فاستقى ثم أقبل فنهشتة حية فأقبل مسرعا حتى أعطاهم الماء ولم يعلمهم بما أصابه فباتوا يأكلون فلما أصبحوا وجدوه في الموت فأقاموا حتى دفنوه فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله
____________________

عنه خبره فقال والله لولا أن تكون سنة لأمرت أن لا يضاف يماني بعدها ثم كتب إلى عامله أن يأخذ النفر الذين نزلوا به فيغرمهم ديته وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والسبعون (1) ( بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ** بنوهن أبناء الرجال الأباعد ) على أن المبتدأ والخبر إذا تساويا تعريفا وتخصيصا يجوز تأخير المبتدأ إذا كان هناك قرينة معنوية على تعيين المبتدأ فإنه قدم الخبر هنا على المبتدأ لوجود القرينة من حيث المعنى فإنك عرفت أن الخبر هو محط الفائدة فما يكون فيه التشبيه الذي تذكر الجملة لأجله فهو الخبر وهو قوله بنونا إذ المعنى أن بني أبنائنا مثل بنينا لا أن بنينا مثل بني أبنائنا قال ابن هشام في شرح شواهد ابن الناظم وقد يقال إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير وإنه جاء على عكس التشبيه كقول ذي الرمة (1) ( ورمل كأوراك العذارى قطعته ) فكان ينبغي للشارح يعني ابن الناظم أن يستدل بما أنشده والده في شرح التسهيل من قول حسان بن ثابت رضي الله عنه + ( البسيط ) + ( قبيلة ألأم الأحياء أكرمها ** وأغدر الناس بالجيران وافيها )
____________________
1- ( الطويل )

إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم الأحياء وعن وافيها بأنه أغدر الناس لا العكس انتهى المراد منه وقد منع الكوفيون تأخير المبتدأ قال ابن الأنباري في الإنصاف ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه مفردا كان أو جملة فالأول نحو قائم زيد والثاني نحو أبوه قائم زيد وأجازه البصريون لمجيئه في كلام العرب نظما ونثرا ومن النظم قوله بنونا بنو أبنائنا البيت وأطال الكلام فيه وهذا البيت لا يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم قال العيني وهذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث وأن الانتساب إلى الآباء والفقهاء كذلك في الوصية وأهل المعاني والبيان في التشبيه ولم أر أحدا منهم عزاه إلى قائله 1 . هـ ورأيت في شرح الكرماني في شرح شواهد الكافية للخبيصي أنه قال هذا البيت قائلة أبو فراس همام الفرزدق بن غالب ثم ترجمه والله أعلم بحقيقة الحال * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والسبعون قول أبي تمام (1) ( لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ** وأري الجنى اشتارته أيد عواسل ) لما تقدم في البيت قبله أي لعابه مثل لعاب الأفاعي وهذا البيت أحد أبيات عشرة في وصف القلم من قصيدة لأبي تمام مدح بها محمد بن عبد الملك الزيات وأبيات القلم هي هذه وهي أحسن وأفخم من جميع ما قيل في القلم ( لك القلم الأعلى الذي بشباته ** ينال من الأمر الكلى والمفاصل ) ( له الخلوات اللاء لولا نجيها ** لما أحتفلت للملك تلك المحافل ) ( لعاب الأفاعي القاتلات لعابه البيت ** )
____________________
1- ( الطويل )

( له ريقة طل ولكن وقعها ** بآثاره في الشرق والغرب وابل ) ( فصيح إذا استنطقته وهو راكب ** وأعجم إن ناطقته وهو راجل ) ( إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ** عليه شعاب الفكر وهي حوافل ) ( أطاعته أطراف الرماح وقوضت ** لنجواه تقويض الخيام الجحافل ) ( إذا استغزر الذهن الخلي وأقبلت ** أعاليه في القرطاس وهي أسافل ) ( وقد رفدته الخنصران وسددت ** ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل ) ( رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ** ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل ) الشبا بفتح الشين والقصر حد كل شيء وقوله ينال من الأمر روى أيضا يصاب من الأمر والكلى جمع كلية وكلوه جاء بالياء والواو والمفاصل جمع مفصل وهو ملتقى كل عظمين أراد أن القلم يطبق المفصل ويصادف المحز وبه ينال مقاصد الأمور فإنه ينال بالأقلام ما يعجز عنه مجالدة الحسام وقوله له الخلوات إلخ يعني أن أصحاب القلم هم أهل المشورة وموضع السر يخلي لهم الملوك المجالس للمشورة وبهم يحصل نظام الملك والنجي المسار والتناجي المسارة وأراد به المشير فإن المشورة تكون سرا غالبا والاحتفال حسن القيام بالأمور والمحافل جمع محفل كمجلس ومقعد وهو المجتمع واللعاب ما يسيل من الفم والقاتلات صفة كاشفة للأفاعي ذكرها تهويلا والأري بفتح الهمزة وسكون الراء ما لزق من العسل في جوف الخلية والجنى بفتح الجيم والقصر العسل والإضافة للتخصيص فإن الأري يأتي أيضا بمعنى ما لزق بأسفل القدر من الطبيخ وإن جعلت الأري بمعنى العسل والجني بمعنى كل ما يجنى من ثمرة ونحوها يلزم إضافة الموصوف إلى الصفة واشتارته استخرجته يقال شار فلان العسل شورا وشيارا وشيارة إذا استخرجه وكذلك أشارة واشتاره وأيد جمع يد والعواسل جمع عاسلة أي مستخرجة العسل والعاسل مشتار العسل من موضعه والمصراع الأول بالنسبة إلى الأعداء والثاني بالنسبة إلى الأولياء يعني أن لعاب قلمه بالنسبة إلى الأعداء سم
____________________

قاتل وبالنسبة إلى الأولياء شفاء عاجل فقوله لعابه مبتدأ مؤخر ولعاب الأفاعي خبر مقدم وأرى معطوف على الخبر وجاز هذا مع تعرف الطرفين لأن المعنى دال عليه فإن اللعاب القاتل إنما هو لعاب الأفاعي فلعاب القلم مشبه به في التأثير وعلم من هذا أنه ليس من التشبيه المقلوب فإن لعاب القلم قد شبه بشيئين وهما السم والعسل باعتبارين وإن جعلته من التشبيه المقلوب كان من عطف الجمل والخبر في المعطوف محذوف وفيه تكلف وقوله له ريقة طل ريقة مبتدأ وطل وصفه والظرف قبله خبره والطل المطر الضعيف والوابل وكذا الوبل المطر الشديد الضخم القطر إن ما يجري من القلم حقير تافه في ظاهر الأمر ولكن له أثر خير عم المشارق والمغارب وأراد ب الخمس اللطاف الأصابع الخمس والشعاب جمع شعب بكسرهما الطريق في الجبل والحوافل جمع حافلة يقال حفل اللبن وغيره حفلا وحفولا اجتمع واحتفل الوادي امتلأ وسال وقوله أطاعته أطراف إلخ هو جواب إذا وروى أطاعته أطراف القنا وتقوضت يقال تقوضت الصفوف إذا انتقضت وأصله من تقويض البناء وهو نقضه من غير هدم والنجوى السر وتقويض أي كتقويض الخيام والجحافل فاعل قوضت وهو جمع جحفل بتقديم الجيم على المهملة كجعفر الجيش واستغزر الذهن وجده غزيرا وفاعله ضمير القلم والخلي الخالي وروى بدله الذكي أي المتوقد وإنما تكون أعالي القلم أسافل حين الكتابة ورفدته أعانته ورأيت جواب إذا وشأنه فاعل جليلا وجملة وهو مرهف حال وهو اسم مفعول من أرهفت السيف ونحوه إذا رققت شفرتيه ويقال أيضا رهفته رهفا فهو رهيف ومرهوف وضنى تمييز وهو مصدر ضني من باب تعب إذا مرض مرضا ملازما وسمينا معطوف على جليلا وناحل من نحل الجسم ينحل بفتحهما نحولا سقم ومن باب تعب لغة
____________________

وأبو تمام الطائي مضت ترجمته في الشاهد الرابع والخمسين ولم يورد الشارح المحقق بيته هنا شاهدا وإنما أورده نظيرا لما قبله وأما ابن الزيات الذي مدحه أبو تمام بهذه القصيدة فهو أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان المعروف بابن الزيات كان جده أبان من قرية يقال لها الدسكرة يجلب الزيت وكان محمد من أهل الأدب فاضلا عالما بالنحو واللغة ولما قدم المازني بغداد في أيام المعتصم كان أصحابه وجلساؤه يحضرون بين يديه في علم النحو فإذا اختلفوا فيما يقع فيه الشك يقول لهم المازني ابعثوا إلى هذا الفتى الكاتب يعني محمد بن عبد الملك فاسألوه واعرفوا جوابه وكان يصوب جوابه فعلا شأنه بذلك وكان في أول أمره من جملة الكتاب وكان أحمد بن عمار البصري وزير المعتصم فورد على المعتصم كتاب من بعض الأعمال فقرأه الوزير عليه فإذا في الكتاب ذكر الكلأ فقال له المعتصم ما الكلأ فقال لا أعلم فقال المعتصم خليفة أمي ووزير عامي ثم قال أبصروا من بالباب من الكتاب فوجدوا محمد بن عبد الملك فقال له ما الكلأ فقال هو العشب على الإطلاق فإن كان رطبا فهو الخلا وإذا يبس فهو الحشيش وشرع في تقسيم أنواع النبات فعلم المعتصم فضله فاستوزره وحكمه وبسط يده ومدحه أبو تمام بقصائد ومدحه البحتري بقصيدته الدالية وأحسن في وصف خطه وبلاغته وكان ابن الزيات هجا القاضي ابن أبي دؤاد الإيادي بتسعين بيتا فعمل القاضي فيه بيتين وقال (1)
____________________
1- ( السريع )

( أحسن من تسعين بيتا سدى ** جمعك معناهن في بيت ) ( ما أحوج الملك إلى مطرة ** تغسل عنه وضر الزيت ) وقيل هما لعلي بن الجهم وبعد المعتصم وزر لابنه الواثق هارون فقال ابن الزيات (1) ( قد قلت إذا غيبوه وانصرفوا ** من خير قبر لخير مدفون ) ( لن يجبر الله أمه فقدت ** مثلك إلا بمثل هارون ) وبعد الواثق وزر للمتوكل وكان ابن الزيات يدخل عليه المتوكل أيام المعتصم والواثق فكان يتجهمه ويحتقره ويستهزئ به فحقد عليه المتوكل وبعد أربعين يوما من ولايته قبض عليه واستصفى أمواله وكان ابن الزيات قد اتخذ تنورا من حديد وأطراف مساميره المحدودة إلى داخله وهي قائمة مثل رؤوس المسال وكان يعذب فيه أيام وزارته فكيفما انقلب المعذب أو تحرك من حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه وإذا قال له أحد أرحمني أيها الوزير فيقول له الرحمة خور في الطبيعة فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور وقيدة بخمسة عشر رطلا من الحديد فقال له يا أمير المؤمنين ارحمني فقال له الرحمة خور في الطبيعة كما كان يقول للناس وكان ذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وكانت مدة تعذيبه في التنور أربعين يوما إلى أن مات فيه ووجد مكتوبا بالفحم في جانب التنور + ( مجزوء الرمل ) + ( من له عهد بنوم ** يرشد الصب إليه ) ( رحم الله رحيما ** دل عيني عليه ) ( سهرت عيني ونامت ** عين من هنت عليه ) * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والسبعون + ( المتقارب )
____________________
1- ( المنسرح )

( إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم ) على أن يجوز عطف أحد الخبرين على الآخر كما يجوز عطف بعض الأوصاف على بعضها كما هنا قال ابن الهمام وليث الكتيبة وصفان للملك وقد عطفا على الصفة الأولى وهي القرم واستشهد به الفراء في معاني القرآن وصاحب الكشاف أيضا لهذا الأمر وبعده بيت أورده ابن الأنباري في الإنصاف وهو ( وذا الرأي حين تغم الأمور ** بذات الصليل وذات اللجم ) وقال نصب ذا الرأي على المدح والقرم بفتح القاف السيد والهمام الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع السخي والكتيبة الجيش وقيل جماعة الخيل إذا أ غارت من المائة إلى الألف والمزدحم محل الازدحام يقال ازدحم القوم وتزاحموا أي تضايقوا وأراد به المعركة والغم في الأصل ستر كل شيء ومنه الغمام لأنه يستر الضوء والشمس ومنه أيضا الغم الذي يغم القلب أي يستره ويغشيه وقوله بذات الصليل متعلق بالرأي وهو البيضة يقال صل البيض يصل صليلا سمع له طنين عند القراع وذات اللجم الخيل وهو جمع لجام أراد أنه يمدهم بالسلاح والرجال * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والسبعون (1) ( فاما القتال لا قتال لديكم ** )
____________________
1- ( الطويل )

على أن حذف الفاء الداخلة على خبر المبتدأ الواقع بعد أما ضرورة فإن القتال مبتدأ وجملة لا قتال لديكم خبرة والرابط العموم الذي في اسم لا قاله ابن إياز في شرح الفصول ومثله بيت الكتاب لابن ميادة (1) ( ألا ليت شعري هل إلى أم معمر ** سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا ) قال ابن جني في إعراب الحماسة هو بمنزلة قولهم نعم الرجل زيد وذلك أن الصبر عنها في بعض الصبر لا جميعه وقوله فلا صبر نفي للجنس أجمع فدخل الصبر عنها وهو البعض في جملة ما نفي من الجنس كما أن زيدا بعض الرجال فأما البيت الآخر (1) ( فأما الصدور لا صدور لجعفر ** ولكن أعجازا شديدا ضريرها ) فالثاني هو الأول سواء وكذلك قول الآخر ( فأما القتال لا قتال لديكم البيت ** ) فالثاني هو الأول وكلاهما جنس انتهى وهذا المصراع صدر وعجزه ( ولكن سيرا في عراض المواكب ** )
____________________
1- ( الطويل )

لكن اسمها محذوف وسيرا مفعول مطلق عامله محذوف وهو خبر لكن أي ولكنكم تسيرون سيرا ويجوز أن يكون سيرا اسم لكن والخبر محذوفا أي ولكن لكم سيرا وفي عراض متعلق بتسيرون المحذوف وهو جمع عرض بضم العين وسكون الراء وآخره ضاد معجمة بمعنى الناحية والمواكب الجماعة ركبانا أو مشاة وقيل ركاب الإبل للزينة من وكب يكب وكوبا مشى في درجان وقبل هذا البيت بيت وهو ( فضحتم قريشا بالفرار وأنتم ** قمدون سودان عظام المناكب ) والقمد بضم القاف وتشديد الدال الطويل وقيل الطويل العنق الضخمة من القمد بفتحتين وهو الطول وقيل ضخامة العنق في طول والوصف أقمد وقمد والأنثى قمداء وقمدة وقمدانية والسودان أراد به الأشراف جمع سود وهو جمع أسود أفعل تفضيل من السيادة والبيتان للحارث بن خالد المخزومي كذا قال ابن خلف وقال صاحب الأغاني هما مما هجا بهما قديما بني أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس 1 هـ والحارث هو ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قال الزبير بن بكار في أنساب قريش كان الحارث شاعرا كثير الشعر وهو الذي يقول (1)
____________________
1- ( البسيط )

( من كان يسأل عنا أين منزلنا ** فالأقحوانة منا منزل قمن ) ( إذ نلبس العيش غضا لا يكدره ** خوف الوشاة ولا ينبو بنا الزمن ) و الأقحوانة ماء بين بئر ميمون إلى بئر ابن هشام وكان يزيد استعمله على مكة وابن الزبير يومئذ بها فمنعه ابن الزبير فلم يزل في داره معتزلا لابن الزبير حتى ولي عبد الملك بن مروان فولاه مكة ثم عزله فقدم عليه دمشق فلم ير له عنده ما يحب فانصرف عنه وقال (1) ( عطفت عليك النفس حتى كأنما ** بكفيك بؤسي أو لديك نعيمها ) ( فما بي إن أقصيتني من ضراعة ** ولا افتقرت نفسي إلى من يضيمها ) انتهى ومن شعره + ( الكامل ) + ( أظلوم إن مصابكم رجلا ** أهدى السلام تحية ظلم ) * * * وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والسبعون وهو من شواهد س (1)
____________________
1- ( الطويل )

عجزه ( وأكرومة الحيين خلو كما هيا ** ) على أن الفاء في فانكح زائدة عند الأخفش وخولان مبتدأ وانكح خبره وعند سيبويه غير زائدة والأصل هذه خولان فانكح فتاتهم قال ابن خلف قال أبو علي من جعل الفاء زائدة أجاز في خولان الرفع والنصب كقولك زيدا فاضربه فإن قلت زيدأ فاضرب جاز عند الجميع قال تعالى ! ( وثيابك فطهر ) ! ونقل أبو جعفر النحاس عن المبرد أنه قال لو قلت هذا زيدا فاضربه جاز أن تجعل زيدا عطف بيان أو بدلا فلو رفعت خولان بالابتداء لم يجز من أجل الفاء وإنما جاز مع هذا لأن فيها معنى التنبيه والإشارة وقال أبو الحسن ويجوز النصب على الذم انتهى والظاهر أن يقول ويجوز النصب على المدح كما قال غيره فإن المرغب لا يذم وعلى قول س فالفاء إما لعطف الإنشاء على الخبر وهو جائز فيما له محل من الإعراب وأما لربط جواب شرط محذوف أي إذا كان كذلك فانكح قال سيبويه قد يحسن ويستقيم أن تقول عبد الله فاضربه إذا كان الخبر مبنيا على مبتدأ مظهر أو مضمر نحو هذا زيد فاضربه والهلال والله فانظر إليه وقال السيرافي الجمل كلها يجوز أن تكون أجوبتها بالفاء نحو زيد أبوك فقم إليه فإن كونه أباه سبب وعلة للقيام إليه وكذلك الفاء في فانكح يدل على أن وجود هذه القبيلة علة لأن يتزوج منهم ويتقرب إليهم لحسن نسائها وشرفها وفيه إشارة إلى ترتب الحكم على الوصف وأرده صاحب الكشاف عند قوله تعالى ! ( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده ) ! قال إن رب خبر مبتدأ أي هو رب السماوات كما في خولان
____________________

بالرفع أي هؤلاء خولان وخولان حي باليمن وروى فانكح فتاتها لأنه أراد القبيلة وجملتا هذه خولان فانكح فتاتهم في محل نصب على أنها مقول القول وإنما عمل فيها النصب وهو قائلة لاعتماده على الموصوف المقدر أي رب امرأة قائلة وبه يدفع ما يرد عليه من أن مجرور رب غير موصوف بشيء مع أن وصفه واجب فإن المجرور هو الوصف والموصوف محذوف أو تقول الصفة محذوفة أي رب قائلة قالت لي لكن يرد عليه أن ما بعد رب يلزمه المضي والوصف هنا مستقبل بدليل إعماله ويدفع أيضا بأنه أراد حكاية الحال الماضية بدليل أن المعنى قد قيل لي ذلك فيما مضى وليس المراد أنه يقال لي هذا فيما يستقبل أو أنه ماض وعمل على مذهب الكسائي قال ابن هشام في المغني وسمع أعرابي يقول بعد انقضاء رمضان رب صائمه لن يصومه ويا رب قائمه لن يقومه وهو مما تمسك به الكسائي على إعمال اسم الفاعل المجرد بمعنى الماضي ورب هنا للتكثير وهي حرف جر لا يتعلق بشيء والفعل المعدى محذوف أي رب قائلة هذا القول أدركتها ورأيتها فمجرور رب جاء في محل رفع على الابتداء أو في محل نصب على المفعولية على شريطة التفسير وإن قدرت أدركت فمحله نصب لا غير وقوله وأكرومة الحيين خلو الأكرومة فعل الكرم مصدر بمعنى اسم المفعول أي ومكرمة الحيين وأراد بالحيين حي أبيها وحي أمها والخلو بكسر الخاء المعجمة التي لا زوج لها وهذه الجملة الظاهر أنها في محل نصب على الحال والمعنى رب قائلة قالت لي هؤلاء خولان فانكح فتاتها فقلت كيف أنكحها وأكرومة الحيين خالية عن الزوج قيل ويجوز أن الجملة من تمام قول القائلة ولا يخفى أنه لو كان كذلك لكان الوجه أن يقال فأكرومة الحيين بالفاء فتأمل وقوله كما هيا صفة لخلو وفيه فعل محذوف أي كما كانت خلوا فلما حذفت كان برز الضمير وما مصدرية في الجميع ويجوز أيضا أن يكون هي مبتدأ وخبره محذوف وما موصولة أي كالحالة التي هي عليها فيما عهدته والكاف بمعنى على ويحتمل أن ما زائدة فيكون ضمير الرفع قد استعير في موضع الضمير المجرور والمعنى أنها خلو الآن كهي فيما مضى والكاف للتشبيه ويحتمل أيضا أنها كافة وهي مبتدأ خبره محذوف أي
____________________

هي عليه وقد جوزوا هذه الوجوه إلا المصدرية في قولهم كن كما أنت نقلها ابن هشام في المغني في الكاف وزاد عليها وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يعرف لها ناظم والله أعلم * * * وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والسبعون وهو من شواهد جمل الزجاجي (1) ( إن من يدخل الكنيسة يوما ** يلق فيها جآذرا وظباء ) على أن اسم إن ضمير شأن والجملة الشرطية بعدها خبرها وإنما لم يجعل من اسمها لأنها شرطية بدليل جزمها الفعلين والشرط له الصدر في جملته فلا يعمل فيه ما قبله قال ابن السيد في شرح أبيات الجمل هذا البيت للأخطل وكان نصرانيا فلذلك ذكر الكنيسة وقال ابن هشام اللخمي في شرحها لم أجده في ديوان الأخطل أقول قد فتشت ديوان الأخطل من رواية السكري فلم أظفر به فيه
____________________
1- ( الخفيف )

ولعله ثابت في رواية أخرى ونسبه السيوطي في شواهد المغني إلى الأخطل وقال وبعده ( مالت النفس بعدها إذ رأتها ** فهي ريح وصار جسمي هباء ) ( ليت كانت كنيسة الروم إذ ذاك ** علينا قطيفة وخباء ) الكنيسة هنا متعبد النصارى وأصله متعبد اليهود معرب كنشت بالفارسية والجآذر جمع جؤذر وهو ولد البقرة بضم الذال المعجمة وحكى الكوفيون فتحها أيضا وسردوا ألفاظا كثيرة على فعلل بضم الأول وفتح الثالث منها جؤذر وبرقع وطحلب وجخدب وضفدع والبصريون لا يعرفون فيها إلا ضم الثالث والظباء الغزلان الواحد ظبية يقول من يدخل الكنيسة يلق فيها أشباه الجآذر من أولاد النصارى وأشباه الظباء من نسائهم فكنى عن الصبيان بالجآذر وعن النساء بالظباء وقال اللخمي ويحتمل أن يريد الصور التي يصورونها فيها لأن كنائس الروم قل أن تخلو من الصور شبيهة بالجآذر والغزلان قال عمر بن أبي ربيعة (1) ( دمية عند راهب ذي اجتهاد ** صوروها بجانب المحراب ) ويعني ب الدمية الصورة والهباء الغبار الرقيق والقطيفة كساء ذو خمل و الأخطل هذا هو التغلبي الشاعر المشهور من الأراقم واسمه غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة وأنهى نسبته الآمدي في المؤتلف والمختلف إلى تغلب
____________________
1- ( الخفيف )

قال ابن قتيبة في أدب الكاتب وسمي الأخطل من الخطل وهو استرخاء الأذنين ومنه قيل لكلاب الصيد خطل قال شارحه ابن السيد لا أعلم أحدأ ذكر أن الأخطل كان طويل الأذنين مسترخيهما والمعروف أنه لقب الأخطل لبذاءته وسلاطه لسانه وذلك أن ابني جعيل ) (1)
____________________
1- ( لعمرك إنني وابني جعيل ** وأمهما لإستار لئيم ) فقيل إنه لأخطل فلزمه هذا اللقب والإسنار معرب جهار وهو أربعة من العدد بالفارسية وقال بعض الرواة وحكى نحو ذلك أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني إن السبب في تلقيبه بالأخطل أن كعب بن جعيل كان شاعر تغلب في وقته وكان لا يلم برهط منهم إلا أكرموه وأعطوه فنزل على رهط الأخطل فأكرموه وجمعوا له غنما وحظروا عليها حظيرة فجاء الأخطل فأخرجها من الحظيرة وفرقها فخرج كعب وشتمه واستعان بقوم من تغلب فجمعوها له وردوها إلى الحظيرة فارتقب الأخطل غفلته ففرقها ثانية فغضب كعب وقال كفوا عني هذا الغلام وإلا هجوتكم فقال له الأخطل إن هجوتنا هجوناك وكان الأخطل يومئذ يقرزم والقرزمة أن يقول الشعر في أول أمره قبل أن يستحكم طبعه وتقوى قريحته فقال كعب ومن يهجوني فقال أنا فقال كعب ( ويل لهذا الوجه غب الحمه ** )

فقال الأخطل ( فناك كعب بن جعيل أمه ** ) فقال كعب إن غلامكم هذا لأخطل ولج الهجاء بينهما فقال الأخطل (1) ( سميت كعبا بشر العظام ** وكان أبوك يسمى الجعل ) ( وأنت مكانك من وائل ** مكان القراد من است الجمل ) ففزع كعب وقال والله لقد هجوت نفسي بهذين البيتين وعلمت أن ساهجى بهما وقيل بل قال هجوت نفسي بالبيت الأول من هذين البيتين وقيل إن الأخطل اسمه غويث ويكنى أبا مالك ويلقب دوبلا أيضا والدوبل الحمار القصير الذنب ويقال إن جريرا هو الذي لقبه بذلك بقوله + ( الطويل ) + ( بكى دوبل لا يرقىء الله دمعه ** إلا إنما يبكى من الذل دوبل ) ومات على نصرانيته وكان مقدما عند خلفاء بني أمية لمدحه لهم وانقطاعه إليهم ومدح معاوية وأبنه يزيد وهجا الأنصار رضي الله عنهم بسببه فلعنه الله وأخزاه وخذله وعمر عمرا طويلا إلى أن ذهب إلى النار وبئس القرار قال ابن رشيق في العمدة ومن الفحول المتأخرين الأخطل وبلغت به الحال في الشعر إلى أن نادم عبد الملك بن مروان واركبه ظهر جرير بن عطية الشاعر وهو مسلم تقي وقيل أمره بذلك عبد الملك بسبب شعر + ( فاخره ) + فيه
____________________
1- ( المتقارب )

بين يديه وطول لسانه حتى قال مجاهرا لعنة الله عليه لا يستتر في الطعن على الدين والاستخفاف بالمسلمين (1) ( ولست بصائم رمضان طوعا ** ولست بآكل لحم الأضاحي ) ( ولست بزاجر عنسا بكورا ** إلى بطحاء مكة للنجاح ) ( ولست مناديا أبدا بليل ** كمثل العير حي على الفلاح ) ( ولكني سأشربها شمولا ** وأسجد عند منبلج الصباح ) وقد رد على جرير أقبح رد وتناول من أعراض المسلمين وقبائل العرب وأشرافهم ما لا ينجو من مثله علوي فضلا عن نصراني وعد الآمدي في المؤتلف والمختلف من لقب الأخطل أربعة أحدهم هذا والثاني الأخطل الضبعي كان شاعرا وادعى النبوة وكان يقول لمضر صدر النبوة ولنا عجزها فأخذه ابن هبيرة في دولة الأمويين فقال ألست القائل + ( الطويل ) + ( لنا شطر هذا الأمر قسمه عادل ** متى جعل الله الرسالة ترتبا ) أي راتبة دائمة في واحد قال وأنا القائل + ( الطويل ) + ( ومن عجب الأيام أنك حاكم ** علي وأني في يديك أسير ) قال أنشدني شعرك + ( في الدجال ) + قال اغرب ويلك فأمر به فضربت عنقه والثالث الأخطل المجاشعي وهو الأخطل بن غالب أخو الفرزدق وكان شاعرا وإنما كسفه الفرزدق فذهب شعره والرابع الأخطل بن حماد بن الأخطل بن ربيعة بن النمر بن تولب * * *
____________________
1- ( الوافر )

وأنشد بعده ( ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة ** ) تقدم شرحه في الشاهد التاسع والأربعين * * * وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والسبعون (1) ( قالت أمامة لما جئت زائرها ** هلا رميت ببعض الأسهم السود ) ( لا در درك إني قد رميتهم ** لولا حددت ولا عذرى لمحدود ) على أنه ربما دخلت لولا على الفعلية كما هنا أي لولا الحد وهو الحرمان وهذا البيت يرد مذهب الفراء القائل بأن ما بعد لولا مرفوع بها فلو كانت عاملة للرفع لذكر بعدها هنا مرفوع فوجب كونها غير عاملة لعدم مرفوع وهذا الذي نسبه الشارح المحقق إلى الفراء نسبه ابن الأنباري في الإنصاف وابن الشجري في أمالية إلى الكوفيين وذهب ابن الأنباري إلى صحة مذهبهم وقال الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون من أن لولا نائبة عن الفعل الذي لو ظهر لرفع الاسم فإن التقدير في لولا زيد لأكرمتك لو لم يمنعني زيد من إكرامك لأكرمتك إلا أنهم حذفوا الفعل تخفيفا وزادوا لا على لو فصار بمنزلة حرف واحد وأجاب عن البيت بأن لولا هنا هي لو الامتناعية ولا معها بمعنى لم لأن لا مع الماضي بمنزلة لم مع المستقبل فكأنه قال قد رميتهم لو لم أحد وهذا كقوله تعالى ! ( فلا اقتحم العقبة ) ! أي لم يقتحمها 1 هـ وقال يوسف بن السيرافي في شرح شواهد الغريب المصنف لأبي عبيد
____________________
1- ( البيسط )

القاسم بن سلام لولا لا يقع بعدها إلا الأسماء وتكون مبتدأة وتحذف أخبارها وجوبا وتقع بعدها أن المفتوحة المشددة وهي واسمها وخبرها في تقدير اسم واحد فلما اضطر الشاعر حذف أن واسمها أي لولا أني حددت يقول لولا أني حددت لقتلت القوم وهذا قبيح لأنه يجري مجرى حذف الموصول وإبقاء الصلة ويجوز أن يكون شبه لولا بلو فأولاها الفعل أو شبه أن الشديدة بأن الخفيفة فأن الخفيفة قد تحذف كقوله (1) ( ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ** ) فلما استجازوا حذفها حذفوا الثقيلة لأنهما حرفا مصدر وهذا الشعر للجموح أحد بني ظفر بن سليم بن منصور وبعدهما بيتان آخران وهما + ( البسيط ) + ( إذ هم كرجل الدبى لا در درهم ** يغزون كل طوال المشي ممدود ) ( فما تركت أبا بشر وصاحبه ** حتى أحاط صريح الموت بالجيد ) وروى هذه الأبيات الأربعة أبو تمام في كتابه مختار أشعار القبائل لراشد بن عبد الله السلمي ونسبها ابن السيرافي وابن الشجري للجموح كما ذكرنا وقال ابن السيرافي كان من خبر الجموح الظفري أنه بيت بني لحيان وبني سهم ابن هذيل بواد يقال له ذات البشام وكان الجموح قد جمع جمعا من بني سليم
____________________
1- ( الطويل )

وفيهم رجل يقودهم معه يكنى بأبي بشر فتحالف الجموح وأبو بشر على الموت وكان في كنانة الجموح نبل معلمة بسواد حلف ليرمين بها جمع قبل رجعته في عدوه فقتل أبو بشر وهزم أصحابه وأصابتهم بنو لحيان تلك الليلة وأعجز الجموح فقالت له امرأته وهي تلومه هلا رميت تلك النبل التي كنت آليت لترمين بها وأمامه زوجته وروى لما جئت طارقها وروى هلا رميت بباقي الأسهم الأسود قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات وتتخذ السهام من القنا وقلما يرغب فيها أهل البوادي لأنها خفاف وإن كان مداها أبعد وقداح أهل البوادي غلاظ ثقال عراض الحدائد فهي قوية إذا نشبت في الصيد فعضها لم تنكسر وكانت جراحاتها واسعة لأنهم أصحاب صيد وحروب وسهام القنا سود الألوان وإياها عنى الشاعر بقوله ( هلا رميت ببعض الأسهم السود 1 هـ وقوله لا در درك أي فقلت لها لا كان فيك خير ولا أتيت بخير يدعو عليها والكاف مكسورة وحددت بالبناء للمفعول حرمت ومنعت قال ابن الأنباري في شرح المفضليات يقال حددته حدا إذا منعته وقد حد الرجل عن الرزق إذا منع منه وهو محدود وأنشد هذا البيت يقول قد رميت واجتهدت في قتالهم ولكني حرمت النصر عليهم ولا يقبل عذر المحروم وروى لا در كسبك وروى أبو تمام لله درك فيكون دعاء لها والعذرى بضم العين والقصر اسم بمعنى المعذرة قال في الصحاح عذرته فيما صنع أعذره عذرا وعذرا والاسم المعذرة والعذرى وأنشد هذا البيت والرجل بكسر الراء وسكون الجيم القطعة العظيمة من الجراد والدبى بفتح الدال وبالموحدة وبالقصر أصغر الجراد والطوال كغراب (1)
____________________
1- ( الطويل )

وأنشد بعده وهو الشاهد الثمانون وهو من شواهد سيبويه (1) ( وما ليل المطي بنائم ** ) أصله ( لقد لمتنا يا أم غيلان بالسرى ** ونمت وما ليل المطي بنائم ) على أن الزمان يسند إليه كثيرا ما يقع فيه فإن النوم يقع في الليل وقد أسند إليه مجازا عقليا كقول رؤبة + ( الرجز ) + ( فنام ليلي وتجلى همي ** ) فإن قلت إن الشاعر قد نفى النوم عن الليل فكيف ذلك مع قول الشارح بأن النوم قد أسند إلى الليل قلت النفي فرع الإثبات وقد أورده سيبويه على أن وصف الليل بأنه غير نائم على طريق الاتساع والليل لا ينام ولا يوصف بأنه غير نائم لأنه ليس من الحيوان وكان حقه بمنوم فيه وأراد وما ليل أصحاب المطي فحذف وأراد بأصحاب المطي من يركب ويسافر فلا ينبغي أن ينام من أول الليل إلى آخره وأم غيلان قال ابن خلف هي بنت جرير يقول لمتنا في تركنا النوم واشتغالنا بالسرى والمطي جمع مطية وهي الراحلة التي يمتطى ظهرها أي يركب والسرى سير الليل وهذا البيت من قصيدة لجرير يرد بها على الفرزدق مطلعها (1) ( لا خير في مستعجلات الملاوم ** ولا في حبيب وصله غير دائم ) ( تركت الصبا من رهبة أن يهيجني ** بتوضح رسم المنزل المتقادم )
____________________
1- ( الطويل )

وقال صحابي ماله قلت حاجة ** تهيج صدوع القلب بين الحيازم ) ( تقول لنا سلمى من القوم أن رأت ** وجوها عتاقا لوحت بالسمائم ) ( لقد لمتنا يا أم غيلان بالسرى البيت ** ) والملاوم جمع ملامة والمستعجلات بكسر الجيم والحيازم جمع حيزوم وهو وسط الصدر وقوله من القوم بالاستفهام وأن رأت بفتح همزة أن ولوحت بالبناء للمفعول مبالغة لاحه السفر أي غيره والسمائم جمع سموم وهي الريح الحارة مؤنثة وقوله لقد لمتنا إلخ أي قلت لنا وترجمة جرير قد تقدمت في الشاهد الرابع * * *
____________________

اسم ما ولا المشبهين بليس ) أنشد فيه وهو الشاهد الحادي والثمانون وهو من شواهد سيبويه (1) ( من صد عن نيرانها ** فأنا ابن قيس لا براح ) على أن لا تعمل عمل ليس شذوذا أنشده سيبويه أيضا على إجراء لا مجرى ليس في بعض اللغات فبراح اسمها والخبر محذوف أي لي قال ابن خلف ويجوز رفع براح بالابتداء على أن الأحسن حينئذ تكرير لا كقوله تعالى ! ( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ! وقال المبرد كما نقله النحاس لا أرى بأسا أن تقول لا رجل في الدار في غير ضرورة وكذا لا زيد في الدار في جواب هل زيد في الدار وقوله فأنا ابن قيس أي أنا المشهور في النجدة كما سمعت وأضاف نفسه إلى جده الأعلى لشهرته به وجملة لا براح لي حال مؤكدة لقوله أنا ابن قيس كأنه قال أنا ابن قيس ثابتا في الحرب وإتيان الحال بعد أنا ابن فلان كثير
____________________
1- ( مجزوء الكامل )

كقوله (1) ( أنا ابن دارة مشهورا بها نسبي ** ) وقيل الجملة في محل رفع خبر بعد خبر وقيل تقرير للجملة التي قبلها ويجوز نصب ابن قيس على الاختصاص فيتعين جملة لا براح لي كونها خبرا لأنا وهو أفخر وأمدح قال الإمام المرزوقي في قوله (1) ( إنا بني نهشل لا ندعي لأب ** ) الفرق بين أن تنصب بني نهشل على الاختصاص وبين أن ترفع على الخبرية هو أنه لو جعله خبرا لكان قصده إلى تعريف نفسه عند المخاطب وكان فعله لذلك لا يخلو عن خمول فيهم وجهل من المخاطب بشأنهم وإذا نصب أمن من ذلك فقال مفتخرا أنا أذكر من لا يخفي شأنه لأنه يفعل كذا وكذا 1 هـ و البراح بفتح الموحدة مصدر برح الشيء براحا من باب تعب إذا زال من مكانه وهذا البيت من قصيدة مذكورة في الحماسة هي خمسة عشر بيتا لسعد بن مالك وأولها + ( مجزوء الكامل ) +
____________________
1- ( البسيط )

( يا بؤس للحرب التي ** وضعت أراهط فاستراحوا ) وهو من أبيات مغني اللبيب أورده على أن الأصل يا بؤس الحرب فأقحمت اللام بين المتضايفين تقوية للاختصاص ثم قال وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف قولان أرجحهما الأول لأن الجار أقرب ولأنه لا يعلق وفي أمالي ابن الشجري قال المبرد من قال يا بؤسا لزيد جعل النداء بمعنى الدعاء على المذكور ومثله يا بؤس للحرب البيت كأنه دعاء على الحرب وأراد يا بؤس الحرب فزاد اللام ويجوز عندي أن يكون من قبيل الشبيه بالمضاف نحو لا مانع لما أعطيت ولم أر من جوزه فيه ويجوز أن يكون المنادى محذوفا وبؤس منصوبا على الذم واللام مقحمة أو حذف التنوين للضرورة أي يا قوم أذم شدة الحرب ومعنى وضعت أراهط حطتهم واسقطتهم فلم يكن لهم ذكر شرف في هذه الحرب فاستراحوا من مكابدتها كالنساء وفيه حذف مضاف أي وضعت ذكر أراهط وهو جمع أرهط جمع رهط وهو النفر من ثلاثة إلى عشرة وقد جاء أرهط مستعملا قال رؤبة (1) ( وهو الذليل نفرا في أرهطه ) وزعم أكثر النحويين أن أراهط جمع رهط على خلاف القياس وروى برفع أراهط فالمفعول محذوف أي وضعتها أراهط والأول أنسب فإن هذا الشعر قاله سعد في حرب البسوس حين هاجت الحرب بين بكر وتغلب لقتل كليب
____________________
1- ( الرجز )

واعتزل الحارث بن عباد وقال هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل فعرض سعد في هذا الشعر بقعود الحارث بن عباد عن الحرب كما يأتي بيانه وزعم الدماميني في الحاشية الهندية أن الوضع هنا معناه الإهلاك وذلك لعدم وقوفه على منشأ هذا الشعر وبعد هذا البيت ( والحرب لا يبقى لجا ** حمها التخيل والمراح ) ( إلا الفتى الصبار في النجدات والفرس الوقاح ** ) وهما من أبيات سيبويه أوردهما على أن الفتى وما بعده بدل من التخيل والمراح على الاتساع والمجاز ولذلك أوردهما الشارح أيضا في باب المستثنى وذلك أنه أستثناء منقطع كقولك ما فيها أحد إلا حمار فرفع على لغة بني تميم ولا يخفى أن هذا البدل ليس بدل بعض كما هو شأنه ولهذا قال سيبويه على الاتساع والمجاز ثم أقول هذا بناء على الظاهر وإن اعتبر حذف مضاف أي ذو التخيل فالاستثناء متصل ويختار فيه الإبدال والجاحم بتقديم الجيم على الحاء المهملة المكان الشديد الحر من جحمت النار فهي جاحمة إذا اضطرمت ومنه الجحيم والتخيل التكبر من الخيلاء يقول إنها تزيل نخوة المنخو وذلك أن أولي الغناء يتكرمون عن الخيلاء ويختال المتشبع فإذا جرب فلم يحمد افتضح وسقط والمراح بكسر الميم النشاط أي إنها تكف حدة البطر النشيط وهذا تعريض بالحارث بن عباد بأنه صاحب خيلاء ومراح والصبار مبالغة صابر والنجدة الشدة والبأس في الحرب والوقاح بفتح الواو الفرس الذي حافره صلب شديد ومنه الوقاحة وقال بعدهما بأبيات
____________________

( بئس الخلائف بعدنا ** أولاد يشكر واللقاح ) ( من صد عن نيرانها البيت ** ) ( الموت غايتنا فلا ** قصر ولا عنه جماح ) ** وكأنما ورد المنية ** عندنا ماء وراح ) وهذا آخر القصيدة أي إذا ذهبنا وبقيت يشكر وحنيفة فبئس الخلائف هم منا لا يحمون حريما ولا يأبون ضيما وكانت حنيفة تلقب اللقاح لأنهم لم يدينوا لملك يقال حي لقاح بفتح اللام إذا لم يكن في طاعة ملك وقال بعض شراح الحماسة إنه بكسر اللام جمع لقحة أي إذا خلفنا من لا دفاع به من الرجال والأموال فبئس الخلائف بعدنا جعل أولاد يشكر كاللقاح وهي الإبل التي بها لبن في احتياجها إلى من يذب عنها وهذا ليس بالوجه وإنما مراده ذم الحيين لقعودهما عن بكر في حربهم والقصر بسكون الصاد الحبس والجماح بكسر الجيم مصدر جمح إذا انفلت وهرب يريد لا يمكن حبس نفس عن الموت ولا مهرب عنه والورد الورود وهو دخول الماء وقيل حضوره وإن لم تدخله وهذه القصيدة قالها سعد يعرض بالحارث بن عباد لقعودة عن الحرب وذلك أن جساسا البكري لما قتل كليبا التغلبي هاجت الحرب بين بكر وتغلب ابني وائل وهي حرب البسوس واعنزلهما الحارث بن عباد عن هذه الحرب قعرض به سعد كما قلنا قال أبو رياش في شرح الحماسة كان الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس ابن ثعلبة من حكام ربيعة وفرسانها المعدودين وكان اعتزل حرب بني وائل وتنحى بأهله وولده وولد إخوته وأقاربه وحل وتر قوسه ونزع سنان رمحه ولم يزل معتزلا حتى إذا كان في آخر وقائعهم خرج ابن أخيه بجير بن عمرو بن عباد في أثر إبل له ندت يطلبها فعرض له مهلهل في جماعة يطلبون غرة بكر بن وائل فقال لمهلهل امرؤ القيس بن أبان بن كعب بن زهير بن جشم وكان من أشراف بني تغلب وكان
____________________

على مقدمتهم زمانا طويلا لا تفعل فو الله لئن قتلته ليقتلن به منكم كبش لا يسأل عن خاله من هو وإياك أن تحقر البغي فإن عاقبته وخيمة وقد اعتزلنا عمه وأبوه وأهل بيته وقومه فأبى مهلهل إلا قتله فطعنه بالرمح وقتله وقال بؤ بشسع نعل كليب يقال أبأت فلانا بفلان فباء به إذا قتلته به ولا يكاد يستعمل هذا إلا والثاني كفء للأول فبلغ فعل مهلهل عم بجير وكان من أحلم أهل زمانه وأشدهم بأسا فقال الحارث نعم القتيل قتيل أصلح بين أبني وائل فقيل له إنما قتل بشسع نعل كليب فلم يقبل ذلك وأرسل الحارث إلى مهلهل إن كنت قتلت بجيرا بكليب وانقطعت الحرب بينكم وبين إخوانكم فقد طابت نفسي بذلك فأرسل إليه مهلهل إنما قتلته بشسع نعل كليب فغضب الحارث ودعا بفرسه وكانت تسمى النعامة فجز ناصيتها وهلب ذنبها وهو أول من فعل ذلك بالخيل وقال ( قربا مربط النعامة مني ** لقحت حرب وائل عن حيال ) ( لا بجير أغنى قتيلا ولا رهط ** كليب تزاجروا عن ضلال ) ( لم أكن من جناتها علم ** الله وإني لجمرها اليوم صالي ) ( قربا مربط النعامة مني ** إن قتل الغلام بالشسع غالي ) و لقحت حملت والحيال أن يضرب الفحل الناقة فلا تحمل وهذا مثل ضربه لأن الناقة إذا حالت وضربها الفحل كان أسرع للقاحها وإنما يعظم أمر الحرب لما تولد منها من الأمور التي لم تكن تحتسب ثم ارتحل الحارث مع قومه حتى نزل مع جماعة بكر بن وائل وعليهم يومئذ
____________________

الحارث بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة فقال الحارث بن عباد له إن القوم مستقلون قومك وذلك زادهم جراءة عليكم فقاتلهم بالنساء قال له الحارث بن همام وكيف قتال النساء قال قلد كل امرأة إدواة من ماء وأعطها هراوة واجعل جمعهن من ورائكم فإن ذلكم يزيد كم اجتهادا وعلموا بعلامات يعرفنها فإذا مرت امرأة على صريع منكم عرفته بعلامته فسقته من الماء ونعشته وإذا مرت على رجل من غيركم ضربته بالهرواة فقتلته وأتت عليه فأطاعوه وحلقت بنو بكر يؤمئذ رؤوسها استبسالا للموت وجعلوا ذلك علامة بينهم وبين نسائهم واقتتل الفرسان قتالا شديدا وانهزمت بنو تغلب ولحقت بالظعن بقية يومها وليلتها واتبعهم سرعان بكر بن وائل وتخلف الحارث بن عباد فقال لسعد بن مالك القائل ( يا بؤس للحرب التي ** وضعت أراهط فاستراحوا ) أتراني ممن وضعته قال لا ولكن لا مخبأ لعطر بعد عروس ومعناه إن لم تنصر قومك الآن فلن تدخر نصرك وسعد هو سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل قال الآمدي في المؤتلف والمختلف كان سعد هذا أحد سادات بكر بن وائل وفرسانها في الجاهلية وكان شاعرا وله أشعار جياد في كتاب بني قيس بن ثعلبة قال وشاعر آخر اسمه سعد بن مالك بن الأقيصر القريعي أحد بني قريع بن سلامان بن مفرج وكان فارسا شاعرا آخر الجزء الأول والحمد لله وحده
____________________

( المنصوبات ) ( المفعول المطلق ) الشاهد الثاني والثمانون وهو من شواهد : البسيط ( هذا سراقة للقرآن يدرسه ** والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب ) على أن الضمير في يدرسه راجع إلى مضمون يدرس أي : يدرس الدرس فيكون راجعاً للمصدر المدلول عليه بالفعل وإنما لم يجز عوده للقرآن لئلا يلزم تعدي العامل إلى الضمير وظاهره معاً .
واستشهد به أبو حيان في شرح التسهيل على أن ضمير المصدر قد يجيء مراداً به التأكيد وأن ذلك لايختص بالمصدر الظاهر على الصحيح .
وأورده سيبويه على أن تقديره عنده : والمرء عند الرشا ذئبٌ إن يلقها .
وتقديره عند المبرد : إن يلقها فهو ذئب .
وهذا من أبيات سيبويه الخمسين التي لم يقف على قائلها أحد . قال الأعلم : هجا هذا الشاعر )
رجلاً من القراء نسب إليه الرياء . وقبول الرشا . والحرص عليها وكذلك أورده ابن السراج في
____________________

وزعم الدماميني في الحاشية الهندية : أن هذا البيت من المدح لا من الهجاء وظن أن سراقة هو سراقة بن جعشم الصحابي مع أنه في البيت غير معلوم من هو فيه تحريفات ثلاثة : الأول : أن الرشا بضم الراء والقصر : جمع رشوة فقال : هو بكسر الراء مع المد : الحبل وقصره للضرورة وأنثه على معنى الآلة . وكلامه هذا على حد : زناه وحده .
والثاني : أن قوله يلقها بفتح الياء من اللقي وهو ضبطه بضم الياء من الإلقاء .
والثالث : أن قوله ذيب بكسر الذال وبالهمزة المبدلة ياء وهو الحيوان المعروف وهو صحفه ذنباً بفتح الذال والنون وقال : قوله عند الرشا متعلق بذنب لما فيه من معنى التأخر .
والمعنى : إن يلق إنسان الرشا فهو متأخر عند إلقائها يريد أن سراقة درس القرآن فتقدم والمرء متأخر عند اشتغاله بما لا يهم كمن امتهن نفسه في السقي وإلقاء الأرشية في الآبار .
هذا كلامه وتبعه فيه الشمني فاعتبروا يا أولي الأبصار وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والثمانون وهو من شواهد : الرجز .
دار لسعدى إذه من هواكا
____________________

على أن المصدر بمعنى اسم المفعول أي : من مهويك .
وبهذا المعنى أورده أيضاً في باب المصدر فإن الهوى بالقصر مصدر هويته من باب تعب : إذا وأنشده أيضاً في باب الضمير على أن الياء قد تحذف ضرورة من هي إذ أصله إذ هي من هواكا . ولهذا الوجه أورده سيبويه قال الأعلم : سكن الياء أولاً ضرورةً ثم حذفها ضرورة أخرى بعد الإسكان تشبيهاً لها بعد سكونها بالياء اللاحقة في ضمير الغائب إذا سكن ما قبله والواو اللاحقة له في هذه الحال نحو عليه ولديه ومنه وعنه .
ومثله للنحاس قال : والذي أحفظه عن ابن كيسان : أن هذا على مذهب من قال : هي جالسة .
بإسكان الياء . وهذا قول حسن .
وهذه الياء من سنخ الكلمة وحذفها أقبح من حذف الياء في قوله : الطويل سأجعل عينيه لنفسه مقنعا لأن الياء التي تتبع الهاء في نفسه ليست من بنية الضمير .
قال المبرد : حذف الياء من قوله : لنفسه لأنها زائدة زيدت لخفاء الهاء وكذلك الواو وأنك )
تقف بغير ياء ولا واو فلما اضطر حذفهما في الوصل كما
____________________

يحذفان في الوقف ودل عليهما ما بقي من حركة كل واحد منهما . وقال أبو الحسن الأخفش : حذف الياء لأن الاسم إنما هو الهاء فرده إلى أصله وحرف اللين اللاحق لها زائد .
وقوله دار لسعدى خبر لمبتدأ محذوف أي : هذه وقدره ابن خلف : في دار أو هو دار . وإذ عامله الظرف قبله .
قال الأعلم : وصف داراً خلت من سعدى : هذه المرأة وبعد عهدها بها فتغيرت بعدها وذكر أنها كانت لها داراً ومستقراً إذ كانت مقيمة بها فكان يهواها بإقامتها فيها .
وهذا البيت أيضاً من الأبيات الخمسين التي لم يعلم قائلها ولا يعرف له ضميمة ورأيت في هل تعرف الدار على تبراكا بكسر التاء المثناة وهو موضع . قال أبو عبيد في معجم ما استعجم : تبراك بكسر التاء : موضع في ديار بني فقعس .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الرابع والثمانون إذا الداعي المثوب قال يالا وصدره : فخيرٌ نحن عند البأس منكم
____________________

على أن اللام خلطت ب يا أراد أنه خلطت لام الاستغاثة الجارة ب يا حرف النداء وجعلتا كالكلمة الواحدة وحكيتا كما تحكى الأصوات وصار المجموع شعاراً للاستغاثة .
قال أبو زيد في نوادره : وقوله يالا أراد يا لبني فلان يريد حكاية الصارخ المستغيث . وهذا مذهب أبي علي أيضاً وأتباعه والأصل عندهم يا لبني فلان أو يا لفلان فحذف ما بعد لام الاستغاثة كما يقال : ألا تا فيقال : ألا فا يريدون : ألا تفعلوا وألا فافعلوا . وهذا أحد مذاهب ثلاثة فيه .
ثانيها : أن المنادى والمنفي بلا محذوفان أي : يا قوم لا تغدوا . ذكره ابن مالك في شرح التسهيل وابن هشام في المغني .
ثالثهما : أنه بقية يا آل فلان وهو مذهب الكوفيين قالوا في يا لزيد : أصله يا آل زيد فحذفت همزة آل للتخفيف وإحدى الألفين لالتقاء الساكنين واستدلوا بهذا البيت وقالوا : لو كانت اللام جارة لما جاز الاقتصار عليها . قال الشارح المحقق : وهو ضعيف لأنه يقال ذلك فيما لا آل له نحو : يا لله ويا للدواهي ونحوهما .
وأجاب ابن جني في الخصائص عن دليلهم بقوله : فإن قلت : كيف جاز تعليق حرف الجر قلت لما خلط ب يا صار كالجزء منها ولذلك شبه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف بابٍ ودارٍ فحكم عليها بالانقلاب وحسن الحال أيضاً شيٌ آخر : وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق فصارت كأنها معاقبة للمجرورة ألا ترى أنك لو أظهرت ذلك المضاف إليه وقلت : يا لبني فلان لم يجز إلحاق الألف هنا في منابها عما كان ينبغي أن يكون بمكانها مجرى ألف الإطلاق في منابها عن تاء التأنيث في نحو قوله : =

2

مجلد 2.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب
عبد القادر بن عمر البغدادي
سنة الولادة 1030/ سنة الوفاة 1093هـ  =( ولاعب بالعشي بني بنيه ** كفعل الهر يحترش العظايا ) وكذلك نابت واو الإطلاق في قوله : الطويل فيمن رفع كلا عن الضمير الذي يراد في عارف . وكما ناب التنوين في نحو يومئذٍ . )
وقال في موضع آخر من الخصائص : وسألني أبو علي عن ألف يا من قوله يا لا في هذا البيت فقال : أمنقلبة هي قلت : لا لأنها في حرف فقال : بل هي منقلبة فاستدللته على ذلك فاعتصم بأنها قد خلطت باللام بعدها ووقفت عليها فصارت اللام كأنها جزء منها فصارت يال بمنزلة قال والألف في موضع العين وهي مجهولة فينبغي أن يحكم بالانقلاب عن الواو .
وهذا أجمل ما قاله ولله هو وعليه رحمته فما كان أقوى قياسه وأشد بهذا العلم اللطيف الشريف أنسه وكأنه إنما كان مخلوقاً له وكيف لا يكون كذلك وقد أقام على هذه الطريقة مع جلة أصحابها وأعيان شيوخها سبعين سنة زائحةً علله ساقطةً منه كلفه لا يعتاقه عنه ولد ولا يعارضه فيه متجر ولا يسوم به
____________________

مطلباً ولا يخدم به رئيساً إلا بأخرة وقد حط من أثقاله وألقى عصا ترحاله : ثم إني لا أقول إلا حقاً إني لأعجب من نفسي في وقتي هذا كيف تطوع لي بمسألة أم كيف تطمح بي إلى انتزاع علة مع ما الحال عليه من علق الوقت وأشجانه وتذاؤبه وخلج أشطانه ولولا مساورة الفكر واكتداده لكنت عن هذا الشأن بمعزل وبأمر سواه على شغل .
ولله دره فكأنما رمى عن قوسي وتكلم عن نفسي . والله المشكور في كل حال وهو غني وقوله : فخيرٌ نحن عند البأس منكم قد تكلم الناس على إعرابه قديماً وحديثاً لاسيما أبو علي الفارسي فإنه تكلم عليه في أكثر كتبه . قال : في التذكرة القصيرة : سألت عن هذا البيت ابن الخياط والمعمري فلم يجيبا إلا بعد مدة قالا : لا يخلو من أن يكون نحن ارتفع بخبر أو بالابتداء ويكون خيرٌ الخبر أو يكون تأكيداً للضمير الذي في خير والمبتدأ محذوف أي : نحن خير لا جائز أن يرتفع بخير لأن خيراً لا يرفع المظهر البتة ولا مبتدأ للزوم الفصل بالأجنبي بين أفعل وبين من وهو غير جائز فثبت أن نحن تأكيد للضمير في خير .
وقد أجمل كلامه هنا وفصله في المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات . وبعد أن منع كون نحن مبتدأ وخير خبراً قال : عندي فيه قولان : أحدهما أن يكون قوله خير خبر مبتدأ محذوف تقديره : نحن خير عند البأس منكم فنحن على هذا في البيت ليس بمبتدأ لكنه تأكيد لما في خير من ضمير المبتدأ المحذوف وحسن هذا التأكيد لأنه حذف المبتدأ من اللفظ ولم يقع الفصل بشيء أجنبي بل بما هو منه
____________________

وقد وقع الفصل بالفاعل بين الصلة وموصولها في نحو قولهم : ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وكان ذلك حسناً سائغاً . فإذا ساغ كان )
التأكيد أسوغ لأنه قد يحسن حيث لا يحسن غيره من الأسماء .
وقال في الإيضاح الشعري في هذا الوجه بعد أن قال : ونحن الظاهر تأكيد للضمير الذي في خير على المعنى : كان ينبغي أن يكون على لفظ الغيبة ولكن جاء به على الأصل نحو نحن فعلنا ويدلك على أنه كان ينبغي أن يجيء على لفظ الغيبة : أن أبا عثمان قال : في الإخبار عن الضمير الذي في منطلق من قوله : أنت منطلق إذا أخبرت عن الضمير الذي في منطلق من قولك أنت منطلق لم يجز لأنك تجعل مكانه ضميراً يرجع إلى الذي ولا يرجع إلى المخاطب فيصير المخاطب مبتدأ ليس في خبره ما يرجع إليه .
فهذا من قوله يدل على أن الضمير وإن كان للمخاطب في أنت منطلق فهو على لفظ الغيبة ولولا ذلك لم يصلح أن يرجع إلى الذي . على أن هذا من كلامهم مثل أنتم تذهبون واسم الفاعل أشبه بالمضارع منه بالماضي فلذلك جعله مثله ولم يجعله مثل الماضي في أنتم فعلتم .
ثم قال في البغداديات : القول الثاني : أن يجعل خير صفة مقدمة يقدر ارتفاع نحن به كما يجيز أبو الحسن في : قائم الزيدان أن ارتفاع الزيدان بقائم . فلا يقع على هذا أيضاً فصلٌ بشيء يكره ولا يجوز لأن نحن على هذا مرتفع بخبر . إلا أن ذا قبيح لأن خيراً وبابه لا يعمل عمل الفعل إذا جرى على موصوفه وإعماله في الظاهر مبتدأ غير جارٍ على شيء أقبح وأشد امتناعاً .
والوجه الأول حسن سائغ .
قال في الإيضاح : فإذا جاز ذلك فيما ذكرناه أي : الوجه الأول لم يكن فيما حمل أبو الحسن عليه البيت من الظاهر دلالة على إجازة نحو : الخليفة أحب إليه يحيى من جعفر حتى يقول : الخليفة يحيى أحب إليه من جعفر أو أحب إليه من جعفر يحيى على ما أجازه سيبويه في : ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد فلا يفصل بينهما بما هو أجنبي منهما .
ثم قال في البغداديات : فإن قال قائل : أيجوز أن يكون فخيرٌ خبراً مقدماً لما
____________________

بعده وهو نحن ويكون منكم غير صلة ولكنها ظرف كقوله : ولست بالأكثر منهم حصىً وتقديره : ولست بالأكثر فيهم لا على حد : هو أفضل من زيد ألا ترى أن الألف واللام تعاقب من هنا فالجواب : أنه بعيد وليس المعنى عليه إنما يريد : نحن خير منكم وأن الفزع إلينا والاستغاثة )
بنا نسد ما لا تسدون ونمنع من الثغور مالا تمنعون . ألا ترى أن ما بعد هذا البيت : ( ولم تثق العواتق من غيور ** بغيرته وخلين الحجالا ) وقوله : عند البأس العامل فيه خير ولا يجوز أن يكون متعلقاً بالمبتدأ المحذوف على ألا يكون التقدير : فنحن خير عند البأس منكم يريد : نحن عند البأس خير منكم لأنك إن نزلته هذا التنزيل فصلت بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما ومتعلق بغيرهما وإذا قدرت اتصاله بخير و البأس بالموحدة لا بالنون وهو الشدة والقوة . والداعي من دعوت زيداً : إذا ناديته وطلبت إقباله . والمثوب اسم فاعل من ثوب قال أبو زيد : هو الذي يدعو الناس يستنصرهم والأصل فيه : أن المستغيث إذا كان بعيداً يتعرى ويلوح بثوبه رافعاً صوته ليرى فيغاث .
____________________


ووثق منه وبه : اطمأن إليه وقوي قلبه . وجملة لم تثق معطوفة على مدخول إذا وكذلك جملة خلين الحجالا و العواتق : جمع عاتق وهي التي خرجت عن خدمة أبويها وعن أن يملكها الزوج . والغيور : من غار الرجل على حريمه يغار من باب تعب غيرة بالفتح فهو غيور وغيران وهي غيور أيضاً وغيرى . وخلين متعدي خلا المنزل من أهله يخلو خلواً وخلاء فهو خالٍ . وصحفه بعضهم بالحاء المهملة وبالبناء للمجهول على أنه من التحلية وهو التزيين . والحجال بكسر الحاء المهملة : جمع حجلة بالتحريك وهو بيت كالقبة يستر بالثياب ويكون له أزرار كبار كذا في النهاية .
وزاد في القاموس أنه للعروس : وأخطأ بعضهم حيث قال : هو جمع حجل بمعنى الخلخال وهذا لا يناسب المقام مع أنه لا يجمع على حجال وإنما يجمع على حجول وأحجال . يريد أنهن في يوم فزع أو غارة لا يثقن بأن يحميهن الأزواج والآباء والإخوة فنحن عندهن أوثق منكم .
وهذان البيتان نسبهما أبو زيد في نوادره لزهير بن مسعود الضبي .
الشاهد الخامس والثمانون وهو من أبيات س : ( عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا ** هل كنت جارتنا أيام ذي سلم ) على أن قولهم عمرك الله له فعل كما في هذا البيت وعمرتك بتشديد الميم وضم التاء وكسر الكاف .
وكذلك استدل به سيبويه على أن عمرك وضع بدلاً من اللفظ بالفعل فلزمه النصب بذكر الفعل مجرداً في البيت .
____________________


قال الأعلم وتبعه بن خلف معنى عمرتك الله ذكرتك الله وأصله من عمارة الموضع فكأنه جعل تذكيره عمارةً لقلبه فعمرك الله مصدر عند سيبويه وتقديره أن معنى عمرك عمرتك الله أي : سألت الله عمرك وإذا وضح أن عمرك بمعنى عمرتك وجب أن يكون مصدراً .
وقد ثبت أنهم يقولون : عمرك الله وعمرتك الله بمعنى فيكون اسم الله منصوباً بعمرك على قول . وفيه معنى السؤال . وقيل منصوب بفعل مقدر أي : سألت الله عمرك أي بقاءك .
والفرق بينه وبين قول سيبويه وإن كان بمعنى سألت الله تعالى بقاءك : أن عمرك على مذهب سيبويه بمعنى عمرتك الملتزم حذفه وهو الناصب له واسم الله المفعول الثاني وعلى القول وروى الشارح عن الأخفش إجازة رفع الجلالة على أنه فاعل . ونسبه أبو حيان في الارتشاف إلى ابن الأعرابي .
وروى عن الأخفش : أن أصله عنده بتعميرك الله حذف زوائد المصدر والفعل والباء فانتصب ما كان مجروراً بها . ويدل لما قاله الأخفش وأنه ليس منصوباً على إضمار فعل إدخال باء الجر عليه قال : بعمرك هل رأيت لها سميا قال أبو حيان : والذي يكون بعد نشدتك الله وعمرتك الله أحد ستة أشياء : استفهام وأمر ونهي وأن وإلا ولما بمعنى إلا كقوله : عمرتك الله إلا ما ذكرت لنا وإذا كان إلا أو ما في معناها فالفعل قبلها في صورة الموجب وهو منفي في المعنى والمعنى ما أسألك إلا كذا فالمثبت لفظاً منفي معنى ليتأتى التفريغ . )
قال الدماميني في شرح التسهيل : فإن قلت : تأويل الفعل بالمصدر بدون سابك ليس قياساً فيلزم الشذوذ كتسمع بالمعيدي أي سماعك وادعاء الشذوذ هنا غير متأت لا طراد مثل هذا التركيب وفصاحته قلت : لا نسلم أن التأويل بدون حرف مصدر شاذ مطلقاً وإنما يكون شاذاً إذا لم يطرد في بابٍ أما إذا طرد في
____________________

باب واستمر فيه فإنه لا يكون شاذاً كالجملة التي يضاف إليها اسم الزمان مثلاً نحو : جئتك حين ركب الأمير أي حين ركوبه .
وضبط أبو علي الفارسي كما نقل ابن خلف عنه أن ألا في هذا البيت بفتح الهمزة فيكون أصله هلا .
نقل صاحب التلخيص عن الكسائي : أن هلا و ألا بقلب الهاء همزة ولولا ولوما للتنديم في الماضي وللتحضيض في المستقبل فالأول نحو : هلا أكرمت زيداً على معنى ليتك أكرمته قصداً إلى جعله نادماً على ترك الإكرام والثاني نحو : هلا تقوم على معنى ليتك تقوم قصداً إلى حثه على القيام . ومع هذا فلا يخلو من ضرب من التوبيخ واللوم على ما كان يجب أن يفعله المخاطب قبل أن يطلب منه . و ما زائدة . وهذه الجملة جواب عمرتك الله . وهو قسم سؤالي . وجملة هل كنت جارتنا في موضع المفعول لذكرت معلق عنه بالاستفهام والأصل هلا ذكرت لنا جواب هذا السؤال وجملة عمرتك الله إلى آخر البيت في محل نصب على أنها مقولة لقوله في البيت السابق وهو : ( إذ كدت أنكر من سلمى فقلت لها ** لما التقينا وما بالعهد من قدم ) وذو سلم : موضع عند جبل قريب من المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام .
والبيتان من قصيدة للأحوص الأنصاري . وأنشد سيبويه بيتاً آخر مثل هذا البيت لعمرو بن أحمر الباهلي وهو : ( عمرتك الله الجليل فإنني ** ألوي عليك لو أن لبك يهتدي ) ألوي عليك : أعطف عليك .
وقوله : لو أن لبك يهتدي أي : لو أن قلبك يقبل النصيحة عبر عنه باللب لأنه محله . وجواب القسم السؤالي في بيت بعده وهو :
____________________

( هل لامني من صاحب صاحبته ** من حاسرٍ أو دارعٍ أو مرتدي ) واعلم أن عمرتك الله في البيتين بتشديد الميم كما يدل عليه كلام سيبويه المنقول في كلام )
الشارح وهو قوله : والأصل عند سيبويه : عمرتك الله تعميراً . ومثله في العباب للصاغاني : وقولهم عمرتك الله أي : سألت الله تعميرك . وأنشد البيت الأول ثم قال : وقال جل ذكره : أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر .
ويجوز عندي أن يكون قولهم عمرك الله مصدراً لفعل ثلاثي وهو : فلان يعمره من باب نصر أي : يعبده بالصلاة والصوم ونحوهما وفلان عمار أي : كثير الصلاة والصوم فيكون منصوباً على نزع الباء القسمية ومضافاً إلى فاعله أي : بعبادتك الله . ولم أر من شرحه على هذا الوجه . و الأحوص من الحوص بمهملتين وهو ضيق في مؤخر العين وقيل : في أحد العينين . وهو الأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت يسمى حمي الدبر أي : محميها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في بعث فقتله المشركون وأرادوا أن يصلبوه ويمثلوا به فحمته الدبر وهي النحل فلم يقدروا عليه .
والأحوص مقدم عند أهل الحجاز وأكثر الرواة لو لا أفعاله الدنيئة لأنه أسمحهم طبعاً وأسلسهم كلاماً وأصحهم معنى ولشعره رونق وحلاوة وعذوبة ألفاظ ليست لأحد . وهو محسن في الغزل والفخر والمدح . وكان يشبب بنساء أشراف المدينة ويشيع ذلك في الناس فنهي فلم ينته . فشكي إلى عامل سليمان بن عبد الملك وسئل الكتابة فيه إليه ففعل فكتب سليمان يأمره أن يضربه
____________________

مائة ويقيمه على البلس للناس ثم يسيره إلى دهلك ففعل به ذلك . والبلس بضمتين : جمع بلاس بكسر الموحدة وهي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التبن يشهر عليها من ينكل به وينادى عليه . ومن دعائهم أرانيك الله على البلس وكان الأحوص يقول : وهو يطاف به : ( ما من مصيبة نكبة أمنى بها ** إلا تعظمني وترفع شأني ) ( إني إذا خفي اللئام رأيتني ** كالشمس لا تخفى بكل مكان ) ( أصبحت للأنصار فيما نابهم ** خلفاً وفي الشعراء من حسان ) وأقام الأحوص منفياً بدهلك إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز فكتب إليه الأحوص يستأذنه في القدوم وسأله الأنصار أيضاً أن يقدمه إلى المدينة فقال لهم : من القائل : ( فما هو إلا أن أراها فجاءةً ** فأبهت حتى لا أكاد أجيب ) قالوا : الأحوص قال : فمن الذي يقول : ) ( أدور ولولا أن أرى أم جعفر ** بأبياتكم ما درت حيث أدور )
____________________

قالوا : الأحوص قال : فمن الذي يقول : ( سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ** سريرة حب يوم تبلى السرائر ) قالوا : الأحوص . قال : فمن الذي يقول : ( الله بيني وبين قيمها ** يفر مني بها وأتبع ) قالوا : الأحوص . قال : لا جرم ما رددته ما كان لي سلطان قال أبو عبيدة : كان سبب نفي الأحوص أن شهوداً شهدوا عليه أنه قال : لا أبالي أي الثلاثة أكون ناكحاً أو منكوحاً أو زانياً . وكان مشهوراً بالأبنة وانضاف إلى ذلك أنه دخل يوماً على سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما فأذن المؤذن فلما قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت سكينة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الأحوص : ( فخرت وانتمت فقلت : ذريني ** ليس جهل أتيته ببديع ) ( فأنا ابن الذي حمت لحمه الدب ** ر قتيلاً للحيان يوم رجيع ) ( غسلت خالي الملائكة الأب ** رار ميتاً طوبى له من صريع ) وكان وفد الأحوص على الوليد بن عبد الملك ممتدحاً له فأنزله منزلاً وأمر بمطبخةٍ تمال عليه .
____________________


وكان قد نزل على الوليد شعيب بن عبد الله بن عمرو بن العاص وكان الأحوص يراود وصفاء للوليد خبازين يريدهم أن يفعلوا به الفاحشة وكان شعيب قد غضب على مولى له ونحاه فلما خاف الأحوص أن يفتضح بمراودته الغلمان اندس لمولى شعيب بذلك فقال : ادخل على أمير المؤمنين فاذكر له أن شعيباً راودك عن نفسك . ففعل المولى فالتفت الوليد إلى شعيب فقال : ما يقول هذا فقال : لكلامه نبأ يا أمير المؤمنين فاشدد به يدك يصدقك . فشد عليه فقال : أمرني الأحوص بذلك . فقال قيم الخبازين : إن الأحوص يراود غلمانك عن أنفسهم . فأرسل به الوليد إلى ابن حزم والي المدينة وأمره أن يجلده مائة ويصب على رأسه زيتاً ويقيمه على البلس ففعل به كما ذكرنا .
ولم يزل الأحوص بدهلك حتى مات عمر بن عبد العزيز وتولى يزيد بن عبد الملك . فبينا يزيد وجارية ذات يوم تغنيه بعض شعر الأحوص فقال لها : من يقول هذا الشعر قالت : لا أدري )
فأرسل إلى ابن شهاب الزهري وسأله فأخبره أن قائله الأحوص . قال : وما فعل قال : طال حبسه بدهلك . فأمر بتخلية سبيله ووهب له أربعمائة دينار .
وعن ابن الأعرابي : أن الأحوص كانت له جارية تسمى بشرة وكانت تحبه ويحبها . فقدم بها دمشق فحذرته الموت وبكت فقال الأحوص : ( ما لجديد الموت يابشر لذةٌ ** وكل جديدٍ تستلذ طرائفه ) ثم مات فجزعت عليه جزعاً شديداً ولم تزل تبكي عليه وتندبه حتى شهقت شهقةً وماتت . ودفنت إلى جنبه .
تتمة لم يذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من اسمه أحوص غير هذا .
____________________

وذكر الأحوص بالخاء المعجمة وقال : هو زيد بن عمرو بن قيس اليربوعي التميمي وهو شاعرٌ فارس . وأورد له شعراً جيداً يفتخر به .
وأنشد بعده وهو ( قعيدك أن لا تسمعيني ملامة ** ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا ) على أن قعيدك الله وعمرك الله أكثر ما يستعملان في القسم السؤالي فيكون جوابهما ما فيه الطلب كالأمر والنهي . وأن هنا زائدة .
قال أبو حيان في الارتشاف : ويجيء بعد قعد وقعيدك الاستفهام وأن ولم يقيدها بكونها زائدة أو مصدرية أو غيرهما . ومثال الاستفهام قال الأزهري : قالت قريبة الأعرابية : ( قعيدك عمر الله يا ابنة مالك ** ألم تعلمينا نعم مأوى المحصب ) ولم أسمع بيتاً جمع فيه بين العمر والقعيد إلا هذا . انتهى .
وبقي على أبي حيان أن يقول : والسلام . روى أبو عبيد قعيدك لتفعلن ولا النافية كما يأتي في كلام الجوهري .
قال ابن الحاجب في الإيضاح : وقعدك الله عند سيبويه مثل عمرك الله يجعله بمعنى فعل مقدر معناه : سألته أن يكون حفيظك وإن لم يتكلم به . كأنه قيل حفظتك الله من قوله تعالى : عن اليمين وعن الشمال قعيد أي : حافظ .
____________________

ووضح ذلك في عمرك الله لاستعمال فعله . وإذا تحقق أن معنى قعدك الله معنى الفعل المقدر المذكور وضح أيضاً أن قعيدك الله بمعناه وفيه أيضاً معنى )
السؤال كعمرك الله .
وقال ابن خلف : يريد سيبويه بقوله : فقعدك الله يجري على هذا المجرى أن فعل المصادر قد يترك ويكون بمنزلة ما استعمل الفعل فيه فقعدك بمنزلة قولك : وصفك الله بالثبات وأنه لا يزول .
يريد سألتك بوصفك الله بالثبات ثم حذف الفعل والباء . ولا يستعمل فيه الفعل ولا الباء وهو مصدر لا يتصرف أي : لا يستعمل في غير هذا الموضع من الكلام ولا يستعمل إلا مضافاً .
انتهى .
وقال أبو اسحاق إبراهيم النجيرمي في كتاب أيمان العرب : معنى قعدك الله وقعيدك الله : أخصب الله بلادك حتى تكون مقيماً فيها قاعداً غير منتجع .
وقال الجوهري : وقولهم : قعيدك لا آتيك وقعيدك الله لا آتيك وقعدك الله وقعدك الله بالفتح والكسر : يمين للعرب . وهي مصادر استعملت منصوبة بفعل مضمر والمعنى : بصاحبك الذي هو صاحب كل نجوى كما يقال : نشدتك الله .
زاد عليه صاحب العباب : وقال أبو عبيد : عليا مضر تقول : قعيدك لتفعلن كذا يعني أنهم يحلفونه بأبيه قال : القعيد : الأب .
وأنكر صاحب القاموس كونهما للقسم فقال : قعيدك الله وقعدك بالكسر استعطاف لا قسمٌ بدليل أنه لم يجئ جواب القسم . وهذا مخالف للجمهور فإن قوله لا تسمعيني جواب لقوله
____________________

قال صاحب البسيط ويدل على القسم قولهم : قعدك الله لأفعلن وروى فقعدك بفتح القاف وكسرها . والمفعول الثاني محذوف أي : قعدك الله . والكاف مكسورة لأنه خطاب مع امرأة كما يأتي بيانه . وجملة لا تنكئي لا محل لها من الإعراب كجملة المعطوف عليها يقال نكأت القرحة بالهمز : إذا قشرتها ونكيت في العدو بلا همز . والقرح كالجرح وزناً ومعنى . وقوله فييجعا منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب النهي الثاني . قال ابن الأنباري : أهل الحجاز يقولون : وجع يوجع ووجل يوجل يقرون الواو على حالها إذا سكنت وانفتح ما قبلها وهي أجود اللغات وبعض قيس يقول : وجل ياجل ووجع ياجع وبنو تميم تقول : وجع ييجع وهي شر اللغات لأن الكسر من الياء والياء يقوم مقام كسرتين فكرهوا أن يكسروا لثقل الكسر فيها .
وقال الفراء : إنما كسر ليتفق اللفظ فيها واللفظ بأخواتها وذلك أن بعض العرب يقول : أنا إيجل وأنت تيجل ونحن نيجل فلو قالوا هو يوجل كانت الياء قد خالفت أخواتها . )
وهذا البيت من قصيدة مشهورة مشروحة في المفضليات وغيرها لمتمم ابن نويرة الصحابي رضي الله عنه يرثي بها أخاه مالك بن نويرة . وقبل هذا البيت ثمانية أبيات متصلة به وهي : ( تقول ابنة العمري مالك بعدما ** أراك حديثاً ناعم البال أفرعا ) ابنة العمري : زوجته . والحديث : القريب . والأفرع : الكثير شعر الرأس . تقول له : مالك اليوم فقلت لها : طول الأسى إذ سألتني ولوعة حزن تترك الوجه أسفعا الأسى : الحزن . والتاء من سألتني مكسورة . واللوعة : الحرقة . والسفعة بالضم : سواد يضرب إلى الحمرة . ( وفقد بني أم تداعوا فلم أكن ** خلافهم أن أستكين وأضرعا )
____________________

فقد : معطوف على طول الأسى . وتداعوا : تفرقوا ودعا بعضهم بعضاً . وخلافهم : بعدهم وخلفهم . يقول : لست وإن أصابني حزن بمستكين ولا خاضع فيشمت به الأعداء . ( ولكنني أمضي على ذاك مقدماً ** إذا بعض من يلقى الحروب تكعكعا ) التكعكع : التأخر عن الحرب من الجبن والتهيب . ( وغيرني ما غال قيساً ومالكاً ** وعمراً وجزءاً بالمشقر ألمعا ) غال : أهلك . وقيس وعمرو : رجلان من بني يربوع وجزء : هو بن سعد الرياحي وهؤلاء قتلهم الأسود بن المنذر يوم المشقر . ويعني بمالك أخاه . والمشقر بالشين المعجمة والقاف على زنة اسم المفعول : قصر بالبحرين وقيل : مدينة هجر . وقوله : ألمعا أي : ألمع بهم الموت ومعناه ذهب بهم وقال الكسائي : أراد معاً فزاد أل . ( وما غال ندماني يزيد وليتني ** تمليته بالأهل والمال أجمعا ) ( وإني وإن هازلتني قد أصابني ** من البث ما يبكي الحزين المفجعا ) يقول : نزل بي ما يغلب الصبر والتجلد حتى يحمل صاحبه على البكاء وأنا مع ذلك أتجلد . ( ولست إذا ما أحدث الدهر نكبة ** ورزءاً بزوار القرائب أخضعا ) يقول : إذا أصابتني مصيبة لم آت قرائبي خاضعاً لهم الحاجة مني إليهم ولكنني أصبر وأعف مع الفقر .
____________________


وبعده : قعيدك أن لا تسمعيني ملامة . . . . . . . . البيت )
ومتمم : هو ابن نويرة بن جمرة بالجيم ابن شداد ابن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم .
وكان متمم من الصحابة رضي الله عنهم . وأخوه مالك يقال له فارس ذي الخمار بكسر الخاء المعجمة وذو الخمار فرسه .
قال ابن السيد في شرح كامل المبرد : قولهم فتىً ولا كمالك هو مالك بن نويرة سيد بني يربوع قتله خالد بن الوليد .
ورأيت رسالة لأبي رياش أحمد بن أبي هاشم القيسي تتضمن قصة قتل خالد بن الوليد لمالك كان مالك بن نويرة قد أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتصدق وكان عريف ثعلبة بن يربوع فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وإبل الصدقة برحرحان وهو ماء دوين بطن نخل فجمع مالك جمعاً نحواً من ثلاثين فأغار عليها فاقتطع منها ثلاثمائة فلما قدم بلاد بني تميم لامه الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم وضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم وبلغ مالكاً أنهما يمشيان به في بني تميم فقال مالك يعتبهما ويدعو على ما بقي من إبل الصدقة : ( أراني الله بالنعم المندى ** ببرقة رحرحان وقد أراني ) ( أإن قرت عيون فاستفيئت ** غنائم قد يجود بها بناني )
____________________

( حويت جميعها بالسيف صلتاً ** ولم ترعد يداي ولا جناني ) ( تمشى يا ابن عوذة في تميم ** وصاحبك الأقيرع تلحياني ) ( ألم أك نار رابئة تلظى ** فتتقيا أذاي وترهباني ) ( فقل لابن المذب يغض طرفاً ** على قطع المذلة والهوان ) وعوذة : أم ضرار بن القعقاع وهي معاذة بنت ضرار بن عمرو الضبي . والمذبة : أم الأقرع بن حابس .
فلما قام أبو بكر وبلغه قول مالك بعث إليه خالد بن الوليد وأمره أن لا يأتي الناس إلا عند صلاة الغداة فمن سمع فيهم مؤذناً كف عنهم ومن لم يسمع فيهم مؤذناً استحلهم وعزم عليه ليقتلن مالكاً إن أخذه . فأقبل خالد بن الوليد حتى هبط جو البعوضة وبه بنو يربوع فبات عندهم ولا يخافونه فمر على بني رياح فوجد شيخاً منهم يقال له مسعود بن وضام يقول : ) ( وحجة أتبعها بحجة ** وهدية أهديتها للأبطح ) فمضى عن رياح حتى مر ببني غدانة وبني ثعلبة فلم يسمع فيهم مؤذناً فحمل عليهم فثار الناس ولا يدرون ما بيتهم فلما رأوا الفرسان والجيش قالوا : من أنتم قالوا : نحن المسلمون . قال مالك : ونحن المسلمون فلم ينته المسلمون لذلك ووضعوا فيهم السيف وقتلت غدانة أشد القتل وقتلت ثعلبة وأعجل مالك عن لبس السلاح وإن امرأته ليلى بنت سنان بن ربيعة بن حنظلة قامت دونه عريانة ودخل القبة وقامت دونه ولبس مالك أداته ثم خرج فنادى : يا آل عبيد .
فلم يجبه أحد غير بني بهآن فإنهم صدقوا معه يومئذٍ وطلعوا من جو البعوضة وبلغوا ذات المذاق
____________________

وهي أكمة بينها وبين الجو ميلان أو قدر ميل ونصف ففزعوا من القوم غير مالك وغير بقية من ولد حبشي بن عبيد بن ثعلبة وكان عدة من أصيب مع مالك خمسة وأربعين رجلاً من بني بهان .
ثم إن خالد بن الوليد قال : يا ابن نويرة هلم إلى الإسلام قال مالك : وتعطيني ماذا قال : ذمة الله وذمة رسوله وذمة أبي بكر وذمة خالد بن الوليد فأقبل مالك وأعطاه بيديه وعلى خالد تلك العزمة من أبي بكر . قال : يا مالك إني قاتلك . قال : لا تقتلني قال : لا أستطيع غير ذلك قال : فأت ما لا تستطيع إلا إياه . فقدمه إلى الناس فتهيبوا قتله وقال المهاجرون : أنقتل رجلاً مسلماً غير ضرار ابن الأزور الأسدي من بني كوز فإنه قام بقتله . فقال متمم بن نويرة يذكر غدره بمالك : ( نعم القتيل إذا الرياح تحدبت ** فوق الكنيف قتيلك بن الأزور ) ( أدعوته بالله ثم قتلته ** لو هو دعاك بذمة لم يغدر ) ( ولنعم حشو الدرع يوم لقائه ** ولنعم مأوى الطارق المتنور ) ( لا يلبس الفحشاء تحت ثيابه ** صعب مقادته عفيف المئزر ) فلما فرغ خالد منه أقبل المنهال بن عصمة الرياحي في ناس من بني رياح يدفنون قتلى بني ثعلبة وبني غدانة ومع المنهال بردان من يمنة . فكانوا إذا مروا على رجل يعرفونه قالوا : كفن هذا يا منهال فيهما فيقول : لا حتى أكفن فيهما الجفول مالكاً وهو الكثير الشعر وكان يلقب بذلك لكثرة شعره . وذلك في يوم شديد الريح فجعلوا لا يقدرون على ذلك . ثم رفعت الريح شعره ( لعمري وما دهري بتأبين مالك ** ولا جزع مما أصاب فأوجع )
____________________

) ( لقد كفن المنهال تحت ردائه ** فتىً غير مبطان العشيات أروعا ) ( ألم يأت أخبار المحل سراتنا ** فيغضب منها كل من كان موجعا ) المحل : رجل من بني ثعلبة مر بمالك مقتولاً فنعاه كأنه شامت فذمه متمم وأخذ خالد بن الوليد ليلى بنت سنان امرأة مالك وابنها جراد بن مالك فأقدمهما المدينة ودخلها وقد غرز سهمين في عمامته فكأن عمر غضب حين رأى السهمين فقام فأتى علياً فقال : إن في حق الله أن يقاد هذا بمالك قتل رجلاً مسلماً ثم نزا على امرأته كما ينزو الحمار . ثم قاما فأتيا طلحة فتتابعوا على ذلك . فقال أبو بكر : سيف سله الله لا أكون أول من أغمده أكل أمره إلى الله .
فلما قام عمر بالأمر وفد عليه متمم فاستعداه على خالد . فقال : لا أرد شيئاً صنعه أبو بكر .
فقال متمم : قد كنت تزعم أن لو كنت مكان أبي بكر أقدته به فقال عمر : لو كنت ذلك اليوم بمكاني اليوم لفعلت ولكني لا أرد شيئاً أمضاه أبو بكر ورد عليه ليلى وابنها جراد .
وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والثمانون : ( أيها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان )
____________________

على أن عمرك الله يستعمل في القسم السؤالي ويكون جوابه ما فيه الطلب وهو هنا جملة كيف يلتقيان فإن الاستفهام طلب الفهم وهو هنا تعجبي . خلافاً للجوهري في هذا فإنه زعم أن عمرك الله هنا في غير القسم .
وهذان البيتان من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة .
والمنكح : اسم فاعل من أنكحه أي : زوجه . واستقل ارتفع . والثريا هي بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر وهم العبلات .
وكانت الثريا وأختها عائشة أعتقتا الغريض المغني واسمه عبد الملك ويكنى أبا يزيد كذا قال المبرد في الكامل . قال ابن السيد في شرحه : والعبلات هم بنو أمية الأصغر بن عبد شمس وبنو عبد شمس : أمية وعبد أمية ونوفل أبناء عبد شمس نسبوا إلى أمهم عبلة بنت عبيد بن جادل بن قيس بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم . وهي من البراجم .
ورأيت في كتب اللهو لبن جرادبة أن كنيته أبو زيد وقال : هو من مولدي البربر يضرب العود أخذ الغناء عن ابن سريج ثم حسده فطرده وكان جميلاً وربته الثريا وعلمته النوح بالمراثي )
على من قتله يزيد بن معاوية يوم الحرة .
وقيل إن الثريا بنت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر .
وذكر الزبير بن بكار أنها الثريا بنت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث ابن أمية الأصغر وأنها أخت محمد بن عبد الله المعروف بأبي جراب العبلي الذي قتله داود بن علي كذا في الغرر والدرر للشريف .
وأما سهيل : فهو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري . وكنيته أبو الأبيض . وأمه بنت يزيد بن سلامة ذي فائش الحميري . تزوج الثريا ونقلها إلى
____________________

مصر . فقال عمر بن أبي ربيعة يضرب لها المثل بالكوكبين . فكان يشبب بها وقال فيها أشعاراً . وكانت تصيف في الطائف فكان عمر يغدو بفرسه كل غداة فيسائل الذين يحملون الفاكهة عن أخبارها فسأل بعضهم يوماً فقال : لا أعلم خبراً غير أني سمعت عند رحيلنا صوتاً وصياحاً على امرأة من قريش اسمها اسم نجم ذهب عني اسمه . قال عمر : الثريا قال : نعم وكان قد بلغه أنها عليلة فركض فرسه من أقرب الطريق حتى انتهى إليها وهي تشرف من ثنية فوجدها سليمة ومعها أختها فأخبرها الخبر فضحكت وقالت : أنا والله أمرتهم لأخبر ما عندك ولما تزوج عمر هجرته الثريا وغضبت عليه فقال : ( قال لي صاحبي ليعلم ما بي : ** أتحب القتول أخت الرباب ) ( قلت : وجدي بها كوجدك بالما ** ء إذا ما منعت برد الشراب ) ثم تزوجها سهيل المذكور وحملها إلى مصر وكان عمر غائباً فلما بلغه قال : الخفيف ( أيها الطارق الذي قد عناني ** بعد ما نام سامر الركبان ) ( زار من نازح بغير دليل ** يتخطى إلي حتى أتاني ) إلى أن قال : أيها المنكح الثريا سهيلا . . . . . البيتين وزعم بعضهم أن سهيلا هو ابن عبد العزيز بن مروان . والصحيح الأول . ثم
____________________

سار إلى المدينة وكتب إليها : ( كتبت إليك من بلدي ** كتاب مولهٍ كمد ) ( كثيب واكف العين ** ين بالحسرات منفرد ) ) ( يؤرقه لهيب الشو ** ق بين السحر والكبد ) ( فيمسك قلبه بيد ** ويمسح عينه بيد ) فلما قرأته بكت بكاء شديداً ثم تمثلت : الطويل ( بنفسي من لا يستقل بنفسه ** ومن هو إن لم يرحم الله ضائع ) وكتبت إليه تقول : ( فقرطاسه قوهية ورباطه ** بعقدٍ من الياقوت صافٍ وجوهر ) ( وفي صدره : مني إليك تحيةٌ ** لقد طال تهيامي بكم وتذكري ) ( وعنوانه : من مستهامٍ فؤاده ** إلى هائمٍ صب من الحزن مسعر ) روي أن الثريا وعدته ليلةً أن تزوره فجاءت في الوقت الذي وعدته فيه فصادفت أخاه الحارث بن ربيعة قد طرقه وأقام عنده ووجه به في حاجة ونام مكانه وغطى وجهه بثوبه فلم يشعر إلا وقد ألقت نفسها عليه تقبله فانتبه وجعل يقول : اغربي عني فلست بالفاسق أخزاكما الله فانصرفت . ورجع عمر فأخبره الحارث بذلك فاغتنم على ما فاته منها وقال : والله لا تمسك النار أبداً وقد ألقت نفسها عليك فقال : عليك وعليها لعنة الله .
____________________


وحكم له بين الثريا وسهيل تورية لطيفة فإن الثريا يحتمل المرأة المذكورة وهو المعنى البعيد المورى عنه وهو المراد ويحتمل ثريا السماء وهو المعنى القريب المورى به . وسهيل يحتمل الرجل المذكور وهو المعنى البعيد المورى عنه وهو المراد ويحتمل النجم المعروف بسهيل . فتمكن للشاعر أن ورى بالنجمين عن الشخصين ليبلغ من الإنكار على من جمع بينهما ما أراد . وهذه أحسن تورية وقعت في شعر المتقدمين .
وفي شرح بديعية العميان لابن جابر : لا يقال إن التورية في الثريا مرشحة بقوله شامية إذ ليست من لوازم المورى به ولا مبينة إذ ليست من لوازم المورى إذ المرأة شامية الدار والنجم أيضاً شامي فاشتركا في ذلك ولا يكون الترشيح والتبيين إلا بلازم خاصي . وكذلك التورية في سهيل لا يقال إنها مرشحة ولا مبينة بيمانٍ إذ هو صفة مشتركة بينهما لن سهيلاً الذي هو رجل يمان كسهيل الذي هو النجم . وسبب هذين : أن سهيلاً المذكور تزوج الثريا المذكورة وكان بينهما بون بعيد في الخلق : كانت الثريا مشهورة في زمانها بالحسن والجمال وكان سهيل قبيح المنظر وهذا مراده بقوله : عمرك الله كيف يلتقيان أي : كيف يلتقيان مع تفاوت ما بينهما في )
الحسن والقبح انتهى .
وعمر : هو عمر بن عبد الله سماه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في الجاهلية يسمى بحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة ابن أبي ربيعة واسمه حذيفة وكان يلقب بذي الرمحين ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي .
ويكنى عمر أبا الخطاب . وأبو جهل بن هشام بن المغيرة ابن عم أبيه . وأم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هشام بن المغيرة بنت عم أبيه . وإخوته عبد الله
____________________

وعبد الرحمن والحارث بنو عبد الله .
وكان عبد الرحمن أخوه تزوج أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق بعد طلحة وولدت له . وأعقب ولم يكن في قريش أشعر من عمر . وهو كثير الغزل والنوادر والمجون يقال : من أراد رقة الغزل فعليه بشعر عمر بن أبي ربيعة .
ولد ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وهي الليلة التي مات فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسمي باسمه .
قال ابن قتيبة : كان عمر فاسقاً يتعرض لنساء الحاج ويشبب بهن . فنفاه عمر بن عبد العزيز إلى دهلك . ثم غزا في البحر فأحرقت السفينة التي كان فيها فاحترق هو ومن كان معه .
وفي الأغاني بسنده أنه نظر في الطواف امرأةً شريفة فكلمها فلم تجبه فقال : ( الريح تسحب أذيالاً وتنشرها ** يا ليتني كنت ممن تسحب الريح ) في أبيات . فلما بلغتها جزعت جزعاً شديداً . فقيل لها : اذكريه لزوجك واشكيه . قالت : والله ما أشكوه إلا لله اللهم إن كان نوه باسمي ظالماً فاجعله طعاماً للريح .
فعدا يوماً على فرس فهبت ريح فنزل فاستتر بشجرة فعصفت الريح فخدشه غصن منها فمات على ذلك .
وكان ذلك سنة ثلاث وتسعين وقد قارب السبعين أو جاوزها . وقيل عاش ثمانين سنة .
وترجمته في الأغاني طويلة .
____________________


فإنما هي إقبال وإدبار تقدم شرحه في الشاهد السبعين في باب المبتدأ .
وأنشد بعده وهو )
الشاهد الثامن والثمانون وهو من شواهد سيبويه : الكامل ( عجب لتلك قضية وإقامتي ** فيكم على تلك القضية أعجب ) على أنهم يرفعون بعض المصادر المنصوبة بعد حذف عاملها لزيادة المبالغة في الدوام . بين الشارح وجه رفعه على الخيرية .
وكذلك أورده سيبويه بأنه على إضمارٍ مبتدأ أي : أمري عجب . وقال الأعلم وتبعه بن خلف : يجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء وإن كان نكرة لوقوعه موقع المنصوب ويتضمن من الوقوع موقع الفعل ما يتضمن المنصوب فيستغنى عن الخبر لأنه كالفعل والفاعل فكأنه قال : أعجب لتلك القضية . أو خبره لتلك .
وهذا هو المعهود في المصادر المنصوبة : إذا رفعت جعلت مبتدأ وجعل متعلقها خبراً مثل الحمد لله والسلام عليك لتكون في معنى الأصل أعني الجملة الفعلية لا تزيد عليها إلا بالدلالة على الثبات وقد يجعل غير متعلقها خبراً كقوله تعالى : فصبرٌ جميلٌ أي : أحسن من غيره .
وقضية منصوب على التمييز للنوع الذي أشار إليه بتلك ويجوز أن يكون منصوباً على الحال قال أبو علي : كأنه قال :
____________________

اعجبوا لتلك الفعلة قضية . وقضية هنا بمعنى مقضية . وروى : عجباً بالنصب على أنه مصدر نائب عن أعجب .
واعلم أن الشارح المحقق حقق هنا أن المصدر المنصوب بعد حذف عامله يفيد الدوام وإذا رفع وجعل خبراً أفاد زيادة وهي المبالغة في الدوام .
وهذا مناقض لكلامه في باب المبتدأ في سلامٌ عليك من أن النصب بعد حذف الفعل يدل على الحدوث فعدل إلى الرفع للدلالة على الدوام قال الدماميني في شرح التسهيل : الحق ما قاله الرضي في باب المفعول المطلق بخلاف ما قاله في المبتدأ فإنه غير مرضي .
أقول : لو عكس القضية لكان أظهر فإنه مع النصب الصريح كيف يفيد الدوام مع أن الجملة فعلية والتزام الحذف لا ينافيه كما في الظرفية الواقعة خبراً إذا قدر المتعلق فعلاً مع أن الجملة إسمية ومع هذا فلم يجعلوها للدوام الثبوتي فإن ادعى أن العامل مضارع أو اسم فاعل وأن كلاً منهما محمول على الاستمرار التجددي لا الدوامي ورد عليه أن هذا يحصل مع الذكر )
فتخصيص الحذف به مما لا داعية إليه مع أن هذا ليس مراداً له بل مراده حصول الاستمرار الثبوتي مع النصب . وكلام الشارح هنا مخالف لكلام علماء المعاني قال السيد في شرح المفتاح : إن الاسم كعالم مثلاً يدل على ثبوت العلم لمن حكم به عليه وليس فيه تعرض لاقترانه بزمانٍ وحدوثه فيه ولا لدوامه . نعم لما كان اسم الفاعل جارياً على الفعل جاز أن يقصد به الحدوث بمعونة القرائن كما في ضائق ويجوز أن يقصد به الدوام أيضاً في مقام المدح والمبالغة وكذا حكم اسم المفعول وأما الصفة المشبهة فلا يقصد بها إلا مجرد الثبوت وضعاً أو الدوام باقتضاء المقام .
والجملة الاسمية إذا كان خبرها اسماً فقد يقصد بها الدوام والاستمرار الثبوتي بمعونة القرائن وإذا كان خبرها مضارعاً فقد يفيد استمراراً تجددياً وهذه الإفادة أيضاً بمعونة القرائن كما في : الله يستهزئ بهم لكن هذا الاستمرار التجددي مستفاد من المضارع في الحقيقة وفائدة الجملة الإسمية ها هنا تقوي الحكم فليس كل جملة إسمية مفيدة للدوام فإن قولك : زيد قام يفيد تجدد القيام .
____________________


فقول الشارح هنا إنما وجب حذف الفعل لأن المقصود من مثل هذا الحصر أو التكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه ولزومه له ووضع الفعل على الحدوث والتجدد مشكلٌ لأنه هنا جملة إسمية خبرها فعل مضارع أو اسم فاعل دل على الحدوث لعمله فهي للاستمرار التجددي لا الدوامي وحينئذٍ لا فرق بين ذكر العامل وحذفه لأن التقدير : ما زيد إلا يسير سيراً وزيد يسير سيراً فكيف جعل الغرض من هذا الحصر أو التكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه ولزومه له مع أن الجملة اسمية خبرها مضارع فإن أجيب : بأن الجملة إنما أفادت مع الحصر أو التكرير الدوام الثبوتي للزوم حذف العامل ورد عليه الجملة الاسمية التي خبرها ظرفية إذا قدر المتعلق فيها فعلاً فإنها لا تفيد الدوام الثبوتي مع لزوم حذف العامل .
فإن أجيب : بأن الدال على الدوام الثبوتي إنما هو الحصر أو التكرير لا الجملة الإسمية التي قدر خبرها فعلاً كما يدل عليه قوله بعد ذلك لم يكن فيه معنى الحصر المفيد للدوام ورد عليه أن كلامهم مطلق لم يقيد بهذا القيد .
وقول الشارح : وإن كان يستعمل المضارع في بعض المواضع للدوام لا يخلو عن بحث فإن ظاهره )
أن الدوام الذي يفيده المضارع ثبوتي لا تجددي إلا أن يقال : مراده مطلق الدوام وإن كان مختلفاً وهذا لا يناسب أول كلامه . وقوله : وذلك لمشابهته لاسم الفاعل إن حمل اسم الفاعل على العامل فدوامه تجددي لا ثبوتي وإن حمل على غير العامل فهو يفيد الاستمرار الدوامي لا التجددي بالقرينة والحمل عليه لا يناسب لأن المضارع لا يفيد ذلك بل يفيد الاستمرار التجددي .
وقوله : فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم لم يستعمل العامل أصلاً يريد أنه قد علم أن الدال للدوام عنده هو الحصر أو التكرير فالتزم حذف ما دلالته تنافي ذلك وهو العامل لأنه : إما فعل وهو موضوع للتجدد واستعماله في الدوام إذا كان مضارعاً ليس وضيعاً بل بالقرائن فنظرنا إلى أصل الوضع والتزمنا حذفه وفيه أن المحذوف كالثابت كما يدل عليه كلامهم في متعلق الظرف الواقع خبراً إذا قدر بالفعل .
وقوله : أو اسم فاعل وهو مع العمل كالفعل أي : للتجدد فلا يفيد الاستمرار وضعاً وإن استعمل فيه بمعونة القرائن وفيه أيضاً أن المحذوف كالثابت
____________________

وعمله إنما ينافي حمله على الاستمرار الثبوتي إذا كان عاملاً في المفعول به أما عمله في الظرف أو في المفعول المطلق كما هنا فلا ينافي إفادته للدوام الثبوتي وأما إذا عمل في المفعول به فإنه يفيد الاستمرار التجددي .
وبيت الشاهد من أبيات سبعة أولها : ( ياجند أخبرني ولست بمخبري ** وأخوك ناصحك الذي لا يكذب ) ( هل في القضية أن إذا استغنيتم ** وأمنتم فأنا البعيد الأجنب ) ( وإذا تكون كريهة أدعى لها ** وإذا يحاس الحيس يدعى جندب ) ( ولجنب سهل البلاد وعذبها ** ولي الملاح وخبتهن المجدب ) عجب لتلك قضية وإقامتي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( هذا وجدكم الصغار بعينه ** لا أم لي إن كان ذاك ولا أب ) وهذا الشعر لضمرة بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم شاعر جاهلي . ويقال : إن ضمرة كان اسمه شقة فسماه النعمان ضمرة بن ضمرة . وكان يبر أمه ويخدمها وكانت مع ذلك تؤثر أخاً له يقال له جندب فقال هذا الشعر . هكذا رواه ابن هشام اللخمي في شرح أبيات الجمل . ورواه بعضهم : يا ضمر أخبرني وقال : إن قائله ضمرة . وهو خطأ . ونسبه أبو رياش )
لهمام بن مرة أخي جساس بن مرة قاتل كليب . وزعم ابن الأعرابي : أنه قيل قبل الإسلام بخمسمائة سنة . وفي شرح أبيات سيبويه : أنه لبعض مذحج وقال السيرافي : هو لزراقة الباهلي .
____________________


وقال الآمدي في المؤتلف والمختلف : هو لهني بن أحمر من بني الحارث ابن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة جاهلي . وأنشدوا له : يا ضمر أخبرني .
وهني : مصغر هن وأصله هنيو فأبدلت الواو ياء وأدغمت في الياء لسبقها بالسكون .
ورواه أبو محمد الأعرابي عن أبي الندي : أنه لعمرو بن الغوث بن طيئ وأنشدوا له : قال : أكتبنا أبو الندى قال : بينا طيئ جالس ذات يوم مع ولده بالجبلين : أجأ وسلمى إذ أقبل رجلٌ من بقايا جديس ممتد الخلق كاد يسد الأفق طولا ويفرعهم باعا وإذا هو الأسود بن عفار الجديسي وكان نجا من حسان تبع يوم اليمامة فلحق بالجبلين فقال لطيئ : من أدخلكم بلادي وأورثكم عن آبائي اخرجوا عنها وإلا اضربوا بيننا وبينكم وقتاً نقتتل فيه فأينا غلب استحق البلد فاتعدا لوقتٍ فقال طيئ لجندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ وأمه جديلة بنت سبيع بن عمرو من حمير وبها يعرفون وهم جديلة طيء وكان طيئ لها مؤثراً فقال لجندب : قاتل عن مكرمتك . فقالت أمه آلله لتتركن بنيك ولتعرضن ابني للقتل فقال طيئ : ويحك إنما خصصته بذلك . فأبت . فقال طيئ لعمرو بن الغوث بن طيئ : عليك يا عمرو الرجل فقاتله .
قال عمرو : لا أفعل . وقال هذه الأبيات وهو أول من قال الشعر في طيئ بعد طيئ . فقال طيئ : يابني إنها أكرم دارٍ في العرب . فقال عمرو : لن أفعل إلا على شرط أن لا يكون لبني جديلة في
____________________

الجبلين نصيب . فقال له طيئ : لك شرطك . فأقبل الأسود بن عفار ومعه قوس من حديد ونشاب من حديد فقال : يا عمرو إن شئت صارعتك وإن شئت ناضلتك . وإلا سايفتك .
فقال عمرو : الصراع أحب إلي فاكسر قوسك لأكسرها أيضاً ونصطرع .
وكانت مع عمرو بن الغوث قوسٌ موصولة بزرافين إذا شاء شدها وإذا شاء خلعها فأهوى بها عمرو فانفتحت الزرافين واعترض الأسود بقوسه ونشابه فكسرها فلما رأى عمرو ذلك أخذ قوسه فركبها وأوترها وناداه : يا أسود استعن بقوسك فالرمي أحب إلي . فقال الأسود : خدعتني . فقال عمرو : الحرب خدعة فصارت مثلاً . فرماه عمرو ففلق قلبه وخلص الجبلان لطيئ فنزلهما بنو الغوث ونزلت جديلة السهل منهما .
وروى أمن السوية أي : من العدل . والأجنب بالجيم والنون : الغريب والبعيد وروى الأخيب )
أي : الخائب . وأشجتكم من الشجى وهو الحزن وفعله في باب تعب وأشجاه أحزنه . والحيس بفتح المهملة : لبن وأقط وسمن وتمر يصنع منه طعام . والملاح بكسر الميم : جمع مليح يقال قليب مليح أي : ماؤه ملح . والخبت بفتح المعجمة وسكون الموحدة : المطمئن من الأرض فيه رمل .
والمجدب اسم فاعل من الجدب بفتح الجيم وسكون المهملة : نقيض الخصب بكسر المعجمة .
وقوله : هذا وجدكم الصغار بعينه . . . . البيت
____________________

هو من شواهد س وغيره . والشاهد فيه رفع الاسم الثاني مع فتح الأول . وذلك إما على إلغاء الثانية ورفع تاليها بالعطف على محل الأولى مع اسمها وعلى هذا فخبرهما واحد وإما على تقدير لا الثانية معتداً بها عاملةً عمل ليس فيكون لكل من الأولى والثانية خبر يخصها لأن خبر الأولى مرفوع وخبر الثانية منصوب . وهذا مبتدأ وخبره الصغار بفتح الصاد بمعنى الذل . وقوله وجدكم جملة قسمية معترضة بين المبتدا والخبر .
قال اللخمي : والجد هنا : أبو الأب : والجد أيضاً : البخت والسعد والعظمة . ويروى : هذا لعمركم .
وقوله بعينه : تأكيد للصغار وزيدت الباء كما يقال جاء زيد بعينه وقيل : حال مؤكدة أي : هذا الصغار حقاً .
وقال اللخمي : وبعينه حال من الصغار والعامل فيه ما في ها من معنى التنبيه أو ما في ذا من معنى الإشارة . وذاك : فاعل كان إذ هي تامة ويجوز أن تكون ناقصة وخبرها محذوف أي : إن كان ذاك مريضاً ولابد على الوجه الأول من حذف مضاف أي : إن كان رضاء ذاك ليصح المعنى لأنه إنما اشترط أنه لا يرضى بذلك الخسف الذي يطلب منه وجملة الشرط معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه وسد ما قبل الشرط مسد الجواب أي : إن كان ذلك انتفيت من أمي وأبي . والمشار إليه باسم الإشارة في الموضعين الفعل الذي فعلوه به .
وأنشد بعده وهو
الشاهد التاسع والثمانون فيها ازدهاف أيما ازدهاف على انه نصب أيما على المصدر أو الحال مع أنه لم يذكر صاحب الاسم ولا الموصوف وهو في غاية الضعف والوجه الإتباع في مثله وهو رفعه صفة لازدهاف لكنه حمله على المعنى لأنه إذ قال فيها ازدهاف فكأنه قال : تزدهف أيما ازدهاف .
____________________


قال سيبويه : فإن قلت : له صوت أيما صوت أو مثل صوت الحمار أو له صوتٌ صوتاً حسناً جاز زعم ذلك الخليل . ويقوي ذلك أن يونس وعيسى زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصبا .
وزعم الجرمي أن نصبه على إضمار تزدهف قال : ولا يجوز نصبه بازدهاف لأن المصدر لا يعمل في المصدر . وهذا البيت من أرجوزة طويلة تزيد على ثمانين بيتاً لرؤية ابن العجاج يعاتب بها أباه منها : ( إنك لم تنصف أبا الجحاف ** وكان يرضى منك بالإنصاف ) ( وهو عليك واسع العطاف ** غاديك بالنفع وأنت جافي ) ( عنه ولا يخفى الذي تجافي ** كيف تلومه على الإلطاف ) ( وأنت لو ملكت بالإتلاف ** شبت له شوباً من الذعاف ) ( والدهر إن الدهر ذو ازدلاف ** بالمرء ذو عطفٍ وذو انصراف ) إلى أن قال : وإن تشكيت من الإسخاف لم أر عطفاً من أب عطاف ( فليت حظي من جداك الضافي ** والنفع أن تتركني كفاف ) ( ليست قوى حبلي بالضعاف ** لولا توقي على الإشراف ) ( أقحمني في النفنف النفناف ** في مثل مهوى هوة الوصاف ) ( قولك أقوالاً مع التحلاف ** فيه ازدهاف أيما ازدهاف ) والله بين القلب والأضعاف أبو الجحاف بفتح الجيم وتشديد الحاء المهملة : كنية رؤبة . والعطاف بكسر العين : الرداء مأخوذ من العطف وهو الميل والمحبة . وغاديك : من الغدوة وهو من أول النهار إلى الزوال يقال )
غدا عليه غدواً وغدواً بالضم : إذا بكر وغاداه : باكره . والجفو : الارتفاع والتباعد ونقيض الوصل . والإلطاف
____________________

بكسر الهمزة : السير يقال ألطفه بكذا أي : بره . وملكت بالبناء للمفعول وتشديد اللام . والشوب : الخلط والمزج . والذعاف بضم الذال المعجمة : السم وقيل سم ساعةٍ . والقراف بكسر القاف : المقاربة . وضمير هو للإتلاف أي : إتلافي مقرب للأعداء إليك .
والازدلاف : الاقتراب في الحديث ازدلفوا إلى الله بركعتين أي : تقربوا وأصل الزلفة المنزلة والحظوة .
وقوله بالمرء متعلق بالازدلاف والعطف : الإقبال . والانصراف : الإدبار . والإسخاف بكسر الهمزة وبعد السين المهملة خاء معجمة : رقة العيش . وسخفة الجوع بالفتح : رقته وهزاله والعطف : الشفقة والعطاف مبالغة عاطف والجدى بفتح الجيم والقصر : الجدوى وهما العطية والضافي بالمعجمة : الكثير من ضفا المال : إذا كثر أو بمعنى السابغ يقال ثوب ضاف من ضفا الشيء يضفو ضفواً .
وقوله : والنفع بالجر عطفاً على جداك وروى بدله والفضل .
وقوله : أن تتركني كفاف خبر ليست . أورده ابن هشام في المغني على أن فعال بناؤه على الكسر مشهور في المعارف كحذام لشبهه بنزال وقد جاء في غير المعارف ومنه هذا والأصل كافا فهو حال أو ترك كفاف فمصدر .
وقول الصاغاتي في العباب : كفاف في هذا البيت هو من قولهم دعني كفاف أي : كف عني وأكف عنك أي : ننجو رأساً برأس وعليه فهو اسم فعل قد جاء على بابه . والقوى جمع قوة وهي إحدى طاقات الحبل . والضعاف : جمع ضعيف . والتوقي : التخوف وأصله جعل النفس في وقاية مما يخاف . والوقاية : فرط الصيانة وقيل حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره . والإشراف بكسر الهمزة : النفقة كذا في العباب أي : أني جلد غير عاجز عن الاكتساب لولا أني ملازم على خدمتك وحالف على تعظيمك . وأقحمني : أدخلني يقال قحم فلان بنفسه في كذا : إذا دخل فيه من روية وفاعله هو قولك الآتي .
____________________

والنفنف : بنونين كجعفر : المهوى بين جبلين وصقع الجبل الذي كأنه جدار مبني مستوٍ والنفناف بمعناه جعل وصفاً له بمعنى الصعب والشديد .
وقوله في مثل مهوى بدل من قوله في النفنف . والمهوى ومثله المهواة بمعنى المسقط : اسم مكان من هوى بالفتح يهوي بالكسر هوياً بضم الهاء وكسر الواو وتشديد الياء ويقال لما بين الجبلين )
ونحوه أيضاً مهوى والهوة بضم الهاء وتشديد الواو : الوهدة العميقة . والوصاف بفتح الواو وتشديد الصاد المهملة : رجل من سادات العرب اسمه مالك بن عامر بن كعب بن سعد بن ضبيعة بن عجل بن لجيم وسمي الوصاف لحديث له قال أبو محمد الأعرابي : هوة الوصاف في شعر رؤبة . دحل بالحزن لبني الوصاف من بني عجل وهوة الوصاف مثل في العرب يستعملونه في الدعاء على الإنسان يقال كبه الله في هوة ابن الوصاف : وقولك فاعل أقحمني . وأقوالا : جمع قول بمعنى المقول . والتحلاف بفتح التاء : مصدر بمعنى الحلف يقول : إن أقوالك الكاذبة المؤكدة بالأيمان الباطلة غرتني حتى أوقعتني بالشدائد والمهالك . وقوله : فيه أي في قولك أو في في العباب : وازدهفه : استخفه وفيه ازدهاف أي : استعجال وتقحم زاد في القاموس : وتزيد في الكلام يريد أن كلامه يستخف العقول . وأي هذه الدالة على معنى الكمال وإذا وقعت بعد النكرة كانت صفة لها وبعد المعرفة كانت حالاً منها لكنها نصبت هنا على المصدرية ويجوز رفعها على الوصفية وما زائدة . والله مبتدأ والظرف خبره . والأضعاف أعضاء الجسد جمع ضعف بالكسر أي : إن الله عالم بما في الضمائر ولا يخفى عليه ما تضمره لي .
والسبب في عتاب رؤبة أباه : ما رواه الأصمعي قال : قال رؤبة : خرجت مع أبي نريد سليمان بن عبد الملك فلما سرنا بعض الطريق قال لي : أبوك راجز
____________________

وأنت مفحم . قلت : أفأقول قال : نعم . فقلت أرجوزة . فلما سمعها قال لي : اسكت فض الله فاك .
فلما وصلنا إلى سليمان أنشده أرجوزتي فأمر له بعشرة آلاف درهم فلما خرجنا من عنده قلت له : أتسكتني وتنشده أرجوزتي فقال : اسكت ويلك فإنك أرجز الناس . فالتمست منه أن يعطيني نصيباً مما أخذه بشعري فأبى فنابذته فقال : ( لطالما أجرى أبو الجحاف ** لهيئة بعيدة الأطراف ) ( يأتي على الأهلين والألاف ** سرهفته ما شئت من سرهاف ) ( حتى إذا ما آض ذا أعراف ** كالكودن المشدود بالإكاف ) فأجبته بهذه الأرجوزة .
وفي كتاب مناقب الشبان وتقديمهم على ذوي الأسنان كان رؤبة يرعى إبل أبيه حتى بلغ وهو لا يقرض الشعر فتزوج أبوه امرأة تسمى عقرب فعادت رؤبة وكانت تقسم إبله على أولادها الصغار فقال رؤبة : ما هم بأحق مني لها إني لأقاتل عنها السنين وأنتجع بها الغيث . فقالت )
عقرب للعجاج أسمع هذا وأنت حي فكيف بنا بعدك فخرج فزبرة وصاح به وقال له : اتبع إبلك ثم قال : الرجز ( لطالما أجرى أبو الجحاف ** في فرقة طويلة التجافي )
____________________

( لما رآني أرعشت أطرافي ** استعجل الدهر وفيه كافي ) يخترم الإلف مع الألاف في أبيات . فأنشده رؤبة يجيبه : الرجز ( إنك لم تنصف أبا الجحاف ** وكان يرضى منك بالإنصاف ) وهو عليك دائم التعطاف هكذا روى هذين الوجهين السيوطي في شرح شواهد المغني .
وقوله : لطالما أجرى أبو الجحاف أجرى : أرسل جرياً بفتح الجيم وتشديد الياء وهو الرسول والأجير والوكيل ومفعوله محذوف أي أجراني يقول طالما استخدمني في صغره . والهيئة : التهيؤ يقال هاء للأمر يهاء ويهيء : إذا أخذ له هيئته كتهيأ له وهيأه تهيئة : أصلحه . والألاف بضم الهمزة وتشديد اللام : جمع ألف كعمال جمع عامل . والسرهفة : نعمة الغذاء بفتح النون يقال سرهفت الصبي وسرعفته : إذا أحسنت غذاءه والسرهاف بالكسر .
وروى : سرعفته ما شئت من سرعاف وآض بمعنى صار . والأعراف : جمع عرف الفرس . والكودن : الفرس الهجين والبرذون والبغل .
والإكاف : البرذعة . وهذه صفات ذم له يريد أنه رباه حتى صار رجلاً ذا لحية . وصراف : اسم فعل أمر بمعنى اصرف .
وقوله في الوجه الثاني : استعجل الدهر وفيه كافي كقول الآخر : تعين علي الدهر والدهر مكتف
____________________

وقول كسرى : إذا أدبر الدهر عن قوم كفى عدوهم .
وأنشد بعده وهو )
الشاهد التسعون وهو من شواهد سيبويه : الكامل ( إني لأمنحك الصدود وإنني ** قسماً إليك مع الصدود لأميل ) على أن قسماً تأكيد للحاصل من الكلام السابق بسبب إن واللام يعني أن قسماً تأكيدٌ لما في قوله : وإنني مع الصدود لأميل إليك : من معنى القسم لما فيه من التحقيق والتأكيد من إن ولام التأكيد فلما كان في الجملة منهما تحقيق والقسم أيضاً تحقيق صار كأنه قال : أقسم قسماً .
وقال ابن خلف : الشاهد فيه أنه جعل قسماً تأكيداً لقوله : وإنني إليك لأميل وقوله وإنني إليك لأميل جواب قسم فجعل قسماً تأكيداً لما هو قسم .
وروى أبو الحسن : أصبحت أمنحك كأنه قال : أصبحت أمنحك الصدود ووالله إني إليك لأميل . وهم يحذفون اليمين وهم يريدونها ويبقون جوابها .
وفيه نظر من وجهين : الأول أن الجملة ليست جواب قسم محذوف . والثاني : أن المؤكد لا يحذف .
وجعل ابن السراج في الأصول التوكيد من جهة الاعتراض فقال : قوله قسماً اعتراض وجملة هذا الذي يجيء معترضاً إنما يكون تأكيد للشيء أو لدفعه لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده .
وقال ابن جني في إعراب الحماسة : انتصاب قسمٍ لا يخلو أن يكون بما
____________________

تقدم من قوله إني لأمنحك الصدود أو من جملة إنني إليك لأميل . ولا يجوز الأول من حيث كان في ذلك الحكم لجواز الفصل بين اسم إن وخبرها بمعمول جملة أخرى أجنبي عنها فثبت بذلك أنه من الجملة الثانية وأنه منصوب بفعل محذوف دل عليه قوله : وإنني إليك لأميل أي : أقسم قسماً وأضمر هذا الفعل وإنما سبق الجزء الأول من الجملة الثانية وهو اسم إن وهذا واضح .
وهذا البيت من قصيدة للأحوص الأنصاري يمدح بها عمر بن عبد العزيز الأموي . وأولها : ( يا بيت عاتكة الذي أتعزل ** حذر العدا وبه الفؤاد موكل ) إني لأمنحك الصدود وإنني . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( ولقد نزلت من الفؤاد بمنزل ** ما كان غيرك والأمانة ينزل ) ( ولقد شكوت إليك بعض صبابتي ** ولما كتمت من الصبابة أطول ) ) ( هل عيشنا بك في زمانك راجع ** فلقد تفحش بعدك المتعلل ) ( فصددت عنك وما صددت لبغضة ** أخشى مقالة كاشح لا يغفل ) ( ولئن صددت لأنت لولا رقبتي ** أشهى من اللائي أزور وأدخل ) ( وتجنبي بيت الحبيب أحبه ** أرضي البغيض به حديث معضل ) وقال في آخرها يخاطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله : ( وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ** مذق الحديث يقول ما لا يفعل ) ( وأرى المدينة حين كنت أميرها ** أمن البريء بها ونام الأعزل ) وهذا آخر القصيدة . وعاتكة هي بنت يزيد بن معاوية وكانت ممن يشبب بها من النساء .
____________________


وقوله : أتعزل بالعين المهملة أي : أتجنبه وأكون عنه بمعزل . وقوله : وبه الفؤاد موكل من وكلته بأمر كذا : فوضته إليه . وقوله : إني لأمنحك الصدود . . . إلخ يريد أنه يظهر هجر هذا البيت ومن فيه وهو محب لهم خوفاً من أعدائه . والواو في قوله : والأمانة واو القسم . وتفحش : من فحش الشيء فحشا مثل قبح قبحاً وزنا ومعنى . والمتعلل اسم مفعول من تعلل بالشيء : إذا تلهى به وعلله بالشيء إذا ألهاه به كما يعلل الصبي بشيء من الطعام عن اللبن يقال فلان يعلل نفسه بتعلة . وجملة قوله : أخشى مقالة كاشح استئناف بياني . ويغفل من باب نصر ينصر .
وقوله : ولو أن ما عالجت . . . إلخ ضمير فؤاده عائد للكاشح وهذا البيت من أبيات مغني اللبيب وهو بنقل فتحة الألف إلى واو لو وما : موصوله اسم أن وعالجت صلة والعائد محذوف أي : به وجملة استلين بالبناء للمفعول خبر لأن والجندل نائب الفاعل وللان جواب لو وفاعله ضمير الجندل وقسا : عطف على الصلة بالفاء وهو خال عن الربط لأن ضميره عائد إلى الفؤاد ولما كان في الفاء معنى السببية اكتفى من الجملتين بضمير واحد وهو المجرور المحذوف وحذفت به الأولى من الصلة اكتفاء ب به الثانية وهو محل الشاهد في المغني .
وقوله : لولا رقبتي هو بكسر الراء اسم من المراقبة بمعنى الخوف .
والبيت الأول قد عرض به بعض المدنيين لأبي جعفر المنصور قال المدايني : لما حج المنصور قال للربيع : أبغني فتىً من أهل المدينة أديباً ظريفاً عالماً بقديم ديارها ورسوم آثارها فقد بعد عهدي بديار قومي وأريد الوقوف عليها . فالتمس له الربيع فتى أعلم الناس بالمدينة وأفهمهم بظريف الأخبار وشريف الأشعار فعجب به
____________________

المنصور وكان يسايره أحسن مسايرة ويحاضره )
أزين محاضرة ولا يبتدئه بخطاب إلا على وجه الجواب فإذا سأله أتى بأوضح دلالة وأفصح مقالة . فأعجب به المنصور غاية الإعجاب وقال للربيع : ادفع إليه عشرة آلاف درهم وكان الفتى مملقاً مضطراً فتشاغل الربيع عن القضاء واضطرته الحاجة إلى الاقتضاء وقيل قال له الربيع : لا بد من معاودته وإن أحببت دفعت إليك سلفاً من عندي حتى أعاوده فيما أمر لك .
فأبقى ذلك حتى إذا كان في بعض الليالي قال عند منصرفه مبتدئاً : وهذه الدار يا أمير المؤمنين يا بيت عاتكة الذي أتعزل ثم سكت فأنكر المنصور هذا من حاله وفكر فيأمره فعرض الشعر على نفسه فإذا فيه . ( وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ** مذق الحديث يقول ما لا يفعل ) فقال للربيع : أدفعت للرجل ما أمرنا له به قال : لا يا أمير المؤمنين . قال : فليدفع إليه مضاعفاً .
وهذا أحسن إفهام من الفتى وأحسن فهم من المنصور . ولم يسمع في التعريض بألطف منه .
ولقول الأحوص سبب ذكره عبد الله بن عبيدة بن عمار بن ياسر قال : خرجت أنا والأحوص بن محمد مع عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الحج فلما كنا بقديد قلنا لعبد الله بن الحسن : لو أرسلت إلى سليمان بن أبي دباكل الخزاعي فأتشدنا نمن رقيق شعره فأرسل إليه . فأنشدنا قصيدة له يقول فيها : ( يا بيت خنساء الذي أتجنب ** ذهب الزمان وحبها لا يذهب ) ( أصبحت أمنحك الصدود وإنني ** قسماً إليك مع الصدود لأجنب )
____________________

( مالي أحن إلى جمالك قربت ** وأصد عنك وأنت مني أقرب ) ( لله درك هل لديك معول ** لمتيم أم هل لودك مطلب ) ( فلقد رأيتك قبل ذاك وإنني ** لموكل بهواك لو يتجنب ) ( تبكي الحمامة شجوها فيهيجني ** ويروح عازب همي المتأوب ) ( وتهب سارية الرياح من أرضكم ** فأرى البلاد بها تطل وتجنب ) ( وأرى السمية باسمكم فيزيدني ** شوقاً إليك سميك المتغرب ) ( وأرى الصديق يودكم فأوده ** إن كان ينسب منك أو يتنسب ) ( وأخالق الواشين فيك تجملاً ** وهم علي ذوو ضغائن دؤب ) ( ثم اتخذتهم علي وليجةً ** حتى غضبت ومثل ذاك يغضب ) )
فلما كان من قابل حج أبو بكر بن عبد العزيز فلما مر بالمدينة دخل عليه الأحوص بن محمد فاستصحبه ففعل .
فلما خرج الأحوص قال له بعض من عنده : ما تريد بنفسك تقدم الشام بالأحوص وفيها من ينفسك من بني أبيك وهو من السفه على ما علمت فلما رجع أبو بكر من الحج دخل عليه الأحوص متنجزاً ما وعده من الصحبة . فدعا له بمائة دينار وأثواب وقال : يا خال إني نظرت فيما ضمنت لك من الصحابة فكرهت أن أهجم بك على أمير المؤمنين . فقال الأحوص : لا حاجة لي بعطيتك ولكني سبعت عندك .
ثم خرج فأرسل عمر بن عبد العزيز إلى الأحوص وهو أمير المدينة فلما دخل عليه أعطاه مائة دينار وكساه ثياباً ثم قال : يا خال هب لي عرض أخي . قال :
____________________

هو لك ثم خرج الأحوص وهو يقول في عروض قصيدة سليمان المذكورة يمدح عمر بن عبد العزيز : ( يا بيت عاتكة الذي أتعزل ** حذر العدا وبه الفؤاد موكل ) حتى انتهى إلى قوله : ( فسموت عن أخلاقهم فتركتهم ** لنداك إن الحازم المتوكل ) ( ووعدتني في حاجتي فصدقتني ** ووفيت إذ كذبوا الحديث وبدلواد ) ( ولقد بدأت أريد ود معاشر ** وعدوا مواعد أخلفت إذ حصلوا ) ( حتى إذا ما صنعوا إليك برحلة ** عجلى وعندك منهم المتحول ) ( وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ** مذق الحديث يقول ما لا يفعل ) فقال له عمر بن عبد العزيز : ما أراك أعفيتني مما استعفيتك والأحوص وإن أغار على قصيدة سليمان فقد أربى عليه في الإحسان وكان كما قال ابن المرزبان وقد أنشد لابن المعتز قصيدته في مناقضة ابن طباطبا العلوي التي أولها : ( دعوا الأسد تكنس غاباتها ** ولا تدخلوا بين أنيابها ) وقال : أخذه من قول بعض العباسيين المتقدمين : ولكنه أخذه ساجاً ورده عاجا . وغل قطيفة ورد ديباجا .
والمذق بكسر الذال المعجمة : من يخلط بكلامه كذبا من مذقت اللبن والشارب من باب قتل : إذا مزجته وخلطته . )
وعاتكة بنت يزيد المذكورة هي زوجة عبد الملك بن مروان وكان شديد المحبة لها فغاضبته في بعض الأمور وسدت الباب الذي بينها وبينه فساءه ذلك وتعاظمه وشكاه إلى من يأنس به من خاصته فقال له عمر بن بلال الأسدي :
____________________

إن أنا أرضيتها لك حتى ترضى فما الثواب قال : حكمك . فأتى إلى بابها وقد مزق ثوبه وسوده فاستأذن عليها وقال : الأمر الذي أتيت فيه عظيم فأدخل لوقته فرمى بنفسه وبكى . فقالت : ما لك يا عم قال : لي ولدان هما من المبرة والإحسان إلي في غاية وقد عدا أحدهما على أخيه فقتله وفجعني به فاحتسبته وقلت : يبقى لي ولد أتسلى به فأخذه أمير المؤمنين وقال : لا بد من القود وإلا فالناس يجترئون على القتل وهو قاتله إلا أن يغيثني الله بك فتحت الباب ودخلت على عبد الملك وأكبت على البساط تقبله وتقول : يا أمير المؤمنين قد تعلم فضل عمر بن بلال وقد عزمت على فقتل ابنه فشفعني فيه . قال عبد الملك : ما كنت بالذي أفعل : فأقبلت في الضراعة والخضوع حتى وعدها العفو عنه وصلح ما بينهما ووفى لعمر بما وعده به .
كل هذا من كتاب الجواهر في الملح والنوادر تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن علي المعروف بالحصري صاحب زهر الآداب . وترجمة الأحوص تقدمت في الشاهد الخامس والثمانين .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الحادي والتسعون قول أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذن لاتبعناه على كل حالة ** من الدهر جداً غير قول التهازل ) على أن المصدر المؤكد لغيره يكون في الحقيقة مؤكداُ لنفسه لأنه إما مع صريح القول كقوله تعالى : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق أو ما هو في معنى القول كما في هذا البيت فإن قوله جداً مصدر مؤكد لما يحتمل غيره فإن قوله اتبعناه يحتمل أن يكون قاله على سبيل الجد وهو المفهوم من اللفظ وأن يكون قاله على طريق الهزل وهو احتمال عقلي . فأكد المعنى الأول بما هو في معنى القول لأنه أراد به : قولاً جداً والقرينة عليه ما بعده فإن قول التهازل يقابل قول الجد فكان الأولى أن يقول : قول جد بالإضافة ليناسب ما بعده فيكون لما حذف
____________________

المضاف أعرب المضاف إليه بإعرابه .
وغير بالنصب صفة لقوله جداً ولا تضر الإضافة إلى المعرفة فإنها متمكنة في الإبهام لا وزعم ابن السراج أن غيرا إذا وقعت بين ضدين كما هنا اكتسبت التعريف من الإضافة . ويرده قوله تعالى : نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل وإن زعم أنها في مثل هذا بدل يرده أن غيراً وضعت للوصف والبدل بالوصف ضعيف . والتهازل بمعنى الهزل فإن تفاعل قد يأتي بمعنى فعل كتوانيت بمعنى ونيت لكنه أبلغ من المجرد . وقوله : إذن لاتبعناه جواب قسم في بيت قبله وهو : ( فو الله لولا أن أجيء بسبة ** تجر على أشياخنا في القبائل ) والضمير المنصوب في اتبعناه راجع للنبي صلى الله عليه وسلم . وروى لكنا اتبعناه . والسبة بضم السين يقال صار عليه هذا الأمر سبة أي : عاراً يسب به . وتجر : بفتح الجيم مضارع جر من جر عليهم جريرة أي : جنى عليهم جناية . وفي بمعنى بين .
والبيتان من قصيدة طويلة تزيد على مائة بيت لأبي طالب عاذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد فيها إلى أشراف قومه وأخبر قريشاً أنه غير مسلم محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أبداً حتى يهلك دونه ومدحه فيها أيضاً . وقالها في الشعب لما اعتزل مع بني هاشم وبني عبد المطلب قريشاً .
وسبب دخوله الشعب : أن كفار قريش اتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وقالوا : قد أفسد أبناءنا ونساءنا . فقالوا لقومه : خذوا منا دية مضاعفة ويقتله رجل من غير قريش وتريحوننا وتريحون أنفسكم فأبى بنو هاشم من ذلك وظاهرهم بنو عبد المطلب .
فاجتمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب .
____________________


فلما دخلوا الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة وكانت متجراً لقريش وكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد .
فانطلق عامة من آمن بالله ورسوله إلى الحبشة ودخل بنو هاشم وبنو عبد المطلب الشعب مؤمنهم وكافرهم : فالمؤمن ديناً والكافر حمية . فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على أن لا يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئاً من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاماً ولا إداماً إلا بادروا إليه واشتروه ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحاً أبداً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين .
فاشتد البلاء على بني هاشم ومن معهم فأجمعوا على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب : يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلحستها إلا ما كان اسماً لله فأبقته . قال : أربك أخبرك بهذا قال : نعم قال : فو الله ما يدخل عليك أحد ثم خرج إلى قريش فقال : يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلحست ما فيها فإن كان كما يقول فأفيقوا فلا والله لا نسلمه حتى نموت وإن كان يقول باطلاً دفعناه إليكم .
فقالوا : قد رضينا . ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وقالوا : هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدواناً . فقال أبو طالب : يا معشر قريش علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أهل الظلم والقطيعة ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة وقال : اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا . ثم انصرف إلى الشعب وقال هذه القصيدة .
قال ابن كثير : هي قصيدة بليغة جداً لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى .
____________________


وقد أحببت أن أوردها هنا منتخبة مشروحةً بشرح يوفي المعنى محبة في النبي صلى الله عليه )
وسلم وهي هذه : ( خليلي ما أذني لأول عاذل ** بصغواء في حق ولا عند باطل ) بصغواء : خبر ما النافية وهي حجازية ولذا زيدت الباء . والصغو : الميل . وأصغيت إلى فلان : إذا ملت بسمعك نحوه . ولأول عاذل : متعلق بصغواء . وفي حق متعلق بعاذل أي : لا أميل بأذني لأول عاذل في الحق وإنما قيد العاذل بالأول لأنه إذا لم يقبل عذل العاذل الأول فمن باب أولى أن لا يقبل عذل العاذل الثاني فإن النفس إذا كانت خالية الذهن ففي الغالب أن يستقر فيها أول ما يرد عليها . ( خليلي إن الرأي ليس بشركةٍ ** ولا نهنه عند الأمور البلابل ) أراد أن الرأي الجيد يكون بمشاركة العقلاء فإن لم يتشاركوا : بأن كانوا متباغضين لم ينتج شيئاً والرأي ما لم يتخمر في العقول كان فطيرا . والنهنه بنونين وهائين كجعفر : المضيء والنير الشفاف الذي يظهر الأشياء على جليتها وأصله الثوب الرقيق النسج ومن شأنه أن لا يمنع النظر إلى ما وراءه وهو معطوف على شركة .
____________________


والبلابل : إما جمع بلبلة بفتح البائين أو جمع بلبال بفتحمها وهما بمعنى الهم ووساوس الصدر كزلازل جمع زلزلة وزلزال بالفتح وهو إما على حذف مضاف أي : ذات البلابل أو إنها بدل من الأمور . ( ولما رأيت القوم لا ود عندهم ** وقد قطعوا كل العرى والوسائل ) أراد بالقوم كفار قريش . والعرا : جمع عروة وهي معروفة وأراد بها هنا ما يتمسك به من ( وقد صارحونا بالعداوة والأذى ** وقد طاوعوا أمر العدو المزايل ) صارحونا : كاشفونا بالعداوة صريحاً والصراحة وإن كانت لا زمة لكنها لما نقلت إلى باب المفاعلة تعدت . والمزايل : اسم فاعل من زايله مزايلة وزيلاً : فارقه وباينه وإنما يكون العدو مفارقاً إذا صرح بالعداوة فلا تمكن العشرة . ومن قال : المزايل : المعالج وظنه من المزاولة لم يصب . ( وقد حالفوا قوماً علينا أظنةً ** يعضون غيظاً خلفنا بالأنامل ) حالفوا قوماً : مثل صارحونا في أنه كان لازماً وتعدى إلى المفعول بنقله إلى باب المفاعلة .
والتحالف : التعاهد والتعاقد على أن يكون الأمر واحداً في النصرة والحماية وبينهما حلف أي : )
عهد والحليف : المعاهد . وعلينا متعلق بحالفوا . والأظنة جمع ظنين وهو الرجل المتهم والظنة بالكسر التهمة والجمع الظنن . يقال منه أطنه وأظنه : بالطاء والظاء إذا اتهمه .
قال الشاطبي في شرح الألفية : أفعلة قياسٌ في كل اسم مذكر رباعي فيه مدة ثالثة فهذه أربعة أوصاف معتبرة فإن كان صفة لم يجمع قياساً على أفعلة فإن جاء عليه فمحفوظ لا يقاس عليه قالوا في شحيح . أشحة وفي ظنين : أظنة . قال تعالى : أشحة عليكم وقال أبو طالب . . وأنشد هذا البيت .
الصبر : الحبس . والسمراء : القناة . والسمحة : اللدنة اللينة التي
____________________

تسمح بالهز والانعطاف .
والأبيض : السيف . والعضب : القاطع . والمقاول : جمع مقول بكسر الميم : الرئيس وهو دون الملك كذا في المصباح عن ابن الأنباري .
وقال السهيلي في الروض الأنف : أراد بالمقاول آباءه شبههم بالملوك ولم يكونوا ملوكاً ولا كان فيهم ملك بدليل حديث أبي سفيان حين قال له هرقل : هل كان في آبائه من ملك فقال : لا .
ويحتمل أن يكون هذا السيف من هبات الملوك لأبيه فقد وهب ابن ذي يزن لعبد المطلب هباتٍ جزيلةً حين وفد عليه مع قريش يهنئونه بظفره بالحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين . ( وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي ** وأمسكت من أثوابه بالوصائل ) الوصائل : ثياب مخططة يمانية كان البيت يكسى بها . ( قياماً معاً مستقبلين رتاجه ** لدى حيث يقضى حلفه كل نافل ) الرتاج : الباب العظيم وهو مفعول مستقبلين . والنافل : فاعل من النافلة وهو التطوع . ( أعوذ برب الناس من كل طاعنٍ ** علينا بسوءٍ أو ملحٍ بباطل ) ( ومن كاشحٍ يسعى لنا بمعيبة ** ومن ملحقٍ في الدين ما لم نحاول ) ملح : اسم فاعل من ألح على الشيء : إذا أقبل عليه مواظباً . والمعيبة : العيب والنقيصة .
ونحاول نريد . ( وثورٍ ومن أرسى ثبيراً مكانه ** وراقٍ لبرٍ في حراء ونازل ) وثورٍ : معطوف على رب الناس . وهو وثبير وحراء . جبال بمكة . والبر : خلاف الإثم . وهو رواية ابن اسحاق وغيره وروى ابن هشام : ليرقى وهو خطأ لأن الراقي لا يرقى . وإنما هو لبر )
أي : في طلب بر . أقسم بطالب البر بصعوده في حراء للتعبد فيه وبالنازل منه . ( وبالبيت حق البيت من بطن مكة ** وبالله إن الله ليس بغافل )
____________________

( وبالحجر الأسود إذ يمسحونه ** إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل ) قال السهيلي : وقوله بالحجر الأسود فيه زحاف يسمى الكف وهو حذف النون من مفاعيلن وهو بعد الواو من الأسود . والأصائل : جمع أصيلة والأصل : جمع أصيل وذلك لأن فعائل جمع فعيلة . والأصيلة : لغة معروفة في الأصيل انتهى . وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب . ( وموطئ إبراهيم في الصخر رطبةً ** على قدميه حافياً غير ناعل ) موطئ إبراهيم عليه السلام : هو موضع قدميه حين غسلت كنته رأسه وهو راكب فاعتمد بقدمه على الصخرة حين أمال رأسه ليغسل وكانت سارة قد أخذت عليه عهداً حين استأذنها في أن يطالع ما تركه بمكة . فحلف لها أنه لا ينزل عن دابته ولا يزيد على السلام واستطلاع الحال غيرةً من سارة عليه من هاجر فحين اعتمد على الصخرة ألقى الله فيها أثر قدمه آية . قال تعالى : فيه آياتٌ بيناتٌ مقام إبراهيم . أي منها مقام إبراهيم . ومن جعل مقام إبراهيم بدلاً من آيات قال : المقام جمع مقامة . وقيل : بل هو أثر قدمه حين رفع القواعد من البيت وهو قائم عليه . ( وأشواط بين المروتين إلى الصفا ** وما فيهما من صورةٍ وتماثل ) هو جمع تماثلن وأصله تماثيل فحذف الياء . ( ومن حج بيت الله من كل راكب ** ومن كل ذي نذرٍ ومن كل راجل ) ( فهل بعد هذا من معاذٍ لعائذٍ ** وهل من معيذٍ يتقي الله عادل ) المعاذ بالفتح : اسم مكان من عاذ فلان بكذا إذا لجأ إليه واعتصم به . والمعيذ : اسم فاعل من أعاذه بالله أي : عصمه به . وعادل : صفة معيذ بمعنى غير جائر . ( يطاع بنا العدا وودوا لو أننا ** تسد بنا أبواب تركٍ وكابل ) العدا بضم العين وكسرها : اسم جمع للعدو ضد الصديق وروى الأعدا وهو جمع عدو .
وتسد بنا أي : علينا . والترك وكابل بضم الباء . صنفان من العجم .
____________________


أي : والله لا نترك مكة ولا نظعن منها لكن أمركم في هموم ووساوس صدر . وروى : في تلاتل بالمثناة الفوقية جمع تلتلة وهو الاضطراب والحركة . ) ( كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ** ولما نطاعن دونه ونناضل ) الواو للقسم ونبزى جواب القسم على تقدير لا النافية فإنها يجوز حذفها في الجواب كقوله تعالى : تالله تفتؤ أي : لا تفتؤ . ونبزى بالبناء للمفعول أي : نغلب ونقهر عليه يقال أبزى فلان بفلان إذا غلبه وقهرهن كذا في الصحاح . فهو بالباء والزاي المنقوطة . ومحمداً منصوب بنزع الباء . ولما : نافية جازمة والجملة المنفية حال من نائب فاعل نبزى . والطعن يكون بالرمح والنضال يكون بالسهم . ( ونسلمه حتى نصرع حوله ** ونذهل عن أبنائنا والحلائل ) ونسلمه بالرفع معطوف على نبزى أي : لا نسلمه من أسلمه بمعنى سلمه لفلان أو من أسلمه بمعنى خذله . ونصرع ونذهل بالبناء للمفعول . والحلائل : جمع حليلة وهي الزوجة .
قال ابن هشام في السيرة : قال عبيدة بن الحارث بن المطلب لما أصيب في قطع رجله يوم بدر : أما والله لو أدرك أبا طالب هذا اليوم لعلم أني أحق بما قال منه حيث يقول : كذبتم وبيت الله نبزى محمداً . . . . . البيت وما بعده .
وينهض بفتح الياء وهو منصوب معطوفاً على نصرع والنهوض في الحديد عبارة عن لبسه واستعماله في الحرب . والروايا : جمع راوية وهو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه .
وذات الصلاصل هي المزادة التي ينقل فيها
____________________

الماء وتسميها العامة الراوية والصلاصل جمع صلصلة بضم الصادين وهي بقية الماء في الإدرة . يريد : أن الرجال مثقلين بالحديد كالجمال التي تحمل المياه مثقلة شبه قعقعة الحديد بصلصلة الماء في المزادات . ( وحتى نرى ذا الضغن يركب ردعه ** من الطعن فعل الأنكب المتحامل ) نرى بالنون من رؤية العين . والضغن بالكسر الحقد . وجملة يركب حال من مفعول نرى يقال للقتيل . ركب ردعه : إذ خر لوجهه على دمه . والردع بفتح الراء وسكون الدال : اللطخ والأثر من الدم والزعفران . ومن الطعن متعلق بيركب . والأنكب : المائل إلى جهة وأراد كفعل الأنكب في الصحاح : والنكب أي : بفتحتين : داء يأخذ الإبل في مناكبها فتظلع منه وتمشي منحرفة يقال نكب البعير بالكسر ينكب نكباً فهو أنكبٌ . وهو من صفة المتطاول الجائر . والمتحامل بالمهملة : الجائر والظالم . ( وإنا لعمر الله إن جد ما أرى ** لتلتبسن أسيافنا بالأماثل ) )
عمر الله مبتدأ والخبر محذوف أي : قسمي وجملة لتلتبسن جواب القسم والجملة القسمية خبر وقوله إن جد إن شرطية وجد بمعنى لج ودام وعظم وما موصولة وأرى من رؤية البصر والمفعول محذوف وهو العائد وجواب الشرط محذوف وجوباً لسد جواب القسم محله .
والالتباس : الاختلاط والملابسة والنون الخفيفة للتوكيد وأسيافنا فاعل تلتبس . والأماثل : الأشراف جمع أمثل . والمعنى إن دام هذا العناد الذي أراه تنل سيوفنا أشرافكم .
بكفي : تثنية كف والباء متعلقة بقوله تلتبس وقد حقق الله ما تفرسه أبو طالب يوم بدر .
وقوله : مثل الشهاب يريد أنه شجيع لا يقاومه أحد في الحرب كأنه شعلة نار يحرق من يقرب منه . والسميدع بفتح السين وضمها خطأ وبفتح الدال المهملة وإعجامها لا أصل له خلافاً لصاحب القاموس ومعناه السيد الموطأ الأكناف .
____________________


قال المبرد في أول الكامل : معنى موطأ الأكناف : أن ناحيته يتمكن فيها صاحبها غير مؤذى ولا ناب به موضعه . والتوطئة التذليل والتمهيد يقال دابة وطئ يا فتى وهو الذي لا يحرك راكبه في مسيره وفراش وطئ إذا كان وثيراً لا يؤذي جنب النائم عليه .
قال أبو العباس : حدثني العباس بن الفرج الرياشي قال : حدثني الأصمعي قال : قيل لأعرابي وهو المنتجع بن نبهان : ما السميدع فقال : السيد الموطأ الأكناف . وتأويل الأكناف : الجوانب يقال في المثل : فلان في كنف فلان كما يقال فلان في ظل فلان وفي ذرا فلان وفي ناحية فلان وفي والثقة : مصدر وثقت به أثق بكسرهما : إذا ائتمنته . والأخ يستعمل بمعنى الملازم والمداوم .
والحقيقة : ما يحق على الرجل أن يحميه . والباسل : الشجيع الشديد الذي يمتنع أن يأخذه أحد في الحرب والمصدر البسالة وفعله بسل بالضم . وأراد بصاحب هذه الصفات الفاضلة محمداً صلى الله عليه وسلم . ( وما ترك قومٍ لا أبا لك سيداً ** يحوط الذمار غير ذربٍ مواكل ) ما : استفهامية تعجبية مبتدأ عند سيبويه وترك : خبر المبتدأ وعند الأخفش بالعكس . وقوله : لا أبا لك يستعمل كناية عن المدح والذم ووجه الأول : أن يراد نفي نظير الممدوح بنفي أبيه ووجه الثاني : أن يراد أنه مجهول النسب والمعنيان محتملان هنا . والسيد من السيادة وهو المجد والشرف . وحاطه يحوطه حوطاً . رعاه وفي الصحاح : وقولهم فلان حامي الذمار أي إذا ذمر وغضب حمي وفلان أمنع ذماراً من فلان . ويقال الذمار : ما وراء الرجل مما يحق عليه أن )
يحميه لأنهم قالوا : حلمي الذمار كما قالوا حامي الحقيقة .
وسمي ذماراً لأنه يجب على أهله التذمر له وسميت حقيقة لأنه يحق على أهلها الدفع عنها .
وظل يتذمر على فلان : إذا تنكر له وأوعده .
والذرب بفتح الذال المعجمة وكسر الراء لكنه سكنه هنا وهو الفاحش
____________________

البذي اللسان .
والمواكل : اسم فاعل من واكلت فلاناً موكلة : إذا اتكلت عليه واتكل هو عليك ورجل وكل بفتحتين ووكله كهمزة وتكله أي عاجز يكل أمره إلى غيره ويتكل عليه . ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمةً للأرامل ) أبيض : معطوف على سيد المنصوب بالمصدر قبله وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد هكذا أعربه الزركشي في نكته على البخاري المسمى بالتنقيح لألفاظ الجامع الصحيح وقال : لا يجوز غير هذا . وتبعه ابن حجر في فتح الباري وكذلك الدماميني في تعليق المصابيح على الجامع الصحيح وفي حاشيته على مغني اللبيب أيضاً .
وزعم ابن هشام في المغني : أن أبيض مجرور برب مقدرة وأنها للتقليل . والصواب الأول فإن المعنى ليس على التنكير بل الموصوف بهذا الوصف واحدٌ معلوم . والأبيض هنا بمعنى الكريم .
قال السمين في عمدة الحفاظ : عبر عن الكرم بالبياض فيقال : له عندي يد بيضاء أي : معروف وأورد هذا البيت . والبياض أشرف الألوان وهو أصلها إذ هو قابل لجميعها وقد كني به عن السرور والبشر وبالسواد عن الغم . ولما كان البياض أفضل الألوان قالوا : البياض أفضل والسواد أهول والحمرة أجمل والصفرة أشكل .
ويستسقى بالبناء للمفعول والجملة صفة أبيض . والثمال : العماد والملجأ والمطعم والمغني والكافي . والعصمة : ما يعتصم به ويتمسك قال الزركشي : يجوز فيهما النصب والرفع .
والأرامل جمع أرملة وهي التي لا زوج لها لافتقارها إلى من ينفق عليها وأصله من أرمل الرجل : إذا نفذ زاده وافتقر فهو مرمل وجاء أرمل على غير قياس . قال الأزهري : لا يقال للمرأة أرملة إلا إذا كانت فقيرة فإن كانت موسرة فليست بأرملة والجمع أرامل حتى قيل رجل أرمل إذا لم يكن له زوج .
____________________


قال ابن الأنباري : وهو قليل لأنه لا يذهب بفقد امرأته لأنها لم تكن قيمة عليه .
وقال ابن السكيت : الأرامل : المساكين رجالاً كانوا أو نساء . )
قال السهيلي في الروض الأنف : فإن قيل : كيف قال أبو طالب : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ولم يره قط استسقي به إنما كانت استقاءاته عليه الصلاة والسلام بالمدينة في سفر وحضر وفيها شوهد ما كان من سرعة إجابة الله له فالجواب : أن أبا طالب قد شاهد من ذلك في حياة عبد المطلب ما دله على ما قال . انتهى .
ورده بعضهم بأن قضية الاستسقاء متكررة إذ واقعة أبي طالب كان الاستسقاء به عند الكعبة وواقعة عبد المطلب كان أولها أنهم أمروا باستلام الركن ثم بصعودهم جبل أبي قبيس ليدعو عبد المطلب ومعه النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن القوم فسقوا به .
قال ابن هشام في السيرة : حدثني من أثق به قال : أقحط أهل المدينة فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ذلك إليه فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة فصار حواليها كالإكليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسره . فقال له بعض أصحابه وهو علي رضي الله عنه : كأنك أردت يا رسول الله قوله
____________________

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه . . البيت قال أجل انتهى .
وبتصديق النبي صلى الله عليه وسلم كون هذا البيت لأبي طالب وعلي اتفق أهل السير سقط ما أورده الدميري في شرح المنهاج في باب الاستسقاء عن الطبراني وابن سعد : أن عبد المطلب استسقى بالنبي صلى الله عليه وسلم فسقوا ولذلك يقول عبد المطلب فيه يمدحه .
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه . . البيت قال ابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية : وسبب غلط الدميري في نسبة هذا البيت لعبد المطلب : أن رقيقة براء مضمومة وقافين بنت أبي صيفي بن هاشم وهي التي سمعت الهاتف في النوم أو في اليقظة لما تتابعت على قريش سنون أهلكتهم يصرخ : يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث قد أظلتكم أيامه فحيهلا بالحيا والخصب . ثم امرهم بأن يستسقوا به وذكر كيفية يطول ذكرها . . فلما ذكرت الرواية في القصة أنشأت تمدح النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات آخرها : ) ( مبارك الأمر يستسقى الغمام به ** ما في الأنام له عدلٌ ولا خطر ) فإن الدميري لما رأى هذا البيت في رواية قصة عبد المطلب التي رواها الطبراني وهو يشبه بيت أبي طالب إذ في كل استسقاء الغمام به توهم أن بيت أبي طالب لعبد المطلب . وإنما هو لرقيقة المذكورة .
____________________


والحكم عليه بأنه عين البيت المنسوب لأبي طالب ليس كذلك بل شتان ما بينهما . فتأمل هذا المحل فإنه مبهم . وقد اغتر بكلام الدميري من لا خيرة له بالسير انتهى . ( يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ ** فهم عنده في رحمة وفواضل ) يلوذ صفة أخرى لموصوف سيد . والهلاك : الفقراء والصعاليك الذين ينتابون الناس طلباً لمعروفهم من سوء الحال وهو جمع هالك قال جميل : ( أبيت مع الهلاك ضيفاً لأهلها ** وأهلي قريب موسعون ذوو فضلٍ ) ( ترى الأرامل والهلاك تتبعه ** يستن منه عليهم وابلٌ رذم ) ( جزى الله عنا عبد شمسٍ ونوفلاً ** عقوبة شر عاجلاً غير آجل ) نوفل هو ابن خويلد بن أسد ابن عبد العزى بن قصي وهو ابن العدوية وكان من شياطين قريش قتله علي بن أبي طالب يوم بدر . ( بميزان قسطٍ لا يخس شعيرةً ** له شاهدٌ من نفسه غير عائل ) بميزان متعلق بجزى الله . والقسط بالكسر : العدل . وخس يخس من باب ضرب : إذا نقص وخف وزنه فلم يعادل ما يقابله . وله أي : للميزان شاهد أي : لسان من نفسه أي : من نفس القسط غير عائل صفة شاهد أي غير مائل يقال : عال الميزان يعول : إذا مال كذا في العباب وأنشد هذا البيت كذا :
____________________

( بميزان صدق لا يغل شعيرةً ** له شاهد . . . . . البيت ) ( ونحن الصميم من ذؤابة هاشمٍ ** وأل قصي في الخطوب الأوائل ) الصميم : الخالص من كل شيء . والذؤابة : الجماعة العالية وأصله الخصلة من شعر الرأس . ( وكل صديقٍ وابن أختٍ نعده ** لعمري وجدنا غبه غير طائل ) الغب بالكسر : العاقبة . ويقال هذا الأمر لا طائل فيه إذا لم يكن فيه غناء ومزية مأخوذ من ( سوى أن رهطاً من كلاب بن مرةٍ ** براءٌ إلينا من معقة خاذل ) )
قال السهيلي : يقال قوم براء بالضم وبراء بالفتح وبراء بالكسر : فأما براء بالكسر فجمع بريء مثل كريم وكرام وأما براء فمصدر مثل سلام والهمزة فيه وفي الذي قبله لام الفعل ويقال رجل براء ورجلان براء وإذا كسرتها أو ضممت لم يجز إلا في الجمع وأما براء بضم الباء فالأصل فيه برآء مثل كرماء واستثقلوا اجتماع الهمزتين فحذفوا الأولى وكان وزنه فعلاء فلما حذفوا التي هي لام الفعل صار وزنه فعاء وانصرف لأنه أشبه فعالا . والمعقة بفتح الميم : مصدر بمعنى العقوق . ( ونعم ابن أخت القوم غير مكذبٍ ** زهيرٌ حساماً مفرداً من حمائل ) قال ابن هشام في السيرة : زهير هو ابن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمه عاتكة بنت عبد المطلب انتهى .
وزهير هو المخصوص بالمدح مبتدأ وجملة نعم ابن أخت القوم هو الخبر وغير مكذب بالنصب حال من فاعل نعم وهو ابن . ومكذب : على صيغة اسم المفعول يقال كذبته بالتشديد إذا نسبته إلى الكذب ووجدته كاذباً أي : هو صادق في مودته لم يلف كاذباً فيها . والحسام : السيف القاطع وهو منصوب على المدح بفعل محذوف أي : يشبه الحسام المسلول في المضاء .
ورواه العيني في شرح شواهد الألفية : حسامٌ مفردٌ برفعهما وقال :
____________________

حسام صفة لزهير وقوله مفرد من حمائل صفة للحسام وهذا على تقدير صحة الرواية خبط عشواء فإن زهيراً علم وحسام نكرة والمفرد : المجرد . والحمائل : جمع حمالة وهي علاقة السيف مثل المحمل بكسر الميم هذا قول الخليل وقال الأصمعي : حمائل السيف لا واحد لها من لفظها وإنما واحدها محمل كذا في العباب .
وهذا البيت استشهد به شراح الألفية على أن فاعل نعم مظهر مضاف إلى ما أضيف إلى المعرف باللام . ( أشم من الشم البهاليل ينتمي ** إلى حسبٍ في حومة المجد فاضل ) الشمم : ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه وهذا مما يمدح به وهو أشم من قوم شم .
والبهاليل : جمع بهلول بالضم .
قال الصاغاني : والبهلول من الرجال الضحاك وقال ابن عباد : هو الحيي الكريم . وينتمي : ينتسب . وفاضل بالضاد المعجمة صفة حسب . ) ( لعمري لقد كلفت وجداً بأحمدٍ ** وإخوته دأب المحب المواصل ) كلفت بالبناء للمفعول والتشديد : مبالغة كلفت به كلفاً من باب تعب : إذا أحببته وأولعت به ووجداً أي : كلف وجد يقال : وجدت به وجداً : إذا حزنت عليه . وبأحمد متعلق بكلفت وهو اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . ويجوز أن يكون من كلفته الأمر فتكلفه مثل حملته فتحمله وزنا ومعنى مع مشقة فوجداً مفعوله الثاني وبدون التضعيف متعد لواحد يقال كلفت الأمر من باب تعب : حملته على مشقة . وأراد بإخوته أولاده جعفراً وعقيلاً وعلياً رضي الله عنهم فإن أبا طالب كان عم النبي صلى الله عليه وسلم والعم أب فأولاده إخوة النبي صلى الله عليه وسلم . ودأب مصدر منصوب بفعله المحذوف أي : ودأبت دأب المحب يقال فلان دأب في عمله : إذا جد وتعب . ( فلا زال في الدنيا جمالاً لأهلها ** وزيناً لمن ولاه ذب المشاكل ) الذب : الدفع والمشاكل : جمع مشكلة ( فمن مثله في الناس أي مؤملٍ ** إذا قاسه الحكام عند التفاضل )
____________________

أي هي الدالة على الكمال خبر مبتدأ محذوف أي : هو والمؤمل الذي يرجى لكل خير : والتفاضل بالضاد المعجمة وهو التغالب بالفضل . ( حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش ** يوالي إلهاً ليس عنه بغافل ) أي : هو حليم . والطيش : النزق والخفة : ويوالي إلهاً أي : يتخذه ولياً . وهو فعيل بمعنى فاعل . ( فأيده رب العباد بنصره ** وأظهر ديناً حقه غير ناصل ) الحق : خلاف الباطل وهو مصدر حق الشيء من باب ضرب وقتل : إذا وجب وثبت .
والناصل : الزائل المضمحل يقال نصل السهم : إذا خرج منه النصل ونصل الشعر ينصل نصولاً : زال عنه الخضاب . ( فو الله لولا أن أجيء بسبةٍ ** تجر على أشياخنا في القبائل ) ( لكنا اتبعناه على كل حالةٍ ** من الدهر جداً غير قول التهازل ) تقدم شرحهما أولاً . ( لقد علموا أن ابننا لا مكذبٌ ** لدينا ولا يعنى بقول الأباطل ) في النهاية : يقال عنيت بحاجتك أعنى بها فأنا بها معني وعنيت بها فأنا عانٍ والأول أكثر أي : )
اهتممت بها واشتغلت . انتهى . وهو من باب تعب . ( فأصبح فينا أحمدٌ في أرومةٍ ** يقصر عنها سورة المتطاول ) تنوين أحمد للضرورة . والأرومة بفتح الهمزة وضم الراء المهملة : الأصل والسورة بالضم : المنزلة وبفتح السين السطوة والاعتداء . والمتطاول من الطول بالفتح وهو الفضل وهذا بالنسبة إلى المنزلة أو من تطاول عليه : إذا قهره وغلبه وهذا بالنسبة إلى السطوة .
حدب عليه كفرح وتحدب عليه أيضاً بمعنى تعطف عليه وحقيقته جعل نفسه كالأحدب بالانحناء أمامه ليتلقى عنه ما يؤذيه . ودونه أمامه . والذرا
____________________

بالضم : أعالي الشيء جمع ذروة بكسر الذال وضمها . والكلاكل : جمع كلكل كجعفر بمعنى الصدر .
تنبيه رواية هذه القصيدة كما سطرت نقلتها من سيرة الشامي ورواها ابن هشام في السيرة أزيد من ثمانين بيتاً ومطلعها عنده : ( ولما رأيت القوم لا ود فيهم ** وقد قطعوا كل العرى والوسائل ) ولم يذكر البيتين الأولين مطلع القصيدة في رواية الشامي ولا تعرض لهما السهيلي بشيء .
وأبو طالب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم وناصره . ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وثلاثين سنة . ولما مات عبد المطلب وصى بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه فكفله وأحسن تربيته وسافر به إلى الشام وهو شاب ولما بعث صلى الله عليه وسلم قام بنصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح .
واسمه عبد مناف على المشهور واشتهر بكنيته وقيل : اسمه عمران وقيل : شيبة . قال الواقدي : وتوفي أبو طالب في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين واختلف في إسلامه قال ابن حجر : رأيت لعلي بن حمزة البصري جزءاً جمع فيه شعر أبي طالب وزعم أنه كان مسلماً ومات على الإسلام وأن الحشوية تزعم أنه مات كافراً واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه . انتهى .
ومن شعره قوله : ( ودعوتني وزعمت أنك صادقٌ ** ولقد صدقت وكنت قبل أميناً ) ( ولقد علمت بأن دين محمدٍ ** من خير أديان البرية دينا )
____________________

)
ومن شعره الذي قاله وهو في الشعب : ( ألا أبلغا عني على ذات بيننا ** لؤياً وخصا من لؤي بني كعب ) ( ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً ** نبياً كموسى خط في أول الكتب ) ( وأن عليه في العباد مودةً ** وخير فيمن خصه الله بالحب ) وهي قصيدة جيدة على هذا الأسلوب .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والتسعون على أن جدكما ليس مصدراً مؤكداً لقوله : لا تقضيان بل هو إما منصوب بنزع الخافض وإما حال وإما مصدر حذف عامله وجوباً .
أما كونه ليس مؤكداً لمضمون الجملة بعده فلشيئين : الأول : أن قوله أجدكما لو جعل مؤكداً لمضمون ما بعده لكان مؤكداً لمضمون المفرد وهو الفعل فقط لا لمضمون الجملة كما بينه الشارح .
والثاني : أنه إنما يكون المصدر مؤكداً لغيره إذا أكد معنى القول الذي هو مضمون الجملة ولا يجوز أن يقدر أجدكما أقول لا تقضيان لفساد المعنى لأن القول من المتكلم وعدم القضاء من المخاطب .
وأما كونه منصوباً بنزع الخافض فلأنه في معنى حقاً وهو على تقدير في وجدك وحقاً متقاربان معنى فالأنسب تقاربهما في الإعراب أيضاً .
وأما كونه حالاً فمعناه : لا تقضيان كراكما جادين فعامل الحال الفعل الذي بعدها وصاحبها ضمير التثنية .
____________________


وأما الثالث فهو مؤكد لنفسه لأنه أكد مضمون المفرد لا مضمون الجملة لأنه أكد الفعل بدون الفاعل والفعل يدل وحده على الحدث والزمان .
هذا محصل كلامه . والحالية لا تطرد في كل موضع ولهذا ذهب الإمام المرزوقي في شرح فصيح ثعلب إلى أن انتصاب أجدكما إما بنزع الخافض وإما بفعله المحذوف .
والمفهوم من كلام بن جني على هذا البيت في إعراب الحماسة : أن أجدكما منصوب بفعله المحذوف . لكن جعله جملة لا تقضيان حالاً غير جيد لأنها مقيدة وجدكما قيد لها والمقيد هو )
أصل الكلام . ثم جوابه عن إيراده على جعله الجملة حالاً أنها مصدرة بعلم الاستقبال بأن الشاعر أراد امتداد الحال فلما لاحظ حال الاستمرار والاستقبال أتى بلا غير صحيح فإن لا ليست للاستقبال على الصحيح والمضارع المنفي بها يقع حالاً نحو : مالكم لا ترجون لله وقارا . وقد تعسف أيضاً في نحو أجدك لا تفعل بأنه على إرادة استمرار حكاية الحال الممتدة فيما مضى .
قال أبو حيان في الارتشاف : ولا تفعل عند أبي علي حال أو على إضمار أن فحذف أن وارتفع الفعل .
واعلم أن صنيع الشارح المحقق فيه رد لمن جعل كابن الحاجب أجدك لا تفعل كذا من قبيل المصدر المؤكد لغيره قال ابن الحاجب في الإيضاح : أصله لا تفعل كذا جداً لأن الذي ينبغي الفعل عنه يجوز أن يكون بجد منه ويجوز أن يكون من غير جد فإذا قال : جداً فقد ذكر أحد المحتملين ثم أدخلوا همزة الاستفهام إيذاناً بأن الأمر ينبغي أن يكون كذلك على سبيل التقرير فقدم المصدر من أجل همزة الاستفهام فصار : أجدك لا تفعل ثم لما كان معناه تقرير أن يكون الأمر على وفق ما أخبر صار في معنى تأكيد كلام المتكلم فيتكلم به من يقصد إلى التأكيد وإن كان ما تقدم هو الأصل الجاري على قياس لغتهم .
ويجوز أن يكون معنى أجدك في مثله : أتفعله جداً منك على سبيل الإنكار لفعله جداً ثم نهاه عنه أو أخبر عنه بأنه لا يفعل فيكون أجدك توكيداً لجملة مقدرة دل سياق الكلام عليها . ومما يدل على أنهم يقولون أفعله جداً قول أبي طالب :
____________________

إذن لاتبعناه على كل حالة . . . البيت هذا كلامه .
وقوله ثم نهاه عنه يفهم منه أن أجدك يقع بعدها النهي وكذا قول بعضهم أجدك هل تفعل كذا يفهم منه أن الاستفهام يقع بعده .
وقد قال الشارح المحقق : إن أجدك لا يستعمل إلا مع النفي . ولم أر هذا التقيد لغيره وظاهره : سواء كان النافي لا أو ما أو لن كقوله : ( أجدك لن ترى بثعيلبات ** ولا بيدان ناجيةً ذمولا ) ( أجدك لم تغتمض ليلةً ** فترقدها مع رقادها ) )
فإن قلت : قد وقع بعدها الاستفهام في هذا البيت الذي أورده ثعلب في فصيحه وهو : ( أجدك ما لعينيك لا تنام ** كأن جفونها فيها كلام ) قلت : النفي الذي يقع بعد أجدك موجود وهو قوله لا تنام والاستفهام الثاني سؤال عن علة عدم نوم عينه ومثله قول كعب بن مالك الصحابي رضي الله عنه في غزوة الطائف : ( أجدهم أليس لهم نصيحٌ ** من الأقوام كان لنا عريفا ) ( يخبرهم بأنا قد جمعنا ** عتاق الخيل والبخت الطروفا ) وفي الارتشاف : ولا يستعمل أجدك إلا مضافاً وغالباً بعده لا أو لم أو لن .
____________________

وفي النهاية لابن الخباز قال الأعشى : أجدك ودعت الدمى والولائدا ودعت موجبٌ وجاء مع لا كثيراً .
وقد ذكر صاحب الصحاح وغيره : أن أجدك يجوز في جيمه الكسر والفتح لكن الكسر هو الفصيح ولهذا قال ثعلب في فصيحه : وما أتاك أجدك فمكسور وما أتاك وجدك فمفتوح . وهو من الجد ضد الهزل وأصله من الجد في الأمر بمعنى الاجتهاد فيه لأن الهازل لا يبذل الاجتهاد وأغرب صاحب القاموس حيث جعله من جاده بمعنى حاققه ثم قال : وأجدك لا تفعل لا يقال إلا مضافاً وإذا كسر استحلفه بحقيقته وإذا فتح استحلفه ببخته انتهى . وهذا شيء انفرد به وكأنه جنح لما ذهب إليه الشلوبين حيث زعم أن فيه معنى القسم ولذلك قدم .
وهذا المصارع من شعر لقس بن ساعدة . وهو : ( خليلي هبا طالما قد رقدتما ** أجدكما لا تفيضان كراكما ) ( ألم تعلما أني بسمعان مفرداً ** ومالي فيه من خليل سواكما ) ( مقيم على قبريكما لست بارحاً ** طوال الليالي أو يجيب صداكما ) ( أبكيكما طول الحياة وما الذي ** يرد على ذي لوعةٍ أن بكاكما )
____________________

( كأنكما والموت اقرب غائبٍ ** بروحي في قبريكماٍ قد أتاكما ) ( أمن طول نوم لا تجيبان داعيا ** كأن الذي يسقي العقار سقاكما ) ( فلو جعلت نفسٌ لنفسٍ وقايةً ** لجدت بنفسي أن تكون فداكما ) في سيرة ابن سيد الناس بسنده إلى ابن عباس في حديث الجارود بن عبد الله لما قدم مؤمناً )
بالنبي صلى الله عليه وسلم وسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة والحديث طويل إلى أن قال ابن عباس : وقام رجل أشدق أجش الصوت فقال : لقد رأيت من قس عجباً : ( يا أيها الراقد في الليل الأحم ** قد بعث الله نبياً في الحرم ) ( من هاشم أهل الوقار والكرم ** يجلو دجنات الليالي والبهم ) قال : فأدرت طرفي فما رأيت له شخصاً . فأنشأت أقول : ( يا أيها الهاتف في دجى الظلم ** أهلاً وسهلاً بك من طيفٍ ألم ) ( بين هداك الله في لحن الكلم ** من الذي تدعو إليه تغتنم ) فإذا أنا بنحنحة وقائلٍ يقول : ظهر النور وبطل الزور وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحبور صاحب النجيب الأحمر والتاج والمغفر والوجه الأزهر والحاجب الأقمر والطرف الأحور صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله فذاك محمد المبعوث إلى الأسود والأحمر أهل المدر والوبر . ثم أنشأ يقول : ( الحمد لله الذي ** لم يخلق الخلق عبث ) ( ولم يخلنا سدى ** من بعد عيسى واكترث ) ( أرسل فينا أحمدا ** خير نبي قد بعث ) ( صلى عليه الله ما ** حج له ركبٌ وحث ) قال : ولاح الصباح فإذا أنا بالفنيق يشقشق إلى النوق فملكت خطامه وعلوت سنامه حتى إذا لغب فنزلت في روضة خضرة فإذا أنا بقس بن ساعدة في
____________________

ظل شجرة وبيده قضيب من أراك ينكت به الأرض وهو يقول : ( يا ناعي الموت والأموات في جدثٍ ** عليهم من بقايا بزهم خرق ) ( دعهم فإن لهم يوماً يصاح بهم ** فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا ) ( حتى يعودوا لحال غير حالهم ** خلقاً جديداً كما من قبله خلقوا ) ( منهم عراةٌ ومنهم في ثيابهم : ** منها الجديد ومنها المنهج الخلق ) قال : فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام وإذا أنا بعين خرارة في أرض خوارة ومسجد بين قبرين وأسدين عظيمين يلوذان به وإذا بأحدهما قد سبق الآخر إلى الماء فتبعه الآخر يطلب الماء . فضربه بالقضيب الذي في يده وقال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك )
فرجع ثم ورد بعده . فقلت له : ما هذان القبران قال : هذان قبرا أخوين كانا لي يعبدان الله عز وجل معي في هذا المكان لا يشركان بالله عز وجل شيئاً فأدركهما الموت فقبرتهما وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما ثم نظر إليهما وجعل يقول : ( خليلي هبا طالما قد رقدتما ** أجدكما لا تقضيان كراكما ) الأبيات السابقة : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله قساً إني أرجو أن يبعثه الأمة : الشخص المنفرد بدين أي : يبعث واحداً يقوم مقام جماعة . والأجش : الغليظ الصوت .
وعسعس الليل : أدبر ويأتي بمعنى أقبل فهو ضد . والأحم : الأسود . والدجنة بضمتين وتشديد النون : الظلمة وكذلك البهمة وجمعها بهم . ولحن القول قال الأزهري : هو كالعنوان والعلامة تشير بها فيظن المخاطب لغرضك . والنجيب : الكريم من الإبل . والحاجب الأقمر : أراد أنه مفروق ما بين الحاجبين فيكون أبلج نيرا . والفنيق : الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان لكرامته . ويشقشق : يهدر بشقشقته . ولغب : تعب . والعين الخرارة : الغزيرة النبع من الخرير وهو صوت الماء . والأرض الخوارة : اللينة السهلة من خار يخور : إذا ضعف .
____________________


وهبا : أمر مسند إلى ضمير الخليلين من الهب يقال هب من نومه من باب قتل : إذا استيقظ .
وطالما : قال التبريزي في شرح الحماسة : إن جعلت ما مصدرية كتبت منفصلة وإن جعلت كافة فمتصلة . والرقود : النوم في ليل أو نهار وخصه بعضهم بنوم الليل والأول هو الحق ويشهد له المطابقة في قوله تعالى : وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود قال المفسرون : إذا رأيتهم حسبتهم أيقاظاً لأن أعينهم مفتحة وهم نيام . وتقضيان : من قضيت . وطري : إذا بلغته ونلته . والكرى : النوم قالوا : أول النوم النعاس والوسن ثقل النعاس ثم الترنيق وهو مخالطة النعاس للعين ثم الكرى والغمض وهو أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان ثم الهجود والهجوع وهو النوم الغرق .
وسمعان بفتح السين . موضع . وبارحاً بالموحدة والمهملة : فاعل من برح الشيء يبرح من باب تعب براحاً : إذا زال من مكانه . وطوال الليالي بفتح الطاء بمعنى الطول بضمهما وهو منصوب على الظرفية يقال : لا أكلمه طوال الدهر وطول الدهر وهما بمعنى يريد إنني مقيم أبداً . وأو بمعنى إلى أو بمعنى إلا ويجيب منصوب بأن بعدها . والصدى هنا بمعنى ما يبقى من الميت في قبره ومنه قول النمر بن تولب الصحابي رضي الله عنه : ( أعاذل إن يصبح صداي بقفرةٍ ** بعيداً نآني صاحبي وقريبي ) ) ( ترى أن ما أبقيت لم أك ربه ** وأن الذي أنفقت كان نصيبي ) وله معان أخر : أحدهما ذكر البوم ثانيهما : حشوة الرأس يقال لذلك الهامة والصدى وتأويل ذلك عند العرب في الجاهلية : أن الرجل كان عندهم إذا قتل فلم يدرك به الثأر أنه يخرج من رأسه طائر كالبومة وهي الهامة والذكر الصدى فيصيح على قبره : اسقوني اسقوني فإن قتل قاتله كف ذلك الطائر . قال :
____________________

( ياعمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي ** أضربك حتى تقول الهامة اسقوني ) ثالثهما ما يرجع عليك من الصوت إذا كنت بمتسع من الأرض أو بقرب جبل . رابعها : بمعنى العطش مصدر صدى يصدى . والصدأ بالهمزة : صدأ الحديد وما أشبهه كذا في الكامل وأبكيكما قال الأصمعي : بكيت الرجل وبكيته بالتشديد كلاهما إذا بكيت عليه . وما اسم استفهام مبتدأ والذي خبره أو بالعكس والمعنى : أي شيء الذي يرده البكاء على ذي اللوعة وهي الحرقة . وروى ذي عولة وهي رفع الصوت بالبكاء بمعنى العويل . أن بكاكما : بفتح الهمزة مصدرية ومؤولها فاعل يرد وروى بكسر الهمزة فهي شرطية والجواب مدلول عليه بأبكيكما وفاعل يرد ضمير مفهوم من أبكيكما وهو البكاء ويجوز أن يكون دل عليه قوله أن بكاكما .
وقوله كأنكما . كأن هنا للتقريب وجملة قد أتاكما خبر كأن وفاعل أتى ضمير الموت والظرفان متعلقان به وجملة والموت أقرب غائب اعتراضية . والعقار بالضم : الخمر .
والفدى بكسر الفاء وفتحها وبالقصر : مصدر فداه من الأسر يفديه : إذا استنقذه بمال واسم ذلك المال الفدية وهو عوض الأسير وأما الفداء بالكسر والمد فمصدر فاديته مفاداة وفداء : أخذت فديته وأطلقته وقال المبرد : المفاداة : أن تدفع رجلاً وتأخذ رجلاً والفدى : أن تشتريه وقيل هما واحد .
تنبيه أورد أبو تمام في الحماسة هذه الأبيات على غير هذا النمط وقال : ذكروا أن رجلين من بني أسد خرجا إلى أصبهان فآخيا بها دهقاناً في موضع يقال له راوند فمات أحدهما وبقي الآخر والدهقان ينادمان قبره ويشربان كأسين ويصبان على
____________________

قبره كأساً فمات الدهقان فكان الأسدي ينادم قبريهما ويشرب قدحاً ويصب على قبريهما قدحين ويترنم بهذا الشعر : )
خليلي هبا طالما قد رقدتما . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( ألم تعلما ما لي براوند كلها ** ولا بخزاق من صديق سواكما ) ( أصب على قبريكما من مدامة ** فإلا تنالاها ترو جثاكما ) أقيم على قبريكما . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وأبكيكما حتى الممات وما الذي . . . . . . . . . . . . البيت ( جرى النوم بين الجلد واللحم منكما ** كأنكما ساقي عقار سقاكما ) وروى الأصبهاني في الأغاني بسنده إلى يعقوب بن السكيت أن هذا الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي قدم قاشان وله نديمان فماتا فكان يجلس عند قبريهما وهما براوند بموضع يقال له خزاق فيشرب ويصب على القبرين حتى يقضي وطره ثم ينصرف وينشد وهو يشرب . وروى ما رواه أبو تمام وزاد عليه . ( تحمل من يبغي القفول وغادروا ** أخا لكما أشجاه ما قد شجاكما ) ( أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ** وليس مجاباً صوته من دعاكما ) ( قضيت بأني لا محالة هالك ** وأني سيعروني الذي قد عراكما ) وروى الأصبهاني أيضاً بسنده إلى عبد الله بن صالح البجلي أنه قال : بلغني أن ثلاثة نفرٍ من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجهه الحجاج إلى الديلم وكانوا يتنادمون ولا يخالطون غيرهم وإنهم لعلى ذلك إذا مات أحدهم فدفنه صاحباه فكانا يشربان عند قبره فإذا بلغه الكأس هراقاها على قبره وبكيا . ثم إن الثاني مات
____________________

فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصب كأسين عليهما ويبكي ويقول ثم ذكر الأبيات التي تقدم ذكرها وقال مكان براوند : بقزوين قال : وقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء .
قال الأصبهاني : وذكر العتبي عن أبيه أن الشعر للحزين بن الحارث أحد بني عامر بن صعصعة وكان أحد نديميه من بني أسد والآخر من بني حنيفة فلما مات أحدهما كان يشرب ويصب على قبره ويقول : ( لا تصرد هامةً من كأسها ** واسقه الخمر وإن كان قبر ) ( كان حراً فهوى فيمن هوى ** كل عودٍ ذي شعوبٍ ينكسر ) ثم مات الآخر فكان يشرب على قبريهما ويقول : )
وأما أبو عبيد في معجم ما استعجم وياقوت في معجم البلدان فقد نسبا هذه الأبيات للأسدي وذكرا حكايته كأبي تمام ثم قال ياقوت : وقال بعضهم : إن هذا الشعر لقس بن ساعدة في خليلين له كانا وماتا .
وقال آخرون هذا الشعر لنصر بن غالب يرثي به أوس بن خالد وأنيسا وزاد في الأبيات ونقص وهذه روايته بعد البيت الأول : ( أجدكما ما ترثيان لموجع ** حزينٍ على قبريكما قد رثاكما ) جرى النوم بين العظم والجلد منكما . . . . . . . . . . . . البيت ألم تعلما مالي براوند كلها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( أصب على قبريكما من مدامةٍ ** فإلا تذوقاها ترو ثراكما ) ( ألم ترحماني أنني صرت مفرداً ** وأني مشتاقٌ إلى أن أراكما ) ( فإن كنتما لا تسمعان فما الذي ** خليلي عن سمع الدعاء نهاكما ) أقيم على قبريكما لست بارحا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت
____________________

وأبكيكماطول الحياة وما الذي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت قال ياقوت راوند : بليدة قرب قاشان وأصفهان قال حمزة : أصلها راهاوند ومعناها الخير المضاعف . قال بعضهم : وراوند مدينة بالموصل قديمة بناها راوند الأكبر بن بيوراسف الضحاك .
وخزاق : بضم الخاء وبالزاي المعجمتين وآخره قاف : موضع في سواد أضفهان . كذا في المعجم لأبي عبيد وأنشد هذا البيت . ورأيت في هامشه بخط من يوثق به : خزاق اسم قرية من قرى راوند من أعمال أصفهان . والجثا بضم الجيم وبالثاء المثلثة : جمع جثوة مثلثة الجيم وهي الحجارة المجموعة والجسد . والدهقان معرب دهجان ومعناه رئيس القرية وفي القاموس : الدهقان بالكسر والضم زعيم فلاحي العجم ورئيس الإقليم معرب .
وقوله ألم تعلما مالي : ما نافية قال ابن جني في إعراب الحماسة : استعملها بعد العلم وهي مقتضية لمفعوليها لما دخلها من معنى القسم فكأنه قال : والله مالي براوند من صديق غيركما وجاز استعمال العلم في موضع القسم من حيث كانا مثبتين مؤكدين . انتهى .
وقس بن ساعدة إيادي بكسر الهمزة وإياد حي من معد بن عدنان . قال الذهبي : قس بن )
ساعدة أورده ابن شاهين وعبدان في الصحابة . وكذلك قال ابن حجر في الإصابة : ذكره أبو علي بن السكن وابن شاهين وعبدان المروزي وأبو موسى في الصحابة وصرح ابن السكن بأنه مات قبل البعثة .
وفي سيرة ابن سيد الناس بسنده إلى ابن عباس قال : قدم الجارود بن عبد الله وكان سيداً في قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والذي بعثك بالحق
____________________

لقد وجدت صفتك في الإنجيل ولقد بشر بك ابن البتول فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله . قال : فآمن الجارود وأمن من قومه كل سيد . فسر النبي صلى الله عليه وسلم بهم وقال : يا جارود هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قساً قالوا : كلنا نعرفه يا رسول الله وأنا من بين يدي القوم كنت أقفو أثره كان من أسباط العرب فصيحاً عمر سبعمائة سنة أدرك من الحواريين سمعان فهو أول من تأله من العرب أي : تعبد كأني أنظر إليه يقسم بالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله وليوفين كل عامل عمله ثم أنشأ يقول : ( هاج للقلب من جواه ادكار ** وليالٍ خلالهن نهار ) في أبيات آخرها : ( والذي قد ذكرت دل على الله ** نفوساً لها هدى واعتبار ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلك ياجارود فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل أورق وهو يتكلم بكلام ما أظن أني أحفظه . فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله فإني أحفظه : كنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ فقال في خطبته : يا أيها الناس اسمعوا وعوا فإذا وعيتم فانتفعوا إنه من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت أت . . إلى آخر ما أورده من الوعظ .
والذي في كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني : عاش قس بن ساعدة ثلثمائة وثمانين سنة وقد أدرك نبينا صلى الله عليه وسلم وسمع النبي صلى الله عليه وسلم حكمته وهو أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية وأول من توكأ على عصا وأول من قال أما بعد . وكان من حكماء العرب . وهو أول من كتب من فلان إلى فلان ابن فلان .
وقال المرزباني : ذكر كثير من أهل العلم أنه عاش ستمائة سنة .
____________________


وذكر الجاحظ في البيان والتبيين قساً وقومه وقال : إن له ولقومه فضيلة ليست لأحد من العرب )
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى كلامه وموقفه على جمله بعكاظ وموعظته . وعجب من حسن كلامه وأظهر تصويبه . وهذا شرف تعجز عنه الأماني وتنقطع دونه الآمال . وإنما وفق الله ذلك لقس لاحتجاجه للتوحيد ولإظهار الإخلاص وإيمانه بالبعث ومن ثم كان قس خطيب العرب قاطبة .
وفي نسبه خلاف . فقيل قس بن ساعدة بن حذافة بن زفر وقيل حذافة بن زهر بن إياد بن نزار .
وقيل هو قس بن ساعدة بن عمرو بن عدي بن مالك بن ايدعان بن النمر بن واثلة بن الطشان بن عوذ بن مناة بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد . وقيل : هو ابن ساعدة بن عمرو بن شمر بن عدي بن مالك والله أعلم .
وأنشد بعده : ( أحقاً بني أبناء سلمى بن جندل ** تهددكم إياي وسط المجالس ) على أن حقاً ظرف منصوب بتقدير في .
وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والستين من باب المبتدأ .
____________________


وأنشد بعده وهو
الشاهد الثالث والتسعون وهو من شواهد سيبويه : ( دعوت لما نابني مسوراً ** فلبى فلبي يدي مسور ) على أن لبيك مثنى عند سيبويه لا مفرد ك لدى قلبت ألفها ياء لما أضيفت إلى المضمر خلافاً ليونس بدليل بقاء يائها مضافة إلى الظاهر كما في هذا البيت .
أما الأول فقد قال أبو حيان في الارتشاف : ذهب الخليل وسيبويه والجمهور إلى أن لبيك تثنية وحكى سيبويه عن بعض العرب لب على أنه مفرد لبيك غير أنه مبني على الكسر كأمس وعلق لقلة تمكنه ونصبه نصب المصدر كأنه قال : إجابةً . وزعم ابن مالك أنه اسم فعل . وهو فاسد لإضافته ويضاف إلى الظاهر تقول : لبي زيد وإلى ضمير الغائب قالوا : لبيه . ودعوى الشذوذ فيهما باطلة . انتهى .
وهذا مخالف لما قاله ابن هشام في المغني : أن شرط مجرور لبي وسعدي وحناني ضمير الخطاب وشذ : ( دعوني فيا لبي إذا هدرت لهم ** شقاشق أقوامٍ فأسكتها بدري )
____________________

لعدم الإضافة ونحو : لقلت لبيه لمن يدعوني لإضافته إلى ضمير الغيبة كما شذ إضافته إلى الظاهر في قوله : فلبى فلبي يدي مسور وأما الثاني فهو اسم مفرد مقصور عند يونس . قال ابن جني في سر الصناعة : أصله عنده لببٌ ووزنه فعللٌ ولا يجوز أن تحمله على فعل لقلة فعل في الكلام وكثرة فعلل فقلبت الباء التي هي اللام الثانية من لبب ياءً هرباً من التضعيف فصار لبي ثم أبدل الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت لبا ثم إنها لما وصلت بالكاف في لبيك وبالهاء في لبيه قلبت الألف ياء كما قلبت في على ولدى إذا وصلتها بالضمير ووجه الشبه بينهما : أنه اسم ليس له تصرف غيره في الأسماء لأنه لا يكون إلا منصوباً ولا يكون إلا مضافاً كما أن إليك وعليك ولديك لا تكون إلا منصوبة المواضع ملازمة للإضافة فقلبوا ألفه ياء فقالوا : لبيك كما قالوا : عليك . ونظير هذا كلا وكلتا في قلب ألفهما ياء متى اتصلت بضمير وكانت في موضع نصب أو جر ولم يقلبوا الألف في )
موضع الرفع ياء لأنهما بعدا برفعهما عن شبه عليك ولديك إذ كان لاحظ لهن في الرفع .
____________________


واحتج سيبويه على يونس فقال : لو كانت ياء إليك بمنزلة ياء عليك ولديك لوجب متى أضفتها إلى المظهر أن تقرها ألفاً فلبي في هذا البيت بالياء مع إضافته إلى المظهر دلالة على أنه اسم مثنى .
وأجاب ابن جني في المحتسب : بأن من العرب من يبدل ألف المقصور في الوقف ياء فيقول : هذه عصي ورأيت حبلي ومنهم من يبدلها واواً فيه أيضاً فيقول : هذه عصو وحبلو وفي الوصل أيضاً نحو هذه حبلو يا فتى ومنه قراءة الحسن : يوم يدعو كل أناسٍ بضم الياء وفتح العين .
وعلى هذا التخريج يسقط قول سيبويه عن يونس .
قال أبو علي : يمكن يونس أن يقول : إنه أجرى الوصل مجرى الوقف فكما يقول في الوقف : عصى وفتى كذلك قال : فلبي ثم وصل على ذلك . هذا ما قاله أبو علي . وعليه يقال : كيف يحسن تقدير الوقف على المضاف دون المضاف إليه وجوابه أن ذلك قد جاء أنشد أبو زيد : ضخم نجاري طيبٌ عنصري أراد عنصري فثقل الراء لنية الوقف ثم أطلق ياء الإضافة من بعد . وإذا جاز هذا التوهم مع أن المضاف إليه مضمر والمضمر المجرور لا يجوز تصور انفصاله فجوازه مع المظهر أولى من حيث كان المظهر أقوى من المضمر . ومثله قوله : يا ليتها قد خرجت من فمه أراد : من فمه ثم نوى الوقف على الميم فثقلها على حد قولهم في الوقف : هذا خالدٌ وهو يجعل ثم أضاف على ذلك . ويروى : من فم يضم الميم أيضاً وفيه أكثر من هذا . انتهى .
فوزن لبيك عندهما فعليك وعند يونس فعللك .
واعلم أن الشارح جوز أن يكون أصل لبيك إما إلبابين حذف منها
____________________

الزوائد وإما من لب بالمكان بمعنى أقام فلا حذف . وينبغي أن يكون المأخوذ منه هذا فإنه لا تكلف فيه وفعله ووصفه ثابت أما الفعل فقد روى المفضل بن سلمة في الفاخر : أنه يقال : لب بالمكان : إذا أقام فيه وأنشد قول الراجز : وأما الوصف فقد قال صاحب الصحاح : ورجل لبٌ أي : لازم للأمر وأنشد : لبا بأعجاز المطي لاحقا )
ورجل لبيب مثل لب قال : ( فقلت لها فيئي إليك فإنني ** حرامٌ وإني بعد ذاك لبيب ) وقيل : هو بمعنى ملب بالحج من التلبية وحرام : بمعنى محرم وبعد ذاك أي : مع ذاك . وقيل : إنه مأخوذ من قولهم : داري تلب دارك أي : تقابلها فيكون معناه : اتجاهي إليك وإقبالي عليك .
حكاهما المضل في الفاخر وأسند أولهما إلى الخليل عن أبي عبيد . وقيل : معناه إخلاصي لك من قولهم : حسبٌ لباب .
واختلف في كاف لبيك فقال أبو حيان في الارتشاف : وهي في لبيك وسعديك وحنانيك الواقع موقع الذي هو خير في موضع المفعول وفي دواليك وهذاذيك وحنانيك إذا وقعت موقع الطلب في موضع الفاعل . وذهب الأعلم إلى أن الكاف حرف خطاب فلا موضع لها من الإعراب .
وحذفت النون لشبه الإضافة . ويجوز استعمال لبيك وحده وأما سعديك فلا يستعمل إلا تابعاً للبيك . انتهى .
____________________


وقوله في البيت فلبى هو فعل ماض من التلبية وفاعله الضمير العائد إلى مسور قال الشارح المحقق وأما قولهم : لبى يلبي فهو مشتق من لبيك لأن معنى لبى : قال لبيك كما أن معنى سبح وسلم وبسمل : قال سبحان الله وسلام عليك وبسم الله .
وهذا مأخوذ من سر الصناعة لابن جني فإنه قال : فأما حقيقة لبيت عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء وإنما الياء في لبيت هي الياء في قولهم : لبيك وسعديك اشتقوا من الصوت فعلا مجمعا من حروفه كما قالوا من سبحان الله : سبحت أي : قلت سبحان الله ومن لا إله إلا الله : هللت ومن لا حول ولا قوة إلا بالله : حوقلت وحولقت ومن بسم الله : بسملت ومن هلم وهو مركب من ها ولم عندنا وهل وأم عند البغداديين فقالوا : هلممت .
وكتب إلي أبو علي في شيء سألته عنه قال : قال بعضهم : سألتك حاجة فلا ليت لي أي قلت لي : لا وسألتك حاجة فلوليت لي أي : قلت لي : لولا قال : وقالوا : بأبأ الصبي أباه أي : قال له بابا . وكذلك اشتقوا أيضاً لبيت من لفظ لبيك فجاؤوا في لبيت بالياء التي هي للتثنية .
ثم قال ابن جني : وقول من قال : إن لبيت بالحج إنما هو من قولنا ألب بالمكان إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه . ألا ترى أن الياء في لبيك عند يونس إنما هي بدل من الألف المبدلة من الياء المبدلة من الباء الثالثة في لبب . انتهى . )
وعندي أن التلبية من مادة معتلة غير مادة المضاعف ونظائره كثيرة مثل صر وصرى فإن لبى غير منحصر معناه في قال لبيك بل يأتي بمعنى أقام ولازم مثل ألب بالمكان قال طفيل الغنوي أنشده المفضل في الفاخر :
____________________

( رددن حصيناً من عدي ورهطه ** وتيم تلبي في العروج وتحلب ) أي : تلازمها وتقيم بها .
وقوله لما نابني : اللام للتعليل . واستشهد به صاحب الكشاف على أن اللام في قوله تعالى : يدعوكم ليغفر لكم تعليله كما في هذا البيت . ومسور بكسر الميم : اسم رجل . والفاء الأولى عطفت جملة لبى على جملة دعوت والثانية سببية ومدخولها جملة دعائية يقول : دعوت مسوراً لدفع ما نابني فأجابني أجاب الله دعاءه قال الشاطبي في شرح الألفية : روي في بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا دعا أحدكم أخاه فقال لبيك فلا يقولن لبي يديك وليقل أجابك الله بما تحب . وهذا يشعر بأن عادة العرب إذا دعت فأجيبت بلبيك أن تقول : لبي يديك فنهى عليه الصلاة والسلام عن هذا القول وعوض منه كلاماً حسناً .
وقال الأعلم : يقول : دعوت مسوراً لدفع نائبه نابتني فأجابني بالعطاء فيها وكفاني مؤنتها . وكأنه سأله في دية . وإنما لبى يديه لأنهما الدافعتان إليه ما سأله منه فخصهما بالتلبية لذلك . ( دعوت فتى أجاب فتى دعاه ** بلبيه أشم شمردلي ) وأنشد بعده وهو
الشاهد الرابع والتسعون وهو من أبيات س :
____________________

( إذا شق بردٌ شق بالبرد مثله ** دواليك حتى كلنا غير لابس ) على أن دواليك منصوب بعامل محذوف .
قال : يقال دواليك أي : تداول الأمر دوالين ظاهره أن دواليك بدل من فعل الأمر . وليس كذلك كما يعلم مما سيأتي .
اعلم أن دوالين مثنى دوال والدوال بالكسر : مصدر داولت الشيء مداولة ودولا وبالفتح : اسم مصدر . وروي بالوجهين ما أنشده أبو زيد في نوادره لضباب بن سبيع بن عوف الحنظلي : ( جزوني بما ربيتهم وحملتهم ** كذلك ما أن الخطوب دوال ) والتداول : حصول الشيء في يد هذا تارة وفي يد ذاك أخرى والاسم الدولة بفتح الدال وضمها ومنهم من يقول : الدولة بالضم في المال وبالفتح في الحرب ودالت الأيام مثل دارت وزناً ومعنى . ودواليك معناه مداولة بعد مداولة وثني لأنه فعل اثنين .
قال الشاطبي : ولا تجوز إضافته إلى الظاهر لا تقول : دوالي زيد . وقال الأعلم : الكاف للخطاب ولذلك لم يتعرف بها ما قبلها .
وأنشد سيبويه هذا البيت على أن دواليك مصدر وضع موضع الحال .
ودل قوله : إذا شق برد على الفعل الذي نصب دواليك أي : نشقهما متداولين بإضمار فعل له ولها يعمل في دواليك . وروي : إذا شق بردٌ شق بالبرد برقع
____________________

يعني أنه يشق برقعها وهي تشق برده . ومعناه : أن العرب يزعمون أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودتهما ولم تفسد . وقال أبو عبيدة : كان من شأن العرب إذا تجالسوا مع الفتيات للتغزل أن يتعابثوا بشق الثياب لشدة المعالجة عن إبداء المحاسن . وقيل إنما يفعلون ذلك ليذكر كل واحد منهما صاحبه به .
وقال العيني : كانت عادة العرب في الجاهلية أن يلبس كل واحد من الزوجين برد الآخر ثم يتداولان على تخريقه حتى لا يبقى فيه لبس طلباً لتأكيد المودة . وقال الجوهري : يزعم النساء إذا شق أحد الزوجين عند البضاع شيئاً من ثوب صاحبه دام الود بينهما وإلا تهاجرا . )
وشق في الموضعين بالبناء للمفعول وبردٌ ومثله : نائبا الفاعل والباء للمقابلة . والبرد : الثوب من أي شيء كان وقال أبو حاتم : لا يقال له برد حتى يكون فيه وشي فإن كان من صوف فهو بردة . وحتى ابتدائية وكلنا مبتدأ وغير لابس خبره .
وروى العيني : ليس للبرد لابس كصاحب الصحاح . وهو غير صحيح فإن القوافي مجرورة .
وأثبت صاحب الصحاح هذاذيك موضع دواليك والصواب ما ذكرنا . وأنشده سيبويه أيضاً كصاحب الصحاح فيكون فيه إقواء .
وهذا البيت من قصيدة لسحيم عبد بني الحسحاس . وأولها : ( كأن الصبيريات يوم لقيننا ** ظباءٌ حنت أعناقها للمكانس ) ( وهن بنات القوم إن يشعروا بنا ** يكن في ثياب القوم إحدى الدهارس ) وقبل البيت الشاهد : ( فكم قد شققنا من رداءٍ منيرٍ ** على طفلةٍ ممكورةٍ غير عانس )
____________________

قال ابن السيد : أراد بالصبيريات : نساء بني صبيرة بن يربوع . وحنت : أمالت . والمكانس : جمع مكنس بمعنى الكناس وهو موضع الظباء في الشجر يكتن فيه ويستتر وكنس الظبي يكنس بالكسر . والدهارس : بفتح الدال : الدواهي جمع دهرس كجعفر والدهاريس جمع الجمع .
والرداء المنير : الذي له نير بالكسر وهو علم الثوب . وجارية طفلة بفتح الطاء أي : ناعمة .
والمناسب لقوله غير عانس أن يكون طفلة بكسر الطاء . والممكورة : المطوية الخلق من النساء يقال : امرأة ممكورة الساقين أي : جدلاء مفتولة .
وقال ابن السيد : الممكورة : الطويلة الخلق . والعانس بالنون في الصحاح : عنست الجارية تعنس عنوساً وعناساً فهي عانس وذلك إذا طال مكثها في منازل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار وهذا ما لم تتزوج فإن تزوجت مرة فلا يقال عنست . يقول : إذا شق هؤلاء النساء اللاتي يلعبن معي بردي شققت أنا أيضاً أرديتهن وبراقعهن حتى نعرى جميعاً . ومثل هذا قول رجل من بني أسد : ( كأن ثيابي نازعت شوك عرفطٍ ** ترى الثوب لم يخلق وقد شق جانبه ) وسحيمٌ عبد بني الحسحاس من المخضرمين : قد أدرك الجاهلية والإسلام . ولا يعرف له صحبة . وكان أسود شديد السواد . وبنو الحسحاس قال بن هشام في السيرة : هم من بني أسد )
بن خزيمة والحسحاس بمهملات هو ابن نفاثة بن سعد ابن عمرو بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس . ومن شعر سحيم : ( إن كنت عبداً فنفسي حرةٌ كرماً ** أو أسود اللون إني أبيض الخلق ) وله القصيدة المشهورة التي مطلعها وهو من شواهد مغني اللبيب :
____________________

قال المبرد في الكامل : وكان عبد بني الحسحاس يرتضخ لكنةً حبشية فلما أنشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المطلع قال له عمر : لو كنت قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك .
فقال سحيم : ما سعرت يريد ما شعرت .
وفي الأغاني للأصبهاني من طريق أبي عبيدة قال : كان سحيم أسود أعجمياً أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم من شعره روى المرزباني في ترجمته والدينوري في المجالسة من طريق علي بن يزيد عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً فقال له أبو بكر رضي الله عنه إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم كالأول فقال أبو بكر : أشهد إنك لرسول الله وما علمناه الشعر وما ينبغي له . وقال عمر بن شبة : قدم سحيم بعد ذلك على عمر بن الخطاب فأنشده هذه القصيدة فقال له عمر : لو قدمت الإسلام لأجزتك .
وقتل سحيم في خلافة عثمان . قال بن حجر في الإصابة : يقال إن سبب قتله أن امرأة من بني الحسحاس أسرها بعض اليهود واستخصها لنفسه وجعلها في حصن له فبلغ ذلك سحيماً فأخذته الغيرة فما زال يتحيل له حتى تسور على اليهودي حصنه فقتله وخلص المرأة فأوصلها إلى قومها فلقيته يوماً فقالت له : يا سحيم والله لوددت أني قدرت على مكافأتك على تخليصي من اليهودي فقال لها : والله إنك لقادرة على ذلك عرض لها بنفسها فاستحيت وذهبت ثم لقيته مرة أخرى فعرض لها بذلك فأطاعته فهويها وطفق يتغزل فيها ففطنوا له فقتلوه خشية العار .
____________________


وقال ابن حبيب : أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سحيم عبد بني الحسحاس : ( الحمد لله حمداً لا انقطاع له ** فليس إحسانه عنا بمقطوع ) )
فقال : أحسن وصدق وإن الله يشكر مثل هذا ولئن سدد وقارب إنه لمن أهل الجنة . انتهى .
وقال اللخمي في شرح شواهد الجمل : اسم عبد بني الحسحاس سحيم وقيل اسمه حية ومولاه جندل بن معبد من بني الحسحاس . وكان سحيم حبشياً أعجمي اللسان ينشد الشعر ثم يقول : أهشند والله يريد أحسنت والله وكان عبد الله بن أبي ربيعة قد اشتراه وكتب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه : إني قد ابتعت لك غلاماً شاعراً حبشياً . فكتب إليه عثمان : لا حاجة لي به فاردده فإنما قصارى أهل العبد الشاعر إن شبع أن يشبب بنسائهم وإن جاع أن يهجوهم . فرده عبد الله فاشتراه أبو معبد فكان كما قال عثمان رضي الله تعالى عنه : شبب فمن ذلك قوله فيها : ( ألكني إليها عمرك الله يافتى ** بآية ما جاءت إلينا تهادياً ) ( وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ ** وحقفٍ تهاداه الرياح تهاديا ) ( وهبت شمالٌ آخر الليل قرةٌ ** ولا ثوب إلا بردها وردائيا ) ( توسدني كفا وتثني بمعصمٍ ** علي وتحوي رجلها من ورائيا ) ( فما زال بردي طيباً من ثيابها ** إلى الحول حتى أنهج البرد باليا ) ألكني إليها : معناه ابلغ رسالتي إليها . والألوك : الرسالة . وعلجانة : شجرة معروفة . والحقف : ما تراكم من الرمل . والقرة بالضم : البرد . وانهج : أخلق .
____________________


وذكر محمد بن حبيب في كتاب من قتل من الشعراء : أن سحيماً كان صاحب تغزل فاتهمه مولاه بابنته فجلس له في مكان إذا رعى سحيم قال فيه . فلما اضطجع تنفس الصعداء ثم قال : ( يا ذكرةً مالك في الحاضر ** تذكرها وأنت في السادر ) ( من كل بيضاء لها كعشبٌ ** مثل سنام الربع المائر ) فقال له سيده وظهر من موضعه الذي كان كمن فيه ومالك فلجلج في منطقه . فلما رجع وهم على قتله خرجت غليه صاحبته فحدثته وأخبرته بما يراد به فقام ينفض برده ويعفي أثره .
فلما انطلق به ليقتل ضحكت امرأة كان بينه وبينها شيء فقال : ( إن تضحكي مني فيا رب ليلةٍ ** تركتك فيها كالقباء المفرج ) فلما قدم ليقتل قال : ) ( شدوا وثاق العبد لا يغلبكم ** إن الحياة من الممات قريب ) ( فلقد تحدر من جبين فتاتكم ** عرقٌ على ظهر الفراش وطيب ) فقتل . انتهى .
تتمة قال ابن السيد في شرح شواهد الجمل وتبعه ابن خاف : إن سحيماً مصغر أسحم وهو الأسود تصغير ترخيم ويجوز أن يكون مصغر سحم وهو ضرب من النبات والأول أجود لأنه كان عبداً أسود . وأما الحسحاس فالأشبه أن يكون
____________________

اسماً مرتجلاً مشتقاً من قولهم : حسحست الشواء : إذا أزلت عنه الجمر والرماد وقد يمكن أن يكون منقولاً لأنهم قالوا : ذو الحسحاس : الرجل الجواد قال الراجز : فهو قطعاً منقول منه . وقوله : من حسحست الشواء . . قال في الصحاح : وحسست اللحم وحسحسته بمعنى : إذا جعلته على الجمر . . وحسست النار : إذا رددتها بالعصا على خبزة الملة أو الشواء من نواحيه لينضج . ومن كلامهم : قالت الخبزة : لولا الحس ما باليت بالدس .
فكلامه لا يوافق شيئاً من هذا فتأمل .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الخامس والتسعون وهو من أبيات سيبويه : ضرباً هذاذيك وطعناً وخضا على أن هذاذيك بمعنى أسرع إسراعين أي : ضرباً يقال فيه هذاذيك . أراد أن هذاذيك بمعنى أسرع وأنه بدل من فعل الأمر . ولا يخفى أنه بدل من الهذ وهو في جميع تصرفاته معناه السرعة في القطع لا السرعة مطلقاً بل حكم اللحياني في نوادره أن الهذ : القطع نفسه . وأنشد هذا البيت .
وكذلك صاحب القاموس قال : هذاذيك : قطعاً بعد قطع .
وهذاذيك ليس بدلاً من فعل الأمر حتى يحتاج إلى تقدير القول ليصح وقوعه وصفاً لما قبله بل معناه ضرباً يهذ هذاً بعد هذٍ أي : قطعاً سريعاً بعد قطع سريع فهو صفة بدون إضمار القول والأنسب تهذ به هذاً بالخطاب ليظهر كونه مضافاً لفاعله .
____________________


وجوز شراح أبيات سيبويه وأبيات الجمل أن يكون بدلاً من قوله ضرباً وان يكون حالاً منه على ضعف .
وقال ابن هشام اللخمي : وقيل : إن هذاذيك منصوب بإضمار فعل من لفظه وذلك الفعل في موضع نصب على الصفة للضرب وذلك الضرب منصوب بإضمار فعلٍ من لفظه كأنه قال : تضربه ضرباً يهذ اللحم هذاً بعد هذ أو تطعنهم طعناً وخضاً يردد دمائهم في أجوافهم . وقال ابن السيد : معنى ضرباً هذاذيك : ضرباً يهذك هذاً بعد هذ . وهذا عكس المعنى المراد كأنه ظن أن المصدر مضاف لمفعوله وليس كذلك .
وهذا البيت من أرجوزة للعجاج مدح بها الحجاج بن يوسف الثقفي عامله الله بما يستحقه وذكر فيها ابن الأشعث وأصحابه . وقبله : ( تجزيهم بالطعن فرضاً فرضا ** وتارةً يلقون قرضاً قرضا ) ( حتى تقضي الأجل المنقضا ** ضرباً هذاذيك وطعناً وخضا ) يمضي إلى عاصي العروق النحضا ( جاؤوا مخلين فلاقوا حمضا ** طاغين لا يزجر بعضٌ بعضا ) قوله : تجزيهم الخطاب للحجاج والضمير المنصوب لابن الأشعث وأصحابه متعد لمفعولين )
يقال : جزاه الله خيراً . والطعن يكون بالرمح وفعله من باب قتل . والفرض بالفاء : الحز في الشيء والثاني تأكيد للأول . والقرض بالقاف : القطع وتقضي بالبناء للفاعل والخطاب أيضاً يقال قضى حاجته بالتشديد كقضى بالتخفيف : أي : أتمها . والمنقض : الساقط يقال انقض الجدار أي : سقط وانقض الطائر : هوى في طيرانه . أي : يجازيهم إلى أن يتم أجلهم المنقض عليهم انقضاض الطير على صيده .
وقوله : ضرباً هذاذيك : ضرباً إما منصوب بفعل محذوف أي : تضربهم ضرباً والجملة حال من فاعل تقضى ويجوز أن يكون منصوباً بنزع الخافض أي :
____________________

بضرب . والوخض بفتح الواو وسكون الخاء المعجمة : مصدر وخضه بمعنى طعنه من غير أن ينفذ في جوفه . يريد : إنك تضرب أعناقهم وتطعن في أجوافهم . ويمضي من الإمضاء يقال أمضيت الأمر : إذا أنفذته ومفعوله النحض وهو بفتح النون وسكون المهملة وهو اللحم . وعاصي العروق أي : العروق العاصية . في الصحاح : العاصي : العرق الذي لا يرقأ . ومخلين : اسم فاعل من أخل إذا طلب الخلة بضم الخاء وهي من النبت ما هو حلو . والحمض بفتح المهملة وسكون الميم : ما ملح وأمر من النبات كالأثل وترجمة العجاج قد تقدمت في الشاهد الحادي والعشرين .
وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والتسعون : جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط على أن قولهم : هل رأيت وقعت صفة مذق بتقدير القول يعني أن الجملة التي تقع صفة شرطها أن تكون خبرية لأنها في المعنى كالخبر عن الموصوف فجملة هل رأيت . . ظاهرها أنها وقعت صفة لمذق مع أنها استفهامية والاستفهام قسم من الإنشاء . فأجاب بأن التحقيق أنها معمولة للصفة المحذوفة أي : بمذق مقولٍ فيه : هل رأيت أو يقول فيه من رآه هذا القول ونحوه .
وهذا البيت قد كرر الشارح إنشاده في هذا الكتاب فقد أورده في النعت وفي الموصول مرتين وفي أفعال القلوب وفي الحروف المشبهة بالفعل . ورواه الدينوري في النبات وابن قتيبة في أبيات المعاني والزجاجي وابن الشجري في أماليهما :
____________________

جاؤوا بضيحٍ هل رأيت الذئب قط وقال الدينوري : نزل هذا الشاعر بقوم فقروه ضياحاً وهو اللبن الذي قد أكثر عليه من الماء . )
وقال ابن جني في المحتسب : قوله هل رأيت : جملة استفهامية إلا أنها في موضع وصف الضيح حملاً على معناها دون لفظها لأن الصفة ضرب من الخبر فكأنه قال : جاؤوا بضيح يشبه لونه لون الذئب . والضيح هو اللبن المخلوط بالماء فهو يضرب إلى الخضرة والطلسة .
وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى : واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا على أن لا تصيبن صفة لفتنة على إرادة القول كهذا البيت .
والمذق : اللبن الممزوج بالماء وهو يشبه لون الذئب لأن فيه غبرة وكدرة واصله مصدر مذقت اللبن : إذا مزجته بالماء . وقط استعملت هنا مع الاستفهام مع أنها لا تستعمل إلا مع الماضي المنفي لأن الاستفهام أخو النفي في أكثر الأحكام . لكن قال ابن مالك : قد ترد قط في الإثبات .
واستشهد له بما وقع في حديث البخاري في قوله : قصرنا الصلاة في السفر مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قط . وأما قوله : جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط فلا شاهد فيه لأن الاستفهام أخو النفي . وهذا مما خفي على كثير من النحاة . انتهى .
وتبعه الكرماني عليه في شرح هذا الحديث .
قال المبرد في الكامل : العرب تختصر التشبيه وربما أومأت به إيماء قال
____________________

أحد الرجاز : ( بتنا بحسانٍ ومعزاه يئط ** ما زلت أسعى بينهم وألتبط ) يقول في لون الذئب . واللبن إذا اختلط بالماء ضرب إلى الغبرة . انتهى .
وبتنا : ماضٍ من المبيت في المصباح : بات بموضع كدا أي : صار به سواء كان في ليل أو نهار وبات يفعل كذا : إذا فعله ليلاً ولا يقال بمعنى نام . وحسان : اسم رجل ينصرف إن اخذ من الحسن ولا ينصرف إن كان من الحسن بالتشديد . والمعزى : من الغنم خلاف الضأن وهو اسم جنس وكذلك المعز والواحد ماعز والأنثى ماعزة وهي العنز .
قال سيبويه : ألف معزى للإلحاق بدرهم ى للتأنيث فهو منون مصروف بدليل تصغيره على معيز فلو كانت للتأنيث لم يقلبوها ياء كما لم يقلبوها في حبيلى وهو مضاف إلى ضمير حسان .
ويئط : مضارع أط أي : صوت جوفه من الجوع والمصدر الأطيط كذا في الصحاح ويأتي بمعنى تصويت الرحل والإبل من ثقل أحمالها وعليه اقتصر العيني ولا مناسبة له هنا .
وروي بعده بيتان زيادة في بعض الروايات وهما : )
يلمس أذنه وحيناً يمتخط يقال : امتخط وتمخط أي : استنثر وربما قالوا : امتخط ما في يده : نزعه واختلسه كذا في الصحاح .
في سمنٍ منه كثيرٍ وأقط متعلق بقوله يمتخط . والسمن بسكون الميم وفتحها هنا للضرورة . والأقط : قال الأزهري : اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل وهذا يدل على خسته ودنسه .
ما زلت أسعى بينهم وألتبط
____________________

أعاد الضمير من بينهم إلى حسان باعتبار حيه وقبيلته أسعى بينهم أي : أتردد إليهم وألتبط : أعدو يقال التبط البعير : إذا عدا وضرب بقوائمه الأرض وتلبط : اضطجع وتمرغ . وروى بدله : وأختبط أي : أسأل معروفهم من غير وسيلة وهذا يدل على كمال شحهم حيث كان ضيفاً عندهم لم يشبعوه مع أنه يعرض لمعروفهم .
حتى إذا كان الظلام يختلط غاية لقوله أسعى وألتبط . وكاد : قرب . وروى : حتى إذا جن الظلام واختلط يريد ستر الظلام كل شيء . وصفهم بالشح وعدم إكرامهم الضيف وبالغ في أنهم لم يأتوا بما أتوا به إلا بعد سعي ومضي جانب من الليل ثم لم يأتوا إلا بلبن أكثره ماء .
وهذا الرجز لم ينسبه أحد من الرواة إلى قائله . وقيل : قائله العجاج والله أعلم .
وأنشد بعده وهو وهو من شواهد سيبويه : ( فقالت : حنانٌ ما أتى بك ههنا ** أذو نسب أم أنت بالحي عارف ) على أن لبيك ودواليك ونحوهما مصادر لم تستعمل إلا للتكرير بخلاف حنانيك فإنه يستعمل حنان : يريد أن حنانيك لا يلزم أن يكون للتكرير بل قد يكون له وقد لا يكون بل قد استعمل مفرداً كما في هذا البيت . ويزاد عليه
____________________

دواليك أيضاً فإنه لا يلزم وقد استعمل مفرده كما تقدم قريباً .
والحنان الرحمة وهو مصدر حن يحن بالكسر حناناً وتحنن عليه : ترحم والعرب تقول حنانك )
يارب وحنانيك بمعنى واحد أي : رحمتك كذا في الصحاح .
وقال ابن هشام في شرح الشواهد تبعاً للفارسي في التذكرة القصرية : والأصل أتحنن عليك تحنناً ثم حذف الفعل وزائد المصدر فصار حناناً . انتهى : وهذا تكلف مع وجود حن يحن .
وأنشده سيبويه على أن حناناً خبر مبتدأ محذوف أي شأني حنان والأصل أحن حناناً فحذف الفعل ورفع المصدر على الخبرية لتفيد الجملة الاسمية الدوام : وما استفهامية مبتدأ وجملة أتى بك خبره . ثم سألته عن علة مجيئه : هل هو نسب بينه وبين قومها أو لمعرفة بينه وبينهم والمعنى : لأي شيء جئت إلى هنا ألك قرابة جئت إليهم أم لك معرفة بالحي وهذا البيت من جملة أبيات للمنذر بن درهم الكلبي ذكرها أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب وياقوت في معجم البلدان عن أبي الندى وهي : ( سقى روضة الثري عنا وأهلها ** ركام سرى من آخر الليل رادف ) ( أمن حب أم الأشيمين وذكرها ** فؤادك معمودٌ له أو مقارف ) ( تمنيتها حتى تمنيت أن أرى ** من الوجد كلباً للوكيعين آلف ) ( أقول وما لي حاجة في ترددي ** سواها بأهل الروض هل أنت عاطف )
____________________

( وأحدث عهدٍ من أمية نظرةٌ ** على جانب العلياء إذ أنا واقف ) ( تقول : حنان ما أتى بك ههنا ** أذو نسبٍ أم أنت بالحي عارف ) ( فقلت لها : ذو حاجةٍ ومسلم ** فصم علينا المأزق المتضايف ) قال ياقوت : روضة المثري بالثاء المثلثة ويروى بالمثناة . وأراد بالوكيعين : الوكيع بن الطفيل الكلبي وابنه . انتهى .
والظاهر أن المثري اسم رجل أضيفت الروضة إليه لكونه كان صاحبها وهو اسم مفعول من قولهم : ثرى الله القوم أي : كثرهم فالأصل مثروي قلبت الواو ياء وأدغمت عملاًً بالقاعدة أهلها : معطوف على روضة . وركامٌ فاعل سقى وهو بضم الراء السحاب المتراكم بعضه على بعض . والرادف نعته ومعناه الراكب خلف الشيء يريد : سحائب مترادفة بعضها خلف بعض . وجملة سرى نعت لركام وصف بها قبل الوصف بالمفرد .
وقوله : أمن حب الهمزة للاستفهام . والأشيمين : مثنى أشيم وهو الذي به شامة . والمعمود : السقيم يقال عمده المرض أي : فدحه ورجل وعمود وعميد أي : هده العشق . وله : أي : )
للحب . والمقارف : المقارب يقال : قارفه أي قاربه . وآلف : اسم فاعل من ألف يألف ألفة مبتدأ للوكيعين خبره والجملة صفة كلب .
وقوله هل أنت عاطف مقول أقول وهو خطاب لصاحبه يطلب منه العطف في الذهاب إلى حيها معه . وأحدث عهد أي : أقرب ما أعهده وأحفظه وهو مبتدأ ونظرة خبره . والعلياء بفتح العين : موضع وكل مكان عال مشرفٍ . والمسلم من التسليم بمعنى التحية . وصم بالبناء للمفعول أي : سد علينا من الصمم وهو انسداد الأذن وصم القارورة أي : سدها وأصمها : جعل لها صماماً بالكسر وهو مايسد به فمها . والمأزق بالهمز كمجلس : المضيق من أزق بالزاي المعجمة والقاف كفرح وضرب أزقاً وأزقا : ضاق . والمتضايف : المجتمع الذي أضيف بعضه على بعض .
____________________


وممن نسب البيت الشاهد للمنذر بن درهم الكلبي ابن خاف والزمخشري في شرح أبيات سيبويه وفي الكشاف استشهد به على أن حنانا في قوله تعالى : وحناناً من لدنا بمعنى الرحمة . وذكر معه البيت الذي قبله .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والتسعون : أرضاً وذؤبان الخطوب تنوشني على أن رضاً مصدر حذف فعله وجوباً للتوبيخ والأصل : أترضى رضاً فالهمزة للإنكار التوبيخي وهو يقتضي أن ما بعدها واقع وفاعله ملوم والواو واو الحال . والذؤبان : جمع ذئب جمع كثرة والخطوب جمع خطب بالفتح وهو الأمر الشديد ينزل على الإنسان والإضافة من قبيل لجين الماء أي : المصائب التي كالذئاب . وتنوشني مضارع ناشه نوشاً أي : تناله وتصيبه .
وجملة تنوشني خبر المبتدأ الذي هو ذؤبان . والجملة الاسمية حال من فاعل الفعل المحذوف .
وأنشد بعده وهو
الشاهد التاسع والتسعون وهو من شواهد سيبويه فاها لفيك ( فقلت له : فاها لفيك فإنها ** قلوص امرئٍ قاريك ما أنت حاذره ) على أن فاها لفيك وضع موضع المصدر والأصل فوها لفيك فلما صارت الجملة بمعنى المصدر أي : أصابته داهية أعرب الجزء الأول بإعراب المصدر
____________________

فصار فاها لفيك . وقيل فاها منصوب بفعل محذوف أي : جعل الله فا الداهية إلى فيك . ولهذا الوجه أنشده سيبويه .
قال الأعلم : الشاهد فيه قوله فاها لفيك أي : فم الداهية ونصبه على إضمار فعل والتقدير : ألصق الله فاها لفيك وجعل فاها لفيك . ووضع موضع دهاك الله فلذلك لزم النصب لأنه بدل من اللفظ بالفعل فجرى في النصب مجرى المصدر . وخص الفم في هذا دون سائر الأعضاء لأن أكثر المتالف يكون منه بما يؤكل أو يشرب من السموم . ويقال : معناه فم الخيبة لفيك فمعناه على هذا خيبك الله .
ومثله لأبي زيد في نوادره قال : وإذا أراد الرجل أن يدعو على رجل قال : فاها لفيك أي : لك الخيبة . قال الأخفش فيما كتبه على نوادره : والذي أختاره ما فسره الأصمعي وأبو عبيدة فإنهما قالا : معنى قولهم فاها لفيك : ألصق الله فاها لفيك يعنون الداهية والهلكة .
والأول تقدير سيبويه وكلاهما صحيح .
وقوله : فقلت له أي : لهواس وهو الأسد . وقوله : فإنها أي : راحلتي والقلوص : الناقة الشابة .
وعنى بامرئ نفسه . وقوله قاريك أي : يجعل موضع قراك وما يقوم لك مقام القرى ما أنت حاذره من الموت أي : ليس لك قرى عندي غير القتل مثل قوله تعالى : فبشرهم بعذابٍ أليم .
وقيل : يفسر فاها لفيك : أن الشاعر لما غشي الأسد ضربه ضربة واحدة فعض التراب فقال له : فاها لفيك يعني فم الأرض .
قال سيبويه : والدليل على أنه يريد بقوله فاها فم الداهية قول عامر بن جوين الطائي :
____________________

( وداهية من دواهي المنو ** ن يحسبها الناس لا فا لها ) ( دفعت سنا برقها إذا بدت ** وكنت على الجهد حمالها ) ومعنى لا فا لها : لا مدخل إلى معاناتها والتداوي منها أي : هي داهية مشكلة والمنون : الموت . )
وفا منصوب بلا واللام مقحمة والخبر محذوف أي : في الدنيا أو فيما يعلمه الناس . والسنا هو الضوء يريد : أنه دفع شرها والتهاب نارها حين أقبلت وكان هو حمال ثقلها .
والبيت الشاهد من أبيات أولها : ( تحسب هواسٌ وأيقن أنني ** بها مفتدٍ من واحد لا أغامره ) ( ظللنا معاً جارين نحترس الثأى ** يسائرني من ختله وأسائره ) فقلت له فاها لفيك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت تحسب بمعنى حسب بالتخفيف وقيل : هو بمعنى تحسس يقال : فلان يتحسس الأخبار أي : يتجسس وقيل : تحسب في معنى حسبته فتحسب مثل كفيته فاكتفى قال النحاس : معنى تحسب اكتفى .
وكذلك قال الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد عن المبرد أنه قال : معنى تحسب اكتفى من قولك حسبك كقوله تعالى : عطاءً حساباً أي : كافياً . وتقول العرب : ما أحسبك فهو لي محسب أي : ما كفاك فهو لي كاف .
والهواس : الأسد . سمي هواساً لأنه يهوس الفريسة أي يدقها والهوس : الدق الخفي وقيل : الهواس : الذي يطأ وطئاً خفياً حتى لا يشعر به .
قال السيرافي : معناه : أنه عرض الأسد لناقة هذا الشاعر فحكى عن الأسد أنه توهم أنني أدع الناقة وأفتدي بها من لقاء الأسد ولا أغامره ولا أقاتله ولا أرد معه غمرات الحرب . والرواية : تحسب هواس وأقبل وروي أيضاً : من صاحب لا أغاوره أي : أغور عليه ويغور علي .
وروى : لا أناظره . والثأى بالمثلثة والهمز على وزن الفتى : الخرم والفتق . والختل : المكر والخداع .
____________________


وهذه الأبيات قال الجرمي : هي لأبي سدرة الأعرابي . وقال أبو زيد في نوادره : إنها لرجل من بني الهجيم . وهما شيء واحد قال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب : أبو سدرة هو سحيم بن العرف من بني الهجيم بن عمرو بن تميم . وله مقطعات مليحة منها قوله في حسان بن سعد عامل الحجاج على البحرين : ( إلى حسان من أكناف نجدٍ ** رحلنا العيس تنفخ في براها ) ( نعد قرابةً ونعد صهراً ** ويسعد بالقرابة من رعاها ) ( فما جئناك من عدمٍ ولكن ** يهش إلى الإمارة من رجاها ) ) ( وأياً ما أتيت فإن نفسي ** تعد صلاح نفسك من غناها ) قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء . وفيه وفي قبيلته يقول جرير : ( وبنو الهجيم قبيلةٌ مذمومةٌ ** صفر اللحى متشابهو الألوان ) ( لو يسمعون بأكلة أو شربةٍ ** بعمان أصبح جمعهم بعمان ) يريد : أنهم يوقدون البعر فتصفر لحاهم بدخانه .
وهو شاعر إسلامي من معاصري جرير والفرزدق .
____________________

( المفعول به ) أنشد فيه وهو وهو من أبيات سيبويه : ( فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما أسهلا ) على أن أسهل مفعول لفعل محذوف وهو صفة وموصوفه محذوف أيضاً أي : قولي : ائت مكاناً أسهل .
هذا البيت لعمر بن أبي ربيعة . ويفهم من تقدير الشارح : أن عشيقته أرسلت إليه امرأة تعين له موضع الملاقاة وأمرتها أن تواعده أحد هذين الموضعين . وكذلك قال ابن خلف : المعنى أنها قالت لأمتها : واعديه الليلة أن يقصد السرحتين ويلتمس مكاناً سهلاً يقرب من ذلك الموضع أنهما إذا علوا الربا عرف مكانهما وشنع أمرهما . لكن المفهوم من كلام الأعلم : أنه هو الذي أرسل إليها امرأة فإنه قال : نصب أسهل بإضمار فعل دل عليه ما قبله لأنه لما قال فواعديه سرحتي مالك أو الربا بينهما علم أنه مزعج لها داعٍ إلى إتيان أحدهما . فكأنه قال : ائتي أسهل الأمرين عليك .
وكذلك نقل النحاس عن المبرد أن التقدير : وأتي أسهل المواضع لأنه لما قال : فواعديه أزعجها فكأنه قال : اقصدي به أسهل المواضع .
والصواب الأول كما يعلم من البيت الذي بعده ويأتي قريباً وقدر المحذوف بعضهم من لفظ المذكور أي : واعديه مكاناً أسهل . والمعنى قريب .
وأسهل : أفعل تفضيل من السهولة ضد الحزونة وقد سهل بالضم . وتقدير الشارح كابن خلف أسهل من باب حذف المفضل عليه أي : أسهل منهما أصوب من تقدير غيره المضاف إليه أي : )
أسهل الأمرين أو أسهل المواضع . قال ابن
____________________

خلف : ويجوز أسهل أن يعنى به سهلا كما يقال : رجل أوجل ووجل وأحمق وحمق إن أراد أن يكون وصفاً من السهولة فمجيء أفعل بمعنى فعل وصفاً بابه السماع ولم يسمع وإن أراد أنه من السهل نقيض الجبل فلم يسمع إلا مكان سهل وأرض سهلة . ثم قال : وقد قيل إنه يجوز أن يكون أسهل اسماً لموضع بعينه .
أقول : قد فتشت كتب اللغة وكتب أسماء الأماكن ك معجم ما استعجم ومعجم البلدان فلم أجد له ذكراً فيها .
والمواعدة : مفاعلة من الطرفين ووعد يتعدى بنفسه إلى واحد وإلى ثان بالباء وقد تحذف فينصب بنزع الخافض والفعل إذا كان متعدياً إلى واحد فبنقله إلى باب المفاعلة يتعدى إلى اثنين فالضمير في واعديه مفعول أول وسرحتي مالك المفعول الثاني بتقدير مضاف أي : مكان سرحتي مالك . وليس سرحتي مالك اسم مكان بل هما شجرتان لمالك . والسرحة : واحد السرح وهو كل شجر عظيم لا شوك له . والربا : جمع ربوة بتثليث الراء وهو المكان المرتفع عما حوله وكانت الربا بين السرحتين .
وروى الأصبهاني في الأغاني البيت هكذا : ( سلمى عديه سرحتي مالكٍ ** أو الربا دونهما منزلا ) فعليه فلا شاهد فيه ومنزلاً إما بدل من الربا أو حال منه وسلمى منادى . وبعد هذا البيت : إن جاء فليأت على بغلةٍ إني أخاف المهر أن يصهلا وترجمة عمر ابن أبي ربيعة تقدمت في الشاهد السابع والثمانين .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الواحد بعد المائة كلا طرفي قصد الأمور ذميم
____________________

على أن القصد في الأمر خلاف القصور والإفراط فإنه يقال : قصد في الأمر قصداً : توسط وطلب الأشد ولم يجاوز الحد . فالقصد في الأمور له طرفان : أحدهما : القصر والتقصير وهما بمعنى التواني فيه حتى يضيع ويفوت وكذلك الفرط والتفريط فإنه يقال : فرط في الأمر فرطاً من باب نصر وفرط تفريطاً وأما القصور فهو مصدر والطرف الآخر : الإفراط وهو مصدر أفرط في الأمر : إذا أسرف وجاوز فيه الحد . فكان ينبغي للشارح أن يقول : خلاف القصر أو التقصير والإفراط أو يقول : خلاف الفرط أو التفريط والإفراط . والذميم بالمعجمة : المذموم .
وهذا الصراع عجز بيت وقبله : ( عليك بأوساط الأمور فإنها ** طريقٌ إلى نهج الصواب قويم ) ( ولا تك فيها مفرطاً أو مفرطاً ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم ) وهذا نظم للحديث وهو : الجاهل إما مفرط أو مفرط .
ولا أعلم قائل هذين البيتين ولا رأيتهما إلا في كتاب العباب في شرح أبيات الآداب . وكتاب الآداب : تأليف ابن سنا الملك بن شمس الخلافة وهو من كتب الأدب وقد اشتمل على أبيات ومصاريع كثيرة لغالب الشعراء المتقدمين والمتأخرين تنيف على ألفي بيت . وقد نسب كل بيت ومصراع فيه إلى قائله مع تتمة الشعر حسن بن صالح العدوي اليمني وسمى تأليفه : العباب في شرح أبيات الآداب وكان المصراع الشاهد في الأصل وكمله بالمصاريع الثلاثة صاحب العباب .
وقد ضمنه أيضاً الإمام الخطابي في نتفة له وهي : ( فسامح ولا تسوف حقك كله ** وأبق فلم يستقص قط كريم ) والخطابي : هو الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب
____________________

من ولد زيد بن الخطاب أخي عمر بن الخطاب صاحب كتاب معالم السنن وشرح البخاري وغير ذلك . وكان صديق أبي منصور الثعالبي وأورده في كتاب يتيمة الدهر وأنشد له نتفاً جيدة . وولد في سنة تسع عشرة وثلاثمائة ومات في مدينة بست في رباط على شاطئ هندمند يوم السبت السادس عشر من ربيع الآخر سنة ست وثمانين وثلاثمائة وأنشد له الثعالبي في اليتيمة : ) ( وما غربة الإنسان في شقة النوى ** ولكنها والله في عدم الشكل ) ( وإني غريب بين بست وأهلها ** وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي ) وأنشد له أيضاً : ( وليس اغترابي في سجستان أنني ** عدمت بها الإخوان والدار والأهلا ) ( ولكنني ما لي بها من مشاكلٍ ** وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا ) وأنشد أيضاً : ( شر السباع العوادي دونه وزر ** والناس شرهم ما دونه وزر ) ( كم معشر سلموا لم يؤذهم سبعٌ ** وما نرى بشراً لم يؤذه بشر ) وأنشد أيضاً : ( من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى ** عما قليلٍ نديماً للندامات ) وللثعالبي فيه : ( أبا سليمان سر في الأرض أو فأقم ** فأنت عندي دنا مثواك أو شطنا ) ( ما أنت غيري فأخشى أن يفارقني ** قربت روحك بل روحي فأنت أنا )
____________________

قال السلفي : أنشدني أبو منصور الثعالبي بنيسابور للخطابي يقوله في الثعالبي : ( قلبي رهينٌ بنيسابور عند أخٍ ** ما مثله حين تستقرى البلاد أخ ) ( له صحائف أخلاقٍ مهذبةٍ ** منها التقى والنهى والحلم تنتسخ ) وأنشد بعده وهو
الشاهد الثاني بعد المائة وهو من شواهد س : ( جاري لا تستنكري عذيري ** سيري وإشفاقي على بعيري ) على أن العذير هنا بمعنى الحال التي يحاولها المرء يعذر عليها وقد بين بقوله : سيري وإشفاقي الحال التي ينبغي أن يعذر فيها ولا يلام عليها .
ومثله لابن الشجري في أماليه فإنه قال : العذير : الأمر الذي يحاوله الإنسان فيعذر فيه . أي : لا تستنكري ما أحاوله معذوراً فيه . وقد فسره بالبيت الثاني . وعليه فعذيري مفعول تستنكري وسيري : عطف بيان له أو بدل منه أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو سيري . . . ويجوز أن يكون عذيري مبتدأ خبره سيري كما قال بن الحاجب في الإيضاح وعلى هذا فمفعول تستنكري محذوف .
قال الزجاج : العذير : الحال . وذلك أن العجاج كان يصلح حلساً لجمله فأنكرته وهزئت منه فقال لها هذا . قال علي بن سليمان الأخفش : العذير : الصوت . كأنه كان يرجز في عمله بحلسه فأنكرت عليه ذلك أي : لا تستنكري
____________________

صوتي ورفعه بالحديث لأني قد كبرت . والحلس للبعير وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة وهو بكسر المهملة وسكون اللام .
وأنشد سيبويه البيت الأول على أن جاري منادى مرخم . قال الأعلم : الشاهد فيه حذف حرف النداء ضرورة من قوله جاري وهو اسم منكور قبل النداء لا يتعرف إلا بحرف النداء .
وإنما يطرد الحذف في المعارف .
ورد المبرد على سيبويه جعله الجارية نكرة وهو يشير إلى جارية بعينها فقد صارت معرفة بالإشارة . ولم يذهب سيبويه إلى ما تأوله المبرد عليه : من أنه نكرة بعد النداء وإنما أراد أنه اسم شائع في الجنس قبل النداء وهو نكرة . وكيف يتأول عليه الغلط في مثل هذا وسيبويه قد فرق بين ما كان مقصوداً بالنداء من أسماء الأجناس وبين ما لم يقصد قصده وهذا من التعسف الشديد والاعتراض القبيح .
وقوله سيري هو مصدر سار يسير يكون بالليل وبالنهار ويستعمل لازماً ومتعدياً يقال سار البعير وسرته ويفهم من كلام أبي عبيد القاسم بن سلام في أمثاله ومن كلام الأعلم أنه من فعل أمر وصرح به غيره فإنهما قالا : ومعنى الشعر : يا جارية سيري ولا تستنكري عذيري )
وإشفاقي .
ويرده الرواية الأخرى وهي سعيي وإشفاقي كما نقلها الصاغاني وغيره . والإشفاق : مصدر أشفقت عليه : إذا حنوت وعطفت عليه وأشفقت من كذا : حذرت منه . وقوله على بعيري متعلق بأحد المصدرين على التنازع .
وهذان البيتان من رجز للعجاج وبعده : وكثرة الحديث عن شقوري مع الجلا ولائح القتير في الصحاح : الشقور الحاجة وعن الأصمعي بفتح الشين قال أبو عبيد : الأول أصلح لأن الشقور بالضم بمعنى الأمور اللاصقة بالقلب المهمة له
____________________

الواحد شقر . وفي أمثال أبي عبيد أفضيت إليه بشقوري أي : أخبرته بأمري وأطلعته على ما أسره من غيره : وقال الزبيدي في لحن العامة : الشقور : مذهب الرجل وباطن أمره . والجلا : بفتح الجيم والقصر : انحسار الشعر من مقدم الرأس يكون خلقةً ويكون من كبر . القتير بفتح القاف : الشيب .
قال أبو عبيدة : معناه : لا تستنكري حالي من الهرم ياجارية ولا كثرة ما أحدث به من الأسرار . وذلك من أحوال الشيوخ المسان وتهاتر الهرمى .
وترجمة العجاج تقدمت في الشاهد الحادي والعشرين .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الثالث بعد المائة ( وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ** إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي ) على أنه حذف مفعول يجرح لتضمنه معنى يؤثر بالجرح .
وكذلك جعله ابن هشام في مغني اللبيب من باب التضمين قال : فإنه ضمن معنى يعث أو يفسد فإن العيث لازم يتعدى بفي يقال عاث الذئب في الغنم أي : أفسد وكذلك الإفساد قال الله تعالى : لا تفسدوا في الأرض .
وأنشده صاحب الكشاف عند قوله تعالى : لأزينن لهم على أن أزينن متعد نزل منزلة اللازم
____________________

قال الطيي : أي : يعث الجرح في عراقيبها نصلي جعل لازماً ثم عدي كما يعدى اللازم مبالغة .
وهذا البيت من أواخر قصيدة لذي الرمة عدة أبياتها ستة وثلاثون بيتاً شبب فيها بمي ووصف فيها القفار وناقته .
إلى أن قال : ( أعاذل عوجي من لسانك عن عذلي ** فما كل من يهوى رشادي على شكلي ) ( فما لام يوماً من أخٍ وهو صادقٌ ** إخاي ولا اعتلت على ضيفها إبلي ) ( إذا كان فيها الرسل لم تأت دونه ** فصالي ولو كانت عجافاً ولا أهلي ) وإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وبعده أربعة أبيات وهي آخر القصيدة .
فقوله : أعاذل الهمزة للنداء وعاذل منادى مرخم عاذلة . قال الأصمعي في شرح ديوانه : عوجي من لسانك أي : كفي ولفظ عوجي على الحقيقة اعطفي . والشكل : الضرب يقول ما كل من يهوى ذلك مني على طريقتي وعلى مذهبي .
وقوله : فما لام يوماً من أخٍ من زائدة وأخ فاعل لام والإخاء بكسر الهمزة : الأخوة . قال الأصمعي : اعتلت أطلق اللفظ على الإبل والمعنى على أصحابها يقول لم أبخل فأعتذر إلى وقوله : إذا كان فيها الرسل ضمير فيها للإبل وضمير دونه للرسل قال الأصمعي : الرسل : اللبن حلوه وحامضه وخاثره ورقيقه يقول : لا أسقي فصالي وأدعو ضيفي ولو كانت عجافاً مهازيل . يقال : عجف الدابة وأعجفه صاحبه وعجفت نفسي عن كذا : إذا صرفتها . وقوله : وإن تعتذر بالمحل قال الأصمعي : اعتذارها للضيف : أن لا يرى فيها محتلباً من شدة الجدب )
والزمان فإذا كانت كذلك عقرتها .
____________________


والمحل : انقطاع المطر ويبس الأرض من الكلأ وهو مصدر محل البلد من باب تعب . والمراد بذي ضرعها : اللبن كما يقال ذو بطونها والمراد : الولد . قال الطيي : المعنى إذا اعتذرت بقلة اللبن بسبب القحط إلى الضيف أعقرها لتكون هي عوض اللبن . والعقر : ضرب البعير بالسيف على قوائمه لا يطلق العقر في غير القوائم وربما قيل عقره : إذا نحره . والعراقيب : جمع عرقوب في الصحاح : عرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يدها قال الأصمعي : كل ذي أربع عرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه . وعرقبت الدابة قطعت عرقوبها . والعرقوب من الإنسان : العصب الغليظ الموتر فوق العقب . والنصل : حديدة السيف والسكين والمنصل كقنفذ : نفسه .
وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن .
____________________


أنشد فيه وهو الشاهد الرابع بعد المائة وهو من أبيات سيبويه : يابؤس للجهل ضراراً لأقوام على أن المبرد أجاز أن ينصب عامل المنادى الحال نحو : يا زيد قائما إذا ناديته في حال قيامه . قال : ومنه يا بؤس للجهل . . والظاهر أن عامله بؤس الذي هو بمعنى الشدة وهو مضاف إلى صاحب الحال أعني الجهل تقديراً لزيادة اللام .
أقول : من جعل عامل الحال النداء جعل الحال من المضاف وفيه مناسبة جيدة فإن الجهل ضار وبؤسه ضرار ومن جعل ضراراً حالاً من المضاف إليه جعل العامل المضاف . وممن جعله من المضاف إليه الأعلم قال : ونصب ضراراً على الحال من الجهل . وإنما كان يرد هذا الاستظهار على المبرد لو جعل ضراراً حالاً من المضاف إليه . وقد أجاز ابن جني في قوله بقرى من قول الحماسي :
____________________

ألهفى بقرى سحبلٍ حين أجلبت الوجهين قال : يجوز أن تجعل بقرى حالاً من لهفي وذلك أنها ياء ضمير المتكلم فأبدلت ألفاً تخفيفاً فيكون معنى هذا : تلهفت وأنا بقرى أي : كائناً هناك كما أن معنى الأول لو أنثته : يالهفتي كائنة في ذلك الموضع . فيكون بقرى في هذا الأخير حالاً من المنادى المضاف كقوله : )
يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام أي : يا بؤس الجهل أي : أدعوه ضراراً . وإذا جعلته حالاً من الياء المنقلبة ألفاً كان العامل نفس اللهف كقولك يا قيامي ضاحكاً تدعو القيام أي : هذا من أوقاتك .
وقد قرر ابن الأنباري مذهب المبرد في الإنصاف فقال : حكى ابن السراج عن المبرد أنه قال : قلت للمازني : ما أنكرت من الحال للمدعو قال : لم أنكر منه شيئاً إلا أن العرب لم تدع على شريطة فإنهم لا يقولون يا زيد راكباً أي ندعوك في هذه الحالة ونمسك على دعائك ماشياً لأنه إذا قال يا زيد فقد وقع الدعاء على كل حال . قلت : فإن احتاج إليه راكباً ولم يحتج إليه في غير هذه الحالة فقال : ألست تقوله يازيد دعاء حقاً فقلت : بلى فقال : علام تحمل المصدر قلت : لأن قولي يازيد كقولي أدعو زيداً فكأني قلت : أدعو دعاء حقاً . فقال : لا أرى بأساً بأن تقول على هذا يا زيد راكباً فالزم القياس . قال المبرد : ووجدت أنا تصديقاً لهذا قول النابغة : يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام .
____________________


وقال اللخمي في شرح أبيات الجمل : ويا بؤس منادى مضاف معناه التعجب أي : ما أبأس الجهل وما أضره للناس وضراراً حال من الجهل أو نصب على القطع على مذهب الكوفيين ونظيره عندهم : والهدي معكوفاً واللام في لأقوام زائدة قال المبرد : هذه اللام تزاد في المفعول على معنى زيادتها في الإضافة يقولون : هذا ضاربٌ زيداً وهذا ضارب لزيد لأنها لا تغير معنى الإضافة .
وأورد سيبويه هذا المصراع لكون اللام مقحمة بين المتضايفين وتقدم الكلام عليها في الشاهد التاسع والسبعين .
وهو عجز وصدره : قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ خالوا : تاركوا يقال خالي يخالي مخلاة وخلاء كما يقال تارك يتارك ويقال للمرأة المطلقة خلية من هذا وخليت النبت : إذا قطعته .
وهذا البيت مطلع أبيات عدتها ثلاثة عشر بيتاً للنابغة الذبياني قالها لزرعة بن عمرو العامري : حين بعث بنو عامر إلى حصن بن حذيفة بن بدر وإلى عيينة بن حصن الذبياني : أن اقطعوا ما )
بينكم وبين بني أسد من الحلف وألحقوهم بكنانة بن خزيمة بن عمهم ونحالفكم فنحن بنو أبيكم .
فلما هم عيينة بذلك قالت لهم بنو ذبيان : أخرجوا من فيكم من الحلفاء ونخرج من فينا فأبو من ذلك .
فحكى النابغة قول بني عامر . يقول : إن الجهل يضر الأقوام ويدعوهم إلى سفاهة الأحلام أي : إن بني عامر جهال يأمروننا بترك هؤلاء الذين قد أحسنوا عنا الدفاع وكثر بهم الانتفاع .
وبعد هذا البيت :
____________________

( يأبى البلاء فلا نبغي بهم بدلا ** ولا نريد خلاء بعد إحكام ) ( فصالحونا جميعاً إن بدا لكم ** ولا تقولوا : لنا أمثالها عام ) ( إني لأخشى عليكم أن يكون لكم ** من أجل بغضائهم يومٌ كأيام ) ( تبدو كواكبه والشمس طالعةٌ ** لا النور نورٌ ولا الإظلام إظلام ) وعام منادى مرخم عامر . وقافية البيت الخامس مرفوعة وما عداها مجرور وهو عيب يسمى إقواء .
روى المرزباني في الموشح بسنده عن محمد بن سلام قال : لم يقو أحد من الطبقة الأولى ولا من أشباههم إلا النابغة في بيتين : قوله : ( أمن آل مية رائح أو مغتدي ** عجلان ذا زادٍ وغير مزود ) وقوله : ( سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ** فتناولته واتقتنا باليد ) ( بمخضبٍ رخصٍ كأن بنانه ** عنمٌ يكاد من اللطافة يعقد ) العنم : نبت أحمر يصبغ به فقدم المدينة فعيب ذلك عليه فلم يأبه له حتى أسمعوه إياه في غناء وأهل القرى ألطف نظراً من أهل البدو وكانوا يكتبون جواريهم عند أهل الكتاب فقيل للجارية : إذا صرت إلى قوله : يعقد والأسود فرتلي . فلما قالت : الغداف الأسود ويعقد باليد علم فانتبه ولم يعد فيه . وقال : قدمت الحجاز وفي شعري ضيعة ورحلت عنها وأنا أشعر الناس . وفي رواية أخرى
____________________

أنه أصلح الأول بقوله : وبذاك تنعاب الغداف الأسود .
ويزاد عليه ما ذكرناه هنا فيكون قد أقوى في ثلاثة مواضع .
وقوله : يأتي البلاء فما نبغي يقول : يأبى علينا أن نخاليهم ما بلونا من نصحهم ولا نريد خلاء )
أي : متاركة بهم : ببني اسد بعد إحكام الأمر بينهم .
وقوله : تبدو كواكبه والشمس طالعة رأيت في ديوانه المصراع الثاني كذا : نوراً بنور وإظلاماً بإظلام قال شارحه : روى الأصمعي : يقول : هو يوم شديد تظلم الشمس من شدته فتبدو كواكبه . وقوله : لا النور نور : لا كنوره نورٌ إن ظفر ولا كظلمته إن ظفر به . وقوله : نوراً بنور كأنه قال : نور مع نور يريد بريق البيض والسيوف ونور الشمس إذا أصابت البيض صار نوراً مع نور .
وقال بن نصر : قوله : لا النور نور يريد أن نور هذا اليوم ليس من نور الشمس إنما هو من نور السلاح وبريقه ولا إظلام هذا اليوم من ظلمة الليل إنما ظلمته من كثرة الغبار . وقال : أراد بقوله : تبدو كواكبه شبه بريق البيض وما ظهر من السلاح بالكواكب . وعلى هذا فلا إقواء .
والنابغة اسمه زياد بن معاوية . وينتهي نسبه إلى سعد بن ذبيان بن بغيض وكنيته أبو أمامة وأبو عقرب بابنتين كانتا له .
وهو أحد شعراء الجاهلية وأحد فحولهم عده الجمحي في الطبقة الأولى بعد امرئ القيس .
وسمي النابغة لقوله :
____________________

فقد نبغت لنا منهم شؤون وقيل : لأنه لم يقل الشعر حتى صار رجلاً . وقيل : هو مشتق من نبغت الحمامة : إذا تغنت .
وحكى ابن ولاد أنه يقال : نبغ الماء ونبغ بالشعر . فكأنه أراد أن له مادة من الشعر لا تنقطع كمادة الماء النابغ .
قال ابن قتيبة في طبقات الشعراء : ونبغ بالشعر بعد ما احتنك وهلك قبل أن يهتر . وهو أحد الأشراف الذين تمحض الشعر منهم وهو أحسنهم ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتاً . كأن شعره كلامٌ ليس فيه تكلف .
قال الأصمعي : سألت بشاراً عن أشعر الناس فقال : أجمع أهل البصرة على امرئ القيس وطرفة وأهل الكوفة على بشر بن أبي خازم والأعشى وأهل الحجاز على النابغة وزهير وأهل الشام على جرير والفرزدق والأخطل . ومات النابغة في الجاهلية في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث . )
والأبيات التالية من قصيدة وصف بها المتجردة امرأة النعمان بن المنذر وكان النابغة من خواصه وندمائه وأهل أنسه فرأى زوجته المتجردة يوماً وغشيها أمرٌ سقط نصيفها واستترت بيدها وذراعها . وذكر في هذه القصيدة أموراً عجيبة منها في صفة فرجها . ثم أنشدها النابغة مرة بن سعيد القريعي فأنشدها مرة النعمان فامتلأ غضباً وأوعده النابغة وتهدده . فهرب منه إلى ملوك غسان بالشام .
وقيل : إن الذي من أجله هرب النابغة : أنه كان هو والمنخل البشكري نديمين للنعمان وكان النعمان دميماً قبيح المنظر وكان المنخل من أجمل العرب وكان يرمى بالمتجردة وتكلمت العرب أن ابني النعمان منها كانا منه فقال النعمان للنابغة : يا أبا أمامة صف المتجردة في شعرك . فقال تلك القصيدة ووصفها فيها ووصف بطنها وفرجها وأردافها . فلحقت المنخل من ذلك غيرة فقال للنعمان : ما يستطيع
____________________

أن يقول هذا الشعر إلا من جرب فوقر ذلك في نفس النعمان . فبلغ النابغة فخافه فهرب إلى ملوك غسان ونزل بعمرو بن الحارث الأصغر فمدحه ومدح أخاه ولم يزل مقيماً مع عمرو حتى مات وملك أخوه النعمان فصار معه إلى أن استعطف النعمان بن المنذر فعاد إليه .
ومما قاله في ملوك غسان ما أنشده ابن قتيبة في كتاب الشعراء عن الشعبي أنه قال : دخلت على عبد الملك وعنده رجل لا أعرفه فالتفت إليه عبد الملك فقال : من أشعر الناس قال : أنا فأظلم ما بيني وبينه فقلت : من هذا يا أمير المؤمنين فتعجب عبد الملك من عجلتي فقال : هذا الأخطل قلت : أشعر منه الذي يقول : ( هذا غلامٌ حسنٌ وجهه ** مستقبل الخير سريع التمام ) ( للحارث الأكبر والحارث ** الأصغر والأعرج خير الأنام ) ( ثم لهندٍ ولهندٍ وقد ** ينجع في الروضات ماء الغمام ) ( ستة آباءٍ هم ما هم ** هم خير من يشرب صفو المدام ) فقال الأخطل : صدق يا أمير المؤمنين النابغة أشعر مني . فقال لي عبد الملك : ما تقول في النابغة قلت : قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرة خرج وبابه وفد غطفان فقال : أي شعرائكم الذي يقول : ( حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً ** وليس وراء الله للمرء مطلب )
____________________

)
قالوا : النابغة . قال : فأي شعرائكم الذي يقول : ( فإنك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع ) قالوا : النابغة . قال : هذا أشعر شعرائكم وله القصائد : الاعتذاريات المشهورة إلى النعمان بن المنذر لم يقل أحد مثلها . منها قوله : ( نبئت أن أبا قابوس أوعدني ** ولا قرار على زأرٍ من الأسد ) وتمثل به الحجاج بن يوسف حين سخط عليه عبد الملك بن مروان .
ومما يتمثل به من شعره : ( فلو كفي اليمين بغتك خوناً ** لأفردت اليمين من الشمال ) أخذه المثقب العبدي فقال : ( فلو أني تخالفني شمالي ** خلافك ما وصلت بها يميني ) ( فحملتني ذنب امرئٍ وتركته ** كذي العر يكوى غيره وهو راتع ) أخذه الكميت فقال : ( ولا أكوي الصحاح براتعاتٍ ** بهن العر قبلي ما كوينا ) تتمة ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف : من يقال له النابغة ثمانيةٌ : أولهم هذا
____________________

والثاني : النابغة الجعدي الصحابي . والثالث : نابغة بن الديان الحارثي . والرابع : النابغة الشيباني . والخامس : النابغة الغنوي . والسادس : النابغة العدواني . والسابع : النابغة الذبياني أيضاً وهو نابغة بني قتال بن يربوع . والثامن : النابغة التغلبي واسمه الحارث .
وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس بعد المائة : ( يا أبجر بن أبجر يا أنتا ** أنت الذي طلقت عام جعتا ) على أن المضمر لو وقع منادى جاز نظراً إلى المظهر فإن المظهر بصورة الرفع والضمير ضمير رفع .
قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف نقلاً عن البصريين بأن المفرد المعرفة إنما بني لأنه أشبه كاف الخطاب وكاف الخطاب مبنية فكذلك ما أشبهها ووجه الشبه بينهما من ثلاثة أوجه : الخطاب )
والتعريف والإفراد . ومنهم من قال : إنما بني لأنه وقع موقع اسم الخطاب لأن الأصل في قولك يا زيد : أن تقول : يا إياك أو يا أنت لأن المنادى لما كان مخاطباً كان ينبغي أن يستغنى عن اسمه ويؤتى باسم الخطاب فيقال : يا إياك ويا أنت كما قال : يا مر يا ابن واقع يا أنتا
____________________

فلما وقع الاسم المنادى موقع اسم الخطاب وجب أن يكون مبنياً كما أن اسم الخطاب مبني .
وظاهر كلام الشارح المحقق أن نداء الضمير مطرد وأنه لا فرق بين نداء الضمير المرفوع والضمير المنصوب .
قال ابن الحاجب في الإيضاح : نداء المضمر شاذ . وقد قيل إنه على تقدير : يا هذا أنت ويا هذا إياك أعني .
وقال أبو حيان في تذكرته : وأما يا أنتا فشاذ لأن الموضع موضع نصب وأنت ضمير رفع فحقه أن لا يجوز كما لا يجوز في إياك لكن بعض العرب قد جعل بعض الضمائر نائباً عن غيره كقولهم : رأيتك أنت بمعنى رأيتك إياك فناب ضمير الرفع عن ضمير النصب وكذلك قالوا : يا أنتا والأصل يا إياك . وقد يقال : إن يا في يا أنت حرف تنبيه وأنت مبتدأ وأنت الثانية تأكيد وقال ابن عصفور : ولا ينادى المضمر إلا نادراً والأسماء كلها تنادى إلا المضمرات أما ضمير الغيبة وضمير المتكلم فهما مناقضان لحرف النداء لأن حرف النداء يقتضي الخطاب ولم يجمع بين حرف النداء والضمير المخاطب لأن أحدهما يغني عن الآخر فلم يجمع بينهما إلا في الشعر مثل قوله : ( يا أقرع بن حابسٍ يا أنتا ** أنت الذي . . . . . . . . . . . . . البيت ) فمنهم من جعل يا تنبيهاً وجعل أنت : مبتدأ وأنت الثاني إما تاكيداً أو مبتدأ أو فصلاً أو بدلاً . ودل كلامه على أن العرب لا تنادي ضمير المتكلم فلا تقول : يا أنا ولا ضمير الغائب فلا تقول : يا إياه ولا يا هو فكلام جهلة الصوفية في نداء الله تعالى : يا هو ليس جارياً على كلام العرب . كلام أبي حيان .
وهذان البيتان من أرجوزة لسالم بن دارة وقد حرف البيت الأول على أوجهٍ كما رأيت .
وصوابه : يا مر يا ابن واقع يا أنتا )
____________________


ورواه العيني كرواية الشارح وزعم أن قائله الأحوص . وهو وهم إنما قوله نثر لا نظم : وهو أنه لما وفد مع أبيه على معاوية خطب فوثب أبوه ليخطب فكفه وقال : يا إياك قد كفيتك .
ومنشأ الوهم : أن النحويين قد ذكروا هذا البيت عقب قول الأحوص مع قولهم وكقوله فظن أن الضمير للأحوص .
وقد صحفه أبو عبد الله بن الأعرابي أيضاً في نوادره ورواه : يا قر يا ابن واقعٍ يا أنتا نبه على تصحيفه أبو محمد الأسود الأعرابي فيما كتبه على نوادره وسماه ضالة الأديب فقال : صحف أبو عبد الله في اسم من قيل فيه هذا الرجز فقال : يا قر وإنما هو يا مر وهو مرة بن واقع أحد بني عبد مناف بن فزارة .
وقوله : أنت الذي طلقت كان القياس طلق ليعود إلى الموصول ضمير الغائب .
قال ابن جني : هذا كلام العرب الفصيح وقد جاء أيضاً الحمل على المعنى دون اللفظ كهذا البيت .
وكان من قصة سالم بن دارة ومرة بن واقع الفزاري : أن قرفة أحد بني عبد مناف نثل حسياً بزهمان فاستعان بسالم وبمرة واسم الحسى معلق فرجز سالم وهو يخرج عن مرة المسناة : ( أنزلني قرفة في معلق ** أترك حبلي مرةً وأرتقي ) عن مرة بن واقعٍ واستقي
____________________

ولا يزال قائل : ابن ابن دلوك عن حد الضروس واللبن فغضب مرة من ذلك وكان عنده مرة امرأةٌ من بني بدر بن عمرو فأسنت مرة فطلقها وأهل البادية أفعل شيء لذلك فلما أحيا أراد رجعتها فأبت وكان مرة يحسب أن له عليها رجعة وأنه إنما فاكهها فاحتملت إلى أهلها ثم إن مرة حج في أركوب من بني فزارة حجاج وخرج سالم في أركوب من بني عبد الله بن غطفان حجاج فاصطحبوا فنزل مرة يسوق بالقوم فقال يرتجز : ( لو أن بنت الأكرم البدري ** رأت شحوبي ورأت بذريي ) ( وهن خوصٌ شبه القسي ** يلفها لف حصى الأتي ) أروع سقاءٌ على الطوي )
ثم نزل سالمٌ يسوق بالقوم وقد كنا تضاغنا فرجز : ( يا مر يا ابن واقع يا أنتا ** أنت الذي طلقت عام جعتا ) ( فضمها البدري إذ طلقتا ** حتى إذا اصطبحت واغتبقتا ) ( أصبحت مرتدا لما تركتا ** أردت أن ترجعها كذبتا ) ( أودى بنو بدرٍ بها وأنتا ** تقسم وسط القوم : ما فارقتا ) انتهى ما أورده الأسود الأعرابي .
وقوله : نثل حسياً بزهمان يقال : نثلت البئر نثلاً وانتثلتها : إذا استخرجت ترابها وهو النثيلة بالنون والثاء المثلثة . والحسي بكسر الحاء وسكون السين
____________________

المهملتين : ما تنشفه الأرض من الرمل فإذا صار إلى صلابة أمسكته فتحفر عته الرمل فتستخرجه وجمعه الأحساء . وزهمان بضم الراء المعجمة وسكون الهاء : وادٍ لبني فزارة متصل بالرقم بفتح الراء والقاف وهو موضع بالحجاز قريب من وادي القرى كانت فيه وقعة لغطفان على عامر . كذا في معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري .
وقوله : أبن أبن هو فعل أمر من الإبانة وهو الإبعاد . والضروس قال في الصحاح : بضم الضاد : الحجارة التي طويت بها البئر . وأنشد هذا الشعر وبئر مضروسة وضريس أي : مطوية بالحجارة .
____________________


وقوله فأسنت مرة أي : أصابه السنة وهي القحط والجدب . وقوله : فلما أحيا في الصحاح : قال أبو عمرو : أحيا القوم : إذا حسنت حال مواشيهم . فإن أردت أنفسهم قلت : حيوا . ثم قال : وأحيا القوم أي : صاروا في الحيا وهو الخصب والحيا مقصور : المطر والخصب . وهو بالحاء المهملة وبعدها ياء آخر الحروف . وقوله فاكهها أي : مازحها والمفاكهة : الممازحة .
وقوله : البدري منسوب إلى بني بدر بن عمرو . ولو : للتمني لا جواب لها . والشحوب : مصدر شحب جسمه بالفتح يشحب بالضم : إذا تغير . وقوله : بذريي أي إبلي المفرقة ويقال : تفرقت إبله شذر بذر بفتح الشين والباء وكسرهما وما بعدهما مفتوح : إذا تفرقت في كل وجه .
وقوله : وهن خوصٌ أي : غائرات العيون جمع أخوص وخوصاء والفعل خوص بالكسر أي : غارت عينه . ويلفها : يضمها ويجمعها . والأتي بفتح الهمز وكسر المثناة الفوقية قال في الصحاح : وأتيت للماء تأتية وتأتياً أي : سهلت سبيله ليخرج إلى موضع والأتي : الجدول يؤتيه الرجل إلى )
أرضه وهو فعيل يقال : جاءنا سيل أتي وأتاوي : إذا جاءك ولم يصبك مطره .
وقوله : أروع هو فاعل يلفها ومعناه : السيد الذي يروعك بجماله وجلاله . وسقاء : مبالغة ساقٍ والطوي : البئر المطوية أي : المبنية بالحجارة .
وقوله : أصبحت مرتداً . أي : راجعاً والارتداد : الرجوع . وأودى بها : ذهب بها . وقوله : فأد رزقها أي : أعط صداقها الذي تغلبت عليه وأكلته .
وسالم بن دارة : هو سالم بن مسافع بن عقبة بن يربوع بن كعب بن عدي ابن جشم بن عوف بن بهثة بن عبد الله بن غطفان .
ودارة : لقب أمة واسمها سيقاء كانت أخيذة : أصابها زيد الخيل من بعض غطفان وهي حبلى وهي من بني أسد فوهبها زيد الخيل لزهير بن أبي سلمى . فربما نسب سالم بن دارة إلى زيد الخيل . كذا في كتاب أسماء الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم تأليف أحمد بن أبي سهل بن عاصم الحلواني ومن خطه نقلت .
وقال التبريزي في شرح الحماسة : ودارة هو يربوع وإنما سمي دارة لأن رجلاً من بني الصادر بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان يقال له : كعب قتل ابن عم ليربوع بن كعب يقال له : درص فقتل يربوع كعباً بابن عمه وأخذ ابنة كعب ثم أرسلها فأتت قومها فنعت أباها كعباً فقالوا : من قتله قالت : غلام كأن وجهه دارة القمر من بني جشم بن عوف بن بهثة . فسمي بذلك ونسب إليه سالم .
ومثله في الأغاني . والصحيح الأول ويدل له قول سالم : ( أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي ** وهل بدارة يا للناس من عار ) وسالم : شاعر مخضرم : قد أدرك الجاهلية والإسلام . وكان رجلاً هجاء وبسببه قتل .
قال التبريزي نقلاً عن أبي رياش . وكان الذي هاج قتله : أنه كان مرة بن واقع من وجوه بني فزارة وكانت عنده امرأة من أشراف بني فزارة ففاكهته امرأته ذات ليلة فطلقها البتة واحتملت إلى أهلها ومرة يظن أنه قادر على ردها إن شاء حتى أتى لذلك عامٌ وهما كذلك . ثم خطبها حمل بن القليب الفزاري ورجل آخر
____________________

من بني فزارة يقال له : علي وخطبها ابن دارة .
فبلغ ذلك مرة فأراد أن يراجعها فأبت عليه واختارت علياً . فركب مرة بن واقع إلى معاوية وقيل إلى عثمان فقال : إن الأعراب أهل جفاء وإني قد قلت كلمة بيني وبين امرأتي لم أرد ما )
تبلغ فتزوجت رجلاً وإنما أتيتك مبادراً قبل أن يبني بها فامنع لي امرأتي . فقال معاوية : لقد ذكرت أمراً صغيراً في أمر عظيم لا سبيل لك عليها .
ففرق بينهما معاوية وهو يومئذ على الشام عاملاً لعثمان فقال سالم في ذلك قبل أن يقدم مرة عند معاوية والقوم ينتظرونه : ( يا ليت مرة يأتيها فيجعلها ** خير البناء ويجزي منهما الجازي ) فجاء مرة وقد ابتنى بها علي : فغضب على سالم وجعل يشتمه حتى قال : أيها العبد من محولة ما أنت وذكر نسائنا ومحولة بنو عبد الله بن غطفان وكان يقال لهم بنو عبد العزى فوفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أنتم فقالوا : نحن بنو عبد العزى فقال صلى الله عليه وسلم : بل أنتم بنو عبد الله فسمتهم العرب محولة فقال سالم بن دارة : مهلاً يا مرة فإني لم أفعل تأبيداً كأنه أراد لم آت بآبدة وما بي بأس ولا ذنب لي وإنما مزحت . فأبى مرة إلا شتمه . فقال سالم : وقد غضب : أوقع يا على المنادى المحذوف كأنه قال : يا مرة أنت . وقد ادعى قوم أن أنت يجوز نداؤها . ولا ينبغي أن يعدل عن الوجه الأول . . . ثم ذكر الأبيات السابقة وقال : ثم تواعدا أن يلتقيا وعظم في صدور بني فزارة قول سالم فأغمضوا على ذلك . ثم تواقف ابن واقع وسالم على رهان وفيهم يومئذ ابن بيشة . أحد بني عبد مناف بن عقيل فقال سالم لجميع بني فزارة : إني أحمد الله كعهدكم وبعدكم واستعهدكم من مرة . فقال مرة : والله لا أزال أهجوك ما بل ريقي لساني .
____________________

وجاءت بنو فزارة بامرأةٍ من بني غراب ترجز يقال لها : غاضرة . فلما رآها سالم نهق كما ينهق الحمار ثم قال : ( قد سبني بنو الغراب الأحمر ** جبناً وجهلاً وتمنوا منكري ) ( كل عجوز منهم ومعصر ** غاضر أدي رشوتي لا تغدري ) ( وأبشري بعزبٍ مصدر ** شراب ألبان الخلايا مقفر ) ( يحمل عرداً كالوظيف الأعجر ** وفيشةً متى تريها تشفري ) ( حمراء كالنورج فوق الأندر ** تقلب أحياناً حماليق الحر ) ( معقدٍ مشعر مسير ** كأنما أحس جيش المنذر ) ( إن تمنعي قعوك أمنع محوري ** لقعو أخرى كعشبٍ مدور ) )
النورج : شيء يدق به أهل الشام حبهم : فلما قالها سالم ألهاها الاستماع الرد عليه ثم لوى درعها فكشف عنها فحجز الناس بينهما وافترقوا ولابن دارة الظفر . وعم بني فزارة بالهجاء لما أعانت عليه بنو غراب وقال يهجو مرة بن واقع الفزاري : ( حدبدبا بدبدبا منك الآن ** استمعوا أنشدكم يا ولدان )
____________________

( إن بني فزارة بن زبيان ** قد طرقت ناقتهم بإنسان ) ( مشيإ أعجب بخلق الرحمن ** غلبتم الناس بأكل الجردان ) ( كل متل كالعمود جوفان ** وسرق الجار ونيك البعران ) حدبدبا : كلمة جاء بها في معنى التعجب مما هو فيه . وأصلها لعبة يلعب بها الصبيان ويختلف في لفظها فبعضهم يقول : حدبدبا ببائين وبعضهم يقول : حدندبا ومنهم من يقول : حديدبا يقول : اجتمعوا يا صبية لتلعبوا هذه اللعبة . وإنما غرضه أن يعجب الناس مما هو فيه ويعلمهم أنه في أمر كلعب الصبيان .
وقال قصيدة طويلة في هجوهم منها : ( بلغ فزارة أني لن أسالمها ** حتى ينيك زميلٌ أم دينار ) هي أم زميل وكانت تكنى أم دينار فحلف زميلبن أبير أحد بني عبد الله ابن عبد مناف : أن لا يأكل لحماً ولا يغسل رأسه ولا يأتي امرأة حتى يقتله . فالتقى زميل وابن دارة منحدرٌ إلى الكوفة وزميل يريد البادية : فقال له سالم : لا أبا لك ألم يأن لك أن تحل يمينك فقال له زميل : إني أعتذر إليك والله ما في القوم حديدة إلا أن يكون مخيطاً . فافترقا .
وسار سالم حتى قدم على أخيه في الكوفة فمكث غير بعيد ثم لحق بقومه بالبادية ثم ورد المدينة ثم خرج منها فلقي زميلاً عشاء وزميل داخل المدينة فكلمه وناداه وقال . . ألا تحل يمينك ثم انطلق واتبعه زميل وغشيه بالسيف فدفع الراحلة وأدركه زميل فضربه فأصاب مؤخرة الرحل وحذا عضده ذباب السيف حذيةً أوضحت ورجع إلى المدينة يتداوى بها .
فزعموا أن بسرة بنت عيينة بن أسماء ويقال إنها بنت منظور بن زبان وكانت تحت عثمان بن عفان دست إلى الطبيب سماً في دوائه فمات وقال قبل موته : ( أبلغ أبا سالمٍ عني مغلغلةً ** فلا تكونن أدنى القوم للعار ) ( لا تأخذن مائةً منهم مجللة ** واضرب بسيفك منظور بن سيار )
____________________

)
وقال الناس لما قتل : قد محوا عن أنفسهم . وفي ذلك يقول الكميت بن معروف : ( فلا تكثروا فيها الضجاج فإنه ** محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا ) انتهى ما أورده التبريزي .
وقال محمد بن حبيب في كتاب المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام : إن سالم بن دارة هجا زميل بن أبير وهو ابن أم دينار فقال في قصيدة له طويلة : ( آلى ابن دارة جهداً لا يصالحكم ** حتى ينيك زميل أم دينار ) وحكى الحكاية كما ذكرت . إلى أن قال : ثم إن زميلاً قدم المدينة فقضى حوائجه حتى إذا صدر عن الشقرة سمع رجلاً يتغنى بشعر فعرف زميل صوت سالم فأقبل إليه فضربه ضربتين وعقر بعيره . فحمل سالم إلى عثمان بن عفان فدفعه إلى طبيب نصراني حتى إذا برأ والتأمت كلومه دخل النصراني وإذا سالم يشامع امرأته فاحتنقها عليه فقال له النصراني : إني لأرى عظماً ناتئاً فهل لك أن أجعل عليه دواءً حتى يسقط قال : نعم فافعل . فسمه فمات . ويقال : إن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري وكانت عند عثمان بن عفان جعلت للطبيب جعلاً حتى سمه فمات .
وافتخر زميل بقتله وقال :
____________________

( أنا زميل قاتل ابن دارة ** وغاسل المخزاة عن فزارة ) وأنشد بعده وهو
الشاهد السادس بعد المائة ( سلام الله يا مطر عليها ** وليس عليك يا مطر السلام ) على أنه إذا اضطر إلى تنوين المنادى المضموم اقتصر على القدر المضطر إليه من التنوين .
والقدر المضطر إليه هو النون الساكنة فألحقت وأبقيت حركة ما قبلها على حالها إذ لا ضرورة إلى تغيرها فإنها تندفع بزيادة النون .
وهذا مذهب سيبويه والخليل والمازني . قال النحاس والأخفش المجاشعي في المعاياة : وحجتهم أنه بمنزلة مرفوع ما لا ينصرف فلحقه التنوين على لفظه .
واختار الزجاجي في أماليه هذا المذهب لكنه رد هذه الحجة فقال : الاسم العلم المنادى المفرد مبني على الضم لمضارعته عند الخليل وأصحابه للأصوات وعند غيره لوقوعه موقع الضمير فإذا لحقه في ضرورة الشعر فالعلة التي من أجلها بني قائمةٌ بعد فيه فينون على لفظه لأنا قد رأينا من المبنيات ما هو منون نحو إيهٍ وغاقٍ وما أشبه ذلك . وليس بمنزلة ما لا ينصرف لأن ما لا ينصرف أصله الصرف وكثير من العرب من لا يمتنع من صرف شيء في ضرورة ولا غيرها إلا أفعل منك فإذا نون فإنما يرد إلى أصله والمفرد المنادى العلم لم ينطق به منصوباً منوناً قط في
____________________

غير ضرورة شعر . فهذا بين واضح .
وتبعه اللخمي في أبيات الجمل ونقل هذا الكلام بعينه .
قال النحاس : وحكى سيبويه عن عيسى بن عمر يا مطراً بالنصب وكذلك رواه الأخفش في المعاياة وقال : نصب مطراً لأنه نكرة . وهذا ليس بشيء . قال المبرد : أما أبو عمر وعيسى ويونس والجرمي فيختارون النصب وحجتهم أنهم ردوه إلى الأصل لأن أصل النداء النصب كما ترده الإضافة إلى النصب قال : وهو عندي أحسن لرده التنوين إلى أصله كما في النكرة .
وهذا البيت من قصيدة للأحوص الأنصاري وبعده : ( فلا غفر الإله لمنكحيها ** ذنوبهم وإن صلوا وصاموا ) ( كأن المالكين نكاح سلمى ** غداة نكاحها مطرٌ نيام ) ( فلو لم ينكحوا إلا كفيئاً ** لكان كفيئها الملك الهمام ) ( فإن يكن النكاح أحل شيءٍ ** فإن نكاحها مطراً حرام ) ( فطلقها فلست لها بكفءٍ ** وإلا يعل مفرقك الحسام ) )
في الأغاني بسنده إلى محمد بن ثابت بن إبراهيم بن خلاد الأنصاري قال : قدم الأحوص البصرة فخطب إلى رجل من بني تميم ابنته وذكر له نسبه فقال :
____________________

هات لي شاهداً يشهد أنك ابن حمي الدبر وأزوجك . فجاءه بمن شهد له على ذلك . فزوجه إياها وشرطت عليه أن لا يمنعها من أحد من أهلها . فخرج بها إلى المدينة وكانت أختها عند رجل من بني تميم قريباً من طريقهم فقالت له : اعدل بي إلى أختي . ففعل فذبحت لهم وأكرمتهم وكانت من أحسن الناس وكان زوجها في إبله فقالت زوجة الأحوص له أقم حتى يأتي . فلما أمسوا راجع إبله ورعاة غنمه فراح من ذلك شيء كثير وكان يسمى مطراً . فلما رآه الأحوص ازدراه واقتحمته عينه وكان شيخاً دميماً فقالت له زوجته : قم إلى سلفك فسلم عليه .
فقال الأحوص وأشار إلى أخت زوجته بإصبعه : سلام الله يا مطر عليها . . . . . . . . . . الأبيات وأشار إلى مطر بإصبعه فوثب إليه مطر وبنوه وكاد الأمر يتفاقم حتى حجز بينهم . انتهى .
وقال الزجاجي في أماليه الوسطى وتبعه اللخمي : كان الأحوص يهوى أخت امرأته ويكتم ذلك وينسب فيها ولا يفصح فتزوجها مطر فغلبه الأمر وقال هذا الشعر .
وبعضهم لما لم يقف على منشأ الشعر قال : مطر اسم رجل وكان دميماً أقبح الناس وكانت امرأته من أجمل النساء وأحسنهن وكانت تريد فراقه ولا يرضى مطر بذلك فأنشد الأحوص هذه القصيدة يصف فيها أحوالهما . هذا كلامه .
وقوله غداة نكاحها الغداة الضحوة وأراد مطلق الوقت . ونكاحها : مصدر مضاف لمفعوله ومطر : فاعل المصدر وهو هنا بمعنى التزوج والعقد في الموضعين ونيام : خبر كأن وروى
____________________

غداة يعرهم مطرٌ نيام مضارع عرهم من باب قتل عرة بالضم وهو الفضيحة والقذر والجرب يقال : فلان عرة كما يقال : قذر للمبالغة .
وقوله : فلو لم ينكحوا : هو مضارع أنكحت الرجل المرأة فهو متعد لمفعولين بالهمزة والمفعول الأول ضمير سلمى محذوف والكفيء على وزن فعيل بمعنى الكفء والمماثل ويقال : الكفوء أيضاً على وزن فعول .
وقوله : أحل شيء هو منصوب خبر يكن وهو أفعل تفضيل من الحلال ضد الحرام وروى )
الزجاجي أحل شيئاً بنصب شيء فيكون أحل فعلاً ماضياً وقوله : فإن نكاحها مطراً يروى برفع مطر ونصبه وجره : فالرفع على أنه فاعل المصدر وهو نكاحها فيكون مضافاً إلى مفعوله والنصب على أنه مفعول المصدر فيكون مضافاً إلى فاعله والجر على أنه مضاف إليه ووقع الفصل بين المتضايفين بضمير الفاعل أو المفعول . وقد أورد ابن هشام هذا البيت في شرح الألفية شاهداً لهذا .
وقوله : وإلا يعل مفرقك أي : وإن لم تطلقها . وهذا البيت شاهد للنحاة في اطراد حذف الشرط في مثله . والمفرق بفتح الميم وكسر الراء : الموضع الذي ينفرق فيه الشعر من الرأس وأراد وترجمة الأحوص تقدمت في الشاهد الخامس والثمانين .
وأنشد بعده وهو الشاهد السابع بعد المائة يا للكهول وللشبان للعجب على أن لام المستغاث إن عطفت بغير يا كسرت فلام للشبان مكسورة
____________________

والقياس فتحها وجاز الكسر لعدم اللبس .
وهذا عجز وصدره : يبكيك ناءٍ بعيد الدار مغترب يقال بكيته : بمعنى بكت عليه . والنسائي : أراد به بعيد النسب . وبعيد الدار وصف ناءٍ ولا تضر الإضافة إلى المعرفة لأنها في نية الانفصال لأن الدار فاعله في المعنى .
يقول : يبكي عليك الغريب ويسر بموتك القريب وهو أحد الأعاجيب .
والكهول : جمع كهل . والشبان : جمع شاب وقال ابن حبيب : زمان الغلومية سبع عشرة سنة منذ يولد إلى أن يستكملها ثم زمان الشبابية سبع عشرة سنة إلى أن يستكمل أربعاً وثلاثين ثم هو كهل سبع عشرة سنة إلى أن يستكمل إحدى وخمسين سنة ثم هو شيخ إلى أن يموت .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الثامن بعد المائة وهو من أبيات سيبويه : يا لعطافنا ويا لرياح على أن اللام في المعطوف فتحت كلام المعطوف عليه لإعادة يا . وبعده : وأبي الحشرج الفتى النفاح فأبي الحشرج معطوف على يا لعطفنا . وعطاف ورياح وأبو الحشرج : أعلام رجال . والنفاح : الكثير النفح أي : العطية .
وقبله : ( يا لقومي من للعلا والمساعي ** يا لقومي من للندى والسماح )
____________________

المساعي : جمع مسعاة في الكرم والجود .
رثى هذا الشاعر رجلاً من قومه وقال : لم يبقى للعلا والمساعي من يقوم بها بعدهم .
وهذا من الشواهد الخمسين التي لم يعرف لها قائل .
وأنشد بعده وهو فيا لله من ألم الفراق على أن المستغاث له قد يجر بمن كما يجر باللام .
قال الدماميني في شرح التسهيل : واعلم أن قولنا المستغاث من أجله أعم من أن يراد المستنصر له والمستنصر عليه إذ كل منهما وقعت الاستغاثة به لأجله أي : بسببه فإذا كان المستغاث من أجله من النوع الأول لا يجوز جره بمن البتة بل يجر باللام وإذا كان من النوع الثاني جاز الوجهان فإن جر بمن وجب تعليقها بفعل التخليص أو الإنصاف وإن جر باللام فهي للتعليل وتتعلق بالفعل أو الاسم .
وهذا المصراع من شعر لعبيد الله بن الحر الجعفي رثى به الحسين بن علي رضي الله عنهما .
وأوله : ( يا لك حسرةً ما دمت حياً ** تردد بين حلقي والتراقي ) ( حسيناً حين يطلب بذل نصري ** على أهل العداوة والشقاق ) ( ولو أني أواسيه بنفسي ** لنلت كرامةً يوم التلاقي ) ) ( مع ابن المصطفى نفسي فداه ** فيا لله من ألم الفراق ) ( غداة يقول لي بالقصر قولاً : ** أتتركنا وتزمع بانطلاق ) ( فقد فاز الألى نصروا حسيناً ** وخاب الآخرون أولو النفاق ) قوله : يالك حسرة هذا مخروم والخرم : إسقاط أول الوتد . لك بكسر الكاف : ضمير مفسر لقوله حسرةً . و تردد : مضارع محذوف من أوله
____________________

التاء . و حسيناً منصوب باذكر محذوفاً .
وقوله : فيا لله من ألم الفراق روى بدله : فولى ثم ودع بالفراق وعليه فلا شاهد فيه .
قال أبو سعيد السكري في كتاب اللصوص بسنده إلى أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الأزدي قال : كان من حديث عبيد الله بن الحر : أنه كان شهد القادسية مع خاليه : زهير ومرثد : ابني قيس بن مشجعة . وكان شجاعاً لا يعطي الأمراء طاعة ثم صار مع معاوية فكان يكرمه وكان ينتاب عبيد الله أصحاب له فبلغ ذلك معاوية فبعث إليه فدعاه فلما دخل عليه قال : يا ابن الحر ما هذه الجماعة التي بلغني أنها ببابك قال : أولئك بطانتي أقيهم وأتقي بهم إن ناب جور أمير . فقال معاوية : لعلك يا ابن الحر قد تطلعت نفسك نحو بلادك ونحو علي بن أبي طالب قال عبيد الله : إن زعمت أن نفسي تطلع إلى بلادي وإلى علي إني لجدير بذاك وإنه لقبيح بي الإقامة معك وتركي بلادي . فأما ما ذكرت من علي فإنك تعلم أنك على الباطل .
فقال له عمرو بن العاص : كذبت يا ابن الحر وأثمت فقال عبيد الله : بل أنت أكذب مني ثم خرج عبيد الله مغضباً وارتحل إلى الكوفة في خمسين فارساً وسار يومه ذلك حتى إذا أمسى بلغ مسالح معاوية فمنع من السير فشد عليهم وقتل منهم نفراً وهرب الباقون وأخذ دوابهم وما احتاج إليه ومضى لا يمر بقرية من قرى الشام إلا أغار عليها حتى قدم الكوفة وكانت له امرأة بالكوفة وكان
____________________

أخذها أهلها فزوجوها من عكرمة فولدت له جارية فقدم عبيد الله فخاصمهم إلى علي بن أبي طالب فقال له : يا ابن الحر أنت الممالئ علينا عدونا . فقال ابن الحر : أما إن )
ذلك لو كان لكان أثري معه بيناً وما كان ذلك مما يخاف من عدلك . وقاضى الرجل إلى علي فقضى له بالمرأة . فأقام عبيد الله معها منقبضاً عن كل أمر في يدي علي حتى قتل علي رضي الله عنه وحتى ولي عبيد الله بن زياد وهلك معاوية وولي يزيد وكان من أمر الحسين ما كان .
قال أبو مخنف : لما أقبل الحسين بن علي رضوان الله عليهما فأتى قصر بني مقاتل فلما قتل عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل بن أبي طالب وتحدث أهل الكوفة : أن الحسين يريد الكوفة خرج عبيد الله بن الحر منها متحرجاً من دم الحسين ومن معه من أهل بيته حتى نزل قصر بني مقاتل ومعه خيل مضمرة ومعه ناس من أصحابه . فلما قدم الحسين رضي الله تعالى عنه قصر بني مقاتل ونزل رأى فسطاطاً مضروباً فقال : لمن هذا الفسطاط فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي ومع الحسين يومئذ الحجاج بن مسروق وزيد بن معقل الجعفيان . فبعث إليه الحسين الحجاج بن مسروق فلما أتاه قال له : يا ابن الحر أجب الحسين بن علي . فقال له ابن الحر : أبلغ الحسين : أنه إنما دعاني إلى الخروج من الكوفة حين بلغني أنك تريدها فرارٌ من دمك ودماء أهل بيتك ولئلا أعين عليك وقلت إن قاتلته كان علي كبيراً وعند الله عظيماً وإن قاتلت معه ولم أقتل بين يديه كنت قد ضيعت قتله وأنا رجل أحمى أنفاً من أن أمكن عدوي فيقتلني ضيعة والحسين ليس له ناصر بالكوفة ولا شيعةٌ يقاتل بهم . فأبلغ الحجاج الحسين قول عبيد الله فعظم عليه فدعاه بنعليه ثم أقبل يمشي حتى دخل على عبيد الله بن الحر الفسطاط فأوسع له عن صدر مجلسه وقام إليه حتى أجلسه .
فلما جلس قال يزيد بن مرة : فحدثني عبيد الله بن الحر قال : دخل علي الحسين رضي الله عنه ولحيته كأنها جناح غراب وما رأيت أحداً قط أحسن ولا أملأ للعين من الحسين ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي والصبيان حوله فقال له الحسين : ما يمنعك يا ابن الحر أن تخرج معي قال ابن الحر : لو كنت كائناً من أحد الفريقين لكنت معك ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك
____________________

فأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي وهذه فرسي المحلقة فاركبها فو الله ما طلبت عليها شيئاً قط إلا أدركته ولا طلبني أحدٌ إلا فته فاركبها حتى تلحق بمأمنك وأنا لك بالعيالات حتى أؤديهم إليك أو أموت وأصحابي عن آخرهم وأنا كما تعلم إذا دخلت في أمر لم يضمني فيه أحد . قال الحسين : أفهذه نصيحة لنا منك يا ابن الحر قال : نعم والله الذي لا فوقه شيء فقال له الحسين : إني سأنصح )
لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ولا تشهد وقعتنا فافعل فو الله لا يسمع داعيتنا أحدٌ لا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم ثم خرج الحسين من عنده وعليه جبة خز وكساءٌ وقلنسوة موردة قال : ثم أعدت النظر إلى لحيته فقلت : أسوادٌ ما أرى أم خضاب قال : يا ابن الحر عجل على الشيب . فعرفت أنه خضاب وخرج عبيد الله بن الحر حتى أتى منزله على شاطئ الفرات فنزله . وخرج الحسين رضي الله عنه فأصيب بكربلاء ومن معه وأقبل ابن الحر بعد ذلك فمر بهم فلما وقف عليهم بكى .
ثم أقبل حتى دخل الكوفة فدخل على عبيد الله بن زياد بعد ثالثةٍ وكان أشراف الناس يدخلون عليه ويتفقدهم فلما رأى ابن الحر قال له : أين كنت قال كنت مريضاً . قال : مريض القلب أم مريض الجسد قال : أما قلبي فلم يمرض قط وأما جسدي فقد من الله تعالى علي بالعافية . قال : قد أبطلت ولكنك كنت مع عدونا . قال : لو كنت مع عدوك لم يخف مكاني .
قال : أما معنا فلم تكن قال : لقد كان ذاك . ثم استغفل ابن زياد والناس عنده فانسل منه ثم خرج فنزل المدائن وقال : لئن استطعت أن لا أرى له وجهاً لأفعلن ورثى الحسين وأصحابه الذين قتلوا معه بالشعر المتقدم وبقوله :
____________________

( يقول أميرٌ غادرٌ حق غادرٍ : ** ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة ) ( ونفسي على خذلانه واعتزاله ** وبيعة هذا الناكث العهد لائمة ) ( فواندمي أن لا أكون نصرته ** ألا كل نفسٍ لا تسدد نادمه ) ( وإني لأني لم أكن من حماته ** لذو حسرة ما إن تفارق لازمه ) ( سقى الله أرواح الذين تآزرو ** على نصره سقيا من الغيث دائمه ) ( وقفت على أجداثهم ومجالهم ** فكاد الحشا ينقض والعين ساجمه ) ( لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى ** سراعاً إلى الهيجا حماةً ضبارمه ) ( تآسوا على نصر ابن بنت نبيهم ** بأسيافهم آساد غيل ضراغمه ) ( وما إن رأى الراؤون أصبر منهم ** لدى الموت ساداتٍ وزهراً قماقمة ) ( أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا ** فدع خطةً ليست لنا بملائمه ) ( لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم ** فكم ناقمٍ منا عليكم وناقمه ) ) ( أهم مراراً أن أسير بجحفلٍ ** إلى فئةٍ زاغت عن الحق ظالمه ) ( فكفوا وإلا زرتكم في كتائب ** أشد عليكم من زحوف الديالمه ) ثم إن ابن الحر لم يزل يشغب بابن زياد وبالمختار وبمصعب بن الزبير . وجرت بينه وبين مصعب محاربات عديدة . ثم سار إلى عبد الملك بن مروان وقال له : إنما أتيتك لتوجه معي جنداً لقتال مصعب بن الزبير . فأكرمه عبد الملك وأعطاه أموالاً
____________________

وقال له : سر فإني أقطع البعوث وأمدك بمائة ألف . فسار ابن الحر حتى نزل بجانب الأنبار واستأذنه أصحابه في دخول الكوفة . وبلغ ذلك عبيد الله بن العباس السلمي فاغتنم الفرصة فسأل الحارث بن عبد الله . وكان خليفة مصعب على الكوفة وأخبره بتفرق أصحابه عنه .
فبعثه في مائة فارس من قيس واستمد خمسمائة فارس منهم أيضاً وسار حتى لقوه وهو في عشرة من أصحابه . فأشاروا عليه بالذهاب فأبى وقاتلهم حتى فشت في أصحابه الجراحات فأذن لهم في الذهاب وقاتلهم على الجسر فقتل منهم رجالاً كثيرة حتى انتهى إلى المعبر فدخله . فقالوا : لنبطي : هذا الرجل بغية أمير المؤمنين فإن فاتكم قتلناكم . فوثب إليه نبطي قوي فقبض على عضدي ابن الحر وجراحاته تشخب وضربه الآخرون بالمجاذيف . فلما رأى ابن الحر أن المعبر قد قرب إلى القيسية قبض على الذي قبض عليه فعالجه حتى سقطا في الماء لا يفارقه حتى غرقا جميعاً وسمع شيخ ينادي وينتف لحيته ويقول : يا بختيار يا بختيار فقيل له : مالك ياشيخ قال : كان ابني بختيار يقتل الأسد وكان يخرج هذا المعبر من الماء فيقره ثم يعيده وحده حتى ابتلي بهذا الشيطان الذي دخل السفينة فلم يملكه من أمره شيئاً حتى قذف به في الماء فغرقا جميعاً فجعلوا يسكنونه وهو يقول : ما كان ليغرق ابني إلا شيطان فلما انتهى الخبر إلى عبد الملك جزع عليه جزعاً شديداً وندم على بعثه إياه . وتمنى أن يكون بعث معه الجيوش .
وقد فصل السكري وقائعه وحروبه وجمع أشعاره في كتاب اللصوص بما لا مزيد عليه .
وأنشد بعده وهو
الشاهد العاشر بعد المائة وهو من شواهد س : ( يا لبكرٍ أنشروا لي كليباً ** يا لبكرٍ أين أين الفرار )
____________________

وهذا المعنى هو الجيد ومأخذه من هذا البيت واضح لا خفاء به ولا معنى للاستغاثة فيه كما حققه الشارح .
وفيه مخالفة لسيبويه في جعلها للاستغاثة .
وحملها النحاس على الاستهزاء فقال : إنما يدعوهم ليهزأ بهم ألا تراه قال : أنشروا لي كليباً .
وقال الأعلم : والمستغاث من أجله في البيت هو المستغاث به والمعنى : يا لبكر أدعوكم لأنفسكم مطالباً لكم في إنشار كليب وإحيائه وهذا منه استطالة ووعيد وكانوا قد قتلوا كليباً أخاه في أمر البسوس .
وكأن الشارح انتزع ما قاله من هنا . والله أعلم .
وهذا البيت لمهلهل : أخي كليب أول أبيات ثلاثة قالها بعد أن أخذ بثأر أخيه كليب ثانيهما :
____________________

( تلك شيبانٌ تقول لبكرٍ : ** صرح الشر وباح الشرار ) ( وبنو عجلٍ تقول لقيسٍ ** ولتيم الله : سيروا . فساروا ) وقوله : أنشروا بفتح الهمزة وكسر الشين يقال : أنشر الله الميت : إذا أحياه ويتعدى بدون الهمزة أيضاً فإن نشر من باب قعد جاء لازماً نحو : نشر الموتى : أي : حيوا ومتعدياً نحو نشرهم الله . و صرح الشيء بالضم صراحة وصروحة : خلص من تعلقات غيره . وباح الشيء يبوح من باب قال : ظهر . و الشرار : ما تطاير من النار الواحدة شرارة . و مهلهل قال الآمدي : اسمه امرؤ القيس بن ربيعة بن الحارث بن زهير ابن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وهو مهلهل الشاعر المشهور . ويقال اسمه عدي .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : مهلهل بن ربيعة هو عدي بن ربيعة . وسمي مهلهلاً لأنه هلهل الشعر أي : أرقه ويقال : إنه أول من قصد القصيد قال الفرزدق :
____________________

ومهلهل الشعراء ذاك الأول وهو خال امرئ القيس بن حجر صاحب المعلقة . انتهى . )
والصحيح هذا . ويدل له أنه ذكر اسمه في شعره . فقال : ضربت صدرها إلي وقالت : يا عدي لقد وقتك الأواقي ولم يقل أحدٌ قبله عشرة أبيات . وقال الغزل وعني بالنسيب في شعره . ويقال سمي مهلهلاً بقوله : هلهلت أثأر مالكاً أو صنبلا قال ابن سلام : زعمت العرب أنه كان يتكثر ويدعي في قوله بأكثر من فعله . وكان شعراء الجاهلية في ربيعة أولهم المهلهل والمرقشان وسعد بن مالك .
والمهلهل : أخو كليب الذي هاج بمقتله حرب البسوس وهي
____________________

حرب بكر وتغلب ابني وائل .
وكان من خبرها ما حكاه ابن عبد ربه في العقد الفريد والأصبهاني في الأغاني . وقد تداخل كلام كل منهما في كلام الآخر .
قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب : ما اجتمعت معد كلها إلا على ثلاثة رهط من رؤساء العرب وهو عامر وربيعة وكليب . فالأول عامر بن الظرب ابن عمرو بن بكر بن يشكر بن الحارث . وهو قائد معد يوم البيداء حين تمذجحت مذجح وسارت إلى تهامة وهي أول وقعة كانت بين تهامة واليمن .
والثاني : ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن كعب وهو قائد معد يوم السلان وهو يوم كان بين أهل تهامة واليمن .
والثالث : كليب بن ربيعة وهو الذي يقال فيه : أعز من كليب وائل وقاد معداً كلها يوم خزاز ففض جموع اليمن وهزمهم فاجتمعت عليه معد كلها وجعلوا له قسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته فغبر بذلك حيناً من دهره ثم دخله زهوٌ شديدٌ وبغى على قومه حتى بلغ من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه وكان يحمي من المرعى مدى صوت كلب فيختص به ويشاركهم في غيره ويجير على الدهر فلا تخفر ذمته ويقول : وحش أرض كذا في جواري فلا يهاج ولا يورد مع إبله أحد ولا توقد نار مع ناره حتى قالت العرب : أعز من كليب وائل .
____________________


وكانت بنو جشم وبنو شيبان في دارٍ واحدة بتهامة وكان كليب قد تزوج جليلة بنت مرة بن ذهل بن شيبان وأخوها جساس بن مرة وكانت لجساس خالة تسمى البسوس بنت منقذ التميمية جاورت ابن أختها جساساً وكان لها ناقة يقال لها : سراب ولهما تقول العرب : )
أشأم من سراب و أشأم من البسوس فمر إبل كليب بسراب وهي معقولة بفناء البسوس فلما رأت سراب الإبل خلخلت عقالها وتبعت إبل كليب فاختلطت بها حتى انتهت إلى كليب وهو على الحوض معه قوسٌ وكنانة فلما رآها أنكرها فرماها بسهم في ضرعها فنفرت سراب وولت حتى بركت بفناء صاحبتها وضرعها يشخب دماً ولبناً فبرزت البسوس صارخةً يدها على رأسها تصيح : واذلاه وأنشأت تقول : ( لعمري لو أصبحت في دار منقذ ** لما ضيم سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي ) ( ولكنني أصبحت في دار غربةٍ ** متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي ) ( فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل ** فإنك في قومٍ عن الجار أموات ) فلما سمع جساس صوتها سكنها وقال : والله ليقتلن غداً جملٌ عظيمٌ أعظم عقراً من ناقتك .
فبلغ كليباً فظن أنه أراد قتل عليان وهو فحل كريم له فقال : هيهات دون عليان خرط القتاد ثم انتجع الحي فمروا على نهر يقال له : شبيب فنهاهم كليب عنه ثم على آخر يقال له : الأحص فنهاهم عنه حتى نزلوا على الذنائب فمر جساس بكليب وهو على غدير الذنائب منفرداً فقال :
____________________

أطردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشاً فقال كليب : ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون . فقال جساس : هذا كفعلك بناقة خالتي قال : أو قد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل مرة لاستحللت تلك الإبل . فعطف عليه جساس فطعنه فأرداه ووجد الموت فقال : يا جساس اسقني فقال : هيهات تجاوزت شبيثاً والأحص وروى أن البسوس لما صرخت وأحمت جساساً ركب فرساً له وتبعه عمرو بن الحارث بن ذهل بن شيبان ومعه رمحه حتى دخلا على كليب الحمى فضربه جساس فقصم صلبه وطعنه عمرو بن الحارث من خلفه فقطع قطنه فوقع كليب يفحص برجله فلما فرغ من قتله جاء إلى أهله وأخبرهم بأنه قتل كليباً ثم هرب .
وكان همام بن مرة أخا جساس وكان ينادم المهلهل أخا كليب وكان قد صادقه وواخاه وعاهده أن لا يكتم عنه شيئاً . فجاءت أمه إليه فأسرت إليه قتل جساس كليباً فقال له مهلهل : ما قالت لك فلم يخبره . فذكره العهد فقال : أخبرت أن أخي قتل أخاك . فقال : است أخيك أضيق من ذلك فسكت وأقبلا على شرابهما فجعل مهلهل يشرب شرب الآمن وهمام يشرب شرب الخائف فلم تلبث الخمر أن صرعت مهلهلاً فانسل همام فأتى قومه بني شيبان وقد )
قوضوا الخيام وجمعوا الخيل والنعم ورحلوا حتى نزلوا بماء يقال له النهى .
ولما ظهر قتل كليب وأفاق مهلهل اجتمعت إليه وجوه قومه فاستعد لحرب بكر وترك النساء والغزل وحرم القمار والشراب وأرسل إلى بني شيبان وهو في نادي قومه .
فقالت الرسل : إنكم أتيتم عظيماً بقتلكم كليباً بناب من الإبل فقطعتم الرحم وانتهكتم الحرمة وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم ونحن نعرض عليكم إحدى خلال أربع لكم فيها مخرج ولنا مقنع فقال مرة : ما هي
____________________

قالوا : تحيي لنا كليباً أو تدفع إلينا جساساً قاتله نقتله به أو هماماً فإنه كفء له أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاءً من دمه . فقال : أما إحيائي كليباً فهذا ما لا يكون وأما جساس فإنه غلام طعن طعنةً على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد احتوت عليه وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومه فلن يسلموه إلي فأدفعه إليكم ليقتل بجريرة غيره وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة فأكون أول قتيل فيها فما أتعجل الموت ولكن لكم عندي إحدى خصلتين : أما إحداهما فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق من شئتم نسعة وانطلقوا به إلى رحالكم فاذبحوه ذبح الخروف وإلا فألف ناقةٍ سوداء المقل أقوم لكم بها كفيلاً من بكر بن وائل . فغضب القوم وقالوا : لقد أسأت في الجواب وسمتنا اللبن من دم كليب . ووقعت الحرب بينهم ولحقت زوجة كليب بأبيها وقومها . ودعت تغلب النمر بن قاسط فانضمت إليها وصاروا يداً معهم على بكر ولحقت بهم غفيلة بن قاسط واعتزلت قبائل بكر بن وائل وكرهوا مجامعة بني شيبان ومساعدتهم على قتال إخوتهم وأعظموا قتل جساس كليباً بناب من الإبل فظعنت لجيم عنهم وكفت يشكر عن نصرتهم وانقبض الحارث بن عباد في أهل بيته وهو أبو بجير وفارس النعامة .
قال أبو المنذر : أخبرني خراش : أن أول وقعة على ماءٍ كانت بنو شيبان نازلة عليه ورئيس تغلب المهلهل ورئيس شيبان الحارث بن مرة فكانت الدائرة
____________________

لتغلب وكانت الشوكة في شيبان واستحر القتل فيهم إلا أنه لم يقتل في ذلك اليوم أحد من بني مرة .
ثم التقوا بالذنائب وهو أعظم وقعة كانت لهم فظفرت بنو تغلب وقتلت بكرً مقتلة عظيمة وفيها قتل شراحيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو جد الحوفزان وهو جد معن بن زائدة . والحوفزان هو الحارث بن شريك بن عمرو ابن قيس بن شراحيل قتله عتاب بن )
قيس بن زهير بن جشم وقتل الحارث بن مرة ابن ذهل بن شيبان قتله كعب بن زهير بن جشم وقتل من بني ذهل بن ثعلبة بن عمرو ابن مندوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة وقتل من بني تيم الله جميل بن مالك بن تيم الله وعبد الله بن مالك بن تيم الله وقتل من بني قيس بن ثعلبة سعد بن ضبيعة ابن قيس وتميم بن قيس بن ثعلبة وهو أحد الخرفين وكان شيخاً كبيراً . فهؤلاء من أصيب من رؤساء بكر يوم الذنائب .
ثم التقوا بواردات وعلى الناس رؤساؤهم الذين سمينا فظفرت بنو تغلب واستحر القتل في بني بكر فيومئذ قتل شعثم وعبد شمس ابنا معاوية بن عامر بن ذهل ابن ثعلبة وسيار بن حارث بن سيار وفيه قتل همام بن مرة أخو جساس فمر به مهلهل مقتولاً فقال له : والله ما قتل بعد كليب قتيل أعز علي فقداً منك وقتله ناشرة وكان همام رباه وكفله كما كان ربى حديقة بن بدر قرواشاً فقتله يوم الهباءة .
ثم التقوا بعنيزة فظفرت بنو تغلب ثم كانت بينهم معاودة ووقائع كثيرة كل ذلك كانت الدائرة فيها لبني تغلب على بني بكر .
وقال مهلهل يصف الأيام وينعاها على بكر في قصيدة طويلة أولها :
____________________

( أليلتنا بذي حسمٍ أنيري ** إذا أنت انقضيت فلا تحوري ) وقال مهلهل لما أسرف في القتل : ( آليت بالله لا أرضى بقتلهم ** حتى أبهرج بكراً أينما وجدوا ) قال أبو حاتم : أبهرج : أدعهم بهرجا لا يقتل فيهم قتيل ولا يؤخذ لهم دية ويقال : المبهرج من الدراهم من هذا . وقال أيضاً : يا لبكر أنشروا لي كليباً . . الأبيات الثلاثة .
وله أشعار كثيرة في رثاء أخيه كليب .
ثم إن المهلهل أسرف في القتل ولم يبال بأي قبيلة من قبائل بكر أوقع وكانت أكثر بكر قعدت عن نصرة بني شيبان لقتلهم كليباً وكان الحارث بن عباد قد اعتزل تلك الحروب وقال : لا ناقةٌ لي في هذا ولا جمل فذهبت مثلاً . فاجتمع قبائل بكر إليه فقالت : قد فني قومك فأرسل بجبيراً بن أخيه إلى مهلهل وقال له : قل له : إني قد اعتزلت قومي لأنهم ظلموك وخليتك وإياهم .
وقد أدركت ثأرك وقتلت قومك . فأتى بجبير إليه فقتله مهلهل كما تقدم شرحه عند الكلام )
على قوله : ( من صد عن نيرانها ** فأنا ابن قيس لا براح ) وهو الشاهد الحادي والثمانون فبعد ذلك نهض الحارث للحرب فقاتل تغلب حتى هرب المهلهل وتفرقت قبائل تغلب وكان أول يوم شهده الحارث بن عباد يوم فضة وهو يوم تحلاق اللمم وفيه أسر الحارث بن عباد مهلهلاً وهو لا يعرفه
____________________

واسمه عدي بن ربيعة فقال له : دلني على عدي وأخلي عنك فقال له : عليك العهد بذلك إن دللتك عليه قال : نعم قال : فأنا عدي فجز ناصيته وتركه . وقال فيه : ( لهف نفسي على عدي ولم أع ** رف عدياً إذ أمكنتني اليدان ) وفيه قتل عمرو وعامر التغلبيان قتلهما جحدر بن ضبيعة .
ثم إن مهلهلاً فارق قومه ولم يزل مقيماً في أخواله بني يشكر ضجراً من الحرب وأرسل الحارث بن عمرو بن معاوية الكندي وهو جد امرئ القيس بن حجر في الصلح بينهم والتمليك عليهم وقد كانوا قالوا : إن سفهاءنا غلبوا علينا وأكل القوي منا الضعيف فالرأي أن نملك علينا ملكاً نعطيه البعير والشاة فيأخذ منا القوي ويرد الظالم ولا يكون من بعض قبائلنا فيأباه الآخرون فلا تنقطع الحروب فأصلح بينهم وشغلهم بحرب اللخميين من بني غسان ملوك الشام وبقي مهلهل وحيداً عند أخواله إلى أن مات . قيل وجد ميتاً بين رجلي جمل هاج عليه . وقيل بل مات أسيراً وذلك أنه لما نزل اليمن في بني جنب وجنب من مذحج فخطبوا إليه ابنته فقال لهم : إني طريدٌ بينكم فمتى أنكحتكم قالوا : اقتسروه . فأجبروه على تزويجها وساقوا إليه في صداقها أدماً فقال : في أبيات . . ثم انحدر فلقيه عوف بن مالك أبو أسماء صاحبة المرقش الأكبر فأسره فمات في أسره .
قال السكري في أشعار تغلب : أسر مهلهلاً عوف بن مالك أحد بني قيس بن ثعلبة وإن شباناً من شبان بني قيس بن ثعلبة أتوا عوف بن مالك أحد بني قيس
____________________

فقالوا : أرسل معنا مهلهلاً فأرسله معهم فشرب فلما رجع جعل يتغنى بهجاء بكر بن وائل فسمعه عوف بن مالك فغاظه فقال : لا جرم إن لله علي نذراً إن شرب عندي قطرة ماء ولا خمر حتى يورد الخضير بمعجمتين مصغراً وهو بعير لعوف لا يرد الماء إلا سبعاً فقال له أناس من قومه : بئس ما حلفت فبعثوا )
الخيول في طلب البعير فأتوا به بعد ثلاثة أيام ومات مهلهل عطشاً . وقيل بل قتل . وكان السبب في قتله : أنه أسن وخرف وكان له عبدان يخدمانه فملاه وخرج بهما إلى سفر فبينما هو في بعض الفلوات عزما على قتله فلما عرف ذلك كتب على قتب رحله وقيل أوصاهما : ( من مبلغ الحيين أن مهلهلاً ** لله دركما ودر أبيكما ) ثم قتلاه ورجعا إلى قومه فقالا : مات : وأنشداهم قوله . فقال بعض ولده قيل هي ابنته إن مهلهلاً لا يقول مثل هذا الشعر وإنما أراد : ( من مبلغ الحيين أن مهلهلاً ** أمسى قتيلاً في الفلاة مجدلاً ) فضربوا العبدين حتى أقرا بقتله .
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي عشر بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : ( أيا شاعراً لا شاعر اليوم مثله ** جريرٌ ولكن في كليبٍ تواضع )
____________________

على أن المنادى من قبيل الشبيه بالمضاف إذا كان موصوفاً بجملة فإن جملة لا شاعر اليوم مثله من اسم لا وخبرها وهو مثله صفة للمنادى والوصف متقدم على النداء . وبه يسقط ما ذهب إليه سيبويه من أن الوصف بعد النداء وتكلف حتى جعل المنادى في مثله محذوفاً وجعل شاعراً منصوباً بفعل محذوف .
قال الأعلم : الشاهد فيه على مذهب الخليل وسيبويه نصب شاعراً بإضمار فعل على معنى الاختصاص والتعجب والمنادى محذوف والمعنى : يا هؤلاء أو ياقوم عليكم شاعراً أو حسبكم به شاعراً .
وقال النحاس : كأنه قال : يا قائل الشعر عليك شاعراً وإنما امتنع عنده أن يكون منادى لأنه نكرة يدخل في كل شاعر بالحضرة وهو إنما قصد شاعراً بعينه وهو جرير وكان ينبغي أن يبنيه وقال أحمد بن يحيى : يا شاعراً نصب بالنداء وفيه معنى التعجب والعرب تنادي بالمدح والذم وتنصب بالنداء : فيقولون : يا رجلاً لم أر مثله وكذا يا طيبك من ليلة وكذا يا شاعراً .
ومثله قول التبريزي أيضاً عند قول الحماسي : )
أيا طعنة ما شيخٍ كبيرٍ يفنٍ بالي المنادى محذوف .
ويجوز أن يكون غيره فكأنه قال لمن بحضرته : يا هذا حسبك به شاعراً على المدح والتعجب منه ثم بين أنه جرير ويشبه هذا الإضمار بقولهم : نعم رجلاً زيد . ويجوز أن يكون حسبك به على شريطة التفسير وبه في موضع اسم مرفوع لا بد منه . ويجوز أن تكون الهاء للشاعر الذي جرى ذكره ثم وكده بقوله جرير أي : هو جرير .
وتقدير الخليل ويونس يا قائل الشعر : على أن قائل الشعر غير الشاعر المذكور كأنه قال يا شعراء عليكم شاعراً لا شاعر اليوم مثله : أي حسبكم به شاعراً فهذا
____________________

ظاهر كلام سيبويه .
ويجوز أن يكون يا قائل الشعر المحذوف هو الشاعر المذكور وينتصب شاعراً على الحال ولا شاعر اليوم في موضع النعت واحتاج إلى إضمار قائل الشعر ونحوه حتى يكون المنادى معرفة وهذا البيت من قصيدة للصلتان العبدي عدة أبياتها ثلاثة وعشرون بيتاً أوردها المبرد في كتاب الاعتنان والقالي في أماليه وابن قتيبة في كتاب الشعراء إلا أنه حذف منها أبياتاً والاعتنان معناه المعارضة والمناظرة في الخصومة يقال عن له : إذا جادله وعارضه . والمعن بكسر الميم وفتح العين : المعارض : ومضمون كتاب الاعتنان : بيان الأسباب التي اقتضت التهاجي بين جرير والفرزدق فادعى أنهما حكماه بينهما فقضى بشرف الفرزدق على جرير وبني مجاشع على بني كليب وقضى لجرير بأنه أشعرهما . وكليب رهط جرير ومجاشع رهط الفرزدق .
والقصيدة هذه : ( أنا الصلتان والذي قد علمتم ** مني ما يحكم فهو بالحكم صادع ) ( أتتني تميممٌ حين هابت قضاتها ** وإني لبالفصل المبين قاطع ) ( كما أنفذ الأعشى قضية عامرٍ ** وما لتميمٍ من قضائي رواجع ) ( ولم يرجع الأعشى قضية جعفر ** وليس لحكمي آخر الدهر راجع ) ( سأقضي قضاءً بينهم غير جائر ** فهل أنت للحكم المبين سامع ) ( قضاء امرئٍ لا يتقي الشتم منهم ** وليس له في الحمد منهم منافع ) ( قضاء امرئٍ لا يرتشي في حكومة ** إذا مال بالقاضي الرشا والمطامع ) ( فإن تجزعا أو ترضيا لا أقلكما ** وللحق بين الناس راضٍ وجازع ) ) ( فأقسم لا آلو عن الحق بينهم ** فإن أنا لم أعدل فقل أنت ضالع ) ( فإن يك بحر الحنظليين واحداً ** فما يستوي حيتانه والضفادع ) ( وما يستوي صدر القناة وزجها ** وما يستوي شم الذرا والأجارع ) ( وليس الذنابى كالقدامى وريشه ** وما تستوي في الكف منك الأصابع ) ( ألا إنما تحظى كليب بشعرها ** وبالمجد تحظى دارمٌ والأقارع )
____________________

( ومنهم رؤوس يهتدي بصدورها ** والأذناب قدماً للرؤوس توابع ) ( أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ** ولكن خيراً من كليب مجاشع ) ( فيا شاعراً لا شاعر اليوم مثله ** جريرٌ ولكن في كليب تواضع ) ( جريرٌ أشد الشاعرين شكيمةً ** ولكن علته الباذخات الفوارع ) ( ويرفع من شعر الفرزدق أنه ** له باذخ لذي الخسيسة رافع ) ( وقد يحمد السيف الددان بجفنه ** وتلقاه رثا غمده وهو قاطع ) ( يناشدني النصر الفرزدق بعدما ** ألحت عليه من جريرٍ صواقع ) ( فقلت له : إني ونصرك كالذي ** يثبت أنفاً كشمته الجوادع ) قال المبرد : قال أبو عبيدة : فأما الفرزدق فرضي حين شرفه عليه وقومه على قومه وقال : إنما الشعر مروءة من لا مروءة له وهو أخس حظ الشريف وأما جرير فغضب من المنزلة التي أنزله إياها فقال يهجوه وهو أحد بني هجرس : ( أقول ولم أملك سوابق عبرةً : ** متى كان حكم في بيوت الهجارس ) ( فلو كنت من رهط المعلى وطارقٍ ** قضيت قضاءً واضحاً غير لابس ) قال : والمعلى أبو الجارود أو جده وطارق : ابن النعمان من بني الحارث بن جذيمة وأم المنذر بن الجارود بنت النعمان . وقال جرير أيضاً : ( أقول لعيني قد تحدر ماؤها ** متى كان حكم الله في كرب النخل ) فلم يجبه الصلتان فسقط .
أقول : قد أجابه الصلتان بقوله : ( تعيرنا بالنخل والنخل مالنا ** وود أبوك الكلب لو كان ذا نخل )
____________________

( وأي نبي كان من غير قريةٍ ** وهل كان حكم الله إلا مع الرسل ) )
وقيل : هما لخليد عينين . أحد بني عبد الله بن دارم وكان ينزل في قرية بالبحرين يقال لها عينين كذا في شرح أمالي القالي لأبي عبيد البكري .
أنا الصلتاني الذي قد علمتم بالنسبة إلى الصلتان ومعناه في اللغة : النشيط الحديد من الخيل والحمار الشديد .
وقوله : كما أنفذ الأعشى قضية عامر أشار إلى ما حكم به أعشى قيس بين عامر بن الطفيل لعنة الله عليه وبين ابن عمه علقمة بن علاثة الصحابي رضي الله عنه وغلب الأعشى عامراً على علقمة بالباطل وزعم أنهما حكماه وهو كذب وقد تقدم بيانه في الشاهد السادس والعشرين . والرواجع : جمع راجعة من رجعه بمعنى رده وأراد بتميم القبيلة .
وقوله : فاصمتا : أمر من صمت من باب دخل : إذا سكت وروى المبرد فأنصتا من أنصت بمعنى سكت واستمع الحديث فالياء من حكمتماني مفتوحة على الرواية الأولى ساكنة على الرواية الثانية .
وقوله : لا أقلكما : من الإقالة وهي رفع العقد فإنه عقد له في الحكم عليهما كما زعم وهو مجزوم في جواب الشرط .
وقوله : فأقسم لا آلو : أي : لا أقصر من الألو وهو التقصير وروى المبرد لا ألوي : بمعنى لا أعرض ولا أحيد .
وقوله : فقل أنت ضالع : هو من ضلع من باب نفع : مال عن الحق يقال ضلعك مع فلان أي : ميلك وروى المبرد ظالع بالظاء المشالة من ظلع البعير والرجل من باب نفع أيضاً : إذا غمز في مشيه وهو شبيه بالعرج .
____________________

و الحنظليين بالتثنية لأن كليب بن يربوع بن حنظلة قوم جرير ومالك بن حنظلة قوم الفرزدق . و الزج بضم الزاي المعجمة : الحديدة التي في أسفل الرمح وصدر القناة من السنان إلى ثلثها . و شم الذرا : أي : جبال شم الذرا يقال : جبل أشم أي : طويل والذرا : جمع ذروة وهو أعلى الشيء . و الأجارع : جمع أجرع وهو رملة مستوية لا تنبت شيئاً ومؤنثه الجرعاء .
وروى ابن قتيبة والمبرد : والأكارع جمع أكرع جمع كراع وهو في الغنم والبقر بمنزلة الوظيف في الفرس والبعير وهو مستدق الساق . فالمراد : بالذرا : جمع ذروة بمعنى أعلى السنام . )
وقوله : وليس الذنابى كالقدامى الذنابى بضم الذال والقصر : ذنب الطائر وهو أكثر من الذنب والقدامى بضم القاف والقصر : إحدى قوادم الطائر وهي مقاديم ريشه وهي عشرٌ في كل جناح ويقال قادمة أيضاً وجمعها قوادم . و تحظى : من الحظوة بالظاء المعجمة بمعنى الصلف والافتخار . و دارم هو دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم . واسم دارم بحر وذلك أن أباه أتاه قوم في حمالة أي : في طلب دية فقال له : يا بحر ائتني بخريطة وكان فيها مال فجاء يحملها وهو يدرم تحتها من ثقلها فسمي دارماً يقال درم فلان : إذا قارب الخطا . و الأقارع أراد به الأقرعين وهما الأقرع بن حابس وأخوه مرثد التميميان .
وقوله : أرى الخطفى بفتح الخاء المعجمة والطاء والفاء والقصر : اسم والد جرير سماه باسم أبيه . و بذه : غلبه . و شعره : فاعله . والتواضع : الانحطاط من الذل والوضيع : الدنيء من الناس . و الشكيمة : الشدة يقال فلان ذو شكيمة : إذا كان لا ينقاد وفلان شديد الشكيمة : إذا كان شديد النفس أبياً . الباذخات : أي : المراتب العاليات يقال شرف باذخ أي : عال وكذلك الفوارع : يقال فرعت قومي : أي : علوتهم بالشرف أو بالجمال .
وقوله : ويرفع من شعر الفرزدق يقال : رفعت من خسيسته : إذا فعلت به فعلاً تكون فيه رفعته . يريد أن الفرزدق له شرف باذخ ولكن شعره دنيء . فالقول يرتفع برفعة القائل . وروى المبرد :
____________________

ينوء ببيتٍ للخسيسة رافع أي : ينهض ويقوم بالبيت الرديء من الشعر فيرفعه .
جرير أشد الشاعرين شكيمةً و الرث : البالي . و الجفن : قراب السيف وهو الغمد أيضاً . وهذا المصراع ناظر إلى قوله : ويرفع من شعر الفرزدق أنه . . البيت و الصواقع : جمع صاعقة لغة في الصاعقة . وقوله : كشمته الجوادع قال القالي في أماليه : كشم أنفه . إذا قطعه . و الجوادع : جمع جادعة وهي التي تقطع الأنف . وروى المبرد : هشمته الجوادع . )
قال الآمدي في المؤتلف : هو شاعر مشهور خبيث . وشاعران آخران يقال لهما : الصلتان .
أحدهما الصلتان الضبي قال الآمدي ولست أعرفه في شعراء بني ضبة وأظنه متأخراً . قال أبو عمرو بندار في كتاب معاني الشعراء قال أبو زيد
____________________

أحسبه أنشدنيه في صفة ناقته : ( كأن يدي عنسي إذا هي هجرت ** هراوة حبى تنفض الغصن اللدنا ) حبى : امرأته .
والثاني : الصلتان الفهمي قال الآمدي : لست أعرفه في شعرائهم وأظنه متأخراً . أنشد له الجاحظ في البيان والتبين : ( العبد يقرع بالعصا ** والحر تكفيه الإشارة ) وذكره ابن المعتز في سرقات الشعراء وحكاه أيضاً عن الجاحظ .
ومن مشهور شعر الصلتان العبدي ما أنشده ابن قتيبة في كتاب الشعراء قوله : ( أشاب الصغير وأفنى الكب ** ير كر الغداة ومر العشي ) ( إذا هرمت ليلةٌ يومها ** أتى بعد ذلك يومٌ فتي ) ( نروح ونغدو لحاجاتنا ** وحاجة من عاشر لا تنقضي ) ( تموت مع المرء حاجاته ** وتبقى له حاجةٌ ما بقي ) ( إذا قلت يوماً لمن قد ترى : ** أروني السري أروك الغني ) ( ألم تر لقمان أوصى بنيه ** وأوصيت عمراً ونعم الوصي ) بني بدا خب نجوى الرجال فكن عند سرك خب النجي
____________________

( وسرك ما كان عند امرئٍ ** وسر الثلاثة غير الخفي ) وزاد عليه أبو تمام في الحماسة : ( ودع النفس اتباع الهوى ** فما للفتى كل ما يشتهي ) ومطلع هذه الأبيات من شواهد تلخيص المفتاح للقزويني .
وأنشد بعده وهو )
الشاهد الثاني عشر بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : ( أعبداً حل في شعبى غريباً ** ألؤماً لا أبا لك واغترابا ) على أن جملة حل صفة للمنادى قبل النداء وهو من قبيل الشبيه بالمضاف وعند سيبويه ما تقدم ذكره قبل هذا .
قال ابن خلف تبعاً للنحاس : وقوله أعبداً أجاز س أن يكون منادى منكوراً وأن يكون منصوباً على الحال كأنه قال : أتفخر في حال عبودية ولا يليق الفخر بالعبودية .
وعلى هذا فالهمزة للاستفهام وعبداً وجملة حل وغريباً أحوال من ضمير
____________________

تفخر وعلى الأول فجملة حل صفة للمنادى وغريباً حال من ضمير حل وقيل صفة أخرى للمنادى .
وقد نقل ابن السيد في شرح أبيات الجمل الوجهين : النداء والاستفهام عن سيبويه .
وأنشد سيبويه هذا البيت على أن لؤماً واغتراباً منصوبان بفعل محذوف على طريق الانكار التوبيخي كأنه قال : أتلؤم لؤماً وتغترب اغتراباً ويجوز أن يكون التقدير : أتجمع لؤماً واغتراباً فتنصبهما بفعل واحد مضمر . وهذا أحسن لأن المنكر إنما هو جمع اللؤم والغربة و اللؤم بالهمز : ضد الكرم وهو فعل الأمور الخسيسة الدنيئة وفعله من باب كرم .
وقوله : لا أبا لك جملة معترضة وهذا يكون للمدح : بأن يراد نفي نظير الممدوح بنفي أبيه ويكون للذم : بأن يراد أنه مجهول النسب وهذا هو المراد هنا . وقال السيوطي في شرح شواهد المغني : هي كلمة تستعمل عند الغلطة في الخطاب وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم شتماً له واحتقاراً ثم كثر في الاستعمال حتى صار يقال في كل خطاب يغلط فيه على المخاطب . وحكى أبو الحسن ابن الأخضر : كان العرب تستحسن لا أبا لك وتستقبح لا أم لك لأن الأم مشفقة حنينة .
وقال العيني : وقد يذكر في معرض التعجب دفعاً للعين كقولهم : لله درك وقد يستعمل بمعنى جد في أمرك وشمر لأن من له أب يتكل عليه في بعض شأنه .
قال اللخمي في شرح أبيات الجمل : اللام في لك مقحمة والكاف في محل
____________________

خفض بها لأنه لو كان الخفض بالإضافة أدى إلى تعليق حرف الجر فالجر باللام وإن كانت مقحمة كالجر بالباء وهي زائدة وإنما أقحمت مراعاة لعمل لا لأنها لا تعمل إلا في النكرات وثبتت الألف مراعاة )
للإضافة فاجتمع في هذه المسألة شيئان متضادان : اتصال وانفصال : فثبات الألف دليل على الاتصال من جهة الإضافة في المعنى وثبات اللام دليل على الانفصال في اللفظ مراعاة لعمل لا .
فهذه مسألة قد روعيت لفظاً ومعنى . وخبر لا التبرئة محذوف أي : لا أبا لك بالحضرة . و شعبى بضم الشين والقصر والألف للتأنيث . قال السكري في أشعار تغلب : هي جبال منيعة متدانية بين أيسر الشمال وبين مغيب الشمس من ضرية على قريب من ثمانية أميال . وقيل جبل أسود وله شعاب فيها أوشال تحبس الماء من سنة إلى سنة . وفي معجم ما استعجم للبكري : قال يعقوب : شعبى جبيلات متشعبة ولذلك قيل شعبى وقال عمارة : هي هضبة بحمى ضرية . ومن أصحاب شعبى العباس بن يزيد الكندي وكان هناك نازلاً في غير قومه قال جرير يعني العباس : أعبداً حل في شعبى غريباً . . . . البيت انتهى .
ومثله لابن السيد في شرح أبيات الجمل .
قال أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب وإنما عير جرير العباس بن يزيد بحلوله في شعبى لأنه كان حليفاً لبني فزارة وشعبى من بلادهم وهو كندي والحلف عندهم عار .
قال : وكان السبب في قول جرير هذا الشعر : أنه لما هجا الراعي النميري بقوله من قصيدة : عارضه العباس بن يزيد الكندي وكان مقيماً بشعبى فقال : ( ألا أرغمت أنوف بني تميم ** فساة التمر إن كانوا غضابا ) ( لقد غضبت علي بنو تميم ** فما نكأت بغضبتها ذبابا ) ( لو اطلع الغراب على تميم ** وما فيها من السوءات شابا )
____________________

فقال جرير يهجوه : ( إذا جهل الشقي ولم يقدر ** لبعض الأمر أوشك أن يصاب ) ( ستطلع من ذرا شعبى قوافٍ ** على الكندي تلتهب التهابا ) أعبداً حل في شعبى غريباً . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت
____________________

( فما تخفى هضيبة حين تمشي ** ولا إطعام سخلتها الكلابا ) ( تخرق بالمشاقص حالبيها ** وقد حلت مشيمتها الثيابا ) انتهى . ومثله في الأغاني حكاية عن جرير مع الحجاج بن يوسف الثقفي قال : هجاني العباس بن )
يزيد الكندي بقوله : ألا أرغمت أنوف بني تميم . . . الأبيات .
فتركته خمس سنين لا أهجوه ثم قدمت الكوفة فأتيت مجلس كندة فطلبت إليهم أن يكفوه عني فقالوا : ما نكفه وإنه لشاعر وأوعدوني به فمكثت قليلاً ثم بعثوا إلي راكباً فأخبروني بمثالبه وجواره في طيئ حيث جاور غفار وأحبل أخته هضيبة . فقلت : إذا جهل الشقي ولم يقدر . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت أعبداً حل في شعبي غريباً . . . . . . . . . . . . . . . . البيت فما تخفى هضيبة حيث تمشي . . . . . . . . . . . . البيت تخرق بالمشاقص حالبيها . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( فقد حملت ثمانية وأوفت ** بتاسعها وتحسبها كعابا ) انتهى . أراد بسخلتها : ولدها الذي ولدته لزنية ورمته للكلاب فأكلته . و المشاقص : جمع مشقص وهو النصل العريض يكون في السهم . و الحالبان : عرقان مكتنفان بالسرة . و مشيمتها : ما يخرج بعد الولد يعني أنها لما حبلت شقت حالبيها بمشقص لترمي الولد . و الكعاب بالفتح وهي الكاعب وهي الجارية التي نهد ثديها .
وقال اللخمي : هذا البيت من قصيدة لجرير يهجو بها البعيث واسمه خداش بن بشر المجاشعي . ثم أنشد هذه الأبيات . وقال : أراد بالعبد البعيث .
وقال العيني : هو من قصيدة لجرير يهجو بها خالد بن يزيد الكندي وأولها : ( أخالد كان أهلك لي صديقاً ** فقد أمسوا بحبكم حرابا ) ( بنفسي من أزور فلا أراه ** ويضرب دونه الخدم الحجابا ) أخالد لو سألت علمت أني لقيت بحبك العجب العجابا ستطلع من ذرا شعبى قوافٍ . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت أعبداً حل في شعبى غريباً . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( ويوماً في فزارة مستجيراً ** ويوماً ناشداً حلفاً كلابا ) إذا جهل اللئيم ولم يقدر . . . . . . . . . . . . . . . البيت والظاهر أن هذه الأبيات ليست منتظمة في نسق واحد . والله أعلم . )
____________________


فائدة قد جاء على فعلى تسع كلمات : إحداها : شعبى وقد شرحت . وثانيها : أدمى بالدال والميم وهو موضع وقيل حجارة حمر في أرض قشير . ثالثها : أربى بالراء المهملة والموحدة وهي الداهية . رابعها : أرنى بالراء والنون : حب يجعل في اللبن فيثخنه . خامسها : حلكى بالحاء المهملة واللام والكاف لضرب من العظاء وقيل دابة تغوص في الرمل . سادسها : جنفى بالجيم والنون والفاء وهو اسم موضع . سابعها : حنفى بالحاء المهملة والنون والفاء وهو اسم جبل .
ثامنها : جعبى بالجيم والعين الموحدة للعظام من النمل . تاسعها : جمدى بالجيم والميم والدال وهو اسم موضع .
وترجمة جرير قد تقدمت في أوائل الكتاب في الشاهد الرابع .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث عشر بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : ( أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً ** فماء الهوى يرفض أو يترقرق ) على أن المنادى من قبيل الشبيه بالمضاف والجار والمجرور صفته قبل النداء .
ولهذا أنشده سيبويه . قال الأعلم : الشاهد فيه نصب داراً لأنه منادى منكور في اللفظ لاتصاله بالمجرور بعده ووقوعه موقع صفته كأنه قال : أداراً مستقرة بحزوى فجرى لفظه على التنكير وإن كان مقصوداً بالنداء معرفةً في التحصيل . ونظيره مما ينتصب وهو معرفة لأن ما بعده من صلته فضارع المضاف قولهم : يا خيراً
____________________

من زيد وكذلك ما نقل إلى النداء موصوفاً بما توصف به النكرة جرى عليه لفظ المنادى المنكور وإن كان في المعنى معرفة . و حزوى بضم المهملة وسكون الزاي المعجمة قال البكري في معجم ما استعجم : هو موضع في ديار بني تميم وقال الأحول : حزوى وخفان : موضعان قريبان من السواد والخورنق من الكوفة . و هجت جواب النداء ويقال له : المقصود بالنداء . وقال ابن السيد : جملة هجت صفة ثانية للمنادى أو خبر مبتدأ محذوف أي : أنت هجت . وفيه نظر . وهاج هنا متعد يقال : هجت الشيء وهيجته : إذا أثرته ويأتي لازماً يقال هاج الشيء : إذا ثار . و عبرةً مفعوله )
بفتح العين بمعنى الدمعة و للعين كان في الأصل صفة لعبرة فلما قدم صار حالاً منها . والعبرة تكون جارية ومتحيرة وساكنة وقاطرة . وماء الهوى هو الدمع وأضافه إلى الهوى أي : العشق لأنه هو الباعث لجريانه . و يرفض بالفاء والضاد : يسيل بعضه في إثر بعض وكل متناثر مرفض . و يترقرق : يبقى في العين متحيراً يجيء ويذهب ورقراق السراب من ذلك . وحكى بعضهم أن يترقرق هنا بمعنى يترقق .
وهذا البيت مطلع قصيدة طويلة لذي الرمة عدة أبياتها سبعة وخمسون بيتاً كلها غزل وتشبيب بمي . وقد أخذه من زهير بن جناب وهو شاعر جاهلي من قصيدة فيها : ( وذي دار سلمى قد عرفت رسومها ** فعجت إليها والدموع ترقرق ) ( وكادت تبين القول لما سألتها ** وتخبرني لو كانت الدار تنطق ) و أو في البيتين بمعنى الواو . وقد أخذ منه بيتاً آخر وهو : ( وقفنا فسلمنا فكادت بمسرفٍ ** لعرفان صوتي دمنة الدار تنطق ) و مسرف بضم الميم وسكون السين وكسر الراء المهملتين اسم موضع .
____________________


ومن قصيدة ذي الرمة : ( وإنسان عيني يحسر الماء تارةً ** فيبدو وتاراتٍ يجم فيغرق ) وهو من شواهد مغني اللبيب . وحسر الماء من باب ضرب : نضب عن موضعه وغار . و يجم بضم الجيم وكسرها : مضارع جم الماء جموماً أي : كثر وارتفع . و يغرق بفتح الراء : مضارع غرق بكسرها . وفي إفراد تارةً أولاً وجمعها ثانياً إشارةٌ إلى أن غلبة البكاء عليه هي غالب أحواله .
وجملة يحسر الماء وقعت خبراً عن قوله إنسان عيني وهي خالية عن رابط محذوف أي : يحسر الماء عنه وقيل : هو آل في الماء لنيابتها عن الضمير والأصل ماؤه وقيل هو على تقدير أداة الشرط وقدره شارح ديوان ذي الرمة محمد بن حبيب : إذا وقدره غيره : إن وهو الصحيح لأنها أم الباب فلما حذفت ارتفع الفعل والجملة الشرطية إذا وقعت خبراً لم يشترط كون الروابط في الشرط بل في أيهما من الشرط والجزاء وجد كفى .
وقال ابن هشام في المغني تبعاً لأبي حيان : الفاء السببية نزلت الجملتين منزلة جملة واحدة فاكتفي منهما بضمير واحد فالخبر مجموعهما . )
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع عشر بعد المائة
____________________

( ألا يا نخلة من ذات عرقٍ ** عليك ورحمة الله السلام ) على أن الجار والمجرور صفة لنخلة قبل النداء والمنادى من قبل الشبيه بالمضاف . وقوله : عليك ورحمة الله السلام مذهب أبي الحسن الأخفش : أنه أراد عليك السلام ورحمة الله فقدم المعطوف ضرورةً لأن السلام عنده مرفوع بالاستقرار المقدر في الظرف . ولا يلزم هذا على مذهب سيبويه لأن السلام عنده مرفوع بالابتداء وعليك خبر مقدم ورحمة الله معطوف على الضمير المرفوع في عليك . غير أنه من عطف ظاهر على مضمر من غير تأكيد وذلك جائز في الشعر وقد أجازه قوم في سعة الكلام كذا في شرح أبيات الجمل لابن السيد واللخمي .
وروى ثعلب في أماليه المصراع الثاني هكذا : برود الظل شاعكم السلام شاعكم : تبعكم . انتهى . و ذات عرق : موضع بالحجاز وفي المرصع لابن الأثير : ذات عرق : ميقات أهل العراق للاحرام بالحج .
وهذا البيت أول أبيات ثلاثة نسبت للأحوص أوردها الدميري وابن أبي الإصبع في تحرير التحبير . والبيتان الآخران هما : ( سألت الناس عنك فخبروني ** هناً من ذاك تكرهه الكرام ) ( وليس بما أحل الله بأسٌ ** إذا هو لم يخالطه الحرام ) قال ابن أبي الإصبع : ومن مليح الكناية : النخلة فإن هذا الشاعر كنى عن المرأة بالنخلة وبالهناة عن الرفث فأما الهناة فمن عادة العرب الكناية بها عن مثل ذلك وأما الكناية بالنخلة عن المرأة فمن ظريف الكناية وغريبها انتهى .
وأصل ذلك : أن عمر بن الخطاب كان نهى الشعراء عن ذكر النساء في أشعارهم لما في ذلك من الفضيحة وكان الشعراء يكنون عن النساء بالشجر وغيره ولذلك
____________________

قال حميد بن ثور الهلالي : ( وهل أنا إن عللت نفسي بسرحةٍ ** من السرح مسدودٌ علي طريق ) ( أبى الله إلا أن سرحة مالكٍ ** على كل أفنان العضاه تروق ) )
وعلم بهذا سقوط قول اللخمي : سلم على النخلة لأنها معهد أحبابه أو ملعبه مع أترابه لأن ( وكمثل الأحباب لو يعلم العا ** ذل عندي منازل الأحباب ) ويحتمل لأن يكون كنى عن محبوبته بالنخلة لئلا يشهرها وخوفاً من أهلها وقرابتها . انتهى .
وترجمة الأحوص تقدمت في الشاهد الخامس والثمانين .
وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس عشر بعد المائة وهو من شواهد س :
____________________

( فيا راكباً إما عرضت فبلغن ** نداماي من نجران أن لا تلاقيا ) على أن المنادى هنا عند الكسائي والقراء إما معرفة بالقصد وإما أصله يا رجلاً راكباً لأنهما لا يجيزان نداء النكرة مفردة بل يوجبان الصفة . والصحيح جواز نداء النكرة غير المقصودة .
وأنشده سيبويه لما قلنا . قال الأعلم : الشاهد فيه نصب راكب لأنه منادى منكور إذ لم يقصد به راكب بعينه إنما التمس راكباً من الركبان يبلغ قومه خبره وتحيته ولو أراد راكباً بعينه لبناه على الضم ولم يجز له تنوينه ونصبه . انتهى .
وأغرب أبو عبيدة حيث قال : أراد يا راكباه للندبة فحذف الهاء كقوله تعالى : يا أسفا على يوسف مع أن الثقات رووه بالنصب والتنوين إلا الأصمعي فإنه كان ينشده بلا تنوين . كذا نقله ابن الأنباري في شرح المفضليات .
وهذا البيت من قصيدة عدتها عشرون بيتاً لعبد يغوث الحارثي اليمني . قالها بعد أن أسر في يوم الكلاب الثاني : كلاب تيم واليمن وقتل أسيراً .
ولمالك بن الريب قصيدة على هذا الوزن والروي فيها بيت يشبه البيت الشاهد وهو : ( فيا صاحبي إما عرضت فبلغن ** بني مازنٍ والريب أن لا تلاقيا ) وهذا غير ذاك قطعاً . فقول شراح أبيات سيبويه في البيت الشاهد : إنه لعبد يغوث ويروى لمالك بن الريب غير جيد . و . . . . . بن جهم أحد بني الحارث بن سعد بن بني أسد وهو :
____________________

( أيا راكباً إما عرضت فبلغن ** بني عمنا من عبد شمسٍ وهاشم ) ) ( أمن عمل الجراف أمس وظلمه ** وعدوانه اعتبتمونا براسم ) عرضت هنا بمعنى تعرضت . و الجراف : اسم رجل و راسم كذلك : وكان الجراف ولي صدقات هؤلاء القوم فظلمهم فشكوا فعزل وولي راسم مكانه فظلم أكثر من الجراف .
والإعتاب : الإرضاء وإزالة الشكوى وروى أعنتمونا : من الإعنات وهو الإيقاع في العنت و قصيدة عبد يغوث مسطورة في المفضليات وفي ذيل أمالي القالي وقد شرحنا يوم الكلاب الثاني في الشاهد الخامس والستين .
وكان الذي أسر عبد يغوث فتىً من بني عبد شمس أهوج فقالت أمه : من هذا فقال عبد يغوث : أنا سيد القوم فضحكت وقالت : قبحك الله من سيد قوم حين أسرك هذا الأهوج . وإلى هذا أشار بقوله : وتضحك مني شيخة عبشمية . . البيت فقال : أيتها الحرة هل لك إلى خير قالت : وما ذاك قال : أعطني ابنك مائة من الإبل وينطلق بي إلى الأهتم فإني أخاف أن تنتزعني سعدٌ والرباب منه فضمن لها مائة من الإبل وأرسل إلى بني الحارث فوجهوا بها إليه فقبضها العبشمي وانطلق به إلى الأهتم فقال عبد يغوث : ( أأهتم يا خير البرية والداً ** ورهطاً إذا ما الناس عدوا المساعيا ) ( تدارك أسيراً عانياً في حبالكم ** ولا تثقفني التيم ألق الدواهيا )
____________________

فمشت سعد والرباب إلى الأهتم فيه فقالت الرباب : يا بني سعد قتل فارسنا وهو النعمان بن جساس ولم يقتل لكم فارس فدفعه إليهم فأخذه عصمة بن أبير التيمي فانطلق به إلى منزله فقال عبد يغوث : يا بني تيم اقتلوني قتلة كريمة فقال عصمة : وما تلك القتلة قال : اسقوني الخمر ودعوني أنوح على نفسي فجاءه عصمة بالشراب فسقاه ثم قطع عرقه الأكحل وتركه ينزف ومضى وجعل معه رجلين فقالا لعبد يغوث : جمعت أهل اليمن ثم جئت لتصطلمنا كيف رأيت صنع الله بك فقال هذه القصيدة : ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا فما لكما في اللوم خيرٌ ولا ليا فالخطاب لاثنين حقيقة . واللوم مفعول مقدم و ما فاعل مؤخر . أي : كفى اللوم ما أنا فيه فلا تحتاجون إلى لومي مع ما ترون من إساري وجهدي . ( ألم تعلما أن الملامة نفعها ** قليلٌ وما لومي أخي من شماليا ) )
وهذا البيت من أبيات شرح الشافية للشارح نقل فيه عن أبي الخطاب : أن شمالاً يأتي مفرداً وجمعاً وفي هذا البيت جمع أي : من شمائلي . ( فيا راكباً إما عرضت فبلغن ** نداماي من نجران أن لا تلاقيا ) الراكب : راكب الإبل ولا تسمي العرب راكباً على الإطلاق إلا راكب البعير والناقة والجمع ركبان والركب : اسم للجمع عند سيبويه وعند غيره جمع راكب كتاجر وتجر . ويقال لعابر الماء في زورق ونحوه راكب ويجمع على ركاب بالضم والتشديد ولا يقال ركاب إلا لركاب و إما مركبة من إن الشرطية وما المزيدة و عرضت : قال في الصحاح : عرض الرجل : إذا أتى العروض وهي مكة والمدينة وما حولهما وأنشد هذا البيت .
____________________


وقال شراح أبيات سيبويه والجمل : عرضت : بمعنى تعرضت وظهرت . وقيل معناه بلغت العرض وهي جبال نجد تعرف بذلك . و الندامى : جمع ندمان بالفتح بمعنى نديم وهو المشارب وإنما قيل له ندمان من الندامة لأنه إذا سكر تكلم بما يندم عليه وقيل : المنادمة مقلوبة من المدامنة وذلك إدمان الشراب ويكون الندمان والنديم أيضاً المجالس والمصاحب على غير الشراب . ونجران بفتح النون وسكون الجيم قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم : مدينة بالحجاز من شق اليمن سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب وهو أول من نزلها . وأطيب البلاد نجران من الحجاز وصنعاء من اليمن ودمشق من الشام والري من خراسان انتهى .
وبهذا عرف حسن تفسير الصحاح لعرضت .
وأن مخففة من الثقيلة لأن التبليغ فيه معنى العلم واسمها ضمير شأن محذوف والجملة من اسم لا التبرئة وخبرها المحذوف أي : لنا خبرها وجملة أن لا تلاقيا في موضع المفعول الثاني للتبليغ وجوز اللخمي أن تكون تفسيرية . ( أبا بكربٍ والأيهمين كليهما ** وقيساً بأعلى حضرموت اليمانيا ) هؤلاء كانوا نداماه هناك فذكرهم عند موته وحن إليهم وهو بدل من نداماي . وأبو كرب والأيهمان من اليمن وقيس هو ابن معد يكرب أبو الأشعث ابن قيس الكندي قال صاحب الأغاني وكذا اللخمي : يروى أن قيساً هذا لما بلغه هذا البيت قال : لبيك وإن كنت قد )
أخرتني . ( جزى الله قومي بالكلاب ملامةً ** صريحهم والآخرين المواليا ) الصريح : الخالص والمحض . و المواليا : الحلفاء المنضمين إليهم و الكلاب : بضم الكاف : اسم موضع الوقعة . ( ولو شئت نجتني من الخيل نهدةٌ ** ترى خلفها الحو الجياد تواليا ) النهدة : المرتفعة وكل ما ارتفع يقال له نهد . والحو من الخيل : التي تضرب إلى خضرة و الحوة : الخضرة قال الأصمعي : وإنما خص الحو لأنه
____________________

يقال : إنها أصبر الخيل وأخفها عظاماً إذا عرقت لكثرة الجري . و تواليا : جمع تالية أي : إن فرسي لخفتها تسبق الحو فهي تتلو فرسي . ( ولكنني أحمي ذمار أبيكم ** وكان الرماح يختطفن المحاميا ) الذمار : ما يجب على الرجل حفظه : من منعه جاراً أو طلبه ثأراً . وقوله : وكان الرماح ( أقول وقد شدوا لساني بنسعةٍ : ** أمعشر تيمٍ أطلقوا عن لسانيا ) النسعة بكسر النون : سير منسوج . وفيه قولان : الأول أن هذا مثل وذهب إليه شراح أبيات الشعراء والقالي في أماليه وحكاه ابن الأنباري في شرح المفضليات وقال : لأن اللسان لا يشد بنسعة وإنما أراد : افعلوا بي خيراً لينطلق لساني بشكركم وإنكم ما لم تفعلوا فلساني مشدود لا أقدر على مدحكم .
والثاني أنهم شدوه بنسعة حقيقيةً وإليه ذهب الجاحظ في البيان والتبين والأصفهاني في الأغاني وحكاه أيضاً ابن الأنباري : بأنهم ربطوه بنسعة مخافةً أن يهجوهم وكانوا سمعوه ينشد شعراً فقال : أطلقوا لي عن لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي فقالوا : إنك شاعر ونحذر أن تهجونا . فعاهدهم أن لا يهجوهم فأطلقوا له عن لسانه .
قال الجاحظ : وبلغ من خوفهم من الهجاء أن يبقى ذكره في الأعقاب ويسب به الأحياء والأموات أنهم إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق وربما شدوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث بن وقاص الحارثي حين أسرته تيمٌ يوم الكلاب . ( أمعشر تيم قد ملكتم فأسجحوا ** فإن أخاكم لم يكن من بوائيا ) أسجحوا بتقديم الجيم على الحاء المهملة بمعنى سهلوا ويسروا . و البواء :
____________________

السواء أي : لم ( فإن تقتلوني تقتلوا بي سيداً ** وإن تطلقوني تحربوني بماليا ) ) ( أحقاً عباد الله أن لست سامعاً ** نشيد الرعاء المعزبين المتاليا ) الرعاء : جمع راع . و المعزب : المتنحي بإبله وهو اسم فاعل من أعزب بالعين المهملة والزاي المعجمة . و المتالي : التي نتج بعضها وبقي بعض جمع متلية وهو اسم فاعل . ( وتضحك مني شيخةٌ عبشميةٌ ** كأن لم تري قبلي أسيراً يمانيا ) هذا البيت من أبيات مغني اللبيب قال القالي في ذيل الأمالي : قال الأخفش : رواية أهل الكوفة كأن لم ترى بالألف وهذا عندنا خطأ والصواب ترى بحذف النون علامة للجزم .
وقال ابن السيد : قوله : كأن لم تري رجوع من الإخبار إلى الخطاب ويروى على الإخبار : وفي إثبات الألف وجهان : أحدهما أن يكون ضرورة والثاني أن يكون على لغة من قال راء . مقلوب رأى فجزم فصار ترأ ثم خفف الهمزة فقلبها ألفاً لانفتاح ما قبلها وهذه لغة مشهورة و كأن مخففة واسمها مضمر فيها تقديره على الوجه الأول : كأنك لم تري وعلى الوجه الثاني كأنها لم ترأ . ( وظل نساء الحي حولي ركداً ** يراودن مني ما تريد نسائيا )
____________________

هذا من شواهد س وأورده الشارح في شرح الشافية وقد وقع في روايتهما معدياً عليه وعاديا فقال : هذا شاذ والقياس معدواً عليه لأنه من العدوان لكنه بناه على عدي عليه . ( وقد كنت نحار الجزور ومعمل ال ** مطي وأمضي حيث لا حي ماضيا ) ( وأنحر للشرب الكرام مطيتي ** وأصدع بين القينتين ردائيا ) الشرب : جمع شارب كصحب جمع صاحب . و أصدع : أشق . و القينة : الأمة مغنيةً كانت كما هنا أم لا . ( وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا ** لبيقاً بتصريف القناة بنانيا ) ويروى : شمسها بالسين وهي أجود . ويروى : نفرها . واللبيق : فعيل من اللباقة . ( وعاديةٍ سوم الجراد وزعتها ** بكفي وقد أنحوا إلي العواليا ) العادية : القوم يعدون من العدو وهو الركض و سوم الجراد أي : كسومه وهو انتشاره . وزعتها : كففتها والوازع : الكاف والمانع . وأنحوا الرماح : أمالوها وقصدوا بها من النحو وهو القصد . والعالية من الرمح : أعلاه ويقال : مادون السنان بذارع . ) ( كأني لم أركب جواداً ولم أقل ** لخيلي كري نفسي عن رجاليا ) ( ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لأيسار صدقٍ أعظموا ضوء ناريا ) نفسي : وسعي وروى : قاتلي والسباء بالكسر والمد : اشتراء الخمر للشرب لا للبيع . و الأيسار : الذين يضربون القداح جمع ياسر وفعله من باب ضرب وهذان البيتان مأخوذان من قول امرئ القيس : ( كأني لم أركب جواداً للذةٍ ** ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال ) ( ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل ** لخيلي كري كرة بعد إجفال )
____________________

ولم يرد على عبد يغوث ما ورد على امرئ القيس . و عبد يغوث هو ابن الحارث بن وقاص الحارثي القحطاني .
كان شاعراً من شعراء الجاهلية فارساً سيد قومه من بني الحارث بن كعب وهو الذي كان قائدهم يوم الكلاب الثاني فأسرته تيم وقتلته كما ذكرنا . وهو من أهل بيت شعر معرق في الجاهلية والإسلام منهم اللجلاج الحارثي وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث وأخوه مسهر فرس شاعر وهو الذي طعن عامر بن الطفيل في عينه يوم فيف الريح . ومنهم ممن أدرك الإسلام جعفر بن علبة بن ربيعة بن الحارث ابن عبد يغوث وكان شاعراً صعلوكاً أخذ في دم فحبس بالمدينة ثم قتل صبراً وستأتي ترجمته في باب إن المشددة في أواخر الكتاب .
قال الجاحظ في البيان والتبيين : ليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد وعبد يغوث فإن قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما فلم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية .
وأما قصيدة مالك بن الريب فهي ثمانية وخمسون بيتاً وهي هذه : ( ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً ** بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا ) ( فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه ** وليت الغضى ماشى الركاب لياليا ) ( لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى ** مزارٌ ولكن الغضى ليس دانيا ) ( ألم ترني بعت الضلالة بالهدى ** وأصبحت في جيش ابن عفان غازيا ) ( وأصبحت في أرض الأعادي بعيد ما ** أراني عن أرض الأعادي قاصيا )
____________________

( دعاني الهوى من أهل أودٍ وصحبتي ** بذي الطبسين فالتفت ورائيا ) ) ( أجبت الهوى لما دعاني بزفرةٍ ** تقنعت منها أن ألام ردائيا ) ( أقول وقد حالت قرى الكرد دوننا : ** جزى الله عمراً خير ما كان جازيا ) ( إن الله يرجعني من الغزو لا أرى ** وإن قل مالي طالباً ما ورائيا ) ( تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي ** سفارك هذا تاركي لا أبا لي ) ( لعمري لئن غالت خراسان هامتي ** لقد كنت عن بابي خراسان نائيا ) ( فلله دري يوم أترك طائعاً ** بني بأعلى الرقمتين وماليا ) ( ودر الظباء السانحات عشيةً ** يخبرن أني هالكٌ من ورائيا ) ( ودر كبيري اللذين كلاهما ** علي شفيقٌ ناصحٌ لو نهانيا ) ( ودر الرجال الشاهدين تفتكي ** بأمري ألا يقصروا من وثاقيا ) ( ودر الهوى من حيث يدعو صحابه ** ودر لجاجاتي ودر انتهائيا ) ( تذكرت من يبكي علي فلم أجد ** سوى السيف والرمح الرديني باكيا ) ( وأشقر محبوكٍ يجر لجامه ** إلى الماء لم يترك له الموت ساقيا ) ( ولكن بأكناف السمينة نسوةٌ ** عزيزٌ عليهن العشية ما بيا ) ( صريعٌ على أيدي الرجال بقفرة ** يسوون لحدي حيث حم قضائيا ) ( ولما تراءت عند مرو منيتي ** وخل بها جسمي وحانت وفاتيا ) ( أقول لأصحابي : ارفعوني فإنه ** يقر بعيني أن سهيلٌ بدا ليا ) ( فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ** برابيةٍ إني مقيمٌ لياليا ) ( أقيما علي اليوم أو بعض ليلةٍ ** ولا تعجلاني قد تبين شانيا ) ( وقوما إذا ما استل روحي فهيئا ** لي السدر والأكفان عند فنائيا ) ( ولا تحسداني بارك الله فيكما ** من الأرض ذات العرض أن توسعاليا ) ( خذاني فجراني ببردي إليكما ** فقد كان قبل اليوم صعباً قياديا ) ( وقد كنت عطافاً إذا الخيل أدبرت ** سريعاً إلى الهيجا إلى من دعانيا ) ( وقد كنت صباراً على القرن في الوغى ** وعن شتمي ابن العم والجار وانيا ) ( فطوراً تراني في ظلالٍ ونعمةٍ ** ويوماً تراني والعتاق ركابيا ) ( ويوماً تراني في رحى مستديرة ** تخرق أطراف الرماح ثيابيا )
____________________

) ( وقوماً على بئر السمينة أسمعا ** بها الغر والبيض الحسان الروانيا ) ( بأنكما خلفتماني بقفرةٍ ** تهيل علي الريح فيها السوافيا ) ( ولا تنسيا عهدي خليلي بعدما ** تقطع أوصالي وتبلى عظاميا ) ( ولن يعدم الوالون بثاً يصيبهم ** ولن يعدم الميراث مني المواليا ) ( يقولون : لا تبعد وهم يدفنونني ** وأين مكان البعد إلا مكانيا ) غداة غدٍ يا لهف نفسي على غدٍ إذا أدلجوا عني وأصبحت ثاويا ( وأصبح مالي من طريفٍ وتالد ** لغيري وكان المال بالأمس ماليا ) ( فيا ليت شعري هل تغيرت الرحى ** رحى المثل أو أمست بفلج كما هيا ) ( وعين وقد كان الظلام يجنها ** يسفن الخزامى مرة والأقاحيا ) ( وهل أترك العيس العبالي بالضحى ** بركبانها تعلو المتان الديافيا ) ( إذا عصب الركبان بين عنيزة ** وبولان عاجوا المبقيات النواجيا ) ( فيا ليت شعري هل بكت أم مالكٍ ** كما كنت لو عالوا بنعيك باكيا ) ( إذا مت فاعتادي القبور فسلمي ** على الرمس أسقيت السحاب الغواديا ) ( على جدث قد جرت الريح فوقه ** تراباً كسحق المرنباني هابيا ) ( رهينة أحجارٍ وترب تضمنت ** قراراتها مني العظام البواليا ) ( فيا صاحبي إما عرضت فبلغن ** بني مازنٍ والريب أن لا تلاقيا ) ( وعطل قلوصي في الركاب فإنها ** ستفلق أكباداً وتبكي بواكيا ) ( وأبصرت نار المازنيات موهناً ** بعلياء يثنى دونها الطرف وانيا ) ( بعودي النجوج أضاء وقودها ** مهاً في ظلال السدر حوراً جوازيا ) ( بعيدٌ غريب الدار ثاوٍ بقفرةٍ ** يد الدهر معروفاً بأن لا تدانيا )
____________________

( أقلب طرفي حول رحلي فلا أرى ** به من عيون المؤنسات مراعيا ) ( وبالرمل منا نسوةٌ لو شهدنني ** بكين وفدين الطبيب المداويا ) ( فمنهن أمي وابنتاها وخالتي ** وباكيةٌ أخرى تهيج البواكيا ) وهذا تفسير ما فيها على الإجمال : الغضى : شجر ينبت في الرمل ولا يكون غضى إلا في رمل . و أزجي : أسوق يقال )
أزجاه إزجاء وزجاه تزجية . و النواجي : السراع . وقوله : فليت الغضى لم يقطع الركب عرضه : أي : ليته طال عليهم الاسترواح إليه والشوق . و الركاب : الإبل جمع راحلة من غير لفظه . وقوله : وليت الغضى ماشى الركاب أي ليت الغضى طاولهم . وقوله : لقد كان في أهل الغضى يعني بعت ما كنت فيه من الفتك في الضلالة بأن صرت في جيش سعيد بن عثمان بن عفان . وقوله : دعاني الهوى أود بضم الهمزة قال البكري : موضع ببلاد مازن . .
وأنشد هذا البيت وقال : الطبسان : كورتان
____________________

بخراسان . يقول : دعاني هواي وتشوقي من ذلك الموضع وأصحابي بالموضع الآخر .
وقوله : أجبت الهوى يقول : لما ذكرت ذلك الموضع استعبرت فاستحييت فتقنعت بردائي لكي لا يرى ذلك مني . . قال الشاعر : ( فكائن ترى في القوم من متقنع ** على عبرة كادت بها العين تسفح ) وقوله : لا أبا ليا قال القالي : روى أباً بالتنوين وبغير تنوين . وقوله : لئن غالت خراسان هامتي يريد . أهلكت هامتي . وقوله : فلله دري تعجب من نفسه كيف تغرب عن ولده وماله . قال ابن أحمر : ( بان الشباب وأفنى ضعفه العمر ** لله دري فأي العيش أنتظر ) تعجب من نفسه أي عيش ينتظر . ويريد بالسانحات : الظباء سنحت له فتطير منها . ووراء بمعنى قدام . قوله : تفتكي يروى تفنكي بالنون يقال : فنك في الشيء : إذا تمادى فيه قال الشاعر : ( ودع لميس وداع الصارم اللاحي ** إذ فنكت في فسادٍ بعد إصلاح ) وقوله : تذكرت من يبكي علي يقول : كنت أستعمل السيف والرمح فهما لي خليلان وأنا هنا غريب فليس أحد يبكي علي غيرهما . و المحبوك : الفرس القوي . وقوله : ولكن بأكناف السمينة بلفظ مصغر السمنة وهو موضع قريب من أود المذكور . و مرو : مدينة بخراسان .
وقوله : وخل بها جسمي : أي : اختل واضطرب . وقوله : يقر بعيني أن سهيل بدا ليا يريد أن سهيلاً لا يرى بناحية خراسان فيقول : ارفعوني لعلي أراه فتقر عيني لأنه يرى في بلده .
وقوله : خطا : أي : احفرا بالرماح . وقوله : في رحى مستديرة الرحى : موضع الحرب )
ومستديرة : حيث يستدير القوم للقتال . وقوله : البيض الحسان الروانيا : أي : النواظر جمع رانية والرنو : النظر الدائم . و الغر : البيض .
____________________

و الوالون : جمع وال . والموالي : بنو العم والأقربون . و البث : أشد الحزن . وقوله : رحى المثل هو بضم الميم وسكون المثلثة : موضع بفلج يقال له : رحى المثل وفلج : موضع في بلاد بني مازن وهو في طريق البصرة إلى مكة .
وقوله : حلوها : نزلوا بها . وأراد بالبقر النساء ويروى : جم القرون أي : ليست لها قرون شبهها بالبقر . و سواجي : سواكن . و العين : بقر الوحش والأعين : ثوره . و الخزامى بالقصر خيري البر زهره أطيب الأزهار نفحة . والأقاحي : جمع أقحاء وهو جمع . و العيس : الإبل التي تضرب إلى البياض . و العبالى : جمع عبلى وهي الضخمة . و المتان : جمع متن وهو ما صلب من الأرض . و عنيزة : قارة سوداء في وادي بطن فلج . و المبقيات : التي تبقي سيرها . و النواجي : التي تنجو سيرها أي : تسرع . و المرنباني : كساء من خز ويقال : مطرف من وبر الإبل . و هابياً : من هبا هبوا .
وقوله : رهينة أحجار أي : في القبر على الترب والحجارة . والقرارة بطن الوادي حيث يستقر الماء وصيره مثلاً للقبر وبطنه . وقوله : يد الدهر يقال : يد الدهر ومدى الدهر وأبد الدهر وكله واحد . و مالك بن الريب بفتح الراء وسكون المثناة التحتية هو من مازن تميم وكان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال : ألص من شظاظ .
قال القالي في ذيل أماليه : قال أبو عبيدة : لما ولى معاوية سعيد بن عثمان بن
____________________

عفان خراسان سار فيمن معه فأخذ طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم وأمه شهلة بنت سنيح بن الحر بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن قال : وكان مالك بن الريب فيما ذكر من أجمل العرب جمالاً وأبينهم بياناً . فلما رآه سعيد أعجبه وقال أبو الحسن المدائني : بل كان مر به سعيد بن عثمان بالبادية وهو منحدر من المدينة يريد البصرة حين ولاه معاوية خراسان ومالك في نفر من أصحابه . فقال له : ويحك يا مالك ما الذي يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العداء وقطع الطريق قال : أصلح الله الأمير العجز عن مكافأة الإخوان . قال : فإن أغنيتك واستصحبتك أتكف عما تفعل وتتبعني قال : نعم أصلح الله الأميرّ أكف كفاً ما كف أحدٌ أحسن منه . )
فاستصحبه وأجرى عليه خمسمائة دينار في كل شهر وكان معه حتى قتل بخراسان . قال : ومكث مالك بخراسان فمات هناك فقال يذكر مرضه وغربته .
وقال بعضهم بل مات في غزو سعيد طعن فسقط وهو بآخر رمق وقال آخرون : بل مات في خان فرثته الجن لما رأت من غربته ووحدته ووضعت الجن الصحيفة التي فيها القصيدة تحت رأسه . والله أعلم أي ذلك كان .
قال ابن قتيبة : ومن شعره يهجو الحجاج : ( فإن تنصفوا يا آل مروان نقترب ** إليكم وإلا فأذنوا ببعاد ) ( فإن لنا عنكم مزاحاً ونزحةً ** بعيسٍ إلى ريح الفلاة صوادي )
____________________

( فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده ** إذا نحن جاوزنا حفير زياد ) ( فلو لا بنو مروان كان ابن يوسفٍ كما كانعبداً من عبيد إياد ** زمان هو العبد المقر بذلةٍ ) وليس له عقب . ومما سبق إليه فأخذ عنه قوله : ( العبد يقرع بالعصا ** والحر يكفيه الوعيد ) وقال آخر : ( العبد يقرع بالعصا ** والحر تكفيه الملامة ) وقال آخر : العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة
____________________

أنشد فيه وهوالشاهد السادس عشر بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( ياذا المخوفنا بمقتل شيخه ** حجرٍ تمني صاحب الأحلام ) على أن المخوفنا نعت لاسم الإشارة الواقع المبني على ضمة وهو مضاف إلى ضمير المتكلم مع الغير إضافةً لفظية . قال ابن الشجري : هذا سهو فإن الضمير في المخوفنا منصوب لا مجرور . ويأتي بيانه في الشاهد العشرين . و أل موصولة بمعنى الذي . و بمقتل متعلق بالمخوف وهو مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف . أي : يا من يخوفنا بسبب قتلنا شيخه وأراد بشيخه : أباه . و حجر : بدل من شيخه أو عطف بيان له وهو بضم الحاء وسكون الجيم : اسم والد امرئ القيس .
وقوله : تمني صاحب الأحلام منصوب على أنه مصدر عامله محذوف أي : تمنيت تمني صاحب الأحلام فإنك لا تقدر على الانتقام . والأحلام : جمع حلم بضمتين وهو الرؤيا .
وهذا البيت لعبيد بن الأبرص الأسدي يخاطب به امرأ القيس صاحب المعلقة المشهورة . ( لا تبكنا سفهاً ولا ساداتنا ** واجعل بكاءك لابن أم قطام )
____________________

وسبب قول عبيد هذا الشعر : أن قوم عبيد بني أسد قتلوا أبا امرئ القيس حجراً وهو ابن أم قطام كما تقدم بيانه في الشاهد التاسع والأربعين فتوعدهم امرؤ القيس بقوله : ( والله لا يذهب شيخي باطلاً ** حتى أبيد مالكا وكاهلا ) وهما حيان من بني أسد . فقال له عبيد ذلك وجعل وعيده كاذباً وما تمناه فيهم غير واقع كأضغاث أحلام وقال عبيد أيضاً : ( يا ذا المخوفنا بقت ** ل أبيه إذلالاً وحينا ) ( أزعمت أنك قد قتل ** ت سراتنا كذباً ومينا ) ( هلا على حجر بن أم ** قطام تبكي لا علينا ) ( إنا إذا عض الثقا ** ف برأس صعدتنا لوينا ) ( نحمي حقيقتنا وبع ** ض القوم يسقط بين بينا ) ( هلا سألت جموع كن ** دة يوم ولوا : أين أينا ) ( أيام نضرب هامهم ** ببواترٍ حتى انحنينا ) ) ( وجموع غسان الملو ** ك أتينهم وقد انطوينا ) ( واعلم بأن جيادنا ** آلين لا يقضين دينا ) ( ولقد أبحنا ما حمي ** ت ولا مبيح لما حمينا ) وهذا نصف القصيدة .
____________________


وقوله : إذلالاً مفعول ثان للتخويف وهو مصدر أذله الله متعدي ذل الرجل : إذا ضعف وهان . و الحين بالفتح الهلاك مصدر حان . والسراة بفتح السين : الأشراف جمع سري وأصله سروي على وزن فعول من السرو وهو كرمٌ في مروءة . و المين : مرادف للكذب . و الثقاف بكسر المثلثة : ما يسوى به الرماح . و الصعدة بالفتح قال في الصحاح : هي القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج إلى تثقيف وقيل : الرمح القصير ولوى الرجل رأسه وألوى برأسه : أماله وأعرض . والحقيقة ما يحق على الرجل أن يحميه كالأهل والولد والجار .
وقال في الصحاح : هذا الشيء بين بين أي : بين الجيد والرديء . ثم أنشد هذا لبيت وقال : أي : يتساقط ضعيفاً غير متعد به . وألف بين الثاني إشباع وبنيا لتضمنهما لواو العطف . و البواتر : جمع باتر وهو السيف القاطع وكأنه لحظ في السيف معنى الحديدة أو آلة القطع فجمعه هذا الجمع يدلك عليه انحنين بضمير الإناث العائد إلى البواتر وأنه غلب عليه الاسمية .
والألى بمعنى الذين اسم موصول وحذفت الصلة لادعاء شهرتها أي : نحن الذين عرفوا بالشجاعة . و الجياد : جمع جواد وصفٌ من جاد الفرس : أي : صار رائعاً يجود جودة بالضم فهو جواد للذكر والأنثى . و آلين : أي : حلفن من الألية بمعنى اليمين . وعبيد هو بفتح العين وكسر الموحدة ابن الأبرص بن عوف بن جشم ابن عامر بن مالك بن زهير بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدي الشاعر من فحول شعراء الجاهلية . جعله ابن سلام الجمحي في الطبقة الرابعة من فحول الجاهلية وقرن به طرفة وعلقمة بن عبدة .
____________________


قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : عاش عبيد هذا أكثر من ثلثمائة سنة .
وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين : عاش عبيد مائتي سنة وعشرين سنة . ويقال : بل ثلثمائة سنة وقال في ذلك : ( ولتأتين بعدي قرون جمةٌ ** ترعى مخارم أيكةٍ ولدودا ) ) ( فالشمس طالعةٌ وليلٌ كاسفٌ ** والنجم يجري أنحساً وسعودا ) ( حتى يقال لمن تعرق دهره : ** يا ذا الزمانة هل رأيت عبيدا ) ( مائتي زمانٍ كاملٍ ونصيةً ** عشرين عشت معمرا محمودا ) ( أدركت أول ملك نصرٍ ناشئاً ** وبناء شدادٍ وكان أبيدا ) ( ما تبتغي من بعد هذا عيشة ** إلا الخلودا ولن تنال خلودا ) ( وليفنين هذا وذاك كلاهما ** إلا الإله ووجهه المعبودا ) وقال أيضاً : ( فنيت وأفناني الزمان وأصبحت ** لداتي بنو نعشٍ وزهر الفراقد ) ومن شعره : ( تذكرت أهل الخير والباع والندى ** وأهل عتاق الخيل والخمر والطيب ) ( فأصبح مني كل ذلك قد خلا ** وأي فتى في الناس ليس بمكذوب ) ( ترى المرء يصبو للحياة وطيبها ** وفي طول عيش المرء برحٌ بتعذيب ) ومضمون البيت الأخير مما تداوله الناس قديماً وحديثاً قال بعض شعراء
____________________

الجاهلية : ( كانت قناتي لا تلين لغامزٍ ** فألانها الإصباح والإمساء ) وقال النمر بن تولب الصحابي رضي الله عنه : ( يود الفتى طول السلامة والبقا ** فكيف ترى طول السلامة يفعل ) وتبعه حميد بن ثور الهلالي الصحابي أيضاً رضي الله عنه : ( أرى بصري قد رابني بعد صحةٍ ** وحسبك داءٌ أن تصح وتسلما ) ( ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ** ليصحني فإذا السلامة داء ) وفي معناه قول الخيمي من المتأخرين : إذا كان موت المرء إفناء عمره ففي موته من يوم يولد يشرع وأحسن من هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم : كفى بالسلامة داء فإنه أبلغ وأوجز وأسلس وأرشق مما ذكر .
قال محمد بن حبيب في كتاب من قتل من الشعراء : ومنهم عبيد بن البرص الأسدي وكان المنذر بن امرئ القيس اللخمي بن ماء السماء وهو الذي يسمى ذا
____________________

القرنين وهو جد النعمان بن )
المنذر له يوم بؤس ويوم نعيم وكان يقتل أول من رأى في يوم بؤسه فخرج المنذر في يوم بؤسه فلقي عبيد بن الأبرص فقال له : هلا كان المذبوح غيرك يا عبيد فقال : أتتك بحائن رجلاه وأرسله مثلاً فقال له : أنشدنا يا عبيد فقال : حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطبيين وأرسلهما مثلاً فقال له أنشدني فقال : المنايا على الحوايا وأرسله مثلاً فقال بعض القوم : أنشد الملك هبلتك أمك فقال : وما قول قائل مقتول وأرسله مثلاً وقال آخر : ما أشد جزعك بالموت فقال : لا يرحلن رحلك من ليس معك وأرسله مثلاً فقال الملك : قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك فقال عبيد : من عز بز وأرسله مثلاً فقال الملك : أنشدنا قولك :
____________________

فأنشده : أقفر من أهله عبيد فاليوم لا يبدي ولا يعيد وأنشد هذا البيت صاحب الكشاف عند قوله تعالى : قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد على أن هذه الكلمة قد صارت مثلاً في الهلاك من غير نظر إلى مفرداتها وهو في الأصل كناية لأن الهالك لم يبق له إبداء ولا إعادة كما يقال : لا يأكل ولا يشرب أي : مات . فقال له الملك : ويحك يا عبيد أنشدني قبل أن أذبحك فقال عبيد : والله إن مت ما ضرني فقال له : لابد من الموت فاختر : إن شئت من الأكحل وإن شئت من الأبجل وإن شئت من الوريد : فقال عبيد : ثلاث خصالٍ كسحابات عاد واردها شر وراد وحاديها شر حاد ومعادها شر معاد ولا خير فيها لمرتاد فإن كنت لابد قاتلي فاسقني الخمر حتى إذا ذهلت منها ذواهلي وماتت لها مفاصلي فشأنك وما تريد . ففعل به ما أراد فلما طابت نفسه ودعا به ليقتله أنشأ يقول : ( وخيرني ذو البؤس يوم بؤسه ** خصالاً أرى في كلها الموت قد برق ) ( كما خيرت عادٌ من الدهر مرة ** سحائب ما فيها لذي خيرة أنق ) ( سحائب ريح لم توكل ببلدة ** فتتركها إلا كما ليلة الطلق ) الشاهد السابع عشر بعد المائة ) وهو من شواهد س :
____________________

( إني وأسطارٍ سطرن سطراً ** لقائلٌ : يا نصر نصرٌ نصرا ) على أن التوكيد اللفظي في النداء حكمه في الأغلب حكم الأول وقد يجوز إعرابه رفعاً ونصباً فنصر الثاني رفع إتباعاً للفظ الأول والثالث نصب إتباعاً لمحل الأول .
وضعف الشارح المحقق البدل والبيان في مثله وقال : لأنهما يفيدان مالا يفيده الأول من غير معنى التأكيد والثاني فيما نحن فيه لا يفيد إلا التأكيد .
ومنع أبو حيان كونه من التأكيد اللفظي أو البدل وحصره في البيان فقال : لا يجوز أن يكون نصر الثاني توكيداً لفظياً . قيل : لتنوينه والأول ليس كذلك ورد بأن هذا القدر من الاختلاف مغتفر في التأكيد اللفظي . وقيل : للاختلاف في التعريف : فيا نصر عرف بالإقبال عليه لا بالعلمية والثاني معرف بالعلمية فكما لا يجوز جعل الثاني في : جاء الغلام غلام زيد تأكيداً لفظياً لاختلافهما في التعريف فكذلك هذا . ولا يجوز أن يكون بدلاً لأنه منون ولا نعتاً لأنه علم .
ثم قال أبو حيان : ولا يجوز ان يكون مرفوعاً على أن خبر مبتدأ مضمر ولا نصبه على إضمار فعل لأن هذا النوع من القطع إنما تكلمت به العرب إذا قصدت البيان أو المدح أو الذم أو الترحم ونصر لا يفهم منه شيء من ذلك .
وفيه أنه يصح نصبه على المدح بدليل ما بعده وهو :
____________________

( بلغك الله فبلغ نصرا ** نصر بن سيارٍ يثبني وفرا ) فإنه روي أن نصراً في البيت الأول وهو صاحب نصر بن سيار منعه من الدخول إلى نصر بن سيار وهو أمير خراسان في الدولة الأموية فتلطف به وأقسم له بأنه يدعو له وطلب منه المعونة .
وقول خضر الموصلي شارح شواهد التفسيرين : بأنه يجوز نصبه على الذم لأن الحاجب منعه من الدخول إلى الأمير غفلةٌ عن البيت الثاني .
وروي نصبه أيضاً : إما لما ذكرنا وإما للإتباع على محل الأول وإما لأنه مصدر بدل من فعل الأمر أي : انصرني وقال بدر الدين في شرح الخلاصة : يجوز كونه مصدراً دعائياً كسقياً )
ورعياً فيكون نصر الثالث تأكيداً على الوجوه الثلاثة .
وروى الجرمي عن أبي عبيدة أن النصر : العطية يريد : يا نصر عطيةً عطيةً . ويرده رواية وزعم أبو عبيدة أيضاً : أن نصراً الثاني هو حاجب نصر بن سيار والأول هو ابن سيار فنصبه على الإغراء أي : يا نصر عليك نصراً . ويرده شيئان : رواية الرفع والدعاء وفيه أيضاً غفلة عن البيت الثاني .
وروى في نصر الثاني أيضاً ضمه بلا تنوين كالأول على أنه توكيد لفظي له تبعه في البناء .
وروى صاحب اللباب فيه وجهاً رابعاً : وهو جره مع نصب الأول قال شارحه الفالي : فيكون المضاف إليه على هذا جنساً كما تقول : طلحة الخير وحاتم الجود . والتنكير للتفخيم .
وملخص ما ذكرنا : أن نصراً الأول روي فيه وجهان : ضمه ونصبه والثاني روي فيه أربعة أوجه : ضمه ورفعه ونصبه وجره والثالث روي فيه وجه واحد وهو النصب .
____________________


واعلم أن الصاغاني قال في العباب وتبعه صاحب القاموس : أن اسم الحاجب إنما هو نضر بالضاد المعجمة وأن الثلاثة في البيت الأول بالإعجام وإهمال الصاد تصحيف وأما نصر في البيت الثاني فهو بالإهمال لا غير . وكذا قال ابن يسعون : رأيت في عرض كتاب أبي إسحاق الزجاج بخط يده وهو أصله الذي قرأ فيه على أبي العباس : نضر الذي هو الحاجب بالضاد معجمة .
وأنشده سيبويه بنصب نصر الثاني قال الأعلم : الشاهد فيه نصبه نصراً نصراً حملاً على قال النحاس : وقد خولف في هذا : فقال الأصمعي : النصر : المعونة فهو على هذا منصوب على المصدر كأنه قال : عوناً عونا .
وقوله : لقائل خبر إن . وجملة القسم أعني قوله : واسطار . . اعتراض بين اسم إن وخبرها والواو للقسم أي : وحق أسطار المصحف وهو جمع سطر جمع قلة كأسطر وفي الكثرة : سطار وسطور ويجمع أسطار على أساطير .
واستشهد صاحب الكشاف بهذا البيت عند قوله تعالى : إن هذا إلا أساطير الأولين على أن أساطير جمع أسطار بفتح الهمزة جمع سطر . وقوله : يا نصر إلى قوله بلغك الله مقول القول .
وبلغ بالتشديد متعد إلى مفعولين ثانيهما محذوف أي : مرادك وثلاثيه متعد إلى واحد يقال بلغت المنزل : إذا وصلته . و بلغ : فعل أمر ومفعوله الأول محذوف : أي : أرجوزتي ومديحي )
ونحوهما . و نصر الثاني عطف بيان للأول . و يثبني مجزوم في جواب بلغ يقال : أثابه الله أي : جزاه وأعطاه . و الوفر المال الكثير .
وترجمة رؤبة تقدمت في الشاهد الخامس . والعجب من الصاغاني حيث رد على سيبويه في أن هذا الشاهد ليس لرؤبة ولم يبين قائله .
وأما نصر بن سيار فقد كان أمير خراسان في الدولة الأموية وكان أول
____________________

من ولاه هشام بن عبد الملك . وكانت إقامته في مرو إلى أن جاء أبو مسلم الخراساني إلى مرو وأرسل إلى نصر يدعوه إلى كتاب الله وسنة رسوله و الرضا من آل محمد صلى الله عليه وسلم . فلما رأى نصرٌ ما مع أبي مسلم من اليمانية والربعية والعجم وأنه لا طاقة له بهم أظهر قبول ما أتاه به وأنه يأتيه ويبايعه واستمهلهم ثم هرب نصر إلى سرخس واجتمع عليه ثلاثة آلاف رجل ثم سار نصر فنزل جوار الري وكاتب ابن هبيرة يستمده وهو بواسط وقال له : أمدني بعشرة آلاف قبل أن تمدني بمائة ألف ثم لا تغني شيئاً . فحبس ابن هبيرة رسله وتباطأ فأرسل نصر إلى مروان بن محمد يعلمه ما فعل ابن هبيرة . فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمده . فجهز ابن هبيرة جيشاً كثيفاً أمر عليهم ابن عطيف إلى نصر . ولما قدم نصرٌ إلى الري أقام بها يومين ثم مرض فحمل إلى ساوة فمات بها لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين ومائة وعمره خمس وثمانون سنة .
وهذه نسبته من الجمهرة : نصر بن سيار بن رافع بن حري بفتح الحاء وكسر الراء المشددة المهملتين ابن ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف بن جندع بن ليث وينتهي نسبه إلى مدركة بن إلياس بن مضر .
وأنشد بعده وهو ( علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ** بأبيض ماضي الشفرتين يمان ) على أن العلم إذا وقع فيه اشتراك لفظي جاز إضافته للتعيين .
والعليمة قد ذهبت بالإضافة كما يأتي بيانه بعد هذا .
____________________


أورده ابن عقيل في شرح الألفية على أن الإضافة من قبيل إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف أي : علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم فحذف الصفتان وجعل الموصوف خلفا عنهما في الإضافة . )
ورواه المبرد في الكامل بتغير بعض ألفاظه مع بيت آخر وأورده في أول الثلث الثالث منه في باب هذه ترجمته : بابٌ يجمع فيه طرائف من حسن الكلام وجيد الشعر وسائر الأمثال ومأثور الأخبار ثم قال : وقال رجل من طيئ وكانرجل منهم يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل قتل رجلاً من بني أسد يقال له زيد ثم أقيد به بعد : ( علا زيدنا يوم الحمى رأس زيدكم ** بأبيض مشحوذ الغرار يمان ) ومثله في أواخر زهر الآداب للحصري قال : قال رجل من طيئ وكان رجل منهم يقال له زيد من ولد عروة بن زيد الخيل قتل رجلاً اسمه زيد فأقاد منه السلطان فقال يفتخر على الأسديين وأنشد البيتين كرواية المبرد . . ولم أر من رواه : يوم النقا وظهر بهذا أنه شعر إسلامي . فإن زيد الخيل من الصحابة رضي الله عنهم . و المشحوذ : مفعول من شحذت السيف أشحذه شحذاً من باب منع أي : حددته والمشحذة بالكسر : المسن والتشحيذ : جعل الشيء حاداً . و الغرار
____________________

بكسر الغين المعجمة قال في الصحاح : والغراران . شفرتا السيف وكل شيء له حد فحده غراره . وقوله : أقادكم السلطان أي : مكنكم من قتله قوادا ويقال : أقاد السلطان القاتل بالقتيل : قتله به قوداً .
وأنشد بعده وهوالشاهد التاسع عشر بعد المائة ) ( رأيت الوليد بن اليزيد مباركاً ** شديداً بأحناء الخلافة كاهله ) على أن العلم إذا وقع فيه اشتراك اتفاقي جاز تعريفه باللام . يعني : ويزول تعريف العلمية بأن ينكر ثم يعرف باللام .
قال ابن جني في سر الصناعة ومن خطه نقلت : واعلم أن قولك : جاءني الزيدان ليس تثنية زيد هذا العلم المعروف وذلك ان المعرفة لا يصح تثنيتها فلا تصح إلا في النكرات فلم تثن زيداً حتى سلبته تعريفه فجرى مجرى رجل وفرس وحينئذ لم يستنكر دخول لام المعرفة .
وقد جاء في الشعر منه قال ابن ميادة : وجدنا الوليد بن اليزيد يريد : يزيد . ومما يؤكد جواز خلع التعريف قوله : علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم فإضافة الإسم تدل على أنه قد كان خلع عنه ما كان فيه من تعرفة وكساه التعريف بإضافته إياه إلى الضمير فجرى في تعريفه مجرى أخيك وصاحبك وليس بمنزلة زيد إذا أردت العلم وعلى هذا : لو سألت عن زيد عمرو في قوله من قال :
____________________

رأيت زيد عمرٍ و لما جازت الحكاية ولكان بالرفع لا غير ا . هـ ملخصاً . و اللام في الوليد للمح الأصل قال بعضهم : نكتة إدخالها في اليزيد الإتباع للوليد . واستشهد به ابن هشام في شرح الألفية على أن ما لا ينصرف إذا دخلته أل ولو كانت زائدة صرف كما في اليزيد . فجعلها زائدة لا معرفة . و رأيت هنا علمية . و مباركا هو المفعول الثاني . و شديداً من تعدد المفعول الثاني لأن جزأي باب علم أصلهما المبتدأ والخبر والخبر قد يتعدد . . وإن كانت بصرية فمباركاً حال من مفعولها وشديداً تعدد من تعدد الحال أو من ضمير مباركاً فهي حال متداخلة والوجه الأول ويؤيده : أنه روي : وجدت بدل رأيت . و الوليد هو ابن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي . و شديداً صفة مشبهة يعمل عمل فعله : و كاهله فاعله . وزعم السيوطي أن فعيلا أعمل لاعتماده على ذي خبر وفيه الفصل بينه وبين مرفوعه بالجار والمجرور . انتهى فتأمل . و الأحناء : جمع حنو بالكسر وهو الجانب والجهة وقيل : هو هنا بمعنى السرج والقتب كني به عن أمور الخلافة الشاقة . و الكاهل ما بين الكتفين . وروي بأعباء الخلافة جمع عبء )
وهو كالحمل لفظاً ومعنى .
وقال العيني : شبهه بالجمل المحمل وشبه الخلافة بالقتب : وأراد كأنه يحمل شدائد أمور الخلافة .
وهذا البيت من قصيدة لاميةٍ لابن ميادة يمدح بها الوليد المذكور وليس هو أول القصيدة كما زعم العيني بل هو أول المديح وقبله : ( هممت بقولٍ صادقٍ أن أقوله ** وإني على رغم العدو لقائله ) وبعده :
____________________

وهذا كقول الشاعر : ( في المهد ينطق عن سعادة جده ** أثر السيادة ساطع البرهان ) وأول القصيدة : ( ألا تسأل الربع الذي ليس ناطقاً ** وإني على أن لا يبين لسائله ) أي : إني مع عدم إبانته لسائله .
وترجمة ابن ميادة تقدمت في الشاهد التاسع عشر . و الوليد بن يزيد بويع سنة خمس وعشرين ومائة بعد موت عمه هشام بن عبد الملك . وقتل الوليد في سنة ست وعشرين لأنه رمي بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه . وكان منهمكاً في اللهو وشرب الخمر وسماع الغناء . ومما اشتهر عنه : أنه استفتح المصحف الكريم فخرج له قوله تعالى : واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيد فألقاه ونصبه غرضاً ورماه بالسهام وقال : ( تهددني بجبارٍ عنيد ** فها أنا ذاك جبارٌ عنيد ) ( إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ ** فقل يا رب مزقني الوليد ) فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى قتل كذا في تاريخ النويري وغيره . وقطع رأس الوليد ونصب على رمحٍ وطيف به دمشق ثم دفع إلى أخيه سليمان بن يزيد فلما نظر إليه سليمان قال : بعداً له أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً ولقد أرداني على نفسي وكان سليمان هذا ممن سعى في خلعه وكان عمر الوليد حينئذ اثنتين وأربعين سنة وقيل ثماني وثلاثين وقيل غير هذا . وكانت مدة سلطنته سنة وشهرين واثنين وعشرين يوماً .
____________________


وأنشد بعده وهو ) الشاهد العشرون بعد المائة ) وهو من شواهد س : يا صاح يا ذا الضامر العنس على أن الضامر العنس و المخوفنا تركيبان إضافيان قد وقعا صفتين للمنادى الذي هو اسم إشارة وصفة المنادى إذا كانت مضافة وجب نصبها فكيف رفعت إتباعاً للمنادى المفرد وهذا إشكاله ظاهر . . . ونقل الشارح لحله جوابين من الإيضاح لابن الحاجب : أحدهما : أن أل في الضامر وفي المخوفنا موصولة وهو الواقع صفة : أي : الذي ضمرت عنسه والذي خوفنا والإعراب في الحقيقة للموصول لكن لما كان على صورة الحرف نقل إعرابه إلى صلته عارية .
ثانيهما : أن الضامر العنس والمخوفنا صفتان لصفة اسم الإشارة أي : يا ذا الرجل الضامر العنس ويا ذا الرجل المخوفنا وإنما قدر هذا : لأن صفة اسم الإشارة لا تكون إلا مفردة وإعراب الرجل رفع فيجب رفع وصفه بالتبعية له . .
وهذا محصل كلامه ويفهم من هذين الجوابين : أنه لم يجز نصبه وهو مخالف لما نقله الفالي في شرح اللباب قال : جوزوا في نحو : يا صاح يا ذا الضامر العنس نصب الضامر ورفعه كما لو قلت : يا ذا الضامر رفعاً ونصباً . وكون الوصف في المخوفنا مضافاً إلى الضمير كإضافة الضامر إلى العنس وقع مثله للسيرافي قال ابن الشجري في أماليه : الثاني صحيح لأن الضامر غير متعد والاسم الذي بعده فيه أل . وكون المخوف مثله سهوٌ لأنه متعد وليس بعده اسم فيه أل وأنت لا تقول المخوف زيدٍ فالضمير في المخوفنا منصوب لا مجرور .
____________________


وهذه المسألة غير متفق عليها فإن الرماني والمبرد في أحد قوليه والزمخشري قد ذهبوا لما قاله السيرافي . كما نقله الشارح المحقق في باب الإضافة فلا ينبغي الحكم بالسهو على مثل الإمام السيرافي .
وأنشد سيبويه هذا المصراع برفع الضامر على أن ذا اسم إشارة . . وأورد عليه أنه لا يستقيم لأن ما بعده : )
والرحل والأقتاب والحلس فإن الثلاثة معطوفة على العنس وهي لا توصف بالضمور . فالصواب إنشاده بالجر على ان ذا بمعنى صاحب كما أنشده الكوفيون .
قال أبو جعفر النحاس : أنشده س وشبهه بقولك : يا ذا الحسن الوجه . قال أبو إسحاق : وهذا غلط عند جميع النحويين : وذلك أن الرواية بالجر يدلك أن بعده : والرحل والأقتاب والحلس وبه يتبين أن ذا بمعنى صاحب وكأنه لم يبلغه ما بعده . قال أبو جعفر : سمعت أبا الحسن الأخفش يقول : بلغني أن رجلاً صاح بسيبويه من منزله وقال : كيف تنشد هذا البيت فأنشده إياه مرفوعاً فقال الرجل : وإن بعده : والرحل والأقتاب والحلس فتركه سيبويه وصعد إلى منزله . فقال له : أبن لي علام عطف فقال سيبويه : فلم صعدت الغرفة إني فررت من ذلك .
وكذا حكى ثعلب هذه الحكاية في أماليه في موضعين وقال : الصواب جر الضامر . وكذا حكى أبو علي في المسائل البصرية وابن جني في الخصائص وقد صححوا كلام سيبويه أحدها : قال السيرافي : هذا من باب :
____________________

علفتها تبناً وماءً بارداً وقوله : ( ياليت زوجك قد غدا ** متقلداً سيفاً ورمحا ) على أن يجعل الثاني على ما يليق به ولا يخرج عن مقصد الأول : فيكون معنى الضامر : المتغير والرحل محمول عليه كأنه قال : المتغير العنس والرحل .
وتبعه على هذا شراح أبيات الكتاب وأبو علي الفارسي في المسائل القصرية بالقاف .
ثانيها : قال أبو علي في إيضاح الشعر وتبعه ابن جني في الخصائص : القول في جر الرحل : أنه معطوف على ما دل عليه ما تقدم لأن قوله : يا ذا الضامر العنس يدل على أنه صاحب ضامر فحمل الرحل على ما دل عليه هذا الكلام من الصاحب .
ثالثها : قال بعض النحويين : إن أصله ويا صاحب الرحل فحذف صاحب لدلالة قوله : يا صاح عليه وبقي الجر على حاله .
قال أبو علي : يرد عليه أن كونه صاحباً للمنادى لا يدل على أنه صاحب رحل كما يدل قوله : )
يا ذا الضامر العنس على أن له عنساً .
رابعها : قال ابن الحاجب في الإيضاح : إن سيبويه استدل بإنشاد هذا المصراع بانفراده على ما رواه الثقات ممن لم يعلم تتمته . وهذا مصادمٌ لما نقله ثعلبٌ والنحاس وغيرهما من تلك الحكاية .
____________________

و صاح : مرخم صاحب . و الضامر : من ضمر الحيوان وغيره من باب قعد : دق وقل لحمه . و العنس بفتح العين وسكون النون : الناقة الصلبة الشديدة . و الرحل قال في المصباح : كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير وحلس ورسن . وجمعه أرحل ورحال . و الأقتاب : جمع قتب بالتحريك قال في الصحاح : هو رحل صغير على قدر السنام . وروى ابن الشجري في أماليه بدله : والأقتاد وقال : هو جمع قتد وهو خشب الرحل . و الحلس بكسر المهملة : كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله والجمع أحلاس .
وهذا البيت نسبه بعض شراح أبيات الكتاب والزمخشري في مفصله لخزز بن لوذان السدوسي . قال الأصبهاني في الأغاني في ترجمة علية بنت المهدي العباسي : خزز : شاعر يقال : إنه قبل امرئ القيس .
وخزز بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي الأولى وهو في الأصل ذكر الأرنب . ولوذان بفتح اللام وسكون الواو بعدها ذال معجمة .
ونسبه الأصبهاني في الأغاني لخالد بن المهاجر وزاد بعده بيتاً ورواه هكذا : ( سير النهار ولست تاركه ** وتجد سيراً كلما تمسي ) فعلى هذا فالرحل هنا بمعنى برذعة البعير و الأنساع : جمع نسعة بكسر النون . قال في الصحاح : وهي التي تنسج عريضاً للتصدير . و السير يكون بالنهار وبالليل ويكون لازماً كما هنا ومتعدياً يقال : سرت البعير وهو
____________________

منصوب على الظرفية وكذا النهار . و تجد : من الجد في الأمر بمعنى الإجتهاد فيه يقال جد يجد من باب ضرب وقتل والاسم الجد بالكسر . و تمسي : مضارع أمسى الرجل : إذا دخل في المساء والمساء : خلاف الصباح قال ابن القوطية : هو ما بين الظهر إلى المغرب .
وروى صاحب الأغاني أيضاً : ( أما النهار فلا تقصره ** دركاً يزيدك كلما تمسي ) وروى أيضاً : ) ( أما النهار فأنت تقطعه ** رتكاً وتصبح مثل ما تمسي ) و الدرك بالتحريك : التبعة يقال : ما لحقك من درك فعلي خلاصه قال رؤبة : ما بعدنا من طلب ولا درك وتسكن راؤه أيضاً . والرتك بفتح الراء والتاء تفتح وتسكن : ضرب من سير الإبل فيه اهتزاز و خالد قال الأصفهاني : هو ابن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم . وكان المهاجر والد خالد مع علي عليه السلام بصفين وكان خالد على رأي أبيه هاشمي المذهب ودخل مع بني هاشم الشعب فاضطغن ذلك ابن الزبير عليه فألقى عليه زق خمر وصب بعضه على رأسه وشنع عليه بأنه وجده ثملاً من الخمر فضربه الحد . وكان عمه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مع معاوية في صفين ولهذا كان بن المهاجر أسوأ الناس رأياً في عمه . ثم إن معاوية لما أراد أن يظهر العهد ليزيد قال لأهل الشام : إني قد كبرت سني ورق جلدي ودق عظمي واقترب أجلي وأريد أن أستخلف عليكم فمن ترون فقالوا : عبد الرحمن بن خالد . فسكت وأضمرها ودس إلى ابن أثال الطبيب
____________________

فسقاه سماً فمات وبلغ ابن أخيه خالد ابن المهاجر خبره وهو بمكة فقال له عروة ابن الزبير : أتدع ابن أثال يفني أوصال عمك بالشام وأنت بمكة مسبلٌ إزارك . تجره وتخطر فيه متخايلاً فحمي خالد ودعا مولى له يدعى نافعاً فأعلمه الخبر وقال له : لابد من قتل ابن أثال فخرجا حتى قدما دمشق وكان ابن أثال يمسي عند معاوية فجلس له في مسجد دمشق إلى أسطوانة وجلس غلامه إلى أخرى فلما حاذاه وثب إليه خالد فقتله وثار إليه من كان معه فحملا عليهم فتفرقوا حتى دخل خالد ونافع زقاقاً ضيقاً ففاتا القوم .
وبلغ معاوية الخبر فقال : هذا خالد بن المهاجر اقلبوا الزقاق الذي دخل فيه فأتي به . فقال له معاوية : لا جزاك الله من زائرٍ خيراً قتلت طبيبي فقال خالد : قتلت المأمور وبقي الآمر فقال : عليك لعنة الله والله لو كان تشهد مرة واحدة لقتلتك به أمعك نافع قال : لا . قال : بلى والله ما اجترأت إلا به . ثم أمر بطلبه فأتى به فضربه مائة سوط وحبس خالداً وألزم بني مخزوم دية ابن أثال اثني عشر ألف درهم . وقال خالد في الحبس : ( إما خطاي تقاربت ** مشي المقيد في الحصار ) ( فبما أمشي في الأبا ** طح يقتفي أثري إزاري ) ) ( دع ذا ولكن هل ترى ** ناراً تشب بذي مرار ) ( ما إن تشب لقرةٍ ** للمصطلين ولا قتار ) ( ما بال ليلك ليس ين ** قص طوله طول النهار ) ( لتقاصر الأزمان أم ** غرض الأسير من الإسار ) ولما بلغت معاوية هذه الأبيات رق له وأطلقه . فرجع إلى مكة ولما لقي عروة
____________________

ابن الزبير قال : أما ابن أثال فقد قتلته وذاك ابن جرموز ينعي أوصال الزبير بالبصرة فاقتله إن كنت ثائراً .
وأنشد بعده وهو وهو من شواهد س : جاريةٌ من قيسٍ ابن ثعلبة على أن تنوين قيسٍ شاذ لأن ابن وقع بين علمين مستجمع الشروط فكان القياس حذف تنوين قيس إلا أنه نونه لضرورة الشعر .
قال ابن جني في سر الصناعة : من نونه لزمه إثبات الألف في ابن خطاً .
وقال ابن الحاجب في الإيضاح : وزعم قوم أن ابن ثعلبة بدلٌ وقصده أن يخرجه عن الشذوذ وهو بعيد لأن المعنى على الوصف وأيضاً : فإن خرج عن الشذوذ باعتبار التنوين لم يخرج باعتبار استعمال ابن بدلاً .
ومن أولئك القوم ابن جني قال في سر الصناعة : إلى هذا رأيت جميع أصحابنا يذهبون .
والذي أرى أن الشاعر لم يرد أن يجري ابناً وصفاً على ما قبله ولو أراد لحذف التنوين ولكن أراد أن يجري ابناً بدلاً مما قبله وحينئذٍ لم يجعل معه كالشيء الواحد فوجب أن ينوي انفصال ابن مما قبله ووجب أن يبتدأ فاحتاج
____________________

إذاً إلى الألف لئلا يلزم الابتداء بالساكن .
وعلى ذلك تقول : كلمت زيداً ابن بكر كأنك قلت : كلمت ابن بكر فكأنك قلت : كلمت زيداً كلمت ابن بكر لأن ذلك شرط البدل إذ المبدل في التقدير من جملة ثانية . ( كريمةٌ أخوالها والعصبة ** قباء ذات سرةٍ مقعبة ) ( كأنها حقة مسكٍ مذهبة ** ممكورة الأعلى رداح الحجبة ) ( كأنها حلية سيفٍ مذهبة ** أهوى لها شيخٌ شديد العصبة ) ( خاظي البضيع أيره كالخشبة ** فضربت بالود فوق الأرنبة ) ) ( ثم انثنت به فويق الرقبة ** فأعلنت بصوتها : أن يا أبه ) كل فتاةٍ بأبيها معجبة وأراد بجارية : امرأةً من العرب اسمها كلبة كان بينهما مهاجاة ومن قولها فيه : ( ناك أبو كلبة أم الأغلب ** فهي على جردانه توثب ) توثب الكلب لحس الأرنب
____________________

و جارية خبر مبتدأ محذوف أي : هذه جارية . و من قيس صفة لها . وقيس بن ثعلبة : قبيلة .
وهذا البيت من شواهد مغي اللبيب أيضاً ولم يورده السيوطي في شرحها . و القباء : الضامرة البطن مؤنث الأقب . من القبب وهو دقة الخصر . و المقعبة : السرة التي دخلت في البطن وعلا ما حولها حتى صار كالقعب وهو القدح المقعر من الخشب . وضمير كأنها للسرة . و الممكورة : المطوية الخلق . وأراد بالأعلى : البطن والخصر . و الرداح بفتح الراء : المرأة الثقيلة الأوراك . و الحجبة بفتح الحاء المهملة والجيم : رأس الورك . وضمير كأنها للجارية . و حلية السيف : زينته . و مذهبة صفة حلية وروى الزمخشري في مستقصى الأمثال : كأنها خلة سيفٍ مذهبة بكسر الخاء المعجمة وتشديد اللام قال في الصحاح : الخلة بالكسر : واحدة خلل السيوف وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره . وأهوى بالشيء : إذا أومأ إليه وأهوى إلى الشيء بيده : مدها ليأخذه إذا كان عن قرب فإن كان عن بعد قيل : هوى إليه بلا ألفٍ . و الخاظي بمعجمتين : المكتنز والمتداخل . و البضيع : اللحم . و الأير : آلة الرجل وروى الزمخشري في المستقصى عرده كالخشبة والعرد بفتح العين وسكون الراء المهملتين : الشيء الصلب وأراد به الأير . و الود : الوتد . و الأرنبة : طرف الأنف . وأن مفسرة وروى الزمخشري : وصرخت منه وقالت يا أبه وقوله : كل فتاة . . هو من إرسال المثل وليس من كلامها قال الزمخشري : هو مثل يضرب و الأغلب العجلي قال الآمدي في المؤتلف والمختلف : هو الأغلب
____________________

ابن عمرو بن عبيدة ) ( الحلم بعد الجهل قد يثوب ** وفي الزمان عجبٌ عجيب ) ( وعبرةٌ لو ينفع التجريب ** واللب لا يشقى به اللبيب ) ( والمرء محصىً سعيه مرقوب ** يهرم أو تعتاقه شعوب ) وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : كان الأغلب جاهلياً إسلامياً وقتل بنهاوند . وهو أول من أطال الرجز وكان الرجل قبله يقول البيت والبيتين إذا فاخر أو شاتم . وقد ذكره العجاج بقوله : إني أنا الأغلب أضحى قد نشر . .
وعده ابن الأثير في أسد الغابة من الصحابة .
قال ابن حجر في الإصابة : قال ابن قتيبة : أدرك الإسلام فأسلم وهاجر ثم كان ممن سار إلى العراق مع سعد فنزل الكوفة واستشهد في وقعة نهاوند . وقد استدركه ابن الأثير . قلت : ليس في قوله : وهاجر ما يدل على أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم : فيحتمل أنه أراد : هاجر إلى المدينة بعد موته صلى الله عليه وسلم . ولهذا لم يذكره أحد من الصحابة . وقد قال المرزباني في معجمه : هو مخضرم .
ولم يذكر ابن قتيبة هجرته كما نقلنا ولعله نقله من كتاب آخر . والله أعلم .
وقال أبو عبيد البكري في شرح نوادر القالي : الأغلب العجلي آخر من عمر في الجاهلية عمراً طويلاً وأدرك الإسلام فحسن إسلامه وهاجر واستشهد في وقعة نهاوند .
قال الآمدي : من يقال له الأغلب من الشعراء ثلاثة : أحدهم هذا .
____________________


والثاني : الأغلب الكلبي ولم أجد له في أشعار كلب شعراً وأظن شعره درس فلم يدرك والثالث : الأغلب بن نباتة الأزدي ثم الدوسي أنشد له بندار شعراً في معاني الشعر ولم أر له ذكراً في أشعار الأزد وأظنه إسلامياً متأخراً .
وأنشد بعده وهوالشاهد الثاني والعشرون بعد المائة ) طلب المعقب حقه المظلوم على أن فاعل المصدر وإن كان مجروراً بإضافة المصدر إليه محله الرفع فالمعقب فاعل وهذا عجز وصدره : حتى تهجر في الرواح وهاجها وهو من قصيدة للبيد بن ربيعة الصحابي . وصف به مع أبيات حماراً وأتانه شبه به ناقته .
وقبله : ( لولا تسليك اللبانة حرةٌ ** حرجٌ كأحناء الغبيط عقيم ) لولا هنا تخصصية . و التسلية : إزالة الهم وضمنه معنى النسيان . و اللبانة : الحاجة . و الحرج بفتح الحاء والراء المهملتين والثالث جيم : الناقة الضامرة . و الغبيط بفتح الغين المعجمة : الرحل وهو للنساء يشد عليه الهودج . و أحناؤه : عيدانه في الصحاح : الحنو بالكسر : واحد أحناء السرج والقتب . وحنو كل شيء أيضاً : اعوجاجه . و العقيم : التي لا تلد يريد : أنها قوية صلبة لم يصبها ما يوهنها من فقد أولادها وغير ذلك .
____________________

( حرفٌ أضر بها السفار كأنها ** بعد الكلال مسدمٌ محجوم ) الحرف : الناقة الشديدة . و أضر بالضاد المعجمة بمعنى لصق ودنا دنواً شديداً يقال أضر بفلان كذا : أي : لصق به ودنا منه . و السفار : فاعل أضر وهو مصدر سافر يسافر مسافرة وسفاراً . و الكلال : مصدر كل من المشي : إذا أعيا . و المسدم : اسم مفعول يقال : فحل مسدم . إذا جعل على فمه الكعام بالكسر وهو شيء يجعل في فم البعير يقال : كعمت البعير : إذا شددت به فمه في هياجه فهو مكعوم . و السدم بكسر الدال : الفحل الهائج المشتهي الضراب . و المحجوم : من حجمت البعير أحجمه : إذا جعلت على فمه حجاماً وذلك إذا هاج للضراب والحجام بتقديم المهملة المكسورة على الجيم : شيء يجعل في مقدم أنف البعير كي لا يعض عند هيجانه . ( أو مسحلٌ شنجٌ عضادة سمحجٍ ** بسراته ندبٌ لها وكلوم ) المسحل بكسر الميم وسكون السين وفتح الحاء المهملتين : الحمار الوحشي وصف ناقته بأبلغ ما يمكن من النشاط والقوة على السير وذلك أنه شبهها بعد أن كلت وأعيت بالفحل الهائج أو )
بالحمار الوحشي وهما ما هما في القوة والجلد فما ظنك بهذه الناقة قبل الإعياء وشنج بفتح المعجمة وسكون النون من الشنج وهو في الأصل التقبض وأراد به هنا الملازم . و العضادة بالكسر : الجنب . و السمحج بفتح السين وسكون الميم وآخره جيم قبلها مهملة : الأتان الطويلة على الأرض . و السراة بفتح المهملة : الظهر . و الندب بفتح النون والدال أثر الجرح . و الكلوم : الجراحات جمع كلم بالفتح وهذا البيت من شواهد سيبويه : أورده على عضادة منصوب بشنج نصب المفعول به يقول : إنه ملازم لأتانه ولشدته وصلابته قد لازمها وقبض الناحية التي بينها وبينه ولم يحجزه عن ذلك رمحها وعضها اللذان بظهره منها ندب وكلوم .
____________________


ثم أخذ يصفه مع أتانه : بأنهما كانا في خصب زماناً حتى إذا هاج النبات ونضب الماء أسرع معها إلى كل نجدٍ يريدان أطيب الكلأ وأهنأ المرعى إلى أن قال : ( يوفي ويرتقب النجاد كأنه ** ذو إربةٍ كل المرام يروم ) ( حتى تهجر في الرواح وهاجها ** طلب المعقب حقه المظلوم ) ( قرباً يشج بها الحزون عشيةً ** ربذٌ كمقلاء الوليد شتيم ) يوفي : يشرف وفاعله ضمير مسحل . و النجاد : جمع نجد وهو المرتفع من الأرض أي : يشرف على الأماكن المرتفعة كالرقيب وهو الرجل الذي يكون ربيئة القوم يرتفع على مكان عالٍ متجسساً . و الإربة بالكسر : الحاجة . و كل مفعول مقدم ليروم . و التهجر : السير في الهاجرة وهي نصف النهار عند اشتداد الحر . وحتى بمعنى إلى . و الرواح : اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل وهو نقيض الغدو لا الصباح خلافاً للجوهري . و هاجها : أزعجها . و طلب : مصدر تشبيهي أي : هاج هذا المسحل أنثاه لطلب الماء طلباً حثيثاً كطلب المعقب وهو اسم فاعل من التعقيب وهو الذي يطلب حقه مرة واستشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى : لا معقب لحكمه على أن المعقب : المقتضي الذي يطلب الدين من الغريم يقال : عقب في الأمر : إذا تردد في طلبه مجداً . و القرب محركة : سير الليل لورد الغد وهو منصوب بيشج : أي : يقطع يقال : شججت المفازة : إذا قطعتها والباء بمعنى مع . و الحزون : جمع حزن بالفتح وهو ما غلظ من الأرض . و ربذ : أي : هو ربذ بفتح الراء وكسر الموحدة وبالذال المعجمة وهو السريع الخفيف القوائم في )
المشي . و المقلاء بالكسر والمد كمفعال و القلة بالضم والتخفيف : هما عودان يلعب بهما الصبيان والأول يضرب به والثاني ينصب ليضرب يقال : قلوت القلة بالمقلاء أقلو
____________________

قلواً . أي : أنه يسوقها كما أن المقلاء يسوق القلة . و الشتيم : الكريه الوجه يشتم لعنفه وغلظته وهو صفة ربذ .
وقوله : طلب المعقب حقه يجوز أن يكون حقه مفعول المصدر وهو الطلب ويكون مفعول المعقب محذوفاً وأن يكون مفعول المعقب لأنه بمعنى الطالب والمقتضي ويكون مفعول المصدر محذوفاً : على التنازع . وإلى هذا جنح الفارسي وقال : فلو قدم المظلوم على حقه لم يجز لأنك لا تصف الموصول وهو أل هنا حتى يتم بصلته وصلته لم تتم بعد لأن حقه من صلة المعقب ومن تمامه .
وتوجيه هذا الشاهد على ما ذكره الشارح المحقق هو المشهور والمتداول بين الناس وهو ليعقوب بن السكيت . وقال أبو حيان في تذكرته : أنشده الفراء وهشام . و هاجه بتذكير الضمير على أنه عائد على الحمار وقال : الطلب عندهما في هذه الرواية مرفوع . وفي البيت تخاريج أخر . ثانيهما لأبي حاتم السجستاني قال : المظلوم جار على الضمير الذي في المعقب : يريد أنه بدل كل من الضمير لتساويهما في المعنى . وقال العيني : هو بدل اشتمال من الضمير . وفيه أن بدل الاشتمال لابد له من ضمير . ثالثهما لأبي علي الفارسي في المسائل البصرية والقصرية : وهو أن يكون المظلوم فاعل المصدر ويكون المصدر مضافاً لمفعوله والمعقب حينئذ معناه الماطل يقال عقبني حقي أي : مطلني .
وعلى هذا فحقه مفعول المعقب لا غير وحينئذ لا يجوز تقديم المظلوم عليه لما تقدم . وكأنه قال : طلب المظلوم الماطل حقه فتكون الهاء راجعة إلى المظلوم على نحو : ضرب غلامه زيدٌ لأنها متصلة بالمفعول أي : طلب المدين الماطل حقه أي : حق المدين فإن الحق له لا للمستدين .
وقد يجوز أن تكون راجعة للمستدين يريد حقه أي : الذي يجب عليه الخروج منه وكذلك قوله تعالى : وليلبسوا عليهم دينهم فأضاف الدين إليهم لما كان واجباً عليهم الأخذ به وإن لم وكذلك قوله تعالى : زينا لكل أمةٍ عملهم أي : العمل الذي أمروا به وندبوا إليه وشرع لهم . .
قال : وعلى هذا يحتمل أن تكون راجعة إلى المعقب بأسره
____________________

وأن تكون راجعة إلى أل على قول )
أبي بكر وأن تكون راجعة إلى الذي دلت عليه أل على قول أبي عثمان . . ونسب أبو حيان في تذكرته قول الفارسي إلى جماعة من قدماء اللغويين وقال : تلخيصه : وهاج الحمار الأتان هيجاناً مثل طلب المعقب حقه . وقالوا : موضع المعقب نصبٌ بالطلب وناصب الحق المعقب وفاعل الطلب المظلوم . وتفسير يعقب حقه يطلبه مرة بعد أخرى .
ولا يخفى أن هذا تخليط بين القولين . رابعها لابن جني في المحتسب : أن المظلوم فاعل حقه . قال في سورة النحل في توجيه قراءة ابن سيرين : وإن عقبتم فعقبوا . أي : إن تتبعتم فتتبعوا بقدر الحق الذي لكم ولا تزيدوا عليه قال لبيد : ( حتى تهجر في الرواح وهاجه ** طلب المعقب . . . . . . . . . . . الخ ) أي : هاجه طلباً مثل طلب المعقب حقه المظلوم أي : عازه ومنعه المظلوم فحقه على هذا فعل حقه يحقه أي : لواه حقه . ويجوز طلب المعقب حقه فتنصب حقه بنفس الطلب مع نصب طلب كما تنصبه مع رفعه والمظلوم صفة المعقب على معناه دون لفظه أي : أن طلب هذا كلامه . وعليه فينظر : ما فاعل حقه مع نصب طلب وأما مع رفعه فهو فاعل هاجه .
وينظر أيضاً : ما موضع جملة حقه المظلوم من الإعراب . على أن حقه بمعنى لواه حقه لم أجده في كتب اللغة .
وقوله : كما تنصبه أي : تنصب الحق . وقوله : مع رفعه أي : مع رفع الطلب . وقوله : في الموضعين جميعاً أي : في نصب الطلب ورفعه وبالجملة كلامه هنا خلاف كلام الناس وفيه تعقيد لا يظهر معه المراد . فليتأمل .
وقال ابن بري في شرح أبيات الإيضاح لأبي علي . قوله : وهاجه أي : أثاره يعني العير والفاعل التهجر أو الطلب والتقدير : هاجه مثل طلب المعقب فحذف المضاف ويروى : هاجها أي : هاج العير الأتان و طلب منصوب على المصدر بما دل عليه المعنى أي : طلب الماء كطلب المعقب وإن شئت
____________________

جعلته مفعولاً من أجله أي : هاجها للطلب و حقه مفعول بالمصدر و المعقب فاعل أضيف إليه المصدر وهو الذي يتبع عقب الإنسان في طلب حق أو نحوه والمظلوم نعت للمعقب على الموضع . وقال يعقوب : المعقب : الماطل عقبني حقي أي : مطلني . فعلى هذا يكون المعقب مفعولاً والمظلوم فاعلاً . وقيل : المظلوم بدل من الضمير في )
الصحابي رضي الله عنه . قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة وفد قومه بنو جعفر بن كلاب فأسلم وحسن إسلامه . وكان لبيد وعلقمة بن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم وهو معدود في فحول الشعراء المجودين كذا في باب الاستيعاب .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : كنيته أبو عقيل . وكان من شعراء الجاهلية وفرسانهم .
وكان الحارث بن أبي شمر الغساني وهو الأعرج وجه إلى المنذر بن ماء السماء مائة فارسٍ وأمره عليهم فساروا إلى معسكر المنذر وأظهروا أنهم أتوه داخلين عليه في طاعته فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم فقتل أكثرهم ونجا لبيد فأتى ملك غسان فأخبره فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم فهو يوم حليمة .
وحليمة : بنت ملك غسان وكانت طيبت هؤلاء الفتيان وألبستهم الأكفان .
____________________

ولما أسلم مع قومه رجع قومه إلى بلادهم وقدم هو الكوفة فأقام بها إلى أن مات فدفن في صحراء بني جعفر بن كلاب . ويقال : إن وفاته كانت في أول مدة معاوية رضي الله عنه ومات وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة . انتهى .
وقال في الاستيعاب : قد قيل : إنه مات بالكوفة أيام الوليد بن عقبة في خلافة عثمان وهو أصح . فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً فنحرت عنه .
ثم قال ابن قتيبة : ولم يقل شعراً في الإسلام إلا بيتاً واحداً قال أبو اليقظان وهو قوله : وقال غيره : بل هو قوله : ( الكامل ) ( ما عاتب المرء الكريم كنفسه ** والمرء يصلحه الجليس الصالح ) وكتب عمر بن الخطاب إلى عامله المغيرة بن شعبة بالكوفة : أن استنشد من عندك من شعراء مصرك ما قالوه في الإسلام . فأرسل إلى الأغلب العجلي أن أنشدني فقال : ( لقد طلبت هيناً موجودا ** أرجزاً تريد أم قصيدا ) ثم أرسل إلى لبيد : أن أنشدني فقال : إن شئت ما عفي عنه يعني الجاهلية قال : لا ما قلت في الإسلام . فانطلق إلى بيته فكتب سورة البقرة في صحيفة ثم أتى بها فقال : أبدلني الله هذه في الإسلام مكان الشعر . فكتب بذلك المغيرة إلى عمر فنقص من عطاء الأغلب خمسمائة وزادها في عطاء لبيد فكان عطاؤه ألفين
____________________

وخمسمائة . فكتب الأغلب إلى عمر : يا أمير المؤمنين تنقص عطائي أن أطعتك فرد عليه خمسمائة وأقر لبيداً على الألفين والخمسمائة فلما كان زمن )
معاوية رضي الله عنه وأراد أن يجعل عطايا الناس ألفين قال له : هذان الفودان فما هذه العلاوة فقال له لبيد : أموت ويبقى لك الفودان والعلاوة وإنما أنا هامة اليوم أو غد فرق له وترك عطاءه على حاله . فمات بعد ذلك بيسير ولم يقبضها .
وفي الاستيعاب : ذكر المبرد وغيره : أن لبيداً كان شريفاً في الجاهلية والإسلام وكان نذر أن لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم وأن الصبا هبت يوماً وهو بالكوفة مقتر مملق فعلم بذلك الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان أميراً عليهالعثمان فخطب الناس فقال : إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل وما وكد على نفسه فأعينوا أخاكم . ثم نزل فبعث إليه بمائة ناقة وبعث الناس إليه فقضى نذره وفي خبر غير المبرد . فاجتمعت عنده ألف راحلة وكتب إليه الوليد : ( أرى الجزار يشحذ شفرتيه ** إذا هبت رياح أبي عقيل ) ( أغر الوجه أبيض عامريٌ ** طويل الباع كالسيف الصيقل ) ( وفي ابن الجعفري بحلفتيه ** على العلات والمال القليل ) ( بنحر الكوم إذ سحبت عليه ** ذيول صباً تجاوب الأصيل ) فقال لبيد لابنته : أجيبيه فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر فأنشأت تقول : ( إذا هبت رياح أبي عقيلٍ ** دعونا عند هبتها الوليدا ) ( أشم الأنف أصيد عبشمياً ** أعان على مروءته لبيدا ) ( بأمثال الهضاب كأن ركباً ** عليها من بني حامٍ قعودا )
____________________

( أبا وهبٍ جزاك الله خيراً ** نحرناها وأطعمنا الثريدا ) ( فعد إن الكريم له معادٌ ** وظني بابن أروى أن يعودا ) فقال لها لبيد : قد أحسنت لولا أنك استزدته فقالت : والله ما استزدته إلا لأنه ملك ولو كان سوقة لم أفعل .
وقالت عائشة رضي الله عنها : رحم الله لبيداً حيث يقول : ( ذهب الذين يعاش في أكنافهم ** وبقيت في خلفٍ كجلد الأجرب ) ( لا ينفعون ولا يرجى خيرهم ** ويعاب قائلهم وإن لم يشغب ) قالت : فكيف لو أدرك زماننا انتهى . . والخلف بسكون اللام : النسل الطالح وبفتح اللام : النسل الصالح . والشغب : تهييج الشر والفتنة . )
ثم قال ابن قتيبة : و ملاعب الأسنة عم لبيد . وهو عامر بن مالك . وسمي ملاعب الأسنة بقول أوس بن حجر : ( ولاعب أطراف الأسنة عامرٌ ** فراح له حظ الكتيبة أجمع ) وكان ملاعب الأسنة أخذ أربعين مرباعاً في الجاهلية . و أربد بن قيس الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم غادراً مع عامر بن الطفيل هو أخو لبيد لأمه فدعا الله عليهما فمات عامر بالطاعون ونزلت صاعقة على أربد فأحرقته .
ويقال : فيه نزلت : ويرسل الصواعق فيصيب
____________________

بها من يشاء . ورثاه لبيد بأشعار كثيرة . انتهى .
وروى أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين بسنده إلى الشعبي قال : أرسل إلي عبد الملك بن مروان وهو شاكٍ فدخلت عليه فقلت : كيف أصبحت يا أمير المؤمنين فقال : أصبحت كما قال ابن قميئة الشاعر : ( كأني وقد جاوزت تسعين حجة ** خلعت بها عني عذار لجامي ) ( رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى ** فكيف بمن يرمى وليس برام ) ( فلو أنها نبلٌ إذاً لاتقيتها ** ولكنني أرمى بغير سهام ) ( إذا ما رآني الناس قالوا : ألم تكن ** جليداً شديد البطش غير كهام ) ( فنيت ولم يفن من الدهر ليلةً ** ولم يغن ما أفنيت سلك نظام ) ( على الراحتين مرةً وعلى العصا ** أنوء ثلاثاً بعدهن قيامي ) فقلت : لا يا أمير المؤمنين ولكنك كما قال لبيد بن ربيعة : ( نفسي تشكى إلي الموت مجهشةً ** وقد حملتك سبعاً بعد سبعينا ) ( فإن تزادي ثلاثاً تحدثي أملاً ** وفي الثلاث وفاءٌ للثمانينا ) فعاش والله حتى بلغ تسعين حجة فقال : ( كأني وقد جاوزت تسعين حجةً ** خلعت بها عن منكبي ردائيا ) ( أليس في مائة قد عاشها رجلٌ ** وفي تكامل عشرٍ بعدها عمر ) فعاش والله حتى بلغ عشرين سنة ومائة فقال في ذلك :
____________________

( وغنيت سبتاً بعد مجرى داحسٍ ** لو كان للنفس اللجوج خلود ) فعاش والله حتى بلغ أربعين ومائة سنة فقال في ذلك : ) ( ولقد سئمت من الحياة وطولها ** وسؤال هذا الناس : كيف لبيد ) فقال عبد الملك : والله ما بي بأس اقعد حدثني ما بينك وبين الليل . فقعدت فحدثته حتى أمسيت ثم فارقته فمات في ليلته .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المائة ) وهو من شواهد سيبويه : ( فإن لم تجد من دون عدنان والداً ** ودون معد فلتزعك العواذل ) على أن دون بالنصب معطوف على محل الجار والمجرور أعني من دون . وكذلك أورده سيبويه قال : وكأنه قال : فإن لم تجد دون عدنان والداً ودون معد .
قال ابن هشام في المغني : شرط العطف على المحل إمكان ظهور ذلك المحل في الفصيح نحو : ليس زيد بقائم ولا قاعداً فإنه يجوز أن تسقط الباء وتنصب ولا يختص مراعاة الموضع بأن يكون العامل في اللفظ زائداً كما في مثل بدليل : فإن لم تجد من دون عدنان والداً . . . . . . . . . . . . . . البيت وهذا البيت من قصيدة أزيد من خمسين بيتاً للبيد بن ربيعة الصحابي رضي الله
____________________

عنه رثى بها النعمان بن المنذر ملك الحيرة . . وأولها : ( ألا تسألان المرء ماذا يحاول ** أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطل ) ( حبائله مبثوثةٌ في سبيله ** ويفنى إذا ما أخطأته الحبائل ) ( إذا المرء أسرى ليلةً خال أنه ** قضى عملاً والمرء ما عاش عامل ) ( فقولا له إن كان يقسم أمره : ** ألما يعظك الدهر أمك هابل ) ( فتعلم أن لا أنت مدرك ما مضى ** ولا أنت مما تحذر النفس وائل ) ( فإن أنت لم تصدقك نفسك فانتسب ** لعلك تهديك القرون الأوائل ) ( فإن لم تجد من دون عدنان باقياً ** ودون معدٍ فلتزعك العواذل ) ( أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ** بلى كل ذي رأي إلى الله واسل ) ( وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم ** دويهيةٌ تصفر منه الأنامل ) ( وكل امرئٍ يوماً سيعلم سعيه ** إذا كشفت عند الإله الحصائل ) )
قوله : ألا تسألان المرء . . البيت يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في ماذا .
وقوله : حبائله مبثوثة . . البيت الحبائل : جمع حبالة وهي الشرك والضمير للموت وأراد بحبائله : الأحداث التي هي سبب الموت و مبثوثةٌ : منصوبةٌ على طرقه . و الهاء في سبيله عائدة على المرء . و يفنى : يهرم .
وسرى وأسرى بمعنى . يقول : إذا سهر المرء ليلةً في عمل ظن أنه قد فرغ منه وهو ما عاش يعرض له مثل ذلك وهو أبداً ما دام حياً لا ينقطع عمله ولا حوائجه . وقوله : فقولا له إن كان . . الخ أقسم بمعنى قدر يعني قولا له إن كان يدبر أمره وينظر فيه : ألم يعظك من مضى قبلك في سالف الدهر هل رأيته بقي عليه أحد ثم دعا عليه فقال : أمك هابل يقال : هبلته أمه أي : ثكلته .
وقوله : فتعلم بالنصب جواب ألما . وأن مخففة من الثقيلة . و وائل : من وألت النفس بمعنى نجت والموئل : المنجى .
____________________


وقوله : فإن أنت لم تصدقك . . الخ يقول : إن لم تصدقك نفسك عن هذه الأخبار بل كذبتك فانتسب : أي : قل أين فلان ابن فلان فإنك لا ترى أحداً بقى لعلك تهديك هذه القرون وترشدك . وروي : فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب .
قال أبو علي في إيضاح الشعر : أنت مرتفع بفعل في معنى هذا الظاهر أي : فإن لم تنفع . ولو حمل أنت على هذا الفعل الظاهر الذي هو ينفعك لوجب أن يكون موضع أنت إياك لأن الكاف الذي سببه مفعولة منصوبة . وهذا أولى من تقدير ابن قاسم في شرح الألفية : أن أصله فإن ضللت لم ينفعك . وزاد الفارسي على الوجه الثاني : أن فيه إنابة الضمير المرفوع عن المنصوب . و القرون : جمع قرن وهو أهل زمان واحد .
وقوله : فإن لم تجد تزعك : تكفك قال أبو الحسن الطوسي في شرح ديوان لبيد : وزعه يزعه بالفتح ويزعه بالكسر وزعاً ووزوعاً : إذا كفه . وعدنان جده الأعلى لأن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . يقول : لم يبق لك أبٌ حي إلى عدنان فكف عن الطمع في الحياة . . ومعنى البيتين : أن غاية الإنسان الموت فينبغي له أن يتعظ : بأن ينسب نفسه إلى عدنان فإن لم يجد من بينه وبينه من الآباء باقيا فليعلم أنه يصير إلى مصيرهم فينبغي له أن ينزع عما هو عليه . و العواذل هنا حوادث الدهر وزواجره وإسناد العذل إليها مجاز . وقال الطوسي : العواذل : )
النساء .
وقوله : أرى الناس . . الخ الواسل : الطالب الذي يطلب من قولك . أنت وسيلتي إلى فلان .
واستشهد به صاحب الكشاف على أن الوسيلة في قوله تعالى : وابتغوا إليه الوسيلة ما يتوسل به إلى الله تعالى من فعل الخيرات واجتناب المعاصي . والواسل : هو الراغب إلى الله بمعنى ذو وسيلة أو هو كتامرٍ ولابنٍ . وروي : اللب وهو العقل بدل الرأي . والمعنى : أرى الناس لا يعرفون ما هم فيه من خطر الدنيا وسرعة زوالها فالعاقل اللبيب من يتوسل إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح .
____________________


وقوله : ألا كل شيء وقد وقع في بعض الروايات هذا البيت أول القصيدة في صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل وفي رواية لهما : أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد . وقد روي أيضاً بألفاظ مختلفة منها : إن أصدق كلمة ومنها : إن أصدق بيت قالها الشاعر ومنها : أصدق بيت قالته الشعراء وكلها في الصحيح ومنها . أشعر كلمة قالتها العرب .
قال ابن مالك في شرح التسهيل : وكلها من وصف المعاني بما يوصف به الأعيان كقولهم : وروى ابن إسحاق في مغازيه : أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه مر بمجلس من قريش في صدر الإسلام ولبيد بن ربيعة رضي الله عنه ينشدهم : ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل فقال عثمان رضي الله عنه : صدقت . فقال لبيد :
____________________

وكل نعيمٍ لا محالة زائل فقال عثمان : كذبت نعيم الجنة لا يزول أبداً فقال لبيد : يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث هذا فيكم فقال رجل : إن هذا سيفه من سفهائنا قد فارق ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله . فرد عليه عثمان فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها فقال الوليد بن المغيرة لعثمان : إن كانت عينك لغنيةً عما أصابها لم رددت جواري فقال عثمان : بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرةٌ لمثل ما أصاب أختها في الله لا حاجة لي في جوارك )
وروى أحمد بن حنبل في زوائد الزهد : أن لبيداً قدم على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال : ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال : صدقت . قال : فقال : كذبت عند الله نعيمٌ لا يزول فلما ولى قال أبو بكر رضي الله عنه ربما قال الشاعر الكلمة من الحكمة وأخرج السلفي في المشيخة البغدادية من طريق هاشم عن يعلى عن ابن جراد قال : أنشد لبيدٌ النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطل فقال له : صدقت فقال : وكل نعيمٍ لا محالة زائل فقال له : كذبت نعيم الآخرة لا يزول وأجاب العيني عن ذلك من وجهين :
____________________

الأول : أن لبيداً إنما قال ذلك قبل أن يسلم فيمكن أن يكون في اعتقاده في ذلك الوقت أن الجنة لا وجود لها أو كان يعتقد وجودها ولكن لا يعتقد دوامها كما ذهبت إليه طائفة من أهل الأهواء والضلال .
والثاني : أنه يمكن أن يكون أراد به ما سوى الجنة من نعيم الدنيا لأنه كان في صدد ذم الدنيا وبيان سرعة زوالها . وأما تكذيب عثمان إياه فلكونه حمل الكلام على العموم . انتهى .
وقال ابن حجر في شرح البخاري في باب الشعر : التعبير بوصف كل شيء بالبطلان تندرج فيه العبادات والطاعات وهي حقٌ لا محالة وأجيب : بأن المراد ما عدا الله وما عدا صفاته الذاتية والفعلية من رحمة وعذاب أو المراد بالبطلان الفناء لا الفساد وكل شيء سوى الله تعالى جائزٌ عليه الفناء لذاته حتى الجنة والنار وإنما يبقيان بإبقاء الله تعالى لهما وخلق الدوام لأهلهما . والحق على الحقيقة من لا يجوز عليه الزوال لذاته . انتهى .
ومثله للسيوطي في البدور السافرة عند ذكر قوله تعالى : كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهه . أي : قابل للهلاك وكل محدث قابل لذلك وإن لم يهلك بخلاف القديم الأزلي . ويؤيد ذلك أن العرش لم )
يرد خبرٌ أنه يهلك . فلتكن الجنة مثله .
وقال في موضع آخر من ذلك الكتاب : وفي بحر الكلام : قال أهل السنة : سبعةٌ لا تفنى : العرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار بأهلهما والأرواح . وقال صاحب المفهم شرح مسلم وكذا البيهقي وغيره من المحدثين : إن هذه السبعة يقع لها هلاك نسبي وهو غشيان يمنع الإحساس وفناءٌ ما من الأوقات . قلت : والظاهر وقوع ذلك على تقدير صحته بين النفختين عند قوله عز وجل : لمن الملك
____________________

اليوم فلا يجيبه أحد كما وردت به الروايات . انتهى .
والباطل هنا الذاهب الزائل ومعناه : الهالك الفاني أي : القابل للهلاك والفناء . وقال بعضهم : الباطل في الأصل ضد الحق والمراد به هنا الهالك . وقال العيني : الباطل ضد الحق وفي عرف المتكلمين : الباطل الخارج عن الانتفاع والفاسد يقرب منه والصحيح : ضده ومقابله . وفي عرف الشرع : الباطل من الأعيان : ما فات معناه المقصود المخلوق له من كل وجه بحيث لم يبقى إلا صورته ولهذا يذكر في مقابله الحق الذي هو عبارة عن الكائن الثابت وفي الشرع يراد به ما هو المفهوم منه لغة وهو ما كان فائت المعنى من كل وجه مع وجود الصورة إما لانعدام محلية التصرف كبيع الميتة والدم أو لانعدام أهلية المتصرف كبيع المجنون والصبي الذي لا يعقل . فإن قلت : ما معناه هنا قلت : المعنى : كل شيء سوى الله تعالى زائلٌ فائت مضمحل ليس له دوام . انتهى . و المحالة بفتح الميم : الحيلة قال الجوهري : قولهم لا محالة أي : لابد .
وقوله : وكل أناس سوف تدخل بينهم يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في ماذا .
وقوله : وكل امرئ يوماً سعيه : عمله . والحصائل : الحسنات والسيئات التي بقيت له عند الله تعالى وهو بالحاء والصاد المهملتين .
ثم شرع بعد هذا في تقلب الدهر بأهله وبدأ بذكر النعمان وما كان فيه من سعة الملك ونعيم الدنيا ثم ذكر ملوك الشام آل غسان وما فعل الدهر بهم فبادوا كأن لم يكونوا فقال : الشرب : جمع شارب يريد أصحابه الذين كان يشاربهم . و القنية : الخادم . و المختبطات الفرق : السائلات المعروف . و السعالي : الغيلان شبه السائلات بها في سوء حالهن وقبحهن . و الأرامل : المحاويج الجياع من أرمل
____________________

القوم : إذا نفذ زادهم وجاعوا . وقال في آخر القصيدة : ) ( فأمسى كأحلام النيام نعيمهم ** وأي نعيمٍ خلته لا يزايل ) فظهر بهذا أن هذه القصيدة ليست في مدح النعمان كما زعم من تكلم على هذه الأبيات بل هي بالرثاء أشبه لاسيما أوائل القصيدة فإنها تناسب ما قلنا . والله أعلم .
وترجمة لبيد تقدمت في البيت الذي قبل هذا البيت .
وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المائة ) وهو من شواهد سيبويه : فلسنا بالجبال ولا الحديدا على أن قوله : الحديدا معطوف على محل الجار والمجرور وهو قوله : بالجبال وهو خبر ليس وهو عجزٌ وصدره : معاوي إننا بشرٌ فأسجح و معاوي : منادى مرخم معاوية بن أبي سفيان . و أسجح بقطع الهمزة وتقديم الجيم على المهملة ومعناه ارفق وسهل . وخد أسجح أي : طويل سهل .
____________________


وقد رد المبرد على سيبويه روايته لهذا البيت بالنصب وتبعه جماعةٌ منهم العسكري صاحب التصحيف قال : ومما غلط فيه النحويون من الشعر ورووه موافقاً لما أرادوه ما روي عن سيبويه عندما احتج به في نسق الاسم المنصوب على المخفوض . وقد غلط على الشاعر لأن هذه القصيدة مشهورة وهي مخفوضةٌ كلها . وهذا البيت أولها . وبعده : ( فهبنا أمةً ذهبت ضياعاً ** يزيد أميرها وأبو يزيد ) ( أكلتم أرضنا فجردتموها ** فهل من قائمٍ أو من حصيد ) ( أتطمع في الخلود إذا هلكنا ** وليس لنا ولا لك من خلود ) ( ذروا خون الخلافة واستقيموا ** وتأمير الأراذل والعبيد ) ( وأعطونا السوية لا تزركم ** جنودٌ مردفاتٌ بالجنود ) وهذا الشعر لعقيبة بن هبيرة الأسدي شاعرٌ جاهليٌ إسلامي . وفد على معاوية ابن أبي سفيان فدفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات فدعاه معاوية فقال له : ما جرأك علي قال : نصحتك إذ غشوك وصدقتك إذ كذبوك فقال : ما أظنك إلا صادقاً فقضى حوائجه . )
ويروى أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري جاء إلى معاوية فقال له : يا أمير المؤمنين إن عقيبة أخا بني أسد هجاني فقال : وما قال لك قال : قال لي : فما أنا من حداث أمك بالضحى فقال له معاوية : ليس من حداثها قال : وقال لي : ولا من يزكيها بظهر مغيب فقال معاوية : لكن الله ورسوله والمهاجرين والأنصار يزكونها وكانت تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وقال لي :
____________________

وأنت امرؤٌ في الأشعرين مقابل فقال : صدق . قال : وقال لي : وفي البيت والبطحاء حق غريب فقال : صدق ليس لك في البيت ولا في البطحاء حق قال : يا أمير المؤمنين فندعه على هذا قال : ما قال لي أشد مما قال لك . . وقرأ له الأبيات فقال : يا أمير المؤمنين ما تصنع به قال : و عقيبة بالقاف يحتمل أن يكون مصغر عقبة كظلمة وهي بقية المرق ونحو ذلك ترد في القدر المستعارة أو مصغر العقبة بمعنى النوبة يقال : تمت عقبتك . وهما يتعاقبان أي : يتناوبان .
وقوله : فجردتموها أي : قشرتموها كما يجرد اللحم من العظم وقوله : فهل من قائم يعني : القرى التي أهلكت منها قائم قد بقيت حيطانه ومنها حصيد قد أمحى أثره و الخون بفتح الخاء وسكون الواو : مصدر كالخيانة . و التأمير : تفعيل من الإمارة . و السوية : المساواة : والنصفة .
ولم أر لعقيبة هذا ذكراً في كتب الصحابة ولم يذكره ابن حجر أيضاً في الإصابة من المخضرمين . والظاهر أنه من المخضرمين .
وأجاب الزمخشري تبعاً لما قاله ابن الأنباري في الإنصاف بأن هذا البيت روي مع أبيات منصوبة ومع أبيات مجرورة فمن رواه بالجر روى معه الأبيات المتقدمة ومن رواه بالنصب روى معه : ( أديروها بني حربٍ عليكم ** ولا ترموا بها الغرض البعيدا ) )
يقول : ضموا الخلافة والولاية إليكم ولا ترموا بها أقصى المرامي أي : لا
____________________

تطرحوا النظر في أمرنا وهذا الشعر لعبد الله بن الزبير الأسدي . قالوا : وليس ينكر أن يكون بيتٌ من شعرين معاً لأن الشعراء قد يستعير بعضهم من كلام بعض وربما أخذ البيت بعينه ولم يغيره كقول الفرزدق : ( ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ** وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا ) فإن هذا البيت لجميل بن عبد الله انتحله الفرزدق .
وأورد ابن خلف نظير هذا في شرح أبيات الكتاب ما يزيد على مائة بيت . ومثل ما نحن فيه قول الأخنس بن شهاب اليشكري : ( إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ** خطانا إلى أعدائنا فنضارب ) والقصيدة مرفوعة القوافي وأخذه قيس بن الخطيم وجعله في قصيدة مجرورة القوافي وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في الظروف .
وزعم السيرافي : أن شعر عقيبة الأسدي يجوز في إنشاد قوافيه الجر والنصب . قال اللخمي في شرح أبيات الجمل : وهذا وهم لأن فيها ما يجوز فيه الوجهان عند البصريين ومنها ما لا يجوز فيه عندهم إلا وجهٌ واحد ولا يجوز أن ينشد بعض القصيدة منصوباً وبعضها مرفوعاً على طريق الإقواء لأن الإقواء في الغالب إنما يكون بين المرفوع والمجرور لما بينهما من المناسبة فأما مايصح فيه الوجهان فالبيت الأول والثالث والخامس والنصب فيه عطف على خون الخلافة ويجوز أن يكون معطوفاً على تأمير الأراذل على حذف مضاف فأما البيتان الباقيان فلا يصح فيهما النصب
____________________

على مذهب البصريين ويجوز على مذهب الكوفيين لأنهم يجيزون ترك صرف ما ينصرف في الشعر ضرورة .
ولا يخفى أن الكوفيين إنما يجيزون ترك صرف المنصرف إذا كان علماً يكتفون بشرط العلة كما هو المشهور وقدمنا في أول باب ما لا ينصرف ما يغني عن إعادته هنا .
وقيل : إنه من شعر آخر لعبد الله بن الزبير وهو : ( رمى الحدثان نسوة آل حربٍ ** بمقدار سمدن له سمودا ) ( فرد شعورهن السود بيضاً ** ورد وجوههن البيض سودا ) ( فإنك لو سمعت بكاء هندٍ ** ورملة إذ تصكان الخدودا ) ( سمعت بكاء باكيةٍ حزينٍ ** أبان الدهر واحدها الفقيدا ) )
معاوي إننا بشرٌ فاسجح . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ولا يخفى أن هذا البيت أجنبي من هذه الأبيات ويدل عليه : أن أبا تمام أنشد هذه الأبيات لمن ذكرنا في باب المراثي من الحماسة بون البيت الأخير ولم يذكره أحد من شراحه . و الحدثان بالتحريك : الحادثة ونائبة الدهر . و المقدار : ما قدره الله تعالى . وفيه قلبٌ و ابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة بفتح الموحدة والجيم وينتهي نسبه إلى أسد بن خزيمة . والزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة .
____________________

وعبد الله شاعر كوفي المنشأ والمنزل . وهو من شعراء الدولة الأموية ومن شيعتهم والمتعصب لهم فلما غلب مصعب بن الزبير على الكوفة أتي به أسيراً فمن عليه ووصله وأحسن إليه فمدحه وأكثر من مدحه وانقطع إليه فلم يزل معه حتى قتل وعمي بعد ذلك وملت في خلافة عبد الملك بن مروان . وكان الحجاج أرسله في بعثٍ إلى الري فمات بها . وكان أحد الهجائين يخاف الناس شره وله حكايات مسطورة في الأغاني .
ومن شعره يمدح عمرو بن عثمان بن عفان وكان رآه عمرو في ثياب رثة فاقترض ثمانية آلاف درهم باثني عشر ألفاً وأرسلها إليه مع رزمة ثياب فقال : وهو من أبيات تلخيص المفتاح : ( سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ** أيادي لم تمنن وإن هي جلت ) ( فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه ** ولا مظهرٍ الشكوى إذا النعل زلت ) ( رأى خلتي من حيث يخفى مكانها ** فكانت قذى عينيه حتى تجلت ) ومدح أسماء بن خارجة الفزاري بقصيدة منها : ( تراه إذا ما جئته متهللاً ** كأنك تعطيه الذي أنت سائله ) فأثابه أسماء ثواباً لم يرضه فغضب وقال يهجوه :
____________________

( بنت لكم هندٌ بتلذيع بظرها ** دكاكين من جصٍّ عليها المجالس ) فو الله لولا رهز هندٍ ببظرها لعد أبوها في اللئام العوابس فبلغ ذلك أسماء فركب إليه واعتذر إليه من ضيق يده وأرضاه وجعل له على نفسه وظيفةً في كل سنة . فكان بعد ذلك يمدحه ويفضله . وكان أسماء يقول لبنيه : والله ما رأيت قط جصاً في بناء إلا ذكرت بظر أمكم هند فخجلت .
وأنشد بعده وهو البيت الخامس والعشرون بعد المائة : )
يسمعها لاهه الكبار على أنه قيل إنما جاز يا الله للزوم اللام للكلمة فلا يقال : لاهٌ إلا نادراً كما في هذا الشعر .
وإنما عبر بقيل لأن أبا علي الفارسي قال : أل عوضٌ من الهمزة إذ أصله إله ويدل على ذلك : استجازتهم لقطع الهمزة في القسم والنداء فلو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم . ولا يجوز أن يكون للزوم الحرف لأن ذلك يوجب أن تقطع همزة الذي والتي . ولا يجوز أيضاً أن يكون لأنها همزة مفتوحة وإن كانت موصولة كما لم يجز في ايم الله وايمن الله . ولا يجوز أيضاً أن يكون ذلك لكثرة الاستعمال لأن ذلك يوجب أن تقطع الهمزة أيضاً في غير هذا مما يكثر استعمالهم له . فعلمنا أن ذلك لمعنى اختصت به ليس في غيرها . ولا شيء أولى بذلك المعنى من أن يكون للعوض من الحرف المحذوف الذي هو الفاء
____________________

.
وكون لفظ الجلالة أصله لاه هو أحد قولي سيبويه فيه . واختاره المبرد قال : أصله لاه على فعل مثل ضرب ثم دخلت أل عليه تعظيماً لله عز وجل وإبانة له عن كل مخلوق فهو اسم وإن كان فيه معنى فعل . وأصل لاه : لوه أو ليه . قال : ولو كان كما ذكر سيبويه : أن أصله إلاه لكان قد حذف فاء الفعل وعينه لأنه يحذف همزة إله وهي فاء الفعل ثم تذهب العين إذا دخل الألف واللام ولم نر شيئاً يحذف فاؤه وعينه .
قال السخاوي في سفر السعادة : و ليس كما يقال فإن عينه باقية لم تحذف .
والعجب من السخاوي حيث نقل عن المبرد بأن قول ابن عباس : الله هو الله ذو الألوهية يأله الخلق وقرأ ابن عباس : ويذرك وإلهتك أي : وعبادتك لأنهم كانوا يعبدون فرعون . يؤيد القول بكون أصله لاه ولم يتعقبه بشيء مع أنه يؤيد من قال : إن أصله إله . فتأمل .
وقال ابن الشجري في أماليه : والذي ذهب إليه س : من أن أصل هذا الاسم إله قول يونس والأخفش والكسائي والفراء وقطرب . وقال بعد وفاته لهؤلاء : وجائزٌ أن يكون أصله لاه وأصل لاه ليه على وزن فعل ثم أدخل عليه أل . واستدل بقول بعض العرب : لهي أبوك يريدون وأنشد . . لاهه الكبار وقوله : لاه ابن عمك . . البيت . ا . هـ كلام سيبويه .
وأقول : لاه على هذا تام على وزن جبل ومن قال لهي أبوك فهو مقلوب من لاه قدمت لامه التي هي الهاء على عينه التي هي الياء فوزنه فلع وكان أصله بعد تقديم لامه على عينه للهي فحذفوا لام الجر ثم لام التعريف وضمنوه معنى لام التعريف فبنوه كما ضمنوا معناها أمس )
فوجب بناؤه . وحركوا الياء لسكون الهاء قبلها وكانت فتحة لخفتها ا . هـ كلام ابن الشجري .
أقول : البيتان اللذان أوردهما ليسا في كتاب س وليس في الشعر دليلٌ على أن الله أصله لاه لجواز أن يكون لاه مخفف إله حذفت الهمزة لضرورة الشعر بدليل
____________________

الجمع على آلهة دون ألوهة أو أليهة .
وقال خضر الموصلي : استشهد به على أن أصل الله لاه لأن الضرورة ترد الأشياء إلى أصولها . وفيه نظر لجواز أن يكون لاه لفظاً مستقلاً برأسه بمعنى إله .
قال أبو علي في نقض الهاذور : فإن قيل : قد قال الشاعر : لاهه الكبار لقد أخرج الألف واللام من الاسم وأضافه . قيل : إن الشاعر لما رأى الألف واللام فيه على حد ما يكون في الصفات التي تغلب ورأى أن هذه الصفات إذا غلبت صارت كالأعلام فلا تحتاج إلى حرف التعريف فيها كما لم يحتج إليها في الأعلام .
ونابغة الجعدي بالرمل بيته حيث غلب الوصف فصار يعرف به كما بعرف بالعلم فكذلك الاسم . ومع هذا فكأنه رد الاسم للضرورة إلى الأصل المرفوض الاستعمال . وهذا لا يجوز استعماله سائغاً مطرداً .
والأزهري أورد هذا الشعر على غير هذه الرواية قال في التهذيب : وقد كثر اللهم في الكلام حتى خففت ميمها في بعض اللغات وأنشدني بعضهم : ( كحلفةٍ من أبي رياح ** يسمعها اللهم الكبار ) وإنشاد العامة : يسمعها لاهه الكبار .
وأورده جماعة من النحويين منهم المرادي في شرح الألفية : يسمعها لاهم الكبار
____________________

على أن فيه شذوذين : أحدهما استعماله في غير النداء لأنه فاعل يسمعها والثاني تخفيف ميمه وأصلها التشديد .
وقال العسكري في كتاب التصحيف : روى الأصمعي : يسمعها الواحد الكبار ورواية غيره لاهه .
قال أبو علي في نقض الهاذور : وأما قول من قال لاهم الكبار فالقول فيه : أنه بنى من الاسم والصوت اسماً كما بنى التهليل من هلل وبأبأ من بأبى ثم صار اسماً كما صارت هذه )
الأشياء اسماً وأصله الصوت .
والكبار وصفه . قال ابن عقيل في شرح التسهيل : ومذهب سيبويه والخليل أن اللهم في النداء لا يوصف لكونه مع الميم كالصوت . وأما لاهم الكبار فقيل فيه : لما كان غير منادى وصف وقيل رفع على القطع . و أبو رياح رجل من بني ضبيعة . وهو حصن بن عمرو بن بدر . وكان قتل رجلاً من بني سعد بن ثعلبة فسألوه أن يحلف أو يعطي الدية فحلف ثم قتل بعد حلفته . فضربته العرب مثلاً لما لا يغني من الحلف قاله ابن دريد في شرح ديوان الأعشى . وهو بمثناة تحتية لا بموحدة كما زعم شراح الشواهد .
قال العسكري في كتاب التصحيف : زعم بعض المصحفين : أن الإنسان إذا صحف في مثل هذا لم يكن ملوماً . وليس كما قال وهل العيب واللوم إلا على تصحيف الأسماء وليس يعرف في أسماء العرب في الجاهلية رباح بباء تحتها نقطة واحدة إلا في أسماء عبيدها إلا في اسم رجلين : أحدهما رباح بن المغترف بغين معجمة وآخر . وأما قول الأعشى : كحلفة من أبي رياح فهو بياء تحتها نقطتان من بني تيم بن ضبيعة . و الكبار بضم الكاف وتخفيف الموحدة : صيغة مبالغة الكبير بمعنى العظيم وهو صفة لاهه . و الحلفة بالفتح : المرة من الحلف بمعنى القسم .
وقوله : من أبي رياح صفة لحلفة أي : كحلفةٍ صادرةٍ منه . وروى بدل يسمعها : يشهدها والضمير للحلفة والجملة صفة ثانية لحلفة . وقبله :
____________________

( أقسمتم حلفاً جهاراً : ** إن نحن ما عندنا عرار ) و حلفاً : جمع حالف . و إن : مخففة من الثقيلة . و عرار بكسر المهملة : اسم رجل .
والبيتان من قصيدة للأعشى ميمون ذكر فيها من أهلكه الدهر من الجبابرة . ومطلعها : ( ألم تروا إرماً وعاداً ** أفناهم الليل والنهار ) ( وقبلهم غالت المنايا ** طمساً فلم ينجها الحذار ) ( وحل بالحي من جديسٍ ** يومٌ من الشر مستطار ) ( وأهل جوٍّ أتت عليهم ** فأفسدت عيشهم فباروا ) ( فصبحتهم من الدواهي ** جائحةٌ عقبها الدمار ) ) ( ومر دهرٌ على وبارٍ ** فهلكت جهرةً وبار ) الرؤية علمية وجملة أفناهم هو المفعول الثاني لا أنها بصرية خلافاً للعيني . وروى : أودى بها الليل والنهار وهو بمعنى أفناهم . و إرم بكسر الهمزة قال البكري في معجم ما استعجم : هو أبو عوص بالصاد وفتح العين و عاد : ابن عوص و إرم : هو ابن سام بن نوح عليه السلام قال الهمداني : نزل جيرون بن سعد بن عادٍ دمشق وبنى مدينتها فسميت باسمه جيرون . . قال : وهي إرم ذات العماد يقال : إن بها أربعمائة ألف عمود من حجارة . .
قال : وإرم ذات العماد المعروفة بتيه أبين وبجانب هذا التيه منهل أهل عدن وبتيه أبين مسكن إرم بن سام بن نوح فلذلك يقال : إن إرم ذات العماد فيه .
واختلف أهل التأويل في معنى إرم فقال بعضهم : إرم : بلدة وقيل : إنها دمشق وقيل هي الإسكندرية وقال مجاهد رحمه الله : إرم : أمة وقال غيره :
____________________

من عاد . ومعنى ذات العماد على هذا ذات الطول . و طسم وجديس : قبيلتان من عاد كانوا في الدهر الأول فانقرضوا . . وبيان انقراضهم كما قال محمد بن حبيب في كتاب المغتالين : أن ملك طسم عمليق ابن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح تعدى في الظلم والتجبر .
وأتته يوماً امرأة من جديس اسمها هزيلة وكان زوجها طلقها وأراد أخذ ولدها منها فقالت : أيها الملك إني حملته تسعاً ووضعته دفعاً وأرضعته شفعاً حتى إذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه كرهاً وأن يتركني من بعده ورهاً فقال لزوجها : ما حجتك قال : أيها الملك إنها قد أعطيت المهر كاملاً ولم أصب منها طائلاً إلا وليداً خاملاً فافعل ما كنت فاعلاً .
فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعاً ويجعل في غلمانه وقال لهزيلة : أبغيه ولداً ولا تنكحي أحداً أو اجزيه صفدا . فقالت هزيلة : أما النكاح فإنما يكون بالمهر وأما السفاح فإنما يكون بالقهر ومالي فيهما من أمر فلما سمع عمليقٌ كلامها أمر أن تباع مع زوجها فيعطى زوجها خمس ثمنها وتعطى هزيلة عشر ثمن زوجها ويسترقا .
فأنشأت تقول : ( أتينا أخا طسمٍ ليحكم بيننا ** فأنفذ حكماً في هزيلة ظالما ) ( لعمري لقد حكمت لا متورعاً ** ولا كنت فيما يبرم الحكم عالما ) )
فلما سمع عمليق كلامها أمر أن لا تزوج بكر من جديس فتهدى إلى زوجها إلا يفترعها هو قبل زوجها فلقوا من ذلك جهداً وذلاً . فلم يزل على هذا أربعين
____________________

سنة حتى زوجت الشموس عميرة بنت غفار الجديسية أخت الأسود الذي وقع إلى جبلي طيئ وسكنوا الجبلين بعده فلما أرادوا أن يهدوها إلى زوجها . انطلقوا بها إلى عمليقٍ لينالها قبله ومعها الفتيات يغنين ويقلن . ( ابدي بعمليقٍ وقومي واركبي ** وبادري الصبح لأمرٍ معجب ) فلما أدخلت عليه افترعها وخلى سبيلها . فخرجت إلى قومها في دمائها شاقة درعها عن قبلها ودبرها وهي تقول : لا أحد أذل من جديس أهكذا يفعل بالعروس يرضى بهذا يا لقومي . حر أهدى وقد أعطى وسيق المهر ( لأخذه الموت كذا لنفسه ** خيرٌ من أن يفعل ذا بعرسه ) وقالت تحرض قومها : ( أيصلح ما يؤتى إلى فتياتكم ** وأنتم رجالٌ فيكم عدد النمل ) ( وتصبح تمشي في الدماء صبيحةٌ ** شميسةٌ زفت في النساء إلى البعل ) ( فإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه ** فكونوا نساءً لا تغب عن الكحل ) ( ودونكم طيب العروس فإنما ** خلقتم لأثواب العروس وللغسل ) ( فلو أننا كنا رجالاً وأنتم ** نساءٌ لكنا لا نقيم على الذل ) ( فبعداً وسحقاً للذي ليس دافعاً ** ويختال يمشي بيننا مشية الفحل ) ( فموتوا كراماً أو أميتوا عدوكم ** ودنوا لنار الحرب بالحطب الجزل ) فلما سمع قولها أخوها الأسود وكان سيداً مطواعاً قال لقومه : يا معشر جديس إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم إلا بما كان من ملك صاحبهم
____________________

علينا وعليهم وأنتم أذل من النيب فأطيعوني يكن لكم عز الدهر وذهاب ذل العمر . فقالوا : نطيعك ولكن القوم أكثر منا وأقوى . قال : فإني أصنع للملك طعاماً ثم أدعوهم إليه فإذا جاؤوا يرفلون في حللهم مشينا إليهم بالسيوف فقتلناهم وأنا أنفرد بعمليق وينفرد كل واحد منكم بجليسه فاتخذ الأسود طعاماً كثيراً وأمر القوم فاخترطوا سيوفهم ودفنوها في الرمل ودعا القوم فجاؤوا حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم إلى الطعام أخذوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشد الأسود على عمليق )
وكل رجل على جليسه . فلما فرغوا من قتل الأشراف شدوا على السفلة فأفنوهم ونجا بعض طسم فاستغاث بحسان بن تبع فغزا حسان جديساً فقتلها وأخرب ديارهم وتفانى الحيان فلم يبق منهم أحد . و جو بفتح الجيم وتشديد الواو وهي منازل طسم وجديس وكان هذا الاسم في الجاهلية حتى سماها الحميري لما قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها وقال الملك الحميري : ( وقلنا وسموها اليمامة باسمها ** وسرنا وقلنا لا نريد إقامة ) و العقب بضم العين وسكون القاف : العاقبة . و الدمار : الهلاك . وقوله : ومر دهر على وبار . . الخ هذا البيت من شواهد النحويين وأول من استشهد به سيبويه : على أن وبار وأورده شراح الألفية شاهداً على ورود وبار على اللغتين : إحداهما البناء على الكسر والثانية إعرابها إعراب ما لا ينصرف . وزعم أبو حيان : أنه يحتمل أن يكون وبار الثاني فعلاً ماضياً مسنداً إلى الواو . قال الأعلم : وبار : اسم أمة قديمة من العرب العاربة هلكت وانقطعت كهلاك عاد وثمود .
وقال البكري في معجم ما استعجم : قال أبو عمرو : وبار بالدهناء بلاد بها إبل حوشية وبها نخلٌ كثيرٌ لا يأبره أحدٌ ولا يجده وزعم أن رجلاً وقع
____________________

إلى تلك الأرض فإذا تلك الإبل ترد عيناً وتأكل من ذلك التمر فركب فحلاً منها ووجهه قبل أهله فاتبعته تلك الإبل الحوشية فذهب إلى أهله .
وقال الخليل : وبار كانت محلة عاد وهي بين اليمن ورمال يبرين فلما أهلك الله عاداً ورث محلتهم الجن فلا يتقاربها أحدٌ من الناس وهي الأرض التي ذكرها الله تعالى في قوله : واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعامٍ وبنين وجناتٍ وعيون .
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي : كان من شأن دعيميص الرمل العبدي الذي يضرب به المثل فيقال : أهدى من دعيميص الرمل إنه لم يكن أحدٌ دخل أرض وبار غيره فوقف بالموسم بعد انصرافه من وبار وجعل ينشد : فلم يجبه أحدٌ من أهل الموسم إلا رجل من مهرة فإنه أعطاه ما سأل وتحمل معه في جماعة من قومه بأهلهم وأموالهم فلما توسطوا الرمل طمست الجن بصر دعيميص واعترته الصرفة فهلك هو ومن معه جميعاً . )
وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين .
وأنشد بعده وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائة )
____________________

( معاذ الإله أن تكون كظبيةٍ ** ولا دميةٍ ولا عقيلة ربرب ) على أن أل في الله بدل من همزة إله فلا يجمع بينهما إلا قليلاً : كما في هذا البيت .
وهذا البيت من أبيات عشرة للبعيث بن حريث أوردها أبو تمام في الحماسة . وأولها : ( خيالٌ لأم السلسبيل ودونها ** مسيرة شهرٍ للبريد المذبب ) ( فقلت له أهلاً وسهلاً ومرحباً ** فرد بتأهيلٍ وسهلٍ ومرحب ) معاذ الإله أن تكون كظبيةٍ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( ولكنها زادت على الحسن كله ** كمالاً ومن طيبٍ على كل طيب ) خيال : مبتدأ خبره محذوف أي : خيالها أتاني وبيني وبينها مسيرة شهر للبريد المسرع والخيال يذكر ويؤنث ونكره لأنه رآه على هيئات مختلفة فاعتقد أنه عدة خيالات قصد إلى واحد منها . و أم السلسبيل : امرأة ولو كان في شعر مولد لجاز أن يعنى بالسلسبيل الريق على وجه التشبيه . و البريد : الدابة المركوبة معرب دم بريده أي : محذوفة الذنب فإن الرسل كانت تركب البغال المحذوفة الذنب ويطلق على الرسول أيضاً لركوبه إياها . و المذبب : اسم فاعل من ذبب في سيره أي : جد وأسرع بذال معجمة والباء الأولى مشددة . وروي : المدئب من دأب يدأب بالهمزة : إذا وجد التعب . وهاتان الروايتان للآمدي في المؤتلف والمختلف .
وروى شراح الحماسة : المذبذب قال التبريزي : هو الذي لا يستقر وقال الطبرسي : المذبذب والمذبب الأصل فيهما يرجع إلى الطرد والاستعجال والمسرع المستعجل يتذبذب أي : يضطرب .
وقوله : فقلت له وروي لها أي : للخيال فيهما . و أهلاً منصوب بفعل مضمر أي : أتيت أهلا لا غرباء . و التأهيل : مصدر أهلته : إذا قلت له
____________________

أهلاً . وقوله : معاذ الإله منصوب على المصدر أي : أعوذ بالله معاذاً . وكأنه أنف وتبرأ من أن تكون هذه المرأة في الحسن بحيث تشبه بالظبية أو الصورة المنقوشة أو بكريمة من بقر الوحش . و الدمية بالضم : الصورة من العاج ونحوه قال أبو العلاء : سميت دمية لأنها كانت أولاً تصور بالحمرة فكأنها أخذت من الدم . )
والعطف من قبيل : أبى الله أن أسمو بأم ولا أب لما اشتمل المتقدم على معنى النفي كأنه قال : لا أشبهها بظبية ولا دمية تعوذ بالله من تشبيه خليلته بأحد هذه الثلاثة كما يشبه الشعراء بها . وعقيلة كل شيء : أكرمه . و الربرب : القطيع من بقر الوحش .
وقوله : ولكنها زادت . . إلخ بين به لم أنكر تشبيهها بغيرها . و كمالاً : تمييز أي : يزيد حسنها على كل حسن كمالاً لأنه لا حسن إلا وفيه نقص سوى حسنها وكذلك كل طيب يتخلله حطيطة إلا طيبها . وقوله : من طيب قال التبريزي : أي : وزادت من طيبها على كل طيب طيباً . وقال الطبرسي : ولما كان كمالاً تمييزاً دخله معنى من فحسن أن يقول : ومن طيب .
ورأيت في بعض شروح الحماسة : أراد : زادت بحسنها كمالاً على كل حسن فحذف للعلم به لأنك لا تقول للحسن : هو أكمل من الحسن لاختلاف الجنس لأن الحسن عرض والحسن جسم . و البعيث قال الآمدي : هو البعيث من حريث بن جابر بن سري بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم . . شاعر محسن وهو قائل : خيالٌ لأم السلسبيل ودونها . . البيت .
وهي أبيات جياد مختارة ا . هـ . و البعيث بفتح الموحدة وكسر العين المهملة قال ابن جني : هو اسم مرتجل للعلمية ويمكن أن يكون صفة منقولة فيكون فعيل في معنى مفعول . وقال أبو رياش : ابن حريث هذا ليس بصاحب القبة بصفين . وحريث بالتصغير
____________________

وسري وعبيد كذلك . و الدول بضم الدال وسكون الواو . ولجيم قال أبو العلاء : يجوز أن يكون تصغير ترخيم لملجم أو لجام أو تصغير لجم بضم ففتح واللجم : دويبة يتشاءم بها وتوصف بالعطاس قال الراجز : ( أغدو فلا أحاذر الشكيسا ** ولا أخاف اللجم العطوسا ) وذكر الآمدي شاعرين آخرين يقال لهما البعيث أحدهما المجاشعي واسمه خداش وهذا شاعر مشهور دخل بين جرير وغسان السليطي وأعاد غسان فنشب الهجاء بينه وبين جرير والفرزدق وسقط البعيث .
والثاني : البعيث التغلبي بمثناة فمعجمة وهو بعيث بن رزام وكان يهاجي زرعة بن عبد الرحمن . وقال القطامي : ( إن رزاماً غرها قرزامها ** قلف على أزبابها كمامها ) ) الشاهد السابع والعشرون بعد المائة ) إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا
____________________

على أن اجتماع أل والهمزة في الأناس لا يكون إلا في الشعر والقياس الناس فإن أصله أناس فحذفت الهمزة وعوض عنها أل إلا أنها ليست لازمة إذ يقال في السعة ناس .
أقول : هذا يدل على أن أل في البيت ليست عوضاً من الهمزة إذ لو كانت عوضاً لم يجز أن يقال ناس : من غير همزة ولا أل إذ لا يجوز الخلو عن العوض والمعوض عنه . وما ذكره من كونه عوضاً من الهمزة هو مذهب سيبويه وتبعه الزمخشري والقاضي وغيرهما .
وذهب أبو علي الفارسي في الأغفال : وهو كتاب ذكر فيه ما أغفله شيخه أبو إسحاق الزجاج . أن أل ليست عوضاً من همزة أناس .
وقد عزا إليه السيد في حاشية الكشاف خلاف هذا فقال : وتوهم أبو علي في الأغفال أن اللام في الناس أيضاً عوض إذ لا يجتمعان في الأناس إلا ضرورة . ورد بكثرة استعمال ناس منكراً دون إله وبامتناع يا الناس دون يا الله . انتهى .
فقد انعكس النقل عليه من هذا الكتاب مع أنه قد رد عليه ابن خالويه فيما كتبه على الأغفال وتعقبه أبو علي فيما كتبه ثانياً وهو رد على ابن خالويه وسماه نقض الهاذور وبسط الكلام فيه كل البسط . وأنا أورده مختصراً لتقف على حقيقة الحال . وهذه عبارته : ثم ذكر هذراً ليس من حكمه أن نتشاغل به وإن كان جميع ما هذر به غير خارج من هذا الحكم . . ثم حكى قولنا وهو : فإن قال قائل : أو ليس قد حذفت الهمزة من الناس كما حذفت من هذا الاسم حذفاً فهل تقول : إنها عوض منها كما أن اللام عوض من الهمزة المحزوفة في اسم الله . . إلى آخر الفصل .
فقال المعترض : أما ادعاؤه أن أل ليست عوضاً من الهمزة في أناس كما كانت في هذا الاسم فليس على ما ذكر . . فلم يزد على الإنكار والادعاء لتركنا طريقة سيبويه وحمل كلامه المطلق على المقيد المخصوص وتظني المتعرض أن الهمزة سقطت منهما على حد واحد وأن أل في الناس عوض من حذف الهمزة كما كان ذلك في اسم الله تظن على عكس ما الأمر عليه : )
وذلك أن قول سيبويه : ومثل ذلك
____________________

أناس فإذا أدخلت الألف واللام عليه قلت الناس ليس يدل قوله : ومثل ذلك أناس أن التماثل بينهما يقع على جميع ما الاسمان عليه إنما يدل على أن المماثلة تقع على شيء واحد . ألا ترى أن مثلاً إذا أضيفت إلى معرفة جاز أن يوصف به النكرة لأن ما يتشابهان به كثير وإنما يتشابهان في شيء من أشياء . ومن ثم كان نكرة وكان هذا الأغلب .
ولو كان التشابه يقع بينهما في كل ما يمكن أن يتشابها به لكان مخصوصاً غير مبهم ومحصوراً غير شائع . وفي أن الأمر بخلاف هذا دلالة على أن الظاهر من كلام سيبويه ليس على ما قدره هذا المعترض يدل على ذلك ما ذهب إليه أهل العلم في قوله تعالى : فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم فقال قائلون : جزاء مثل ما قتل في القيمة وقال قائلون : جزاءٌ مثله في الصورة ولم يذهب أحد فيما علمناه إلى أن المعنى جزاءٌ مثل ما قتل في القيمة والصورة جميعاً .
فكذلك قول سيبويه : ومثل ذلك أناس إنما يريد مثله في حذف الفاء في ظاهر الأمر لو لم تدل دلالة على أن قولهم الناس ليس كاسم الله : في كون الألف واللام عوضاً من الهمزة المحذوفة .
فكيف وقد قامت الأدلة على أن قولهم الناس : قد فارق ما عليه هذا الاسم في باب العوض على ما سنذكره إن شاء الله وإذا كان الأمر في إضافة مثل ما قلنا تبين أن هذا المعترض لم يعرف قول سيبويه . وليس في لفظ سيبويه شيء يدل على أن الهمزة في أناس مثل الهمزة في الاسم الآخر : في أنه عوض منها شيء كما عوض هناك . ويبين ذلك : أنه حيث أراد أن يرى النظائر في العوض أفرد ذكر الاسم فقال : وهي في إله بمنزلة شيء غير منفصل من الكلمة كما كانت الميم في اللهم غير منفصلة وكما كانت التاء في الجحاجحة والألف في يمان وأختيها بدلاً من الياء . فأما الدلالة على أن حرف التعريف ليس بعوض فهي أن الألف واللام تدخل مع ( إن المنايا يطلع ** ن على الأناس الآمنينا ) وأن الأناس وأناس في المعنى واحد إلا فيما أحدث حرف التعريف من التعريف . وقد جاء في كلامهم ناسٌ وأناس . فمن يقول أناس يقول الأناس ومن
____________________

يقول ناس يقول الناس . وأنشد محمد بن يزيد : ( وناسٌ من سراة بني سليمٍ ** وناسٌ من بني سعد بن بكر ) ومما يغلب أن هذه الهمزة لا يلزم أن يكون منها عوض أن من يرد الأصول المحذوفة في التحقير ومن لا يرد اتفقوا عندنا جميعاً على أن حقروا أناساً : نويسا . فدل ترك رد الأصل في التحقير )
ممن يرد على أن هذا الحذف قد صار عندهم كالحذف اللازم في أكثر الأمر نحو : حاش لله ونحو لا أدر . وما كان من الحذف عندهم هكذا يبعد أن يعوض منه وقد كان أولى من التعويض رد ما هو منه إليه فلما لم يقولوا أنيس عند سيبويه في تحقير ناس ولا عند يونس وأبي عثمان كان أن لا يعوض منه أولى .
ومما يبين حسن الحذف منه وسهولته : أنه جمع والجموع قد تخفف بما لا يخفف الآحاد به ألا ترى أنهم قالوا : عصي ودلي فأجمعوا على القلب في هذا النحو وكذلك نحو بيضٍ فكما خففوا هذا النحو من الجمع كذلك قولهم أناس بالحذف منه . . ويدلك على أنه جمع : أنهم قالوا في الإضافة إلى أناس : إنساني كما قالوا في الإضافة إلى الجميع : جمعي . فعلمت أن أناساً في جمع إنسان كتؤام في جمع توأم وبراء في جمع بريء ورخال وظؤار وثناء ونحو ذلك . فكما أجروه مجرى الجمع في هذا كذلك أجروه مجراه في الحذف منه كما خففوا ما ذكرنا بالقلب فيه .
ومما يغلب أن قولنا الناس على الحذاء الذي ذكرنا من التخفيف بالحذف أن ما في التنزيل من هذا النحو عليه نحو : الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ونحو : أعوذ برب الناس .
ملك الناس فهذا إنما أدغم لام المعنى في النون على حد ما أدغم في : النشر والنشز والنعمان لا على حد تقدير الهمزة فيه وتخفيفها .
ألا ترى أنه لو كان على تقدير أناس لم يدغم لأن الحرفين ليسا مثلين كما كانا
____________________

مثلين في الاسم الآخر إنما هما متقاربان والأكثر في المتقاربين إذا تحرك الأول منهما فالأقيس أن لا يدغم الأول في الثاني كما يدغم المثلان .
وذلك : أن مباينة الحرفين في المخرج إذا انضم إليهما الحركة قويا على منع الإدغام فامتنع كما يمتنع لحجز الحرف بينهما وليس كذلك المثلان إذا حجزت بينهما الحركة لأن الحركة أقل وأيسر في الصوت من الحرف فلم يبلغ من قوتها أن تحجز بين المثلين ويمنع الإدغام كما يمنع منه في أكثر الأمر إذا انضم إلى الحركة الاختلاف في مخرجي الحرف .
وأما قول صاحب الهاذور : والدليل على صحة ذلك وأن هذا هو الذي ذهب إليه سيبويه وإن كان عنده عوضاً في هذا الموضع أيضاً : أنه تعاطى الفرق بينهما . . فتعاطيه الفرق بينهما لا يدل أن كان تعاطى على اتفاقهما عنده وليس لنسخه كلام سيبويه في جملة الهذر فائدة ولا معنى لاحتجاج من احتج بشيء لا يعرفه ولا يفهمه وإنما وكده في غالب رأينا بتسويد الورق )
وإفساده .
وأما تفسير المعترض لقولنا إنهما لو كانتا ههنا عوضاً كما هما في هذا الاسم لفعل بهما ما فعل بالهمزة في اسم الله . فإن عني به أنهما كانتا تلزمان ثم كانت الألف تنقطع في النداء فليس على ما قدر ولكن المراد به : أن الألف واللام في الاسمين لو كانا على حد واحد لكان الناس إذا سقط منه حرف التعريف لا يدل على ما كان يدل عليه والحرف لاحقٌ به كما أنه في اسم الله إذا خرج منه لا يدل على ما يدل عليه وهو فيه .
وأما قوله : حاكياً لكلامنا : فأما استدلاله على أنهما في الناس غير عوض بقول الشاعر : على الأناس الآمنينا وأنه لو كان عوضاً لم يكن ليجتمع مع المعوض منه فهذا يلزمه بعينه فيما ذهب إليه في اسم الله . وذلك أنه يقال له : ألست تقول الإله فتدخل الألف واللام على إله ولا تحذف الهمزة مع دخولها . . إلى آخر الهذر .
أقول : ليس الأمر كما تظناه هذا العامي المريض لما ذكر سعيد عن قتادة في قوله تعالى : هل تعلم له سميا : لا سمي لله ولا عدل له كل خلقه مقر له
____________________

ومعترف له أنه خالقه .
ثم يقرأ : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فالاسم الذي لا سمي للقديم سبحانه وتعالى فيه لا يخلوا من أن يكون الله أو الرحمن فلا يجوز أن يكون الرحمن لأنه وإن كان اسماً من أسماء الله فقد تسمي به وقد قالوا لمسيلمة : رحمان وقالوا أيضاً فيه : رحمان اليمامة وذكر بعض الرواة : أنهم لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرحمن قالت قريش : أتدرون ما الرحمن هو كاهن اليمامة فهذا يدل على أنهم كانوا لا يحظرون التسمية به . فإذا كان قد سمي به ثبت أن الاسم الذي لا سمي له فيه هو الله وهذا الاسم إنما يكون بهذا الوصف إذا لزمه الألف واللام فأما إذا أخرجا منه وألحق الهمزة فقيل : إله والإله فليس على حد قولهم : الله في الاستعمال ولا في المعنى ألا ترى أنه إذا قال إله صار مشتركاً غير مخصوص وجاز فيه الجمع وأما في المعنى : فإنه يعمل على الفعل كقوله تعالى : وهو الذي في السماء إله الظرف يتعلق بما في إله من معنى الفعل وإذا دخلته الألف واللام لم يعمل هذا الحد لخروجه عن حد المصادر .
فإن قلت : وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم فإن الظرف لا يتعلق بالاسم على حد ما تعلق بإله إلا على حد ما أذكره لك : وهو أن الاسم لما عرف منه معنى التدبير للأشياء والحفظ لها وتصورها في نحو : إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا صار إذا )
ذكر كأنه قد ذكر المدبر والحافظ المثبت فيجوز أن يتعلق الظرف بهذا المعنى الذي دل عليه الاسم بعد أن صار مخصوصاً وفي أحكام الأسماء الأعلام التي لا معنى فعلٍ فيها فبهذا يتعلق الظرف .
وعلى هذا تقول : هو حاتمٌ جواداً وزهيرٌ شاعراً فتعلق الحال بما دخل في هذه الأسماء من معنى الفعل لاشتهارها بهذه المعاني ولولا ذلك لم يجز . فإذا كان كذلك علمت أن هذا الاسم إذا أخرجت منه الألف واللام فقلت إله لم يكن على
____________________

حد قولنا الله وليس كذلك الناس والأناس لأن المعنى في كلا الحالين فيه واحد ألا ترى أنه اسم العين لا مناسبة بينه وبين الفعل وهذا الذي عناه سيبويه عندنا بقوله : وذلك أنه من قبل أنه اسم يلزمه الألف واللام لا يفارقانه فصار كأن الألف واللام فيه بمنزلة اللف واللام اللتين من نفس الحرف .
وليس في الناس والأناس كذلك ألا ترى أنك إذا أخرجتهما من الاسم دل على أن الأعيان التي يدل عليها حسبما يدل عليه وهما فيه وليس في اسم الله كذلك فإذا كان الأمر فيه على ما ذكرنا وضح الفصل بين الاسمين إذا أخرج منهما الألف واللام . مما وصفنا لم يكن إخراج الألف واللام من اسم الله سبحانه كإخراجه من الناس حذو القذة بالقذة . انتهى كلام أبي علي . وقد واعلم أنهم اختلفوا في ناس فقال الجمهور : أصله أناس فقيل : جمع إنسان وقيل اسم جمع له .
وقال الكسائي : هو اسم تام وعينه واو من ناس ينوس إذا تحرك . وعلى هذا فإطلاقه على الجن واضح قال في القاموس : والناس يكون من الإنس والجن إلا أن قوله أصله أناس مع جعله من مادة نوس غير صحيح وصرح به جماعة من أهل اللغة فإن العرب تقول : ناسٌ من الجن وفي الحديث : جاء قومٌ فوقفوا . فقيل من أنتم قالوا : ناس من الجن ولذا جوز بعضهم في قوله تعالى : من الجنة والناس أن يكون بياناً للناس . وقيل أصله نسيٌ من النسيان فقدمت اللام على العين وقلبت ألفاً فصار ناساً .
وهذا البيت من أبيات لذي جدن الحميري الملك كما في كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني قال : عاش ثلثمائة سنة وقال في ذلك : ( لكل جنبٍ اجتنى مضطجع ** والموت لا ينفع منه الجزع ) ( اليوم تجزون بأعمالكم ** كل امرئٍ يحصد مما زرع )
____________________

( لو كان شيءٌ مفلتاً حتفه ** أفلت منه في الجبال الصدع ) )
وقال أيضاً : ( يا اجتني مهلاً ذرينا ** أفي سفاءٍ تعذلينا ) ( يومٌ يغير ذا النعي ** م وتارةً يشفي الحزينا ) ( إن المنايا يطلع ** ن على الأناس الآمنينا ) ( فيدعنهم شتى وقد ** كانوا جميعاً ففرينا ) فقوله : اجتنى اسم امرأة منقول من الفعل الماضي من اجتنى الثمرة وهو منادى بحرف النداء المحذوف . و مفلتا : اسم فاعل من أفلته : إذا أطلقه . و الصدع بفتح الصاد والدال : الوعل . و السفاء بكسر السين المهملة : مصدر سافاه مسافاة وسفاء : إذا سافهه . و استعتب : طلب الإعتاب و الإعتاب : مصدر أعتبه : إذا أزال عتابه وشكواه فالهمزة للسلب . وعتب عليه من باب ضرب وقتل : إذا لامه في تسخط . و العتاب : مصدر عاتبه .
وقوله : تعتبينا هو جواب القسم بتقدير لا النافية كقوله تعالى : تا لله تفتؤ تذكر يوسف وهذا بالبناء للمجهول .
وقوله : يومٌ أي : للدهر يومٌ يغير صاحب النعيم نعيمه . و يشفى بالفاء . و المنايا : جمع منية وهو الموت . و يطلعن : يشرفن ويقربن . و الآمنين : جمع آمن . بمعنى مطمئن يقال : أمن البلد : إذا اطمأن .
وقوله : فيدعنهم روي بدله : فيذرنهم . وشتى : متفرقين وهو جمع شتيت . ووافرين : جمع وزعم بعضهم فيما كتبه على تفسير البيضاوي : أن بيت الشاهد من قصيدة
____________________

لعبيد بن الأبرص قال : وأولها كما في الحماسة البصرية : ( نحن الألى فاجمع جمو ** عك ثم وجههم إلينا ) وفيه نظر من وجهيين : الأول أن هذا البيت لم يذكره صاحب الحماسة في تلك القصيدة والثاني : أن أول القصيدة إنما هو : يا ذا المخوفنا بقتل أبيه إذلالاً وحينا والبيت الذي أورده من أواخرها كما تقدم . و ذو جدن بفتح الجيم والدال : اسم مرتجل وهو من أذواء اليمن . والأذواء بعضهم ملوك وبعضهم أقيال والقيل دون الملك قال في الصحاح : والقيل : ملك من ملوك حمير دون الملك )
الأعظم والمرأة قيلة . وأصله قيل بالتشديد كأنه الذي له قول أي : ينفذ قوله والجمع أقوال وأقيال أيضاً ومن جمعه على أقيال لم يجعل الواحد منه مشدداً . والمقول بالكسر : القيل أيضاً بلغة أهل اليمن والجمع المقاول .
ومن الأذواء الأوائل أبرهة ذو المنار والمنار مفعل من النور وابنه عمرو ذو الأذعار بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة زعموا أنه حمل معه إلى اليمن نسناساً فذعر الناس منه .
وصحفه ابن الشجري في أماليه بالدال المهملة فقال : والأدعار جمع دعر أي : بفتح فكسر وهو العود الكثير الدخان . وأنكر عليه
____________________

في بغداد فأصر عليه . . وبعد ذي الأذعار بدهر ذو معاهر واسمه حسان . ومعاهر من العهر وهو الفجور . وبعده ذو رعين الأكبر واسمه يريم ورعين : اسم حصن كان له وهو في الأصل تصغير رعن وهو أنف الجبل . ويريم : من قولك رام من مكانه أي : برح وانفصل منه . و ذو رعين الأصغر واسمه عبد كلال بضم الكاف وتخفيف اللامين . وبعده بدهر ذو شناتر واسمه ينوف من ناف الشيء ينوف : إذا طال وارتفع . والشناتر بفتح الشين المعجمة والنون : الأصابع في لغة اليمن .
ومنهم ذو القرنين واسمه الصعب . وذو غيمان وهو من الغيم الذي هو العطش وحرارة الجوف بالغين المعجمة . و ذو أصبح بفتح الهمزة وإليه نسبت السياط الأصبحية . و ذو سحر بفتح المهملتين و ذو شعبان . . و ذو فائش واسمه سلامة : وفائش : من الفياش وهو المفاخرة و ذو حمام والحمام بضم المهملة : حمى الإبل . و ذو ترخم بضم المثناة والخاء المعجمة وفتحها وسكون الراء : من قولهم : ما أدري أي ترخم هو : أي : أي الناس . وترخم قبيلة باليمن أيضاً . و ذو يحصب من قولهم حصبة يحصبه : إذا رماه بالحصباء وهي الحصى الصغار . و ذو عسيم بفتح العين وكسر السين المهملتين من العسم بفتحتين وهو يبس في المرفق أو من العسم بالسكون وهو الطمع . و ذو قثاث بضم القاف وتخفيف المثلثتين من قولهم قث يقث : إذا جمع . و ذو حوال بالضم واسمه عامر . وحوال من المحاولة وهي الطلب . و ذو مهدم وهو مفعل بالكسر من هدمت البيت . وذو الجناح واسمه شمر . . و ذو أنس والأنس بفتحتين : الجماعة من الناس . )
____________________


وسمي بذلك لضفرتين كانتا تنوسان على عاتقه وكان غلاماً حسناً من أبناء الملوك أراده على نفسه ذو الشناتر فوجأه بخنجر كان قد أعده له فقتله ورضيته حمير لنفسها لما أراحها من ذي الشناتر .
وذو نواس هو صاحب الأخدود الذي ذكره الله عز وجل وكان يهودياً فخد الأخدود لقومٍ من أهل نجران تنصروا على يد رجل من قبل آل جفنة دعاهم إلى اليهودية فأبوا فحرقهم ثم ظهرت الحبشة على اليمن فحاربوا ذا نواس أشد حرب فلما أيقن بالهلاك اعترض البحر بفرسه فكان آخر العهد به .
ومنهم ذو الكلاع الأكبر و ذو الكلاع الأصغر وأدرك الأصغر الإسلام كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم مع جرير بن عبد الله البجلي فأسلم وأعتق يوم أسلم أربعة آلاف عبد وهاجر بقومه في أيام أبي بكر رضي الله عنه إلى المدينة ثم سكنوا حمص .
واشتقاق الكلاع بضم الكاف وفتحها من الكلع بالتحريك وهو شقاقٌ ووسخ يكون في القدم يقال : منه كلعت رجله .
ومنهم ذو عثكلان بفتح العين وسكون المثلثة وهو اسم مرتجل . و ذو ثعلبان بالضم وهو ذكر الثعالب . و ذو زهران و ذو مكارب أي : ذو مفاصل شداد جمع مكرب كمكرم . و ذو مناخ بالضم وكان نزل ببعلبك .
____________________

و ذو ظليم واسمه حوشب وهو العظيم البطن . والظليم : ذكر النعام . وشهد ذو ظليم صفين مع معاوية رضي الله عنه .
ومنهم ذو يزن ملك اليمن بعد ذي نواس فهزمته الحبش واقتحم البحر فهلك . ويزن : اسم مرتجل وهو غير منصرف لأن أصله يزأن على وزن يسأل فخففوا همزته فصار وزنه يفل ومنهم من رد عينه في النسب فقال رمح يزأني : وقيل إن أصله من وزن يزن فحذفت الواو ثم )
أبدلت الكسرة فتحة .
واسم ذي يزن : عامر بن أسلم بن زيد بن غوث الحميري والله أعلم .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المائة ) وهو من أبيات سيبويه : ( من أجلك يا التي تيمت قلبي ** وأنت بخيلةٌ بالوصل عني ) على أنه شاذ : لأن في لام التي اللزوم فقط وليس فيها العوضية أيضاً .
قال بعض شراح المفصل : ولو قلت : تقديره : من أجلك يا حبيبتي التي تيمت قلبي لم يبق إشكال لأن التي لم تكن منادى على هذا التقدير . انتهى .
وروي فديتك يا التي الخ . ومعنى تيمت : ذللت واستعبدت ومنه تيم اللات أي : عبد و من اجلك يقرأ بنقل فتحة ألف أجلك إلى نون من .
وقوله : من اجلك علةٌ معلولها محذوف أي : من أجلك قاسيت ما قاسيت أو خبر مبتدأ محذوف أي : من أجلك مقاساتي . وكان القياس أن يقول تيمت بتاء
____________________

التأنيث على الغيبة لكن جاء على نحو قوله : أنا الذي سمتن أمي حيدرة والقياس سمته . وجملة أنت بخيلة حال عاملها تيمت .
وهذا من الأبيات الخمسين التي لم يعرف لها قائل ولا ضميمة .
وأنشد بعده وهوالشاهد التاسع والعشرون بعد المائة ) ( فيا الغلامان اللذان فرا ** إياكما أن تكسبانا شرا ) على أنه أشذ مما قبله : إذ ليس في أل التي في الغلامين لزوم ولا عوض .
وخرجه ابن الأنباري في الإنصاف على حذف المنادى وإقامة صفته مقامه قال : التقدير فيه وفي الذي قبله فيا أيها الغلامان ويا حبيبتي التي وهذا قليل بابه الشعر . و إياكما : تحذير . و أن تكسبانا : أي : من أن تكسبانا وماضيه كسب يتعدى إلى مفعولين يقال : كسبت زيداً مالاً وعلماً أي : أنلته .
قال ثعلب : كلهم يقول : كسبك فلانٌ خيراً إلا ابن الأعرابي فإنه يقول : أكسبك بالألف كذا في المصباح .
وهذا البيت شائعٌ في كتب النحو ولم يعرف له قائل ولا ضميمة .
____________________


وأنشد بعده وهو الشاهد الثلاثون بعد المائة : ( إني إذا ما حدثٌ ألما ** أقول : يا اللهم يا اللهما ) على أن اجتماع يا والميم المشددة شاذ .
والحدث محركة : ما يحدث من أمور الدهر . وروى أبو زيد في نوادره : إني إذا ما لممٌ ألما هو بفتحتين مقارفة الذنب وقيل هو الصغائر . وألم الشيء : قرب . وأقول : خبر إن وإذا : ظرف له .
وهذا البيت أيضاً من الأبيات المتداولة في كتب العربية ولا يعرف قائله ولا بقيته . وزعم العيني أنه لأبي خراش الهذلي . قال : وقبله : وهذا خطأ فإن هذا البيت الذي زعم أنه قبله بيتٌ مفرد لا قرين له وليس هو لأبي خراش وإنما هو لأمية بن أبي الصلت قاله عند موته وقد أخذه أبو
____________________

خراش وضمه إلى بيت آخر وكان يقولهما وهو يسعى بين الصفا والمروة وهما : ( لاهم هذا خامسٌ إن تما ** أتمه الله وقد أتما ) إن تغفر اللهم تغفر جما . . . . . . . . . . . . . الخ وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم وصار من جملة الأحاديث أورده السيوطي في جامعه )
الصغير ورواه عن الترمذي في تفسيره وعن الحاكم في الإيمان والتوبة عن ابن عباس رضي الله عنهما .
قال المناوي في شرحه الكبير : يجوز إنشاد الشعر للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما المحرم إنشاؤه .
ومعناه إن تغفر ذنوب عبادك فقد غفرت ذنوباً كثيرة فإن جميع عبادك خطاؤون . وقوله : لا ألما أي : لم يلم بمعصية .
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المائة ) ( وما عليك أن تقولي كلما ** سبحت أو صليت : يا اللهم ما ) أردد علينا شيخنا مسلما على أن ما تزاد قليلاً بعد يا اللهم .
هذا الرجز أيضاً مما لا يعرف قائله . وزاد بعد هذا الكوفيون : ( من حيثما وكيفما وأينما ** فإننا من خيره لن نعدما ) فقوله : وما عليك . . الخ ما استفهامية والمعنى على الأمر . و التسبيح : تنزيه الله وتعظيمه وتقديسه . و صليت بمعنى دعوت أو الصلاة الشرعية . وروى بدله : هللت أي : قلت لا إله إلا الله كما أن سبحت : قلت سبحان الله . و الشيخ هنا : الأب أو الزوج . و مسلماً : اسم مفعول من السلامة . وقوله : من حيثما أي : من حيثما يوجد . . الخ .
____________________


وقوله : فإننا من خيره الخير هنا : الرزق والنفع . و لن نعدما بالبناء للمفعول .
أمر بنيته أو زوجته بالدعاء له إذا سافر وغاب في أوقات الدعوات وفي مظان القبول : كما فعلت بنت الأعشى ميمون : ( تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا ) ( عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ** نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا ) تقول ابنتي حين جد الرحيل أرانا سواءً ومن قد يتم ( أبانا فلا رمت من عندنا ** فإنا بخيرٍ إذا لم ترم ) ( ويا أبتا لا تزل عندنا ** فإنا نخاف بأن نحترم ) ( أرانا إذا أضمرتك البلا ** د نجفى ويقطع منا الرحم ) )
فقوله : قربت بالبناء للمفعول و المرتحل الجمل الذي وضع عليه الرحل وهذا كناية عن الرحيل . و الأوصاب : جمع وصب وهو المرض . و صليت : دعوت . و يتم ييتم من باب تعب وقرب : إذا صار يتيماً . ورام يريم بمعنى برح يبرح . و لا تزل من زال يزول والأفعال الثلاثة بعده بالبناء للمفعول .
____________________


وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة ) وهو من شواهد سيبويه : ( يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ** لا يلقينكم في سوءةٍ عمر ) على أن تيماً الأول يجوز فيه الضم والنصب وفي الثاني النصب لا غير وبينه الشارح قال اللخمي في شرح أبيات الجمل : وأضاف تيماً إلى عدي للتخصيص . واحترز به عن تيم مرة في قريش وهم بنو الأدرم وعن تيم غالب بن فهر في قريش أيضاً وعن تيم قيس بن ثعلبة وعن تيم شيبان وعن تيم ضبة . وعدي المذكور هو أخو تيم فإنهما ابنا عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر .
ومعنى لا أبا لكم الغلظة في الخطاب وأصله أن ينسب المخاطب إلى غير أب معلوم شتماً له واحتقاراً ثم كثر في الاستعمال حتى جعلت في كل خطاب يغلظ فيه على المخاطب . وحكى أبو الحسن بن الأخضر : أن العرب كانت تستحسن لا أبا لك وتستقبح لا أم لك لأن الأم مشفقة حنينة والأب جائر مالك . وتقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد الثاني عشر بعد المائة .
وقوله : لا يلقينكم بالقاف من الإلقاء وهو الرمي قال ابن سيده : من رواه بالفاء فقد صحف وحرف . وروي : لا يوقعنكم والنهي واقع في اللفظ على عمر وهو في المعنى واقع عليهم . و السوءة بالفتح : الفعلة القبيحة أي : لا يوقعنكم عمر في بلية ومكروه لأجل تعرضه لي أي : امنعوه من هجائي حتى
____________________

تأمنوا أن ألقيكم في بلية فإنكم قادرون على كفه فإذا تركتم نهيه فكأنكم رضيتم بهجوه إياي .
وهذا البيت من قصيدة لجرير يهجو بها عمر بن لجأ التيمي ولجأ بفتح اللام والجيم وآخره همزة ( تعرضت تيم لي عمداً لأهجوها ** كما تعرض لاست الخارئ الحجر ) ( أنت ابن برزة منسوبٌ إلى لجإٍ ** عند العصارة والعيدان تعتصر ) )
خل الطريق لمن يبني المنار به وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر ( أحين صرت سماماً يا بني لجأٍ ** وخاطرت بي عن أحسابها مضر ) وهي قصيدة طويلة أفحش فيها . فلما توعدهم فيها أتوه به موثقا وحكموه فيه فأعرض عن هجوهم .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : لما بلغ ذلك تيماً أتوا عمر وقالوا : عرضتنا لجرير وسألوه الكف فأبى وقال : أكف بعد ذكره أمي و برزة هي أم عمر بن لجأ . يقال : فلان عصارة فلان أي : ولده . وهو سب . وقوله : خل الطريق . . الخ هذا من أبيات سيبويه أورده على أن فيه إظهار الفعل قبل الطريق والتصريح به ولو أضمره لكان حسناً على ما بينه .
يقول : خل طريق المعالي والشرف والمفاخرة واتركه لمن يفعل أفعالاً مشهورة كأنها الأعلام التي تنصب على الطريق وتبنى من حجارة ليهتدى بها وعيره بأنه يقول : ابرز بها عن الناس وصر إلى موضع يمكنك أن تكون فيه لما قضي عليك . وقيل : معناه : دع سبيل الرشاد لطالبيه وأبرز
____________________

و السمام بالكسر : جمع سم وهو الشيء القاتل . وخاطره على كذا أي : راهنه من الخطر وهو السبق بتحريكهما وهو الشيء الذي يتراهن عليه . وروي بدله : وحاضرت بالحاء المهملة والضاد المعجمة يقال : حاضرته عند السلطان وهو كالمغالبة والمكابرة .
وأجابه عمر بن لجأ بقصيدة منها : ( لقد كذبت وشر القول أكذبه ** ما خاطرت بك عن أحسابها مضر ) ( بل أنت نزوة خوار على أمةٍ ** لن يسبق الحلبات اللؤم والخور ) ( ما قلت من هذه إني سأنقضها ** يا ابن الأتان بمثلي تنقض المرو ) و النزوة : مصدر نزا الذكر على الأنثى وهذا يقال : في الحافر والظلف والسباع . و الخوار : من الخور وهو ضعف القلب والعقل . و الحلبات بالحاء المهملة .
وكان سبب التهاجي بين جرير وعمر بن لجأ هو ما حكاه المبرد في كتاب الاعتنان عن أبي عبيدة : أن الحجاج بن يوسف الثقفي سأل جريراً عن سبب التهاجي بينه وبين شعراء عصره فبين له جرير سبب كل واحد . إلى أن قال الحجاج : ثم من قال : ثم التيمي عمر بن لجأ . قال : وما لك وله قال : حسدني فعاب علي بيتاً كنت قلته فحرفه : ) ( لقومي أحمى للحقيقة منكم ** وأضرب للجبار والنقع ساطع ) فقال لي : إنما قلت :
____________________

وأوثق عند المردفات عشية فصيرت نساءك قد أردفن عدوة ولحقتهن عشية وقد فضحن ولم أقله كما حكى . قال الحجاج : فما قلت له قال : قلت : له أحذره وأحذر قومه : يا تيم تيم عدي لا أبا لكم . . . البيت قال : فنقض علي بأشد مما قلت له فقال : لقد كذبت وشر القول أكذبه . . . البيت قال أبو عبيدة : وأما كردين المسمعي فأخبرني قال : كان بدء الشر بين ابن لجأ وجرير : أن لقمان الخزاعي قدم على صدقات الرباب فحضرته وجوه الرباب وفيهم عمر بن لجأ فأنشده : ( تأوبني ذكرٌ لزولة كالخبل ** وما حيث تلقى بالكثيب ولا السهل ) ( تريدين أن أرضى وأنت بخيلةٌ ** ومن ذا الذي يرضي الأخلاء بالبخل ) حتى فرغ منها . فقال له لقمان : ما زلنا نسمع بالشام أن هذه لجرير فقال عمر بن لجأ : إني لأكذب شيخ في الأرض إن ادعيت شعر جرير . ثم أنشدته على رؤوس الناس وجماعات الرباب فأبلغ لقمان جريراً مقالة عمر قال : فزعم عمر أنك سرقتها منه فقال جرير : وأنا أحتاج إلى أن أسرق شعر عمر وهو القائل في إبله ووصفها حتى جعلها كالجبال ثم جعل فحلها كالظرب وهو الجبل الصغير في الغلظ من الأرض فقال : كالظرب الأسود من ورائها ثم قال : جر العروس الثني من ردائها والله ما شعره من نمط واحد وإنه لمختلف العيون فأبلغ لقمان عمر قول جرير وما عاب من قوله فقال عمر : أيعيب جرير قولي :
____________________

جر العروس الثني من ردائها وإنما أردت لينه ولم أرد أثره وقد قال هو أقبح من هذا حين يقول : و أوثق عند المردفات عشية )
فلحقهن بعد ما نكحن وفضحن فقال جرير : حرف قولي إنما قلت : عند المرهفات عشية .
فوقع الشر بينهما . انتهى .
وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده وهو وهو من شواهد س : ( يا زيد زيد اليعملات الذبل ** تطاول الليل عليك فانزل ) لما ذكر في البيت قبله . وهو ظاهر . و اليعملات . بفتح الياء والميم : الإبل القوية على العمل . و الذبل : جمع ذابل أي : ضامرة من طول السفر . وأضاف زيداً إليها لحسن قيامه عليها ومعرفته بحدائها . وقوله : تطاول الليل عليك . . الخ روي : هديت بدل عليك وهو المناسب . أي : انزل عن راحلتك واحد الإبل فإن الليل قد طال وحدث للإبل الكلال فنشطها بالحداء وأزل عنها الإعياء .
وهذا البيت لعبد الله بن رواحة الصحابي رضي الله عنه لا لبعض ولد جرير خلافاً لشراح أبيات سيبويه . وهو بيتان لا ثالث لهما قالهما في غزوة مؤتة وهي
____________________

بأدنى البلقاء من أرض الشام وكانت في جمادى الأولى من سنة ثمان من الهجرة .
قال ابن عبد البر في الاستيعاب : ذكر ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : كان زيد بن أرقم يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة فخرج به معه إلى مؤتة يحمله على حقيبة رحله فسمعه زيد بن أرقم من الليل وهو يتمثل أبياته التي يقول فيها : ( إذا أديتني وحملت رحلي ** مسيرة أربعٍ بعد الحساء ) ( وجاء المؤمنون وغادروني ** بأرض الشام منتهى الثواء ) فبكى زيد بن أرقم فخفقه عبد الله بن رواحة بالدرة وقال : ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل . . ولزيد بن أرقم يقول عبد الله بن رواحة : يا زيد زيد اليعملات الذبل تطاول الليل هديت فانزل وقيل : بل قال ذلك في غزرة مؤتة لزيد بن حارثة انتهى .
وهذا الثاني بعيد فإنه يستبعد أن يقال لأمير الجيش : انزل عن راحلتك واحد الإبل فإن زيد بن حارثة كان أمير الجيش في غزوة مؤتة كما سيأتي . )
____________________


وقوله : و خلاك ذم أي : تجاوزك الذم دعاء لها . وقوله : ولا أرجع مجزوم بالدعاء ومعناه اللهم لا أرجع انتهى . و عبد الله بن رواحة أنصاري خزرجي . وهو أحد النقباء . شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والحديبية وعمرة القضاء والمشاهد كلها إلا الفتح ومات بعده لأنه قتل يوم مؤتة شهيداً . وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة وأحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يردون الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه وفي صاحبيه حسان وكعب بن مالك نزلت : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا الآية .
وسبب غزوة مؤتة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم وقيل إلى ملك بصرى فعرض له شرحبيل ابن عمرو الغساني فأوثقه رباطاً وضرب عنقه صبراً ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسولٌ غيره فاشتد ذلك عليه حين بلغه الخبر فبعث بعثه صلى الله عليه وسلم إلى مؤتة واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : إن أصيب زيدٌ فجعفر ابن أبي طالب فإن أصيب فعبد الله بن رواحة . فتجهز ثلاثة آلاف رجل ثم مضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل والعرب في مشارف من قرى البلقاء وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة وكان الروم مائة ألف . وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلي مائة ألف أخرى ثم التقوا فاقتتلوا . فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل شهيداً فأخذها جعفر ثم قتل ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقتل فأخذ الراية خالد بن الوليد ودافع الناس ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
____________________


وأما زيد بن أرقم فهو أنصاري خزرجي من بني الحارث بن الخزرج . وزيد ابن أرقم هو الذي رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن أبي ابن سلول قوله : لئن رجعنا )
إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأكذبه عبد الله بن أبي وحلف فأنزل الله تصديق زيد بن أرقم فبشره أبو بكر بتصديق الله إياه . وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بأذن زيد وقال : وفت أذنك يا غلام . وشهد مع علي وقعة صفين وهو معدود في خاصة أصحابه .
ونزل الكوفة وسكنها وابتنى بها داراً وبها كانت وفاته في سنة ثمان وستين .
وأما زيد بن حارثة فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة وهو ابن ثمان سنين . ثم إن ناساً من كلب حجوا فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه فقال لهم : أبلغوا أهلي هذه الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فقال : ( أحن إلى قومي وإن كنت نائياً ** فإني قعيد البيت عند المشاعر ) ( فإني بحمد الله في خير أسرةٍ ** كرامٍ معد كابراً بعد كابر ) فانطلق الكلبيون فأعلموا أباه فقال : ابني ورب الكعبة ووصفوا له موضعه وعند من هو .
فخرج حارثة وكعب أخوه لفدائه وقدما مكة فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقالا : يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطلقون الأسير جئناك في ابننا عبدك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه . قال : من هو قالا : زيد بن
____________________

حارثة . فقال صلى الله عليه وسلم : ادعوه فأخيره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحداً . قالا : قد زدتنا على النصف وأحسنت .
فدعاه فقال : هل تعرف هؤلاء قال : نعم هذا أبي وهذا عمي قال : فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما . قال زيد : ما أنا بالذي أختار عليك أحداً أنت مني مكان الأب والعم فقالا : ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية قال : نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال : يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه . فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما فانصرفا . ودعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فنزلت : ادعوهم لآبائهم فدعي يومئذٍ زيد بن حارثة وكان )
يقال : له زيد بن حارثة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد بدراً وزوجه مولاته أم أيمن فولدت له أسامة .
وقتل زيد بمؤتة سنة ثمان من الهجرة وهو كان الأمير على تلك الغزوة . روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : أحب الناس إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه يعني زيد بن حارثة .
أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه صلى الله عليه وسلم بالعتق .
ولخصت التراجم من الاستيعاب والغزوة من سيرة ابن سيد الناس .
واعلم أني رأيت في نوادر ابن الأعرابي أرجوزة عدتها اثنان وعشرون بيتاً مطلعها : يا زيد زيد اليعملات الذبل قال : أنشدني بكير بن عبيد الربعي . ولا أعلم من هو : أهو سابق على عبد الله بن رواحة أم لاحق له . والظاهر أنه بعده فإن الرجز في الجاهلية كان لا يتجاوز الأبيات الثلاثة والربعة وإنما قصده وأطاله الأغلب العجلي كما تقدم بيانه
____________________

في ترجمته . والله أعلم .
وأنشد بعده وهو ( فلا والله لا يلفى لما بي ** ولا للما بهم أبداً دواء ) على أن اللام الثانية في قوله : للما مؤكدة للام الأولى .
ويأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق به في باب التوكيد وفي الباء والكاف أيضاً من حروف الجر .
وهذا البيت من قصيدة لمسلم بن معبد الوالبي . قال أبو محمد الأسود الأعرابي في ضالة الأديب : كان السبب في هذه القصيدة : أن مسلماً كان غائباً فكتبت إبله للمصدق أي : لعامل الصدقة وهي الزكاة وكان رقيع وهو عمارة بن عبيد الوالبي عريفاً فظن مسلم أن رقيعاً أغراه وكان مسلم ابن أخت رقيع وابن عمه فقال :
____________________

( بكت إبلي وحق لها البكاء ** وفرقها المظالم والعداء ) ( إذا ذكرت عرافة آل بشرٍ ** وعيشاً ما لأوله انثناء ) ( ودهراً قد مضى ورجال صدقٍ ** سعوا قد كان بعدهم الشقاء ) ( إذا ذكر العريف لها اقشعرت ** ومس جلودها منه انزواء ) ( فظلت وهي ضامرةٌ تفادى ** من الجرات جاهدها البلاء ) ( وكدن بذي الربا يدعون باسمي ** ولا أرضٌ لدي ولا سماء ) ) ( تؤمل رجعةً مني وفيها ** كتابٌ مثل ما لزق الغراء ) ( فليس على ملامتناك لومٌ ** وليس على الذي نلقى بقاء ) ( ألما أن رأيت الناس آبت ** كلابهم علي لها عواء ) ( ثنيت ركاب رحلك مع عدوي ** لمختتلٍ وقد برح الخفاء ) ( ولاخيت الرجال بذات بيني ** وبينك حين أمكنك اللخاء ) ( وأي أخٍ لسلمك بعد حربي ** إذا قوم العدو دعوا فجاؤوا ) ( فقام الشر منك وقمت منه ** على رجلٍ وشال بك الجزاء ) ( هنالك لا يقوم مقام مثلي ** من القوم الظنون ولا النساء ) ( وقد عيرتني وجفوت عني ** فما أنا ويب غيرك والجفاء ) ( وقد يغني الحبيب ولا تراخي ** مودته المغانم والحباء ) ( ويوصل ذو القرابة وهو ناءٍ ** ويبقى الدين ما بقي الحياء ) ( جزى الله الصحابة عنك شراً ** وكل صحابة لهم جزاء ) ( بفعلهم فإن خيراً فخيراً ** وإن شراً : كما مثل الحذاء ) ( وإياهم جزى عني وأدى ** إلى كل بما بلغ الأداء ) ( وقد أنصفتهم والنصف يرضى ** به الإسلام والرحم البواء ) ( وكنت لهم كداء البطن يؤذي ** وراء صحيحه مرضٌ عياء )
____________________

( جوين من العداوة قد وراهم ** نشيش الغيظ والمرض الضناء ) ( إذا مولى رهبت الله فيه ** وأرحاماً لها قبلي رعاء ) ( رأى ما قد فعلت به موالٍ ** فقد غمرت صدورهم وداؤوا ) ( فكيف بهم فإن أحسنت قالوا ** أسأت وإن غفرت لهم أساؤوا ) ( فلا وأبيك لا يلفى لما بي ** ولا للما بهم ابداً شفاء ) وبقي من القصيدة اثنا عشر بيتاً وصف إبله فيها .
قوله : المظالم والعداء هو جمع مظلمة بكسر اللام وهو ما أخذه الظالم وكذلك الظلامة والظليمة . و العداء بالفتح : الظلم وتجاوز الحد وهو مصدر عدا عليه .
وقوله : إذا ذكرت ظرف لقوله بكت إبلي وفاعل ذكرت ضمير الإبل . و انثناء : انكفاف )
يقال ثناه : إذا كفه . وقوله : ورجال صدق سعوا بالنصب معطوف على عرافة و سعوا أي : تعاطوا أخذ الزكاة والساعي : من ولي شيئاً على قوم وأكثر ما يقال ذلك في ولاة الصدقة . و الانزواء : التقبض . وتفادى من كذا : إذا تحاماه وانزوى عنه . وقوله : عذرت الناس غيرك خطاب لرقيع ابن عمه وخلوت بها بالخطاب أي : سخرت بها يقال خلوت به : إذا سخرت وقوله : ملامتناك أي : لو متنا إياك . وقوله : ألما الهمزة استفهام توبيخي ولما بمعنى حين متعلقة بقوله ثنيت . و آبت : رجعت . و برح : زال . و لاخيت بالخاء المعجمة : مالأت وساعدت . و الظنون بالفتح : الرجل السيئ الظن وهو فاعل يقوم . وويب بمعنى ويل .
وقوله : يغنى الحبيب أي : يصير غنياً ولا تراخي المغانم والعطاء مودته . و الصحابة الأصحاب . و الحذاء بالكسر : النعل واحتذى : انتعل أراد : كما صنع مثل الحذاء مطابقاً له . وأنصفت الرجل إنصافاً : عاملته بالعدل والاسم النصفة بالتحريك و النصف بفتح فسكون . والبواء بفتح الموحدة والمد : السواء .
____________________


وقوله : لددتهم النصيحة اللدود بالفتح : ما يصب من الأدوية في أحد شقي الفم ولددته لداً : صببت في فيه صباً . و مجه : رماه . و ثنوا : عطفوا ومالوا . وقاله : وقاؤوا بالقاف من القيء وصحفه العيني تصحيفاً فاحشاً فقال : قوله : وفاؤوا خبر مبتدأ محذوف أي : وهم فاؤوا والجملة حالية ا . هـ وهذا مما لا يقضى منه العجب .
وقوله : وكنت لهم كداء البطن . . الخ داء البطن : الإسهال ويوذي من الأذية والواو مسهلة من همزة والجملة حال من الداء وراء بمعنى خلف وبعد وضمير صحيحه لداء البطن والمرض العياء بالفتح هو المرض الذي تعيا عنه الأطباء والجملة الاسمية حال أيضاً من البطن .
يريد أن ما أضمروه من بغضي قاتلهم لا محالة لأني كنت عندهم بمنزلة داء البطن المؤذي نشأ من أهونه ما عجز عنه الأطباء كالزحير والسل . وقوله : جوين من العداوة الخ هذا بيان لما قبله و جوين منصوب بفعل محذوف أي : أراهم جوين وهو جمع جوٍ : صفة مشبهة من الجوى كعمٍ من العمى جمع على طريقة جمع المذكر السالم والجوى : الحرقة وشدة الوجد من عشق أو حزن ووراهم من ورى القيح جوفه وريا : إذا أكله و نشيش : فاعل وراهم والنشيش : صوت الماء ونحوه إذا غلي على النار . والضناء بالفتح والمد : اسم مصدر ضني ضنىً من باب تعب : مرض مرضاً ملازماً حتى أشرف على الموت . كذا في المصباح . )
وقوله : إذا مولى رهبت الله فيه المولى هنا ابن العم ورهبت الله فيه أي : خفت الله في جانبه . وقوله : قبلي بفتح القاف وسكون الموحدة . و الرعاء : جمع راع من الرعاية وهي تفقد الشيء وتحفظه .
وقوله : رأى ما قد فعلت به . . الخ ما : موصولة أو نكرة موصوفة مفعول أول لرأي والمفعول الثاني محذوف أي : سوأ ونحوه و موال : فاعل رأى وهو جمع مولى و غمرت : من الغمربالكسر وهو الحقد والغل يقال : غمر صدره علي بالكسر يغمر بالفتح غمراً بسكون الميم وفتحها مع فتح الأول
____________________

فيهما . و داؤوا أي : مرضوا وهو فعل ماض من الداء يقال : داء وقوله : فلا وأبيك . . الخ جملة لا يلفى جواب القسم أي : لا يوجد شفاءٌ لما بي من الكدر ولا للما بهم : من داء الحسد والللام الثانية مؤكدة للأولى . وروى صاحب منتهى الطلب من أشعار العرب . ( فلا والله لا يلفى لما بي ** وما بهم من البلوى . . الخ ) وعليه فلا شاهد فيه . و مسلم شاعر إسلامي في الدولة الأموية . وهو ابن معبد بن طواف بتشديد الواو ابن وحوح بحاءينمهملتين ابن عويمر مصغر عامر الوالبي نسبة إلى والبة بن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة .
وأنشد بعده وهوالشاهد الخامس والثلاثون بعد المائة ) وهو من أبيات س : وصالياتٍ ككما يؤثفين على أنه يمكن أن تكون الكاف الثانية مؤكدة للأولى قياساً على اللامين في
____________________

البيت الذي قبله وهو من قصيدة لخطام المجاشعي . وهي من بحر السريع وربما حسب من لا يحسن العروض أنه من الرجز كما توهمه بعضهم لأن الرجز لا يكون فيه معولات فيرد إلى فعولات . ومثله : قد عرضت أروى بقولٍ إفناد وهو مستفعلن مستفعلن فعولات . وأولها : ( حي ديار الحي بين الشهبين ** وطلحة الدوم وقد تعفين ) ( لم يبق من آي بها يحلين ** غير حطامٍ ورمادٍ كنفين ) ( وغير نؤيٍ وحجاجي نؤيين ** وغير ود جاذلٍ أو ودين ) وصاليات ككما يؤثفين ومنها : ( ومهمهين قذفين مرتين ** ظهراهما مثل ظهور الترسين ) ( جبتهما بالنعت لا بالنعتين ** على مطار القلب سامي العينين )
____________________

فقوله : حي فعل أمر من التحية . و الحي : القبيلة . و السهبان : موضع وكذا طلحة الدوم ولم يذكرهما البكري في معجم ما استعجم . والنون في تعفين : ضمير ديار الحي وتعفى بمعنى عفا اللازم يقال : عفا المنزل يعفو عفواً وعفواً وعفاء بالفتح والمد : درس . ويتعدى أيضاً فإنه يقال : غفته الريح . و الآي : جمع آية بمعنى العلامة . وضمير تحلين لديار الحي و التحلية : الوصف يقال : حليت الرجل تحلية : إذا وصفته .
يقول : لم يبق من علامات حلولهم في ديارهم تحليها وتصفها غير ما ذكر . ومن زائدة . و آي : فاعل لم يبق . و غير منصوب على الاستثناء . وجملة يحلين صفة لآي . وبها متعلق به . و الحطام بضم المهملة : ما تكسر من الحطب والمراد به : دق الشجر الذي قطعوه فظللوا به الخيام . و رماد مضاف إلى كنفين أي : رماد من جانبي الموضع ولو روي بالتنوين لم يكن خطأ . )
وروي أيضاً : وماثلات أي : منتصبات . و الأثافي : جمع أثفية وهي الأحجار الثلاثة التي ينصب عليها القدر . و ما في قوله : ككما قال : الفارسي في التذكرة القصرية : يجوز أن تكون مصدرية كأنه قال : مثل الإثفاء
____________________

ويجوز أن تكون موصولة بمنزلة الذي كقوله : فإن الذي حانت بفلج دماؤهم ا . هـ والكاف الأولى جارة والثانية مؤكدة لها كما قال الشارح . وهذا مأخوذ من الكشاف قال في تفسير قوله تعالى : ليس كمثله شيءٌ : لك أن تزعم أن كلمة التشبيه كررت للتأكيد كما كررها من قال : وصاليات ككما يؤثفين وإذا كان من باب التوكيد جاز أن يكون الكافان اسمين أو حرفين فلا يكون دليل على اسمية الثانية فقط .
وقال ابن السيد في شرح أدب الكاتب : أجرى الكاف الجارة مجرى مثل فأدخل عليها كافاً ثانية فكأنه قال : كمثل ما يؤثفين . وما مع الفعل بتقدير المصدر كأنه قال : كمثل إثفائها أي : إنها على حالها حين أثفيت .
والكافان لا يتعلقان بشيء فإن الأولى زائدة والثانية قد أجريت مجرى الأسماء لدخول الجار عليها ولو سقطت الأولى وجب أن تكون الثانية متعلقة بمحذوف صفة لمصدر مقدر محمول )
على معنى الصاليات لأنها نابت مناب مثفيات فكأنه قال : ومثفيات إثفاءً مثل إثفائها حين نصبت للقدر . ولا بد من هذا التقدير ليصح اللفظ والمعنى .
وأما قوله : يؤثفين فقد اختلف النحويون في وزنه : فقال قوم : وزنه يؤفعلن
____________________

والهمزة زائدة والثاء فيه ثاء الفعل فكان يجب أن يقول يثفين لكنه جاء على الأصل ضرورة كما قال الأخر : فإنه أهلٌ لأن يؤكرما وعلى هذا فأثفية أفعولة . فأصلها أثفوية قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسرت الفاء لتبقى الياء على حالها واستدلوا على زيادة الهمزة بقول العرب : ثفيت القدر إذا جعلتها على الأثافي . . وقال قوم : وزنه يفعلين فالهمزة أصل ووزن أثفية على هذا فعلية واستدلوا بقول النابغة : ( لا تقذفني بركنٍ لا كفاء له ** وإن تأثفك الأعداء بالرفد ) فقوله : تأثفك وزنه تفعلك لا يصح فيه غيره ولو كان من ثفيت القدر لقال تثفاك . ومعناه صار أعدائي حولك كالأثافي تظافراً .
قال ابن جني في شرح تصريف المازني : ويفعلين أولى من يؤفعلن لنه لا ضرورة فيه .
وقوله : ومهمهين قذفين . . . الخ هذا البيت من شواهد النحاة أنشده
____________________

الزجاج في باب ما جاء من المثنى بلفظ الجمع . وسيأتي إن شاء الله تعالى في الشاهد الثالث والسبعين بعد الخمسمائة في باب المثنى . والمهمة : القفر المخوف قال ابن السيد في شرح شواهد الجمل : واشتقاقه من قولك مهمهت بالرجل : إذا زجرته فقلت له : مه مه . أراد : أن سالكه يخفي صوته وحركته من خوفه فإن رفع صاحبه صوته قال له : مه مه . ونظير هذا ما ذكره اللغويون في قول أبي ذؤيب : على أطرقا باليات الخيام فإنهم ذكروا : أن أطرقا موضع وأنه سمي بذلك لأن ثلاثة أنفس مروا به فتكلم أحدهم مع صاحبه فقال لهما الثالث . أطرقا . و القذف بفتح القاف والذال المعجمة : البعيد من الأرض . و المرت بفتح الميم وسكون المهملة : الأرض التي لا ماء بها ولا نبات . و الظهر : ما ارتفع من الأرض شبهه بظهر ترس : في ارتفاعه وتعريه من النبت كما قال الأعشى : وقوله : جبتهما بالنعت . . الخ أي : نعتا لي مرة واحدة فلم أحتج إلى أن ينعتا لي مرةً ثانية )
وصف نفسه بالحذق والمهارة . وهذا يشبه ما أنشده الفارسي في التذكرة : ( ومهمهٍ أعور إحدى العينين ** بصير الأخرى وأصم الأذنين ) قطعته بالسمت لا بالسمتين
____________________

قوله : أعور الخ قال أبو علي : كانت في هذا الموضع بئران فعورت إحداهما وبقيت الأخرى فلذلك قال : أعور إحدى العينين . وقوله : وأصم الأذنين يعني : أنه ليس به جبلٌ فيسمع صوت الصدى منه . وقوله : بالسمت . . الخ أي : قيل لي مرة واحدة فاكتفيت . وواو ومهمهين واو رب وجوابها جبتهما . خطام المجاشعي بكسر الخاء المعجمة ومعناه الزمام . قال الآمدي في المؤتلف والمختلف : هو خطام الريح المجاشعي الراجز وهو خطام بن نصر بن عياض بن يربوع من بني الأبيض بن مجاشع بن دارم . وهو القائل : وماثلاتٍ ككما يؤثفين ا . هـ وذكر الصاغاني في العباب : أن اسمه بشر بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة .
وقال الآمدي : ومنهم من يقال له : خطام الكلب واسمه بجير بضم الموحدة وفتح الجيم ابن ( والله ما أشبهني عصام ** لا خلقٌ منه ولا قوام ) نمت وعرق الخال لا ينام وأنشد بعده وهوالشاهد السادس والثلاثون بعد المائة ) وهو من أبيات سيبويه :
____________________

بين ذراعي وجبهة الأسد هذا عجزٌ وصدره : يا من رأى عارضاً أسر به على أن المضاف إليه محذوف بقرينة المضاف إليه الثاني أي بين ذراعي الأسد وجبهته .
تقدم الكلام على مثل هذا في الشاهد الثالث والعشرين ومن : منادى وقيل : محذوف المنادى أي : يا قوم ومن استفهامية . والرؤية بصرية . و العارض : السحاب الذي يعترض الأفق .
وجملة أسر به صفةٌ لعارض . و الذراعان والجبهة : من منازل القمر الثمانية والعشرين فالذراعان أربعة كواكب كل كوكبين منهما ذراع .
قال أبو إسحاق الزجاج في كتاب الأنواء . ذراع الأسد المقبوضة وهما كوكبان نيران بينهما كواكب صغار يقال لها : الأظفار كأنها في مواضع مخالب الأسد فلذلك قيل لها الأظفار .
وإنما قيل لها الذراع الأخرى وهي مقبوضة عنها ونوءها يكون لليلتين تمضيان من كانون الثاني يسقط الذراع في المغرب غدوة وتطلع البلدة والنسر الطائر في المشرق غدوة . وفيه يجمد الماء ويشتد البرد .
والجبهة : أربعة كواكب فيها عوج أحدهما براق وهو اليماني منها وإنما سميت الجبهة لأنها كجبهة الأسد . ونوءها يكون لعشر تمضي من شباط تسقط الجبهة في المغرب غدوة ويطلع سعد السعود من المشرق غدوة . وفيه تقع الجمرة الثالثة ويتحرك أول العشب ويصوت الطير ويورق الشجر ويكون مطرٌ جود . ويسمى نوء الأسد لأنه يتصل بها كواكب في جبهة الأسد . . وخص هاتين المنزلتين لأن السحاب الذي ينشأ بنوء من منازل الأسد يكون مطره غزيراً فلذلك يسر به .
____________________

والنوء : غيبوبة الكوكب في المغرب غدوة وطلوع رقيبه في المشرق غدوة وسمي النوء لأنه ناء أي : نهض للغيوب .
قال الزجاج : والذي أختار مذهب الخليل : وهو أن النوء اسم المطر الذي يكون مع سقوط النجم فاسم مطر الكوكب الساقط النوء ا . هـ .
وكانت العرب تزعم أنه يحدث عند نوء كل منزل مطرٌ أو ريح أو حر أو برد وهذا الذي )
روي في الحديث . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث من أمر الجاهلية : الطعن في النساب والنياحة والاستسقاء بالأنواء وهو أن تضيف المطر إلى الكوكب الذي ينوء .
قال الأعلم : وصف عارض سحابٍ اعترض بين نوء الذراع ونوء الجبهة وهما من أنواء الأسد وأنواؤه أحمد الأنواء . وذكر الذراعين والنوء إنما هو للذراع المقبوضة منهما لاشتراكهما في أعضاء السد . ونظير هذا قوله تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان يريد من البحرين الملح والعذب وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا منهما .
وهذا البيت للفرزدق . وتقدمت ترجمته في الشاهد الثلاثين .
وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المائة ) وهو من شواهد س :
____________________

كليني لهم يا أميمة ناصب هذا صدر وعجزه قد أنشده في باب النعت .
على أن أميمة جاء بفتح التاء والقياس ضمها .
واختلفوا في التوجيه . فقال الجمهور . إنه مرخم والأصل يا أميم ثم أدخلت الهاء غير معتد بها وفتحت لأنها وقعت موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث .
لأبي علي الفارسي فيه قولان : أحدهما أن الهاء زائدة وفتحت إتباعاً لحركة الميم . والثاني أنها أدخلت بين الميم وفتحتها . فالفتحة التي في أولها هي فتحة الميم ثم فتحت الميم إتباعاً لحركة الهاء . . وقيل : جاء هذا على أصل المنادى ولم ينون لأنه غير منصرف . وقيل : هو مبني على الفتح لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح لأنها حركة تشابه حركة إعرابه فهو نظير : لا رجل في الدار .
وقوله : كليني أمرٌ من وكلت الأمر إليه وكلاً من باب وعد ووكولاً : إذا فوضته إليه واكتفيت به . و أميمة تصغير ترخيم أمامة وهي بنته . وناصب بمعنى منصب : من النصب وهو التعب فجاء به على طرح الزائد وحمله سيبويه على النسب أي : ذي نصب كما يقال : طريق خائف أي : ذو خوف . و أقاسيه : أكابده . يقول : دعيني لهذا الهم المتعب ومقاساة الليل البطيء الكواكب بالسهر ولا تزيديني لوماً وعذلاً وجعل بطء الكواكب دليلاً على طول الليل )
كأنها لا تغرب فينقضي الليل . وما أحسن قول بعضهم : ( ليلي كما شاءت فإن لم تجئ ** طال وإن جاءت فليلي قصير )
____________________

وهذا البيت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني مدح بها عمرو بن الحارث الأعرج ابن الحارث الأكبر بن أبي شمر بفتح وكسر ويقال : شمر بكسر فسكون حين هرب إلى الشام لما بلغه سعي بن ربيعة بن قزيع به إلى النعمان بن المنذر وخافه . وهذا عن أبي عبيد . وقال غيره : هو ابن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر . وبعده : ( تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ ** وليس الذي يرعى النجوم بآيب ) ( وصدرٍ أراح الليل عازب همه ** تضاعف فيه الحزن من كل جانب ) ( علي لعمرٍ و نعمةٌ بعد نعمةٍ ** لوالده ليست بذات عقارب ) ومنها : ( ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلولٌ من قراع الكتائب ) وسيأتي شرحه إن شاء الله تعالى في المستثنى .
قوله : وصدر معطوف على قوله : لهم في أول البيت . و أراح بمهملتين : متعدي راحت الإبل بالعشي على أهلها أي : رجعت من المرعى إليهم . و العازب بالعين المهملة والزاي المعجمة : الغائب من عزب الشيء عزوباً من باب قعد : بعد وعزب من بابي قتل وضرب : وقوله : ليست . . الخ الجملة صفة إما لنعمةٌ المرفوعة أو لنعمةٍ المجرورة أي : نعمة غير مشوبة بنقمة كنعمة النعمان بن المنذر . وعمرو هذا هو الغساني من ملوك الشام .
قال ابن رشيق في العمدة : أول من ولي الشام من غسان الحارث بن عمرو
____________________

محرق . سمي بذلك لأنه أول من حرق العرب في ديارها وهو الحارث الأكبر يكنى أبا شمر . . ثم ابنه الحارث بن أبي شمر وهو الحارث الأعرج وأمه مارية ذات القرطين وهي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية الكندي وأختها هند الهنود امرأة حجر كل المرار الكندي . وإلى الحارث الأعرج زحف المنذر الأكبر فانهزم جيشه وقتل هو . . ثم الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث . . وهو ولد الحارث الأعرج ثم عمرو بن الحارث وكان يقال له أبو شمر الأصغر . وله يقول نابغة بني ذبيان : ( علي لعمرٍ نعمةٌ بعد نعمةٍ ** لوالده ليست بذات عقارب ) )
ومن ولد الأعرج أيضاً : المنذر والأيهم أبو جبلة . وجبلة آخر ملوك غسان وكان طوله اثني وكان أصل هؤلاء من اليمن وكانوا من غسان وقيل من قضاعة . وأول ملوكهم النعمان بن عمرو بن مالك . ثم من بعده ابنه مالك . ثم من بعد مالك ابنه عمرو . . إلى خروج مزيقيا وهو عمرو بن عامر من اليمن في قومه من الأزد وسمي مزيقيا لأنه كان يمزق كل يوم حلة لا يعود إلى لبسها ثم يهبها .
وسمي عامرٌ ماء السماء لأنه كان يجيء في المحل فينوب عن الغيث بالرفد والعطاء . ومزيقيا : ابن حارثة الغطريف بن ثعلبة البهلول بن امرئ القيس البطريق بن
____________________

مازن قاتل الجوع ابن الأزد لما خرج مزيقيا من اليمن كان معه رجل اسمه جذع بن سنان فنزلوا بلاد عك فقتل جذعٌ ملك بلاد عك وافترقت الأزد والملك فيهم حينئذ ثعلبة بن عمرو بت عامر فانصرف عامله فحارب جرهم فأجلاهم عن مكة واستولوا عليها زماناً ثم أحدثوا الأحداث . وجاء قصي بن كلاب فجمع معداً وبذلك سمي مجمعاً واستعان ملك الروم فأعانه وحارب الأزد فغلبهم واستولى على مكة . فلما رأت الأزد ضيق العيش بمكة ارتحلت وانخزعت خزاعة لولاية البيت وبذلك سميت فصار بعض الأزد إلى السواد فملكوا عليهم مالك بن فهم أبا جذيمة الأبرش وصار قوم إلى يثرب فهم الأوس والخزرج وصار قوم إلى عمان وصار قوم إلى الشام وفيهم جذع بن سنان وأتاه عامل الملك في خرج وجب عليه فدفع إليه سيفه رهناً فقال له الرومي : أدخله في حر أمك فغضب جذع وقنعه به فقتله فقيل : خذ من جذعٍ ما أعطاك وصارت مثلاً . ثم استولوا على الشام كما تقدم ذكره . والله أعلم .
تتمة روى المرزباني في الموشح عن الصولي بسنده : أن الوليد بن عبد الملك تشاجر مع أخيه مسلة في شعر امرئ القيس والنابغة الذبياني في وصف طول الليل أيهما أجود فرضيا بالشعبي فأحضر فأنشده الوليد : كليني لهم يا أميمة ناصب . . الأبيات الثلاثة . )
وأنشد مسلمة قول امرئ القيس : ( وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله ** علي بأنواع الهموم ليبتلي ) السدول : الستور . و يبتلي : ينظر ما عندي من صبر أو جزع .
____________________

( فقلت له لما تمطى بصلبه ** وأردف اعجازاً وناء بكلكل ) تمطى : امتد . و صلبه : وسطه . و أردف : أتبع . و أعجازه : مآخيره . و ناء : نهض . و الكلكل : الصدر . ( ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ** بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل ) ( فيالك من ليلٍ كأن نجومه ** بكل مغار الفتل شدت بيذبل ) المغار : الحبل المحكم الفتل . و يذبل : جبل . ( كأن الثريا علقت في مصامها ** بأمراس كتانٍ إلى صم جندل ) في مصامها : في مقامها . و الأمراس : الحبال . و الجندل : الحجارة . و الصم : الصلاب .
قال : فضرب الوليد برجله طرباً فقال الشعبي : بانت القضية قال الصولي : فأما قول النابغة : وصدرٍ أراح الليل عازب همه فإنه جعل صدره مألفاً للهموم وجعلها كالنعم العازبة بالنهار عنه الرائحة مع الليل إليه كما تريح الرعاة السائمة بالليل إلى مكانها .
وهو أول من وصف أن الهموم متزايدة بالليل وتبعه الناس فقال المجنون : ( يضم إلي الليل أطفال حبها ** كما ضم أزرار القميص البنائق )
____________________

وهذا من المقلوب : أراد : كما ضم أزرار القميص البنائق ومثل هذا كثير فجعل المجنون ما يأتيه في ليله مما عزب عنه في نهاره كالأطفال الناشئة . وقال ابن الدمينة يتبع النابغة : ( أظل نهاري فيكم متعللاً ** ويجمعني والهم بالليل جامع ) أقضي نهاري بالحديث وبالمنى فالشعراء على هذا متفقون ولم يشذ عنه ويخالفه منهم إلا أحذقهم بالشعر . والمبتدئ بالإحسان فيه امرؤ القيس : فإنه بحذقه وحسن طبعه وجودة قريحته كره أن يقول : إن الهم في حبه يخف عنه في نهاره ويزيد في ليله فجعل الليل والنهار سواءً عليه في قلقه وهمه وجزعه )
وغمه فقال : ألا أيها الليل الطويل . . البيت وقد أحسن في هذا المعنى الذي ذهب إليه وإن كانت العادة غيره والصورة لا توجبه . وقد صب الله على امرئ القيس بعده شاعراً أراه استحالة معناه في المعقول وأن الصورة تدفعه والقياس لا يوجبه والعادة غير جارية به حتى لو كان الراد عليه من حذاق المتكلمين ما بلغ في كثير نثره ما أتى به في قليل نظمه وهو أبو نفر الطرماح بن حكيم الطائي : فإنه ابتدأ قصيدةً فقال : ( ألا أيها الليل الطويل ألا اصبح ** ببم وما الإصباح فيك بأروح ) فأتى بلفظ امرئ القيس ومعناه ثم عطف محتجاً مستدركاً فقال : ( بلى إن للعينين في الصبح راحةً ** لطرحهما طرفيهما كل مطرح )
____________________

وإنما أجمع الشعراء على ذلك . من تضاعف بلائهم بالليل وشدة كلفهم لقلة المساعد وفقد الحبيب وتقييد اللحظ عن أقصى مرامي النظر الذي لابد أن يؤدي إلى القلب بتأمله شيئاً يخفف عنه أو يغلب عليه فينسى ما سواه .
وأبيات امرئ القيس في وصف الليل اشتمل الإحسان عليها ولاح الحذق فيها وبان الطبع بها فما فيها معابٌ إلا من جهة واحدة عند أمراء الكلام والحذاق بنقد الشعر وتمييزه وهو قوله : فقلت له لما تمطى . . البيت لم يشرح فقلت له إلا في بيت بعده . وهذا عيب لأن خير الشعر ما لم يحتج بيت منه إلى بيت آخر . وقد تبع الناس امرأ القيس وصدقوا قوله وجعلوا نهارهم كليلهم فقال البحتري في غضب الفتح عليه : ( وألبستني سخط امرئ بت موهناً ** أرى سخطه ليلاً مع الليل مظلما ) وكأنه من قول أبي عيينة في التذكر لوطنه : ( طال من ذكره بجرجان ليلي ** ونهاري علي كالليل داجي ) وترجمة النابغة الذبياني قد تقدمت في الشاهد الرابع بعد المائة .
____________________

( الترخيم ) الشاهد الثامن والثلاثون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا ** أواصرنا والرحم بالغيب تذكر ) على أن الكوفيين أجازوا ترخيم المضاف ويقع الحذف في آخر الاسم الثاني كما في البيت وفي أبيات أخر كثيرة والأصل يا آل عكرمة . وقالوا : المضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد فجاز ترخيمه كالمفرد . ومنع البصريون هذا الترخيم وقالوا : لا حجة في هذا البيت وأمثاله لأنه محمول على الضرورة . والترخيم ضرورةً جائز في غير النداء أيضاً كقوله : ( أودى ابن جلهم عبادٌ بصرمته ** إن ابن جلهم أمسى حية الوادي ) أراد جلهمة .
وهذا البيت من أبيات تسعة لزهير بن أبي سلمى . قالها لبني سليم وبلغه أنهم يريدون الإغارة على غطفان . وهي هذه :
____________________

( رأيت بني آل امرئ القيس أصفقوا ** علينا وقالوا : إننا نحن أكثر ) ( سليم بن منصورٍ وأفناء عامرٍ ** وسعد بن بكرٍ والنصور وأعصر ) بنو آل امرئ القيس : هوزان وسليم بالتصغير . وقوله : أصفقوا علينا أي : اجتمعوا يقال : أصفق القوم على كذا : إذا اجتمعوا عليه . وقوله : سليم بن منصور أي : منهم سليم . وأفناء عامر : قبائلها . وسعد بن بكر من هوزان وهم الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم مس ترضعاً فيهم . و النصور : بنو نصر وهم من هوزان أيضاً سمي كل واحد منهم باسم أبيه ثم جمع . وأعصر أبو غني وباهلة . وكل هؤلاء من ولد عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر . ( خذوا حظكم يا آل عكرم واذكروا ** أواصرنا والرحم بالغيب تذكر ) ( خذوا حظكم من ودنا إن قربنا ** إذا ضرستنا الحرب نارٌ تسعر ) الحظ النصيب . يقول : صونوا حظكم من صلة القرابة ولا تفسدوا ما بيننا وبينكم فإن ذلك مما يعود مكروهه عليكم . و آل عكرمة هم بنو عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر ورخم عكرمة ضرورة . و الأواصر : جمع آصرة وهي ما عطفك على رجلٍ . من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف . و الرحم : موضع تكوين الولد وتخفف بسكون الحاء مع فتح الراء )
ومع كسرها أيضاً في لغة بني كلاب ثم سميت القرابة والوصلة من جهة الولاء رحماً فالرحم خلاف الأجنبي وهو مؤنث في المعنيين . والرحم التي بين قوم زهير وبينهم : أن مزينة من ولد أد بن طابخة بن الياس بن مضر وهؤلاء من ولد قيس بن عيلان بن مضر .
وقوله : إذا ضرستنا الحرب أي : عضتنا بأضراسها وهذا مثل للشدة . يقول : إذا اشتدت الحرب فالقرب منا مكروه وجانبنا شديد . وضرب النار مثلاً لذلك . ومعنى تسعر وأصله تتسعر تتقد . ( وإنا وإياكم إلى ما نسومكم ** لمثلان أو أنتم إلى الصلح أفقر ) يقول : نحن وأنتم مثلان في الاحتجاج إلى الصلح وترك الغزو بل أنتم إلى ذلك أحوج وأشد افتقاراً إليه . ومعنى نسومكم : نعرض عليكم وندعوكم يقال : سمته الخسف أي : طلبت منه غير الحق وحملته على الذل والهوان . ( إذا ما سمعنا صارخاً معجت بنا ** إلى صوته ورق المراكل ضمر )
____________________

الصارخ هنا المستغيث . و معجت بنا أي : مرت مراً سريعاً في سهولة . وقوله : ورق المراكل ضمر هو جمع أورق وهو الأسود في غبرة والمركل كجعفر : موضع عقب الفارس من جنب الفرس . أي : قد تحات الشعر وتساقط عن مراكلها فاسود موضعه لكثرة الركوب في الحرب . ( وإن شل ريعان الجميع مخافةً ** نقول جهاراً ويلكم لا تنفروا ) ( على رسلكم إنا سنعدي وراءكم ** فتمنعكم أرماحنا أو ستعذر ) يقول : إن أحسن القوم بالعدو فطردوا أوائل إبلهم وصرفوها عن المرعى أمرناهم بأن لا يفعلوا وقلنا لهم مجاهرةً : ويلكم لا تنفروا ولا تطردوها فنحن نمنعها من العدو ونقاتل دونها . و شل بالبناء للمفعول : طرد . وريعان كل شيء : أوله . وقوله : على رسلكم بالكسر أي : على مهلكم ورفقكم والمعنى : أمهلوا قليلاً . وقوله : سنعدي وراءكم أي : سنعدي الخيل وراءكم يقال : عدا الفرس وأعداه فارسه .
وقوله : ستعذر أي : سنأتي بالعذر في الذب عنكم يقال : أعذر الرجل في الأمر : إذا اجتهد وبلغ العذر . وقوله : وإلا فإنا . . الخ يقول : وإن لم يكن قتال فإنا بالشربة أي : بمنازلها التي تعلمون نحن فيها آمنون نضرب بقداح الميسر وننحر النوق الكريمة . )
وروي :
____________________

وإن شد رعيان الجميع مخافةً و شد بمعنى فر . و رعيان : جمع راع . و وراءكم : أمامكم . وستعذر روي بالمثناة الفوقية والضمير للرماح . و الشربة بفتح الشين والراء وتشديد الموحدة : موضع ببلاد غطفان .
وكذلك اللوى . و زهير هو زهير بن أبي سلمى . واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني من مزينة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر وكانت محلتهم في بلاد غطفان . فيظن الناس أنه من غطفان أعني زهيراً وهو غلط . كذا في الاستيعاب لابن عبد البر . وكأن هذا ردٌ لما قاله ابن قتيبة في كتاب الشعراء فإنه قال : زهير هو ابن ربيعة بن قرط . والناس ينسبونه إلى مزينة وإنما نسبه إلى غطفان ا . هـ .
وسلمى بضم السين قال في الصحاح : ليس في العرب سلمى بالضم غيره ورياح بكسر الراء وبعدها مثناة تحتية .
وزهير أحد الشعراء الثلاثة الفحول المتقدمين على سائر الشعراء بالاتفاق وإنما الخلاف في تقديم أحدهم على الآخر وهم : امرؤ القيس وزهير والنابغة الذبياني . قال ابن قتيبة : يقال : إنه لم يتصل الشعر في ولد أحد من الفحول في الجاهلية ما اتصل في ولد زهير وفي الإسلام ما اتصل في ولد جرير . وكان زهير راوية أوس بن حجر .
وعن عكرمة بن جرير قال : قلت لأبي : من أشعر الناس قال : أجاهلية أم إسلامية قلت : جاهلية . قال : زهير . قلت : فالإسلام قال : الفرزدق . قلت : فالأخطل . قال : الأخطل يجيد نعت الملوك ويصيب صفة الخمر . قلت له : فأنت قال : أنا نحرت الشعر نحراً .
وقال ثعلب وهو ممن قدم زهيراً : كان أحسنهم شعراً وأبعدهم من سخف وأجمعهم لكثير في المعنى في قليل من المنطق وأشدهم مبالغة في المدح وأكثرهم أمثالاً في شعره . وقال ابن الأعرابي : لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره : كان أبوه شاعراً وخاله شاعراً وأخته سلمى )
شاعرة وأخته الخنساء شاعرة وابناه كعب
____________________

وبحير شاعرين وابن ابنه المضرب بن كعب شاعراً وهو الذي يقول : ( إني لأحبس نفسي وهي صابرةٌ ** عن مصعبٍ ولقد بانت لي الطرق ) ( رعوى عليه كما أرعى على هرمٍ ** جدي زهيرٌ وفينا ذلك الخلق ) ( مدح الملوك وسعيٌ في مسرتهم ** ثم الغنى ويد الممدوح تنطلق ) وكعب هو ناظم : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في أفعال القلوب .
قال ابن قتيبة : وكان زهير يتأله ويتعفف في شعره ويدل شعره على إيمانه بالبعث وذلك قوله : وشبه زهير امرأةً بثلاثة أوصاف في بيت واحد فقال : ( تنازعها المها شبهاً ودر ال ** بحور وشاكهت فيها الظباء ) ففسر ثم قال :
____________________

( فأما ما فويق العقد منها ** فمن أدماء مرتعها الخلاء ) ( وأما المقلتان فمن مهاةٍ ** وللدر الملاحة والصفاء ) وقال بعض الرواة : لو أن زهيراً نظر إلى رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ما زاد على ما قال : فإن الحق مقطعه ثلاثٌ يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء يعني يميناً أو منافرة إلى حاكم يقطع بالبينات أو جلاء وهو بيان وبرهان يجلو به الحق وتتضح الدعوى .
وديوان شعر زهير كبير وعليه شرحان وهما عندي والحمد لله والمنة أحدهما بخط مهلهل الشهير الخطاط صاحب الخط المنسوب .
وغالب شعره مدحٌ في هرم بن سنان أحد الأجواد المشهورين ومن شعره فيه قوله : صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو قال صاحب الأغاني : هذه القصيدة أول قصيدة مدح بها زهير هرماً ثم تتابع بعده . وكان هرمٌ حلف أن لا يمدحه زهيرٌ إلا أعطاه ولا يسأله إلا أعطاه : عبداً أو وليدةً أو فرساً . )
فاستحيا زهير منه فكان زهير إذا رآه في ملأ قال : أنعموا صباحاً غير هرم وخيركم استثنيت . . وقال عمر بن الخطاب لبعض ولد هرم : أنشدني بعض مدح زهير أباك فأنشده فقال عمر : إن كان ليحسن فيكم المدح . قال : ونحن والله إن كنا لنحسن له العطية . قال : قد ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم .
____________________


وفي رواية عمر بن شبة : قال عمر لابن زهير : ما فعلت الحلل التي كساها هرمٌ أباك قال : أبلاها الدهر . قال : لكن الحلل التي كساها أبوك هرماً لم يبلها الدهر ويستجاد قوله في هرم : ( قد جعل المبتغون الخير في هرمٍ ** والسائلون إلى أبوابه طرقا ) ( من يلق يوماً على علاته هرماً ** يلق السماحة فيه والندى خلقا ) وروي أن زهيراً كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة وكانت تسمى قصائده حوليات زهير . وقد أشار إلى هذا البهاء زهير في قوله من قصيدة : ( هذا زهيرك لا زهير مزينةٍ ** وافاك لا هرماً على علاته ) وكان رأى زهيرٌ في منامه في أواخر عمره : أن آتياً أتاه فحمله إلى السماء حتى كاد يمسها بيده ثم تركه فهوى إلى الأرض . فلما احتضر قص رؤياه على ولده كعب ثم قال : إني لا أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه . ثم توفي قبل المبعث بسنة .
فلما بعث صلى الله عليه وسلم خرج إليه ولده كعبٌ بقصيدته بانت سعاد وأسلم كما يأتي بيانها في أفعال القلوب إن شاء الله تعالى .
وروي أيضاً : أن زهيراً رأى في منامه أن سبباً تدلى من السماء إلى الأرض وكان الناس يمسكونه وكلما أراد أن يمسكه تقلص عنه . فأوله بنبي آخر الزمان فإنه واسطة بين الله وبين الناس وأن مدته لا تصل إلى زمن مبعثه وأوصى بنيه أن يؤمنوا به عند ظهوره .
____________________


وأنشد بعده وهوالشاهد التاسع والثلاثون بعد المائة ) ( أبا عرو لا تبعد فكل ابن حرةٍ ** سيدعوه داعي موته فيجيب ) لما تقدم في البيت قبله : فإن أبا عرو منادى بحرف النداء المحذوف وأبا منادى مضاف لما بعده و عرو : مرخم عروة : والكلام عليه كما تقدم في البيت قبله . قال ابن الشجري في أماليه : ومما يدل على مذهب سيبويه ولم يكن فيه ما تأوله أبو العباس المبرد في بيت زهير فزعم أنه أراد يا آل عكرمٍ بالجر والتنوين قول الشاعر : أبا عرو لا تبعد . . . البيت ألا ترى أنه لا يمكن أبا العباس أن يقول : إن عروة قبيلة كما قال ذلك في عكرمة ولا يمكنه أن يقول : أراد أبا عرو بالجر والتنوين . فمنعه من ذلك أن عروة لا ينصرف للتأنيث في التعريف انتهى .
وروى ابن الشجري هذا البيت كرواية الشارح المحقق وأنشده ابن الأنباري في مسائل الخلاف وكذا ابن هشام في شرح الألفية : سيدعوه داعي ميتةٍ بكسر الميم . و الميتة : الحالة التي يموت عليها الإنسان . وزاد ابن السكيت في كتاب المذكر والمؤنث رواية : ستدعوه بمثناة فوقية لا تحتية على أن قوله : داعي اكتسب التأنيث من إضافته إلى المؤنث .
____________________


وكذلك أورده الفراء عند تفسير قوله تعالى : إنها إن تك مثقال حبةٍ من خردل قال : فإن قلت : إن المثقال ذكر فكيف قال : تك قلت : لأن المثقال أضيف إلى الحبة وفيها المعنى كأنه قال : وقوله : لا تبعد أي : لا تهلك وهو دعاء خرج بلفظ النهي كما يخرج الدعاء بلفظ الأمر وإن كان ليس بأمر نحو : اللهم اغفر لنا . يقال : بعد الرجل يبعد بعداً من باب فرح إذا هلك وإذا أردت ضد القرب قلت : بعد يبعد بضم العين فيهما والمصدر على وزن ضده وهو القرب وربما استعملوا هذا في معنى الهلاك لتداخل معنييهما . فإن قيل : كيف قال : لا تبعد وهو قد هلك أجيب بأن العرب قد جرت عادتهم باستعمال هذه اللفظة في الدعاء للميت ولهم في ذلك غرضان : أحدهما أنهم يريدون بذلك استعظام موت الرجل الجليل وكأنهم لا يصدقون بموته . وقد بين هذا المعنى النابغة الذبياني بقوله : ) ( يقولون : حصنٌ ثم تابى نفوسهم ** وكيف بحصنٍ والجبال جنوح ) ( ولم تلفظ الموتى القبور ولم تزل ** نجوم السماء والأديم صحيح ) أراد أنهم يقولون : مات حصن ثم يستعظمون أن ينطقوا بذلك ويقولون : كيف يجوز أن يموت والجبال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم العالم صحيح لم يحدث فيه حادث .
وهكذا تستعمله العرب فيمن هلك فساء هلاكه وشق على من يفقده . قال الفرار السلمي : ( ما كان ينفعني مقال نسائهم ** وقتلت دون رجالهم : لا تبعد )
____________________

( يقولون : لا تبعد وهم يدفنونني ** وأين مكان البعد إلا مكانيا ) والغرض الثاني : أنهم يريدون الدعاء له بأن يبقى ذكره ولا ينسى لأن بقاء ذكر الإنسان بعد موته بمنزلة حياته كما قال الشاعر : ( فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم ** بأفعالنا إن الثناء هو الخلد ) وقال آخر : ( فإن تك أفنته الليالي فأوشكت ** فإن له ذكراً سيفني اللياليا ) وقال المتنبي وأحسن : ( ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ** ما فاته وفضول العيش أشغال ) وقد بين الفرار السلمي ومالك بن الريب ما في هذا من المحال في البيتين المذكورين .
وقوله : فكل ابن حرة الفاء للتعليل . يقول : لا أنسى الله ذكرك بالثناء الجميل في الدنيا فإن الإنسان لابد له من الموت فإن ذكر بالجميل فكأنه لم يمت . وذكر الحرة وأراد المرأة أو تقول : أبناء الحرائر إذا كان لابد لهم من الموت فموت أبناء الإماء من باب أولى . . والسين في قوله : ستدعوه للتأكيد لا للتسويف . وقوله : فيجيب معطوف على ستدعوه .
وأنشد بعده وهو وهو من شواهد سيبويه :
____________________

( ديار مية إذ ميٌ تساعفنا ** ولا يرى مثلها عجمٌ ولا عرب ) على أن الترخيم في غير النداء ضرورة إذ مي مرخم مية وهو غير منادى .
وأنشد سيبويه هذا البيت في كتابه في موضعين : أحدهما هذا وأما قول ذي الرمة : )
ديار مية إذ ميٌ تساعفنا . . البيت فزعم يونس أنه كان يسميها مرةً ميا ومرة مية . انتهى .
وكذا في الصحاح قال : مية اسم امرأة ومي أيضاً . وعلى هذا يكون ما في البيت على أحد الوجهين فلا ترخيم ولا ضرورة فيكون مي مصروفاً كما يصرف دعد لأنه ثلاثي ساكن الوسط .
قال ابن الشجري في أماليه : ومنع المبرد من الترخيم في غير النداء على لغة من قال يا حار بالكسر إلى أن قال : وكذلك يقولون في قول ذي الرمة : ديار مية إذ مي تساعفنا . . . البيت أنه كان مرة يسميها ميا ومرة يسميها مية . قال : ويجوز أن يكون أجراه في غير النداء على يا حار بالضم ثم صرفه لما احتاج إلى صرفه . قال : وهذا الوجه عندي لأن الرواة كلهم ينشدون : والموضع الثاني من كتاب سيبويه أورده على أن ديار مية منصوب بإضمار فعل كأنه قال : أذكر ديار مية ولا يذكر هذا العامل لكثرته في كلامهم ولما كان فيه من ذكر الديار قبل ذلك . ونص كتابه : ومما التزم فيه الإضمار قول الشعراء :
____________________

ديار فلانة قال : ديار مية إذ ميٌ تساعفنا . . البيت كأنه قال : أذكر . ولكنه حذف لكثرة الاستعمال ثم قال : ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول تلك ديار فلانة . انتهى .
ويجوز أن يكون مجروراً على أنه بدلٌ من دارٍ في بيت قبله بثلاثة أبيات وهو : ( لا بل هو الشوق من دارٍ تخونها ** مراً سحابٌ ومراً بارحٌ ترب ) وهما من قصيدة طويلة جداً في النسيب بمية ووصفها وهي أحسن شعره حتى قال جرير : ما أحببت أن ينسب إلي من شعر ذي الرمة إلا هذه القصيدة فإن شيطانه كان فيها ناصحاً ولو خرس بعدها لكان أشعر الناس .
وروى الأصمعي في شرح ديوانه عن أبي جهمة العدوي قال : سمعت ذا الرمة يقول : من شعري ما ساعدني فيه القول ومنه ما أجهدت فيه نفسي ومنه ما جننت فيه جنونا . فأما الذي جننت فيه فقولي :
____________________

وأما ما طاوعني فيه القول فقولي : )
خليلي عوجا من صدور الرواحل وأما ما أجهدت فيه نفسي فقولي : أأن ترسمت من خرقاء منزلةً ا . هـ ومن أول القصيدة إلى بيت الشاهد عشرة أبيات لا بأس بإيرادها وهي هذه : ( ما بال عينك منها الماء ينسكب ** كأنه من كلى مفريةٍ سرب ) الكلى : جمع كلية وهي الرقعة تكون في أصل عرقة المزادة . و المفرية : المقطوعة المخروزة يقال : فريت الأديم : إذا شققته وخرزته وأفريته : إذا شققته . ففرى بلا ألف : شقٌ معه إصلاح وأفرى مع ألف : شق في فساد . وسرب رواه أبو عمرو بكسر الراء بمعنى السائل ورواه الأصمعي وابن الأعرابي بفتحها قال : السرب الماء نفسه الذي يصب في المزادة الجديدة لكي تبتل مواضع الخرز والسيور سرب قربتك : أي : صب فيها الماء حتى تستحكم مواضع الخرز . ( وفراء غرفيةٍ أثأى خوارزها ** مشلشلٍ ضيعته بينها الكتب ) وفراء أي : ضخمة صفة مفرية أي : مزادة وفراء . و غرفية : منسوبة إلى الغرف وهو دباغ بالبحرين وقيل : شجر يدبغ به وقال أبو عمرو : هو الأرطى مع التمر والملح يدبغ به . و أثأى : أفسد ومفعوله محذوف أي : الخرز يقال : أثأيت الخرز : إذا خرمته . و الخوارز فاعل أثأى وهو جمع خارزة وهي التي تخيط المزادة . المشلشل : نعت سرب وهو الماء الذي يتصل تقاطره ولا ينقطع . و الكتب بالمثناة الفوقية : الخز جمع كتبة وكل شيء ضممته فقد كتبته .
____________________

( أستحدث الركب عن أشياعهم خبراً ** أم راجع القلب من أطرابه طرب ) الركب : أصحاب الإبل جمع راكب كصحب جمع صاحب . و الأشياع : الأصحاب . و أستحدث بفتح الهمزة : استفهام . يقول : بكاؤك وحزنك ألخبر حدث أم راجع قلبك طرب و الطرب : استخفاف القلب في فرح كان أو حزن .
وهذا البيت من شواهد شرح الشافية للشارح المحقق : ( من دمنة نسفت عنها الصبا سفعاً ** كما تنشر بعد الطية الكتب ) ( سيلاً من الدعص أغشته معالمها ** نكباء تسحب أعلاه فينسحب ) كأنه قال : راجع القلب طربٌ من دمنة أي : من أجل دمنة . وروي : أم دمنة كأنه قال : أم دمنة هاجت حزنك و الدمنة : آثار الناس وما لطخو وسودوا . و السفع : قال الأصمعي : )
هي طرائق النمل سود وحمر . ونصب سفعاً بنسفت وأتبع السيل سفعاً وذلك السفع سيل من الدعص . يريد رملاً سال من دعص جعله كالنعت للسيل فكأنه قال : كشفت الصبا عن يقول : فظهرت الأرض كما تنشر الكتب بعد أن كانت مطوية . وقال ابن الأعرابي : السفع جمع سفعة وهو سواد تدخله حمرة تكون في الأثافي . ونصب سفعاً على الحال ونصب سيلاً بنسفت : وخفض أبو عمرو سفع اتبعه الدمنة . و الطية بالكسر : الحالة التي يكون عليها الإنسان والمفتوح منه فعلة واحدة وقوله : سيلاً من الدعص الخ يقول : سيلاً أغشته إياها النكباء . و الدعص : رمل منفرد متلبد ليس بعظيم . و النكباء : كل ريح انحرفت بين ريحين .
____________________


وقوله : أعلاه يعني أعلى هذا السيل الذي سال من الدعص وليس سيل مطر إنما هو رملٌ انهال إلى هذه الدمنة فغشى آثارها والنكباء التي أغشت المعالم سيلاً من الدعص فغطته فجاءت بعده فنسفته . و تسحبه : تجره وتذهب به وينسحب أي : فينجر هو أيضاً . ( لا بل هو الشوق من دارٍ تخونها ** مرا سحابٌ ومرا بارحٌ ترب ) يقول : ليس هذا الحزن من أثر دمنة ولا من خبر الركب إنما هو شوقٌ هيج الحزن من أجل دارٍ ذكرت من كان يحلها . و تخونها : تعهدها وتنقصها يقال : فلان تخونه الحمي أي : تعهده . و البارح : الريح الشديدة الهبوب في الصيف . و الترب : التي تأتي بالتراب . ( يبدو لعينيك منها وهي مزمنةٌ ** نؤيٌ ومستوقدٌ بالٍ ومحتطب ) يبدو : يظهر . و مزمنة : التي أتى عليها زمان . و النؤي حاجز يحفر حول البناء ليرد السيل . و المستوقد : موضع الوقود . و البالي : الدارس . و المحتطب : موضع الحطب . ( إلى لوائح من أطلال أحويةٍ ** كأنها خللٌ موشيةٌ قشب ) أي : مع لوائح . يقول : يبدو لك هذا مع ذاك . و اللوائح : ما لاح لك من الأطلال . و الأحوية : جماعة بيوت الحي الواحد حواء . و الخلل : أغماد السيف جمع خلة بالكسر . و القشب تكون الجدد والأخلاق . شبه آثار الدار بأغماد السيوف الموشاة المخلقة . والقشب هنا الجدد . و موشية : موشاة . ( بجانب الزرق لم تطمس معالمها ** دوارج المور والأمطار والحقب ) يقول : هذا النؤي مع هذه الأطلال بهذا المكان . و الزرق بضم الزاي وسكون المهملة : أنقاء )
بأسفل الدهناء لبني تميم . و الدوارج : الرياح التي تدرج :
____________________

تذهب وتجيء . و المور بالضم : التراب الدقيق . و الأمطار بالرفع . و الحقب بكسر ففتح : السنون الواحد حقبة . لم تطمس : لم تمح . ويقال : دوارج الرياح : أذيالها ومآخيرها .
ديار مية إذ ميٌ تساعفنا . . . البيت تساعفنا : تدايننا وتواتينا . و عجم بالضم : لغة في العجم بفتحتين وهو فاعل يرى وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن .
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والأربعون بعد المائة ) ( لله ما فعل الصوارم والقنا ** في عمرو حاب وضبة الأغنام ) لما تقدم في البيت قبله فإن قوله : حاب مرخم حابس في غير النداء وهو ضرورة وهو في المضاف إليه أبعد . وأبقى كسرة الباء من حابس بعد الترخيم على حالها . وأصله عمرو بن حابس فحذف ابنا وأضاف عمراً إلى حابس .
وقال ابن سيده صاحب المحكم في شرح ديوان المتنبي : أراد عمرو حابسٍ فرخم المضاف إليه اضطراراً كقوله أنشده سيبويه : ( أودى ابن جلهم عبادً بصرمته ** إن ابن جلهم أمسى حية الوادي ) قال : أراد ابن جلهمة . والعرب يسمون الرجل جلهمة والمرأة جلهم كل هذا حكاه سيبويه .
____________________


وهذاالبيت من قصيدة لأبي الطيب المتنبي . قالها في صباه عندما اجتاز برأس عين في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وقد أوقع سيف الدولة بعمرو بن حابس من بني أسد وبني ضبة ( ذكر الصبا ومراتع الآرام ** جلبت حمامي قبل وقت حمامي ) إلى أن قال في مدح سيف الدولة : ( وإذا امتحنت تكشفت عزماته ** عن أوحدي النقض والإبرام ) ( وإذا سألت بنانه عن نيله ** لم يرض بالدنيا قضاء ذمام ) ( مهلاً ألا لله ما صنع القنا ** في عمرو حاب وضبة الأغنام ) جعل هؤلاء أغناماً لأنهم كانوا جاهلين حين عصوه حتى فعل بهم ما فعل . وهو بالنون لا بالمثناة الفوقية إذ هو غير مناسب إذ الأغتم : الأعجم الذي لا يفصح شيئاً والجمع الغتم . )
وزعم ابن سيده في شرحه : أن هذا هو المراد هنا قال : والأغتام : جمع أغتم كسر أفعل على أفعال وهو قليل ونظيره أعزل وأعزال بإهمال الأول وهو الذي لا سلاح معه وأغرل وأغرال بإهمال الثاني وهو الذي لم يختن .
وبعده : ( لما تحكمت الأسنة فيهم ** جارت وهن يجرن في الأحكام ) ( فتركتهم خلل البيوت كأنما ** غضبت رؤوسهم على الأجسام ) أي : غزوتهم في عقر دارهم حتى تركتهم خلال بيوتهم أجساماً بلا رؤوس وهذه ترجمة المتنبي نقلتها من كتاب إيضاح المشكل لشعر المتنبي من تصانيف أبي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الأصفهاني وهذا الإيضاح قاصرٌ على شرح ابن جني لديوان المتنبي يوضح ما اخطأ فيه من شرحه . وهو ممن عاصر ابن جني وألف الإيضاح لبهاء الدولة بن بويه .
____________________


قال : وقد بدأت بذكر المتنبي ومنشئه ومغتربه وما دل عليه شعره من معتقده إلى مختتم أمره ومقدمه على الملك نضر الله وجهه بشيراز وانصرافه عنه إلى أن وقعت مقتلته بين دير قنة والنعمانية واقتسام عقائله وصفاياه . .
حدثني ابن النجار ببغداد : أن مولد المتنبي كان بالكوفة في محلةٍ تعرف بكندة بها ثلاثة آلاف بيت من بين رواء ونساج . واختلف إلى كتاب فيه أولاد أشراف الكوفة فكان يتعلم دروس العلوية شعراً ولغةً وإعراباً فنشأ في خير حاضرة . وقال الشعر صبياً . ثم وقع إلى خير بادية بادية اللاذقية وحصل في بيوت العرب فادعى الفضول الذي نبذ به فنمى خيره إلى أمير بعض أطرافها فأشخص إليه من قيده وسار به إلى محبسه فبقي يعتذر إليه ويتبرأ مما وسم به في كلمته التي يقول فيها : ( فما لك تقبل زور الكلام ** وقدر الشهادة قدر الشهود ) ( وفي جود كفك ما جدت لي ** بنفسي ولو كنت أشقى ثمود ) ( الزم مقال الشعر تحظ بقربةٍ ** وعن النبوة لا أبا لك فانتزح ) ( تربح دماً قد كنت توجب سفكه ** إن الممتع بالحياة لمن ربح ) فأجابه المتنبي : ( أمري إلي فإن سمحت بمهجةٍ ** كرمت علي فإن مثلي من سمح )
____________________

)
وهجاه غيره فقال : ( أطللت يا أيها الشقي دمك ** بالهذيان الذي ملأت فمك ) ( أقسمت لو أقسم الأمير على ** قتلك قبل العشاء ما ظلمك ) فأجابه المتنبي : ( همك في أمردٍ تقلب في ** عين دواةٍ من صلبه قلمك ) ( وهمتي في انتضاء ذي شطبٍ ** أقد يوماً بحده أدمك ) ( فاخس كليباً واقعد على ذنبٍ ** واطل بما بين أليتيك فمك ) وهو في الجملة خبيث الإعتقاد . وكان في صغره وقع إلى واحدٍ يكنى أبا الفضل بالكوفة من المتفلسفة فهوسه وأضله كما ضل .
وأما ما يدل عليه شعره فمتلون . وقوله : مذهب السوفسطائية . وقوله : ( تمتع من سهادٍ أو رقادٍ ** ولا تأمل كرى تحت الرجام ) ( فإن لثالث الحالين معنى ** سوى معنى انتباهك والمنام ) مذهب التناسخ . وقوله : ( نحن بنو الدنيا فما بالنا ** نعاف ما لابد من شربه ) ( فهذه الأرواح من جوه ** وهذه الأجسام من تربه ) مذهب الفضائية . وقوله في أبي الفضل بن العميد :
____________________

( فإن يكن المهدي من قد بان هديه ** فهذا وإلا فالهدي ذا فما المهدي ) مذهب الشيعة . وقوله : ( تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ** إلا على شجبٍ والخلف في الشجب ) ( فقيل : تخلد نفس المرء باقية ** وقيل : تشرك جسم المرء في العطب ) فهذا من يقول بالنفس الناطقة ويتشعب بعضه إلى قول الحشيشية . والإنسان إذا خلع ربقة الإسلام من عنقه وأسلمه الله عز وجل إلى حوله وقوته وجد في الضلالات مجالاً واسعاً وفي البدع والجهالات مناديح وفسحاً .
ثم جئنا إلى حديثه وانتجاعه ومفارقته الكوفة أصلاً وتطوافه في أطراف الشام واستقرائه )
بلاد العرب ومقاساته للضر وسوء الحال ونزارة كسبه وحقارة ما يوصل به حتى انه أخبرني أبو الحسن الطرائفي ببغداد وكان لقي المتنبي دفعات في حال عسره ويسره : أن المتنبي قد مدح بدون العشرة والخمسة من الدراهم . وأنشد في قوله مصداقاً لحكايته : ( انصر بجودك ألفاظاً تركت بها ** في الشرق والغرب من عاداك مكبوتا ) ( فقد نظرتك حتى حان مرتحلٌ ** وذا الوداع فكن أهلاً لما شيتا ) وأخبرني أبو الحسن الطرائفي قال : سمعت المتنبي يقول : أول شعر قلته وابيضت أيامي بعده قولي : ( أيا لائمي إن كنت وقت اللوائم ** علمت بما بي بين تلك المعالم ) فإني أعطيت بها بدمشق مائة دينار . . ثم اتصل بأبي العشائر فأقام ما أقام ثم أهداه إلى سيف الدولة فاشترط أنه لا ينشد إلا قاعداً وعلى الوحدة فاستحملوه وأجابوه إليه . فلما سمع سيف الدولة شعره حكم له بالفضل وعد ما طلبه استحقاقاً .
وأخبرني أبو الفتح عثمان ابن جني : أن المتنبي أسقط من شعره الكثير وبقي ما تداوله الناس . . وأخبرني الحلبي أنه قيل للمتنبي : معنى بيتك هذا أخذته من قول
____________________

الطائي . فأجاب المتنبي : وكان المتنبي يحفظ ديواني الطائيين ويستصحبهما في أسفاره ويجحدهما فلما قتل توزعت دفاتره فوقع ديوان البحتري إلى بعض من درس علي وذكر أنه رأى خط المتنبي وتصحيحه فيه .
وسمعت من قال : إن كافوراً لما سمع قوله : ( إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولايةً ** فجودك يكسوني وشغلك يسلب ) يلتمس ولاية صيداء . فأجابه : لست أجسر على توليتك صيداء لأنك على ما أنت عليه : تحدث نفسك بما تحدث فإن وليتك صيداء فمن يطيقك وسمعت انه قيل للمتنبي : قولك لكافور : ( فارم بي حيثما أردت فإني ** أسد القلب آدمي الرواء ) ( وفؤادي من الملوك وإن كا ** ن لساني يرى من الشعراء ) ليس قول ممتدح ولا منتجع إنما هو قول مضاد فأجاب المتنبي إلى أن قال : هذه القلوب كما سمعت أحدها يقول : ) ( يقر بعيني أن أرى قصد القنا ** وصرعى رجالٍ في وغى أنا حاضره ) وأحدها يقول : ثم أقام المتنبي عند سيف الدولة على التكرمة البليغة : في إسناء الجائزة ورفع المنزلة . ودخل مع سيف الدولة بلاد الروم وتأصل حالاً في جنبته بعد أن كان حويلة . وكان سيف الدولة يستحب الاستكثار من شعره والمتنبي يستقله وكان ملقى من هذه الحال يشكوها ابداً وبها فارقه حيث أنشده : ( وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ** إذا استوت عنده الأنوار والظلم )
____________________

وآخرها : ( بأي لفظٍ يقول الشعر زعنفةٌ ** يجوز عندك لا عربٌ ولا عجم ) وقال في أخرى : ( إذا شاء أن يهزا بلحية أحمقٍ ** أراه غباري ثم قال له الحق ) فلما انتهت مدته عند سيف الدولة استأذنه في المسير إلى إقطاعه فأدن له وامتد باسطاً عنانه إلى دمشق إلى أن قصد مصر فألم بكافور فأنزله وأقام ما أقام . إلا أن أول شعره فيه دليلٌ على ندمه لفراق سيف الدولة وهو : ( كفى بك داءٌ أن ترى الموت شافيا ** وحسب المنايا أن يكن أمانيا ) حتى انتهى إلى قوله : وأخبرني بعض المولدين ببغداد وخاله أبو الفتح يتوزر لسيف الدولة : أن سيف الدولة رسم لي التوقيع إلى ديوان البر بإخراج الحال فيما وصل به المتنبي فخرجت بخمسة وثلاثين ألف دينار في مدة أربع سنين .
ثم لما أنشد الثانية كافوراً خرجت موجهة يشتاق سيف الدولة . وأولها : ( فراقٌ ومن فارقت غير مذممٍ ** وأمٌ ومن يممت خير ميمم ) وأقام على كره بمصر إلى أن ورد فاتك غلام الإخشيدي من الفيوم وهي وبيئة فنبت به واجتواها وقادوا بين يديه في مدخله إلى مصر أربعة آلاف جنيه منعلة بالذهب فسماه أهل مصر بفاتك المجنون . فلقيه المتنبي في الميدان على رقبة من كافور فقال :
____________________

( لا خيل عندك تهدينا ولا مال ** فليسعد النطق إن لم يسعد الحال ) )
فوصل إليه من أنواع صلاته وأصناف جوائزه ما تبلغ قيمته عشرين ألف دينار . ثم مضى فاتك لسبيله فرثاه المتنبي وذم كافوراً : ( أيموت مثل أبي شجاعٍ فاتكٍ ** ويعيش حاسده الخصي الأوكع ) فاحتال بعده في الخلاص من كافور فانتهز الفرصة في العيد وكان رسم السلطان أن يستقبل العيد بيوم وتعد فيه الخلع والحملانات وأنواع المبار لرابطة جنده وراتبة جيشه وصبيحة العيد تفرق وثاني اليوم يذكر له من قبل ومن رد واستزاد فاهتبل المتنبي غفلة كافور ودفن رماحه براً وسار ليلته وحمل بغاله وجماله وهو لا يألو سيراً وسرى هذه الليلة مسافة أيام حتى وقع في تيه بني اسرائيل إلى أن جازه على الحلل والأحياء والمفاوز المجاهيل والمناهل الأواجن .
ونزل الكوفة وقال يقص حاله : ( ألا كل ماشية الخيزلي ** فدا كل ماشية الهيدبى ) وفيها يقول : ( ضربت بها التيه ضرب القما ** ر : إما لهذا وإما لذا ) ثم مدح بالكوفة دلير بن لشكورز وأنشده في الميدان فحمله على فرس بمركب ذهب .
وكان السبب في قصده أبا الفضل بن العميد على ما أخبرني أبو علي بن شبيب القاشاني وكان أحد تلامذتي ودرس علي بقاشان سنة ثلثمائة وسبعين وتوزر
____________________

للأصبهبد بالجبل وأبوه أبو القاسم توزر لوشمكير بجرجان عن العلوي العباسي نديم أبو الفضل بن العميد الذي يقول فيه : ( أبلغ رسالاتي الشريف وقل له : ** قدك اتئد أربيت في الغلواء ) أن المعروف المطوق الشاشي كان بمصر وقت المتنبي فعمد إلى قصيدته في كافور : وجعل مكان أبا المسك أبا الفضل وسار إلى خراسان وحمل القصيدة أعني قصيدة المتنبي إلى أبي الفضل وزعم أنه رسوله . فوصله أبو الفضل بألفي درهم واتصل هذا الخبر بالمتنبي ببغداد فقال : رجلٌ يعطي لحامل شعري هذا فما تكون صلته لي وكان ابن العميد يخرج في السنة من الري خرجتين إلى أرجان يجبي بها أربع عشرة مرة ألف ألف درهم فنمى حديثه إلى المتنبي بحصوله بأرجان فلما حصل المتنبي ببغداد نزل ربض حميد فركب إلى المهلبي فأذن له فدخل وجلس إلى جنبه وصاعدٌ خليفته دونه وأبو فرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني . فأنشدوا )
هذا البيت : ( سقى الله أمواهاً عرفت مكانها ** جراماً وملكوماً وبذر فالغمرا ) وقال المتنبي : هو جراباً وهذه أمكنة قتلتها علماً وإنما الخطأ وقع في النقلة فأنكره أبو الفرج .
قال الشيخ : هذا البيت أنشده أبو الحسن الأخفش صاحب سيبويه في كتابه جراماً بالميم وهو الصحيح وعليه علماء اللغة وتفرق المجلس عن هذه الجملة .
____________________


ثم عاوده اليوم الثاني وانتظر المهلبي إنشاده فلم يفعل وإنما صده ما سمعه من تماديه في السخف واستهتاره بالهزل واستيلاء أهل الخلاعة والسخافة عليه وكان المتنبي مر النفس صعب الشكيمة حاداً مجداً فخرج فلما كان اليوم الثالث أغروا به ابن الحجاج حتى علق لجام ( يا شيخ أهل العلم فينا ومن ** يلزم أهل العلم توقيره ) فصبر عليه المتنبي ساكناً ساكتاً إلى أن نجزها ثم خلى عنان دابته وانصرف المتنبي إلى منزله وقد تيقن استقرار أبي الفضل بن العميد بأرجان وانتظاره له فاستعد للمسير .
وحدثنا أبو الفتح عثمان بن جني عن علي بن حمزة البصري قال : كنت مع المتنبي لما ورد أرجان فلما أشرف عليها وجدها ضيقة البقعة والدور والمساكن فضرب بيده على صدره وقال : تركت ملوك الأرض وهم يتعبدون بي وقصدت رب هذه المدرة فما يكون منه ثم وقف بظاهر المدينة أرسل غلاماً على راحلته إلى ابن العميد فدخل عليه وقال : مولاي أبو الطيب المتنبي خارج البلد وكان وقت القيلولة وهو مضطجعٌ في دسته فثار من مضجعه واستثبته ثم أمر حاجبه باستقباله فركب واستركب من لقيه في الطريق ففصل عن البلد بجمع كثير . فتلقوه وقضوا حقه وأدخلوه البلد . فدخل على أبي الفضل فقام له من الدست قياماً مستوياً وطرح له كرسيٌ عليه مخدة ديباج وقال أبو الفضل : كنت مشتاقاً إليك يا أبا الطيب .
ثم أفاض المتنبي في حديث سفره وأن غلاماً له احتمل سيفاً وشذ عنه . وأخرج من كمه عقيب هذه المفاوضة درجاً فيه قصيدته : بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا
____________________

فوحى أبو الفضل إلى حاجبه بقرطاس فيه مائتا دينار وسيفٍ غشاؤه فضة وقال : هذا عوض عن السيف المأخوذ وأفرد له داراً نزلها فلما استراح من تعب السفر كان يغشى أبا الفضل كل يوم ويقول : ما أزورك إكباباً إلا لشهوة النظر إليك ويؤاكله . وكان أبو الفضل يقرأ عليه ديوان )
اللغة الذي جمعه ويتعجب من حفظه وغزارة علمه . فأظلهم النيروز فأرسل أبو الفضل بعض ندمائه إلى المتنبي : كان يبلغني شعرك بالشام والمغرب وما سمعته دونه فلم يحر جواباً إلى أن حضره النيروز وأنشده مهنئاً ومعتذراً فقال : ( هل لعذري إلى الهمام أبي الفض ** ل قبول سواد عيني مداده ) ( ما كفاني تقصير ما قلت فيه ** عن علاه حتى ثناه انتقاده ) ( إنني أصيد البزاة ولك ** ن أجل النجوم لا أصطاده ) ( ما تعودت أن أرى كأبي الفض ** ل وهذا الذي أتاه اعتياده ) فأخبرني البديهي سنة ثلثمائة وسبعين : أن المتنبي قال بأرجان : الملوك قرود يشبه بعضهم بعضاً على الجودة يعطون . وكان حمل إليه أبو الفضل خمسين ألف دينار سوى توابعها وهو من أجاود زمان الديلم .
وكذلك أبو المطرف وزير مرداويج قصده شاعر من قزوين فأنشده وأمله مادة نفقةٍ يرجع بها ( أأقلامٌ بكفك أم رماح ** وعزمٌ ذاك أم أجلٌ متاح ) فقال أبو المطرف : أعطوه ألف دينار .
وكذلك أبو الفضل البلعمي وزير بخارى أعطى المطراني الشاعر على قصيدته التي أولها : لا شرب إلا بسير الناي والعود خمسة عشر ألف دينار .
وكذلك خلفٌ صاحب سجستان أعطى أبا بكر الحنبلي خمسة آلاف دينار على كلمة فيه .
____________________


وكان سيف الدولة لا يملك نفسه وكان يأتيه علوي من بعض جبال خراسان كل سنة فيعطيه رسماً له جارياً على التأييد فأتاه وهو في بعض الثغور فقال للخازن : أطلق له ما في الخزانة فبلغ أربعين ألف دينار . فشاطر الخازن وقبض عشرين ألف دينار إشفاقاً من خلل يقع على عسكره في الحرب .
وأخبرني بعض أهل الأدب أنه تعرض سائل لسيف الدولة وهو راكب فأنشده في طريقه : ( أنت عليٌ وهذه حلب ** قد فني الزاد وانتهى الطلب ) فأطلق له الف دينار .
وتعرض سائل لأبي علي بن الياس وهو في موكبه فأمر له بخمسمائة دينار فجاءه الخازن )
بالدواة والبياض . فوقع بألفي دينار . فلما أبصره الخازن راجعه فيها . فقال أبو علي : الكلام ريح والخط شهادة ولا يجوز أن يشهد علي بدون هذا .
ثم إن أبا الطيب المتنبي لما ودع أبا الفضل بن العميد ورد كتاب عضد الدولة يستدعيه فعرفه ابن العميد فقال المتنبي : ما لي وللديلم فقال أبو الفضل : عضد الدولة أفضل مني ويصلك بأضعاف ما وصلتك به . فأجاب بأني ملقى من هؤلاء الملوك : أقصد الواحد بعد الواحد وأملكهم شيئاً يبقى ببقاء النيربين ويعطوني عرضاً فانياً ولي ضجرات واختيارات فيعوقونني عن مرادي فأحتاج إلى مفارقتهم على أقبح الوجوه فكاتب ابن العميد عضد الدولة بهذا الحديث .
فورد الجواب بأنه مملك مراده في المقام والظعن . فسار المتنبي من أرجان فلما كان على أربعة فراسخ من شيراز استقبله عضد الدولة بأبي عمر الصباغ أخي أبي محمد الأبهري صاحب كتاب حدائق الآداب . فلما تلاقيا وتسايرا استنشده . فقال : المتنبي : الناس يتناشدون فاسمعه .
فأخبر أبو عمر أنه رسم له ذلك عن المجلس العالي . فبدأ بقصيدته التي فارق مصر بها : ( ألا كل ماشية الخيزلي ** فدى كل ماشية الهيدبى ) ثم دخل البلد فأنزل داراً مفروشة ورجع أبو عمر الصباغ إلى عضد الدولة فأخبره بما جرى ( فلما أنخنا ركزنا الرما ** ح حول مكارمنا والعلا )
____________________

( وبتنا نقبل أسيافنا ** ونمسحها من دماء العدا ) ( لتعلم مصر ومن بالعراق ** ومن بالعواصم أني الفتى ) ( وأني وفيت وأني أبيت ** وأني عتوت على من عتا ) فقال عضد الدولة : هو ذا يتهددنا المتنبي ثم لما نفض غبار السفر واستراح ركب إلى عضد الدولة فلما توسط الدار انتهى إلى قرب السرير مصادمة فقبل الأرض واستوى قائماً وقال : شكرت مطيةً حملتني إليك واملاً وقف بي عليك ثم سأله عضد الدولة عن مسيره من مصر وعن علي بن حمدان فذكره وانصرف وما أنشده فبعد أيامٍ حضر السماط وقام بيده درج فأجلسه عضد الدولة وأنشده : مغاني الشعب طيباً في المغاني فلما أنشدها وفرغوا من السماط حمل إليه عضد الدولة من أنواع الطيب في الأردية الأمنان )
من بين الكافور والعنبر والمسك والعود وقاد فرسه الملقب بالمجروح وكان اشترى له بخمسين ألف شاة وبدرةً دراهمها عدلية ورداءً حشوه ديباج رومي مفصل وعمامة قومت بخمسمائة دينار ونصلاً هندياً مرصع النجاد والجفن بالذهب . وبعد ذلك كان ينشده في كل حدث يحدث قصيدة إلى أن حدث يوم نثر الورد فدخل عليه والملك على السرير في قبة يحسر البصر في ملاحظتها والأتراك ينثرون الورد فمثل المتنبي بين يديه وقال : ما خدمت عيني قلبي كاليوم وأنشأ يقول : ( قد صدق الورد في الذي زعما ** أنك صبرت نشره ديما ) ( كأنما مائح الهواء به ** بحرٌ حوى مثل مائه عنما ) فحمل على فرس بمركب وألبس خلعة ملكية وبدرة بين يديه محمولة . وكان
____________________

أبو جعفر وزير بهاء الدولة مأموراً بالاختلاف إليه وحفظ المنازل والمناهل من مصر إلى الكوفة وتعرفها منه فقال : كنت حاضره وقام ابنه يلتمس أجرة الغسال فأحد المتنبي إليه النظر بتحديق فقال : ما للصعلوك والغسال يحتاج الصعلوك إلى أن يعمل بيديه ثلاثة أشياء : يطبخ قدره وينعل فرسه ويغسل ثيابه ثم ملأ يده قطيعات بلغت درهمين أو ثلاثة .
وورد كتاب أبي الفتح ذي الكفايتين بن أبي الفضل وكان من أجاود زمان الديلم فرق في يوم واحد بشبديز قرميسين ألفين وخمسمائة قطعة إبريسم ومضمونه كتاب الشوق إلى لقاء المتنبي وتشوفه إلى نظرته .
فأجابه المتنبي : ( إذا سمع الناس ألفاظه ** خلقن له في القلوب الحسد ) ( فقلت وقد فرس الناظرين ** كذا يفعل الأسد ابن الأسد ) فلما عاد الجواب إلى أبي الفتح جعل الأبيات سورةً يدرسها ويحكم للمتنبي بالفضل على أهل زمانه . . فقال أبو محمد بن أبي الثبات البغدادي : ( لوارد شعرٍ كذوب البرد ** أتانا به خاطرٌ قد جمد ) ( فأقبل بمضغه بعضنا ** وهم السنانير أكل الغدد ) ( وقالوا : جوادٌ يفوق الجياد ** ويسبق من عفوه المقتصد ) ( ولو ولي النقد أمثاله ** لظلت خفافيشنا تنتقد ) )
فاستخف أبو الفتح به وجره برجله . ففارقهم وهاجر إلى أذربيجان والأمير أبو سالم ديسم بن شادكويه على الإمرة فاتصل به وحظي عنده على غاية الإكرام . وقال عضد الدولة : إن المتنبي كان جيد شعره بالعرب . فأخبر المتنبي به فقال : الشعر على قدر البقاع .
____________________


وكان عضد الدولة جالساً في البستان الزاهر يوم زينته وأكابر حواشيه وقوفٌ فقال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف الحكاري : ما يعوز مجلس مولانا سوى أحد الطائيين . فقال عضد الدولة : لو حضر المتنبي لناب عنهما . فلما أقام مدة مقامه وسمع ديوان شعره ارتحل وسار بمراكبه وأخبرنا أبو الحسن السوسي في دار الوقف بين السورين قال : كنت أتولى الأهواز من قبل المهلبي وورد علينا المتنبي ونزل عن فرسه ومقوده بيده وفتح عيابه وصناديقه لبلبل مسها في الطريق وصارت الأرض كأنها مطارف منشورة فحضرته أنا وقلت : قد أقمت للشيخ نزلاً .
فقال المتنبي : إن كان تم فآتيه .
ثم جاءه فاتك الأسدي بجمع وقال : قدم الشيخ في هذه الديار وشرفها بشعره والطريق بينه وبين دير قنة خشنٌ قد احتوشته الصعالكة وبنو أسد يسيرون في خدمته إلى أن يقطع هذه المسافة ويبر كل واحد منهم بثوب بياض . فقال المتنبي : ما أبقى الله بيدي هذا الأدهم وذباب الجراز الذي أنا متقلده فإني لا أفكر في مخلوق فقام فاتك ونفض ثوبه وجمع من رتوت الأعاريب الذين يشربون دماء الحجيج حسواً سبعين رجلاً ورصد له فلما توسط المتنبي الطريق خرجوا عليه فقتلوا كل من كان في صحبته وحمل فاتك على المتنبي وطعنه في يساره ونكسه عن فرسه . وكان ابنه أفلت إلا أنه رجع يطلب دفاتر أبيه فقنع خلفه الفرس أحدهم وجز رأسه وصبوا أمواله يتقاسمونها بطرطورة .
وقال بعض من شاهده : إنه لم تكن فيه فروسية وإنما كان سيف الدولة سلمه إلى النخاسين والرواض بحلب فاستجرأ على الركض والحضر فأما استعمال السلاح فلم يكن من عمله .
وجملة القول فيه : أنه من حفاظ اللغة ورواة الشعر وكل ما في كلامه من الغريب المصنف سوى حرف واحد هو في كتاب الجمهرة وهو قوله : يطوي المجلحة العقد
____________________

وأما الحكم عليه وعلى شعره : فهو سريع الهجوم على المعاني ونعت الخيل والحرب من خصائصه وما كان يراد طبعه في شيء مما يسمح به يقبل الساقط الرديء كما يقبل النادر )
البدع . وفي متن شعره وهي وفي ألفاظه تعقيد وتعويض ا . هـ كلامه مع بعض اختصار .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثاني والأربعون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( ألا أضحت حبالكم رماما ** وأضحت منك شاسعةً أماما ) على أن ترخيم غير المنادى في الضرورة جائز سواء كان على تقدير الاستقلال وهو لغة من لا ينتظر أو على نية المحذوف وهو لغة من ينتظر كما في هذا البيت .
فإن أماما أصله أمامة فلما حذف الهاء أبقى الميم على حالها والألف للإطلاق فلو كان على تقدير الاستقلال بجعل ما قبل الآخر في حكم الآخر لضم الميم رفعاً لأنه اسم أضحى . و شاسعة أي : بعيدة خبرها .
قال الأعلم الشنتمري : وكان المبرد يرد هذا ويزعم أن الرواية فيه : وما عهدي كعهدك يا أماما
____________________

وأن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنشده هكذا . وسيبويه أوثق من أن يتهم فيما رواه انتهى .
وقال أبو الحسن الأخفش في شرح نوادر أبي زيد الأنصاري : العرب في الترخيم على لغتين : فمنهم من يقول إذا رخم حارثاً ونحوه : يا حار بكسر الراء وهو الأكثر فالثاء على هذه اللغة في النية فمن فعل هذا لم يجز مثله في غير النداء إلا في الضرورة وأنشد سيبويه لجرير : ألا أضحت حبالكم رماما . . البيت فأجراه في غير النداء لما اضطر كما أجراه في النداء وهذا من أقبح الضرورات . . وأنشدنا المبرد هذا البيت عن عمارة : وما عهدي كعهدك يا أماما على غير ضرورة . وأنشد سيبويه لعبد الرحمن بن حسان : فحذف الفاء لما اضطر .
وأخبرنا المبرد عن المازني عن الأصمعي : أنه أنشدهم : من يفعل الخير فالرحمن يشكره )
قال : فسألته عن الرواية الأولى فذكر أن النحويين صنعوها . ولهذا نظائر ليس هذا موضع شرحها .
ومنهم من يقول : يا حار بضم الراء فلا يعتد بما حذف ويجريه مجرى زيد فحكم هذا في غير النداء كحكمه في النداء وعلى هذا أجرى قول ذي الرمة : ديار مية إذ مي تساعفنا
____________________

وهذا كثير . وكل ما جاءك مما حذف فقسه على ما ذكرت لك ا . هـ وفيه نظر فتأمل . و الرمام قال الأعلم : جمع رميم وهو الخلق البالي يريد : أن حبال الوصل بينه وبين أمامة قد تقطعت للفراق الحادث بينهما . والصواب ما قاله النحاس : أن الرمام جمع رمة بالضم وهي القطعة البالية من الحبل .
وهذا البيت مطلع قصيدة لجرير بن الخطفى وبعده : ( يشق بها العساقل موجداتٌ ** وكل عرندسٍ ينفي اللغاما ) و العساقل جمع عسقلة أو عسقول وهو السراب واضطرابه . يريد سيرها في الفلوات راجعةً إلى محضرها بعد انقضاء زمن الانتجاع . ووهم العيني فقال : العساقل : ضربٌ من الكمأة .
وروى النحاس عن أبي الحسن الأخفش يشق بها الأماعز قال : يشق : يعلو . وضمير بها لأمامة . والأماعز جمع أمعز ومعزاء بالعين المهملة والزاي المعجمة وهو الموضع الصلب يخلطه طين وحصى صغار قال زهير : ( يشج بها الأماعز وهي تهوي ** هوي الدلو أسلمها الرشاء ) و الموجدة بضم الميم وفتح الجيم : الناقة القوية المحكمة قال في الصحاح : ناقة أجد بضمتين : إذا كانت قوية موثقة الخلق ولا يقال للبعير أجد وآجدها الله فهي موجدة القرى أي : موثقة الظهر وبناءٌ موجد والحمد لله الذي آجدني بعد ضعف أي : قواني . و العرندس كسفرجل : الجمل الشديد . و اللغام بضم اللام وبعدها غين معجمة : ما يطرحه البعير من الزبد لنشاطه .
وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أوائل الكتاب .
____________________


وأنشد بعده : ( كليني لهم يا أميمة ناصب ** وليل أقاسيه بطيء الكواكب ) )
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والأربعون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( قفي قبل التفرق يا ضباعا ** ولا يك موقفٌ منك الوداعا ) على أن مرخم ضباعة فحذفت الهاء للترخيم وألف الترخيم تغني عنها . قال العلم وغيره : الوقف ما فيه الهاء ثم لما وقفوا عليه ردوا الهاء عليها عوضاً من الهاء لأنهم إنما رخموا للوقف فلما لم يمكنهم رد الهاء ههنا جعل الألف عوضاً منها على ما بينه سيبويه .
قال الدماميني في شرح التسهيل : قد يقال : لا نسلم أن هذه الألف عوض عن التاء المحذوفة بل هي ألف الإطلاق . وهذه المسألة لا يستدل عليها بالشعر فإن ثبت في النثر مثل ذلك تمت الدعوى وإلا فلا
____________________

.
قوله : ولا يك موقف . . الخ يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون على الطلب والرغبة كأنه قال : لا جعل الله موقفك هذا آخر الوداع . كذا في شرح أبيات الجمل للخمي . ففيه حذف مضاف من الوداع وقدره بعضهم : موقف وداع وهذا أحسن . وروى أبو الحسن الأخفش وهو سعيد ولا يك موقفاً منك الوداعا وقال : نصب موقفاً لأنه أراد : قفي موقفاً وهو أبينها ا . هـ .
وعليه فاسم يك ضمير المصدر المفهوم من قفي كأنه قال : ولا يكن موقفك موقف الوداع .
وقوله : ورفع بعضهم موقفاً . . الخ هو المشهور في الرواية لكن فيه الإخبار بالمعرفة عن النكرة . وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب الأفعال الناقصة . و ضباعة بنت زفر بن الحارث الآتي ذكره .
قال اللخمي : وفيه عطف المعرب على المبني لأنه عطف ولا يك وهو معرب على قفي وهو مبني وإنما سوغ ذلك وجود العامل وهي لا كقوله تعالى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ولو قلت : اقصدني وأكرمك بالجزم على اللفظ لم يجز على مذهب البصريين لأن اقصدني فعل مبني لا جازم له فلا يعطف على لفظه كما لا يجوز : هذه حذام وأختها بالجر على لفظ حذام . فإن قلت : اقصدني فلأحدثك فأدخلت لام الأمر جازت المسألة كما تقدم في الآية . . )
أقول : هذا ما يتعجب منه فإن العطف فيه إنما هو من عطف جملة على جملة لا من عطف معرب على مبني ولا حاجة إلى التطويل من غير طائل . . قال : وفيه حذف النون من يكن
____________________

وهذا البيت مطلع قصيدة للقطامي مدح بها زفر بن الحارث الكلابي . وكان بنو أسد أحاطوا به في نواحي الجزيرة وأسروه يوم الخابور وأرادوا قتله فحال زفر بينه وبينهم وحماه ومنعه وحمله وكساه وأعطاه مائة ناقة . فمدحه بهذه القصيدة وغيرها وحض قيساً وتغلب على السلم . وبعد هذا البيت : ( قفي فادي أسيرك إن قومي ** وقومك لا أرى لهم اجتماعا ) ( وكيف تجامعٌ مع ما استحلا ** من الحرم الكبار وما أضاعا ) ( ألم يحزنك أن حبال قيسٍ ** وتغلب قد تباينت انقطاعا ) ( يطيعون الغواة وكان شراً ** لمؤتمر الغواية أن يطاعا ) ( ألم يحزنك أن ابني نزارٍ ** أسالا من دمائهما التلاعا ) إلى أن قال : ( أمورٌ لو تلافاها حليمٌ ** إذاً لنهى وهبب ما استطاعا ) ( ولكن الأديم إذا تفرى ** بلى وتعيناً غلب الصناعا ) ( ومعصية الشفيق عليك مما ** يزيدك مرةً منه استماعا ) ( وخير الأمر ما استقبلت منه ** وليس بأن تتبعه اتباعا ) ( تراهم يغمزون من استركوا ** ويجتنبون من صدق المصاعا ) وقوله : قفي فادي أسيرك خطاب لضباعة بنت زفر الممدوح لأنه كان عند والدها أسيراً . و المفاداة : أخذ الفدية من الأسير وإطلاقه . و الحبال : المواصلة والعهود التي كانت بين قيس وتغلب . و تباينت : تفرقت . روي أن ضباعة لما سمعت قوله : ألم يحزنك الخ قالت : بلى والله قد حزنني . وأحزنني وحزنني لغتان . و المؤتمر : الذي يرى الغواية رأياً ويأمر بها نفسه .
يقول هو : شرٌ للغاوي أن يطاع في غيه .
وابنا نزار : ربيعة ومضر . و التلعة : مسيل من الارتفاع إلى بطن الوادي . و تلافاها : تداركها . و هبب بالقتل بموحدتين أي : أمر به . و تفرى :
____________________

تشقق . وتعين السقاء والمزادة : إذا رقت منهما مواضع وتهيأت للخرق . و الصناع بالفتح : الحاذقة بعمل اليدين . )
وقوله : ومعصية الشفيق . . الخ يقول : إذا عصيت الشفيق عليك الحريص على رشدك تبينت في عواقب أمرك الزلل . فزادك ذلك حرصاً على أن تقبل نصحه .
وقوله : وخير الأمر ما استقبلت أي : خير الأمر ما قد تدبرت أوله فعرفت إلام تؤول عاقبته وشره ما ترك النظر في أوله وتتبعت أواخره بالنظر . واستشهد به الزمخشري عند قوله تعالى : فتقبلها ربها بقبولٍ حسن على أن تقبل بمعنى استقبل كتعجله وتقصاه بمعنى استعجله وقوله : كذاك وما رأيت الناس . . الخ وروي : إلى ما ضر جاهلهم سراعاً أي : يسارع الجاهل إلى ما يضره . وقوله : تراهم يغمزون . . الخ استركوا : استضعفوا و الركيك : الضعيف . و المصاع بالكسر : المجالدة بالسيف . يقول : يستضعفون الضعيف فيطعنون فيه . و الغمز هنا : الإشارة بالعين والرأس . و القطامي اسمه عمير بن شييم التغلبي : تغلب بني وائل . وعمير مصغر عمرٍ و وكذلك شييم مصغر أشيم وهو الذي به شامة . ويقال : شييم بكسر الشين أيضاً وضبطه عيسى بن إبراهيم شارح أبيات الجمل : شييم بسين مهملة مضمومة . وله لقبان أحدهما القطامي منقول من الصقر لأن الصقر يقال له : قطامي بفتح القاف وضمها وهو مشتق من القطم بالتحريك وهو شهوة اللحم وشهوة النكاح يقال فحل قطمٌ : إذا هاج للضراب .
____________________


وهو لقبٌ غلب عليه لقوله : ( يصكهن جانباً فجانبا ** صك القطامي القطا القواربا ) واللقب الآخر : صريع الغواني . قال النطاح : أول من سمي صريع الغواني القطامي بقوله : ( صريع غوانٍ راقهن ورقنه ** لدن شب حتى شاب سود الذوائب ) أي : صرعه حبهن حتى لا حراك به . و الغواني : الشواب . وقال أبو عبيدة : ذوات الأزواج غنين بأزواجهن .
وصريع الغواني لقب مسلم بن الوليد أيضاً لقبه هارون الرشيد بقوله : ( هل العيش إلا أن تروح مع الصبا ** وتغدو صريع الكأس والأعين النجل ) والقطامي كان نصرانياً فأسلم . وهو ابن أخت الأخطل النصراني المشهور . وعده الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام . قال بعض علماء الشعر : أحسن الناس ابتداعاً في الجاهلية )
امرؤ القيس حيث يقول : ( ألا عم صباحاً أيها الطل البالي ** وهل يعمن من كان في العصر الخالي ) وفي الإسلام القطامي حيث يقول : إنا محيوك فاسلم أيها الطل ومن المولدين بشار حيث يقول : ( أبى طلٌ بالجزع أن يتكلما ** وماذا عليه لو أجاب متيما ) وذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من يقال له القطامي ثلاثة : أولهم هذا والثاني : القطامي الضبعي ضبيعة بن ربيعة بن نزار أحد ولد الساهري وصاحب شراب ومن شعره :
____________________

وكان أبوه من أصحاب خالد القسري . والثالث القطامي الكلبي واسمه الحصين وهو أبو الشرقي بن القطامي . شاعر محسن وهو القائل لما بلغه خبر يزيد بن المهلب : ( لعل عيني أن ترى يزيدا ** يقود جيشاً جحفلاً رشيدا ) ترى ذوي التاج له سجودا وأما زفر بن الحارث فهو أبو الهذيل زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاذ بن يزيد بن عمرو بن الصعق بن خليد بن نفيل بن عمرو بن كلاب الكلابي .
كان كبير قيس في زمانه وفي الطبقة الأولى من التابعين من أهل الجزيرة . وكان من الأمراء .
سمع عائشة ومعاوية . وشهد وقعة صفين مع معاوية أميراً على أهل قنسرين وشهد وقعة مرج راهط مع الضحاك بن قيس فلما قتل الضحاك هرب إلى قرقيسا ولم يزل متحصناً فيها حتى مات في خلافة عبد الملك بن مروان في بضع وسبعين .
وكان الضحاك بن قيس ومعه النعمان بن بشير الأنصاري يدعو في الشام لعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم مع بني أمية يدعو لنفسه فالتقى الفريقان في مرج راهط وكان مع الضحاك ستون ألف فارس ومع مروان ثلاثة عشر ألفاً .
____________________

فقال عبيد الله بن زياد لمروان : إن فرسان قيس مع الضحاك فلا ننال منه إلا بكيد فأرسل مروان إلى الضحاك يسأله الموادعة حتى ننظر في المبايعة لابن الزبير فأجابه الضحاك ووضع أصحابه سلاحهم فقال ابن زياد : دونك فشد مروان على الضحاك فقتل الضحاك والنعمان ورجال قيس . ولما هرب زفر جاءته خيل مروان ففاتها وتحصن وقال في ذلك : ) ( أريني سلاحي لا أبا لك إنني ** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا ) ( أتاني عن مروان بالغيب أنه ** مقيدٌ دمي أو قاطعٌ من لسانيا ) ( وفي العيس مناجاةٌ وفي الأرض مهربٌ ** إذا نحن رفعنا لهن المثانيا ) ( فلا تحبسوني إن تغيبت غافلاً ** ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا ) ( فقد ينبت المرعى على دمن الثرى ** له ورقٌ من تحته الشر باديا ) ( ويمضي ولا يبقى على الأرض دمنة ** وتبقى حزازات النفوس كما هيا ) ( ويذهب يومٌ واحدٌ إن أسأته ** بصالح أيامي وحسن بلائيا ) وأنشد بعده وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المائة ) أطرق كرا
____________________

( أطرق كرا أطرق كرا ** إن النعام في القرى ) على أن الكرا ذكر الكروان وليس مرخماً منه .
وهذا بيت من الرجز وهو مثل . وقد اختلف في قدره وفي معنى الكرا والكروان وفي معنى البيت : أما الأول فقد أورده ابن الأنباري وابن ولاد وأبو علي القالي والجوهري في الصحاح والصاغاني في العباب كما ذكرنا وأورده المبرد في الكامل والزمخشري في مستقصى الأمثال والشارح أيضاً في آخر بحث الترخيم هكذا : أطرق كرا إن النعام في القرى بناء على انه نثر لا نظم وصوابه أطرق كرا مرتين كما نبه عليه ابن السيد البطليوسي فيما كتبه على الكامل . وزاد الشارح هناك ما إن أرى هنا كرا ولم أر هذه الزيادة لغيره .
وأما الثاني : فالمشهور أن الكروان طائر طويل العنق والرجلين أغبر له صوت حسن وهو أكبر من الحمامة . وقال أبو حاتم في كتاب الطير : الكروان القبج أي : الحجل . وقيل : هو الحبارى .
وقال الزمخشري : هو ذكر الحبارى . وقيل : هو الكركي . والكرا يكتب بالألف . قال المبرد : وهو مرخم الكروان وتبعه من جاء بعده . قال القالي : الكرا : الكروان . وهو عند أهل النظر والتحقيق من أهل العربية ترخيم كروان . وإنما أ راد الراجز : أطرق يا كروان فرخم .
وما قاله الشارح من أن الكرا ذكر الكروان ذكره صاحب القاموس أيضاً
____________________

ونسبه ابن عقيل في ) ( لنا يومٌ وللكروان يومٌ ** تطير البائسات ولا نطير ) فجعله جماعة الكرا ألا ترى أنه قال : البائسات وكذلك تنشده العرب ولم ترهم رخموا ثم جمعوا على الترخيم . وجمعوه على الكروان بالكسر ولم يقولوا : الكراوين والكروانات انتهى .
وعلى هذا يسقط منه شذوذان : الترخيم وتغييره ويبقى شذوذ واحد وهو حذف حرف النداء مع اسم الجنس . ويدل على الترادف وعلى أنه ذكره ورود الكرا في غير النداء .
أنشد ابن ولاد والزمخشري للفرزدق قوله : ( أألآن لما عض نابي بمسحلي ** وأطرق إطراق الكرا من أحاربه ) ( إذا رآني كل بكري بكى ** أطرق في البيت كإطراق الكرا ) وأما معناه فقد قال ابن الأنباري والقالي : معنى البيت : أغض فإن الأعزاء في القرى والكروان طائر ذليل يقول : ما دام عزيزٌ موجوداً فإياك أيها الذليل أن تنطق . ضربه مثلاً .
____________________


وقال الشارح المحقق في آخر بحث النداء : هو رقية يصيدون بها الكرا فيسكن ويطرق حتى يصاد . وهو في هذا تابع للزمخشري فإنه قال : يقال للكروان ذلك إذا أريد اصطياده . أي : تطأطأ واخفض عنقك للصيد فإن أكبر منك وأطول أعناقاً وهي النعام قد صيدت وحملت من الدو إلى القرى . يضرب لمن تكبر وقد تواضع من هو أشرف منه . ومثله لصاحب القاموس فإنه قال : وأطرق كرا يضرب لمن يخدع بكلام يلطف له ويراد به الغائلة .
وقال ابن الحاجب في الإيضاح : واطرق كرا مثلٌ لمن يتكلم وبحضرته أولى منه بذلك : كأن أصله خطابٌ للكروان بالإطراق لوجود النعام ولذلك يقال إن تمامه : ( . . . . أطرق كرا ** إن النعام في القرى ) ويقال : إن الكروان يخاف من النعام . )
ومثله في العباب للصاغاني فإنه قال : وأطرق : أرخى عينه ينظر إلى الأرض وفي المثل : أطرق كرا . . البيت . يضرب للمعجب بنفسه وللذي ليس عنده غناء ويتكلم فيقال : اسكت وتوق انتشار ما تلفظ به كراهية ما يتعقبه . وقولهم : إن النعام في القرى أي : تأتيك فتدوسك بمناسمها . ويقال أيضاً : أطرق كرا يجلب لك يضرب للأحمق في تمنيه الباطل فيصدق .
وقال الأعلم الشنتمري في شرح الأشعار الستة : يضرب لرجل يظن أنك محتاج إليه فتقول له : اسكن فقد أمكنني من هو أنبل منك وأرفع . والنعام إنما يكون في القفار فإذا كان بالقرى فقد أمكن . انتهى .
تتمة : كروان يجمع على كراوين كورشان يجمع على وراشين وقالوا يجمع أيضاً على غير قياس على كروان بكسر الكاف وسكون الراء كما يجمع ورشان على ورشان وهو جمع بحذف الزوائد .
كأنهم جمعوا كراً مثل أخٍ وإخوان .
قال ابن جني في الخصائص : وذلك أنك لما حذفت ألفه ونونه بقي معك
____________________

كرو فقلبت واوه ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها طرفاً فصارت كرا ثم كسرت كرا على كروان كشبث وشبثان وخرب وخربان . وعليه قولهم في المثل : أطرق كرا إنما هو عندنا ترخيم كروان على قولهم يا حار بالضم . قالوا : والألف في كروان إنما هي بدل من الألف المبدلة من واو كروان . انتهى .
وزعم الرياشي أن الكروان و الكروان للواحد وكذلك ورشان وورشان . ويرده قول ذي ( من ال أبي موسى ترى الناس حوله ** كأنهم الكروان أبصرن بازيا ) وأنشد بعده وهوالشاهد الخامس والأربعون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( فقالوا تعال يا يزي بن مخرم ** فقلت لهم : إني حليف صداء ) على أن المرخم يجوز وصفه إلا عند الفراء وابن السراج أراد الشاعر : يا يزيد ابن مخرم .
وعند سيبويه حذفت الدال للترخيم . والياء لالتقاء الساكنين . وقال الفراء : كلاهما حذف للترخيم . فإن مذهبه حذف الساكن مع الآخر في الترخيم فيقول : فيمن اسمه قمطر ياقم كذا في الإيضاح لابن الحاجب .
قال الشاطبي في شرح الألفية : شرط المؤنث بالتاء المرخم أن لايكون موصوفاً لأن الترخيم حذف آخر الاسم للعلم به والصفة بيان الموصوف لعدم العلم به فهما متدافعان .
____________________


ولذلك قال سيبويه في قوله : إنك يا معاو يا ابن الأفضل إنه ترخيم بعد ترخيم . وقد نص على هذا الروماني وتبعه ابن خروف وقال في البيت : لا يصلح فيه النعت لأنه منادى مرخم فهو في نهاية التعريف فنعته بعيد . فعلى هذا يكون قول يزيد بن مخرم وأنشد سيبويه : فقلتم تعال يا يزي بن مخرم . . البيت شاذاً . ويجري مجرى النعت على هذا التقدير التوابع كلها : من العطف البياني والتوكيد إلا البدل ففيه بحث وإلا العطف النسقي فإن كل واحد منهما أعني من المعطوف والمعطوف عليه مستقل بالعامل من جهة المعنى . وفيه نظر أيضاً . انتهى ثم قال : وهذا الشرط منازعٌ فيه . وأجاب الشلوبين بأنه قد يتوجه العلم المشترط في الترخيم على الاسم وعدم العلم على المسمى فلا يتدافعان . وأما بيت سيبويه فلعله إغرابٌ من سيبويه إذ كان الوجه الآخر لا غرابة فيه أو لعله اختيار منه لذلك الوجه لأنه موضع مدح فتكرير النداء فيه أفخم من الإتيان به وصفاً . هذا ما قال ويقويه أن سيبويه أنشد : فقلتم تعال يا يزي بن مخرم على أنه ليس من الشاذ بل على أنه من الجائز بإطلاق وهو مع ترخيم الهاء أجود ومثله قول امرئ القيس : )
وهذا الشاهد دال على جواز ترخيم الموصوف من باب الأولى لأنه من الموصوف بابن وتقرر في الكلام صيرورة ابن مع الموصوف في حكم المركب بدليل حذف التنوين . فإن كان هذا يجوز ترخيمه فمن باب أولى جواز ترخيم نحو : يا طلحة الفاضل ويا حارث الفاضل فتقول : يا طلح الفاضل ويا حار الفاضل . وكذلك المعطوف والمؤكد والمبدل منه . انتهى .
____________________

و مخرم بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة . و يزيد بن المخرم من أشراف بني الحارث من أهل اليمن . والمخرم هو ابن شريح بن المخرم بن حزن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن الحارث .
وكان يزيد بن المخرم ممن جاء مع عبد يغوث الحارثي في يوم الكلاب الثاني وقد مضى شرحه في الشاهد الخامس والستين وقتل يزيد بن المخرم في ذلك اليوم مع يزيد بن عبد المدان ويزيد بن الهوبر . وأسر عبد يغوث كما تقدم شرحه . ولما وقعت الهزيمة عليهم جعل رجلٌ من بني تميم يقول : ( يا قوم لا يفلتكم اليزيدان ** يزيد حزنٍ ويزيد الديان ) ويروى : مخرماً أعني به والديان و صداء بضم الصاد وفتح الدال المهملتين وبالمد : حيٌ من اليمن منهم زياد ابن الحارث الصدائي الصحابي رضي الله عنه . و الحلبف : المحالف والمعاهد . وروي البيت هكذا : ( فقلتم تعال يا يزي بن مخرم ** فقلت لكم : إني حليف صداء ) وهو من أبيات ليزيد بن المخرم المذكور آنفاً .
وأنشد بعده : كليني لهم يا أميمة ناصب وتقدم شرحه قبل هذا بثمانية شواهد .
____________________


وأنشد بعده وهوالشاهد السادس والأربعون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( عجبت لمولود وليس له أبٌ ** وذي ولدٍ لم يلده أبوان ) على أن سيبويه استشهد به في ترخيم أسحار في أنك تحركه بأقرب الحركات إليه وكذا تقول : انطلق إليه في الأمر : تسكن اللام فتبقى ساكنة والقاف ساكنة فتحرك القاف بأقرب الحركات قال أبو جعفر النحاس : فإن قيل : فقد جئت بحركة موضع حركة فما الفائدة في ذلك فالجواب : أن الحركة المحذوفة كسرة انتهى .
أي : فالفتحة أخف منها . فأصل يلده بكسر اللام وسكون الدال للجزم فسكن المكسور تخفيفاً فحركت الدال دفعاً لالتقاء الساكنين بحركة وهي أقرب الحركات إليها وهي الفتحة لأن الساكن غير حاجز حصين . قال المبرد في الكامل : كل مكسور أو مضموم إذا لم يكن من حركات الإعراب يجوز فيه التسكين . وأنشد هذا البيت وقال : لا يجوز ذلك في المفتوح لخفة الفتحة . انتهى .
ووقع هذا البيت في رواية سيبويه :
____________________

ألا رب مولودٍ وليس له أب وكذا أورده ابن هشام في مغني اللبيب شاهداً على أن رب تأتي بقلة لإنشاء التقليل كهذا البيت وفي الأكثر أنها لإنشاء التكثير . وكذا أورده غيره . ولا تلتفت إلى قول ابن هشام اللخمي مع رواية سيبويه : الصواب عجبت لمولود . لأن الروايتان صحيحتان ثابتتان .
ونسبه شراح أبيات سيبويه لرجل من أزد السراة . وبعده : ( وذي شامةٍ سوداء في حر وجهه ** مخلدةٍ لا تنقضي لأوان ) وعلى هذه الرواية لا وصف لمجرور رب لأنه لا يلزم وصفه عند سيبويه ومن تبعه . فجملة وليس له أب حال من مولود والعامل محذوف وهو جواب رب تقديره : يوجد ونحوه . والتزم المبرد وتابعوه وصف مجرورها فتكون الجملة صفة له والواو هي الواو التي سماها الزمخشري واو اللصوق أي : لصوق الصفة بالموصوف وجعل من ذلك قوله تعالى : وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم . و ذي ولد معطوف على مولود . وأراد بالأول عيسى ابن مريم وبالثاني آدم أبا البشر )
عليهما السلام قال أبو علي الفارسي : إن عمراً الجنبي سأل امرأ القيس عن مراد الشاعر فأجابه بهذا الجواب وجنب بفتح الجيم وسكون النون : قبيلة في اليمن وعمرو هذا منسوب إليها وقيل : أراد بذي الولد البيضة وقيل : أراد به القوس وولدها السهم لم يلده أبوان لأنه لا تتخذ القوس إلا من شجرة واحدة مخصوصة . وهذان القولان من الخرافات فإن البيضة متولدة من أنثى وذكر والقوس لا تتصف بالولادة حقيقة وإن أراد بها التولد وهو حصول شيء من شيء فليست مما ينسب إليه الوالدان .
وأراد بذي شامة : القمر فإنه ذو شامة . وهي المسحة التي فيه يقال : إنها من أثر جناح جبريل عليه السلام لما مسحه والشامة : علامة مخالفة لسائر البدن والخال هي النكتة السوداء فيه .
وأراد بكمال شبابه في خمس وتسع صيرورته بدراً
____________________

في الليلة الرابعة عشرة لأنه حينئذ في غاية البهاء والضياء كما أن الشاب في غاية قوته محسن منظره في عنفوان شبابه . وأراد بهرمه ذهاب نوره ونقصان ذاته في الليلة التاسعة والعشرين فإن السبعة والثمانية وهي خمسة عشر إذا انضمت مع الخمسة والتسعة المتقدمة وهي أربعة عشر صارت تسعة وعشرين . وهذا الضم استفيد من قوله : معاً . وروي : مضت بدل معاً .
وروى بعضهم : وذي شامة غراء أي : بيضاء وهذا غير مناسب . وحر الشيء : خالصه و حر الوجه : ما بدا من الوجنة أو ما أقبل عليك منه أو أعتق موضع فيه . و مخلدة بالخاء المعجمة والدال أي : باقية وهو بالجر صفة لشامة وبالنصب حال منها للمسوغ . وروى بعضهم : مجللة اسم فاعل من التجليل بجيم ولامين وهو التغطية . وهذا أيضاً غير مناسب .
وفسرها بعضهم بذات العز والجلال .
وروى أيضاً : مجلحة بتقديم الجيم على الحاء المهملة وفسره بمنكسفة وهذا كله من ضيق العطن : لا الرواية لها أصل ولا هذا التفسير ثابت في اللغة . واللام في قوله : لأوان بمعنى في كقوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وقولهم : مضى لسبيله أو بمعنى عند كقولهم : كتبته لخمسٍ خلون أو بمعنى بعد كقوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس . قال البيضاوي في قوله تعالى : لا يجليها لوقتها إلا هو لا يظهر أمرها في وقتها . والمعنى : أن الخفاء بها استمر على غيره إلى وقت وقوعها . واللام للتأقيت كاللام في قوله تعالى : لدلوك الشمس .
وقال العيني : هي للوقت . ولا يقال : هذا إضافة الشيء إلى نفسه لأن المعنى لوقتٍ وقت لأن )
التغاير في اللفظ كافٍ في دفع ذلك . انتهى . فتأمل .
وروي : لا تنجلي لزمان . وذكر العدد في الجميع لأنه باعتبار الليالي . وجملة يكمل من الفعل وضميره المستتر معطوف على جملة لا تنقضي . ولا يضر تخالفهما نفياً وإثباتاً .
____________________

و أزد السراة : حي من اليمن . والأزد اسمه درءٌ بكسر الدال وسكون الراء المهملتين وبالهمز . والأسد لغة في الأزد بل قيل : السين أفصح من الزاي . والأزد : ابن الغوث بن نبت بن مالك بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان . والغوث بفتح العين المعجمة وبالثاء المثلثة ونبت : بفتح النون وسكون الموحدة وبالتاء المثناة . وأدد : بضم الهمزة وفتح الدال الأولى . وسبأ : بفتح السين المهملة وفتح الموحدة وبالهمز . ويشجب : بفتح المثناة التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الجيم وبالباء الموحدة . ويعرب بفتح المثناة التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الجيم وبالباء الموحدة . ويعرب بفتح المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الراء المهملة وبالباء الموحدة . كذا في جامع الأصول لابن الأثير وغيره من كتب الأنساب . والسراة بفتح السين المهملة هو أعظم جبال العرب . روى أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم بسنده إلى سعيد بن المسيب : أنه قال : لما خلق الله عز وجل الأرض مادت بأهلها فضربها بهذا الجبل يعني السراة فاطمأنت .
قال أبو عبيد : وطول السراة : ما بين ذات عرق إلى حد نجران اليمن . وبيت المقدس في غربي طولها . وعرضها ما بين البحر إلى الشرق . فصار ما خلف هذا الجبل في غربيه إلى أسياف البحر من بلاد الأشعريين وعك وكنانة إلى ذات عرق والجحفة وما والاها وصاقبها وغار من أرضها الغور : غور تهامة وتهامة تجمع ذلك كله . وغور الشام لا يدخل في ذلك . وصار ما دون ذلك في شرقيه من الصحارى إلى أطراف العراق والسماوة وما يليها نجداً ونجد يجمع ذلك كله . وصار الجبل نفسه سراته وهو الحجاز . وما احتجز به في شرقيه من الجبال وانحاز إلى ناحية فيد والجبلين إلى المدينة ومن بلاد مذحج تثليث . وما دونها إلى ناحية فيد فذلك كله حجاز .
____________________


وصارت بلاد اليمامة والبحرين وما والاهما : العروض وفيها نجد وغور لقربها من البحر وانخفاض مواضع منها ومسايل أودية فيها والعروض بجمع ذلك كله . وصار ما خلف تثليث وما قاربها إلى صنعاء وما والاها من البلاد إلى حضرموت والشحر وعمان وما بينهما اليمن )
وفيهما التهائم والنجود واليمن يجمع ذلك كله . وذات عرق فصلٌ ما بين تهامة ونجد والحجاز .
وقيل لأهل ذات عرق : أمتهمون أنتم أم منجدون قالوا : لا متهمون ولا منجدون . انتهى . كلام أبي عبيد .
وقال ابن مكرم في لسان العرب : السراة جبل بناحية الطائف . قال ابن السكيت : الطود : الجبل المشرف على عرفة ينقاد إلى صنعاء يقال لها : السراة فأوله سراة ثقيف ثم سراة فهم وعدوان ثم الأزد انتهى .
قال ابن عبد البر في مقدمة الاستيعاب : الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وافترقت فيما ذكر أبو عبيدة وغيره من علماء النسب على نحو سبع وعشرين قبيلة . . ثم ذكرها . . ويقال : لبعض منهم : أزد السراة وهو من أقام منهم عند جبل السراة .
ولبعض آخر : أزد عمان بضم العين المهملة وتخفيف الميم وهو بلد على شاطئ البحر بين البصرة وعدن أضيفوا إليه لسكناهم فيه . ولبعض آخر : أزد غسان بفتح العين المعجمة وتشديد السين المهملة وهو اسم ماء بين زبيد ورمع وهما واديان للأشعريين فمن شرب منه منهم سمي أزد غسان وهم أربع قبائل ومن لم يشرب منه لا يقال له ذلك قال حسان بن ثابت رضي الله عنه : ومنهم من يقال له : أزد شنوءة على وزن فعولة وهو اسم أبيهم سمي به
____________________

لشنآن وقع بينهم .
واسمه الحارث وقيل : عبد الله بن كعب بن مالك بن نصر ابن الأزد . قال في الصحاح : أزد أبو حي من اليمن يقال أزد شنوءة وأزد عمان وأزد السراة . قال النجاشي : ( وكنت كذي رجلين رجلٌ صحيحةٌ ** ورجلٍ بها ريب من الحدثان ) ( فأما التي صحت فأزد شنوءة ** وأما التي شلت فأزد عمان ) ورأيت في الملحقات التي ألحقها صاحب المختصر الذي اختصره من جمهرة الأنساب لابن الكلبي بعد أن نقل كلام الصحاح ما نصه : لم أجد في الجمهرة . لابن دريد لذلك ذكراً بل رأيت في العجالة في النسب أن شنوءة اسمه الحارث وقيل عبد الله . فقوله : إنه الحارث أقرب إلى الصواب . فالحارث هو الذي ولد هذه البطون والقبائل من دوس ونصر وغامد وماسخة وغيرهم . وأهل عمان الآن يقولون : إنهم شنوءة وهم من دوس ثم من مالك بن فهم بن غنم بن دوس . )
وهذا الذي ظهر من صحة ذلك يبطل تقسيم الشاعر في هذا البيت وقوله : إن أزد عمان غير أزد شنوءة وقول الجوهري : يقال أزد شنوءة وأزد عمان وأزد السراة إن أراد بهم التقسيم على ثلاث قبائل ففاسد وذلك : أن أزد السراة أيضاً من أزد شنوءة فيهم من يذكر وهم ثمالة تحل بلداً بالسراة اسمه قوسى ودوس منهم منهب بن دوس بالسراة . والأقرب أن يقال : إن هذا كقولهم غسان والأنصار وخزاعة وكلهم غسان وإنما تجدد للأنصار وخزاعة هذان الوصفان فبقيت تسمية غسان للشاميين ا . هـ .
وأنشد بعده وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المائة )
____________________

( يا مرحباه بحمار ناجيه ) على أن هاء السكت الواقعة بعد الألف يضمها بعض العرب ويفتحها في حالة الوصل في الشعر .
قال ابن جني في باب الحكم يقف بين الحكمين من الخصائص : ومن ذلك بيت الكتاب : له زجلٌ كأنه صوت حادٍ فحذف الواو من كأنه لا على حد الوقف ولا على حد الوصل أما الوقف فيقتضي بالسكون : كأنه وأما الوصل فيقتضي بالمطل وتمكين الواو : كأنهو فقوله إذن : كأنه منزلة بين الوصل والوقف . ( يا مرحباه بحمار ناجيه ** إذا أتى قربته للسانيه ) فثبات الهاء في مرحباه ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل أما الوقف فيؤذن بأنها ساكنة وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلاً فثباتها في الوصل متحركة منزلةٌ بين المنزلتين ا . هـ .
وقوله : يا مرحباه : المنادى محذوف ومرحبا مصدر منصوب بعامل محذوف أي : صادف رحباً وسعة . حذف تنوينه لنية الوقف ثم بعد أن وصل به هاء السكت عن له الوصل فوصل . و الحمار مذكر والأنثى أتان وحمارة بالهاء نادر وهو مضاف إلى ناجية . و ناجية : بالنون والجيم : اسم شخص وبنو ناجية قوم من العرب وناجية : ماء لبني أسد وموضع بالبصرة والناجية : الناقة السريعة وليست بمرادٍ هنا . والباء متعلقة بقوله مرحبا .
والسانية : الدلو العظيمة وأداتها . والناقة التي يسنى عليها أي : يستقى عليها من البئر . )
____________________


وفي المثل : سير السواني سفر لا ينقطع . يقال : سنت الناقة تسنو سناوة وسناية : إذا سقت الأرض والسحابة تسنو الأرض والقوم يسنون لأنفسهم : إذا استقوا والأرض مسنوة ومسنية بالواو والياء . وأراد بتقريب الحمار للسانية : أن يستقى عليه من البئر بالدلو العظيمة .
وأنشد بعده وهو وهو من شواهد س : في لجةٍ أمسك فلاناً عن فل على أن فلا مما يختص بالنداء وقد استعمله الشاعر في الضرورة غير منادى .
قال صاحب اللباب : ووزنه فعل تقديراً والذاهب منه الواو فيكون أصله فلو كفسق فذهبت الواو تخفيفاً . وذلك لأن الاسم المتمكن لا يكون على حرفين فلا بد من تقدير حرف ثالث وحرف العلة أولى لكثرة دوره والواو أولى لأن بنات الواو أكثر .
وهذا البيت من أرجوزة طويلة لأبي النجم العجلي وصف فيها أشياء كثيرة أولها :
____________________

( الحمد لله العلي الأجلل ** الواسع الفضل الوهوب المجزل ) ( أعطى فلم يبخل ولم يبخل ** كوم الذرى من خول المخول ) ( تبقلت من أول التبقل ** بين رماحي مالكٍ ونهشل ) يدفع عنها العز جهل الجهل إلى أن قال : ( وقد جعلنا في وضين الأحبل ** جوز خفافٍ قلبه مثقل ) ( أخزم لا قوقٍ ولا حزنبل ** موثق الأعلى أمين الأسفل ) إلى أن قال : ( وصدرت بعد أصيل الموصل ** تمشي من الردة مشي الحفل ) مشي الروايا بالمزاد الأثقل إلى أن قال : ( تثير أيديها عجاج القسطل ** إذ عصبت بالعطن المغربل ) ( تدافع الشيب ولم تقتل ** في لجةٍ أمسك فلاناً عن فل ) ومنها في صفة الراعي : )
____________________

( تفلي له الريح ولما يفتل ** لمة قفرٍ كشعاع السنبل ) ( يأتي لها من أيمنٍ وأشمل ** وبدلت والدهر ذو تبدل ) هيفاً دبوراً بالصبا والشمأل وهي طويلة جداً .
قال الأصبهاني في الأغاني : ورد أبو النجم على هشام بن عبد الملك في الشعراء فقال لهم هشام : صفوا لي إبلاً فقطروها وأوردوها وأصدروها حتى كأني أنظر إليها . فأنشدوه . .
وأنشد أبو النجم هذه الأرجوزة بديهة .
وكان أسرع الناس بديهة . قال الأصمعي : أخبرني عمي قال أخبرني ابن بنت أبي النجم قال : قال جدي أبو النجم : نظمت هذه الأرجوزة في قدر ما يمشي الإنسان من مسجد الأشياخ إلى مسجد حاتم الجزار ومقدار ما بينهما غلوة سهم أي مقدار رمية .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : أنشد أبو النجم هذه الأرجوزة هشام بن عبد الملك وهي أجود أرجوزة للعرب وهشام يصفق بيديه استحساناً لها حتى إذا بلغ قوله في صفة الشمس : ( حتى إذا الشمس جلاها المجتلي ** بين سماطي شفقٍ مرعبل ) ( صغواء قد كادت ولما تفعل ** فهي على الأفق كعين الأحول ) أمر بوجء رقبته وإخراجه . وكان هشام أحول ا . هـ .
وقوله : الحمد لله العلي الأجلل أورده علماء البلاغة على أن الأجلل
____________________

بفك الإدغام مما يخل بالفصاحة والفصيح الأجل وهو القياس .
وأورده ابن هشام أيضاً في آخر الأوضح على أن فك الإدغام فيه للضرورة مع أن الإدغام واجب في مثله . ورواه سيبويه : الحمد لله الوهوب المجزل وأنشده على أن حذف الياء المتصلة بحرف الروي جائز على ضعف تشبيهاً لها في الحذف بياء الوصل الزائدة للترنم كما في قوله المجزل ونحوه . . وكأن هذه الرواية مركبة من بيتين . و المجزل : من أجزل له في العطاء : إذا أوسعه . والبخل عند العرب : منع السائل مما يفضل عنده وفعله من باب تعب وقرب . و بخله بالتشديد : إذا نسبه إلى البخل وأما أبخله بالهمز فمعناه وجده بخيلاً . و كوم الذرى : مفعول أعطى وهو جمع كوماء بالفتح والمد وهي الناقة العظيمة السنام . وذرى الشيء بالضم أعاليه جمع ذروة بالكسر والضم أيضاً وهي أعلى السنام أيضاً . و الخول بفتحتين : العطية . والمخول )
اسم فاعل : المعطي . في العباب : الخول : العطية وقوله تعالى : وتركتم ما خولناكم أي : أعطيناكم وملكناكم . وأنشد هذا البيت .
وقوله : تبقلت . . الخ البقل : كل نبات اخضرت له الأرض . وتبقلت الناقة مثلاً وابتقلت : رعت البقل . ومالك هو ابن ضبيعة بن قيس من هوزان . ونهشل هو أبو دارم قبيلة من ربيعة .
قال الأصفهاني في الأغاني : وكان سبب ذكر هاتين القبيلتين أعني بني مالك ونهشل : أن دماء كانت بين بني دارم وبني نهشل وحروباً في بلادهم فتجافى جميعهم الرعي فيما بين فلج والصمان مخافة الشر حتى عفا كلؤه وطال . فذكر : أن بني عجل جاءت لعزها إلى ذلك الموضع فرعته ولم تخف رماح هذين الحيين . ففخر به أبو النجم ا . هـ . و فلج بفتح الفاء وسكون اللام وآخره جيم . و الصمان بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم قال البكري في معجم ما استعجم : فلج : موضع في بلاد
____________________

مازن وهو في طريق البصرة إلى مكة وفيه منازل للحجاج . وقال الزجاج : فلج بين الرحيل إلى المجازة وهو ماءٌ لهم . وقال أبو عبيدة : لما قتل عمران بن خنيس السعدي رجلين من بني نهشل بن دارم اتهاماً بأخيه المقتول في بغاء إبله نشأت بين بني سعد بن مالك وبين بني نهشل حربٌ تحامى الناس من أجلها ما بين فلج والصمان وهو على وزن فعلان : جبل يخرج من البصرة على طريق المنكدر لمن أراد مكة .
وقال ابن الأعرابي في نوادره : كان رجل من عنزة دعا رؤبة بن العجاج فأطعمه وسقاه فأنشد فخره على ربيعة فساء ذلك العنزي فقال لغلامه سراً : اركب فرسي وجئني بأبي النجم .
فجاء به وعليه جبة خز وبت في غير سراويل . فدخل واكل وشرب . ثم قال العنزي : أنشدنا يا أبا النجم ورؤبة لا يعرفه فانتحى في قوله : الحمد لله الوهوب المجزل ينشدها حتى بلغ : ( تبقلت من أول التبقل ** بين رماحي مالكٍ ونهشل ) فقال له رؤبة : إن نهشلاً من مالك يرحمك الله فقال : يا ابن أخي الكمر أشباه الكمر إنه ليس مالك بن حنظلة إنه مالك بن ضبيعة فخزي رؤبة وحيي من غلبة أبي النجم له . . ثم واستشهد صاحب الكشاف بقوله : )
بين رماحي مالكٍ ونهشل عند قوله تعالى : اثنتي عشرة أسباطاً على جمع الأسباط مع أن مميز ما عدا العشرة لا يكون إلا مفرداً . لأن المراد بالأسباط القبيلة ولو قيل : سبطاً
____________________

لأوهم أن المجموع قبيلة واحدة فوضع أسباطاً موضع قبيلة كما وضع أبو النجم رماحاً وهو جمع موضع جماعتين من الرماح وثني على تأويل : رماح هذه القبيلة ورماح هذه القبيلة . فالمراد : لكل فرد من أفراد هذه التثنية جماعة كما أن لكل فرد من أفراد هذا الجمع وهو أسباط قبيلة . . وفاعل تبقلت ضمير كوم الذرى .
زعم بعض شراح شواهد التفسير : أن هذا البيت في وصف رمكة مرتاضة اعتادت ممارسة الحروب حتى تحسب أرض الحرب روضةً تتبقل فيها . ولا يخفى أن هذا كلام من لم يقف على سياق هذا البيت ولا سباقه . مع أن هذا الزاعم أورد غالب الأرجوزة ولم يتفهم المعنى .
وقوله : يدفع عنها العز . . الخ العز : فاعل يدفع وهو بمعنى القوة والمنعة وجهل الجهل : مفعوله أي : سفاهة السفهاء وضمير عنها راجع إلى كوم الذرى .
وقوله : وقد جعلنا في وضين . . الخ هذا في وصف بعير السانية و الوضين : نسعٌ عريض كالحزام يعمل من أدم قال الجوهري : الوضين للهودج بمنزلة البطان للقتب والتصدير للرحل والحزام للسرج وهما كالنسع إلا أنهما من السيور إذا نسج بعضه على بعض . . تقول : وضنت النسع أضنه وضناً : إذا نسجته . و الأحبل : جمع حبل . و الجوز بفتح الجيم وآخره زاي معجمة . مفعول جعلنا وجوز كل شيء : وسطه . و الخفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاءين بمعنى خفيف وهو منون وقلبه فاعل خفاف وهو صفة لموصوف محذوف أي : بعير خفاف . و المثقل : الثقيل صفة ثانية . يريد : شددنا الوضين في وسط بعير خفيف القلب ذكي من ثقل بدنه وضخامته . و الأحزم : خلاف الأهضم وهو أن يكون موضع حزامه عظيماً وهو صفة ثالثة . و القوق بضم القاف الأولى : الفاحش الطول وهو صفة رابعة . والحزنبل بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة وسكون النون وفتح الموحدة : القصير .
وقوله : موثق الأعلى . . الخ بالجر صفة خامسة وأراد بالأعلى ظهره
____________________

وبالأسفل بطنه و أمين بمعنى مأمون صفة سادسة . وقوله : أقب . . الخ مجرور بالفتحة صفة سابعة و )
ومن علي يكتب بالياء وليست الكسرة في اللام كسرة إعراب ألا ترى أنه معرفة وليس بنكرة .
ألا ترى أن معناه وكويته فوق نواظره أو النواظر منه فهو إذن معرفة لأنه يريد به شيئاً مخصوصاً فهو إذن كقول أوس : ( فملك بالليط الذي تحت قشره ** كغرقئ بيضٍ كنه القيض من عل ) أي : من أعلاه وقال الشنفرى : ( إذا وردت أصدرتها ثم إنها ** تثوب فتأتي من تحيت ومن عل ) وإنما تعرب عل إذا كانت نكرة كقولهم في النكرة : من فوقٍ ومن علٍ إذا لم
____________________

ترد أمراً معلوماً .
فقوله : فوق النواظر من علٍ علٍ منه كشج وعمٍ ووزنه فعل والياء فيه لام الفعل والكسرة في اللام قبلها ككسرة الضاد من قاض . فاعرف ذلك . وفيه عشر لغات : أتيته من علٍ ومن عل ومن علي ومن علا ومن علو ومن علو ومن علو ومن علوٍ ومن عالٍ ومن معالٍ .
ومثله سواء قول العجلي : أقب من تحت عريضٍ من علي أراد من أعلاه . ألا تراه قرنه بالمعرفة المبنية وهي تحت فعلي إذن معرفة فهو كشج وكسرة لامه ككسرة زاي غاز والكلمة مبنية على الضم وفي الياء تقدير ضمة البناء . فبيت ربيعة كجلمود صخر حطه السيل من عل قال ابن جني : عل فيه نكرة ألا ترى أنه لا يريد من أعلى شيء
____________________

مخصوص فالكسرة إذن في لام علٍ كسرة إعراب ككسرة دال يدٍ وميم دم ا . هـ . كلام ابن جني مختصراً .
وقد قرر ابن هشام أيضاً في المغني : أن عل متى أريد به المعرفة كان مبنياً على الضم تشبيهاً بالغايات كما في قوله : أرمض من تحت وأضحى من علة والهاء للسكت قال : إذ المراد فوقية معينة لا فوقية مطلقة . والمعنى : أنه تصيبه الرمضاء من تحته وحر الشمس من فوقه . ومثله قول الآخر يصف فرساً : أقب من تحت عريض من عل ا . هـ )
وقد أشار بقوله : ومثله يصف فرساً إلى أن ضمة البناء في عل إما ملفوظة كما في قوله : وأضحى من عله وإما مقدرة كما في قول أبي النجم : عريض من عل فلا يرد الاعتراض عليه بأنه أنشده بالبناء على الضم والقوافي كلها مجرورة . لكن يبقى عليه أن البيت في وصف بعير السانية لا في وصف فرس . فتأمل وأنصف .
قوله : معاود كرة . . الخ معاود : اسم مفعول وهو بالجر صفة تاسعة أي : يعاد عليه مراراً قول أقبل على البئر إذا تفرعت الدلو أدبر عنها إذا امتلأت . و كرة : بالرفع نائب فاعل معاود وهو مضاف لما بعده .
وقوله : تمشى من الردة في الصحاح : والردة بالكسر : امتلاء الضرع من اللبن قبل النتاج عن الأصمعي . وأنشد لأبي النجم تمشي من الردة . . البيت ا . هـ .
____________________

ويجوز أن تكون مصدر قولك رده يرده رداً وردة والردة الاسم من الارتداد .
وقال ابن السيرافي في شرح أبيات إصلاح المنطق : يصف إبلاً قد أكثرت من شرب الماء فأثقلها الري والردة تراد في أجوافها يقال : أردت فهي مرد . إذا انتفخت من الماء أو انتفخ ضرعها من غير لبن . يقول : تمشي من كثرة شرب الماء كمشي التي أثقلها كثرة ما في ضرعها . و الحافل : التي اجتمع في ضرعها اللبن ا . هـ . و مشي : مصدر منصوب أي : مشياً كمشي الحفل وهو جمع حافل من حفل اللبن في الضرع : إذا اجتمع . و الروايا : جمع رواية من روى البعير الماء : حمله فهو راويةٌ الهاء فيه للمبالغة ثم أطلقت الرواية على كل دابة يستقى الماء عليها . و المزاد : جمع مزادة وهي الراوية التي تعمل من جلود .
وقوله : تثير أيديها . . الخ الضمير إلى كوم الذرى . و القسطل بالقاف الغبار و العجاج : ما ارتفع منه . وعصبت بالعين والصاد المهملتين قال في الصحاح : وعصبت الإبل بالماء : إذا دارت به . قال الفراء : عصبت الإبل وعصبت بالكسر : إذا اجتمعت . والعطن بفتحتين : مبرك الإبل عند الماء لتشرب عللاً بعد نهل فإذا استوفت ردت إلى المرعى . والمغربل : المنخول أي : أن تراب العطن كأنه منخول لكثرة ما انسحق منه لشدة الحركة .
وقوله : تدافع الشيب مصدر تشبيهي وعامله محذوف وهو معطوف على عصبت أي : اجتمعت وتدافعت تدافعاً كتدافع الشيوخ والشيب بالكسر جمع أشيب وهو الشيخ . وقوله : )
وقوله : أمسك فلاناً . الخ هو على إضمار القول أي : في لجة يقال فيها : أمسك . . الخ . قال اللخمي في شرح أبيات الجمل تبعاً لابن السيد : شبه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضاً بقومٍ شيوخ في لجة وشر يدفع بعضهم بعضاً فيقال :
____________________

أمسك فلاناً عن فلان أي : احجز بينهم . وخص الشيوخ لأن الشباب فيهم التسرع إلى القتال . فلذلك قال : تدافع الشيب . . الخ . أي : هي في تزاحم ولا تقاتل كالشيوخ . وقد غفل عن هذا المعنى الأعلم الشنتمري في شرح أبيات س فقال : إن معناه خذ هذا بدم هذا وأسر هذا بهذا هذا كلامه وكأنه لم ينظر إلى ما قبله من الأبيان . وأعجب منه قول ابن السيد فيما كتبه على هذا الكتاب في شرح بيت الشاهد : إن معناه : قد كثر أصوات الرعاة يقول بعضهم لبعض : أمسك البعير الفلاني عن البعير الفلاني لئلا يضره . هذا كلامه مع أنه سطر ما قبله من الأبيات وشرحها من شرح اللباب للفالي .
وقوله : تفلى له الريح . . الخ الفلي : مصدر فليت رأسه من باب رمى . إذا نقيته من القمل وافتلى هو : إذا نقاه و يفتل : مجزوم بلما محذوف الياء من آخره يريد : أن الريح تهب على رأسه فتفرق شعره كأنها تفليه وهو لم يفتل شعره لشعثه وقلة تعهده نفسه . و اللمة بكسر اللام : الشعر الذي يلم بالمنكب أي : يقرب منه وهو مفعول تفلي على التنازع . و القفر بفتح القاف وسكون الفاء وأصله بالكسر : وصفٌ من قفر زيدٌ من باب فرح : إذا قل لحمه . وشعاع السنبل بفتح الشين المعجمة : سفاه وقد أشع الزرع : أخرج شعاعه وأسفى الزرع : إذا خشن أطراف سنبله . والسنبل هنا سنبل الحنطة والشعير ونحوهما شبه شعره المنتفش بشوك سنبل الزرع .
وقوله : يأتي لها . . الخ فاعل يأتي ضمير الراعي وضمير لها لكوم الذرى قال صاحب الصحاح : أي : يعرض لها من ناحية اليمين وناحية الشمال . وذهب إلى معنى أيمن الإبل وأشملها فجمع لذلك ا . هـ .
وأورده سيبويه على أن الشاعر لما جر أيمناً وأشملاً بمن أخرجهما عن الظرفية . وزعم الأعلم )
الشنتمري أن هذا البيت في وصف ظليم ونعامة قال : يعني :
____________________

كلما أسرعت إلى أدحيها وهو مبيضها عرض لها يميناً وشمالاً مزعجاً لها وهذا كما ترى لا أصل له . وقوله : وبدلت والدهر ذو تبدل . . الخ نائب الفاعل ضمير الريح والهيف بفتح الهاء مثل الهوف بضمها : ريح حارة تأتي من اليمن وهي النكباء التي تجري بين الجنوب والدبور من تحت مجرى سهيل . والصبا : ريح ومهبها المستوي أي تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار . و الدبور : الريح التي تقابل الصبا . و الشمال بسكون الميم وفتح الهمزة بعدها : الريح التي تقابل الجنوب .
فكان الواجب أن يقابل الشمال بالجنوب . لكنه لضرورة النظم أقام الهيف مقام الجنوب لقربها من الجنوب . وفيه لف ونشر غير مرتب أي : بدلت الريح فجاءت الدبور بدل الصبا وجاءت الهيف أي : الجنوب بدل الشمال . ففيه دخول الباء على المتروك وهو المشهور وسمع خلافه أيضاً . وأورده ابن هشام في المغني على أن جملة : والدهر ذو تبدل معترضة بين الفعل ومفعوله للتأكيد والتسديد .
وقوله : بين سماطي شفق مرعبل السماط بالكسر : الصف والجانب والسماطان من الناس والنخل : الجانبان يقال : مشى بين السماطين وأنشد القصيدة بين السماطين . و المرعبل : المقطع .
وروي بدله مهول . و صغواء بالغين المعجمة من صغت النجوم إذا مالت للغروب . وقوله : قد كادت أي : قاربت الشمس أن تغيب ولم تغب بالفعل .
روى صاحب الأغاني : أن أبا النجم لما بلغ ذكر الشمس فقال : وهي على الأفق كعين . . وأراد أن يقول : الأحول فذكر حول هشام فلم يتم البيت وأرتج عليه . فقال هشام : أجز . فقال : كعين الأحول . فأمر هشام بإخراجه من الرصافة ويقال : لها رصافة هشام وهي مدينة في غربي الرقة بينهما أربعة
____________________

فراسخ على طرف البرية بناها هشام لما وقع الطاعون بالشام وكان يسكنها في الصيف وكانت قبل من بناء الملوك الغسانيين ثم قال لصاحب شرطته : إياك وأن أرى هذا فكلم وجوه الناس صاحب الشرطة أن يقره . ففعل . فكان يصيب من فضول أطعمة الناس ويأوي بالليل إلى المساجد . .
قال أبو النجم : ولم يكن في الرصافة أحدٌ يضيف إلا سليم بن كيسان الكلبي وعمرو بن بسطام الثعلبي فكنت أتغدى عند سليم وأتعشى عند عمرو وآتي المسجد فأبيت فيه . فأغتم هشامٌ ليلةً وأراد محدثاً يحدثه فقال لخادمٍ له : أبغني محدثاً أعرابياً أهوج شاعراً يروي الشعر . فخرج )
الحاجب إلى المسجد فإذا هو بأبي النجم فضربه برجله وقال له : قم أجب أمير المؤمنين . فقال : أنا أعرابي غريب . قال : إياك أبغي فها تروي الشعر قال : نعم وأقوله .
فأقبل به حتى أدخله القصر وأغلق الباب فأيقن بالشر ثم مضى فأدخله على هشام في بيت صغير بينه وبين أهله ستر رقيق والشمع بين يديه يزهر . قال : فلما دخلت قال لي : أبو النجم قلت : نعم يا أمير المؤمنين طريدك . قال : اجلس . فسألني وقال : أين كنت تأوي فأخبرته الخبر . قال : ومالك من الولد والمال قلت : أما المال فلا مال لي وأما الولد فلي ثلاث بنات وبني يقال له : شيان بفتح الشين وتشديد الياء المثناة التحتية قال : هل أخرجت من بناتك قلت : نعم زوجت اثنتين وبقيت واحدة تجمز في أبياتنا كأنها نعامة قال : وما وصيت به الأولى وكانت تسمى برة قال :
____________________

( أوصيت من برة قلباً حراً ** بالكلب خيراً والحماة شرا ) ( لا تسأمي ضرباً لها وجراً ** حتى ترى حلو الحياة مرا ) ( وإن كستك ذهباً ودرا ** والحي عميهم بشر طرا ) فضحك هشام وقال : فما قلت في الأخرى قال : قلت : ( سبي الحماة وابهتي عليها ** وإن دنت فازلفي إليها ) ( وقعدي كفيك في صدغيها ** لا تخبري الدهر بذاك ابنيها ) فضحك هشام حتى بدت نواجذه وسقط على قفاه وقال : ويحك ما هذه وصية يعقوب لولده قال : ولا أنا كيعقوب يا أمير المؤمنين قال : فما قلت في الثالثة قال : قلت : ( أوصيك يا بنتي فإني ذاهب ** أوصيك أن يحمدك الأقارب ) ( والجار والضيف الكريم الساغب ** ويرجع المسكين وهو خائب ) ( ولا تني أظفارك السلاهب ** لهن في وجه الحماة كاتب ) والزوج إن الزوج بئس الصاحب قال : فأي شيء قلت في تأخير تزويجها قال : قلت : ( كأن ظلامة أخت شيان ** يتيمةٌ ووالدها حيان ) ( الجيد منها عطلٌ والآذان ** وليس للرجلين إلا خيطان ) ( وقصةٌ قد شيطتها النيران ** تلك التي يضحك منها الشيطان ) )
فضحك هشام وضحكت النساء لضحكه وقال للخصي : كم بقي من نفقتك قال : ثلثمائة دينار . قال : أعطه إياها يجعلها في رجلي ظلامة مكان الخيطين .
____________________


وتقدمت ترجمة أبي النجم في الشاهد السابع في أوائل الكتاب . الشاهد التاسع والأربعون بعد المائة ) ( أطوف ما أطوف ثم آوي ** إلى بيت قعيدته لكاع ) على أن لكاع مما يختص بالنداء وقد استعمل في غير النداء ضرورة .
قال المبرد في الكامل : يقال في النداء للئيم يا لكع وللأنثى يا لكاع لأنه موضع معرفة . فإن لم ترد أن تعدله عن جهته قلت للرجل : يا ألكع وللأنثى يا لكعاء . وهذا موضع لا تقع في النكرة .
وقد جاء في الحديث : لا تقوم الساعة حتى يلي أمور الناس لكع بن لكع . فهذا كناية عن اللئيم ابن اللئيم . وهذا بمنزلة عمر ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة . ولكاع مبني على الكسر . وقد اضطر الحطيئة فذكر لكاع في غير النداء فقال يهجو امرأته : أطوف ما أطوف . ثم آوي . . البيت وقعيدة البيت : ربة البيت وصاحبته . وإنما قيل : قعيدة لقعودها وملازمتها .
قال المدائني في كتاب النساء الفوارك إن امرأة الحطيئة نشزت عليه وسألته الفرقة فقال : أجول ما أجول ثم آوي . . البيت قال المرزوقي في شرح فصيح ثعلب : هذا البناء يراد به المبالغة . ومعنى لكاع :
____________________

المتناهية في اللؤم . والفعل منه لكعت لكعاً ولكاعا وهي لكعاء وملكعانة . والأصل في اللكع : الوسخ . و ما مع ما بعدها في تأويل المصدر الذي يراد به الزمان والتقدير : أطوف مدة تطويفي .
وأورد ابن عقيل في شرح الألفية هذا البيت شاهداً على وصل المصدرية بالمضارع المثبت وهو قليل والكثير وصلها بالمضارع المنفي أو الماضي .
ومعنى البيت : أطوف نهاري كله في طلب الرزق فإذا أويت عند الليل فإنما آوي إلى بيتٍ قيمته القاعدة فيه لئيمة .
والمصراع الأول مأخوذ من قول قيس بن زهير بن جذيمة : ( وأطوف ما أطوف ثم آوي ** إلى جارٍ كجار أبي دواد ) وأبو دواد هو أبو دواد الإيادي الشاعر المشهور . وجاره : كعب بن مامة الإيادي الجواد )
المشهور . وقيل بل هو الحارث بن همام بن مرة وكان أسر أبا دوادٍ وناساً من قومه فأطلقهم وأكرم أبا دواد وأجاره فمدحه أبو دواد وأعطاه وحلف أن لا يذهب له شيء إلا أخلفه له .
ويقال : إن ولد أبي دواد لعب مع صبيان في غدير فغمسوه فمات فقال الحارث : لا يبقى صبيٌ في الحي إلا غرق فودى ابنه بديات كثيرة . و آوي : مضارع آوى إلى منزله من باب ضرب أوياً : إذا أقام به وانضم ولجأ إليه . ومعنى وهذا بيت مفردٌ هجا به امرأته كما ذكرنا .
____________________

و الحطيئة اسمه : جرول بن أوس بن مالك بن جؤية بن مخزوم بن مالك ابن غالب بن قطيعة بالتصغير بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد ابن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أبو مليكة بالتصغير . واختلف في تلقيبه بالحطيئة بضم الحاء وفتح الطاء المهملتين وسكون المثناة التحتية وبعدها همزة فقيل : لقب بذلك لقصره وقربه من الأرض في الصحاح : والحطيئة : الرجل القصير قال ثعلب : وسمي الحطيئة لدمامته . وقيل : لأنه ضرط بين قوم فقيل له : هذا فقال حطيئة يقال حطأ : إذا ضرط . وقيل : لأنه كان محطوء الرجل والرجل المحطوءة : التي لا أخمص لها .
وهو أحد فحول الشعراء متصرف في فنون الشعر : من المديح والهجاء والفخر والنسيب .
وكان سفيهاً شريراً . ينتسب إلى القبائل وكان إذا غضب على قبيلة انتمى إلى أخرى .
قال ابن الكلبي : كان الحطيئة مغموز النسب وكان من أولاد الزنى الذين شرفوا . وكان أوس بن مالك العبسي تزوج بنت رباح بن عوف الشيباني وكانت لها أمة يقال لها : الصراء فأعقلها أوس . وكان لبنت رباح أخٌ يقال له : الأفقم فلما ولدت الصراء جاءت به شبيهاً بالأفقم . فقالت مولاتها : من أين لك هذا الصبي قالت : من أخيك وهابت أن تقول : من زوجك ثم مات الأفقم وترك ابنين من حرة وتزوج الصراء رجلٌ من عبس فولدت له ابنين فكانا أخوي الحطيئة من أمه . وأعتقت بنت رباح الحطيئة وربته فكان كأنه أحدهم ثم اعترفت أمه بأنه من أوس .
وترك الأفقم نخيلاً باليمامة فأتى الحطيئة أخويه من أوس فقال لهم : أفردوا لي من مالكم قطعة .
فقالا : لا ولكن أقم معنا نواسك . فهجاهما . وسأل أمه : من أبوه فخلطت عليه فغضب عليها وهجاها ولحق
____________________

بإخوته . من بني الأفقم ونزل عليهم في القرية وقال يمدحهم : ( إن القرية خير ساكنها ** أهل القرية من بني ذهل ) ) ( الضامنون لمال جارهم ** حتى يتم نواهض البقل ) ( قومٌ إذا انتسبوا ففرعهم ** فرعي وأثبت أصلهم أصلي ) وسألهم ميراثه من الأفقم فأعطوه نخيلات فلم تقنعه . فسألهم ميراثه كاملاً فلم يعطوه شيئاً .
فغضب عليهم وهجاهم ثم عاد إلى بني عبس وانتسب إلى أوس بن مالك .
قال ابن قتيبة : وكان الحطيئة راوية زهير . وكان جاهلياً إسلامياً . ولا أراه أسلم إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني لم أجد له ذكراً فيمن وفد عليه من وفود العرب غير أني وجدته في خلافة أبي بكر رضي الله عنه يقول : ( أطعنا رسول الله إذ كان حاضراً ** فيا لهفتي ما بال دين أبي بكر ) وقال ابن حجر في الإصابة : كان أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد ثم أسر وعاد إلى الإسلام .
وروى ابن أخي الأصمعي عن عمه قال : كان الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحفاً دنيء النفس كثير الشر بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب فاسد الدين وما تشاء أن تقول في شعر شاعر عيباً إلا وجدته وقلما تجد ذلك في شعره .
وقال أبو عبيدة : التمس الحطيئة ذات يوم إنساناً يهجوه فلم يجده وضاق ذلك
____________________

عليه فجعل يقول : ( أبت شفتاي اليوم إلا تكلما ** بسوءٍ فما ادري لمن أنا قائله ) وجعل يهدر بذا البيت في أشداقه ولا يرى إنساناً إذ اطلع في حوض فرأى وجهه فقال : ( أرى لي وجهاً شوه الله وجهه ** فقبح من وجهٍ وقبح حامله ) وكان الكلب بن كنيس تزوج الصراء أم الحطيئة فهجاه وهجا أمه فقال : ( ولقد رأيتك في النساء فسؤتني ** وأبا بنيك فساءني في المجلس ) في أبيات .
وقال يهجو أمه : ( فقد ملكت أمر بنيك حتى ** تركتهم أدق من الطحين ) ( لسانك مبردٌ لا عيب فيه ** ودرك در جاذبةٍ دهين ) وقال يهجوها أيضاً : )
____________________

( تنحي فاجلسي مني بعيداً ** أراح الله منك العالمينا ) ( أغربالاً إذا استودعت سراً ** وكانوناً على المتحدثينا ) ( حياتك ما علمت حياة سوءٍ ** وموتك قد يسر الصالحينا ) وقال في هجاء أبيه وعمه وخاله : ( لحاك الله ثم لحاك حقاً ** أباً ولحاك من عم وخال ) ( فنعم الشيخ أنت لدى المخازي ** وبئس الشيخ أنت لدى المعالي ) ( جمعت اللؤم لا حياك ربي ** وأبواب السفاهة والضلال ) قال ابن قتيبة : ودخل الحطيئة على عتيبة بن النهاس العجلي فسأله فقال : ما أنا في عمل فأعطيك من غدده وما في مالي فضلٌ عن قومي . فلما خرج قال له رجل من قومه : أتعرفه قال : لا قال : هذا الحطيئة فأمر برده فلما رجع قال : إنك لم تسلم تسليم الإسلام ولا استأنست استئناس الجار ولا رحبت ترحيب ابن العم . قال : هو ذلك . قال : اجلس فلك ( ومن يجعل المعروف من دون عرضه ** يفره ومن لايتق الشتم يشتم ) قال : ثم من قال : أنا فقال عتيبة لغلامه : اذهب به إلى السوق فلا يشيرن إلى شيء إلا اشتريته له . فانطلق به الغلام فجعل يعرض عليه الحبرة واليمنة وبياض مصر وهو يشير إلى الكرابيس والأكسية الغلاظ . فاشترى له بمائتي درهم وأوقر راحلته براً وتمراً فقال له الغلام : هل من حاجةٍ غير هذا قال : لا حسبي قال : إنه قد أمرني أن لا أجعل لك علة فيما تريد .
قال : لا حاجة بي أن يكون لهذا يدٌ على قومي أكثر من هذه . . ثم ذهب فقال :
____________________

( سئلت فلم تبخل ولم تعط طائلاً ** فسيان لا ذمٌ عليك ولا حمد ) ( وأنت امرؤٌ لا الجود منك سجيةٌ ** فنعطي وقد يعدي على النائل الوجد ) وأتى الحطيئة كعب بن زهير فقال له : قد علمت روايتي لكم وانقطاعي إليكم وقد ذهب الفحول غيري وغيرك فلو قلت شعراً تبدأ فيه بنفسك ثم تثني بي فإن الناس لأشعاركم أروى .
فقال كعب : ( فمن للقوافي شانها من يحوكها ** إذا ما ثوى كعبٌ وفوز جرول ) ( نقول ولا نعيا بشيء نقوله ** ومن قائليها من يسيء ويعمل ) )
وفي الأغاني عن جماعة : أن الحطيئة لما حضرته الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا : أوص يا أبا مليكة . قال : ويلٌ للشعر من راوية السوء قالوا : أوص يرحمك الله قال : من الذي يقول : ( إذا نبض الرامون عنها ترنمت ** ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز ) قالوا : الشماخ . قال : أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب قالوا : ويحك أهذه وصية أوص بما ينفعك قال : أبلغوا أهل ضابئ أنه شاعر حيث يقول : ( لكل جديدٍ لذةٌ غير أنني ** وجدت جديد الموت غير لذيذ ) قالوا : أوص ويحك بغير ذا . قال : أبلغوا أهل امرئ القيس أنه أشعر
____________________

العرب حيث يقول : ( فيا لك من ليلٍ كأن نجومه ** بكل مغار الفتل شدت بيذبل ) قالوا : اتق الله ودع عنك هذا قال : أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول : ( يغشون حتى ما تهر كلابهم ** لا يسألون عن السواد المقبل ) قالوا : إن هذا لا يغني عنك شيئاً فقل غير ما أنت فيه . فقال : ( الشعر صعبٌ وطويلٌ سلمه ** إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه ) ( زلت به إلى الحضيض قدمه ** يريد أن يعربه فيعجمه ) قالوا : هذا مثل الذي أنت فيه . فقال : فوردت نفسي وما كادت ترد
____________________

قالوا : يا أبا مليكة ألك حاجة قال : لا والله ولكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من ليس له أهلاً . قالوا : فمن أشعر الناس فأومأ بيده إلى فيه وقال : هذا اللسان إذا طمع في خير . واستعبر باكياً . قالوا له : قل : لا إله إلا الله . فقال : ( قالت وفيها حيدةٌ وذعر ** عوذٌ بربي منكم وحجر ) فقيل له : ما تقول في عبيدك فقال : هم عبيد قنٌ ما عاقب الليل النهار . قالوا : فأوص للفقراء بشيء . قال : أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارةٌ لن تبور واست المسؤول أضيق قالوا : فما تقول في مالك قال : للأنثى من ولدي مثلا حظ الذكر . قالوا : ليس هكذا قضى الله . قال : لكني هكذا قضيت . قالوا : فما توصي لليتامى قال : كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم . قالوا : فهل شيءٌ تعهد فيه غير هذا قال : نعم تحملوني على أتان وتتركوني راكبها حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشه والأتان مركبٌ لم يمت عليه كريمٌ قط . فحملوه على أتان وجعلوا )
يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات .
وفي الإصابة لابن حجر : أنه عاش إلى زمن معاوية رضي الله عنه .
____________________


أنشد فيه وهو الشاهد الخمسون بعد المائة ) وهو من شواهد س : ( بنا تميماً يكشف الضباب ) على أن المنصوب على الاختصاص ربما كان علماً .
أقول : تميم هو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر . وهذا ليس مراد الشاعر وإنما مراده القبيلة . و الضباب : جمع ضبابة وهو ندى كالغبار يغشى الأرض بالغدوات وأضب يومنا بالهمزة : إذا صار ذا ضباب . فضرب الضباب مثلاً لغمة الأمر وشدته أي : بنا تكشف الشدائد في الحروب وغيرها .
وأنشده س على أن تميماً منصوب بإضمار فعل على معنى الاختصاص والفخر . و بنا متعلق بقوله : يكشف . وقدم للحصر .
وهذا البيت من أرجوزة لرؤبة بن العجاج وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الخامس من أوائل الكتاب . الشاهد الحادي والخمسون بعد المائة : ) ( إنا بني ضبة لا نفر ) على أن بني ضبة منصوب على الاختصاص تقديره : أخص بني ضبة الجملة معترضة بين اسم إن وخبرها وهو جملة لا نفر جيء بها لبيان الافتخار . و ضبة هو ابن أد بن طابخة بن الياس بن مضر وأبناء ضبة ثلاثة : سعد
____________________

وسعيد بالتصغير وباسل وهو أبو الديلم .
قال أبو عبيد القاسم بن سلام : خرج باسل بن ضبة مغاضباً لأبيه فوقع بأرض الديلم فتزوج امرأة من العجم فولدت له ديلماً . فهو أبو الديلم .
وأنشد بعده وهوالشاهد الثاني والخمسون بعد المائة ) ( لنا يومٌ وللكروان يومٌ ** تطير البائسات ولا نطير ) على أن البائسات منصوب على الترحم .
وهذا البيت لقصيدة لطرفة بن العبد هجا بها عمرو بن المنذر امرئ القيس وأخاه قابوس بن ( فليت لنا مكان الملك عمرٍ و ** رغوثا حول قبتنا تخور ) ( من الزمرات أسبل قادماها ** وضرتها مركنةٌ درور ) ( يشاركنا لنا رخلان فيها ** وتعلوها الكباش وما تنور ) ( لعمرك إن قابوس بن هندٍ ** ليخلط ملكه نوك كثير ) ( قسمت الدهر في زمنٍ رخي ** كذاك الحكم يقصد أو يجور ) لنا يومٌ وللكروان يومٌ . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( فأما يومهن فيوم سوءٍ ** تطاردهن بالحدب الصقور ) ( وأما يومنا فنظل ركباً ** وقوفاً ما نحل ولا نسير )
____________________

وكان السبب في هذه القصيدة على ما حكى المفضل بن سلمة في كتابه الفاخر أن عمرو بن المنذر كان يرشح أخاه قابوس بن المنذر ليملك بعده فقدم عليه المتلمس وطرفة فجعلهما في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه . . وكان قابوس شاباً يعجبه اللهو وكان يركب يوماً في الصيد فيركض يتصيد وهما معه يركضان حتى يرجعا عشية وقد تعبا فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان بباب سرادقة إلى العشي . فكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا ببابه النهار كله ولم يصلا إليه فضجر طرفة فقال هذه القصيدة .
وقال يعقوب بن السكيت والأعلم الشنتمري في شرحهما لديوان طرفة : إن عمرو بن هند المذكور كان شريراً وكان له يوم بؤس ويوم نعمة فيومٌ يركب في صيده يقتل أول من يلقى ويومٌ يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له فكان هذا دهره كله . فهجاه طرفة وذكر ذلك بقوله : فليت لنا مكان . . الخ الملك بفتح الميم وسكون اللام وأصلها الكسر : وصفٌ من ملك على الناس أمرهم : إذا تولى السلطنة . ولنا : خبر ليت مقدم ورغوثاً : اسمها مؤخر ومكان الملك : ظرف وكان في الأصل صفة لرغوث فلما قدم صار حالاً . والرغوث بفتح الراء وضم الغين المعجمة وآخره ثاء مثلثة : النعجة المرضع يقال : رغث الغلام أمه : إذا رضعها . )
وتخور : تصوت وأصل الخوار للبقر . فجعله طرفة للنعجة .
وقوله : من الزمرات . . الخ بفتح الزاي المعجمة وكسر الميم أي : القليلات الصوف وخصها لأنها أغزر ألباناً يقال : رجل زمر المروءة : إذا كان قليلها . والقادمان : الخلفان وأصل القادمين للناقة لأن لها أربعة أخلاف : قادمين وآخرين فاستعار القادمين للشاة . وأسبل : طال وكمل والضرة بفتح الضاد المعجمة . لحم الضرع . والمركنة : التي لها أركان أي : جوانب وأصل وقيل : هي المجتمعة . والدرور بفتح الدال : الكثيرة الدر .
وقوله : يشاركنا . . الخ الرخل بفتح الراء وكسر الخاء المعجمة : الأنثى من أولاد الضأن . ولنا : حال من رخلان وكان قبل التقديم صفة أي : يشاركنا في لبنها رخلان لنا . وتنور بالنون : تنفر والنوار : النفور . يصف غزارة درها وكثرة
____________________

أولادها وأنها قد ألفت الذكور فما تنفر منها .
وقوله : نوك كثير النوك بالنون : الحماقة وكثير : يروى بالمثلثة وبالموحدة . وكان قابوس يحمق ويزن في نفسه .
وقوله : قسمت الدهر . . الخ هو بالخطاب على طريقة الالتفات : إما من قابوس على قول المفضل بن سلمة وإما من عمرو على القول الآخر يخاطبه ويذكر ما كان من يوم صيده ويوم وقوف الناس ببابه . وقد بينه في الأبيات التي بعده . والرخي : السهل اللين . وكذاك الحكم جملة اسمية على حذف مضاف أي : ذو الحكم . أرسلها مثلاً . وقوله : يقصد . . الخ بيان لجهة التشبيه . ويقصد : من قصد في الأمر قصداً من باب ضرب : إذا توسط وطلب الأسد ولم يجاوز الحد . وقوله : لنا يوم . . الخ مبتدأ وخبر وروي في أكثر الروايات : لنا يوماً وللكروان يوماً بنصب يوماً في الموضعين على أنه بدل كل من الدهر . والكروان بكسر الكاف وسكون الراء قال الأعلم : هو جمع كروان وهو طائر ونظيره شقذان وشقذان وورشان وورشان وحمار ولم يذكر في أمثاله أبو فيد مؤرج بن عمرو السدوسي إلا الوجه الثاني كما تقدم في الشاهد الرابع والأربعين بعد المائة قال : قالوا : كراً وكروان مثل فتىً وفتيان . وأنشد هذا البيت .
وزعم ابن السيد فيما كتبه على هذا الكتاب : أن الكروان هنا مفرد بفتح الكاف والراء وأن التأنيث باعتبار قصد الأفراد من الجنس . انتهى . )
والبائسات منصوب على الترحم كما يقال : مررت به المسكين . وفاعل تطير ضمير الكروان .
وروي بالرفع أيضاً قال ابن السكيت : وهو الأكثر وقال
____________________

الأعلم : والرفع على القطع وقد يكون على البدل من المضمر في تطير . وهو جمع بائسة من البؤس بالضم وسكون الهمزة وهو الضر يقال : بئس بالكسر : إذا نزل به الضر فهو بائس . وقوله : لا نطير بنون المتكلم مع الغير .
وقوله : فأما يومهن . . الخ السوء بفتح السين قال الأزهري في تهذيبه : وتقول في النكرة : هذا رجل سوءٍ وإذا عرفت قلت : هذا الرجل السوء ولم تضف . وتقول : هذا عمل سوءٍ ولا تقل عمل السوء لأن السوء يكون نعتاً للرجل ولا يكون السوء نعتاً للعمل لأن الفعل من الرجال وليس الفعل من السوء . كما تقول : قول صدقٍ وقول الصدق ورجل صدقٍ ولا تقول رجل الصدق لأن الرجل ليس من الصدق انتهى . وروي بدله نحسٍ وهو بمعناه . والحدب بفتح المهملتين : ما ارتفع من الأرض وغلظ . يقول : يوم الكروان يوم نحسٍ لمطاردة الصقور لهن .
وقوله : ما نحل ولا نسير أي : نحن قيام على بابه ننتظر الإذن فلا هو يأذن فنحل عنده ولا هو يأمرنا بالرجوع فنسير عنه . ونحل مضارع حل يحل حلولاً من باب قعد : إذا نزل . و طرفة هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . الشاعر المشهور .
وطرفة بالتحريك في الأصل : واحد الطرفاء وهو الأثل قال في القاموس : الطرفة محركة : واحدة الطرفاء وبها لقب طرفة بن العبد واسمه عمرو ولقب ببيت قاله .
وهو أشعر الشعراء بعد امرئ القيس . ومرتبته ثاني مرتبة ولهذا ثني بمعلقته . وقال الشعر صغيراً . قال ابن قتيبة : هو أجود الشعراء قصيدةً . وله بعد المعلقة شعرٌ حسن . وليس عند الرواة من شعره وشعر عبيدٍ إلا القليل . وقتل وهو ابن ست وعشرين سنة .
وكان السبب في قتله : أنه وفد مع خاله المتلمس على عمرو بن هند فأكرمهما
____________________

وبقيا عنده مدة قال المفضل بن سلمة : وكان لطرفة ابن عم عند عمرو بن هند واسمه عبد عمرٍ و بن بشر بن عمرو بن مرثد بن سعد بن مالك بن ضبيعة وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو وكان سميناً بادناً فدخل على عمرو بن هند الحمام فلما تجرد قال له عمرو بن هند : لقد كان بن عمك طرفة رآك حين ما قال وكان طرفة هجا عبد عمرو فقال فيه من جملة أبيات : فلما أنشد الأبيات لعبد عمرو قال له عبد عمرو : ما قال لك شرٌ مما قال لي ثم أنشده : )
فليت لنا مكان الملك عمرو . . الأبيات المتقدمة فصدقه عمرو بن هند وقال له : ما أصدقك عليه مخافة أن تدركه الرحم وينذره فمكث غير كثير ثم دعا المتلمس وطرفة وقال : لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما وسركما أن تنصرفا قالا : نعم فكتب لهما إلى عامله على هجر أن يقتلهما . وأخبرهما أنه قد كتب لهما بحباء وأعطى كل واحد منهما شيئاً فخرجا وكان المتلمس قد أسن فمرا بنهر الحيرة على غلمان يلعبون فقال المتلمس : هل لك أن ننظر في كتابينا فإن كان فيهما خيرٌ مضينا له وإن كان شراً ألقيناهما فأبى عليه طرفة . فأعطى المتلمس كتابه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوء . فألقى كتابه في الماء وقال لطرفة : أطعني والق كتابك فأبى طرفة ومضى بكتابه إلى العامل فقتله . ومضى المتلمس حتى لحق بملوك بني جفنة بالشام ا . هـ .
وروى يعقوب بن السكيت في شرح ديوانه القصة بأبسط من هذا قال : إن طرفة لما هجا عمرو بن هند بالأبيات المتقدمة لم يسمعها عمرو بن هند . حتى خرج يوماً إلى الصيد فأمعن في الطلب فانقطع في نفر من أصحابه حتى أصاب طريدته فنزل وقال لأصحابه : اجمعوا حطباً وفيهم ابن عم طرفة فقال لهم : أوقدوا . فأوقدوا ناراً وشوى . فبينما عمرو يأكل من شوائه وعبد عمرو يقدم إليه
____________________

إذ نظر إلى خصر قميصه منخرقاً فأبصر كشحه وكان من أحسن أهل زمانه جسماً وقد كان بينه وبين طرفة أمرٌ وقع بينهما منه شر فهجاه طرفة بأبيات فقال له عمرو بن هند وكان سمع تلك الأبيات يا عبد عمرو لقد أبصر طرفة حسن كشحك ثم تمثل فقال : ( ولا خير فيه غير أن له غنى ** وأن له كشحاً إذا قام أهضما ) فغضب عبد عمرو مما قاله وأنف فقال : لقد قال للملك أقبح من هذا قال عمرو : وما الذي قال فندم عبد عمرو وأبى أن يسمعه . فقال : أسمعنيه وطرفة آمن . فأسمعه القصيدة التي هجاه بها وشرحنا منها ثمانية أبيات تقدمت فسكت عمرو بن هند على ما وقر في نفسه وكره أن يعجل عليه لمكان قومه فأضرب عنه وبلغ ذلك طرفة وطلب غرته والاستمكان منه حتى أمن طرفة ولم يخفه على نفسه فظن أنه قد رضي عنه . وقد كان المتلمس وهو جرير بن عبد المسيح هجا عمرو بن هند . وكان قد غضب عليه فقدم المتلمس وطرفة على عمرو بن هند يتعرضان لفضله . فكتب لهما إلى عامله على البحرين وهجر . وكان عامله فيهما فيما )
يزعمون ربيعة بن الحارث العبدي وهو الذي كتب إليه في شأن طرفة والمتلمس وقال لهما : انطلقا إليه فاقبضا جوائزكما . فخرجا .
فزعموا أنهما لما هبطا النجف قال المتلمس : يا طرفة إنك غلامٌ غر حديث السن والملك من قد عرفت حقده وغدره وكلانا قد هجاه فلست آمناً أن يكون قد أمر فينا بشر فهلم ننظر في كتابينا فإن يكن أمر لنا بخيرٍ مضينا فيه وإن يكن قد أمر فينا بغير ذلك لم نهلك أنفسنا فأبى طرفة أن يفك خاتم الملك وحرص المتلمس على طرفة فأبى . وعدل المتلمس إلى غلام من غلمان الحيرة عبادي فأعطاه الصحيفة فقرأها فلم يصل إلى ما أمر به في المتلمس حتى جاء غلام بعده فأشرف في الصحيفة لا يدري لمن هي فقرأها فقال : ثكلت المتلمس أمه فانتزع المتلمس الصحيفة من يد الغلام واكتفى بذلك من قوله واتبع طرفة فلم يدركه وألقى
____________________

الصحيفة في نهر الحيرة ثم خرج هارباً .
وقد كان المتلمس فيما يقال قال لطرفة حين قرأ كتابه : تعلم أن في صحيفتك لمثل الذي في صحيفتي فقال طرفة : إن كان اجترأ عليك فما كان ليجترأ علي ولا ليغرني ولا ليقدم علي فلما غلبه سار المتلمس إلى الشام وسار طرفة حتى قدم على عامل البحرين وهو بهجر .
فدفع إليه كتاب عمرو بن هند فقرأه فقال : هل تعلم ما أمرت به فيك قال : نعم أمرت أن تجزيني وتحسن إلي . فقال لطرفة : إن بيني وبينك لخؤولةً أنا لها راعٍ فاهرب من ليلتك هذه فإني قد أمرت بقتلك فاخرج قبل أن تصبح ويعلم بك الناس فقال له طرفة : اشتدت عليك جائرتي وأحببت أن أهرب وأجعل لعمرو بن هند علي سبيلاً كأني أذنبت ذنباً والله لا أفعل ذلك أبداً فلما أصبح أمر بحبسه .
وجاءت بكر بن وائل فقالت : قدم طرفة فدعا به صاحب البحرين فقرأ عليهم كتاب الملك ثم أمر بطرفة وحبس وتكرم عن قتله وكتب إلى عمرو بن هند : أن ابعث إلى عملك فإني غير قاتل الرجل . فبعث إليه رجلاً من بني تغلب يقال له عبد هند بن جرذ واستعمله على البحرين وكان رجلاً شجاعاً وأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي فقدمهما عبد هند فقرأ عهده على أهل البحرين ولبث أياماً . واجتمعت بكر بن وائل فهمت به وكان طرفة يحضضهم . وانتدب له رجل من عبد القيس ثم من الحواثر يقال له : أبو ريشة فقتله . فقبره اليوم معروف بهجر . )
وزعموا أن الحواثر ودته إلى أبيه وقومه .
وقالت أخت طرفة تهجو عبد عمرو لما كان من إنشاده الشعر للملك : ( ألا ثكلتك أمك عبد عمرٍ و ** أبالخربات آخيت الملوكا )
____________________

( هم دحوك للوركين دحاً ** ولو سألوا لأعطيت البروكا ) ورثت طرفة أخته بقولها : ( فجعنا به لما رجونا إيابه ** على خير حالٍ : لا وليداً ولا قحما ) ا . هـ . ومثله في كتاب الشعراء لابن قتيبة قال : وكان طرفة في حسبٍ من قومه جريئاً على هجائهم وهجاء غيرهم . وكانت أخته عند عبد عمرو بن بشر ابن مرثد وكان عبد عمرو سيد أهل زمانه فشكت أخت طرفة شيئاً من أمر زوجها إليه فقال : ولا عيب فيه غير أن له غنى . . . . . . . . . . . . . . . . البيت ( وإن نساء الحي يعكفن حوله ** يقلن عسيب من سرارة ملهما ) وأهضم : منقبض . وسرارة بالفتح : خيار . وملهم بالفتح : موضع كثير النخل فخرج عمرو بن هند يتصيد ومعه عبد عمرو فأصاب حماراً فعقره فقال لعبد عمرو : انزل إليه فنزل غليه فأعياه فضحك عمرو بن هند وقال : لقد أبصرك طرفة حين قال : ولا عيب فيه غير أن له غنى . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وقال في آخرها : ويقال : إن الذي قتله المعلى بن حنش العبدي والذي تولى قتله بيده معاوية بن مرة الأيفلي حيٌ من طسم وجديس .
ثم قال : وكان أبو طرفة مات وطرفة صغير فأبى أعمامه أن يقسموا ماله فقال :
____________________

( ما تنظرون بمال وردة فيكم ** صغر البنون ورهط وردة غيب ) ( والظلم فرق بين حيي وائلٍ ** بكرٌ تساقيها المنايا تغلب ) ( والصدق يألفه الكريم المرتجى ** والكذب يألفه الدنيء الأخيب ) ويقال : إن أول شعر قاله طرفة أنه خرج مع عمه في سفر فنصب فخاً فلما أراد الرحيل قال : ( يالك من قبرةٍ بمعمر ** خلا لك الجو فبيضي واصفري ) ( ونقري إن شئت أن تنقري ** قد رفع الفخ فماذا تحذري ) لا بد يوماً أن تصادي فاصبري ا . هـ )
وعمرو بن هند المذكور هو من ملوك الحيرة . كان عاتياً جباراً ويسمى محرقاً أيضاً لأنه حرق بني تميم وقيل : بل حرق نخل اليمامة . والنعمان بن المنذر صاحب النابغة ابن أخي عمرو بن هند . وسيأتي إن شاء الله تعالى نسبة عمرو بن المنذر في نسبة أخيه النعمان بن المنذر في الشاهد الثالث بعد هذا .
تتمة ذكر الآمدي في المؤتلف والمختلف من اسمه طرفة من الشعراء أربعة أولهم هذا .
____________________

و الثاني طرفة بن ألاءة بن نضلة بن المنذر بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم . و الثالث طرفة الجذمي أحد بني جذيمة العبسي .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المائة ) وهو من شواهد سيبويه : ( ويأوي إلى نسوةٍ عطلٍ ** وشعثاً مراضيع مثل السعالي ) على أن قوله : شعثاً منصوب على الترحم كالذي قبله .
قال سيبويه : وشعثاً منصوب بإضمار فعل . قال الأعلم : لأنه لما قال : نسوةٍ عطل علم أنهن شعثٌ . فكأنه قال : وأذكرهن شعثاً . إلا أنه فعل لا يظهر لأن ما قبله دل عليه فأغنى عن ذكره .
وقال ابن خلف : الشاهد أنه نصب شعثاً كأنه حيث قال : إلى نسوة عطل صرن عنده ممن علم أنهن شعث ولكنه ذكر ذلك تشنيعاً لهن وتشويهاً . قال الخليل : كأنه قال : أذكرهن شعثاً إلا أن هذا فعلٌ لا يستعمل إظهاره لأن ما قبله قد دل عليه فأغنى عن ذكره على ما يجري الباب عليه في المدح والذم .
وأنشده سيبويه في موضع آخر أيضاً قبل هذا يجر شعثٍ عطفاً على عطل .
____________________

وقال : وإن شئت جررت على الصفة . وزعم يونس أن ذلك أكثر كقولك مررت بزيد أخيك وصاحبك . ثم قال : ولو قال : فشعث بالفاء لقبح .
قال النحاس : ومعنى قوله : لقبح : لا يجوز . لأن عطلاً وشعثاً صفتان ثابتتان معاً في الموصوف فعطفت إحداهما على الأخرى بالواو لأن معناها الاجتماع ولو عطفت بالفاء لم يجز لأنه لم يرد )
أن الشعث حصل لهن بعد العطل .
وأورد هذا البيت صاحب الكشاف عند قوله تعالى : وأولوا العلم قائماً بالقسط على أن المنتصب على المدح كما يجيء معرفة يجيء نكرة كما في شعثاً فإنه منصوب على الترحم .
وأورده أيضاً ابن الناظم وابن هشام في شرح الألفية على أن قوله : شعثاً منصوب بفعل مضمر على الاختصاص ليبين أن هذا الضرب من النساء أسوأ حالاً من الضرب الأول الذي هو العطل منهن . ومثل هذا يسمى نصباً على الترحم .
قال ابن الحاجب في أماليه : لا يجوز أن يكون شعثاً منصوباً مفعولاً معه لأن شرطه التشريك مع المرفوع في نسبة الفعل . وقد توهم من لا عبرة به جواز : سرت والجبل وهو غير جائز إذ الجبل لا يسير ولو سلم جوازه فلا بد من تأويله وهو أن يجعل كأن كل جزءٍ من الجبل سائر لأنه إذا سار من موضع من نواحي الجبل فذاك مفارقٌ له .
والبيت مطلق الروي فهو بكسر اللام من السعالي كما أنشده سيبويه . قال النحاس : هكذا أخذناه عن أبي إسحاق وأبي الحسن وهو الصواب . وأنشد هذا البيت العروضيون منهم الأخفش سعيد : مثل السعال بإسكان اللام . ولا يجوز إلا ذلك على ما رووه لأنهم جعلوه من المتقارب من الضرب الثاني من العروض الأولى .
____________________


وقوله : ويأوي . . الخ فاعل يأوي ضمير الصياد : أي : تأتي مأواه ومنزله إلى نسوة . وعطل : جمع عاطل قال في الصحاح : والعطل بالتحريك : مصدر عطلت المرأة : إذا خلا جيدها من القلائد فهي عطل بالضم وعاطل ومعطال . وقد يستعمل العطل في الخلو من الشيء وإن كان أصله في الحلي يقال : عطل الرجل من المال والأدب فهو عطل بضمة وبضمتين . وهذا هو المراد هنا لأن المعنى : أن هذا الصياد يغيب عن نسائه للصيد ثم يأتي إليهن فيجدهن في أسوأ الحال . و الشعث : جمع شعثاء من شعث الشعر شعثاً فهو شعث من باب تعب : تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن ورجل أشعث وامرأة شعثاء . و المراضيع : جمع مرضاع بالكسر وهي التي ترضع كثيراً . و السعالي : بفتح السين قال أبو علي القالي في كتاب المقصور والممدود السعلي بالكسر وبالقصر : ذكر الغيلان والأنثى سعلاة : وقال الأصمعي : يقال : السعلاة : ساحرة الجن . حدثنا أبو )
بكر بن دريد قال : ذكر أبو عبيدة وأحسب الأصمعي قد ذكره أيضاً قال : لقيت السعلاة حسان بن ثابت في بعض طرقات المدينة وهو غلام قبل أن يقول الشعر فبركت على صدره وقالت : أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم قال : نعم قالت : فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد وإلا قتلتك فقال : ( إذا ما ترعرع فينا الغلام ** فما إن يقال له : من هوه ) ( إذا لم يسد قبل شد الإزار ** فذلك فينا الذي لا هوه ) ( ولي صاحبٌ من بني الشيصبان ** فحيناً أقول وحيناً هوه ) فخلت سبيله . ا . هـ . و الشيصبان بفتح الشين المعجمة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعدها صاد مهملة مفتوحة وبعدها باء موحدة قال ابن دريد في الجمهرة : هو ابن جني من الجن . . وأنشد هذا البيت .
____________________


وروى أبو سعيد السكري هذا البيت في أشعار هذيل كذا : ( له نسوةٌ عاطلات الصدو ** رعوجٌ مراضيع مثل السعالي ) وقال : عوج : مهازيل مثل الغيلان في سوء الحال هو جمع عوجاء . قال في الصحاح : وهذا البيت لأمية بن أبي عائد الهذلي من قصيدة طويلة عدتها ستة وسبعون بيتاً على رواية أبي سعيد السكري في أشعار الهذليين وهذا مطلعها : إلا يا لقومٍ لطيف الخيال يؤرق من نازحٍ ذي دلال الطيف هنا مصدر طاف الخيال يطيف طيفاً . و يؤرق : يسهد . وقوله : من نازح أي : من حبيب بعيد .
وهذا من أبيات سيبويه أورده شاهداً على فتح اللام الأولى وكسر الثانية فرقاً بين المستغاث به والمستغاث من أجله .
قال سيبويه معناه : من لطيف الخيال من نازحٍ ذي دلالٍ يؤرقني . وذكر
____________________

النازح لأنه أراد الشخص . و الدلال : الدلالة بحسنٍ ومحبةٍ ونحوها . ( أجاز إلينا على بعده ** مهاوي خرقٍ مهابٍ مهال ) أجاز الخيال : أي : قطع إلينا على بعده . مهاوي : مواضع يهوى ويسقط فيها وهو مفعول اجاز . و الخرق بالفتح : الفلاة الواسعة تنخرق فيها الرياح . و مهاب بالفتح : موضع هيبة . ) ( صحارٍ تغول جنانها ** وأحداب طودٍ رفيع الحبال ) صحارٍ : جمع صحراء . و تغول : تتلون كالغول . و الجنان بالكسر : جمع جان وهو أبو الجن . و أحداب منصوب بالعطف على مهاوي وهو جمع حدب بالتحريك وهو ما ارتفع من الأرض . ( خيالٌ لجعدة قد هاج لي ** نكاساً من الحب بعد اندمال ) أي : ذلك الخيال خيال جعدة . يقال : عرض لي نكس ونكاس بضمهما . واندمل : أفاق بعض الإفاقة . ( تسدى مع النوم تمثالها ** دنو الضباب بطل زلال ) أي : غشينا خيالها كما تغشى الضباب الأرض . الأصمعي : الضباب : الغيم . و الطل : الندى . و الزلال : الصافي . ( فباتت تسائلنا في المنام ** وأحبب إلي بذاك السؤال ) ( تثني التحية بعد السلام ** ثم تفدي بعم وخال ) ( فقد هاجني ذكر أم الصبي ** من بعد سقمٍ طويل المطال ) أي : المطاولة . ( ومر المنون بأمرٍ يغو ** ل من رزء نفسٍ ومن نقص مال )
____________________

( إلى الله أشكو الذي قد أرى ** من النائبات بعافٍ وعال ) أي : تأخذ بالعفو والسهولة أو تقهر فتعلو وتعظم يقال عاله الأمر : إذا تفاقم به شكا إلى الله ما أصابه من دهره . ( وإظلال هذا الزمان الذي ** يقلب بالناس حالاً لحال ) معطوف على الذي وهو مصدر أطل على الشيء بمعنى أشرف عليه . ( وجهد بلاءٍ إذا ما أتى ** تطاول أيامه والليالي ) عطف على الذي أيضاً . ( فسل الهموم بعيرانةٍ ** مواشكة الرجع بعد النقال ) أي : سريعٌ رجع يديها . والمناقلة : ضرب من السير . )
ثم أخذ في وصف ناقته . . إلى أن شبهها بحمار الوحش ووصفه بشيء كثير إلى أن ذكر أنه أورد أتنه الماء . . فقال : ( فلما وردن صدرن النقيل ** كأوب مرامي غويٌ مغالي ) النقيل : المناقلة في السير وأصله إذا وقع في حجارةٍ ناقل وهو أن ينقل قوائمه يضعها بين كل حجرين . و المغالي : المرامي الذي يغالي في الرمي غيره ينظران أيهما أبعد سهماً . يقول : آبت كأوب السهام . وأوبها إذا نزع النازع في القوس فإذا أرسل السهم فقد آب من حيث نزع .
____________________

( فأسلكها مرصداً حافظاً ** به ابن الدجى لاصقاً كالطحال ) أي : فأسلكها الفحل وهو حمار الوحش مرصداً أي : مكاناً يرصد به الرامي الوحش .
وقوله : به أي : بالمرصد . و ابن الدجى : الصياد وهو جمع دجية وهي بيت الصائد تكون حفيرةً يستتر فيها لئلا يراه الوحش . وقوله : لاصقاً . . الخ يقول : قد لصق الصياد بأرض حفيرته ليخفى عن الصيد كما لصق الطحال بالجنب . ( مقيتاً معيداً لأكل القنيص ** ذا فاقةٍ ملحماً للعيال ) المقيت : المقتدر من أقات على الشيء بمعنى اقتدر عليه . و المعيد : الذي قد اعتاد صيد القنيص . و الملحم : اسم فاعل من ألحم إذا أطعم اللحم . ويأوي إلى نسوةٍ عطل . . .
البيت فاعله ضمير ابن الدجى وهو الصياد . ( تراح يداه بمحشورةٍ ** خواظي القداح عجاف النصال ) في الصحاح : راحت يده بكذا : خفت له . والمحشورة : نبل قد ألطف قذذها وهو أسرع لها وأبعد . وخواظي القداح : جمع خاظية أي : متينة مكتنزة . والقداح : جمع قدح بالكسر وهو عود السهم . وعجاف النصال : أي : قد أرهفت حتى دقت .
ثم وصف قوسه ونباله وصدق رميه . . إلى أن قال : ( فعما قليلٍ سقاها معاً ** بمزعف ذيفان قشبٍ ثمال )
____________________

المزعف : الموت السريع . و الذيفان : السم . و القشب بالكسر : أن يخلط بشيء ليقتل . و ثمال بالضم : منقع . شبه السهام به . ) ( سوى العلج أخطأه رائغاً ** بثجراء ذات غرارٍ مسالٍ ) يقول : سقاها بمزعف سوى العلج أخطأه فلم يصبه . و العلج بالكسر : الحمار الغليظ . و ثجراء : صقيلة عريضة . و غرارها : حدها . و مسال : ممطول ومنه خد أسيل وأسال . ( فجال عليهن في نفره ** ليفتنهن لزول الزوال ) جال عليهن : أقبل واعتمد عليهن في نفره حتى نفر . ليفتنهن : أي : ليشتق بهن أي : ليزول بهن عن الرامي . ( فلما رآهن بالجلهتين ** يكبون في مطحرات الإلال ) الجلهة : ما استقبلت من الوادي . يكبون في مطحرات يعني سهاماً . و المطحر : الملزق . و ( رمى بالجراميز عرض الوجين ** وارمد في الجري بعد انفتال ) رمى : أي : الحمار يقال : رمى بالجراميز أي : بنفسه . و الوجين : ما اعترض لك من غلظ . و ارمد : أسرع في العدو بعد أن كان انفتل انفتالةً فجال .
____________________


ثم وصف الحمار بشدة عدوه حينما نفر من الصياد ورأى أتنه مصرعة . . إلى أن قال : ( أشبه راحلتي ما ترى ** جواداً ليسمع فيها مقالي ) ( وأنجو بها عن ديار الهوا ** ن غير انتحال الذليل الموالي ) بها : أي : براحلتي . و الموالي : الذي يقول أنا مولاك . يقول : ليس كما ينتحل الذليل الموالي .
أي : لا أقول ذلك ولا أفعله أي : انتحالاً . ( وأطلب الحب بعد السلو ** حتى يقال : امرؤٌ غير سال ) اشتهى أن يعاود الحب والهوى بعدما رأى الناس أنه قد أقلع . ( أسلي الهموم بأمثالها ** وأطوي البلاد وأقضي الكوالي ) أي : وأقضي ما تأخر علي من الحقوق . يقال : دين كالئ : إذا تأخر . أي : أقضي الدين بوفادةٍ على هذه الراحلة إلى ملك أو أضرب في الأرض لمكسب . ( وأجعل فقرتها عدةً ** إذا خفت بيوت أمرٍ عضال ) وهذا آخر القصيدة يقال : بعير ذو فقرة : إذا كان قوياً على الركوب . و بيوت : هو أمر جاء بياتاً . و عضال : شديد . يقول : أجعلها عدة إذا نزل بي أمر معضل هربت عليها . و أمية هذا هو أمية بن أبي عائذ . بالذال المعجمة العمري . أحد بني عمرو بن الحارث بن )
تميم بن سعد بن هذيل . . شاعر إسلامي مخضرم على ما
____________________

في الإصابة عن المرزباني .
وفي الأغاني : أنه من شعراء الدولة الأموية وأحد مداحهم . له في عبد الملك بن مروان وعبد العزيز قصائد . وقد وفد إلى عبد العزيز بن مروان بمصر وأنشد قصيدته التي أولها : ( ألا إن قلبي مع الظاعنينا ** حزينٌ فمن ذا يعزي الحزينا ) ( وسار بمدحه عبد العزي ** ز ركبان مكة والمنجدونا ) ( وقد ذهبوا كل أوب بها ** فكل أناسٍ بها معجبونا ) ( محبرة من صحيح الكلا ** م ليست كما لفق المحدثونا ) وطال مقامه بمصر عنده وكان يأنس به . ووصله بصلات سنية فتشوق إلى البادية وإلى أهله فأذن له ووصله .
وأنشد بعده وهو ( لحا الله جرماً كلما ذر شارقٌ ** وجوه كلابٍ هارشت فازبأرت ) على أن قوله : وجوه كلاب منصوب على الذم .
وهذا البيت من أبيات لعمرو بن معد يكرب . وهي :
____________________

( ولما رأيت الخيل زوراً كأنها ** جداول زرعٍ أرسلت فاسبطرت ) ( فجاشت إلي النفس أول مرةٍ ** فردت على مكروهها فاستقرت ) ( علام تقول الرمح يثقل عاتقي ** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت ) ( لحا الله جرماً كلما ذر شارقٌ ** وجوه كلابٍ هارشت فازبأرت ) ( فلم تغن جرمٌ نهدها أن تلاقيا ** ولكن جرماً في اللقاء ابذعرت ) ( ظللت كأني للرماح دريةٌ ** أقاتل عن أبناء جرمٍ وفرت ) ( فلو أن قومي أنطقتني رماحهم ** نطقت ولكن الرماح أجرت ) هذا المقدار أورده أبو تمام في الحماسة . وفي ديوانه أكثر من هذا .
وقصة هذه الأبيات : هو ما حكاه المفضل الطبرسي في شرح الحماسة : أن جرماً ونهداً وهما قبيلتان من قضاعة كانتا من بني الحارث بن كعب فقتلت جرمٌ رجلاً من أشراف بني الحارث فارتحلت عنهم وتحولت في بني زبيد . فخرجت بنو الحارث يطلبون بدم أخيهم فالتقوا فعبأ عمرٌ و جرماً لنهد وتعبأ هو وقومه لبني الحارث . ففرت جرم واعتلت بأنها كرهت دماء نهد )
فهزمت يومئذٍ بنو زبيد . فقال عمرٌ و هذه الأبيات يلومها . ثم غزاهم بعد فانتصف منهم .
فقوله : زوراً هو جمع أزور وهو المعوج الزور بالفتح أي : الصدر . يقول : لما رأيت الفرسان منحرفين للطعن وقد خلوا أعنة دوابهم وارسلوها علينا كأنها أنهار زرعٍ أرسلت مياهها فاسبطرت أي : امتدت . والتشبيه وقع على جري الماء في الأنهار لا على الأنهار فكأنه شبه امتداد الخيل في انحرافها عند الطعن
____________________

بامتداد الماء في الأنهار وهو يطرد ملتوياً ومضطرباً . وهذا تشبيه بديع .
وقوله : فجاشت . . الخ جاشت : ارتفعت من فزع . وهذا ليس لكونه جباناً بل هذا بيان حال النفس . ونفس الجبان والشجاع سواءٌ فيما يدهمها عند الوهلة الأولى ثم يختلفان : فالجبان يركب نفرته والشجاع يدفعها فيثبت . قال أبو عبيدة : قال عبد الملك بن مروان : وجدت فرسان العرب ستة نفر : ثلاثة منهم جزعوا من الموت عند اللقاء ثم صبروا وثلاثة لم يجزعوا . قال عمرو : فجاشت إلي النفس أول مرةٍ . . . . . . . . . . . . . . . البيت وقال ابن الإطنابة : ( وقولي كلما جشأت وجاشت : ** مكانك تحمدي أو تستريحي ) ( إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ** عنها ولكني تضايق مقدمي ) فأخبر هؤلاء الثلاثة أنهم هابوا ثم أقدموا . وقال عامر بن الطفيل : ( أقول لنفسٍ ما أريد بقاءها ** أقلي المراح إنني غير مدبر )
____________________

وقال قيس بن الخطيم : ( وإني في الحرب الضروس موكلٌ ** بإقدام نفيسٍ ما أريد بقاءها ) وقال العباس بن مرداس : ( أشد على الكتيبة لا أبالي ** أحتفي كان فيها أم سواها ) فأخبر هؤلاء انهم لم يجزعوا .
الفاء زائدة وجاشت : جواب لما عند الكوفيين والأخفش . وعند البصريين للعطف والجواب محذوف يقدر بعد قوله : فاستقرت أي : طاعنت أو أبليت . والقرينة عليه قوله : علام تقول الرمح . . البيت كذا قال شراح الحماسة وهذا تعسف نشأ من أبي تمام فإنه حذف بيت الجواب اختصاراً كعادته . لكن كان على الشارح مراجعة الأصل . والجواب هو البيت الثالث )
المحذوف وهو : ( هتفت فجاءت من زبيد عصابةٌ ** إذا طردت فاءت قريباً فكرت ) و فاءت بمعنى رجعت . وأول مرة : ظرف . وقوله : علام تقول الرمح . . الخ أورده ابن هشام في المغني على أن على فيه تعليلية . وأورده في شرح الألفية أيضاً شاهداً على إعمال تقول عمل ظن . وما استفهامية ولها حذف ألفها . وأثقله الشيء : أجهده . والعاتق : ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء .
قال ابن جني في إعراب الحماسة : يروى الرمح بالنصب والرفع : فأما الرفع فعلى ظاهر الأمر وأما النصب فعلى استعمال القول بمعنى الظن وذلك مع استفهام المخاطب كقوله :
____________________

أجهالاً تقول بني لؤي وعلى قوله : فمتى تقول الدار تجمعنا وروى لنا أبو علي بيت الحطيئة : ( إذا قلت أني آيبٌ أهل بلدةٍ ** حططت بها عنه الولية بالهجر ) بفتح الهمزة من أني قال : ومعناها إذا قدرت وظننت أني آيب .
فإن قيل : فليس هنا استفهام فكيف جاز استعمال القول استعمال الظن قيل : لم يجز هذا للاستفهام وحده بل لأن الموضع من مواضع الظن . ولو كان للاستفهام مجرد من تقاضي الموضع له وتلقيه إياه فيه لجاز أيضاً أأقول زيداً منطلقاً وأيقول زيداً عمراً جالساً ولما لم يجز ذلك لأنه لا يكاد يستفهمه عن ظن غيره علمت به أن جوازه إنما هو لأن الموضع مقتض له . وإذا كان الأمر كذلك جاز أيضاً : إذا قلت أني آيب بفتح همزة أني من حيث كان الموضع متقاضياً للظن . وهذه رواية غريبة لطيفة . ولو كسرت هنا همزة إن لكانت كالرفع في قولك : أتقول زيدٌ منطلق إذا حكيت ولم تعمل .
____________________


وأما إذا و إذا في البيت ففيهما نظر : وذلك ان كل واحدة منهما محتاجة إلى ناصب هو جوابهما وكل واحدةٍ منهما جوابها محذوف يدل عليه ما قبلها . وشرح ذلك أن تقول : إن إذا الأولى جوابها محذوف حتى كأنه قال : إذا أنا لم أطعن وجب طرحي الرمح عن عاتقي . فدل قوله : علام تقول الرمح يثقل عاتقي على ما أراده من وجوب طرح الرمح إذا لم يطعن به )
كقولك : أنت ظالم إن فعلت أي : إن فعلت ظلمت ودلك أنت ظالم على ظلمت . وهذا بابٌ واضح . . وإذا الأولى وما ناب عن جوابها في موضع جواب إذا الثانية أي : نائبٌ عنه ودال عليه وتلخيصه : أنه كأنه قال : إذا الخيل كرت وجب إلقائي الرمح مع تركي الطعن به . ومثله من التركيب : أزورك إذا أكرمتني إذا لم يمنعني من ذلك مانع فاعرف صحة الغرض في هذا الموضع فإنه طريق ضيق وكل مجتازٍ فيه قليل التأمل لمحصول حديثه فإنما يأنس بظاهر اللفظ ولا يوليه والتبريزي جعل إذا الأولى ظرفاً لقوله : يثقل وإذا الثانية ظرفاً لقوله : لم أطعن بضم العين لأنه يقال : طعنه بالرمح من باب قتل .
وقوله : لحا الله جرماً . . الخ أصل اللحو نزع قشر العود . يدعو عليهم بالهلاك : أي : قشرهم الله غداة كل يوم . والذرور في الشمس بالذال المعجمة : أصله الانتشار والتفريق ويقال : ذرت الشمس : طلعت . و شارق : الشمس . و كلما منصوب على الظرف . ووجوه : منصوب على الذم والشتم ويجوز أن يكون بدلاً من جرماً . و هارشت في الصحاح : الهراش : المهارشة بالكلاب وهو تحريش بعضها على بعض .
وقوله : فازبأرت أي : انتفشت حتى ظهر أصول شعرها وتجمعت للوثب . وهذه الحالة أشنع حالات الكلاب . وهذا تحقير للمشبه وتصوير لقباحة منظره . شبه وجوههم بوجوه الكلاب في هذه الحالة .
____________________


وقوله : فلم تغن جرمٌ . . الخ أي : لم تقاوم جرم نهداً بل فرت منها . وقال الطبرسي : لم تغن أي : لم تكف جرمٌ نهداً ولكنها فرت . قال الشاعر : وأغن نفسك عنا أيها الرجل وابذعرت : تفرقت . وقال الإمام المرزوقي والمعنى : لم تنصر جرم نهداً وقت الالتقاء ولكن جرماً انهزمت وهامت على وجهها فمضت واصطلت نهدٌ بنار الحرب ومست حاجتها إلى من ينصرها ويذب عنها الأعداء . وأضاف نهدها إلى ضمير جرم أن اعتمادهم كان عليها واعتقادهم الاكتفاء بها ا . هـ .
وهذا غفلة عن سبب الأبيات . وإضافة نهد إلى ضمير جرم للملابسة فإن جرماً أعدت لمقاتلة نهد كما أن زبيداً أعدت لمقاتلة بني الحارث .
وقوله : ظللت كأن . . الخ أي : بقيت نهاري منتصباً في وجوه الأعداء والطعن يأتي من )
جوانبي أذب عن جرم وقد هربت . فالدرية هي الحلقة التي يتعلم عليها الطعن وأما الدرأة بالهمز فهي الدابة التي يستتر بها من الصيد يقال : درأتها نحو الصيد وإلى الصيد وللصيد : إذا سقتها من الدرء وهو الدفع . وجملة كأني خبر ظللت . وجملة أقاتل حال ويجوز العكس .
قال يوسف بن السيرافي في شرح شواهد إصلاح المنطق : يقول : صرت لكثرة الطعن في ودخول الرماح في جسدي كالحلقة التي يتعلم عليها الطعن . وحكايته : أن جرماً كانت مع زبيد ونهداً مع بني الحارث بن كعب فالتقوا فانهزمت جرم وبنو زبيد وكاد عمرٌ و يؤخذ وقاتل يومئذ قتالاً شديداً .
وقوله : فلو أن قومي يقول : لو صبروا وطعنوا برماحهم أعداءهم لأمكنني مدحهم ولكن فرارهم صيرني كالمشقوق اللسان لأني إن مدحتهم بما لم يفعلوا كذبت ورد علي . يقال : أجررت لسان الفصيل : إذا شققت لسانه لئلا يرضع أمه . قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه الوسطى أخبرنا ابن شقير قال : حضرت المبرد وقد سأله رجلٌ عن معنى قول الشاعر : فلو أن قومي أنطقتني رماحهم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت
____________________

فقال : هذا كقول الآخر : ( وقافيةٍ قيلت فلم أستطع لها ** دفاعاً إذا لم تضربوا بالمناصل ) ( فأدفع عن حق بحق ولم يكن ** ليدفع عنكم قالة الحق باطلي ) قال أبو القاسم : معنى هذا : أن الفصيل إذا لهج بالرضاع جعلوا في أنفه خلالة محددة فإذا جاء يرضع أمه نخستها تلك الخلالة فمنعته من الرضاع فإن كف . . وإلا أجروه . والإجرار : أن يشق لسان الفصيل أو يقطع طرفه فيمتنع حينئذ من الرضاع ضرورة . فقال قائل البيت الأول : إن قومي لم يقاتلوا فأنا مجرٌ عن مدحهم لأني ممنوع كأن رماحهم حين قصروا عن القتال بها أجرتني عن مدحهم كما يجر الفصيل . عن الرضاع . ففسره أبو العباس بالبيتين اللذين مضيا .
وللإجرار موضع آخر وهو أن يطعن الفارس الفارس فيمكن الرمح فيه ثم يتركه منهزماً يجر الرمح فذلك قاتل لا محالة . ومنه قول الشاعر : وقول الآخر : ونقي بأفضل مالنا أحسابنا ونجر في الهيجا الرماح وندعي ا . هـ قوله : وندعي أي : ننتسب في الحرب كما ينتسب الشجاع في الحرب فيقول : أنا فلان ابن فلان . )
____________________


ومعدي اشتقاقه مثل اشتقاق معدان ويزيد عليه بأنه يجوز أن يكون من العدوان فقلبت الواو ياء لما بني على مفعل أو يكون بني على مفعول فقلبت الواو ياء ثم خففت الياء لطول الاسم لأنه جعل مع كرب كالاسم الواحد . و كرب يجوز أن يكون من الكرب الذي هو أشد الغم أو من كرب في معنى قارب أو من أكربت الدلو : إذا شددتها بالكرب وهو الحبل الذي يشد على العراقي قال ابن جني : فسره ثعلب : أنه عداه الكرب أي : تجاوزه وانصرف عنه . و عصم بضم العين وسكون الصاد المهملتين . و زبيد مصغر زبدة أو زبد والزبد : العطاء يقال : زبده زبداً : إذا أعطاه . وقال شارح ديوانه : وسمي زبيداً لأنه قال : من يزبدني نصره وكذا رأيت في جمهرة الأنساب . إنما سمي زبيداً لأنه قال : من يزبدني نصره لما كثر عمومته وبنو عمه فأجابوه كلهم . فسموا كلهم زبيداً ما بين زبيد الأصغر إلى منبه بن صعب وهو زبيد الأكبر . وأخوه زبيد الأصغر كلهم يدعى زبيداً ا . هـ .
وكنية عمرو أبو ثور . وهو الفارس المشهور صاحب الغارات والوقائع في الجاهلية والإسلام .
قال في الاستيعاب : وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع . وقال الواقدي : في سنة عشر في وفد زبيد فأسلم ا . هـ .
وأقام مدة في المدينة ثم رجع إلى قومه وأقام فيهم سامعاً مطيعاً وعليهم فروة بن مسيك فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتد .
قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ارتد مع الأسود العنسي فسار إليه خالد بن سعيد فقتله فضربه خالد على عاتقه فانهزم وأخذ خالدٌ سيفه . فلما
____________________

رأى عمرو الأمداد من أبي بكر رضي الله عنه أسلم ودخل على المهاجر بن أبي أمية بغير أمان فأوثقه وبعث به إلى أبي بكر فقال له أبو بكر : أما تستحي كل يوم مهزوماً أو مأسوراً لو عززت هذا الدين لرفعك الله قال : لا جرم لأقبلن ولا أعود . فأطلقه وعاد إلى قومه . ثم عاد إلى المدينة فبعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى الشام فشهد اليرموك ا . هـ . )
وله في يوم اليرموك بلاءٌ حسن وقد ذهبت فيه إحدى عينيه . ثم بعثه عمر رضي الله عنه إلى العراق وله في القادسية أيضاً بلاء حسن وهو الذي ضرب خطم الفيل بالسيف فانهزمت الأعاجم وكان سبب الفتح . ومات في سنة إحدى وعشرين من الهجرة .
وفي كيفية موته خلاف . قيل : مات عطشاً يوم القادسية وقيل : قتل فيه وقيل : بل مات في وقعة نهاوند بعد الفتح وقيل : غير ذلك . وعمره يومئذ مائة وعشرون وقيل : مائة وخمسون .
ولم يذكره السجستاني في المعمرين .
روي أن رجلاً رآه وهو على فرسه فقال : لأنظر ما بقي من قوة أبي ثور . فأدخل يده بين ساقه وجنب الفرس ففطن لها عمرو فضم رجله وحرك الفرس فجعل الرجل يعدو مع الفرس ولا يقدر أن ينزع يده حتى إذا بلغ منه صاح به فقال له : يا ابن أخي : مالك قال : يدي تحت ساقك فخلى عنه . وقال له : إن في عمك بقية .
وأنشد بعده وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة ) وهو من شواهد سيبويه : لما تقدم في البيت قبله أعني أن نصب وجوه على الشتم .
____________________


قال النحاس : ويجوز رفعه على إضمار مبتدأ أو على أن تجعله بدلاً من أقارع عوف : تبدل النكرة من المعرفة مثل : لنسفعاً بالناصية . ناصيةٍ كاذبةٍ . ونقل ابن السيد البطليوسي عن يونس بن حبيب في أبيات المعاني أنه قال : لو شئت رفعت ما نصبته على الابتداء وتضمر في نفسك شيئاً لو أظهرته لم يكن ما بعده إلا رفعاً كأنك قلت : لهم وجوه قرودٍ ا . هـ .
وهذا البيت للنابغة الذبياني من قصيدةٍ يعتذر بها إلى النعمان بن المنذر مما وشت به بنو قريع . وقبله : ( لعمري وما عمري علي بهينٍ ** لقد نطقت بطلاً علي الأقارع ) واستشهد به ابن هشام في المغني على أن جملة وما عمري علي بهين معترضة بين القسم وجوابه . . العمر بفتح العين هو العمر بضمها لكن خص استعمال المفتوح بالقسم أي : ما قسمي بعمري هينٌ علي حتى يتهم متهمٌ بأني أحلف به كاذباً . و البطل بالضم هو الباطل ونصب على المصدر أي : نطقت نطقاً باطلاً . )
وقوله : أقارع عوف بدلٌ من الأقارع . و لا أحاول لا أريد . والمجادعة بالجيم والدال المهملة هو أن يقول كلٌ من شخصين : جدعاً لك أي : قطع الله أنفك . وهي كلمة سب من الجدع وهو قطع الأذن والأنف . يقول : هم سفهاء يطلبون من يشاتمهم . و الأقارع : هم بنو قريع بن عوف بن كعب بن زيد مناة بن تميم الذين كانوا سعوا به إلى النعمان حتى تغير له . وسماهم أقارع لأن قريعاً أباهم سمي بهذا الاسم . وهو تصغير أقرع ولهذا جمعه على الأصل .
والعرب إذا نسبت الأبناء إلى الآباء فربما سمتهم باسم الأب كما قالوا : المهالبة والمسامعة في بني المهلب وبني مسمع . وزعم الدماميني في الحاشية الهندية
____________________

أن الأقارع جمع أقرع . ثم نقل من الصحاح أن الأقرعين : الأقرع بن حابس وأخوه مرثد . وهذا كما ترى لا مناسبة له هنا .
والسبب في غضب النعمان على النابغة هو ما حكاه شارح ديوانه وغيره عن أبي عمرو وابن الأعرابي أنهما قالا : كان النابغة ممن يجالس النعمان ويسمر عنده ورجلٌ آخر من بني يشكر يقال له : المنخل وكان جميلاً يتهم بالمتجردة امرأة النعمان . وكان النعمان قصيراً دميماً قبيح الوجه أبرش . وكانت المتجردة ولدت للنعمان غلامين . وكان الناس يزعمون أنهما ابنا المنخل . وكان النابغة رجلاً حليماً عفيفاً وله منزلة يحسد عليها . فقال له النعمان يوماً وعنده المتجردة والمنخل صفها يا نابغة في شعرك . فقال قصيدته الدالية التي أولها : أمن آل مية رائحٌ أو مغتدي وستأتي إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب فوصف النابغة فيها بطنها وروادفها وفرجها ولذة مجامعتها . فلما سمع المنخل هذه القصيدة لحقته غيرة . فقال للنعمان : ما يستطيع أن يقول هذا الشعر إلا من قد جرب فوقر ذلك في نفس النعمان .
ثم أتى النعمان بعد ذلك رهطٌ من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وهم بنو قريع فبلغوه أن النابغة يصف المتجردة ويذكر فيها وان ذلك قد شاع بين الناس . فتغير النعمان عليه . وكان للنعمان بوابٌ يقال له عصام بن شهبر الجرمي . فأتى النابغة فقال له عصام : إن النعمان واقعٌ بك فانطلق . فهرب النابغة إلى غسان ملوك الشام وهو آل جفنة ومكث عندهم ومدحهم بقصائد كما تقدم في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائة .
وكان سبب وقوع بني قريع في النابغة عند النعمان : هو ما حكاه أبو عبيد والأصمعي قالا : كان لمرة بن ربيعة بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم سيف جيد . فحسده )
النابغة فدل على السيف النعمان بن المنذر فأخذه من مرة فحقد مرة على النابغة وأرصد له بشر حتى تمكن منه فوقع فيه عند
____________________

النعمان فبعد أن هرب النابغة ومكث عند آل جفنة أرسل إلى النعمان قصائد يعتذر إليه بها ويحلف له : أنه ما فرط منه ذنب .
واشتد ذلك على النعمان وعرف أن الذي بلغه كذب . فبعث النعمان إلى النابغة : إنك لم تعتذر من سخطةٍ إن كانت بلغتك ولكنا تغيرنا لكمن شيء مما كنا لك عليه ولقد كان في قومك ممنع وتحصين فتركته ثم انطلقت إلى قومٍ قتلوا جدي وبيني وبينهم ما قد علمت . وكان النعمان وأبوه وجده قد أكرموا النابغة وشرفوه وأعطوه مالاً عظيماً حتى كان لا يأكل ولا يشرب إلا في أواني الذهب والفضة . فرضي عنه النعمان ووهب له مائة بعير من عصافيره وهي إبل كانت للنعمان تسمى بها .
والنابغة قد تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع بعد المائة .
والنعمان هذا آخر ملوك الحيرة . ثم ولي بعده إياس بن قبيصة الطائي ثمانية أشهر واضطرب ملك فارس وضعفوا وكانت ملوك الحيرة من تحت أيديهم وأتى الله عز وجل بالإسلام فغزا أهله النبي صلى الله عليه وسلم .
وأول من ملك الحيرة مالك بن فهم بن عمرو بن دوس بن الأزد . ملك العرب بالعراق عشرين سنة . والحيرة هي أرض في العراق بلدة قريبة من الكوفة . قال الهمداني في جزيرة العرب : سار تبع أبو كرب في غزوته الثانية . فلما أتى موضع الحيرة خلف هناك مالك بن فهم بن غنم بن دوس على أثقاله . وتخلف معه من ثقل من أصحابه في نحو اثني عشر ألفاً .
وقال : تحيروا هذا الموضع فسمي الموضع الحيرة وهو من قولهم : تحير الماء .
____________________

إذا اجتمع وزاد وتحير المكان بالماء : إذا امتلأ فمالكٌ أول ملوك الحيرة وأبوهم . وكانوا يملكون مابين الحيرة والأنبار وكان مكان الحيرة من أطيب البلاد وأرقه هواء وأخفه ماء وأعذاه تربة وأصفاه جواً قد تعالى عن عمق الأرياف واتضع عن حزونة الغائط واتصل بالمزارع والجنان والمتاجر العظام لأنها كانت من ظهر البرية على مرفأ سفن البحر من الهند والصين وغيرهما ا . هـ .
قال ابن رشيق في العمدة : وملك بعد مالك بن فهم ابنه جذيمة بن مالك وهو الأبرش والوضاح وكان ملكه ستين سنة . ثم عمرو بن عدي بن نر ابن ربيعة اللخمي وعمرو هذا هو ابن أخت جذيمة الأبرش وفيه قيل : شب عمروٌ عن الطوق ثم امرؤ القيس بن عمرو بن عدي )
ويقال : بل الحارث بن عمرو وأنه هو الذي كان يدعى محرقاً . ثم النعمان ابن امرئ القيس وهو النعمان الأكبر الذي بنى الخورنق . ثم المنذر بن امرئ القيس وهو المنذر الأكبر ابن ماء السماء أخو النعمان الأكبر . ثم المنذر بن المنذر وهو الأصغر . ثم أخوه عمرو بن المنذر وهو عمرو بن هند وسمي محرقاً أيضاً . لأنه حرق بني تميم وقيل بل حرق نخل اليمامة . ثم النعمان بن المنذر بن المنذر صاحب النابغة وهو آخر ملوك لخم كما ذكرنا .
واعلم أن هذه القصيدة غالب أبياتها شواهد في كتب العربية وهي خمسة وثلاثون بيتاً . فلا بأس بإيرادها مختصرةً تتميماً للفائدة . وهي على هذا الترتيب :
____________________

( عفا ذو حسىً من فرتنى فالفوارع ** فجنبا أريكٍ فالتلاع الدوافع ) عفا : درس وامحى . و ذو حسى : بلد في بلاد بني مرة وهو بضم الحاء والسين المهملتين والقصر . و فرتنى : أي : من منازل فرتنى وهو بفتح الفاء وسكون الراء وبعدها تاء مفتوحة يليها نون قال في الصحاح : هو مقصور وهو اسم امرأة . والعرب تسمي الأمة فرتنى . و الفوارع : جمع فارعة قال في الصحاح : وفارعة الجبل : أعلاه . وتلاع فوارع : مشرفات المسايل . و أريك بفتح الهمزة وكسر الراء قال البكري في معجم ما استعجم : هو موضع في ديار غني بن يعصر .
وأنشد هذا البيت ثم قال : وقال أبو عبيدة : أريك في بلاد ذبيان قال : وهما أريكان : أريكٌ الأسود وأريكٌ الأبيض . والأريك : الجبل الصغير . وقال الأخفش : إنما سمي أريكاً لأنه جبل كثير الأراك . والتلاع بالكسر : مجاري الماء إلى الأودية وهي مسايل عظام . والدوافع : تدفع الماء إلى الميث والميث يدفع الماء إلى الوادي الأعظم . كذا في الشرح . ( فمجتمع الأشراج عفى رسومها ** مصايف مرت بعدنا ومرابع ) قال أبو عبيدة : مجتمع الأشراج : مسايل في الأرض تصب إلى الأودية والواحد شرج بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وآخره جيم . و الرسوم : الآثار . و عفى : درس ومحا . و المصايف : جمع مصيف . و مرابع : جمع مربع .
____________________


أراد آيات الدار . واللام بمعنى بعد أي : بعد ستة أعوام . و توهمت : تفرست .
وهذا البيت من شواهد أبيات سيبويه أنشده على أن العام صفة ذا وسابع خبر اسم الإشارة . وأورده ابن هشام أيضاً في شرح الألفية على أن سابعاً استعمل مفرداً ليفيد )
الاتصاف بمعناه مجرداً وهذا بخلاف ما يستعمله الشخص مع أصله ليفيد أن الموصوف به بعض العدد المعين نحو : سابع سبعة وثامن ثمانية ونحوهما : ( رمادً ككحل العين ما إن تبينه ** ونؤيٌ كجذم الحوض أثلم خاشع ) أي : من الآيات رماد ونؤيٌ . استأنف وفسر بعض الآيات . زعموا : أن الرماد يبقى ألف سنة .
وروى : لأياً أبينه اللأي بفتح اللام وسكون الهمزة : البطء ونصب على نزع الخافض : أي : أستبينه بعد بطء . والنؤي بضم النون وسكون الهمزة حفيرة تحفر حول الخباء ويجعل ترابها حاجزاً لئلا يدخله المطر . والجذم بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة : الأصل والباقي .
وخاشع : لاطيء بالأرض قد اطمأن وذهب شخوصه . ( كأن مجر الرامسات ذيولها ** عليه قضيمٌ نمقته الصوانع ) هذا البيت أورده الشارح المحقق في شرح الشافية في باب المنسوب على أن فيه حذف مضاف : أي : كأن أثر مجر الرامسات . ومجر مصدر ميمي لا اسم مكان فإن أسماء المكان والزمان والآلة لا ترفع فضلاً عن أن تنصب . و ذيولها :
____________________

قد انتصب بمجر فمجر مصدر مضاف لفاعله وذيولها مفعوله وإنما كان بتقدير مضاف وهو أثر مجر أو مكان مجر لأنه إذا كان مصدراً فلا يصح الإخبار بقوله قضيم وإن كان اسم مكان فلا يصح نصبه المفعول . و الرامسات : الرياح الشديدة الهبوب من الرمس وهو الدفن . وذيولها : مآخيرها : وذلك أن أوائلها تجيء بشدة ثم تسكن . وروي بجر ذيولها على أنه بدل من الرامسات وعليه فالمجر اسم مكان ولا حذف . و القضيم : حصير منسوج خيوطه سيور . كذا في القاموس وكذا قال شارح ديوانه : شبه آثار هذه الرامسات في هذا الرسم بحصير من جريد أو أدم ترمله الصوانع أي : تعمله وتخرزه .
ومثله لذي الرمة : ريحٌ لها هباب الصيف تمنيم أي : نمنمة كالوشي . وقال العجاج : سجاحة الأولى دروج الأذيال ولا يناسبه قول الجاربردي في شرح الشافية : إن القضيم جلدٌ أبيض يكتب فيه فإن الصوانع جمع صانعة والمعهود في نساء العرب النسج وما أشبهه لا الكتابة . والمعنى يقتضيه أيضاً فإن )
الرمل الذي تمر عليه الريح يشبه نسج الحصير . والصنع : إجادة الفعل وليس كل صنع فعلاً ولا يجوز نسبته إلى الحيوانات غير الآدميين ولا إلى الجمادات وإن كان الفعل ينسب إليهما . ولا يقال صنعٌ بفتحتين إلا للرجل الحاذق المجيد ولا صناع بالفتح إلا لامرأة تتقن ما تعمله ضد الخرقاء .
وفي القاموس : رجل صنع اليدين بالكسر والتحريك وصنيع اليدين وصناعهما : حاذقٌ في الصنعة . وامرأة صناع اليدين كسحاب : حاذقة ماهرة بعمل
____________________

اليدين وجمعهما صنع ككتب .
وقوله : نمقته : أي : حسنته . قال الشارح : كل ما ألزق بعضه إلى بعض وأقيم سطوره من نخل أو كتاب فهو منمق : ( على ظهر مبناةٍ جديدٍ سيورها ** يطوف بها وسط اللطيمة بائع ) قال أبو عبيدة : المبناة بكسر الميم وسكون الباء الموحدة : نطع يقول : هذا الحصير على هذا النطع يطوف به بائع في الموسم . قال الأصمعي : كان من يبيع متاعاً يفرش نطعاً ويضع عليه متاعه والنطع يسمى مبناة . فيقول : نشر هذا التاجر حصيراً على نطع . وإنما سميت مبناة لأنها كانت تتخذ قباباً والقبة والبناء سواء والأنطاع تبنى عليها القباب . والنطع بكسر فسكون وبفتحتين و كعنب : بساط من الأديم . و اللطيمة قال أبو عمرو : سوقٌ فيها بز وطيب . وقال أبو عبيدة : اللطيمة : العير التي تحمل دق المتاع وأفضله وتحمل إلى الأسواق والمواسم ولا تسمى لطيمة إلا وفيها طيب . وقوله : جديد سيورها أراد الأديم وأنشد : وقدت من أديمهم سيوري ( فأسبل مني عبرةٌ فرددتها ** على النحر : منها مستهلٌ ودامع ) مستهلٌ : سائل منصب له وقع ومنه استهلت السماء بالمطر : إذا رام مطرها . و دامع : قاطر . ( على حين عاتبت المشيب على الصبا ** فقلت : ألما تصح والشيب وازع )
____________________

يأتي شرحه إن شاء الله تعالى في باب الظروف . ( وقد حال همٌ دون ذلك داخلٌ ** دخول الشغاف تبتغيه الأصابع ) أي : دون هذا الذي أشبب به وأبكي عليه دون الصبا . وروي : وقد جال همٌ وروي أيضاُ : ( ولكن هماً دون ذلك داخلٌ ** مكان الشغاف . . . . . . . . . . . ) )
أي : غلاف القلب . وقال الأصمعي : الشغاف : داء يدخل تحت الشراسيف في البطن في الشق الأيمن إذا التقى هو والطحال مات صاحبه . يقول : هذا الهم الذي هو لي هو مضوع الشغاف الذي يكون فيه القلب .
ثم رجع إلى الشغاف فقال : تبتغيه الأصابع : أي : تلتمسه أصابع المتطببين ينظرون أنزل من ذلك الموضع أم لا وإنما ينزل عند البرء .
قال ابن السيد في شرح أبيات أدب الكاتب : هذا قول الأصمعي وأبي عبيدة . وقيل معناه : تلتمسه هل انحدر نحو الطحال فيتوقع على صاحبه الموت أم لم ينحدر فترجى له السلامة .
وقال أبو علي البغدادي يعني أصابع الأطباء يلمسونني هل وصل إلى القلب أم لا لأنه إذا اتصل بالقلب تلف صاحبه . وإنما أراد النابغة : أنه من موجدة النعمان عليه بين رجاء ويأس كهذا العليل الذي يخشى عليه الهلاك ولا يأس مع ذلك من برئه . وهذان التأويلان أشبه بغرض النابغة من التأويل الأول :
____________________

( وعيد أبي قابوس في غير كنهه ** أتاني ودوني راكسٌ فالضواجع ) أبو قابوس : كنية النعمان بن المنذر . قال الأصمعي : أي : جاءني وعيده في غير قدر الوعيد .
أي : لم أكن بلغت ما يغضب علي غفيه . و راكس : واد . و الضواجع : جمع ضاجعة وهو منحنى الوادي . ( فبت كأني ساورتني ضئيلةٌ ** من الرقش في أنيابها السم ناقع ) المساورة : المواثبة والأفعى لا تلدغ إلا وثباً . و ضئيلة : هي الحية الدقيقة القليلة اللحم .
والعرب تقول : سلط الله عليه أفعى حارية . تحري . أي : ترجع من غلظ إلى دقة ويقل دمها ويشتد سمها . قال : ( داهيةٌ قد صغرت من الكبر ** جاء بها الطوفان أيام زخر ) وقوله : ناقع . أي : ثابت يقال : نقع ينقع نقوعاً : إذا ثبت . والرقش من الحيات : المنقطة بسواد .
وهي من شرارها فلذا خصها بالذكر . وقال شارح ديوان الحطيئة في شرح هذا البيت من شعره : ( كأني ساورتني ذات سم ** نقيعٍ ما يلائمها رقاها ) النقيع : المنقوع المجموع وذلك : أن الحية تجمع سمها من أول الشهر إلى النصف منه فإن )
أصابت شيئاً لفظته فيه وإن جاء النصف ولم تصب شيئاً تنهشه لفظته من فيها بالأرض ثم استأنفت تجمع إلى رأس الشهر ثم تفعل كفعلها الأول فهذا دأبها الدهر كله ا . هـ .
____________________


وهذا البيت من أبيات سيبويه أورده على أن ناقعاً رفع على أنه خبر عن السم ويجوز في غير الشعر ناقعاً على الحالية . وقوله : في أنيابها هو الخبر . وأورده المرادي في شرح الألفية وكذلك ابن هشام في المغني على أن بعضهم قال ناقع صفة للسم وهو ابن الطراوة فإنه قال : يجوز وصف المعرفة بالنكرة إذا كان الوصف خاصاً لا يوصف به إلا ذلك الموصوف . وهذا لا يجيزه أحد من البصريين إلا الأخفش . ولا حجة في هذا البيت قال ابن هشام : إنه خبر للسم . والظرف متعلق به أو خبر ثان . ( يسهد في ليل التمام سليمها ** لحلي النساء في يديه قعاقع ) ليل التمام بكسر التاء : أطول ليلة في السنة . والسليم : اللديغ . قال الزجاجي في أماليه الصغرى : سمت العرب الملسوع سليماً تفاؤلاً كما سموا المهلكة مفازة من قولهم فوز الرجل : إذا مات كأنهما لفظتان لمعنى . وكان ينشد قول الشاعر : ( كأني من تذكر آل ليلى ** إذا ما أظلم الليل البهيم ) ( سليمٌ بان عنه أقربوه ** وأسلمه المداوي والحميم ) ولو كان على ما ذهب إليه في السليم لقيل لكل من به علة صعبة : سليم مثل المبرسم والمجنون والمفلوج بل كان يلزم أن يقال للميت : سليم ا . هـ .
وفيه أن المنقول عنه أنه هو وابن الأعرابي قالا : إن بني أسد تقول : إنما سمي السليم سليماً لأنه أسلم لما به . على أن العلة لا يجب إطرادها : فتأمل .
وقوله : لحلي النساء الخ كان الملدوغ يجعل الحلي في يديه والجلاجل
____________________

حتى لا ينام فيدب السم فيه .
وروي أيضاً : نناذرها الحاوون وهو جمع حاوٍ وهو الذي يمسك الحيات . أي : أنذر بعضهم بعضاً بأنها لا تجيب راقياً . وروي : من سوء سمعها يعني أنها حية صماء وقوله : تطلقه : تخف عنه مرة وتشتد عليه مرة .
قال المبرد في الكامل عندما أنشد هذه الأبيات الأربعة من قوله : وعيد أبي قابوس إلى هذا البيت ومن التشبيه الصحيح هذه الأبيات وهذه صفة الخائف المهموم ومثل ذلك قول الآخر : ) ( تبيت الهموم الطارقات يعدنني ** كما تعتري الأوصاب رأس المطلق ) و المطلق : هو الذي ذكره النابغة في قوله : تطلقه طوراً . . الخ . وذلك أن المنهوش إذا ألح الوجع به تارة وأمسك عنه تارة فقد قارب أن يوأس من برئه . وإنما ذكر خوفه من النعمان وما يعتريه من لوعة في أثر لوعة والفترة بينهما . والخائف لا ينام إلا غراراً فلذلك شبه بالملدوغ المسهد . ا . هـ . ( أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ** وتلك التي تستك منها المسامع )
____________________

( مقالة أن قد قلت : سوف أناله ** وذلك من تلقاء مثلك رائع ) قال ابن الأنباري في شرح المفضليات : قوله : أبيت اللعن : أي : أبيت أن تأتي من الأخلاق المذمومة ما تلعن عليه . وكانت هذه تحية لخم وجذام وكانت منازلهم الحيرة وما يليها . وتحية ملوك غسان : يا خير الفتيان وكانت منازلهم الشام . وحكى ثعلب عن الفراء أن المشيخة كانوا يضيفونه على الغلط لأنه إذا أضافه خرج دماً فيقول : أبيت اللعن كأنهم شبهوه بالإضافة على الغلط . وقال : أراد بيت اللعن أي : يا من هو بيت اللعن . والقول هو الأول ا . هـ . و تستك : تنسد ولا تسمع . و رائع مفزع ومخوف . وقوله : مقالة أن قد قلت تفسير لأنك رواه الأصمعي برفع مقالة على أنه بدل من : أنك لمتني . وروي بفتح التاء أيضاً .
قال الأخفش في كتاب المعاياة : إنه نصب ملامة على : أنك لمتني فجاء به من بعد ما تم الاسم وهو من الصلة وهذا رديء . ا . هـ . وقال ابن هشام في المغني : ويحكى أن ابن الأخضر سئل بحضرة ابن الأبرش عن وجه النصب كذا
____________________

في النسخ وصوابه عن وجه الفتح في قول النابغة : مقالة أن قد قلت وأنشد البيتين فقال : ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي فقيل له : الجواب فقال ابن الأبرش : قد أجاب . يريد أنه لما أضيف إلى المبني اكتسب منه البناء فهو مفتوح لا منصوب . ومحله الرفع بدلاً من : أنك لمتني وقد روي بالرفع . وهذا الجواب عندي غير جيد لعدم إبهام المضاف . ولو صح لصح البناء في نحو : غلامك وفرسه ونحو هذا مما لا قائل به .
ثم قال : وإنما هو منصوب على إسقاط الباء أو بإضمار أعني أو على المصدرية . وفي البيت إشكالٌ لو سأل السائل عنه كان أولى وهو إضافة مقال إلى أن قد قلت فإنه في التقدير مقالة )
قولك ولا يضاف الشيء إلى نفسه . وجوابه : أن الأصل مقالة فحذف التنوين للضرورة لا للإضافة وأن وصلتها بدلٌ من مقالة أو من أنك لمتني أو خبرٌ لمحذوف .
وقد يكون الشاعر إنما قال : مقالةً أن بإثبات التنوين ونقل حركة الهمزة فأنشده الناس بتحقيقها فاضطروا إلى حذف التنوين . ا . هـ .
ولا يخفى أن هذا كله تعسفٌ وإنما هو من إضافة الأعم إلى الأخص لأن مقالة أعم من قولك . وهي من الإضافة البيانية كشجر الأراك . أي : مقالة هي هذا القول . ( أتوعد عبداً لم يخنك أمانةً ** وتترك عبداً ظالماً وهو ضالع ) قال أبو عبيدة : ظالم : جائر متحامل . وضلع أي : جار . وروي : ظالع
____________________

أي : مذنب وأخذ من ظلع البعير وهو أن يقي ويعرج . ( حملت علي ذنبه وتركته ** كذي العر يكوى غيره وهو راتع ) هذا البيت من شواهد أدب الكاتب لابن قتيبة . قال الأصمعي : العر بالفتح : الجرب نفسه .
وأنشد : والعر بالضم : قرح يأخذ الإبل في مشافرها وأطرافها شبيه بالقرع وربما تفرق في مشافرها مثل القوباء يسيل منه ماء أصفر .
قال ابن السيد في شرحه لأدب الكاتب : في معناه خمسة أقوال .
أحدهما : أن هذا أمرٌ كان يفعله جهال الأعراب كانوا إذا وقع العر في إبل أحدهم اعترضوا بعيراً صحيحاً من تلك الإبل فكووا مشفره وعضده وفخذه يرون أنهم إذا فعلوا ذهب العر من إبلهم . كما كانوا يعلقون على أنفسهم كعوب الأرانب خشية العطب ويفقؤون عين فحل الإبل لئلا تصيبها العين . وهذا قول الأصمعي وأبي عمرو وأكثر اللغويين .
ثانيها : قال يونس : سألت رؤبة بن العجاج عن هذا فقال : هذا وقول الآخر :
____________________

كالثور يضرب لما عافت البقر شيءٌ كان قديماً ثم تركه الناس . ويدل عليه قول الراجز : ( وكان شكر القوم عند المنن ** كي الصحيحات وفقء الأعين ) ثالثها : قيل : إنما كانوا يكوون الصحيح لئلا يتعلق به الداء لا ليبرأ السقيم حكى ذلك ابن دريد . )
رابعها : قال أبو عبيدة : هذا أمر لم يكن وإنما هو مثل لا حقيقة . أي : أخذت البريء وتركت المذنب فكنت كمن كوى البعير الصحيح وترك السقيم لو كان هذا مما يكون . قال : ونحو من هذا قولهم : يشرب عجلان ويسكر ميسرة . ولم يكونا شخصين موجودين .
خامسها : قيل : أصل هذا : أن الفصيل كان إذا أصابه العر لفسادٍ في لبن أمه عمدوا إلى أمه فكووها فتبرأ : ويبرأ فصيلها ببرئها لأن ذلك الداء إنما كان سرى إليه في لبنها . وهذا أغرب الأقوال وأقربها إلى الحقيقة .
ومن روى كذي العر بفتح العين فقد غلط . لأن العر الجرب ولم يكونوا يكوون من الجرب وإنما كانوا يكوون من القروح التي تخرج في مشافر الإبل وقوائمها خاصة .
وقوله : كذي العر حال من مفعول تركته أو تقديره : تركاً كترك ذي العر وجملة : يكوى غيره تفسيرية وجملة : هو راتعٌ حال من غير . وهذا ضربه مثلاً لنفسه . يقول : أنا بريء وغيري سقيم فحملتني ذنب السقيم وتركته .
____________________


وقد قال الكميت : ( ولا أكوي الصحاح براتعاتٍ ** بهن العر قبلي ما كوينا ) قال ابن أبي الإصبع : في التحبير أنشد ابن شرف القيرواني ابن رشيق : ( غيري جنى وأنا المعاقب فيكم ** فكأنني سبابة المتندم ) وقال له هل سمعت هذا المعنى فقال : سمعته وأخذته أنت وأفسدته فقال ممن فقال : من النابغة الذبياني حيث يقول : وكلفتني ذنب امرئٍ وتركته كذي العر يكوى غيره وهو راتع فهذا المعنى الذي أخذته . و أما إفساده فلأنك قلت في صدر بيتك : إنك عوقبت بجناية غيرك ولم يعاقب صاحب الجناية ثم قلت في عجز بيتك : إن صاحب الجناية قد شركك في العقوبة . فتناقض معناك : وذلك أنك شبهت نفسك بسبابة المتندم وسبابة المتندم أول شيء يألم في المتندم ثم يشركها المتندم في الألم فإنه متى تألم عضو من الحيوان تألم كله لأن المدرك من كل مدركٍ حقيقته وحقيقته على المذهب الصحيح هي جملته المشاهدة منه والمكوي من الإبل يألم وما به عر وصاحب العر لا يألم جملة . فمن ههنا أخذت المعنى وأفسدته انتهى .
وهذا تدقيق فلسفي لا مدخل له في الشعر . ) ( وذلك أمرٌ لم أكن لأقوله ** ولو كبلت في ساعدي الجوامع ) كبلت : جمعت من الكبل وهو القيد . و الجوامع : الأغلال جمع جامعة . ( أتاك بقولٍ لهله النسج كاذباً ** ولم يأت بالحق الذي هو ناصع )
____________________

يقال : ثوب لهله النسج وهلهل النسج : إذا كان رقيقاً وكذلك هلهال . ولهذا سمي الشاعر لعمري وما عمري علي بهين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت أقارع عوفٍ لا أحاول غيرها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت تقدم شرحهما . ( أتاك امرؤٌ مستعلن لي بغضةً ** له من عدو مثل ذلك شافع ) ( فإن كنت لا ذا الضغن عني منكلاً ** ولا حلفي على البراءة نافع ) ( ولا أنا مأمون بشيءٍ أقوله ** وأنت بأمرٍ لا محالة واقع ) ( حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً ** وهل يأثمن ذو إمةٍ وهو طائع ) الضغن بالكسر : الحقد . و الإمة بالكسر والقصد والاستقامة . يقول : هل يأثم من كان على طريقةٍ حسنةٍ وهو طائع . ( بمصطحباتٍ من لصاف وثبرةٍ ** يزرن ألالاً سيرهن تدافع ) الباء متعلقة بحلفت . وأراد بالمصطحبات الإبل التي يحج عليها من لصاف وثبرة . ولصاف بفتح اللام وكسر الفاء كحذام ويجوز أن يكون كسحابٍ وهو جبل
____________________

في بلاد بني يربوع . وثبرة في بلاد بني مالك . و ألال بضم الهمزة ولامين : جبل صغير عن يمين الإمام بعرفة . وقوله : سيرهن تدافع : أي : من الإعياء : أي : يتحاملن تحاملاً من الجهد والتعب .
قال الشارح : سمام بالفتح طير يشبه السماني سريع الطيران شبه الإبل بها . تباري الشمس يعني في ارتفاعها . ويروى : تباري الريح أي : تعارضها لسرعتها . و الخوص بالخاء المعجمة : جمع خوصاء : أي : غائرة عيونها ذاهبة في الرأس من الجهد . و الرذايا : المعييات أرذاهن السفر فلم تنبعث فتركت وأخذ عنها رحلها . وقد أرذيت الشيء : طرحته يقال : جمل رذي وناقة رذية . وكذلك المعيية والطليح والطلح والرجيع . وودائع : قد استودعت الطريق . ( عليهن شعثٌ عامدون لبرهم ** فهن كآرام الصريم خواضع ) )
ويروى : فهن كأطراف الحني وهو جمع حنية وهي القوس التي حنيت . يقول : قد ضمرت الإبل ودقت من السير . و خواضع : خواشع . و الآرام : جمع ريم . و الصريم : ما انفرد من الرمل . ( إلى خير دينٍ نسكه قد علمته ** وميزانه في سورة المجد ماتع ) إلى : متعلقة بقوله : عامدون . و ميزانه : سننه وشرائعه . و السورة بالضم . المنزلة . و ماتع : مرتفع يقال : متع النهار : إذا علا . ( فإنك كالليل الذي هو مدركي ** وإن خلت أن المنتأى عنك واسع )
____________________

قال أبو علي في إيضاح الشعر : يحتمل أن تكون إن نافية كأنك قلت : ما خلت أن المنتأى عنك واسع لأنك كالليل المدركي أينما كنت . ويجوز أن تكون إن للجزاء كأنه قال : إن خلت أن المنتأى عنك واسع أدركتني ولم أفتك كما يدركني الليل . والأول أشبه ا . هـ .
وقد اعترض الأصمعي على النابغة في هذا البيت فقال : تشبيهه الإدراك بالليل يساويه إدراك النهار فلم خصه دونه وإنما كان سبيله أن يأتي بما ليس له قسيم حتى يأتي بمعنى ينفرد به أقول : إنما قال : كالليل ولم يقل : كالصبح مثلاً لأنه وصفه في حال سخطه فشبهه بالليل وهوله . فهي كلمة جامعة لمعانٍ كثيرة . كذا في تهذيب الطبع .
وهذا البيت من شواهد تلخيص المفتاح أورده شاهداً لمساواة اللفظ للمعنى . وما أحسن قول ابن هانئ الأندلسي في هذا المعنى : ( أين المفر ولا مفر لهاربٍ ** ولك البسيطان : الثرى والماء ) ( خطاطيف حجنٌ في حبالٍ متينةٍ ** تمد بها إيد إليك نوازع ) الخطاطيف : جمع خطاف وهي الحديدة التي تخرج بها الدلاء وغيرها من البئر . و حجن : معوجة جمع أحجن وحجناء . يقول : أنا في قبضتك تقدر علي متى شئت لا أستطيع الهرب منك وهو مثل . و نوازع : جواذب يقال : نزعت من البئر دلواً أو دلوين . وبئر نزوع : إذا كان ( سيبلغ عذراً أو نجاحاً من امرئٍ ** إلى ربه رب البرية راكع )
____________________

راكع : فاعل سيبلغ وهو بمعنى الخاضع والذليل يعني به نفسه . ( وأنت ربيعٌ ينعش الناس سيبه ** وسيفٌ أعيرته المنية قاطع ) أي : أنت بمنزلة الربيع . ينعش : يرفع ويجبر . و سيبه : عطاؤه . أي : أنت سيب وعطاء )
لوليك وسيف لأعدائك . ( وتسقي إذا ما شئت غير مصردٍ ** بزوراء في أكنافها المسك كارع ) غير مصرد : أي : غير ممنوع ولا مقطوع . يقال : صرد علي الشراب : صاحب الصحاح هو القدح . و كارع : أي أن المسك على شفاه ذلك الإناء .
وقال الأصمعي : الزوراء : دار بالحيرة وحدثني من رآها وزعم أن أبا جعفرٍ هدمها . ( أبى الله : إلا عدله ووفاءه ** فلا النكر معروفٌ ولا العرف ضائع ) وهذا آخر القصيدة أي : ما يريد الله إلا عدل النعمان بن المنذر وإلا وفاءه فلا يدعه أن يجور ولا أن يغدر فلا النكر يعرفه النعمان ولا الجميل يضيع عنده .
____________________


تم الجزء الثاني
____________________

( باب الاشتغال ) الشاهد السادس والخمسون بعد المائة ( فكلاً أراهم أصبحوا يعقلونه ** صحيحات مال طالعات بمخرم ) على أنه مما اشتغل الفعل فيه بنفس الضمير إذ التقدير : يعقلون كلاً هذا البيت من معلقة زهير بن أبي سلمى وضمير الجمع في المواضع الثلاثة عائد إلى الحي وهم قبيلة بني ذبيان وقوله : فكلاً أي : فكل واحد من المقتولين المذكورين قبل هذا البيت وروى الأعلم : يعقلونهم بإرجاع الضمير إلى كل مجموعاً باعتبار المعنى نحو قوله تعالى : كل في فلك يسبحون و يعقلونه : أي : يؤدون عقله أي : ديته يقال عقلت القتيل من باب ضرب : أديت ديته قال الأصمعي : سميت الدية عقلاً تسمية بالمصدر لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي القتيل ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية إبلاً كانت أو نقداً وعقلت عنه : غرمت عنه ما لزمه من دية وجناية وهذا هو الفرق بين عقلته وعقلت عنه : ومن الفرق بينهما أيضاً عقلت له دم فلان : إذا تركت القود للدية وعن الأصمعي : كلمت القاضي أبا يوسف بحضرة الرشيد في ذلك فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه حتى
____________________

فهمته كذا في المصباح فتفسير الأعلم في شرحه للديوان يعقلونه بقوله : يغرمون ديته غير جيد والمعنى : أرى حي ذبيان أصبحوا يعقلون كل واحد من المقتولين من بني عبس فالرؤية واقعة على ضمير الحي والعقل واقع على ضمير كل فلا يصح قول أبي جعفر النحوي وقول الخطيب )
التبريزي في شرحيهما لهذه المعلقة : إن كلاً منصوب بإضمار فعل يفسره ما بعده كأنه قال : فأرى كلاً ويجوز الرفع على أن لا يضمر لكن النصب أجود لتعطف فعلاً على فعل لأن قبله ولا شاركت في الحرب ووجه الرفع حينئذ : أن يكون كل مبتدأ وجملة يعقلونه الخبر وما بينهما اعتراض وقوله صحيحات مال أي : ليست بعدة ولا مطل يقال : مال صحيح : إذا لم تدخله علة في عدة ومطل والمال عند العرب : الإبل وعند الفقهاء : ما يتمول أي : ما يعد مالاً في العرف وقوله : طالعات بمخرم هو بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وهو الثنية في الجبل والطريق يعني : أن إبل الدية تعلو في أطراف الجبل عند سوقها إلى أولياء المقتولين يشير إلى وفائهم وروى أبو جعفر والخطيب المصراع الثاني : علالة ألف بعد ألف مصتم والعلالة : بضم المهملة هاهنا : الزيادة وبناء فعالة للشيء اليسير نحو القلامة و المصتم بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد المثناة الفوقية : التام والكامل
____________________

وروى صعوداء في شرحه لديوان زهير : صحيحات ألف بعد ألف مصتم والبيت المذكور . على رواية الأعلم ملفق من بيتين . وهذه روايته : ( فكلاً أراهم أصبحوا يعقلونهم ** علالة ألف بعد ألف مصتم ) ( تساق إلى قوم لقوم غرامة ** صحيحات مال طالعات بمخرم ) وقال : وقوله : تساق إلى قوم أي : يدفع إبل الدية قوم إلى قوم ليبلغوها هؤلاء وينبغي أن نورد ما قبل هذا البيت حتى يتضح معناه وكذلك السبب الذي قيلت هذه القصيدة لأجله فنقول : قال الشراح : إن زهيراً مدح بهذه القصيدة الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريين وذكر سعيهما بالصلح بين عبس وذبيان وتحملهما الحمالة وكان ورد بن حابس العبسي قتل هرم بن ضمضم المدي في حرب عبس وذبيان قبل الصلح وهي حرب داحس ثم اصطلح الناس ولم يدخل حصين بن ضمضم أخو هرم بن ضمضم في الصل في الصلح وحلف : لا يغسل رأسه حتى يقتل ورد بن حابس أو رجلاً من بني عبس ثم من بني غالب ولم يطلع على ذلك أحداً وقد حمل الحمالة الحارث بن عوف بن أبي حارثة وهرم بن سنان بن أبي حارثة فأقبل رجل من بني عبس ثم من بني غالب حتى نزل بحصين بن ضمضم فقال : من )
أنت أيها الرجل فقال : عبسي فقال : من أي عبس فلم يزل ينتسب
____________________

حتى انتسب إلى غالب فقتله حصين فبلغ ذلك الحارث بن عوف وهرم بن سنان فاشتد عليهما وبلغ بني عبس فركبوا نحو الحارث فلما بلغ الحارث ركوب بني عبس وما قد اشتد عليهم من قتل صاحبهم وإنما أرادت بنو عبس أن يقتلوا الحارث بعث إليهم بمائة من الإبل معها ابنه وقال للرسول : قل لهم : آللبن أحب إليكم أم أنفسكم فأقبل الرسول حتى قال ما قال فقال لهم الربيع بن زياد : إن أخاكم قد أرسل إليكم : آلإبل أحب إليكم أم ابنه تقتلونه فقالوا : نأخذ الإبل ونصالح قومنا ويتم الصلح فقال زهير في ذلك هذه القصيدة وبعد أن تغزل بخمسة عشر بيتاً قال : ( سعى ساعياً غيظ بن مرة بعدما ** تبزل ما بين العشيرة بالدم ) الساعيان : الحارث بن عوف وهرم بن سنان وقيل : خارجة بن سنان وهو أخو هرم بن سنان وهما ابنا عم للحارث بن عوف لأنهما ابنا سنان بن أبي حارثة والحارث هو ابن عوف بن أبي حارثة و ابن أبي حارثة هو ابن مرة بن نشبة بن مرة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان ومعنى سعيا : أي : عملا عملاً حسناً حين مشيا للصلح وتحملا الديات و تبزل أي : تشقق يقول : كان بينهم صلح فتشقق بالدم الذي كان بينهم فسعيا في إحكام العهد بعد ما تشقق بسفك الدماء
____________________

( فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ** رجال بنوه من قريش وجرهم ) أراد بالبيت الكعبة المعظمة و جرهم : أمة قديمة كانت أرباب البيت قبل قريش و بنوه بفتح النون من البناء وضمها خطأ ( يميناً لنعم السيدان وجدتما ** على كل حال من سحيل ومبرم ) يميناً : مصدر مؤكد لقوله أقسمت وجملة لنعم السيدان الخ جواب القسم وهذا البيت أورده الشارح المحقق في باب أفعال المدح على أن المخصوص بالمدح إذا تأخر عن نعم يجوز دخول نواسخ المبتدأ عليه فإن ضمير التثنية في وجدتما هو المخصوص بالمدح وقد دخل عليه الناسخ وهو وجد و على متعلقة به و السحيل : بفتح السين وكسر الحاء المهملتين : المسحول أي : الذي لم يحكم فتله و المبرم : مفعول من أبرم الفاتل الحبل : إذا أعاد عليه الفتل ثانياً بعد أول فالأول سحيل والثاني مبرم وقيل : السحيل : ما فتل من خيط واحد )
والمبرم : ما فتل من خيطين وأراد بالسحيل الأمر السهل الضعيف وبالمبرم الشديد القوي ( تداركتما عبساً وذبيان بعدما ** تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم ) عبس وذبيان : أخوان وهما ابنا بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس
____________________

بن عيلان بن مضر أي : تداركتماهما بالصلح بعدما تفانوا بالحرب ومنشم المشهور بفتح الميم وسكون النون وكسر الشين المعجمة زعموا أنها امرأة عطارة من خزاعة تحالف قوم فأدخلوا أيديهم في عطرها على أن يقاتلوا حتى يموتوا فضرب زهير بها المثل أي : صار هؤلاء في شدة الأمر بمنزلة أولئك وقيل : كانوا إذا حاربوا اشتروا منها كافوراً لموتاهم فتشاءموا بها وزعم بعضهم : أنها امرأة من بني غدانة وهي صاحبة يسار الكواعب وكانت امرأة مولاه وكان يسار من أقبح الناس وكان النساء يضحكن من قبحه فضحكت منه منشم يوماً فظن أنها خضعت إليه فراودها عن نفسها فقالت له : مكانك فإن للحرائر طيباً فأتت بموسى فأشمته طيباً ثم أنحت على أصل أنفه فاستوعبته قطعاً فخرج هارباً ودمه يسيل فضرب المثل في الشر بطيب منشم وقيل غير ذلك ( وقد قلتما إن ندرك السلم واسعاً ** بمال ومعروف من القول نسلم ) السلم و السلم : الصلح يذكر ويؤنث ومنا مذكر لقوله : واسعاً : أي : ممكناً وقال الأعلم : أي : كاملاً مكيناً وقوله : نسلم أي : من الحرب وروي بضم النون أي : نوقع السلم بين القوم والصلح ( فأصبحتما منها على خير موطن ** بعيدين فيها من عقوق ومأثم )
____________________

أي : أصبحتما من الحرب على خير منزلة ومن للبدل و بعيدين : خبر بعد خبر و العقوق : قطيعة الرحم و المأثم : الإثم عليا معد : مؤنث أعلى أي : في عليا منزلة هذه القبيلة وروي بدل وغيرها هديتما وهو دعاء أي : دامت هدايتكما إلى طريق الفلاح ومعنى يستبح كنزاً يصب مجداً مباحاً والكنز كناية عن الكثرة يقول : من فعل فعلكما فقد أبيح له المجد واستحق أن يعظم عند الناس روي يعظم بالفتح أي : يصر عظيماً وبالضم مع كسر الظاء أي : يأت بأمر عظيم ومع فتح الظاء أي : يعظمه الناس و عظيمين خبر ثالث ( فأصبح يحدى فيهم من تلادكم ** مغانم شتى من إفال المزنم ) ) ( تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ** ينجمها من ليس فيها بمجرم ) أي : تمحى الجراحات بالمئين من الإبل وإنما يعني أن الدماء تسقط بالديات
____________________

وقوله : ينجمها أي : تجعل نجوماً على غارمها ولم يجرم فيها أي : لم يأت بجرم من قتل تجب ( ينجمها قوم لقوم غرامة ** ولم يهريقوا بينهم ملء محجم ) يعني أن هذين الساعيين حملا دماء من قتل وغرم فيها قوم من رهطهما على أنهم لم يصبوا دم أحد ملء محجم أي : أنهم أعطوا فيها ولم يقتلوا و يهريقوا : أصله يريقوا وزيدت الهاء المفتوحة ( فمن مبلغ الأحلاف عني رسالة ** وذبيان : هل أقسمتم كل مقسم ) ( فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ** ليخفى ومهما يكتم الله يعلم ) الأحلاف : أسد وغطفان وطيئ ومعنى هل أقسمتم الخ أي : هل حلفتم كل الحلف لتفعلن ما لا ينبغي وهذا البيت أورده ابن هشام في المغني في بحث هل وقوله : فلا تكتمن الله الخ أي : لا تضمروا خلاف ما تظهرونه فإن الله يعلم السر فلا تكتموا ما في أنفسكم من الصلح وتقولوا : لا حاجة لنا إليه وقيل معنى قوله : هل أقسمتم هل حلفتم على إبرام حبل الصلح فتخرجوا من الحنث فلا تخفوا الله ما تضمرون من الغدر ونقض العهد و يكتم : بالبناء للمفعول بخلاف يعلم فإنه للفاعل ( يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ** ليوم الحساب أو يعجل فينقم ) جميع الأفعال بالبناء للمفعول ما عدا الأخير يقال : نقم منه من باب ضرب
____________________

بمعنى عاقبه وانتقم ( وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجّم ) يقول : ما الحرب إلا ما جربتم وذقتم فإياكم أن تعودوا إلى مثلها وقوله : وما هو عنها أي : ما العلم عن الحرب بالحديث أي : ما الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن فقوله : هو كناية عن )
العلم لأنه لما قال إلا ما علمتم دلّ على العلم كذا قال الخطيب وأبو جعفر النحوي وقال صعوداء في شرحه : هو ضمير ما وكأنه قال : وما الذي علمتم وقال الزوزني : هو ضمير القول لا العلم لأن العلم لا يكون قولاً أي : وما هذا الذي أقول بحديث مرجّم أي : هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون وقال الأعلم : هو كناية عن العلم يريد : وما علمتم بالحرب و عن : بدل من الباء أي : ما هو بالحديث الذي يرمى به بالظنون ويشكّ وأورد الشارح المحقق هذا البيت في باب المصدر على أن ضمير المصدر يعمل في الجار والمجرور وقال : أي : ما حديثي عنها . فجعله ضمير الحديث . و المرجّم : الذي يرجّم بالظنون والترجيم : الظن . والمعنى : أنه يحضّهم على قبول الصلح ويخوفهم من الحرب : ( متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ** وتضرى إذا ضرّيتموها فتضرم ) أي : إن لم تقبلوا الصلح وهجتم الحرب لم تحمدوا أمرها و البعث : الإثارة و ذميمة : أي : تذمون عاقبتها . وروي : دميمة بالمهملة : أي :
____________________

حقيرة وهذا باعتبار المبدأ وضري بالشيء من باب تعب ضراوة : اعتاده واجترأ عليه ويعدّى بالهمزة والتضعيف قال صعوداء فيش رحه : من العرب من يهمز ضري فيقول : قد ضرئ به : فمن هذه اللغة تقول : وتضرأ إذا ضرأتموها وضرمت النار من باب تعب أيضاً : التهبت . ( فتعرككم عرك الرحى بثفالها ** وتلقح كشافاً ثم تحمل فتتئم ) معطوف على جواب الشرط ويقرأ بضم الميم للوزن قال صعوداء : وإن رفعته مستانفاً كان صواباً أقول : يمنعه ما بعده من الأفعال السبعة فإنها مجزومة أي : تطحنكم وتهلككم : وأصل العرك : دلك الشيء . و الثفال : بكسر المثلثة : جلدة تكون تحت الرحى إذا أدبرت يقع عليها الدقيق . والباء للمعيّة نحو قوله تعالى تنبت بالدهن . أي : ومعها الدهن . وجاء فلان بالسيف : أي : ومعه السيف . والمعنى : عرك الرحى طاحنة لأن الرحى لا تطحن إلا وتحت مجرى الدقيق ثفال . فعرك : مصدر مضاف إلى فاعله والمفعول محذوف أي : الحب .
قال صعوداء : فظع بهذا أمر الحرب وأخبر بأشد أوقاتها . قال : والكشاف في لغة كنانة وهذيل وخزاعة : الإبل التي لم تحمل عامين : وتميم وقيس وأسد وربيعة يقولون : الكشاف التي إذا نتجت ضربها الفحل بعد أيام فلقحت وبعضهم يقول : هي التي يحمل عليها في الدم : وأبو مضر )
طبّ بعسّ البول غير ظلام قال : فهو لا يدنو منها جاملاً فكيف يدنو إليها في دمها وقال : الكشاف عندنا : أن يحمل على الناقة عامين متوالين وذلك مضر بها وهو أردأ النتاج : وإلى
____________________

هذا ذهب زهير أي : إن الحرب تتوالى عليكم فينالكم منها هذا الضرر . وروي : ثم تحمل فتتئم والإتآم : أن تضع اثنين : وليس في الإبل إتآم إنما الإتآم في الغنم خاصة وإنما يريد بذلك تفظيع الحرب وتحذيرهم إياها . جعل آفة الحرب إياهم بمنزلة طحن الرحى الحبّ وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات .
قال أبو جعفر والخطيب : شبه الحرب بالناقة لأنه جعل ما يحلب منها من الدماء بمنزلة ما يحلب من الناقة من اللبن كما قال : ( إن المهالب لا يزال لهم فتى ** يمري قوادم كل حرب لاقح ) وقيل : إنما شبه الحرب بالناقة إذا حملت ثم أرضعت لأن هذه الحروب تطول وهي أشبه بالمعنى . وقوله : تتئم أي : تأتي بتوأمين الذكر توأم والأنثى توأمة . ( فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ** كأحمر عاد ثم توضع فتفطم ) معطوف على قوله فتتئم . نتجت الناقة ولداً بالبناء للمفعول : إذا وضعته . و أشأم : قال أبو جعفر والخطيب . فيه قولان : أحدهما أنه مصدر كأنه قال : غلمان شؤم والآخر : أنه صفة لموصوف أي : غلمان امرئ أشأم أي : مشؤوم .
وقال الأعلم : أشام هنا صفة للمصدر على معنى المبالغة والمعنى : غلمان شؤم أشام كما يقال : شغل شاغل . و كلهم : مبتدأ و كأحمر عاد : خبره . .
____________________


وقال صعوداء : وإن شئت رفعت كلاً بأشأم كما تقول مررت برجال كريم أبوهم . وفيه أن كلاً إذا أضيفت لضمير لا تقع معمولة لعامل لفظي .
ويريد بأحمر عاد : عاقر الناقة واسمه قدار بن سالف وأحمر لقبه . قال الأصمعي : اخطأ زهير في هذا لأن عاقر الناقة ليس من عاد وإنما هو من ثمود . وقال المبرد : لا غلط لأن ثمود يقال لها عاد الآخرة ويقال لقوم هود عاد الأولى والدليل على هذا قوله تعالى وأنه أهلك عاداً الأولى وقال صعوداء والأعلم لا غلط لكنه جعل عاداً فكان ثمود اتساعاً مجازاً المعني مع تقارب ما بين عاد وثمود في الزمن والأخلاق . )
والإرضاع والفطم معروفان أي : لاتنزع إلا عن حولين . وإنما أراد طول شدتها وأنها لا تنقطع إلا عن تمام لأن المرأة إذا أرضعت ثم فطمت فقد تمت . ( فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها ** قرى بالعراق من قفيز ودرهم ) معطوف على قوله : فتفطم أي : فتغلل لكم هذه الحرب من الدّيات بدمائ قتلاكم ما لا تغلّ قرى بالعراق وهي تغل القفيز والدرهم . وهذا تهكّم بهم واستهزاء . يقال : أغلّت الضّيعة بالألف . صارت ذات غلّة . و الغلّة كل شيء من ريع الأرض أو من أجرتها ونحو ذلك . ( لعمري لنعم الحيّ جرّ عليهم ** بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم ) جرّ : من الجريرة : وهي الجناية . وفاعله حصين . والجملة صفة لموصوف محذوف هو المخصوص بالمدح أي : لنعم الحي حي جر عليهم . . الخ . و عمري : مبتدأ خبره محذوف أي : قسمي . وجملة لنعم الحي الخ جواب
____________________

القسم . و لا يواتيهم : لا يوافقهم روي : لا يماليهم والممالأة : المعاونة . وحصين بن ضمضم هو ابن عم النابغة الذبياني لأن النابغة هو ابن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيظ بن مره بن عوف بن سعد بن ذبيان وحصين هو ابن ضمضم بن ضباب إلى آخر النسب .
وجنايته : أنه أنه لما اصطلحت قبيلة ذبيان مع قبيلة عبس أبى حصين بن ضمضم أن يدخل في الصلح واستتر منهم ثم عدا على رجل من بني عبس فقتله كما تقدم بيانه . وإنما مدح حيّ ذبيان لتحملهم الديات إصلاحاً لذات البين : ( وكان طوى كشحاً على مستكنّة ** فلا هو أبداها ولم يتجمجم ) طوى بإضمار قد عند المبرد قال : لأن كان فعل ماض اسمها ضمير حصين ولا يخبر عنه إلا باسم أبو بما ضارعه . وخالفه أصحابه في هذا . . و الكشح : الجنب وقيل : الخاصرة يقال : طوى كشحه على فعلة : إذا أضمرها في نفسه . و المستكنّة : المستترة وهي صفة لموصوف أي غدرة مضمرة أو نية مستترة أو حالة مستكنة لأنه كان قد أضمر قتل ورد بن حابس القاتل أخاه هرم بن ضمضم أو يقتل رجلاً من بني عبس ولهذا كان أبى من الصلح .
وقوله : ولم يتجمجم أي : لم يدع التقدم فيما أضمر ولم يتردد في إنفاذه يقال : جمجم الرجل وتجمجم : إذا لم يبين كلامه وسيأتي هذا البيت إن شاء الله تعالى في خبر كان وقال سأقضي حاجتي ثم اتقي عدوي بألف من ورائي ملجم حاجته هي ادراك ثأره وملجم قال صعوداء : )
يروى بكسر الجيم
____________________

أي : ألف فارس ملجم فرسه وروي بفتحها أي : ألف فرس ملجم . والفرس مما يذكر ويؤنث . ( فشدّ ولم تفزع بيوت كثيرة ** لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم ) أورد ابن هشام هذا البيت في المغني على أن حيث قد تجر بغير من على غير الغالب .
وقوله : فشد . . الخ أي : حمل حصين على ذلك الرجل من عبس فقتله . ولم تفزع بيوت كثيرة أي : لم يعلم أكثر قومه بفعله . وأراد بالبيوت أحياء وقبائل . يقول : لو علموا بفعله لفزعوا أي : لأغاثوا الرجل المقتول ولم يدعوا صيناً يقتله . وإنما أراد بقوله هذا ألا يفسدوا صلحهم بفعلة .
وروي : ولم يفزع بيوت بالبناء للمفعول . قال الخطيب : أي : لم يفزع أهل بيوت ثم حذف يقول : شد على عدوه وحده فقتله ولم يفزع العامة بطلب واحد أي : لم يستعن عليه بأحد وإنما قصد الثأر . وقيل : معناه أي : لم يعلموا به . وروي : ولم ينظر بيوتاً أي : لم يؤخر أهل بيت ورد بن حابس في قتله لكنه عجل فقتل هذا الرجل .
يقال : أنظرته بالألف أي : أخرته . وروي أيضاً : ولم ينظر من نظرت الرجل . أي : انتظرته .
وقوله : لدى حيث الخ أي : حيث كان شدة الأمر يعني موضع الحرب و أم قشعم هي الحرب ويقال : هي المنية . والمعنى أن حصيناً شد على الرجل العبسي فقتله بعد الصلح وحيث حطت رحلها الحرب ووضعت أوزارها وسكنت . ويقال : هو دعاء على حصين أي : عدا على الرجل بعد الصلح وخالف الجماعة فصيّره الله إلى هذه الشدة ويكون معنى ألقت رحلها على هذا ثبتت وتمكنت .
وقيل : أم قشعم : كنية العنكبوت وقيل : كنية الضبع . والمعنى : فشد على
____________________

صاحب ثأره بمضيعة من الأرض وقال صعوداء في شرحه : وقال قوم : أم قشعم : أم حصين هذا الذي شد أي : فلم يفزع البيوت التي بحضرة بيت أمه و الرحل : ما يستصحبه المسافر من المتاع ( لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ** له لبد أظفاره لم تقلم ) لدى : متعلقة بقوله ألقت رحلها وهذا البيت من أبيات تلخيص المعاني وغيره على أن التجريد والترشيح قد يجتمعان : فإن شاكي السلاح تجريد لأنه وصف بما يلائم المستعار له وهو الرجل الشجاع وما بعده ترشيح لأن هذا الوصف مما يلائم المستعار منه وهو الأسد الحقيقي قال الأعلم والخطيب : أراد بقوله لدى أسد الجيش وحمل لفظ البيت على الأسد وقال )
الزوزني : البيت كله من صفة حصين بن ضمضم وهو الصواب وقوله : شاك السلاح أي : سلاحه شائكة حديدة ذو شوكة وأراد شائك فقلبت الياء من عين الفعل إلى لامه يجوز حذف الياء فيقال شاك ويكون شاك على وزن فعل كما قالوا رجل خاف ومال وأصله خوف ومول فيقال : شاك و مقاذف : مرامي يروى باسم الفاعل والمفعول وروي أيضاً : مقذف اسم مفعول وهو الغليظ الكثير اللحم و اللبد بكسر اللام : جمع لبدة وهي زبرة الأسد و الزبرة : شعر متراكب بين كتفي الأسد إذا أسن و الأظفار : السلاح و تقليمها : نقصها يقول : سلاحه تام حديد
____________________

قال الأعلم : وأول من كنى بالأظفار عن السلاح أوس بن حجر في قوله : ( لعمرك إنا والأحاليف هؤلا ** لفي حقبة أظفارها لم تقلم ) ( وبنو جذيمة لا محالة أنهم ** آتوك غير مقلمي الأظفار ) أي : ليس سلاحهم بناقص وقال الزوزني : قوله لم يقلم يريد أنه لا يعتريه ضعف ولا يعيبه عدم شوكة كما أن الأسد لا تقلم براثنه ( جريء متى يظلم يعاقب بظلمه ** سريعاً وإلا يبد بالظلم يظلم ) جريء بالجر صفة لأسد المراد به حصين بن ضمضم ويجوز رفعه ونصبه و متى يظلم و إلاّ يبد كلاهما بالبناء للمفعول . و يعاقب و يظلم بالبناء للفاعل . و الجريء : ذو الجراءة والشجاعة . يقول : هو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعاً وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهاراً لعزة نفسه وشدّة جراءته . و سريعاً : حال أو صفة مصدر أي : يعاقب عقاباً سريعاً .
وقوله : وإلا يبد الأصل فيه الهمز من بدأ يبدأ إلا أنه لما اضطر أبدل من الهمزة ألفاً ثم حذف الألف للجزم وهذا من أقبح الضرورات ولهذا أورده الشارح المحقق في أول شرح الشافية .
وحكي عن سيبويه : أن أبا زيد قال له : من العرب من يقول قريت في قرأت
____________________

فقال سيبويه : كان يجب أن يقول أقري حتى تكون مثل رميت أرمي . وإنما أنكر سيبويه هذا لأنه إنما يجيء فعلت أفعل بفتح العين فيهما إذا كان عين الفعل أو لامه من حروف الحلق ولا يكاد يكون هذا في الألف إلا أنهم قد حكوا أبى يأبى فجاء على فعل يفعل . )
قال أبو إسحاق قال اسماعيل بن اسحاق : إنما جاء هذا في الألف لمضارعتها حروف الحلق فشبّهت بالهمزة . يعني : فشبهت بقولهم قرأ يقرأ وما أشبهه . ( رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا ** غماراً تسيل بالرماح وبالدم ) هذا إضراب عن قصة حصين إلى تقبيح الحرب والحث على الصلح . الظمء بالكسر وآخره همزة أصله العطش وهو هنا ما بين الشربتين . و الغمار جمع غمر بالفتح وهو الماء الكثير . يريد : أقاموا في غير حرب ثم أوردوا خيلهم وأنفسهم الحرب أي : أدخلوها في الحرب أي : كانوا في صلاح من أمورهم ثم صاروا إلى حرب يستعمل فيها السلاح وتسفك فيها الدماء . وضرب الظمء مثلاً لما كانوا فيه من ترك الحرب وضرب الغمار مثلاً لشدة الحرب . وروي : تفرّى بالسلاح وبالدم وأصله تتفرّى بتاءين أي : تتفتّح وتتكشف . ( فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا ** إلى كلأ مستوبل متوخّم ) الكلأ : العشب . وقضّاه : أحكمه ونفذه . وأصدر : ضد أورد . واستوبلت الشيء : استثقلته والوبيل : الوخيم الذي لا يمرئ . يقول : فقتل كل واحد من الحيّين الآخر فقوله : فقضوا منايا بينهم أي : أنفذوها بما بعثوا من الحرب ثم أصدروا إلى الكلأ أي : رجعوا إلى أمر استوبلوه . وضرب الكلأ مثلاً . و المستوبل : السيئ العاقبة أي صار آخر أمرهم إلى وخامة وفساد .
____________________

( لعمرك ماجرت عليهم رماحهم ** دم ابن نهيك أو قتيل المثلم ) ( ولا شاركوا في القوم في دم نوفل ** ولا وهب منهم ولا ابن المحزّم ) يقول : هؤلاء الذين يعطون دية القتلى لم تجر عليهم رماحهم دماء المذكورين . و ابن نهيك بفنح النون وكسر الهاء . ونوفل ووهب بفتح الواو والهاء وابن المحزم بالحاء المهملة وتشديد الزاي المعجمة المفتوحة كلهم من عبس . و جرت : جنت . والمعنى : أن رماحهم لم تقتل أحداً من هؤلاء الذين يدونهم وإنما يعطون الديات تبرعاً ولم يشاركوا قاتليهم في سفك دمائهم . وروي : ولا شاركت في الحرب . والضمير للرماح قصد بهذا أن يبين براءة ذمتهم عن سفك دمهم ليكون ذلك أبلغ في مدحهم لعقلهم القتلى .
فكلاً أراهم أصبحوا يعقلونه أي : فكل واحد من هؤلاء المقتولين المذكورين في البيت الذي قبله . ) ( لحي حلال يعصم الناس أمرهم ** إذا طلعت إحدى الليالي بمعظم ) قوله : لحي هو حال من قوله صحيحات مال أو أنه بدل من قوله لقوم أو خبر لمبتدأ محذوف أي : هي لحي حلال أي : المال الصحيحات لحي . وأراد بهذا الحي حي الساعيين بالصلح بين عبس وذبيان .
قال الأعلم : الحلال : جمع حلة بالكسر وهي مائة بيت . يقول : ليسوا بحلة واحدة ولكنهم حلال كثيرة . وقوله : يعصم الناس أمرهم أي : يلجؤون إلى هذا الحي ويتمسكون به فيعصمهم مما نابهم . وأصل الحلة الموضع الذي ينزل به فاستعير لجماعة الناس .
____________________


وقوله : إحدى الليالي أراد ليلة من الليالي وفي الكلام معنى التفخيم والتعظيم كما يقال : أصابته إحدى الدواهي : أي : داهية شديدة . والمعظم : الأمر وأراد بالحي الحلال حي الساعين بالصلح بين عبس وذبيان العظيم . وقوله : فلا ذو الوتر يقول : هم أعزة لا ينتصر منهم صاحب دم ولا يدرك وتره فيهم . وقوله : بمسلم أي : إذا جنى عليهم جان منهم شراً إلى غيرهم لم يسلموه لهم لعزهم ومنعتهم .
واعلم أن هذه الأبيات التي أوردناها على هذا الترتيب هي رواية الأعلم وقدم بعضهم هذين البيتين وأوردهما بعد قوله سابقاً : فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها وأنشد بعده : ( قد أصبحت أم الخيار تدعي ** عليّ ذنباً كله لم أصنع ) تقدم شرحه في الشاهد السادس والخمسين .
وأنشد بعده وهو
الشاهد السابع والخمسون بعد المائة وهو من شواهد سيبويه :
____________________

( ألقى الصحيفة كي يخفف رحله ** والزاد حتى نعله ألقاها ) على أن حتى وإن كانت يستأنف بعدها الكلام إلا أنها ليست متمحضة للاستئناف فلم يكن الرفع بعدها أولى فهي كسائر حروف العطف . يعني أنه يجوز في نعله النصب والرفع .
أما النصب فمن وجهين : أحدهما نصبه بإضمار فعل يفسر ألقاها كأنه قال : حتى ألقى نعله ألقاها كما يقال في الواو وغيرها من حروف العطف .
ثانيهما : أن يكون نصبه بالعطف على الصحيفة وحتى بمعنى الواو كأنه قال : ألقى الصحيفة حتى نعله يريد ونعله كما تقول : أكلت السمكة حتى رأسها بنصب رأسها أي : ورأسها فعلى هذا الهاء عائدة على النعل أو الصحيفة وألقاها تكرير وتوكيد .
فإن قلت : شرط المعطوف بحتى أن يكون إما بعضاً من جمع كقدم الحجاج حتى المشاة . أو جزءاً من كل نحو : أكلت السمكة حتى رأسها أو كجزء نحو : أعجبتني الجارية حتى حديثها فكيف جاز عطف نعله مع أنه ليس واحداً مما ذكر قلت : جاز لأن ألقى الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله فالنعل بعض ما يثقل .
وأما الرفع فعلى الابتداء وجملة ألقاها هو الخبر . فحتى على هذا . وعلى الوجه الأول . من وجهي النصب حرف ابتداء والجملة بعدها مستأنفة .
وزعم ابن خلف : أن حتى هنا عاطفة والجملة بعدها معطوفة على الجملة المتقدمة وهذا شيء قاله ابن السيد نقله عنه ابن هشام في المغني ورده بقوله : لأن حتى لا تعطف الجمل وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءاً مما قبلها أو
____________________

كجزء وهذا لا يتأتى إلا في المفردات .
وقد نازعه الدماميني في هذا التعليل .
وأنشد سيبويه هذا البيت على أن حتى فيه حرف جر وأن مجرورها غاية لما قبله كأنه قال : ألقى الصحيفة والزاد وما معه من المتاع حتى انتهى الإلقاء إلى النعل . وعليه فجملة ألقاها للتأكيد والضمير يجوز فيه أيضاً أن يعود على النعل وعلى الصحيفة . فقوله : حتى نعله ألقاها روي على ثلاثة أوجه . ( ومضى يظن بريد عمرو خلفه ** خوفاً وفارق أرضه وقلاها ) )
وهما في قصة المتلمس حين فر من عمرو بن هند . حكى ذلك الأخفش عن عيسى بن عمر فيما ذكره الفارسي .
وكان المتلمس قد هجا عمرو بن هند وهجاه أيضاً طرفة فكتب لهما إلى عامله بالبحرين كتابين أوهمهما أنه أمر لهما بجوائز وهو قد أمره فيهما بقتلهما فلما وصلا إلى الحيرة دفع المتلمس كتابه إلى غلام ليقرأه فإذا فيه : أما بعد فإذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً فرمى المتلمس كتابه في نهر الحيرة وهرب إلى الشام وقد ذكرنا خبرهما في الشاهد الذي قبل هذا بأربعة شواهد فصارت صحيفة المتلمس مثلاً فيما ظاهره خير وباطنه شر .
والصحيفة : الكتاب . وقوله : ألقى الصحيفة أي : رماها بنهر الحيرة كما أخبر المتلمس عن نفسه بقوله : ( قذفت بها في النهر من جنب كافر ** كذلك أقنو كل قط مضلل )
____________________

وروي أيضاً : ألقى الحقيبة وهي خرج يحمل فيه الرجل متاعه . وروي أيضاً : ألقى الحشية وهي الفراش المحشو بالقطن أو الصوف ينام عليه قال عنترة : وحشيتي سرج على عبل الشوى ( قوم يبيت على الحشايا غيرهم ** ومبيتهم فوق الجياد الضمر ) وزعم ابن السيد وتبعه غيره : أن الحشية ما يركب عليه الراكب . وأورد بيت عنترة . وهذا غير لائق به . وقال ابن هشام اللخمي : الحشية : هي البرذعة المحشوة والرحل هنا بمعنى الأثاث والمتاع . وقد أنكره الحريري في درة الغواص بهذا المعنى ورد عليه ابن بري فيما كتبه عليه فقال : قال الجوهري : الرحل : منزل الرجل وما يستصحبه من الأثاث والرحل أيضاً : رحل البعير وهو أصغر من القتب . فقد ثبت فيه الرحل بمعنى الأثاث . وقد فسر بيت متمّم بن نويرة على ذلك وهو قوله : ( كريم الثنا حلو الشمائل ماجد ** صبور على الضراء مشترك الرحل ) قالوا : أراد بالرحل الأثاث . ومثله قول الآخر ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
____________________

قالوا : رحله : أثاثه وقماشه . والتقدير عندهم : ألقى قماشه وأثاثه حتى ألقى نعله مع جملة أثاثه . وإنما قدروه بذلك ليصح كون ما بعد حتى في هذا الموضع جزءاً مما قبلها . وعليه فسر )
قوله تعالى حكاية عن يوسف : قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه قالوا : رحله : أثاثه بدليل : ثم استخرجها من وعاء أخيه . انتهى كلام ابن بري .
وقد فسر ابن السيد الرحل في شرح أبيات الجمل بقوله : الرحل للناقة كالسرج وتبعه عليه ابن هشام اللخمي وابن خلف وغيرهما . وهذا مع كونه غير مناسب كان الصواب أن يقول : والرحل للبعير لا للناقة قال الأعلم : كان الواجب في الظاهر أن يقول : ألقى الزاد كي يخفف رحله والنعل حتى الصحيفة فيبدأبالأثقل ثم يتبعه الأخفّ فلم يمكنه الشعر . أو يكون قدّم الصحيفة لأن الزاد والنعل أحق عنده بالإبقاء لأن الزاد يبلّغه الوجه الذي يريده والنعل يقوم له مقام الراحلة إن عطبت فاحتاج إلى المشي فقد قالوا : كاد المنتعل أن يكون راكباً .
والبريد : الرسول ومنه قول العرب : الحمّى بريد الموت : وعمرو هو عمرو بن هند الملك ملك الحيرة . وقد ذكرنا ترجمته قبل هذا الشاهد ببيتين .
قال ابن خلف : أنشد سيبويه هذا البيت لأبي مروان النحوي قاله في قصة المتلمس حين فر من عمرو بن هند حكى ذلك الأخفش عن عيسى بن عمر فيما ذكره الفارسي . ونسبه الناس إلى المتلمس انتهى .
ونسبة ياقوت الحموي في معجم الأدباء إلى مروان النحوي لا أبي مروان
____________________

قال : سمعت بعض النحويين ينسب إليه هذا البيت وقال في ترجمته : هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن وأنشد بعده وهو
الشاهد الثامن والخمسون بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : ( فلا حسباً فخرت به لتيم ** ولا جداً إذا ازدحم الجدود ) على أنه يجوز النصب في قوله حسباً والرفع لوقوعه بعد حرف النفي أمّا نصبه فبفعل مقدر متعد إليه بنفسه في معنى الفعل الظاهر والتقدير : فلا ذكرت حسباً فخرت به ولا جداً معطوف على قوله حسباً وهو بمنزلة قولك : أزيداً مررت به وإنما لم يجز إضمار الفعل المتعدي بحرف الجر لأن ذلك يؤدي إلى إضمار حرف الجر ولا يجوز إضماره لأنه مع المجرور كشيء واحد وهو عامل ضعيف فلا يجوز أن يتصرف فيه بالإضمار والإظهار كما يتصرف في الفعل وأما الرفع فعلى الابتداء وجملة فخرت به صفته ولتيم : هو الخبر وروي بدل قوله : لتيم كريم وهو الثابت وجداً معطوف على حسباً قال السيرافي : لما جاز الرفع مع الاستفهام وإن كان الاختيار النصب كان الرفع في حروف النفي أقوى لأنها لم تبلغ أن تكون في القوة مثل حروف الاستفهام والحسب : الكرم وشرف الإنسان في نفسه وأخلاقه والجد : أبو الأب يقول : ما ذكرت لتيم حسباً تفتخر به لأنك لم تجد لها شيئاً تذكره ولا
____________________

لك جد شريف تعول عليه عند ازدحام الناس للمفاخر وقيل : الجد هنا : الحظ أي : ليس لتيم حظ في علو المرتبة والذكر الجميل وهذا البيت من قصيدة طويلة لجرير هجا بها الفرزدق وتيم الرباب وليست من النقائض وهي إحدى القصائد الثلاث التي هي خير شعره كذا في منتهى الطلب من أشعار العرب وزعم الأعلم وتبعه ابن خلف وغيره أن جريراً هجا بها عمر بن لجأ وه من تيم عدي والرباب بكسر الراء : جمع رب بضمها قال ابن الكلبي في جمهرة الأنساب : ولد عبد مناة بن أدّ تيماً وهم الرباب وعدياً بطن وعوفاً والأشيب وثوراً وإنما سموا الرباب لأن تيماً وعدياً وثوراً وعوفاً وأشيب وضبة بن أد غمسوا أيديهم في الرب فتحالفوا علي بني تميم فسمّوا الرباب فهم جميعاً الرباب وخصت تيم أيضاً بالرباب انتهى ومن هذه القصيدة : ( لقد أخزى الفرزدق رهط ليلى ** وتيم قد أقادهم مقيد ) ) ( خصيت مجاشعاً وجدعت تيماً ** وعندي فاعلموا لهم مزيد ) ( أتيماً تجعلون إليّ ندّاً ** وهل تيم لذي حسب نديد ) ( أتوعدنا وتمنع ما أردنا ** ونأخذ من ورائك ما نريد ) ( ويقضى الأمر حين تغيب تيم ** ولا يستأذنون وهم شهود ) ( فلا حسب فخرت به كريم ** ولا جد إذا ازدحم الجدود )
____________________

( لئام العالمين كرام تيم ** وسيدهم وأن زعموا مسود ) ( وإنك لو لقيت عبيد تيم ** وتيماً قلت أيهما العبيد ) ( أرى ليلاً يخالفه نهار ** ولؤم التيم ما اختلفا جديد ) ( بخبث البذر ينبت بذر تيم ** فما طاب النبات ولا الحصيد ) ( تمنى التيم أن أباه سعد ** فلا سعد أبوه ولا سعيد ) ( وما لكم الفوارس يا ابن تيم ** ولا المستأذنون ولا الوفود ) ( أهانك بالمدينة يا ابن تيم ** أبو حفص وجدّعك النشيد ) ( وإن الحاكمين لغير تيم ** وفينا العزّ والحسب التليد ) ( وإن التيم قد خبثوا وقلوا ** فما طابوا ولا كثر العديد ) ( إذا تيم ثوت بصعيد أرض ** بكى من خبث ريحهم الصعيد ) ( أتيما تجعلون إلى تميم ** بعيد فضل بينهما بعيد ) وقوله : أتيماً تجعلون إلي نداً البيت أورده صاحب الكشاف والقاضي على أن الند من قوله تعالى فلا تجعلوا لله أندادأً . بمعنى المثل المناوئ أي : المعادي وهو من ند ندوداً : إذا نفر وناددت الرجل : خالفته خص بالمخالف المماثل في الذات كما خص المساوي للمماثل في القدر .
قال السعد : وإلي كان في الأصل صفة لقوله ندّاً فلما قدم صار حالاً منه وإلى بمعنى اللام .
وقال السيد : هذا لا يصح لأن ندّاً خبر لمبتدأ في الأصل وإنما هو حال من قوله تيماً . . وفيه : أن تيماً في الأصل مبتدأ وعند سيبويه يجوز مجيء الحال من المبتدأ وعند الأخفش من الخبر .
والاستفهام للإنكار .
والتنوين في ذي حسب للتحقير يعني أن تيماً ليس ندّاً لذي حسب حقير فكيف يجعل ندّاً لمثلي ويجوز أن يكون للتعظيم ويريد بذي حسب نفسه . والنديد بمعنى الند . )
وترجمة جرير تقدمت في الشاهد الرابع من أوائل الكتاب .
____________________


وأنشد بعده وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المائة وهو من الحماسة : إذا الخصم أبزى مائل الرأس انكب وقبله : فهلاّ أعدوني لمثلي تفاقدوا على أن إذا الشرطية يجوز عند الكوفيين وقوع الجملة الاسمية بعدها لكن بشرط كون خبرها فعلاً إلا في الشاذ كهذا البيت .
قال ابن جني في إعراب الحماسة : يروى إذ وإذا جميعاً : فمن رواه إذ حكى الحال المتوقعة كقول الله سبحانه : إذ الأغلال في أعناقهم ومن رواه إذا فهو كقولك : أتيتك إذا زيد قائم وهذا جائز على رأي أبي الحسن وذلك أنه يجيز الابتداء بعد إذ الزمانية المشروط بها انتهى وأبذى من قولهم : زجل أبذى وامرأة بذواء وهو الذي يخرج صدره ويدخل ظهره وأبذى ههنا مثل ومعناه الراصد المخاتل لأن المخاتل ربما انثنى فيخرج عجزه .
وقال أبو رياش : أبزى : تحامل على خصمه ليظلمه . . فجعل أبزى فعلاً ولا يمتنع ذلك وإنما المعروف أن يقال : بزوت الرجل ومنه اشتقاق البازي من الطير إذا استعمل على وزن القاضي . وعليه فالخصم مرفوع بفعل يفسره أبزى ويرفع مائل الرأس على أنه بدل من الخصم .
والأنكب : المائل وأصله الذي يشتكي منكبيه فهو يمشي في شق . ومائل الرأس أي : مصعر من الكبر . وقوله : تفاقدوا دعاء قد اعترض به بين أول الكلام وآخره يقول : هلا جعلوني عدة لرجل مثلي فقد بعضهم بعضاً وقد جاءهم الخصم متأخر العجز مائل الرأس منحرفاً . وهذا تصوير لحال المقاتل إذا انتصب في وجه مقصوده وهو أبلغ في الوصف من كل تشبيه .
____________________

ومثله قول الآخر : جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط ألا ترى أنه لو صور لون المذق لما قال : هل رأيت الذئب قط .
والمعنى : لم أفاتوني أنفسهم وهلا ادخروني ليوم الحاجة إذا كان الخصم هكذا . وهذا )
البيت من أبيات خمسة في الحماسة لبعض بني فقعس أولها : ( رأيت موالي الألى يخذلونني ** على حدثان الدهر إذ يتقلب ) الموالي هنا : أبناء العم . والألى في معنى الذين ويخذلونني من صلته . يقول : رأيت أبناء عمي هم الذين يقعدون عن نصرتي على تقلب الزمان وتصرف الحدثان . وقوله : على حدثان الخ ( فهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ** إذا الخصم أبزى مائل الرأس أنكب ) ( وهلا أعدوني لمثلي تفاقدوا ** وفي الأرض مبثوث شجاع وعقرب ) كرره تأكيداً وتفظيعاً للأمر . والمعنى : هلا جعلوني عدة لرجل مثلي في الناس فقد بعضهم بعضاً وقد انتشر أعداء كثيرة وأنواع من الشر فظيعة والشجاع :
____________________

الحية . وكنى به وبالعقرب عن الأعداء والشر . وارتفاع شجاع يجوز أن يكون على البدل من مبثوث ويجوز أن يكون على الابتداء ومبثوث خبره قدم عليه .
قال ابن جني في إعراب الحماسة : يروى مبثوثاً ومبثوث : فمن نصب فلأنه صفة نكرة قدم عليها فنصب على الحال منها ومن رفع رفع بالابتداء وجعل شجاع وعقرب بدلاً من مبثوث . فإن قلت : فهلا قال : وفي الأرض مبثوثون أو مبثوثان قلت : فيه جوابان : أحدهما أنه لم يرد بشجاع وعقرب الاثنان الشافعان للواحد وإنما أريد به الأعداء الذين بعضهم شجعان وبعضهم عقارب أي : أعداء في خبثهما ونكرهما فلما لم يرد حقيقة التثنية وإنما أراد الأعداء ذهب به مذهب الجنس . .
والوجه الآخر : أن يكون أراد : وفي الأرض مبثوثاً شجاع أي : شجاع مبثوث فلما قدمه عليه نصبه حالاً منه ثم عطف عقرب على الضمير في مبثوثاً . وكذلك إذا رفعت تعطف عقرب على الضمير في مبثوث فإذا سلكت هذه الطريق سقطت عنك كلفة الاعتذار من ترك التثنية .
انتهى ملخصاً . ( فلا تأخذوا عقلاً من القوم إنني ** أرى العار يبقى والمعاقل تذهب ) ( كأنك لم تسبق من الدهر ليلة ** إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب ) لك في المعاقل الرفع على الاستئناف والنصب عطفاً على العار . يقول : لا ترغبوا في قبول الدية فإنه عار والعار يبقى أثره والأموال تفنى .
والمعاقل : جمع المعقلة والمعقلة بضم القاف وكسرها والميم فيهما مفتوحة . والعقل : الدية )
وأصله الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول وهو مصدر وصف به . وحكى الأصمعي : صار دمه معقلة على قومه أي : صاروا يدونه . وقوله : كأنك لم تسبق الخ يقول : من أدرك ما طلبه من الثأر فكأنهلم يصب ولم يوتر . وهذا بعث وتحضيض على طلب الدم والزهد في الدية .
وبنو فقعس حي من بني أسد وفقعس اسم مرتجل غير منقول وقيل : الفقعسة : البلادة . قال ابن الكلبي في جمهرة الأنساب : فقعس : ابن طريف بن عمرو بن قعين بالتصغير ابن الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
____________________


ونسب صاحب الحماسة البصرية هذه الأبيات إلى عمرو بن أسد الفقعسي والله أعلم . ( لا تجزعي إن منفس أهلكته ** وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ) تقدم شرحه مستوفى في الشاهد السادس والأربعين .
وأنشد بعده وهو الشاهد الستون بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته فقام بفأس بين وصليك جازر على أنه يقدر على مذهب المبرد في رواية رفع ابن إذا بلغ ابن أبي موسى بلغ بالبناء للمفعول فيكون ابن نائب الفاعل لهذا الفعل المحذوف . وبلالاً
____________________

ينبغي أن يكون بالرفع لأنه بدل من ابن أو عطف بيان له وقد رأيته مرفوعاً في نسختين صحيحتين من إيضاح الشعر لأبي علي الفارسي إحداهما بخط أبي الفتح عثمان بن جني .
وفي نسخ المغني وغيره نصب بلال مع رفع ابن : قال الدماميني في شرحه : وبلالاً منصوب بفعل محذوف آخر يفسره بلغته والتقدير : إذا بلغ ابن أبي موسى بلغت بلالاً بلغته . ولا يخفى ما فيه من التكلف والتقدير المستغنى عنه . وقد روي بنصب ابن أيضاً قال سيبويه : والنصب عربي كثير والرفع أجود .
قال النحاس : وغلّطه المبرّد في الرفع لأن إذا بمنزلة حروف المجازاة فلا يجوز أن يرتفع ما بعدها بالابتداء . وقال أبو إسحاق الزجّاج : الرفع فيه بمعنى إذا بلغ ابن أبي موسى بلال . وكذلك قال أبو علي : إن إذا هذه تضاف إلى الأفعال وهي ظرف من الزمان ومعناها على أن تدخل على الأفعال لأن معناها الشرط والجزاء وقد جوزي بها في الشعر فإذا وقع بعدها اسم مرتفع )
فليس ارتفاعه بالابتداء ولكن بأنه فاعل والرافع له يفسره الفعل الذي بعد الاسم كأنه قال : إذا بلغ ابن أبي موسى بلال بلغته وكذلك إذا اوليها اسم منصوب صار على تقدير إذا بلغت ابن أبي موسى بلالاً بلغته .
وقال أبو علي أيضاً في إيضاح الشعر . قال القطامي : ( إذا التياز ذو العضلات قلنا : ** إليك إليك ضاق بها ذراعاً ) فاعل ضاق ضمير التياز وضاق جواب إذا والتياز يرتفع بفعل مضمر يفسره قلنا التقدير : إذا خوطب التياز . وقلنا معناه قلنا له وهو مفسر لخوطب أو
____________________

كلم ونحو ذلك مما يفسره قلنا له وهو رافع التياز كإنشاد من أنشد : إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته والمعنى : ضاق ذرع التياز بأخذ هذه الناقة لأنه لا يضبطها من شدتها ونشاطها فكيف من هو دونه ومن أنشد : إذا ابن أبي موسى بلال بالنصب نصب التيار أيضاً فهو بمنزلة إذا زيداً مررت به جئتك ويقول من أنشد إذا ابن أبي موسى بالدفع قول لبيد ألا ترى أن أنت يرتفع بفعل في معنى هذا الظاهر كان لو أظهرته فإن لم تنتفع ولو حمل أنت على هذا الفعل الظاهر الذي هو ينفعك لوجب أن يكون موضع أنت إياك لأن الكاف الذي هو سببه هي مفعولة منصوبة فهذا البيت يقوي إنشاد من أنشد : إذا ابن أبي موسى بالرفع على إضمار فعل في معنى الظاهر نفسه . انتهى .
وقوله : فقام بفأس هو جواب إذا . ودخلت الفاء على الفعل الماضي لأنه دعاء كما تقول : إن أعطيتني فجزاك الله خيراً ولو كان خبراً لم تدخل عليه الفاء . والفأس معروفة وهي مهموزة وروي بدلها : بنصل بفتح النون والنصل : حديدة السيف والسكين . والوصل بكسر الواو : المفصل وهو ملتقى كل عظمين وهو واحد الأوصال والمراد بوصليهما : المفصلان اللذان عند موضع نحرها . والجازر : اسم فاعل من جزر الناقة : إذا نحرها وهو فاعل قام . وبلال هذا هو بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري . والتاء من بلغته مكسورة خطاب لناقته .
وكذلك الكاف في وصليك دعاء عليهما بالنحر والجزر . إذا بلغته إلى ابن أبي موسى وقد عيب عليه هذا كما سيأتي .
____________________


وهذا البيت من قصيدة لذي الرمة غيلان مدح بها بلالاً مطلعها : ) ( لمية أطلال بحزوى دواثر ** عفتها السوافي بعدنا والمواطر ) ( إلى ابن أبي موسى بلال طوت بنا ** قلاص أبوهن الجديل وداعر ) ( بلاداً يبيت البوم يدعو بناته ** بها ومن الأصداء والجن سامر ) ( تمر برحلي بكرة حميرية ** ضناك التوالي عيطل الصدر ضامر ) تمر : تمضي . والضناك بالكسر : المكتنزة الغليظة وتواليها : مآخيرها . والعيطل : الطويلة . ( أقول لها إذ شمر السير واستوت ** بها البيد واستنت عليها الحرائر ) إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته شمر السير : قلص . واستوت بها البيد . أي : لا علم بها . واستنت : اطردت . والحرائر : جمع حرور وهي السموم . وبلال هو ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري .
قال ابن حجر في التهذيب : هو من الطبقة الخامسة من التابعين مات سنة نيف وعشرين ومائة وقال : في تهذيب التهذيب هو أمير البصرة وقاضيها . روى عن أنس فيما قيل وعن أبيه وعمه أبي بكر روى له الترمذي حديثاً واحداً وذكره البخاري في الأحكام وذكره الصقلي في كتاب الضعفاء . قال خليفة
____________________

الحناط : ولاه خالد القسري القضاء سنة تسع ومائة وحكي عن مالك بن دينار أنه قال لما ولي بلال القضاء : يا لك أمة هلكت ضياعاً وروى المبرد : أن أول من أظهر الجور من القضاة في الحكم بلال وكان يقول : إن الرجلين ليختصمان إليّ فأجد أحدهما أخف على قلبي فأقضي له وروى ابن الأنباري أنه مات في حبس يوسف بن عمر وأنه قتله دهاؤه وقال للسجان : أعلم يوسف أني قدمت ولك مني ما يغنيك فأعلمه فقال يوسف : أحب أن أراه ميتاً فرجع إليه السجان فألقى عليه شيئاً فغمه حتى مات ثم أراه يوسف .
وقال جويرية بن أسماء : لما ولي عمر بن عبد العزيز وفد إليه بلال فهنأه ثم لزم المسجد يصلي ويقرأ ليله ونهاره فدسّ عمر إليه ثقة له فقال له : إن عملت لك ولاية العراق ما تعطيني فضمن له مالاً جزيلاً فأخبر بذلك عمر فنفاه وأخرجه وكتب إلى عامله على الكوفة : إن بلالاً غرنا بالله فكدنا نغتر به ثم سبكناه فوجدناه كله خبثاً .
وترجمة ذي الرمة تقدمت في الشاهد الثامن في أوائل الكتاب روى المرزباني في كتاب الموشح )
عن أبي بكر الجرجاني عن المبرد عن التوزي أنه قال : أنشد ذو الرمة قصيدته في بلال بن أبي بردة فلما بلغ قوله : إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته
____________________

قال له عبد الله بن محمد بن وكيع : هلاّ قلت كما قال سيدك الفرزدق : ( أقول لناقتي لما ترامت ** بنا بيد مسربلة القتام ) ( إلام تلفتين وأنت تحتي ** وخير الناس كلهم أمامي ) ( متى تردي الرصافة تستريحي ** من التصدير والدبر الدوامي ) قال الأصبهاني في الأغاني : وقد أخذ هذا المعنى من الفرزدق داود بن سلم في مدحه قثم بن العباس أخا عبد الله بن العباس رضي الله عنهم فأحسن وقال : ( عتقت من حلي ومن رحلتي ** يا ناق إن أدنيتني من قثم ) ( إنك إن أدنيت منه غداً ** حالفني اليسر وزال العدم ) ( في كفه بحر وفي وجهه ** بدر وفي العرنين منه شمم ) وقال التاريخي : لما أنشد مروان بن أبي حفصة يحيى بن خالد : ( إذا بلغتنا العيس يحيى بن خالد ** أخذنا بحبل اليسر وانقطع العسر ) قال له يحيى : لا عليك أن لا تقول شيئاً بعد هذا أقول : الفرزدق قد سلك طريقة الأعشى ميمون في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله : ( فآليت لا أرثي لها من كلالة ** ولا من وجى حتى تلاقي محمدا ) ( متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ** تراحي وتلقي من فواضله ندى )
____________________

( رأيت عرابة الأوسي يسمو ** إلى الخيرات منقطع القرين ) ( إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين ) ( إذا بلغتني وحملت رحلي ** عرابة فاشرقي بدم الوتين ) قال المبرد في الكامل : وقد أحسن كل الإحسان في قوله : إذا بلغتني وحملت رحلي يقول : لست أحتاج أن أرحل إلى غيره . وقد عاب بعض الرواة قوله : فاشرقي بدم الوتين وقال : كان ينبغي أن ينظر لها مع استغنائه عنها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصارية )
المأسورة بمكة وقد نجت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : إني نذرت إن نجوت عليها أن أنحرها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لبئسما ما جزيتها . وقال صلى الله عليه وسلم : لا نذر في معصية الله جل وعزّ ولا نذر للإنسان في غير ملكه .
ومما لم يعب في هذا المعنى قول عبد الله بن رواحة الأنصاري لما أمّره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد زيد وجعفر على جيش مؤتة : ( إذا بلّغتني وحملت رحلي ** مسيرة أربع بعد الحساء ) ( فشأنك فانعمي وخلاك ذم ** ولا أرجع إلى أهلي ورائي )
____________________

قال بعض العلماء فيما كتبه على الكامل هذه المرأة غفارية لا أنصارية .
وقد تبع الشماخ في اساءته أبو دهبل الجمحي أيضاً في قوله يمدح المغيرة بن عبد الله وهو مطلع أبيات له فيه : ( يا ناق سيري واشرقي ** بدم إذا جئت المغيرة ) ( سيثيبني أخرى سوا ** ك وتلك لي منه يسيرة ) ( إن ابن عبد الله نع ** م أخو الندى وابن العشيرة ) وتبعهما أيضاً ابن أبي العاصية السلمي فإنه لما قدم على معن بن زائدة بصنعاء نحر ناقته على بابه بلغ ذلك معناً فتطير وأمر بإدخاله فقال : ما صنعت قال : نذرت أصلحك الله قال : وما هو فأنشده من أبيات : ( نذر عليّ لئن لقيتك سالماً ** أن يستمر بها شفار الجازر ) فقال معن : أطعمونا من كبد هذه المظلومة وأول من عاب على الشماخ عرابة ممدوحه فإنه قال له : بئسما كافأتها به . وكذا عاب عليه أحيحة بن الجلاح فإن الشّمّاخ لما أنشده البيت قال له أحيحة : بئس المجازاة جازيتها وممن رد عليه من الشعراء أبو نواس : روى المرزباني في كتاب الموشح
____________________

بسنده عن أبي نواس أنه ( وإذا المطي بنا بلغن محمدا ** فظهورهن على الرحال حرام ) ( قرّبتنا من خير من وطىء الحصا ** فلها علينا حرمة وذمام ) وقلت أيضاً : ( أقول لناقتي إذ قرّبتني ** لقد أصبحت عندي باليمين ) ) ( فلم أجعلك للغربان نحلا ** ولا قلت اشرقي بدم الوتين ) ( حرمت على الأزمة والولايا ** وأعلاق الرحالة والوضين ) الولايا : جمع ولية وهي البرذعة . و الأعلاق : ما علق على الرحل من العهون وغيره . و الوضين : حزام الرحل .
قال ابن خلكان في ترجمة ذي الرمة : أبو نواس هو الذي كشف هذا المعنى وأوضحه حتى قال بعض العلماء ولا أستحضر الآن من هو القائل لما وقف على بيت أبي نواس : هذا المعنى والله الذي كانت العرب تحوم حوله فتخطئه ولا تصيبه . فقال الشماخ : كذا وقال ذو الرمة : كذا وما أبانه إلا أبو نواس بهذا البيت وهو في نهاية الحسن . هـ .
وقد تقدم أن أول من كشف هذا المعنى الأعشى لا أبو نواس .
ورد أبو تمام أيضاً على الشماخ تابعاً لأبي نواس : ( أشرقها من دم الوتين لقد ** ضل كريم الأخلاق عن شيمه ) ( ذلك حكم قضى بفيصله ** أحيحة بن الجلاح في أطمه ) وروى المرزباني أيضا عن أحمد بن سليمان بن وهب أن محمد بن علي القنبري
____________________

الهمداني أنشد عبيد الله بن يحيى بن خاقان قوله من قصيدة : ( إلى الوزير عبيد الله مقصدها ** أعني ابن يحيى حياة الدين والكرم ) ( إذا رميت برحلي في ذراه فلا ** نلت المنى منه إن لم تشرقي بدم ) ( وليس ذاك لجرم منك أعلمه ** ولا لجهل بما أسديت من نعم ) ( لكنه فعل شماخ بناقته ** لدى عرابة إذ أدته للأطم ) فلما سمع عبيد الله هذا البيت قال : ما معنى هذا فقال له أبي سليمان : أعز الله الوزير إن الشماخ بن ضرار مدح عرابة الأوسي بقصيدة وقال فيها يخاطب ناقته : إذا بلغتني وحملت رحلي البيت فعاب من فعله هذا أبو نواس فقال : أقول لناقتي إذ قربتني البيتين فقال عبيد الله : هذا على صواب والشماخ على خطأ فقال له أبي : قد أتى مولانا الوزير )
بالحق وكذا قال عرابة الممدوح للشماخ لما أنشده هذا البيت : بئسما كافأتها به . هـ .
تتمات الأولى قول الشماخ : تلقاها عرابة باليمين قال المبرد في الكامل :
____________________

قال أصحاب المعاني : معناه بالقوة . وقالوا مثل ذلك في قول الله عز وجل : والسماوات مطويات بيمينه . هـ .
قال الحاتمي : أخذ الشماخ هذا من قول بشر بن أبي خازم : ( إذا ما المكرمات رفعن يوماً ** وقصر مبتغوها عن مداها ) ( وضاقت أذرع المثرين عنها ** سما أوس إليها فاحتواها ) ورأيت في الحماسة البصرية نسبة البيت لجندب بن خارجة الطائي الجاهلي ورواه هكذا : ( إذا ما راية رفعت لمجد ** سما أوس إليها فاحتواها ) وذكر بيتين قبله وهما : ( إلى أوس بن حارثة بن لأم ** ليقضي حاجتي فيمن قضاها ) ( فما وطىء الحصى مثل ابن سعدى ** ولا لبس النعال ولا احتذاها ) عرابة الذي عناه الشماخ بمدحه هو أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أوس بن قيظي بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج : وإنما قال له الشماخ الأوسي وهو من الخزرج نسبة إلى أوس بن قيظي .
قال أبو الفرج : لم يصنع إسحاق شيئاً عرابة من الأوس لا من الخزرج وإنما وقع عليه الغلط في هذا لأن في نسب عرابة الخزرج وفي الأوس رجل يقال له :
____________________

الخزرج ليس هو الجد الذي ينتمي إليه الخزرجيون الذي هو أخو الأوس وهذا الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس . ورده رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد لصغره مع تسعة نفر : منهم ابن عمرو وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وأسيد بن ظهير . . وأبوه أوس من المنافقين الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً وهو الذي قال : إن بيوتنا عورة وما هي بعورة وكان من وجوههم . وقد انقرض عقب عرابة فلم يبق منهم أحد .
قال المبرد في الكامل : قال معاوية لعرابة بن أوس بن قيظي الأنصاري : بم سدت قومك قال : لست بسيدهم ولكني رجل منهم فعزم عليه فقال : أعطيت في نائبتهم وحلمت عن سفيهم )
وشددت على يدي حليمهم فمن فعل منهم مثل فعلي فهو مثلي ومن قصر عنه فأنا أفضل منه ومن تجاوزني فهو أفضل مني .
وكان سبب ارتفاع عرابة : أن قدم من سفر فجمعه الطريق والشماخ بن ضرار المري فتحادثا فقال له عرابة : ما الذي أقدمك المدينة فقال : قدمت لأمتار بها فملأ له عرابة رواحله براً وتمراً وأتحفه غير ذلك فقال الشماخ ذلك .
الثانية : تتعلق بشعر الفرزدق .
قال القالي في أماليه : حدثنا أبو بكر قال : أخبرني أبو عثمان عن التوزي عن أبي عبيدة قال : خرج جرير والفرزدق إلى هشام بن عبد الملك مرتدفين على ناقة فنزل جرير يبول فجعلت الناقة تتلفت فضربها الفرزدق وقال : علام تلفتين وأنت تحتي البيتين ثم قال : الآن يجيء جرير فأنشده هذين البيتين فيرد علي :
____________________

( تلفت أنها تحت ابن قين ** إلى الكيرين والفأس الكهام ) ( متى ترد الرصافة تخز فيها ** كخزيك في المواسم كل عام ) فجاء يضحك فقال ما يضحكك يا أبا فراس فأنشده البيتين فقال جرير : تلفت أنها تحت ابن قين .
كما قال الفرزدق سواء قال الفرزدق والله لقد قلت هذين البيتين فقال جرير : أما علمت أن شيطاننا واحد .
الثالثة : تتعلق بشعر أبي نواس الأول : قال ابن خلكان في ترجمته : لهذا البيت حكاية جرت لي مع صاحبنا جمال الدين محمود بن عبد الله الإربلي الأديب المجيد في صنعة الألحان وغير ذلك فإنه جاءني إلى مجلس الحكم العزيز بالقاهرة المحروسة في بعض شهور سنة خمس وأربعين وستمائة وقعد عندي ساعة وكان الناس مزدحمين لكثرة أشغالهم حينئذ ثم نهض وخرج فلم أشعر إلا وقد جاء غلام وفي يده رقعة مكتوب فيها هذه الأبيات : ( يا أيها المولى الذي بوجوده ** أبدت محاسنها لنا الأيام ) ) ( إني حججت إلى جانبك حجة ** الأشواق ما لا يوجب الإسلام ) ( وأنخت بالحرم الشريف مطيتي ** فتسربت واستاقها الأقوام ) ( فظللت أنشد عند نشداني لها ** بيتاً لمن هو في القريض إمام ) ( وإذا المطي بنا بلغن محمداً ** فظهورهن على الرحال حرام ) فوقفت عليها وقلت لغلامه : ما الخبر فقال : إنه لما قام من عندك وجد مداسه قد سرق فاستحسنت منه هذا التضمين والعرب يشبهون النعل بالراحلة
____________________

وقد جاء هذا في شعر المتقدمين والمتأخرين واستعمله المتنبي في مواضع من شعره ثم جاءني من بعد جمال الدين المذكور وجرى ذكر هذه الأبيات فقلت له : ولكن أنا اسمي أحمد لا محمد فقال : علمت ذلك ولكن أحمد ومحمد واحد وهذا التضمين حسن ولو كان الاسم أي شيء كان .
وأنشد بعده وهو الشاهد الحادي والستون بعد المائة وهو من شواهد س : ( فمتى واغل يزرهم يحيو ** هـ وتعطف عليه كأس الساقي ) على أنه فصل اضطراراً بين متى ومجزومه فعل الشرط بواغل ف واغل فاعل فعل محذوف يفسره المذكور أي : متى يزرهم واغل يزرهم . وروي أيضاً يجئهم وروي أيضاً ينبهم من ناب ينوب . و الواغل : الرجل الذي يدخل على من يشرب الخمر ولم يدع وهو في الشراب بمنزلة الوارش في الطعام وهو الطفيلي يقال : وغل بالفتح يغل بالكسر وغلاً بالسكون فهو واغل ووغل أيضاً بالسكون كذا في كتاب كتاب النبات للدينوري . والكأس بالهمز مؤنثة قال أبو حنيفة في كتاب النبات وذكر أسماء الخمر فقال : ومنها الكاس وهو اسم لها ولا يقال للزجاجة كأس إن لم يكن فيها الخمر ثم أورد حججاً على ذلك منها قول الله تعالى : يطاف عليهم بكأس من معين .
وقد رد عليه أبو قاسم عليّ بن حمزة البصري اللغوي في كتاب التنبيهات على أغلاط الرواة فيما كتبه على كتاب النبات فقال : قد أساء في هذا الشرط الكأس : نفس الخمر كما قال و الكأس : الزجاجة وقول الله تعالى الذي
____________________

احتج به هو حجة عليه ومثله قوله تعالى : بأكواب )
وأباريق وكأس من معين أي : ظرف فيه خمر من هذه التي هذه صفتها . وقد قال سبحانه : وكأساً دهاقاً و الدهاق : الملأى . ولا يجوز أنه أراد خمراً ملأى . وهذا فاسد من القول .
والعرب تقول : سقاه كأساً مرة و : جرّعه كأساً من السم وقال : وقد سقى القوم كاس النعسة السهر وأوضح من هذا كله وأبعد من قول أبي حنيفة ما أنشده أبو زياد لريسبان بن عميرة من بني عبد الله بن كلاب : ( وأول كأس من طعام تذوقه ** ذرا قضب يجلو نقياً مفلجا ) فجعل سواكها كأساً وجعل الكأس من الطعام وبعّض من تبعيضاً يدل على صحة ما قلناه .
وقال آخر : ( من لم يمت عبطة هرماً ** للموت كأس والمرء ذائقها ) وقال كراع : الكأس : الزجاجة والكأس أيضاً : الخمر . فبدأ بقولنا . هـ . و تعطف بالبناء للمفعول . وهذا البيت من قصيدة لعدي بن زيد العبادي وبعده
____________________

( ويقول الأعداء : أودى عديّ ** وبنوه قد أيقنوا بعلاق ) وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الستين .
وأنشد بعده وهو
الشاهد الثاني والستون بعد المائة وهو من شواهد سيبويه : ( صعدة نابتة في حائر ** أينما الريح تميّلها تمل ) لما تقدم قبله . فتكون الريح فاعلة بفعل محذوف يفسره المذكور أي : أينما تميّلها الريح تميلها .
وهذا البيت من قصيدة لابن جعيل منها هذه الأبيات : ( وضجيع قد تعللت به ** طيّب أردانه غير تفل ) ( في مكان ليس فيه برم ** وفراش متعال متمهل ) ( فإذا قامت إلى جاراتها ** لاحت الساق بخلخال زجل ) ( وبمتنين إذا ما أدبرت ** كالعنانين ومرتج رهل ) صعدة قد سمتت في حائر الضجيع : المضاجع مثل النديم بمعنى المنادم والجليس بمعنى المجالس من الضجوع وهو وضع الجنب على الأرض وهو مجرور برب المقدرة بعد الواو وجملة قد تعللت جواب رب وهو العامل في مجرورها وقد وقع جواب رب قبل وصفه . و التعلل : التلهي . و طيب : صفة ضجيع و أردانه : فاعله . و التفل : بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء وصف من تفلت المرأة تفلاً فهي تفلة
____________________

من باب : تركت الطيب والأدهان . و البرم بفتحتين : مصدر برم به بالكسر : إذا سئمه وضجر منه . و فراش : معطوف على مكان . و متمهل : اسم فاعل من اتمهل الشيء على وزن اقشعرّ أي : طال واعتدل وأصل المادة تمهل بمثناة فوقية فميم فهاء فلام . و زجل : بفتح الزاي المعجمة وكسر الجيم . أي : مصوت . وذلك أنهم كانوا يجعلون في الخلاخيل جلاجل .
وقوله : وبمتنين هو تثنية متن وهو كما قال ابن فارس مكتنفا الصلب من العصب واللحم وهو متعلق بمحذوف أي : وإذا ما أدبرت أدبرت بمتنين كالعنانين وبمرتج الخ وهو مثنى عنان الفرس وعنانا المتن : حبلاه أراد أن خصرها مجدول لطيف وأراد بالمرتج الكفل . و الرهل بفتح فكسر : المضطرب .
وقوله : صعدة أي : هي صعدة و الصعدة : القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف وتعديل وامرأة صعدة : مستوية القامة شبهها بالقناة . وأنشده الجوهري في مادة صعد ولم )
ينسبه إلى أحد . وقال العيني : نسبه الجوهري إلى الحسام بن صداء الكلبي . ولا أدري أين ذكره . و الحائر بالحاء المهملة قال أبو نصر : يقال للمكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف : حائر وأنشد هذا البيت وإنما قيل له حائر لأن الماء يتحير فيه فيجيء ويذهب . . قال الأعلم : الحائر : القرارة من الأرض يستقر فيها السيل فيتحير ماؤه . أي : يستدير ولا يجري وجعلها في حائر لأن ذلك أنعم لها وأشد لتثنيها إذا اختلفت الريح . هـ .
وقال أبو بكر الزبيري في كتاب لحن العامة ويقولون تكون في الحظيرة تكون في الدراحير ويجمعونه أحيارا والصواب حائر وجمعه حوران وحيران بالبصرة حائر الحجاج معروف وقال أحمر بن يحيى ثعلب : الحائر هو الذي تسميه العامة حيراً وهو الحائط . هـ .
وروي بدل نابتة : قد سمقت أي : طالت وارتفعت .
____________________

و ابن جعيل صاحب هذا الشعر بضم الجيم مصغر جعل . واسمه كعب بن جعيل بن قمير مصغر قمر ابن عجرة بن ثعلبة بن عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن تغلب بن وائل . وهو شاعر مشهور إسلامي كان في زمن معاوية . وفيه يقول عتبة بن الوغل التغلبي : ( سمّيت كعباً بشرّ العظام ** وكان أبوك يسمى الجعل ) ( وإن مكانك من وائل ** مكان القراد من است الجمل ) هكذا ذكره الآمدي في المؤتلف والمختلف ونسب إليه الشعر الذي منه بيت الشاهد .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : وكعب بن جعيل هو الذي قال له يزيد بن معاوية : اهج الأنصار فدله على الأخطل . ولكعب هذا أخ يقال له : عمير بن جعيل بالتصغير وهو شاعر أيضاً وهو القائل يهجو قومه : ( كسا الله حيّي تغلب ابنة وائل ** من اللؤم أظفاراً بطيئاً نصولها ) ثم ندم فقال :
____________________

( ندمت على شتمي العشيرة بعدما ** مضت واستتبت للرواة مذاهبه ) ( فأصبحت لا أستطيع دفعاً لما مضى ** كما لا يرد الدر في الضرع حالبه ) وفي الشعراء شاعر آخر يقال له ابن جعيل بالتصغير واسمه شبيب التغلبي وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في خبر ما و لا وفيهم أيضاً من يقال له ابن جعل مكبراً وهو تغلبي أيضاً كاللذين قبله واسمه عميرة بفتح العين ابن جعل بن عمرو بن مالك بن الحارث بن حبيب بن )
عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل شاعر جاهلي وهو القائل : ( فمن مبلغ عني إياس بن جندل ** أخا طارق والقول ذو نفيان ) ( فلا توعدني بالسلاح فإنما ** جمعت سلاحي رهبة الحدثان ) ( جمعت ردينيّاً كأن سنانه ** سنا لهب لم يتصل بدخان ) كذا في المؤتلف أيضاً للآمدي .
وأنشد بعده وهو الشاهد الثالث والستون بعد المائة وهو من شواهد س ( ألا رجلاً جزاه الله خيراً ** يدلّ على محصّلة تبيت ) على أن ألا عند الخليل قد تكون للتحضيض كما في هذا البيت أي : ألا ترونني رجلاً هو بضم التاء من الإراءة لا بفتحها من الرؤية .
____________________


قال سيبويه : وسألت الخليل عن هذا البيت فزعم أنه ليس على التمني ولكن بمنزلة قول الرجل : فهلا خيراً من ذاك كأنه قال : ألا تروني رجلاً جزاه الله خيراً قال ابن هشام في المغني : ومن معاني ألا العرض والتحضيض ومعناهما طلب الشيء ولكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث وتختص ألا هذه بالفعلية ومنه عند الخليل هذا البيت والتقدير عنده : ألا تروني رجلاً هذه صفته فحذف الفعل مدلولاً عليه بالمعنى .
وزعم بعضهم : أنه محذوف على شريطة التفسير أي : ألا جزى الله رجلاً جزاه خيراً . وألا على هذا للتنبيه . وقال يونس : ألا للتمني ونوّن الاسم للضرورة . . وقول الخليل أولى لأنه لا ضرورة في إضمار الفعل بخلاف التنوين . وإضمار الخليل أولى من إضمار غيره لأنه لم يرد أن وأما قول ابن الحاجب في تضعيف هذا القول : إنّ يدلّ صفة لرجل فيلزم الفصل بينهما بالجملة المفسرة وهي أجنبية فمردود بقوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد ثم الفصل بالجملة لازم وإن لم تقدّر مفسرة إذ لا تكون صفة لأنها إنشائية . اه كلام المغني .
وقدّر العامل غير الخليل ألا أجد رجلاً . وقدّره بعضهم ألا هات رجلاً . وروي أيضاً ألا رجل بالرفع والجر فالرفع اختاره الجوهري على أنه فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور أي : ألا يدل رجل . وقيل : رجل : مبتدأ تخصص بالاستفهام والنفي وجملة يدل خبره . والجر على )
تقدير ألا دلالة رجل فحذف المضاف وبقي لامضاف إليه على حاله .
وقال الصاغاني في العباب : الجر على معنى أما من رجل . وهما ضعيفان . وجملة جزاه الله خيراً دعائية لا محل لها .
____________________


وهذا البيت من قصيدة طويلة لعمرو بن قعاس المرادي . وهذا مطلعها وأبيات منها : ( ألا يا بيت بالعلياء بيت ** ولولا حب أهلك ما أتيت ) ( ألا يا بيت أهلك أوعدوني ** كاني كل ذنبهم جنيت ) ( ألا بكر العواذل فاستميت ** وهل من راشد لي أن غويت ) ( إذا ما فاتني لحم غريض ** ضربت ذراع بكري فاشتويت ) ( أمشّي في سراة بني غطيف ** إذا ما سامني ضيم أبيت ) ( أرجّل لمّتي وأجر ذيلي ** وتحمل بزتي أفق كميت ) ( وبيت ليس من شعر وصوف ** على ظهر المطيّة قد بنيت ) ( ألا رجلاً جزاه الله خيراً ** يدلّ على محصّلة تبيت ) ( ترجّل لمّتي وتقمّ بيتي ** وأعطيها الإتاوة إن رضيت ) والبيت الأول من شواهد سيبويه نسبه إلى عمرو بن قعاس وأورده في باب النداء . قال الأعلم : الشاهد فيه رفع البيت لأنه قصده بعينه ولم يصفه بالمجرور بعده فينصبه لأنه أراد : لي بالعلياء بيت ولكني أوثرك عليه لمحبتي في أهلك .
وقوله : كأني كل ذنبهم أتيت قال المازني : معناه : كأني جنيت كل ذنب أتاه إليهم آت .
وقوله : فاستميت . أي : علوت عن سماع عذلهن وهو افتعلت من السموّ أي : أنا أعلى من أن ألام على شيء وهل من راشد لي إن غويت .
____________________

و اللحم الغريض : الطري . و البكر : بالفتح . و الرق بكسر الراء المهملة . يصف نفسه بالعفة ورقة القلب . و امشي بالتشديد : لغة في أمشي بالتخفيف . و غطيف بالتصغير جده الأعلى . و البزة قال في المصباح : يقال في السلاح بزة بالكسر مع الهاء وبز بالفتح مع حذفها . وروي بدله : وتحمل شكّتي بكسر الشين وهي السلاح أيضاً . و أفق بضمتين : الفرس الرائع للأنثى والذكر كذا في العباب .
وأنشد هذا البيت . والكميت من الخيل : بين الأسود والأحمر وقال أبو عبيد : ويفرق بينه وبين الأشقر بالعرف والذنب . فإن كانا أحمرين فهو أشقر وإن كانا أسودين فهو الكميت وقوله : ) ( قوم يبيت على الحشايا غيرهم ** ومبيتهم فوق الجياد الضمّر ) و الحشايا : جمع حشيّة وهي الفراش .
وقوله : يدل على محصلة تبيت المحصلة بكسر الصاد قال الجوهري وابن فارس وتبعهما قول العباب والقاموس وغيرها هي المرأة التي تحصل تراب المعدن وانشدوا هذا البيت .
قال بن فارس وأصل التحصيل استخراج الذهب من حجر المعدن وفاعلة المحصل وهذا كما ترى ركيك والظاهر ما قاله الأزهري في التهذيب فإنه أنشد هذا البيت وما بعده قال : هما لأعرابي أراد أن يتزوج امرأة بمتعة فصاده مفتوحة .
بمتعة . فصاده مفتوحة .
وأنشد الأخفش هذا البيت في كتاب المعاياة وقال : قوله محصلة موضع يجمع الناس أي : يحصلهم . و تبيت : فعل ناقص مضارع بات اسمها ضمير المحصلة وجملة ترجل لمّتي في محل نصب خبرها . وفيه العيب المسمى بالتضمين وهو توقف البيت على بيت آخر وخرّجه بعضهم على أنه بضم أوله من أبات أي :

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرة مختصرة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى

  مذكرة مختصرة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى مستنبطة من كتاب المختصر من الممتع   أعدها / العبد الفقير إلى رحمة...