مصاحف انواع

المصحف تنزيلات

فهرس القرآن الكريم الكريمmp3 القرآن الكريم مكتوب

9مصاحف
/ / / /  / / /

Translate k..k..520....

الاثنين، 9 مايو 2022

مجلد11.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب

 

11.

مجلد11.خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب
عبد القادر بن عمر البغدادي
  

  = وهذان البيتان أول معلقة امرىء القيس وتقدمت ترجمته في الشاهد التاسع والأربعين من أوائل الكتاب . وتقدم أيضاً شرح غالب هذه القصيدة في مواضع متعددة مع بيان سبب نظمها .
ومصراع البيت الأول مدح بحسن الابتداء وعجزه غير ملائم له . والممدوح مطلع قصيدة للنابغة الذبياني : الطويل ( كليني لهم يا أميمة ناصب ** وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب ) وتقدم بيان حسنه في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائة .
قال ابن أبي الإصبع في تحرير التحبير : لعمري لقد أحسن ابن المعتز في اختياره بيت النابغة لحسن الابتداء فإني أظنّه نظّر بين هذا الابتداء وبين ابتداء امرىء القيس فرأى ابتداء امرىء القيس على تقدّمه وكثرة معاني ابتدائه متفاوت القسمين جداً لأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السّبك وكثرة المعاني بالنسبة إلى العجز وألفاظ العجز غريبة بالنسبة إلى فثبت أنّ بيت امرىء القيس وإن كان أكثر معان من بيت النابغة فبيت النابغة أفضل من جهة ملايمة ألفاظه ومساواة قسميه .

____________________

وإنما عظّم ابتداء معلقة امرىء القيس في النفوس الاقتصار على سماع صدر البيت فإنه يشغل الفكر بحسنه عن النظر في ملايمة عجزه أو عدم ملايمته وهو الذي قيل عند سماعه للمنشد : )
حسبك فإن قائل هذا الكلام أشعر الناس لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في شطر بيت ولم يستنشد العجز شغلاً بحسن الصدر عنه .
وإذا تأمل الناظر في النقد البيت بكماله ظهر له تفاوت القسمين . انتهى .
ولعمري لقد أحسن الإمام الباقلاّني في كتاب إعجاز القرآن بإطالة لسانه بتزيف هذا المطلع حيث قال : الذين يتعصبون لامرىء القيس ويدّعون محاسن الشعر يقولون : هذا من البديع لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر العهد والمنزل والحبيب وتوجّع واستوجع كلّه في بيت ونحو ذلك .
وإنما بيّنّا هذا لئلاّ يقع لك ذهابنا عن مواضع المحاسن إن كانت ولاغفلتنا عن مواضع الصناعة إن وجدت .
تأمّل أرشدك الله تعلم أنه ليس في البيتين شيء قد سبق في ميدانه شاعراً ولاتقدّم به صانعاً . وفي لفظه ومعناه خلل فأوّل ذلك أنه استوقف من يبكي لذكر الحبيب وذكراه لايقتضي بكاء الخليّ وإنما يصحّ طلب الإسعاد في مثل هذا على أن يبكي لبكائه ويرقّ لصديقه في شدّة برحائه .
فأما أن يبكي على حبيب صديقه وعشيق رفيقه فأمر محال . فإن كان المطلوب وقوفه وبكاءه أيضاً عاشقاً صحّ الكلام وفسد المعنى لأنه من السّخف أن لايغار على حبيبه وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه والتواجد معه فيه .
ثم في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع وتسمية هذه الأماكن من الدّخول وحومل وتوضح والمقراة وسقط اللّوى وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضرباً من العيّ .
ثم إن قوله : لم يعف رسمها ذكر الأصمعي من محاسنه أنه باق فنحن نحزن على مشاهدته فلو عفا لاسترحنا .

____________________

وهذا بأن يكون من مساويه أولى لأنه إن كان صادق الودّ فلا يزيده عفاء الرسوم إلاّ جدّة عهد وشدّة وجد . وإنما فزع الأصمعي إلى إفادة هذه الفائدة خشية أن يعاب عليه فيقال : أي فائدة لأن يعرّفنا أنه لم يعف رسم منازل حبيبه وأيّ معنًى لهذا الحشو فذكر ما يمكن أن ثم في هذه الكلمة خلل آخر لأنه عقّب البيت بأن قال : الطويل )
فهل عند رسمٍ دارسٍ من معوّل فذكر أبو عبيدة أنه رجع فأكذب نفسه كما قال زهير : البسيط ( قف بالديار التي لم يعفها القدم ** نعم وغيّرها الأرواح والدّيم ) وقال غيره : أراد بالبيت الأول أنه لم ينطمس أثره كلّه وبالثاني أنه ذهب بعضه حتى لا يتناقض الكلامان .
وليس في هذا انتصارا لأن معنى عفا : درس .
واعتذار أبي عبيدة أقرب لو صحّ ولكن لم يرد هذا القول مورد الاستدراك على ما قاله زهير فهو إلى الخلل أقرب .

____________________

وقوله : لما نسجتها كان ينبغي أن يقول : لما نسجها ولكنه تعسّف فجعل ما في تأويل تأنيث لأنها في معنى الريح والأولى التذكير دون التأنيث وضرورة الشعر قد دلّته على هذا التعسّف .
وقوله : لم يعف رسمها كان الأولى أن يقول : لم يعف رسمه لأنه ذكر المنزل . فإن كان ردّ ذلك إلى هذه البقاع والأماكن التي المنزل واقع بينها فذلك خلل لأنه إنما يريد صفة المنزل الذي نزله حبيبه بعفائه أو بأنه لم يعف دون ما جاوره .
وإن أراد بالمنزل الدار حتى أنّث فذلك أيضاً خلل . ولو سلم من هذا كله ومما نكره ذكره كراهية التطويل لم نشكّ في أنّ شعر أهل زماننا لا يقصر عن البيتين بل يزيد عليهما ويفضلهما .
انتهى ما أورده الباقلاّني ولا يخفى ما في بعضه من التعسّف .
وأنشد بعده ( الشاهد الثامن والثمانون بعد الثمانمائة ) الطويل ( أيا دار سلمى بالحروريّة اسلمي ** إلى جانب الصّمّان فالمتثلّم ) ( أقامت بين البردين ثمّ تذكّرت ** منازلها بين الدّخول فجرثم ) ( ومسكنها بين الفرات إلى اللّوى ** إلى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم
____________________

) على أنه يستعمل في تحديد الأماكن إلى محذوفاً منها العاطف كما في البيت الأخير فإنّ واو العطف محذوفة من إلى الثانية على خلاف القياس .
وظاهر كلامه أن الواو لا تستعمل مع إلى في التحديد المذكور ولم يقل به أحد وإن لم يكن هذا الظاهر مراده فكان ينبغي له أن يقول : يجوز بدل يستعمل على أنّ ذكر تحديد الأماكن لا فائدة الجواز سمع أبو زيد بن من العرب : أكلت خبزاً لحماً تمراً وهو مذهب الفارسيّ ومن تبعه .
والمنع وهو قول ابن جني في سر الصناعة ومن تبعه وتأول ما ذكر على أنه من بدل البداء .
وكان ينبغي الاكتفاء بالبيت الثالث لأنه موضع الشاهد وحذف ما قبله .
وهذه الأبيات مطلع قصيدة للنابغة الجعدي الصحابي كذا أوردها الأصبهاني في الأغاني وزاد بعدها بيتاً وهو : ( ليالي تصطاد الرّجال بفاحمٍ ** وأبيض كالإغريض لم يتثلّم ) ورواها ابن الشجري في أماليه كذا : ( أيا دار سلمى بالحزون ألا اسلمي ** نحيّيك عن شحطٍ وإن لم تكلّمي ) ( عفت بعد حيٍّ من سليمٍ وعامرٍ ** تفانوا ودقّوا بينهم عطر منشم ) ( ومسكنها بين الفرات إلى اللّوى ** إلى شعبٍ ترعى بهنّ فعيهم ) ( أقامت به البردين ثمّ تذكّرت ** منازلها بين الجواء فجرثم ) ( ليالي تصطاد الرّجال بفاحمٍ ** وأبيض كالإغريض لم يتثلّم ) ولنتكلم عن الرواية الأولى أولاً : أيا : حرف نداء والدار : المنزل مؤنث سماعي . وسلمى : اسم امرأة والباء من قوله بالحرويّة متعلقة
____________________

بمحذوف حال من دار . وأراد : بالرّملة الحرورية فإن حروراء بالمدّ ويقصر بالمهملات : اسم رملة وعثة بناحية الدّهناء بفتح الدال وسكون الهاء )
بعدها نون يمدّ ويقصر .
قال ابن حبيب : الدهناء : رمال في طريق اليمامة إلى مكّة وهي منازل بني تميم لا يعرف طولها وأما عرضها فثلاث ليال وهي على أربعة ليال من هجر ويقال في المثل : أوسع من الدهناء . كذا في معجم البكري .
والحروراء أيضاً : قرية بظاهر الكوفة ينسب إليها الحرورية وهي طائفة من الخوارج كان أوّل اجتماعهم بها وتحكيمهم حين خالفوا عليّاً رضي الله عنه والنسبة إليه حروريٌّ . كذا في العباب للصاغاني . وهذه الكلمة لم يوردها البكري في معجمه .
____________________

وليس المراد قرية الكوفة وإلاّ لقال : بحروراء .
وقوله : اسلمي دعاء لدار سلمى بالسلامة لها .
وقوله : إلى جانب حال من دار أيضاً : أي ممتدّة إلى جانب الصّمّان بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم .
قال البكري في معجمه : هو جبل ينقاد ثلاث ليال وليس له ارتفاع سوى الصّمان لصلابته وتخرج من البصرة على طريق المنكدر لمن أراد مكة فتسير إلى كاظمة ثلاثاً ثم إلى الدّوّ ثلاثاً ثم إلى الصّمّان ثلاثاً ثم إلى الدهناء ثلاثاً .
وقوله : فالمتثلم معطوف على جانب قال البكري : هو بضم أوله وفتح ثانيه وفتح الثاء المثلثة وفتح اللام المشددة : موضع بالعالية . انهتى .
والعالية : مافوق نجد إلى تهامة . ولم يذكرها البكريّ في معجمه .
وقوله أقامت به البردين بفتح الموحدة : مثنّى برد وأراد به طرفي الشتاء . والبردان أيضاً : الغداة والعشيّ .
ويجب أن يكون هذا البيت بعد قوله : ومسكنها البيت ليعود ضمير به إلى المسكن كما في رواية ابن الشجري وإلاّ كان ينبغي أن يقول : أقامت بها البردين ليعود ضمير بها إلى الدار فإنها مؤنثة كما ذكرنا . وإن أرجعنا ضمير به إليها باعتبار المنزل فهو تعسّف .
وقوله : وبين الدّخول فجرثم أي : بين مواضع الدخول فمواضع جرثم . والدّخول تقدّم شرحه في الشاهد المتقدّم والرواية الصحيحة : بين الجواء فجرثم .
قال البكري في معجمه : جرثم بضم الجيم وسكون الراء وضم المثلثة قال أبو سعيد : هو ماء )
من مياه بني أسيد ثم من بني فقعس وجرثم تجاه الجواء يدلّ على ذلك قول الجعدي .
وقال في الجواء : هو بكسر الجيم بعدها واو وبالمدّ : جبل يلي رحرحان بينه وبين الرّبذة ثمانية فراسخ . وقد ذكرته في رسم الربذة وذكر فيها : هي بفتح الراء و الموحدة والذال المعجمة هي التي جعلها عمر رضي الله عنه حمًى لإبل الصّدقة .
وأول أجبل حمى الرّبذة في غربيّها : رحرحان بينهما بريدان ويلي رحرحان من غربيّه جبل يقال له : الجواء وهم على طريق الرّبذة إلى المدينة المنوّرة بينه وبين الرّبذة أحد وعشرون ميلاً .
وليس بالجواء ماء وأقرب المياه إليه ماء للسلطان يقال له : العزّافة بأبرق العزّاف بينه وبين الجواء ثلاثة أميال انتهى .

____________________

ووجه العطف بالفاء في البيتين قد شرحه الشارح في البيت الآتي .
وقوله : ومسكنها بين الفرات . . . إلخ بعد أن خاطب الدار بالنداء ودعا لها التفت إلى الإخبار عن مسكن حبيبته فقال : ومسكنها بين الفرات هو مبتدأ وخبر والفرات : نهر الكوفة وأراد بين مواضع الفرات .
وفي الأغاني وبعض نسخ هذا الشرح : العروب بدل الفرات وهو تحريف منه .
وقوله : إلى اللّوى متعلق بحال محذوفة وصاحب الحال الضمير المستقرّ في بين أي ممتدّاً إلى اللوى بكسر اللام والقصر وهو كما قال التّوّزيّ : موضع معروف من أرض بني تميم .
وقوله : إلى شعب معطوف بواو محذوفة والشّعب : جمع شعبة وهو مسيل ماء من ارتفاع إلى بطن الوادي أصغر من التّلعة قاله ابن الشجري .
وترعى : فعل مضارع وفاعله مستتر ضمير سلمى وهو من رعيت الماشية أرعاها رعياً إذا أخذتها إلى المرعى ويقال أيضاً : رعت الماشية ترعى رعياً فهي راعية إذا سرحت بنفسها يستعمل متعدياً ولازماً كذا في المصباح .
وضمير بهنّ للشّعب ومفعول ترعى محذوف أي : ترعى ماشيتها في الشّعب لكون نبته أوفر فالباء في بهنّ ظرفية متعلقة بترعى وجملة ترعى : صفة لشعب .
ورأيت في هامش بعض نسخ هذا الشرح : ترعى بضم أوله وفتح العين : اسم موضع منقول من الفعل ومثله توضح انتهى .
وهو خطأ واضح على أنه غير موجود هذا المكان في معجم البكري وغيره . )
وقوله : فعيهم أي : فإلى عيهم بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الهاء قال البكري : هو جبل بالغور بين مكّة والعراق وقد ذكرته في رسم بيشة . وقال فيها : هي بكسر الموحدة والشين المعجمة : واد من أودية تهامة .

____________________

ولم يجر لعيهم فيها ذكراً البتّة وأما رواية ابن الشجري فنتقول : قوله : الحزون : جمع حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاء المعجمة وهو ما غلظ من الأرض وهوخلاف السّهل وكأنه أراد حزن بني يربوع فجمعه بما حوله وليس الحزون اسم موضع بعينه .
قال البكري : حزن بني يربوع : قفٌّ غليظ مسيرة ثلاث ليال وقال السكري في أشعار اللصوص : الحزن بلاد بني يربوع وهي أطيب البادية مرعًى ثم الصّمّان .
وقال حنيف الحناتم : من قاظ الشّرف وتربّع الحزن وتشتّى الصّمّان فقد أصاب المرعى والشرف : من بلاد بني نمير .
وألا : حرف تنبيه واسلمي : فعل أمر مسند إلى ضمير الدار دعا لها بالسلامة .
وقوله : نحيّيك عن شحطٍ وإن لم تكلّمي نحيّيك : من التحية قال صاحب المصباح : حيّاه تحيّة أصله الدعاء بالحياة ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشرع في دعاء مخصوص وهو : سلام عليك انتهى .
والشّحط : البعد وفعله من باب منع . وقوله : وإن لم تكلّمي أصله تتكلمي بتاءين .
قال ابن الشجري : خاطب الدار بقوله : أيا دار سلمى وبقوله : اسلمي وبما
____________________

بعده ثم انصرف وقوله : عفت : بمعنى درست وذهب آثارها وقال ابن الشجري : وسليم وعامر اللذان ذكرهما : سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان وعامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة المذكور .
وأراد بمنشم امرأة من خزاعة يقال لها : منشم بنت الوجيه كانت تبيع العطر في الجاهلية فلما وقعت الحرب بين جرهم وخزاعة كانت إذا حضر القتال تجيء بالطّيب مدقوقاً فتطيّب به فتيان خزاعة وكان من مسّ من ذلك الطّيب شيئاً لم يرجع من يومه إلاّ جريحاً أو قتيلاً فضربت العرب المثل بعطرها في الشؤم . انتهى . )
وقد استقصينا الكلام في منشم في شرح أبيات من معلقة زهير من باب الاشتغال .
وقوله : أفاءت به قد تقدّم شرحة مع ما قبله . قال ابن الشجري : أضمر المسكن بعد إضمار الشّعب .
وقوله : ليالي تصطاد . . . إلخ ظرف متعلق بأقامت والفاحم : الشعر الأسود كالفحم وقوله : وأبيض أي : بثغر واضح برّاق كالإغريض وهو طلع النخل شبّه أسنانها به .
وتقدّمت ترجمة النابغة الجعدي في الشاهد السادس والثمانين بعد المائة .
وفي قصيدة لجابر بن حنّي التّغلبيّ بيتان على نمط شعر الجعدي في خطاب الدار وهما : ( فيا دار سلمى بالصّريمة فاللّوى ** إلى مدفع القيقاء فالمتثلّم
____________________

) ( أقامت بها بالصيف ثمّ تذكّرت ** مصايرها بين الجواء فعيهم ) وهي مذكورة في المفضليات .
قال شارحها ابن الأنباري : القيقاء : جمع قيقاءة وهو ما غلظ من الأرض في ارتفاع ومصايرها : مواضعها التي تصير إليها في الشتاء والجواء وعيهم : موضعان .
وأنشد بعده ( الشاهد التاسع والثمانون بعد الثمانمائة ) وهو من شواهد سيبويه : البسيط يا دار ميّة بالعلياء فالسّند هذا صدر وعجزه : أقوت وطال عليها سالف الأمد على أن الفاء فيه لإفادة الترتيب في الذكر فتكون عاطفة على معناها ولم يمكن جعلها بمعنى إلى كما تقدم في أول التخريجين فبي بيت امرئ القيس لعدم ظهور الغاية .
وقصد بهذا الرّدّ على الجرميّ في زعمه أنّ الفاء في الأماكن لمطلق الجمع كالواو
____________________

فلا تدلّ على ترتيب لأنّ الحرف وغيره إذا أمكن بقاؤه على ما وضع له فلا يعدل إلى خلافه .
والعلياء والسّند كلّ منهما ليس اسم مكان بعينه قال صاحب الصحاح : العلياء : كلّ مكان مشرف وهو بفتح العين والمدّ .
وقال صاحب العباب : السّند بالتحريك : ما قابلك من الجبل وعلا عن السفح وأنشد هذا البيت .
ولهذا لم يذكر البكري العلياء في معجمه لكن أورد السند فقال : هو بفتح أوله وثانيه : ماء بتهامة معروف وهو الذي عنى النابغة بقوله .
يا دار ميّة بالعلياء فالسّند وقد حدّده الأحوص في قوله : مجزوء الوافر ( غشيت الدّار بالسّند ** دوين الشّعب من أحد ) وقال أبو بكر : سند : ماء معروف لبني سعد انتهى وهذا غير ذاك .
قال أبو علي في المسائل البصرية : مسألة : يا دار ميّة بالعلياء فالسّند يا دار ميّة بالعلياء غيّرها الجارّ متعلق بأقوت وبغيّرها لأن دار ميّة معرفة فلا يكون الفعل صفة . فأما قوله : الطويل
____________________

أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً فلا يكون بحزوى إلاّ متعلقاً بمحذوف ألا ترى أنّ داراً نكرة ويجوز في الأولين أن يكون الجار )
متعلقاً بمحذوف فيكون في موضع حال كقوله : البسيط يا بؤس للجهل ضرّاراً لأقوام ولا يجوز عندي في قوله : الوافر ألا يا بيت بالعلياء بيت أن يكون متعلقاً بمحذوف على أن يكون حالاً ولكن متعلق بمحذوف على نحو : في الدار رجل لأنه خبر بيت الثاني ويكون أقوت وغيّرها منقطعين مما قبلهما كأنه لما نادى أقبل على غيرها فخاطبه .
والدليل على كون الظرف حالاً في بيت ذي الرمة وأنه يجوز أن لا يكون متعلقاً
____________________

بالفعل الذي هو غيّرها قوله في أخرى : البسيط ( يا دار ميّة بالخلصاء فالجرد ** سقياً وإن هجت أدنى الشّوق والكمد ) فإن قلت : لم لا تجعل بالعلياء في قولك : ألا يا بيت بالعلياء بيت حالاً وتجعل بيت الثاني بدلاً من الأول ليخلص الظرف حالاً قلت : ذلك لا يجوز . ألا ترى أنه لا يستقيم أن تقول مبتدئاً : يا زيد ولولا عمراً أكرمت كما قال : ولولا حبّ أهلك ما أتيت وإن شئت أجزته كما قال : الخفيف ( يا ابن أمّي ولو شهدتك إذ تد ** عو تميماً وأنت غير مجاب ) ومنعه ابن جني في المحتسب فقال : وسألني قديماً بعض من كان يأخذ عني فقال : لم لا يكون بيت الثاني تكريراً على الأول كقولك : يا زيد زيد ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت كما كان قول النابغة : يا دار ميّة بالعلياء فالسّند
____________________

قوله : بالعلياء في موضع الحال أي : يا جار ميّة عالية مرتفعة فيكون كقوله : يا بؤس للجهل ضرّاراً لأقوام هذا معنى ما أورده بعد أن سدّدت السؤال ومكّنته فقلت : لايجوز ذلك هنا وذلك أنه لو لولا حبّ أهلك ما أتيت )
فيكون كقولك : يا زيد لولا مكانك ما فعلت كذا وأنت لا تقول : يا زيد ولولا مكانك لم أفعل كذا فإذا بطل هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلاماً بعد كلام وجملة تتلو جملة وهذا واضح .
انتهى كلامه وكأنه لم يستحضر آخر كلام أبي علي .
وقد غفل العيني عن حكم وقوع الظرف بعد المعرفة بجعله حالاً منها فقال : بالعلياء محلّها النصب على أنها صفة لدار ميّة والتقدير الكائنة بالعلياء وهذا تحريره والبعرة تدلّ على البعير .
وميّة : اسم امراة وأقوت : خلت من السّكّان وأقفرت وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة حيث لم يقل : أقويت والسالف : الماضي . والأبد : الدهر .
وهذا البيت مطلع قصيدة للنابغة الذبياني تقدم ذكر سببها مع شرح أبيات من أولها في الشاهد السابع والأربعين بعد المائتين .
وبعده : البسيط ( وقفت فيها أصيلالاً أسائلها ** أعيت جواباً وما بالدّار من أحد
____________________

) وهذه الأبيات الثلاثة أنشدها سيبويه في باب الاستثناء والشاهد في البيت الثالث وهو رفع الأواريّ في لغة تميم ونصبه في لغة الحجاز .
قال الأعلم : الشاهد في قوله : إلاّ الأواريّ بالنصب على الاستثناء المنقطع لأنها من غير جنس الأحد والرفع جائز على البدل من الموضع والتقدير : و ما بالربع أحد إلاّ الأواريّ على أن تجعل من جنس الأحد اتّساعاً ومجازاً انتهى .
وقد تقدّم شرح البيت مفصّلاً في الشاهد الثاني والسبعين بعد المائتين .
وأنشده بعده : الكامل وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي على أنّ إحدى الفاءين زائدة . ولم يعيّن الزائد .

____________________

قال أبو علي في التذكرة القصرية : الفاء الأولى زائدة والثانية فاء الجزاء . ثم قال : اجعل الزائد أيّهما شئت .
وعيّن القاضي في تفسيره الأولى فإنه أورد البيت نظيراً لقوله تعالى : فبذلك فليفرحوا قال : )
الفاء في فبذلك زائدة مثلها الفاء الداخلة على عند في البيت . وتقديم عند للتخفيف كتقديم ذلك .
وسيبويه لا يثبت زيادة الفاء وحكم بزيادتها هنا للضرورة . ومن تبعه وجّه ما أوهم الزيادة فوجّهها صاحب اللباب بأنها إنما كرّرت هنا لبعد العهد بالفاء الأولى كما كرّر العامل في قوله : الطويل ( لقد علم الحيّ اليمانون أنّني ** إذا قلت أمّا بعد أنّي خطيبها ) أعيد أنّي لبعد العهد بأنني انتهى .
وهذا لا يطّرد له في الآية .
وهذا المصراع عجز وصدره : لا تجزعي إن منفسٌ أهلكته والبيت آخر قصيدة للنمر بن تولب الصحابي وتقدم الكلام عليه مع شرح القصيدة وترجمته في الشاهد السادس والأربعين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد التسعون بعد الثمانمائة ) الخفيف
____________________

على أنّ ثمّ فيه لمجرد الترتيب في الذكر إلى آخره .
وهذا أحد أجوبة ثلاثة عن إشكال وهو أنّ ثمّ هنا قد عطفت المتقدّم على المتأخّر وهو عكس وضعها فأجاب الفراء وهو ما ذكره الشارح بأنّ ثمّ فيه للترتيب الذكريّ ويقال له : الترتيب الإخباري وترتيب اللفظ أيضاً .
وذلك أنّ الفاء وثمّ يكونان لترتيب الأفعال والأقوال و ثمّ هنا لترتيب القول بحسب الذكر والإخبار والتلفّظ قال الفراء ومنه : بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب .
وإليه ذهب ابن مالك في التسهيل فقال : وقد تقع ثم في عطف المتقدّم بالزمان اكتفاء بترتيب اللفظ . انتهى .
وفي هذا الجواب اعتراف بأنّ ثمّ هنا للترتيب بدون تراخٍ ومهلة كما صرح به الشارح وهو خلاف وضعها .
وأجاب ابن عصفور وهو الجواب الثاني بأنّ ثمّ هنا على بابها بتقدير أنّ الممدوح ساد أوّلاً ثم ساد أبوه بسيادته ثم جدّه .
قال في شرح الجمل : وما ذكره الفراء من أنّ المقصود بثمّ ترتيب الأخبار لا ترتيب الشيء في نفسه فكأنه قال : اسمع منّي هذا الذي هو : بلغني ما صنعت اليوم ثم اسمع منّي هذا الخبر الآخر الذي هو : ما صنعت أمس أعجب ليس بشيء لأن ثمّ تقتضي تأخير الثاني عن الأول بمهلة ولا مهلة بين الإخبارين .
وأما قول الشاعر : إنّ من ساد البيت فينبغي أن يحمل على ظاهره ويكون
____________________

الجدّ قد أتاه السّودد من قبل الأب وأتى الأب من قبل الابن .
وذلك مما يمدح به وإن كان الأكثر في كلامهم توارث السّودد ويكون البيت إذ ذاك مثل قول ابن الرومي : البسيط ( قالوا : أبو الصّقر من شيبان قلت لهم ** كلاّ لعمري ولكن منه شيبان ) ( فكم أبٍٍ قد علا بابنٍ ذرا حسبٍ ** كما علت برسول الله عدنان ) انتهى . )
قال المرادي في الجنى الداني : ما ذكره ابن عصفور في تأويل البيت لا يساعد عليه قوله : قبل ذلك . انتهى .
قال الدماميني في الحاشية الهندية : وذلك لأنّ مضمون الكلام على ما أجاب به ابن عصفور أنّ سودد الابن سابق لسودد الأب وسدود الأب سابق لسودد الجدّ والسابق للسابق لشيء سابق لذلك الشيء فتكون سيادة الابن سابقة لكل من سيادة أبيه وسيادة جدّه وسيادة الأب وأجاب بعضهم عن ابن عصفور بتحمّل وردّ عليه ويردّ عليه أيضاً بأنّ ثمّ على التراخي فما معنى التراخي والمهملة هنا وأجاب الأخفش وهو الجواب الثالث بأنّ ثمّ هنا بمعنى الواو لمطلق الجمع . وردّ عليه بعضهم بأنه لو صحّ جريانها مجرى الواو لجاز وقوعها حيث ما يصلح إلاّ معنى الواو فكان يقال : اختصم زيد ثم عمرو كنا يقال : اختصم زيد وعمرو ولكنّ ذلك غير مقول باتفاق .

____________________

قال الشاطبي في شرح الألفية : قال الماوردي : الدليل على أن ثم لا تكون بمعنى الواو إجماع الفقهاء على أنه لا يجوز أن يقال : هذا بيمن الله ويمنك بالواو ولكن أجازوا أن يقال : هذا بيمن الله ثم يمنك . قال : ولو كانت بمعنى الواو ما فرّوا إليها .
قال : وفي الحديث أنّ بعض اليهود قال لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم : تزعمون أنكم لا تشركون بالله وأنتم تقولون : ما شاء الله وشئت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تقولوها وقولوا : ما شاء الله ثم شئت . حدّث به قاسم بن أصبغ . انتهى .
وأقول : هذا لا يرد على الأخفش فإنه لم يدّع أنّ ثم بمعنى الواو دائماً وإنما يريد قد تكون بمعناها في بعض المواد وذلك على سبيل المجاز ولا يخفى أن البيت إذا حمل على قوله لم يرد عليه شيء .
قال الدماميني : لا خفاء في كون القائل بأن ثم تستعمل بدون ترتيب كالواو يقول : بأن ذلك استعمال مجازيّ ولا يشترط في آحاد المجاز أن تنقل بأعيانها عن أهل اللغة بل يكتفى بالعلاقة على المذهب المختار .
والعلاقة المصححة هنا الاتصال الذي بين هذين الحرفين من جهة أن الواو لمطلق الجمع وثم لجمع مقيّد والمطلق داخل في المقيّد فثبت أنّ بينهما اتصالاً معنوياً فجاز استعمال ثم بمعنى الواو مجازاً لذلك . )
وحينئذ فالسعي في تأويل تلك الأمثلة مما يصحح الترتيب فيها نظر في أمر جزئيّ لا يقتضي بطلان المدّعى من أصله انتهى .
وهذا البيت من شعرٍ مولّد لا يوثق به وأوله مغيّر اشتهر به وهو أول أبيات
____________________

سبعة لأبي نواس الحسن بن هانيء مدح بها العباس بن عبيد الله بن أبي جعفر وهي : الخفيف ( قل لمن ساد ثم ساد أبوه ** قبله ثم قبل ذلك جدّه ) ( وأبو جدّه فساد إلى أن ** يتلاقى نزاره ومعدّه ) ( ثم آباؤه إلى المبتدأ من ** هـ أبٌ لا أبٌ وأمٌّ تعدّه ) ( يا ابن بحبوحة البطاح عبيد الل ** هـ غوثاً من مستغيثٍ تودّه ) ( واستزدني إلى مكارمك الغ ** رّ وفضلٍ إليك خيّم مجده ) ( عبدريًّ إذا انتمى أبطحيًّ ** تالدٍ نسجه عتيقٍ فرنده ) والعباس هذا : عمّ هارون الرشيد .
ولم يعرفه ابن الملا في شرح المغني فقال : لعله العباس بن المأمون بن الرشيد وأبو نواس مات قبل أن يصير ابن المأمون في عداد من يمدح .
والمأمون اسمه عبد الله وأبو الممدوح اسمه عبيد الله بالتصغير كما في الشعر .
وقوله : وأبو جده معطوف على جده وقوله : فساد يريد فساد من بقي من جدوده واحداً بعد واحد إلى أن يلاقيه جده نزار بن معد بن عدنان وهو عمود النسب المحمدي صلى الله عليه وسلم .
وزعم ابن الملا أن قوله : وأبو جده فساد مبتدأ وخبر والفاء زائدة .
وقوله : ثم آباؤه أي : بعد معد وقوله : إلى المبتدأ منه أب هو آدم عليه السلام خلقه الله تعالى من ترابٍ لا من أبٍ وأم .

____________________

وقوله : ولا أب وأم تعده أي : لا له أب تعده ولا له أمٌ تعدّها .
وعبيد الله بالجر : بدل من بحبوحة وقوله : غوثاً منصوب بتقدير أطلب وهو اسم الإغاثة وقوله : فاهتبل الاهتبال : الاغتنام والصنيعة : الفعل الجميل . واذخرني : أمر من ذخرته ذخراً من باب نفع إذا أعددته لوقت الحاجة إليه والاسم : الذخر بالضم وأجيده من الإجادة : أي : أحسّنه وأجده أي أحدثه جديداً . )
وقوله : واستزدني إلى مكارمك أي : اجعلني زيادةً مضمومة إلى مكارمك أي : اجعلني بعض مكارمك أي : أفعالك التي تمدح بها والغر : جمع أغر وغرّاء والأغر : الواضح المشهور .
وقوله : وفضل بالجر معطوف على مكارمك وخيّم : أقام . والمجد : الشرف والعز .
وقوله : عبدري بالجر : صفة لفضل منسوب إلى عبد الدار وهو أحد أولاد قصي بن كلاب .
وانتمى : انتسب . وأبطحي بالجر أيضاً يردي أنه من قريش البطاح وهم أشرف من قريش الظواهر .
وقوله : تالدٍ نسجه بالجر : صفة سببية لفضل . ونسجه : فاعل تالد والتالد : القديم الأصلي والهاء في نسجه ضمير فضل . وعتيق بالجر أيضاً . والفرند بكسرتين : الجوهر والحسن .
وترجمة أبي نواس تقدمت في الشاهد الثالث والخمسين من أوائل الكتاب .

____________________

وأنشد بعده الطويل فلم أجزنا ساحة الحي هو قطعة من بيت من معلقة امرىء القيس وهو : ( فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ** بنا بطن خبتٍ ذي قفاف عقنقل ) على أن الواو في قوله : وانتحى قيل : زائدة وانتحى : جواب لما وأوله البصريون .
وهذا الخلاف في البيت مبني على أن ما بعده هذا : ( إذا قلت هاتي نوليني تمايلت ** علي هضيم الكشح ريا المخلخل ) فإن لما في البيت السابق تقتضي جواباً ولا شيء في البيتين صالح لأن يكون جواباً فقال الكوفيون : انتحى هو الجواب والواو زائدة .
وقال البصريون : الواو عاطفة والجواب محذوف تقديره : فلما أجزنا وانتحى بنا بطن خبتٍ أمنا أو نلت مأمولي ونحو ذلك والمشهور في الرواية أن ما بعد فلما أجزنا . . . البيت هو هذا : ( هصرت بفودي رأسها فتمايلت ** علي هضيم الكشح ريا المخلخل ) وعليها يكون هصرت جواب لما عند الفريقين فلا زيادة ولا نقص .

____________________

واعلم أن الكوفيين وجماعة من البصريين أجازوا زيادة الواو قال الفراء في تفسير سورة يوسف : قوله تعالى : فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية جواب وربما أدخلت في مثلها الواو )
وهي جواب على حالها كقوله في أول السورة : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه والمعنى والله أعلم أوحينا إليه .
وهي في قراءة عبد الله : فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية . ومثله في الكلام : لما أتاني وأثب عليه كأنه قال وثبت عليه . وقد جاء الشعر في ذلك قال امرؤ القيس : فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى البيت وقال آخر : الكامل ( حتى إذا قملت بطونكم ** ورأيتم أبناءكم شبوا ) ( وقلبتم ظهر المجن لنا ** إن اللئيم العاجز الخب ) أراد : قلبتم .
وقال أيضاً في آخر تفسير سورة الأنبياء : وقوله تعالى : واقترب الوعد الحق
____________________

معناه والله أعلم : حتى إذا فتحت اقترب ودخول الواو في الجواب في حتى إذا بمنزلة قوله تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت . وفي قراءة عبد الله : فلما جهزهم بجهازهم وجعل السقاية وفي قراءتنا بغير واو . ومثله في الصافات : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه معناه ناديناه .
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى البيت يريد : انتحى . انتهى كلامه .
وقد أورد أن ابن الأنباري في مسائل الخلاف كلام الفريقين فلا بأس بنقله مختصراً قال : ذهب الكوفيون إلى أن الواو العاطفة يجوز أن تقع زائدة وإليه ذهب أبو الحسن الأخفش وأبو العباس المبرد وأبو القاسم بن برهان من البصريين . وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز .
واحتج الكوفيون بقوله تعالى : حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها قالوا : فتحت جواب إذا والواو زائدة كما قال تعالى في صفة سوق أهل النار إليها : حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وبقوله تعالى : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدبٍ ينسلون واقترب الوعد الحق اقترب جواب إذا والواو زائدة وبقوله تعالى : إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت التقدير أذنت .
وبقول الشاعر : فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى البيت
____________________

)
وبقول آخر : حتى إذا قملت بطونكم البيتين وعن الآية الثانية بأن التقدير : وهم من كل حدبٍ ينسلون قالوا يا ويلنا . وقيل الجواب : فإذا هي شاخصة .
وعن الثالثة بأن التقدير : وأذنت لربها وحقت يرى الإنسان الثواب والعقاب . وكذا يقدر في قول الشاعر : فلما أجزنا وانتحى بنا بطن خبتٍ خلونا ونعمنا . وقلبتم ظهر المجن لنا بان غدركم ولؤمكم .
وإنما حذف الجواب في هذه المواضع للعلم به توخياً للإيجاز وقد جاء حذف الجواب .
قال تعالى : ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى التقدير : لكان هذا القرآن .
وقال تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته . وتقديره : لفضحكم بما ترتكبون ولعاجلكم بالعقوبة وحذف الجواب أبلغ لتذهب النفس إلى كل مذهب ممكن . انتهى كلامه .
قال ابن السيد في شرح أدب الكاتب : وكان بعض النحويين فيما حكى أبو إسحاق الزجاج يذهب فيما كان من هذا النوع مذهباً يخالف فيه البصريين والكوفيين فكان يقول في الآية : حتى إذا جاؤوها جاؤوها وفتحت أبوابها .

____________________

وكذلك بيت امرىء القيس : فلما أجزنا ساحة الحي أجزناها وانتحى فالجواب على رأيه وذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر إلى مذهب الكوفيين إلا أنه خص الزيادة الواو بالشعر وهذا تحكم منه من غير فارق وأنشد تلك الأبيات وقول أبي خراش : الطويل ( لعمر أبي الطير المربة بالضحى ** على خالدٍ لقد وقعت على لحم ) ( ولحم امرىءٍ لم تطعم الطير مثله ** عشية أمسى لا يبين من البكم ) قال : يريد لحم امرىء . وهو بدل من لحم المتقدم إلا أنه اضطر فزاد الواو بين البدل والمبدل منه .
وأنشد أيضاً : الطويل ( فإن رشيداً وابن مرروان لم يكن ** ليفعل حتى يصدر الأمر مصدرا ) قال : يريد رشيد بن مروان فزاد الواو بين الصفة والموصوف وأنشد أيضاً قول الآخر : الكامل ) ( كنا ولا تعصي الحليلة بعلها ** فاليوم تضربه إذا ما هو عصى ) قال : زاد الواو في خبر كان .
هذا . والبيت الشاهد قبله : ( وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها ** تمتعت من لهوٍ بها غير معجل
____________________

) ( تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً ** علي حراساً لو يسرون مقتلي ) ( فجئت وقد نضت لنومٍ ثيابها ** لدى الستر إلا لبسه المتفضل ) ( فقالت : يمين الله ما لك حيلةٌ ** وما إن أرى عنك الغواية تنجلي ) ( فقمت بها أمشي تجر وراءنا ** على إثرنا أذيال مرطٍ مرحل ) فلما أجزنا ساحة الحي . . . . . . . . . . . إلى آخر البيتين ( مهفهفةٌ بيضاءٌ غير مفاضةٍ ** ترائبها مصقولةٌ كالسجنجل ) وقوله : وبيضة خدر . . . إلخ أي : رب امرأة لزمت خدرها تشبه البيضة
____________________

في البياض والملاسة تمتعت بها غير خائف من أحد .
وقوله : تجاوزت أحراساً . . . إلخ يسرون بالمهملة : يخفون وبالمعجمة : يظهرون ويأتي إن شاء الله شرح هذين البيتين في حروف المصدر .
وقوله : إذا ما الثريا في السماء . . . إلخ إذا : ظرف لقوله تجاوزت أي : تخطيت أحراساً إليها وقت تعرض الثريا في السماء وهو آخر الليل وذلك وقت غفلة رقبائها وحرسها .
والوشاح : شيء ينسج من أديم ويرصع شبه قلادة تلبسه النساء وجمعه وشح مثل كتاب وكتب وتوشح بثوبة وهو أن يدخلة تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعل المحرم قاله الأزهري . واتشح بثوبه كذلك كذا في المصباح .
وقال صاحب الصحاح : الوشاح ينسج عريضاً من أديم ويرصع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها .
والتعرض : الاستقبال . وأثناء الوشاح : أوساطه جمع ثنى كعصا وثنى مثل إلى وثني بكسر أوله وسكون ثانية .
وكذلك مفرد الآلاء بمعنى النعم ذكرهما ابن الأنباري . والمفصل : الذي قد فصل بالأحجار كالزبرجد والشذر . )
يقول : تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريا عرضها في السماء كإبداء الوشاح الذي فصل بين جواهره وخرزه عرضه وأنكر قوم هذا وقالوا : الثريا لا تعرض لها .
وقيل : يريد بالثريا الجوزاء وأن هذا مثل قول زهير : الطويل (
____________________

فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ** كأحمر عادٍ ثم ترضع فتفطم ) قالوا : يريد كأحمر ثمود فغلط .
وقيل : إنها إذا طلعت طلعت على استقامة وإذا استقلت تعرضت . وهكذا الوشاح يعترض على الكشح وقال أبو عمرو : تأخذ الثريا وسط السماء كما يأخذ الوشاح وسط المرأة .
شبه اجتماع كواكب الثريا ودنو بعضها من بعض بالوشاح المنتظم بالودع المفصل بينه .
وقال الخطيب التبريزي : معناه : أن الثريا تستقبلك بأنفها أول ما تطلع فإذا أرادت أن تسقط تعرضت كما أن الوشاح إذا طرح تلقاك بناحيتيه .
قال الإمام الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن بعد نقل هذه الوجوه : الأشبه عندنا أن البيت غير معيب من حيث عابوه وأنه من محاسن القصيدة ولكن لم يأت فيه بما يفوت الشأو ويستولي على الأمد أنت تعلم أنه ليس للمتقدمين ولا للمتأخرين في وصف شيء من النجوم مثل ما في وصف الثريا وكل قد أبدع فيه وأحسن فإما أن يكون قد عارضه أو زاد عليه فمن ذلك قول ذي الرمة : الطويل ( وردت اعتسافاً والثريا كأنه ** على قمة الرأس ابن ماءٍ محلق
____________________

) ومن ذلك قول ابن المعتز : الكامل ( وترى الثريا في السماء كأنها ** بيضاتٌ أدحي يلحن بفدفد ) وكقوله : الطويل ( كأن الثريا في أواخر ليلها ** تفتح نورٍ أو لجامٌ مفضض ) وقوله : الطويل ( فناولنيها والثريا كأنها ** جنى نرجسٍ حيا الندامى به الساقي ) ( ولاحت لساريها الثريا كأنها ** لدى الأفق الغربي قرطٌ مسلسل ) ولابن المعتز : البسيط ( وقد هوى النجم والجوزاء تتبعه ** كذات قرطٍ أرادته وقد سقطا ) )
أخذه من ابن الرومي : الخفيف ( طيبٌ ريقه إذا ذقت فاه ** والثريا بجانب الغرب قرط ) ولابن المعتز : مجزوء الخفيف ( قد سقاني المدام وال ** صبح بالليل مؤتزر ) ( والثريا كنور غص ** نٍ على الأرض قد نثر
____________________

) ولابن الطثرية : الطويل ( إذا ما الثريا في السماء كأنه ** جمانٌ وهي من سلكه فتبددا ) ولو نسجت لك كل ما قالوا من البديع في وصف الثريا لطال وإنما نريد أن نبين لك أن الإبداع في نحو هذا أمر قريب وليس فيه شيء غريب .
وفي جملة ما نقلناه ما يزيد على تشبيهه في الحسن أو يساويه . وإذا كان هذا بيت القصيدة ودرة القلادة وهذا محله فكيف بما تعداه ثم فيه ضرب من التكلف لأن قوله : تعرضت من الكلام الذي يستغنى عنه لأنه يشبه أثناء الوشاح بالثريا سواء كان في وسط السماء أو عند الطلوع والمغيب فالتهويل بالتعرض والتطويل بهذه الألفاظ لا معنى له .
وفيه أن الثريا كقطعة من الوشاح المفصل فلا معنى لقوله تعرض أثناء الوشاح وإنما أراد أن يقول : تعرض قطعة من أثناء الوشاح فلم يستقم له اللفظ حتى شبه ما هو كالشيء الواحد بالجمع انتهى كلامه .
وقوله : أتيت وقد نضت . . . إلخ نضت بالضاد المعجمة يقال : نضا ثوبه ينضوه نضواً إذا خلعه .
واللبسة بالكسر : هيئة لبس الثوب والمتفضل : الذي يبقى في ثوبٍ واحد لينام أو ليخف في عمله واسم الثوب المفضل بكسر الميم وفضل أيضاً بضمتين ويقال للرجل والمرأة فضل أيضاً .
يقول : أتيتها وقد خلعت ثيابها للنوم غير الثوب الذي تنام فيه وقد وقفت لي عند الستر منتظرةً وإنما خلعت ثيابها لترى أهلها أنها تريد النوم كذا قال الزوزني .

____________________

وبه يرد على الباقلاني في قوله : إنّ لدى الستر حشو لا فائدة له .
وقوله : فقالت يمين الله . . . إلخ يروى بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي قسمي . ويروى بالنصب وتقديره أحلف بيمين الله . وجملة : ما لك حيلة جواب القسم أي : ما لك حيلة في )
وقيل : لا أقدر أن أحتال في دفعك عني . وإن بعد ما زائدة . والغواية بالفتح : الضلالة .
وتنجلي : تنكشف .
وقوله : فقمت بها . . . إلخ أي : معها . وروي : خرجت بها أي : أخرجتها وجملة أمشي : حال من التاء وجملة تجر : حال من ضميرها . والإثر بالكسر هو الأثر بفتحتين .
ويروى : على أثرينا ذيل مرطٍ والمرط بالكسر : كساء من خز أو مرعزي أو صوف وقد تسمى الملاءة مرطاً .
والمرحل بفتح الحاء المهملة المشددة المنقش بنقوش تشبه الرحال . وروي بالجيم .
قال الصاغاني : وثوب مرجل أي : معمل وأنشد البيت . وقال : ويروى : مرحل بالحاء أي : موشى شبيهاً بالرحال . انتهى .
وإنما جرت ذيلها على الإثر ليعفى لئلا يقتفي أثرهما فيعرف موضعهما قال الباقلاني : ذكر مساعدتها إياه حتى قامت معه ليخلوا . وقوله : وراءنا لا فائدة فيه لأن الذيل إنما يجر وراء الماشي .
وقول ابن المعتز أحسن منه : البسيط ( فبت أفرش خدي في الطريق له ** ذلاً واسحب أكمامي على الأثر
____________________

) وقال الأصمعي : أجزنا : قطعنا وخلفناه وجزنا : سرنا فيه .
والساحة والباحة والفجوة والعروة والنالة كلها : فناء الدار ويقال : هي الرحبة كالعرصة .
والحي : القبيلة ويقال للقوم النزول أيضاً . وانتحى : اعترض . والبطن : المكان المنخفض وحوله أماكن مرتفعة .
والخبت بفتح المعجمة وسكون الموحدة : ما انخفض من الأرض .
وروي : بطن حقف بكسر المهملة وهو رمل مشرف معوج والجمع أحقاف . والقفاف : جمع قف ضم القاف وهو ما غلظ من الأرض وارتفع ولم يبلغ أن يكون جبلاً .
وروي : ذي ركام بالضم وهو المتراكم بعضه على بعض . والعقنقل : الرمل المتعقد المتلبد وأصله من العقل وهو الشد .
قال الباقلاني : قد أغرب بهذه اللفظة الوحشية وليس في ذكرها فائدة واللفظ الغريب قد يحمد إذا وقع موقع الحاجة في وصف ما يلائمه كقوله عز وجل في وصف يوم القيامة : )
عبوساً قمطريراً . وأما إذا وقع في غير هذا الموضع فهو مذموم .
وقوله : إذا قلت هاتي نوليني تمايلت التنويل والإنالة : الإعطاء . والنوال : العطية قال الخطيب : معنى التنويل التقبيل وهو من النوال : العطية .
وقوله في الرواية الثانية : هصرت بفودي رأسها فتمايلت الهصر : جذب الغصن ليؤخذ من ثمره . و الفودان : جانبا الرأس شبهها بشجرة
____________________

وجعل ما يناله منها كالثمر .
وهضيم : منصوب على المدح وهو عند الكوفيين بمعنى مهضومة فلذلك كان بلا هاء . وعند سيبويه على النسب .
والهضيم : الضامر وأصل الهضم الكسر وإنما قيل للضامر من البطن : هضيم الكشح لأنه يدق ذلك الموضع من جسده فكأنه هضم عن قرار الردف والوركين والجنبين .
والكشح : ما بين منقطع الأضلاع إلى الورك . وأراد هضيم الكشحين كما تقول : كحلت عيني تريد عيني .
وريا فعلى من الري بالكسر وهو إنتهاء شرب العطشان فهو عند ذلك يمتلئ جوفه فقيل لكل ممتلئ من شحم و لحم : ريان . والمخلخل بضم الميم : موضع الخلخال . وصف دقة خصرها وعبالة ساقها .
وقوله : مهفهفة بيضاء . . . إلخ المهفهفة : الحسنة الخلق ولا تكون كذلك حتى تكون ضامرة الخاصرة .
وقيل : هي اللطيفة الخصر الضامرة البطن . والمفاضة بضم الميم : المسترخية البطن وقيل : والترائب : جمع تريبة وهو موضع القلادة من الصدر . والصقل : إزالة الصدأ والدنس وغيرهما . والسجنجل : المرآة كلمة رومية عربتها العرب . وصفها بحداثة السن .
وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين من أوائل الكتاب .

____________________

وأنشد بعده ( الشاهد الثاني و التسعون بعد الثمانمائة ) الطويل ( ولما رأى الرحمن أن ليس فيهم ** رشيدٌ ولا ناهٍ أخاه عن الغدر ) ( وصب عليهم تغلب بنة وائلٍ ** فكانوا عليهم مثل راغية البكر ) على أن صب ليس جواب لما والواو زائدة كما يقول الكوفيون بل هي عاطفة على الجواب المحذوف كما قدره الشارح المحقق .
وقال ابن عصفور : صب هو الجواب والواو زائدة لضرورة الشعر .
هذا . والبيتان من قصيدة للأخطل التغلبي النصراني والراوية من ديوانه : أمال عليهم تغلب بنة وائلٍ ( بني عمر لم تثأروا بأخيكم ** ولكن رضيتم باللقاح و بالجزر ) ( إذا عطفت وسط البيوت احتلبتم ** لها لبناً محضاً أمر من الصبر ) ولما رأى الرحمن أن ليس فيهم . . . . . إلى آخر البيتين ( فسيروا إلى أهل الحجاز فأننا ** نفيناكم عن منبت القمح و التمر ) وقوله : لم تثأروا بأخيكم أي : لم تأخذوا بثأره . يقول : رضيتم بأن
____________________

تغيروا على المال وتدعو القتال إذ أصبتم الغنائم . واللقاح : جمع لقحة بكسر اللام فيهما وهي الناقة ذات لبن . هذا قول ثعلب .
وقال غيره : جمع لقوح مثل قلوص و قلاص وهي الناقة نتجت إلى ثلاثة أشهر وتسمى بعدها لبوناً .
والجزر بضم فسكون والأصل بضمتين : جمع جزور والجزور من الإبل خاصة تقع على الذكر و الأنثى وقيل الناقة التي تنحر .
وقوله : إذا عطفت بالبناء للمفعول أي : أميلت . والصبر : الدواء المر بكسر الباء في الأشهر وسكون الباء للتخفيف لغة قليلة . ومنهم من قال : لم يسمع تخفيفه في السعة .
وحكى ابن السيد في مثلث اللغة جواز التخفيف كما في نظائره بسكون الباء مع فتح الصاد وكسرها . وإنما جعل اللبن أمر من الصبر لأنهم يشربونه مع الحزن على أخيهم ولا قدرة لهم بأخذ ثأره . )
وقوله : ولما رأى الرحمن هو علم على ذات واجب الوجود كلفظة الله . ورأى علمية تطلب مفعولين وأن مخففة اسمها ضمير شأن . و جملة ليس فيهم رشيد : خبرها .
وجملة أنا ليس . . . إلخ سادة مسد مفعولي علم . والرشيد : من له رشد وهو خلاف الغي و الضلال وهو إصابة الصواب . والغدر : نقض العهد .
وقوله : وصب عليهم أي : سلط عليهم وكذا معنى أمال عليهم . وتغلب : قبيلة الأخطل بفتح المثناة الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام والنسبة إليها تغلبي بفتح اللام .
قال الجوهري : وتغلب أبو القبيلة وهو تغلب بن وائل . وقولهم : تغلب بنت
____________________

وائل إنما يذهبون بالتأنيث إلى معنى القبيلة كما قالوا تميم بنت مر . انتهى .
فتارة اعتبر تغلب قبيلة فقال : ابنة وائل وتارة اعتبره حياً فقال : فكانوا . وضمير عليهم لبني عامر .
والبكر بفتح الموحدة : الصغير من الإبل . قال أبو عبيدة : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس و البكرة بمنزلة الفتاة .
والراغية الغين المعجمة : مصدر بمعنى الرغاء وهو صوت البعير . ورغت الناقة أي : صوتت .
ويريد بالبكر ولد ناقة صالح عليه السلام . ولما قدار ثمود الناقة رغا ولدها فصاح برغائه كل شيء له صوت فهلكت ثمود عند ذلك فضربته العرب مثلاً في كل هلكة عامة .
قال الزمخشري في أمثاله : كان عليه كراغية البكر الراغية مصدر بمعنى الرغاء كالعافية والبالية والفاضلة . والبكر : سقب ناقة صالح عليه السلام وذلك أنه لما عقرت الناقة صعد جبلاً فرغا فأتاهم العذاب . يضرب في الشؤم .
قال الأخطل : الطويل ( لعمري لقد لاقت سليمٌ وعامرٌ ** عى جانب الثرثار راغية البكر ) وفال أيضاً : الطويل ( وإن تذكروها في معد فإنما ** أصابك بالثرثار راغية البكر ) الضمير في تذكروها للواقعة .

____________________

وقال أيضاً : ولما رأى الرحمن أن ليس فيهم البيتين )
انتهى . ( فتنتج لك غلمان أشأم كلهم ** كأحمر عادٍ ثم ترضع فتفطم ) والثرثار بمثلثتين : اسم نهر سمي به لكثرة مائة .
وترجمة الأخطل تقدمت في الشاهد الثامن والسبعين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد الثالث والتسعون بعد الثمانمائة ) الكامل ( فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ** إلا كلمة حالمٍ بخيال ) على أن الواو ليست زائدة كما يقول الكوفيون بل هي عاطفة على مبتدأ محذوف والتقدير : فإذا إلمامك وذلك الإلمام . كذا قدره الشارح فجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئاً واحداً لأجل قوله : لم يكن .

____________________

قال صاحب كتاب تفسيح اللغة : هذا البيت لتميم بن أبي بن مقبل وأراد : فإذا هذا وذلك ولم يخص واحداً لأن كل شيء زائلٍ فهو كالأحلام .
وكذا قول أبي كبير الهذلي : الكامل إنما أراد : فإذا هذا وذلك وقال : ليس إلا ذكره أي ذكر الحاضر فأما الماضي فمعدوم بالإياس منه . انتهى كلامه .
ولو كان التقدير كما زعم لقيل في الأول : لم يكونا وفي الثاني : ليسا إلا ذكرهما مع أن المشار إليه شيء واحد .
قال أبو كبير قبل ذلك البيت : ( وجليلة الأنساب ليس كمثلها ** ممن يمنع قد أتتها أرسلي ) ( ساهرت عنها
____________________

الكالئين فلم أنم ** حتى التفت إلى السماك الأعزل ) ( فأتيت بيتاً غير بيت سناخةٍ ** وازدرت مزدار الكريم المعول ) ( وإذا وذلك ليس إلا حينه ** وإذا مضى شيءٌ كأن لم أفعل ) يقول : رب امرأة شريفة الأنساب ممنعة بعثت إليها رسلي وساهرت عنها الكالئين أي : الحافظين فغلبتهم فناموا ولم وأنم فأتيت بيتها فزرتها وهو بيت طيب لا مطعن فيه . )
والسناخة : الرائحة الكريهة . وازدرت : افتعلت من الزيارة والمعول : الذي يعول بدلالٍ ومنزلة .
فاسم الإشارة راجع إلى زيارة تلك المرأة الجليلة .
ويريد أن لذة تلك الزيارة لم تكن إلا في وقت الزيارة فإذا مضى مضت . ( ولقد أصبت من المعيشة لينها ** وأصابني منه الزمان بكلكل ) ( فإذا وذاك كأنه ما لم يكن ** إلا تذكرة لمن لم يجهل ) فالمشار إليه اثنان والإشارة واحدة كما في وقوله تعالى : عوانٌ بين ذلك أي : بين البكر والفارض . وتقديره عند الشارح : فإذا المذكور .
قال السكري في شرحه : الواو زائدة أراد وإذا ذلك ليس إلا حينه . يقول : إذا كنت فيه فليس إلا قدر كينونتك فإذا أدبر ذهب .
وإليه ذهب ابن عصفور في كتاب الضرائر وأورد البيت وقال : زيدت الواو لضرورة الشعر .
وينبغي أن يقدر الشارح في ذلك البيت : فإذا المذكور وذلك المذكور لم يكن كإلمام خيال بالحالم لئلا يتحد المشبه والمشبه به .
ولم يحضرني ألان ما قبل البيت ولهذا لم أعرف مرجع الإشارة .
واللمة بفتح اللام قال صاحب الصحاح : يقال : أصابت فلاناً من الجنة لمة وهو المس والشيء القليل . قال : (
____________________

فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ** إلا كلمة حالمٍ بخيال ) قال ابن بري في أماليه على الصحاح البيت لابن مقبل وقوله : فإذا وذلك مبتدأ والواو زائدة وكبيشة : من أسماء النساء مصغر كبشة بالشين المعجمة . والحالم : اسم فاعل من حلم يحلم من باب قتل حلماً بضمتين وإسكان الثاني تخفيفاً أي : رأى في منامه رؤيا وكذا احتلم .
والخيال : كل شيء تراه كالظل وخيال الإنسان في الماء والمرآة : صورة تمثاله . وربما مر بك الشيء يشبه الظل فهو خيال .
وتقدمت ترجمة تميم بن أبي بن مقبل في الشاهد الثاني والثلاثين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده : ( أراني إذا ما بت بت على هوىً ** فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا ) على أنه قيل : الفاء زائدة . )
وتقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والخمسين بعد الستمائة .

____________________

وأنشد بعده : الطويل ( وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم ** وأكرومة الحيين خلوٌ كما هيا ) على أن الفاء زائدة .
وتقدم الكلام عليه في الشاهد السابع والسبعين من أوائل الكتاب .
وخص ابن عصفور زيادة الفاء بالشعر قال في كتاب الضرائر : من زيادة الفاء قوله : الطويل يريد : الصغير يكبر .
وقول أبي كبير : الكامل ( فرأيت ما فيه فثم رزئته ** فلبثت بعدك غير راضٍ معمري ) يريد : ثم رزئته .
وقول الأسود بن يعفر : الكامل ( فلنهشلٌ قومي ولي في نهشلٍ ** نسبٌ لعمر أبيك غير غلاب
____________________

) زاد الفاء في أول الكلام لأن البيت أول القصيدة .
وأنشد بعده : البسيط ( أبا خراشة أما أنت ذا نفرٍ ** فإن قومي لم تأكلهم الضبع ) على أن الفاء فيه زائدة عند البصريين غير زائدة عند الكوفيين .
وتقدم كلام الشارح المحقق عليه في الشاهد التاسع والأربعين بعد المائتين في باب خبر كان .
وأنشد بعده ( الشاهد الرابع والتسعون بعد الثمانمائة
____________________

) ( يا دهر أم ما كان مشيي رقصا ** بل قد تكون مشيتي توقصا ) على أن أبا زيد أنشده وقال : أم فيه زائدة كذا نقل عنه أبو علي في التذكرة وغيره وليس ما نقل عنه موجوداً في نوادره وإنما ذكره في غيرها .
قال ابن الشجري في أماليه : استشهدوا على زيادة أم بقول ساعدة بن جؤية : البسيط ( يا ليت شعري ولا منجي من الهرم ** أم هل على العيش بعد الشيب من ندم ) التقدير : ليت شعري هل على العيش من ندم . وقال أبو زيد في وقوله تعالى : أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين : أم زائدة . قال : والتقدير : أفلا تبصرون أنا خير من هذا الذي هو مهين .
وأنشد قول الراجز : ( يا دهر أم ما كان مشيي رقصا ** بل قد تكون مشيتي توقصا ) وقول سيبويه في الآية أن أم منقطعة قال : كأن فرعون قال : أفلا تبصرون أم أنتم بصراء .
فقوله : أم أنا خير بمنزلة قوله : أم أنتم بصراء . لأنهم لو قالوا : أنت خير منه كان بمنزلة قولهم : نحن بصراء . فكذلك أم أنا خير بمنزلة قوله لو قال : أم أنتم بصراء . وهذا التأويل في أم أحسن من الحكم بزيادتها . انتهى .
وخص ابن عصفور زيادتها بالشعر وقال بعد إنشاد البيتين : وأجاز الفارسي في
____________________

قول أبي ( فأجبتها أما لجسمي أنه ** أودي بني من البلاد فودعوا ) أن يكون الأصل : أم ما وتكون أم زائدة وما بمعنى الذي والتقدير : فأجبتها : الذي لجسمي أنه أودى وعلى زيادة أم حمل أبو زيد قوله تعالى : أفلا تبصرون أم أنا خيرٌ ووافقه على جواز ذلك أبو بكر بن طاهر من المتأخرين .
والصحيح أنها غير زائدة لأن زيادتها قليلة فلا ينبغي أن تحمل الآية عليها إذ قد يمكن حملها على ما هو أحسن من ذلك .
ألا ترى أنه يمكن أن تكون منقطعة على ما ذهب إليه سيبويه ومتصلة على ما ذهب إليه الأخفش . وقد بين النحويون الوجهين فأغنى ذلك عن ذكره هنا . انتهى .
وقد ذكر الجوهري زيادتها في الصحاح وأنشد البيت الأول من الرجز كذا : يا هند أم ما كان مشيي رقصا )
وقال ابن بري في أماليه عليه : هذا مذهب أبي زيد . وغيره يذهب إلى أن أم ما كان معطوف على محذوف تقدم المعنى كأنه قال : يا هند أكان مشيي رقصاً أم ما كان كذلك انتهى .
وفيه نظر تأمل .
وقال الصاغاني في العباب : وأم قد تكون زائدة . وأنشد الرجز ثم قال : وقال الليث : أم تكون بمعنى ألف الاستفهام كقولك : أم عندك غداء حاضر وأنت تريد أعندك وهي لغة حسنة من لغات العرب .
قال الأزهري : هذا إذا سبقه كلام وتكون أم مبتدأ للكلام في الخبر وهي لغة
____________________

يمانية بقول قائلهم : أم نحن خيار الناس أم نطعم الطعام أم نضرب الهام . وهومخبر . انتهى .
وعلى هذا تكون غير زائدة كأنها حرف افتتاح للتنبيه بمنزلة ألا وأما كقوله : الطويل أما والذي لا يعلم السر غيره ولا يبعد أن تكون أم مخففة من أما وسكنت . والله أعلم .
وقوله : ما كان مشيي رقصا ما : نافية . والرقص بفتحتي الراء والقاف قال ابن دريد : هو شبيه بالنقزان من النشاط .
قال ابن فارس : هو الخبب . والقولان متقاربان .
وقوله : توقصا بالواو والقاف قال ابن الشجري : هو تقارب الخطو وقيل : شدة الوطء وكلاهما من فعل الهرم وهذا شكاية من دهره .
يقول : أنا في حداثتي وشبابي لم أمش بعافية بل تكون مشيتي مستمرة كمشي الشيوخ العاجزين .
وقال ابن مكرم في لسان العرب : أراد ما كان مشيي رقصاً أي : كنت
____________________

أتوقص في شبيبتي وروى ابن الشجري وصاحب العباب وصاحب لسان العرب أوله كذا : يا دهن أم ما كان وقال : دهن ترخيم دهناء ولم يفسراه وكأن دهناء من أسماء النساء كما أن هنداً في رواية الجوهري من أسمائهن .
وكذا رواه الأزهري عن أبي زيد وقال : أراد يا دهناء فرخم . وأم زائدة . أراد : ما كان مشيي رقصاً أي : كنت أتوقص وأثب في مشيتي واليوم قد أسننت حتى صارت مشيتي رقصاً انتهى .
ولم أقف على قائل هذا الرجز والله أعلم به . )
وأنشد بعده ( الشاهد الخامس والتسعون بعد الثمانمائة ) الطويل ( بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ** وصورتها أو أنت في العين أملح ) على أن أو فيه حرف استئناف للإضراب ولا يحتمل أن تكون عاطفة إذ لا يصح قيام الجملة بعدها مقام قوله : مثل قرن الشمس كما هو حق المعطوف .

____________________

ثم وصفت جيشا فقالت ورجراجة فوقها بيضها عليها المضاعف زفنا لها ككرفئة الغيث ذات الصبي ر البيت المذكور وقال شارح ديوانها الأخفش الرجراجة الكتيبة كأنها تتحرك وتتمخض من كثرتها والمضاعف من الدروع التي تنسج حلقتين حلقتين ووزفنا لها مشينا لها باختيال وهي بالزاي المعجمة والفاء زاف يزيف زيفا وزيفانا تبختر في مشيته وشبه الرجراجة في كثرتها وحركتها وتمخضها بالكرفئة وهي السحابة العظيمة التي يركب بعضها على بعض حملا للماء والحمل بالفتح ما كان في الجوف مستكنا والحمل بالكسر ظاهر مثل الوقر على الظهر شبه الكرفئة بالناقة يكثر لحمها وشحمها يقال إن عليها لكرافئ من اللحم والشحم والصبير سحاب أبيض ترمي السحاب هذه الكرفئة أي تنضم إليه وتتصل به ويرمى لها بالبناء للمفعول أي يضم إليها حتى يستوي ويخلولق قال ابن الأعرابي هذا البيت لعامر بن جوين الطائي وقال الأصمعي الكرفئة وجمعه كرافئ قطع من السحاب بعضها فوق بعض والصبير السحاب الأبيض ثم قالت تخاطب أخاها وبيض منعت غداة الصباح وقد كفت الروع أذيالها ) ( وهاجرة حرها واقد ** جعلت رداءك أظلالها ) ( وجامعة الجمع قد سقتها ** وأعلمت بالرمح أغفالها ) ( ورعبوبة من بنات الملوك قعقعت بالرمح خلخالها ) بيض تعني جواري سبين كفت كشفت والروع الفزع وروى ابن الأعرابي تكشف للروع أذيالها واقد شديد الحر جعلت رداءك أظلالها أي استظللت فيها بالرداء وتعني بجامعة الجمع إبلا كثيرة قد سقتها أما لتزويج وإما لسباء تفكه وروى ابن الأعرابي ومعلمة سقتها قاعدا معلمة إبل قاعدا أي قاعدا على فرسك والأغفال التي لا
____________________

قال الفراء في تفسير سورة البقرة : العرب تجعل أو نسقاً مفرقة لمعنى ما صلحت فيه أحد كقولك : اضرب أحدهما زيداً أو عمراً .
فإذا وقعت في كلام لا يراد به احد وإن صلحت جعلوها على جهة بل كقولك في الكلام : اذهب إلى فلان أو دع فلا تبرح اليوم . فقد دلك هذا على أن الرجل قد رجع عن أمره الأول وجعل أو في معنى بل ومنه قول الله : وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون .
وأنشدني بعض العرب : بدت مثل قرن الشمس . . . . . . . . . . . . . . . البيت انتهى .
وقال ابن جني في المحتسب : أو هذه التي بمعنى أم المنقطعة وكلتاهما بمعنى بل موجودة في الكلام كثيراً .
وإلى نحو هذا ذهب الفراء في قول ذي الرمة : بدت مثل قرن الشمس . . . . . . . . . . . . . . . البيت قال : معناه : بل أنت العين في أملح . وكذلك قال في قول الله : وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون قال : معناه بل يزيدون .
وأشار بقوله : فإن هذا طريق مذهوب فيه . . . . إلخ إلى ما قاله الشارح المحقق من أن أو في البيت والآية متمحضة للإضراب لا يتصور معنى العطف
____________________

فيها لما ذكره . وفيه رد على ابن عصفور في غفلته عن صحة العطف فزعم أنها للشك فقال : وزاد الكوفيون في معاني أو أن تكون بمعنى بل واستدلوا عليه بقوله : بدت مثل قرن الشمس إلخ )
قالوا : المعنى بل أنت . ولا مدخل للشك هنا . والصحيح أنها فيه للشك ويكن المعنى أبدع كأنه قال : لإفراط شبهها بقرن الشمس لا أدري هل هي مثلها أو أملح .
وإذا خرج التشبيه مخرج الشك كان فيه الدلالة على إفراط الشبه فيكون كقول ذي الرمة : الطويل ( أبا ظبية الوعساء بين جلاجلٍ ** وبين النقا أأنت أم أم سالم ) ألا ترى أن قوله : أأنت أم أم سالم أبلغ من أن يقول : هي كأم سالم لأن الشك يقتضي إفراط الشبه حتى يلتبس أحد الشيئين بالآخر . وكذلك أيضاً استدلوا بقوله تعالى : إلى مائة ألفٍ أو يزيدون قالوا : معناه بل يزيدون .
ولا يتصور أن تكون هنا للشك لأن الشك من الله مستحيل . والجواب : أن الشك قد يرد من الله بالنظر للمخاطبين لا أنه يشك فكأنه قال : وأرسلناه إلى جمع تشكون في مبلغه فيكون من مقتضى حالكم أن تقولوا : هم مائة ألف أو يزيدون . ويحتمل أيضاً أن تكون أو في الآية للإبهام .
هذا كلامه .
وقول الشاعر : بدت بمعنى ظهرت وفاعله ضمير الحبيبة ومثل : حال من الضمير ولا يستفيد من إضافته إلى المعرفة تعريفاً لتوغله في الإبهام . وقرن
____________________

الشمس بفتح القاف قال الجوهري : هو أعلاها وأول ما يبدو منها في الطلوع . ولا يصح هنا المعنى الثاني لقوله في رونق الضحى .
وقوله : وصورتها بالجر عطف على قرن .
وأملح من ملح الشيء بالضم ملاحةً أي : بهج وحسن منظره فهو مليح والأنثى مليحة .
والبيت نسبه ابن جني إلى ذي الرمة . ولم أجده في ديوانه . والله أعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد والتسعون بعد الثمانمائة ) الطويل وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر على أن أو فيه للإبهام على السامع . وقصد به الرد على الكوفيين في زعمهم أن أو فيه بمعنى الواو .
قال ابن الشجري في أماليه : كون أو بمعنى الواو من أقوال الكوفيين ولهم فيه احتجاجات من القرآن ومن الشعر القديم . فمما احتجوا به من القرآن قوله تعالى : لعله يتذكر أو يخشى و لعلهم يتقون أو يحدث لهم
____________________

ومن الشعر قول توبة بن الحمير : الطويل ( وقد زعمت ليلى بأني فاجرٌ ** لنفسي تقاها أو عليها فجورها ) وقول جرير : الوافر ( أثعلبة الفوارس أو رياحاً ** عدلت بهم طهية والخشابا ) أي : عدلت هاتين القبيلتين بهاتين القبيلتين .
وقول جرير : البسيط ( نال الخلافة أو كانت له قدراً ** كما أتى ربه موسى على قدر ) وقول لبيد : ( تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما ** وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر ) قالوا : أو هنا بمعنى الواو لأنه لا يشك في نسبه حتى لا يدري أمن ربيعة هو أم من مضر ولكنه أراد بربيعة أباه الذي ولده لأنه لبيد بن ربيعة . ثم قال : أو
____________________

مضر يريد : ومضر يعني مضر ين نزار بن معد بن عدنان .
واختلفوا في قوله تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون فقال بعض الكوفيين : بمعنى الواو وقال آخرون منهم : المعنى بل يزيدون . وهذا القول ليس بشيء عند البصريين .
وللبصريين في أو هذه ثلاثة أقوال : أحدهما : قول سيبويه أنها للتخيير . والمعنى إذا رآهم الرائي يخير في أن يقول : هم مائة ألف وأن يقول : أو يزيدون .
والقول الثاني عن البصريين : أنها لأحد الأمرين على الإبهام . )
والثالث لبن جني وهو أنها للشك والمعنى : أن الرائي إذا رآهم شك في عدتهم لكثرتهم .
ومن زعم أن العمنى بل يزيدون قال مثل ذلك في قوله تعالى : فهي كالحجارة أو أشد قسوة . وفي قوله : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب وقوله : فكان قاب قوسين أو أدنى .
ومن قال : إن المعنى : ويزيدون قال : مثل ذلك في هذه الآي . والوجه أن تكون أو فيهن للتخيير .
ويجوز أن تكون أو فيهن للإبهام انتهى كلامه باختصار .
والبيت الشاهد أول أبيات للبيد بن ربيعة الصحابي تقدم شرحها في الشاهد الخامس بعد الثلثمائة .

____________________

وأنشد بعده : البسيط ( وكان سيان أن لا يسرحوا نعماً ** أو يسرحوه بها واغبرت السوح ) على أن أو فيه بمعنى الواو .
وقد تقدم شرحه في الشاهد الخامس والخمسين بعد الثلثمائة من باب العطف .
وأنشد بعده ( الشاهد السابع والتسعون بعد الثمانمائة ) مجزوء الكامل ( سيان كسر رغيفه ** أو كسر عظمٍ من عظامه ) على أن أو فيه بمعنى الواو .
قال أبو علي في كتاب الشعر : كان القياس أن يكون العطف فيه بالواو دون أو لأن العطف بأو في هذا الموضع في المعنى : سيان أحدهم وهو كلام مستحيل كما أن سواء زيد أو عمرو فكما لا يستقيم سواء زيد أو عمرو لأن المعنى سواء أحدهما والتسوية إنما تكن بين شيئين فصاعداً كذلك ينبغي أن لا يستقيم . والذي حسن ذلك للشاعر أنه يرى : جالس الحسن أو ابن سيرين فيستقيم له أن يجالسهما جميعاً وكل الخبز أو التمر فيجوز له أن يجمعهما في الأكل .

____________________

فلما صارت تجري مجرى الواو في هذه المواضع استجاز أن يستعملها بعد سي . ولم نعلم أنه جاء ذلك في سواء وقياسه قياس سيان .
وقد قال بعض المحدثين : ( سيان كسر رغيفه ** أو كسر عظمٍ من عظامه ) فهذا في القياس كما جاء في الشعر القديم .
فأما قوله : الطويل ( ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالثٍ ** إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا ) فهو من باب جالس الحسن أو ابن سيرين : ألا ترى أنه إن لبث شهرين فقط أو شهرين وبعض ثالث فقد ائتمر . وليس الموضع مقتضياً لوقوع الواو كما يقتضي الواو بعد سي وسواء . انتهى كلامه .
وبعض المحدثين الذي ذكره أبو علي هو أبو محمد يحيى اليزيدي . ( استبق ود أبي المقا ** تل حين تدنو من طعامه ) ( سيان كسر رغيفه ** أو كسر عظمٍ من عظامه ) ( ويصوم كرهاً ضيفه ** لم ينو أجراً من صيامه ) كذا نسبها إليه صاحب الأغاني وابن خلكان في ترجمته .
ورواها ابن عبد ربه في العقد الفريد كذا : ) ( اكفف يمينك عن طعامه ** إن كنت ترغب في كلامه
____________________

) سيان كسر رغيفه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وأورد الوطواط إبراهيم الكتبي في كتابه غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة بعدهما بيتين آخرين وهما : ( فالموت أهون عنده ** من مضغ ضيفٍ والتقامه ) ( وإذا مررت ببابه ** فاحفظ رغيفك من غلامه ) وأبو محمد هذا هو يحيى بن المبارك بن المغيرة أحد بني عدي بن عبد شمس بن زيد بن مناة بن تميم . ويعرف أبو محمد باليزيدي نسبة إلى يزيد بن منصور الحميري خال المهدي لأنه كان يؤدب أولاده فنسب إليه .
قال صاحب الأغاني : قيل له اليزيدي لأنه كان فيمن خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بالبصرة ثم توارى زماناً حتى استتر أمره ثم اتصل بعد ذلك بيزيد بن منصور خال المهدي فوصلة بالرشيد فلم يزل معه . وأدب المأمون خاصة من ولده .
وهو مقرئٌ نحوي لغوي صاحب أبي عمرو بن العلاء وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة بعده سكن بغداد وحدث بها عن أبي عمرو بن العلاء وابن جريج وغيرهما .
وروى عنه ابنه محمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وجماعة من أولاده وحفداته وأبو عمرو الدوري وأبو شعيب السوسي وغيرهم . وخالف أبا عمرو في حروف كثيرة من القراءة اختارها لنفسه . وأخذ علم العربية عن أبي عمرو والخليل بن أحمد .

____________________

قال ابن المبارك : أكثرت السؤال عن أبي محمد ومحله من الصدق ومنزلته من الثقة فقالوا : هو ثقة صدوق لا يدفع عن سماع ولا يرغب عنه في شيء غير ما يتوهم عليه من الميل إلى المعتزلة .
وقد روى عنه الغرائب أبو عبيد القاسم بن سلام وكفى به وما ذاك إلا عن معروفة منه به .
وكان مؤدب المأمون هارون الرشيد .
قال الأثرم : دخل اليزيدي يوماً على الخليل بن أحمد وهو جالس على وسادة فأوسع له وأجلسه معه فقال له اليزيدي : أحسبني ضيقت عليك فقال الخليل : ما ضاق موضع على اثنين متحابين والدنيا لا تسع متباغضين . )
ومن هنا أخذ ابن عبد ربه قوله : البسيط ( صل من هويت وأن أبدى معاتبةً ** فأطيب العيش وصل بين اثنين ) ( واقطع حبائل خدنٍ لا تلائمه ** فقلما تسع الدنيا بغضين ) وقال أبو محمد غانم بن الوليد المالقي : البسيط ( صير فؤادك للمحبوب منزلةً ** سم الخياط مجالٌ للمحبين ) ( ولا تسامح بغيضاً في مخاصمةٍ ** فقلما تسع الدنيا بغيضين ) قال ابن الزقاق : الطويل ( يضيق الفضا عن صاحبين تباغضا ** وسم الخياط بالحبيبين واسع ) وقال التهامي : المنسرح ( بين المحبين منجلسٌ واسع ** والود حالٌ يقرب الشاسع ) ( والبيت إن ضاق عن ثمانيةٍ ** متسعٌ بالود للتاسع ) وروى الأصبهاني في الأغاني أن قتيبة الخراساني صاحب عيسى بن عمر
____________________

كان يأتي اليزيدي ( إذا عافى مليك الناس عبداً ** فلا عافاك ربك يا قتيبه ) ( طلبت النحو مذ أن كنت طفلاً ** إلى أن جللتك قبحت شيبه ) ( فما تزاد إلا النقص فيه ** فأبت لدى الإياب بشر أوبه ) ( وكنت كغائبٍ قد غاب حيناً ** فطال مقامه وأتى بخيبه ) وروي عنه أنه قال : كان عيسى بن عمر أعلم الناس بالغريب فأتاني قتيبة الخراساني فقال : أفدني شيئاً من الغريب أعايي به عيسى بن عمر فقلت له : أجود المساويك عند العرب الأراك وأجود والأراك عندهم ما كانت متمئراً عجارماً جيداً .
وقد قال الشاعر : الطويل ( إذا استكت يوماً بالأراك فلا يكن ** سواكك إلا المتمئر العجارما ) يعني الأير يقال : اتمأر الشيء إذا اشتد . والعجارم : الأير الغليظ .
قال : فكتب قتيبة ما قلت له وكتب البيت ثم أتى عيسى بن عمر في مجلسه فقال : يا أبا عمر ما أجود المساويك عند العرب فقال : الأراك . فقال له قتيبة : أفلا أهدي إليك منه شيئاً متمئراً عجارماً )
فقال : أهده إلى نفسك وغضب وضحك كل من كان في مجلسه وبقي قتيبة
____________________

متحيراً فعلم قال أبو محمد اليزيدي : فضحك عيسى حتى فحص برجله قفال : هذه والله من مزحاته أراه عنك منحرفاً فقد فضحك فقال قتيبة : لا أعاود مسألته عن شيء .
وقد أطنب الأصفهاني في أخباره ونوادر وأشعاره وأخبار أولاده وحفدته .
ومات اليزيدي في سنة اثنتين ومائتين .
وأنشد بعده ( الشاهد الثامن والتسعون بعد الثمانمائة ) الطويل ( تلم بدارٍ قد تقادم عهدها ** وإما بأموات ألم خيالها ) على أن إما قد تجيء بالشعر غير مسبوقة بمثلها فتقدر كما في هذا البيت الذي أنشده الفراء والتقدير : تلم إما بدار وإما بأموات .
كذا قال أبو علي في كتاب الشعر .

____________________

ولم ينشده الفراء لهذا بل جعل إما الثانية نائبة عن أو ولا حذف في الكلام وهذا نصه نقلناه برمته لكثرة فوائده قال عند تفسير قوله تعالى : إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين : أدخل فإن قلت : إن أو في المعنى بمنزلة إما وإما فهل يجوز أن تقول : يا زيد أن تقوم أو تقعد تريد اختر أن تقوم أو تقعد قلت : لا يجوز ذلك لأن أول الاسمين في أو يكون خبراً يجوز السكوت عليه ثم تستدرك الشك في الاسم الآخر فتمضي الكلام على الخبر ألا ترى أنك تقول : قام أخوك وتسكت . وإن بدا لك قلت : أو أبوك . فأدخلت الشك والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عليه . وليس يجوز أن تقول : ضربت إما عبد الله وتسكت .
فلما آذنت إما بالتخيير من أول الكلام أحدثت لها أن . ولو وقعت إما وإما مع فعلين قد وصلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتخيير في موضع إما لم يحدث فيها أن كقوله تعالى : وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم .
ولو جعلت أن في مذهب كي وصيرتها لمرجون تريد : أرجئوا لأن يعذبوا أو يتاب عليهم )
صلح ذلك في كل فعل تام ولا يصلح في كان وأخواتها ولا في ظننت وأخواتها .
من ذلك أن تقول : آتيك إما أن تعطي وإما أن تمنع . وخطأ أن تقول : أظنك إما أن تعطي وإما تمنع ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع .
ولا تدخل أو على إما ولا إنا على أو . وربما فعلت العرب ذلك لتآخيهما في المعنى على التوهم فيقولون : عبد الله إما جالس أو ناهض .

____________________

ويقولون : عبد الله يقوم وإما يقعد . وفي قراءة أبي : وإنا أو إياكم لإما على هدى أو في ضلالٍ فوضع أو في موضوع إما .
وقال الشاعر : الطويل ( فقلت لهن امشين إما نلاقه ** كما قال أو نشف النفوس فنعذرا ) وقال آخر : الطويل ( فكيف بنفس كلما قلت أشرفت ** على البرء من دهماء هيض اندمالها ) ( تهاض بدارٍ قد تقادم عهدها ** وإما بأمواتٍ ألم خيالها ) فوضع إما في موضع أو . وهو على التوهم إذا طالت الكلمة بعض الطول أو فرقت بينهما بشيء هنالك يجوز التوهم كما تقول : أنت ضارب زيد ظالماً وأخاه حين فرقت بينهما بظالم جاز نصب الأخ وما قبله مخفوض . انتهى كلام الفراء .
فجعل إما نائبة عن أو لا أن مثلها محذوف من أول الكلام .
وما قاله غيره أجود لأنه حمل على الكثير الشائع .
وخص ابن عصفور حذفها بالشعر كأبي علي والشارح المحقق . ونسبهما أبو علي إلى الفرزدق وهو الصحيح .
وقال المرادي في شرح التسهيل والعيني : هما لذي الرمة . ولم أرهما في ديوانه .
وقوله : فكيف بنفسٍ أي : كيف نأمل بصحة نفس هذه صفتها . وقيل : الباء زائدة ونفس : مبتدأ وكيف : خبره . و أشرفت : أقبلت . و البرء بالضم : الخلاص من المرض .

____________________

وقوله : من دهماء : أي : من مرض حبها ففيه حذف مضافين أو من تعليلية فلا حذف . و دهماء : اسم امرأة .
وروى العيني بدله : حوصاء بالحاء والصاد المهملتين وقال : وفعلاء من الحوص بالتحريك وهو )
ضيق في مؤخر العين . وهيض : مجهول هاض العظم يهيضه هيضاً إذا كسره بعد الجبر .
وقوله : اندمالها أي : اندمال جرحها والضمير للنفس . والاندمال تراجع الجرح إلى البرء .
يريد : كلما قارب الجرح إلى الالتحام أصيب بشيءٍ فدمي فصار جرحاً كالأول أو أشد .
وقوله : تهاض بالمثناة الفوقية والضمير لتلك النفس أي : يتجدد جرحها . والباء في قوله بدار وأموات سببية . وجعلها العيني ظرفية وقدر لمجرورها صفة وقال : أي : في دارٍ تخرب . وهذا لا حاجة إليه وجملة قد تقادم : صفة دار .
وفي المصباح : قدم الشيء قدماً كعنب : خلاف حدث فهو قديم . وعيبٌ قديم أي : سابق زمانه متقدم الوقوع على وقته . والعهد قال صاحب المصباح يقال : هو قريب العهد بكذا أي : قريب العلم والحال . والأمر كما عهدت أي كما عرفت .
وقوله : وإما بأموات قال العيني : أي : بموت أموات . وليس المعنى عليه كما لا يخفى . وألم قال صاحب المصباح : ألم الشيء إلماماً أي : قرب .
وفي الصحاح : الإلمام : النزول وقد ألم به أي : نزل به وغلام ملم : قارب البلوغ .

____________________

وفي الحديث : وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم أي : يقرب من ذلك . انتهى .
فيكون التقدير : ألم خيالها بنا . والجملة صفة أموات والخيال بالفتح : صورة الشيء في الذهن .
وروى أيضاً : تلم بدار كما في الشرح وغيره وهو من الإلمام وقد ذكرناه وفاعله ضمير النفس .
وهذا البيت بيان لسبب عدم برء النفس .
وترجمة الفرزدق تقدمت في الشاهد الثلاثين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد التاسع والتسعون بعد الثمانمائة ) ( فإما أن تكون أخي بحقً ** فأعرف منك غثي أو سميني ) ( وإلا فاطرحني واتخذني ** عدواً أتقيك وتتقيني ) على أنه قد تخلف إما الثانية إلا وهي إن الشرطية المدغمة بلا النافية أي : وإلا تكن أخي بحق فاطرحني وقد تخلفها أو أيضاً كما قال الشارح وغيره كقوله : الطويل (
____________________

فقلت لهن امشين إما نلاقه ** كما قال أو نشف النفوس فنعذرا ) والبيتان من قصيدة طويلة للمثقب العبدي أوردها المفضل في المفضليات : وبعدهما : ( وما أدري إذا يممت أمراً ** أريد الخير أيهما يليني ) ( أألخير الذي أنا أبتغيه ** أم الشر الذي هو يبتغيني ) وهذه آخر القصيدة ولم يذكر فيها المخاطب بهما من هو وكأنه محذوف منها .
وقوله : فإما أن تكون بتأويل مصدر منصوب على أنه مفعول لفعل محذوف والتقدير : بين إما كونك أخا وإما كونك عدواً . وإما لأحد الشيئين . وجعل بعضهم ذلك المصدر مبتدأ محذوف الخبر تقديره : فإما أخوتك الصادقة حاصلة . هذا كلامه .
والجيد أن يكون خبر مبتدأ محذوف . والتقدير : إما شأنك كونك أخاً صادقاً كما قال سيبويه في قوله : كما يأتي .
وجعل مثله أبو علي في البغداديات مبتدأ محذوف الخبر قال في قوله تعال : يا ذا القرنين إما أن تعذب ينبغي أن يكون رفعاً وارتفاعه على الابتداء أي : إما
____________________

العذاب شأنك أو أمرك أو اتخاذ الحسن . انتهى .
قال العيني : قوله : بحقً في محل نصب صفة لأخي .
ولا يخفى أن الظرف بعد المعرفة حال وبعد النكرة صفة بحسب الاقتضاء وهنا وقع بعد معرفة فكيف يكون صفة على أنه لا اقتضاء هنا بحسب المعنى وإنما هو نائب عن المفعول المطلق والتقدير : تكون أخي كوناً ملتبساً بحق .
وقوله : فأعرف بالنصب : معطوف على تكون . وقوله : غثي أو سميني كذا هو ب أو . في المفضليات وغيرها . )
قال ابن الأنباري : أي : فأعرف نصحك من غشك . وهي نسخة قديمة مضبوطة صحيحة جداً .
وروي في الشرح ومغني اللبيب وشروح الألفية : غثي من سمني فمن الأولى ابتدائية في الروايتين ومن الثانية للبدل كقوله تعالى : أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة .
وأنكره قوم فقالوا : التقدير : أرضيتم بالحياة الدنيا بدلاً من الآخرة فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف . وأما هي فللابتداء .
وقال ابن مالك : من الداخلة على ثاني المتضادين معناها الفصل نحو : والله يعلم المفسد من المصلح .
قال ابن هشام : فيه نظر لأن الفصل مستفاد من العامل والظاهر أن من للابتداء أو بمعنى عن . انتهى .
قال العيني : قوله : غثي بفتح الغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة من غث اللحم يغث ويغث بكسر الغين وفتحها غثاثة وغثوثة فهو غث وغثيث إذا كان مهزولاً . وكذلك غث حديث القوم وأغث أي : ردؤ وفسد . والمعنى ها هنا :
____________________

أعرف منك ما يفسد مما يصلح . انتهى .
وقال الدماميني : الغث : الرديء . والسمين : الجيد . أي : فأعرف منك مساوي من محاسني فإن المؤمن مرآة أخيه . أو فأعرف ما يضرني منك مما ينفعني وأميز بينهما . انتهى .
وقوله : وإلا فاطرحني أي : اتركني . وهو بتشديد الطاء افتعال من الطرح .
وقوله : وما أدري ما يممت . . . إلخ ما : نافية وأدري : أعلم وجملة أيهما يليني : في محل المفعولين لأدري لأنه معلق عن العمل باسم الاستفهام . وإذا : ظرف لأدري .
ويممت : قصدت . وأمراً كذا في المفضليات وفي غيرها : وجهاً . وروي أيضاً : أرضاً . وجملة أريد : حال من فاعل يممت .
وأورده الفراء عند تفسير قوله تعالى : ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ قال : ذكر أمةً ولم يذكر بعدها أخرى والكلام مبني على أخرى لأن سواء لابد لها من اثنين فما زاد كأنك قلت : لا تستوي أمة صالحة وأخرى كافرة وقد تستجيز العرب إضمار أحد الشيئين إذا كان في الكلام دليل عليه .
ثم أنشد هذين البيتين وغيرهما . )
وكذا أنشدهما عند قوله تعالى : إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان قال : كني عن هي وهي للأيمان ولم تذكر . وذلك أن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جامعاً لليمين والعنق فيكفي ذكر أحدهما من صاحبه . ثم أنشدهما فقال : كنى عن الشر وإنما ذكر الخير وحده .
وذلك أن الشر يذكر مع الخير . انتهى .
وكأنه يريد أن التقدير : أريد الخير لا الشر . ولا يجوز أن يكون التقدير : أريد
____________________

الخير والشر لأنه غير مرادٍ له بدليل ما بعده فيكون من حذف المعطوف بلا النافية وهو غريب .
وقوله : أألخير الذي . . . إلخ هذا بدل من أي ولهذا قرن بحرف الاستفهام . والهمزة الثانية من أألخير همزة وصل دخلت عليها همزة الاستفهام وكان القياس أن يستغني عنها لكنها لم تحذف وخففت بتسهيلها بين بين إذ لو لا ذلك لم يتزن البيت . ولا سبيل إلى دعوى تحقيقها لأنه لا قائل به .
وهمزة بين بين عند البصريين متحركة بحركة ضعيفة ينحى بها نحو السكون ولذلك لا تقع إلا حيث يقع الساكن غالباً ولا تقع في أول الكلام بحال .
وفيه ردٌ على الكوفيين في دعوى سكونها لأنها في مقابلة ثاني حروف وتدٍ مجموع وهو لا يكون ساكناً ولأنها لو كانت ساكنة لزم التقاء الساكنين على غير حده .
وروي : أم الشر الذي لا يأتليني قال ابن الأنباري : أي لا يألو في طلبي أي : لا يقصر في طلبي .
والمثقب العبدي : شاعر جاهلي قديم كان في زمن عمرو بن هند . قاله ابن قتيبة في كتاب الشعراء وقال اسمه محصن بن ثعلبة بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة سمي المثقب لقوله في هذه القصيدة : ( رددن تحيةً وكنن أخرى ** وثقبن الوصاوص للعيون ) وكان أو عمرو بن العلاء يقول : لو كان الشعر كله على هذه القصيدة لوجب على الناس أن يتعلموه . انتهى .

____________________

وقال ابن الأنباري : اسمه : عائذ بن محصن بن ثعلبة بن وائلة بن عدي بن عوف بن دهن بن عذرة بن منبه بن نكرة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى ابن دعمي بن جديلة بن )
أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . انتهى .
والمثقب : اسم فاعل من ثقبٌ بالثاء المثلثة وتشديد القاف . وصحفه الدماميني بالنون . وهو لقب له لقوله ذاك البيت .
والعبدي : نسبة إلى عبد القيس ويقال في النسبة إليه عبقسيٌ أيضاً .
وقوله : رددن تحية . . . إلخ قال ابن الأنباري : أي : أظهرن السلام ورددنه . وكتمن أي : سترن وهو ما يرد من السلام بعينٍ أو بيد .
وروي : ظهرن بكلةٍ وسدلن أخرى والكلة : ما يرى على الهودج وهو شبيه بالستور . والوصاوص : البراقع الصغار . أراد أنهن حديثات الأسنان فبراقعهن صغار . ( لا تقولن إذا ما لم ترد ** أن تتم الوعد في شيءٍ نعم ) ( حسنٌ قول نعم من بعد لا ** وقبيحٌ قول لا بعد نعم ) ( إن لا بعد نعم فاحشةٌ ** فبلا فابدأ إذا حفت الندم
____________________

) ( فإذا قلت نعم فاصبر لها ** بنجاح القول إن الخلف ذم ) ( واعلم أن الذم نقصٌ للفتى ** ومتى لا يتق الذم يذم ) ( أكرم الجار وأرعى حقه ** إن عرفان الفتى الحق كرم ) ( لا تراني راتعاً في مجلسٍ ** في لحوم الناس كالسبع الضرم ) ( إن شر الناس من يكشر لي ** حين يلقاني وإن غبت شتم ) ( وكلامٍ سيئٍ قد وقرت ** أذني عنه وما بي من صمم ) ( فتصبرت امتعاضاً أن يرى ** جاهلٌ إني كما كان زعم ) ( ولبعض الصفح والإعراض عن ** ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم ) والضرم : الشديد النهم أخذاً من ضرم النار وهو التهابها . والسبع
____________________

بضم الموحدة لكنه سكنه للضرورة .
ويكشر : يضحك . و وقرت أذنه بالبناء للمفعول توقر وقراً فهي موقرة من الصمم . ( الشاهد الموفي للتسعمائة ) البسيط ( يا ليتما أمنا شالت نعامتها ** أما إلى جنةٍ أما إلى النار ) على أن أما الثانية تلزم الواو وربما ترد بلا واو كهذا البيت وهو غير الغالب .
قال ابن هشام في حواشي التسهيل : لا أحفظ حذف الواو إلا مع تخفيف إما بالبدل كقوله : الرجز ( لا تفسدوا آبالكم ** إيما لنا إيما لكم ) قال الشارح : ويروى أيما إلى جنة وهي لغة في إما . هذا هو المشهور في رواية البيت .

____________________

وكذا أنشده أبو تمام في الحماسة وهو بفتح الهمزة وسكون الياء .
قال ابن جني في إعراب الحماسة : قوله : أيما إلى جنة يدل على أن إبدال الراء والنون ياءين في قيراط ودينار ليس للكسرة إنما هو للإدغام . ألا ترى أن أيما قد أبدل فيها من ميم أما ولا كسرة قبلها . انتهى .
وكذا ذكره ابن هشام في المغني قال : وفي البيت شاهد ثان وهو فتح الهمزة وثالث هو قال الدماميني في المزج عند قول ابن هشام : وقد تبدل ميمها الأولى ياء أي : مع فتح الهمزة وكسرها كما نص عليه غير واحد لكنهم فيما رأيت لم يستشهدوا على الإبدال إلا مع فتح الهمزة . انتهى .
وقال المرادي في شرح التسهيل : حكي الإبدال مع كسر الهمزة وفتحها . فمثاله مع الكسر قوله : يا ليتما أمنا شالت نعامتها البيت ومع الفتح قول أبي القمقام : الطويل ( تنفخها أيما شمالٌ عريةٌ ** وأيما صباً جنح الظلام هبوب ) رواه الفراء بالياء وفتح الهمزة .
هذا كلامه .
وفيه نظر فإن البيت الشاهد نصوا على فتح همزته مع الإبدال ولو كان الكسر فيه رواية أيضاً لكان اللائق عزوه إلى ناقله .

____________________

والبيت أول أبيات أربعة أوردها أبو تمام في أواخر الحماسة قال : وقالت أم النحيف وهو سعد )
بن قرط أحد بني جذيمة وكان تزوج امرأةً نهته أمه عنها . ( لعمري لقد أخلفت ظني وسؤتني ** فحزت بعصياني الندامة فاصبر ) ( فقد حزت بالورهاء أخبث خبثةٍ ** فدع عنك ما قد قلت يا سعد واحذر ) ( تربص بها الأيام على صروفها ** سترمي بها في في جاحمٍ متسعر ) ( فكم من كريمٍ قد مناه إلهه ** بمذمومة الأخلاق واسعة الحر ) ( فطاولها حتى أتتها منيةٌ ** فصارت سفاةٌ جثوةً بين أقبر ) ( فأعقب لما كان بالصبر معصماً ** فتاةً تمشي بين إتبٍ ومئزر
____________________

) ( مهفهفة الكشحين محطوطة المطا ** كهم الفتى في كل مبدىً ومحضر ) ( لها كفلٌ كالدعص لبده الندى ** وثغرٌ نقيٌ كالأقاح المنور ) فأجابها ابنها : ( يا ليتما أمنا شالت نعامتها ** أيما إلى جنةٍ ايما إلى نار ) ( تلتهم الوسق مشدوداً أشظته ** كأنما وجهها قد سفع بالقار ) ( ليست بشبعي ولو أوردتها هجراً ** ولا بريا ولو صافت بذي قار ) ( خرقاء بالخير لا تهدي لوجهته ** وهي صناع الأذى في الأهل والجار ) قال الخطيب التبريزي : والورهاء : الحمقاء . وأخبث خبثة : نعت كل فاسد . فدع عنك ما قد قلت كأنه كان هم بمباينتها فأنكرت ذلك وقالت : تربص بها .
والجاحم بتقديم الجيم على المهملة : النار الشديدة التأجج . والسفاة بفتح المهملة : الكبة من التراب .
وأعصم من الشر واعتصم واستعصم : التجأ وامتنع . ومحطوطة المطا أي : كأنها قد صقلت بالمحط بالكسر وهو ما يصقل به السيف والجلد . والمهفهفة : الخميصة البطن . وكهم الفتى : ما يهواه ويهمه حيثما تصرف . والنحيف : تصغير مرخم نحيف . انتهى كلامه .
وبقي فيه كلمات تحتاج إلى الشرح فنقول : القرينة : زوجة الرجل . ومناه : ابتلاه ومضارعه يمنوه ويمينه . والحر بكسر المهملة : الفرج . وفي السفا : التراب والسفاة أخص منه . والجثوة مثلثة الجيم : الحجارة المجموعة . وأقبر : جمع قبر . وأعقب بالبناء للمفعول .

____________________

ومعصم : اسم فاعل : ملتجئ وفتاة : مفعول ثان لأعقب . والإتب بكسر الهمزة وسكون المثناة )
الفوقية : ثوب أو برد يشق في وسطه فتلقيه المرأة في عنقها من غير كم ولا جيب . والكشح : الخاصرة . والدعص بالكسر : الكثيب من الرمل .
وقول سعد : يا ليتما أمنا البيت يا : حرف تنبيه وأمنا بالنصب اسم ليت وجملة شالت نعامتها : خبرها . وشالت : ارتفعت . والنعامة قيل : باطن القدم وقيل : عظم الساق .
وقولهم : شالت نعامته : كناية عن الموت والهلاك فإن من مات ارتفعت رجلاه وانتكس وفي الصحاح : النعامة : الخشبة المعترضة على الزرنوقين ويقال للقوم إذا ارتحلوا عن منهلهم أو تفرقوا : شالت نعامتهم .
وقال ابن بري في أماليه عليه : وشاهده قول أمية بن أبي الصلت : البسيط ( اشرب هنيئاً فقد شالت نعامتهم ** وأسبل اليوم في برديك إسبالا ) وقال آخر : البسيط ( إني قضيت قضاءً غير ذي جنفٍ ** لما سمعت ولما جاءني الخبر ) ( أن الفرزدق قد شالت نعامته ** وعضه حيةٌ من قومه ذكر
____________________

) انتهى .
والزرنوقان : منارتان تبنيان على رأس البئر فتوضع عليهما النعامة . وقال بعضهم : العرب تريد بقولها : شالت نعامته الدعاء عليه تعني هزمه الله وراعه حتى يذهب على وجهه كما نفر النعام . ولشدة هرب النعام وذعره ضرب به المثل للمهزوم .
وقوله : أيما إلى جنة . . . إلخ أورده صاحب الصحاح في مادة أمو فقال : وإما بالكسر والتشديد : حرف عطف بمنزلة أو .
إلى أن قال : وقولهم : أيما وأيما يريدون : إما وإما فيبدلون من إحدى الميمين ياء .
أيما إلى جنةٍ أيما إلى نار وقد يكسر . انتهى .
وفيه نظر من وجوه : الأول : أنها ليست من هذه المادة .
الثاني : ليست حرف عطف .
الثالث : في نسبة الشعر للأحوص وإنما هو للنحيف المذكور . )
ولم ينتبه لهذا ابن بريٍ ولا الصفدي .
وفي قوله : وقد يكسر رد على الدماميني في قوله : لم يستشهدوا على الإبدال إلا مع فتح الهمزة .
فتخلص لنا في هذه الكلمة أن أيما بالفتح أصلها أما المفتوحة وهي لغة في المكسورة وأن أيما بالكسر أصلها أما بالكسر لكن كثر استعمال أيما بالفتح .

____________________

وقد خفي على ابن بري مجيء الفتح في إما المكسورة فاعترض على صاحب الصحاح في تجويزه الوجهين في أيما في هذا الشعر وغيره فقال : صوابه إيما بالكسر لأن الأصل إما .
فأما أيما فالأصل فيها أما وذلك في مثل قولك : أما زيد فمنطلق بخلاف إما التي في العطف فإنها مكسورة لا غير . انتهى .
والأشظة : جمع شظاظ بالمعجمات وكسر أوله وهو العود الذي يدخل في عروة الجوالق .
وقوله : قد سفع بضم السين وسكون الفاء مخفف مكسورها وهو ماض مجهول من السفع بالفتح والاسم السفعة بالضم وهو سواد مشر حمرة . والقار : الزفت .
وقوله : ليست بشبعي هو مؤنث شبعان . وهجر بفتحتين قال السيوطي : قرية بالحجاز معروفة بكثرة التمر . وريا : مؤنث ريان .
وصافت : فعل ماض من الصيف . وروي : قاظت من القيظ وهو مدة شدة الحر . وذو قار : موضع .
وقوله : خرقاء بالخير هو مؤنث أخرق وهو الذي لا يحسن أن يصنع شيئاً . والصناع بالفتح : المرأة الحاذقة بعمل اليدين وتحسن كل شيء .
والنحيف بضم النون وفتح الحاء المهملة وسكون الياء بعدها فاء : مصغر نحيف تصغير ترخيم وإلا لقيل نحيف بتشديد الياء المكسورة . وهو لقب سعد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة . وهو من عبد القيس والنسبة إليه عبديٌ وعبقسيٌ كما تقدم .
وقال السيوطي في شرح أبيات المغني : قال ثعلب في أماليه : قال أبو رزمة الفزاري : كانت امرأة من عبد القيس لها ابنٌ يقال له : سعد بن قرط بن سيار يلقب النحيف يعقها وكان شريراً فقال : يهجوها :
____________________

يا ليتما أمنا شالت نعامتها )
الأبيات الأربعة .
وساق حكاية مع أبيات . ولم ار شيئاً مما نقله في أمالي ثعلب مع أن نسختي منها كانت سخته وعليها خطه .
واستمد ابن الملا مما نقله فصحف نسبة الشاعر فقال سعد بن قرظ بفتحتين ومعجمتين بينهما مهملة ابن سيار الملقب بالتحيت هكذا بخطه ونقلته منه وهو تصحيف في الاسمين لا شك فيه .
وأنشد بعده ( الشاهد الحادي بعهد التسعمائة ) وهو من شواهد س : المتقارب ( سقته الرواعد من صيفٍ ** وإن من ربيعٍ فلن يعدما ) على أن الأصل فيه : سقته الرواعد إما من صيف وإما من خريف . فحذف لضرورة الشعر إما الأولى وما من إما الثانية وكان أصل إما : إن ما فلما حذفت ما رجعت النون المنقلبة ميماً للإدغام إلى أصلها .

____________________

قال سيبويه في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف : وأما قول الشاعر : الوافر ( لقد كذبتك نفسك فاكذبنها ** فإن جزعاً وإن إجمال صبر ) فهذا على إما وليس على إن الجزاء كقولك : إن حقاً وإن كذباً . فهذا على إما محمول . ألا ترى أنك تدخل الفاء . ولو كانت على إن الجزاء وقد استقبلت الكلام لاحتجت إلى الجواب فليس قوله : فإن جزعاً كقوله : إن حقاً وإن كذباً ولكن على قوله : فإما مناً بعد وإما فداءً .
وإن قلت : فإن جوع وإن إجمال صبرٍ كان جائزاً كأنك قلت : فإما أمري جزع وإما إجمال صبر لأنك لو صححتها فقلت : إما جاز ذلك فيها . ولا يجوز طرح ما من إما إلا في الشعر .
قال النمر بن تولب : ( سقته الرواعد من صيفٍ ** وإن من خريف فلن يعدما ) وإنما يريد : وإما من خريف . ومن أجاز ذلك في الكلام دخل عليه أن يقول : مررت برجل إن قال ابن خلف : يعني سيبويه أن إن في هذا البيت محذوف منها ما وأصل إما عنده إن ما )
فجعل الحرفان حرفاً واحداً . وإذا اضطر شاعر حذف ما من إما .
واستدل على انها ليست بإن التي للشرط بأن الفاء دخلت على إن في : فإن جزعاً . فلو كانت للشرط لا حتاجت إلى جواب . وذلك أن جواب إن فيما
____________________

بعدها وقد يكون ما قبلها مغنياً عن الجواب إذا لم يدخل عليه شيء من حروف العطف كقولك : أكرمك إن جئتني .
فإن أدخلت عليها فاء أو ثم بطل أن يكون ما قبلها مغنياً عن الجواب . لايجوز أن تقول : أكرمك فإن جئتني . ولا : أكرمك ثم إن جئتني حتى تأتي بالجواب فتقول : أكرمك فإن جئتني زدت في الإكرام .
فلذلك بطل أن يكون : فإن جزعاً على معنى المجازاة وصارت بمعنى إما لأنها تحسن في هذا الموضوع وحذف ما للضرورة .
وقال في البيت الثاني : يريد : وإما من خريف كأنه قال : إما من صيف وإما من خريف فلن يعدم السقي .
واعترض عليه محمد بن يزيد المبرد فقال : ما لايجوز إلقاؤها من إن إلا في غاية الضرورة وإما يلزمها أن تكون مكررة وإنما جاءت هنا مرة واحدة .
ولاينبغي أن تحمل الكلام على الضرورة وأنت تجد إلى غيرها سبيلاً ولكن الوجه في ذلك ما فال الأصمعي قال : هي إن الجزاء وإنما أراد : وإن سقته من خريف فلن يعدم الري . ولم يحتج إلى ذكر سقته لقوله : الرواعد من صيف .
قال أحمد بن محمد بن ولاد : هذا الوجه الذي حكاه المبرد عن الأصمعي من جعل إن في البيت للجزاء قد أجازه سيبويه بعقب البيت وذلك في قوله في إثره : وإن أراد إن الجزاء فهو جائز لأنه يضمر فيها الفعل . إلا أنه أخره لأنه لم يكن الوجه عنده ولامراد الشاعر عليه .

____________________

ألا تراه قال في تفسير البيت : وإنما يريد : وإما من خريف . فحمل معنى البيت على إرادة الشاعر وذلك أن الشاعر ذكر وعلاً يريد هذا الماء متى شاء فقال : المتقارب ( إذا شاء طالع مسجورةً ** يرى حولها النبع والساسما ) سقته الرواعد من صيف . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت فقال : مسجورة أي : مملوءة من صيف أو من خريف فلن يعدم الوعل رياً على كل حال . )
فأعلم أن ذلك ثابت له . وليس للجزاء في هذا البيت معنى يحسن في الشعر ويليق بمراد الشاعر لأنه إذا حملها على الجزاء فإنما يريد : إن سقته لم يعدم الري وإن لم تسقه عدم .
فلا فائدة في هذا يحسن معهما الشعر ولا يشبه قوله : إذا شاء طالع مسجورة . فقد جعل ذلك له متى شاء وجعلها مملوءة .
فلهذا أخر سيبلويه معنى الجزاء ولم يرد أن الجزاء مراد الشاعر وإنما أراد أن مثال هذا لو وقع في كلام غير هذا البيت لجاز فيه هذا التأويل لأنه مراد الشاعر .
وأما قوله : لا يجوز إلقاء ما من إلا في غاية الضرورة فكذا قال سيبويه أنه لا يجوز إلا في الشعر للضرورة . وقد وافقه على ذلك وليس بين القولين فرق غير زيادته : غاية .
ومع هذا فالعرب تحذف من نفس الكلمة للضرورة مع زوال اللبس فما بالها لا تحذف الزوائد للضرورة مع زوراله . وما هنا زائدة في إما وقد دل على صحة ذلك وجوازه في الشعر بالبيت الذي قبله وهو :
____________________

فإن جزعاً وإن إجمال صبر وأما قوله : إن التكرير يلزمها فليس الأمر على ذلك لأن الأولى إنما هي زائدة ليبادر المخطاب إلى أن الكلام مبني على الشك أو التخيير والعمل على الثانية والأولى زائدة وليست توجب في الكلام معنىً غير معنى الثانية وسبيلها في ذلك سبيل لا إذا قلت : ما قام لا زيد ولا عمرو .
فإن شئت أكدت النفي وزدت لا وإن شئت حذفتها إلا أن الحذف في لا الأولى أكثر في ولا اعلم أحداً من النحويين المتقدمين يمنع من إجازة حذفها في قولك : خذ الدراهم وإما الدينار وجالس زيداً وإما عمراً فقياسها ما ذكرت لك في لا والكلام لا يلتبس بطرحها ومعناه بنقصانها كمعناه بزيادتها فما الذي منع مع هذا كله من تجويز طرحها وقد يطرح من الكلام ما هو أولى بالإثبات منها . انتهى .
ولا يخفى أن حذفها خاص بالشعر وجواز حذفها في الكلام لا قائل به .
وأما قوله ولا أعلم أحداً من النحويين المتقدمين . . . . إلخ فالمنقول عنهم خلاف ما نقله فالأولى تعليل حذفها بالضرورة أيضاً .
وقال النحاس بعد نقل كلام المبرد : ولم يحتج أبو الحسن لسيبويه في هذا بشيء وكان القول عنده ما قال الأصمعي وكان شديد الميل إلى ما قاله الأصمعي في اللغة . )
ألا ترى أن أبا زيد قد حكم للأصمعي على سيبويه في اللغة وقال : هذا أعلم باللغة وهذا أعلم بالنحو يعني سيبويه .
وأن أستاذ سيبويه الخليل قد أخذ عن الأصمعي شيئاً من اللغة ولم يكن أبو إسحاق الزجاج يميل إلى شيءٍ من هذا وقال : من نظر إلى كتاب سيبويه وما ذكر فيه من الأبنية وقف على تقدمه على الجماعة في اللغة .
قال : والقول ما قاله سيبويه لأنه وصفها بالخصب وأنها لا تعدم الري ما
____________________

سقتها الرواعد إما من صيف وإما من خريف فلن تعدم الري .
وعلى مذهب الأصمعي والمبرد إن لم يسقها الخريف عدمته لأنه قال : وإن سقتها لن تعدم الري . وإن أراد لا تعدم الري البتة فهذا قول سيبويه . ألا ترى أن قبله : إذا شاء طالع مسجورة البيت انتهى .
وأما قول الدماميني في الحاشية الهندية : لا نسلم أن المقصود وصف هذا الوعل بالري على كل حال وإنما الغرض وصف حاله بحسب الواقع فأخبر أولاً بما وقع من سقي سحائب الصبيف له وذلك مقتضٍ لريه منها . ثم اخبر بأنه سحائب الخريف إن سقته بعد ذلك حصل له الري المستمر .
ولو سلم أن المقصود ما ذكر من وصفه بالري دائماً فمع الإتيان بإما التي هي لأحد الشيئين لا يلزم ذلك . انتهى .
فقد رد عليه ابن الملا بوجوه : أحدها : كيف لا يكون الغرض ذلك وهو بصدد بيان نجاته من الحتف إذ المراد أنه لو نجا حيوان من الموت لنجا هذا الوعل الذي تكفل له ربه برزقه وأسكنه أخصب أرضه فهو في ريٍ لا ينقكطع وطيب عيشٍ مستمر من غير حيلةٍ منه .
ولو كان المراد وصف حاله بحسب الواقع لم يكن في تخصيصه بالذكر فائدة إذ كل مخلوق شأنه من اللطف الإلهي مثل ذلك .
ثانيها : أنه لا يلزم من إخباره بأن سحائب الخريف وإن سقته بعد ذلك حصول الري المستمر له وإنما يلزم حصول الري المستمر أن لو أخبره أن سحائب الخريف إذا سقته بعد ذلك يروى .
____________________

)
ثالثها : أن دعواه أن ألإتيان بإما التي لأحد الشيئين لا يأتى معه الوصف بالري على الدوام محصلها دعوى المنافاة بين دوام الري والسقي من احد الشيئين وهي ممنوعة لصحة قولنا دائماً : الري حاصل إما من سقي سحائب الصيف وإما من سقي سحائب الخريف .
فالقضية وإن كان حمليه لكنها شبيهة بمنفصله مانعة الخلو فهي في حكمها . وقيد الدوام عندهم سور الإيجاب الكلي في باب المنفصلات .
وأما الجواب بمنع أنها لمجرد أحد الشيئين بل هي لتفصيل المسقي منه وحينئذ مع الإتيان بها يلزم الري دائما ففيه أن المختار فيها وفي أو أنهما لأحد الشيئين أو الأشياء .
هذا كلامه . ومن خطه نقلت .
والوجه الثاني لا معنى له . وكأن الدماميني فهم من قولهم : المراد وصف الوعل بالري على كل حال أن ريه إنما يكون بمجموع المطرين لا بأحدهما فقال : ولو سلم أن المقصود ريه دائماً فمع أفتيان بإما . . . إلخ وليس مرادهم ما فهموا .
وإنما أرادوا أن الري يحصل بكل واحد منهما سواء كان مطر الصيف فقط أو مطر الخريف فقط فهو على كل حال منهما مرتو .
فلو كان المعنى على الشرط فلا يتحقق الري له على كل حال بل إن حصل مطر الخريف ارتوى وإن لم يحصل فلم يرتو فإن الشرط قد يتخلف كما هو ظاهر .
وبقي احتمال آخر في البيت على مذهب سيبويه . وهو ان يكون تقديره : إن من صيفٍ وأن من خريف فحذفت إن الأولى لدلالة الثانيه عليها وأصلهما إما فحذفت منهما ما كما في قوله : فإن جزعاً وإن إجمال صبر بقي قول آخر أورده أبو علي في كتاب الشعر ونقله ابن هشام في المغني قال وزعم أبو عبيدة أن إن زائدة وجاءت زيادتها هنا كما جاءت زيادتها نحو : ما إن فعلت . وهذا كقولك : ضرب القوم زيداً من داخل
____________________

ومن خارج . انتهى .
هذا وقد قال أبو علي في البغداديات : أقول إن الشعر قال هذا البيت في أبيات يصف فيها وعلاً وقبله : ( إذا شاء طالع مسجورةً ** يرى حولها النبع والساسما ) ) ( تكون لأعدائه محهلاً ** مضلاً وكانت له معلما ) سقتها الرواعد . . . . . . . . . . . . . . البيت قوله : مسجورة يريد : عيناً كثيرة الماء إذا شاء هذا الوعل طالع مسجورة فقوله : تكون : صفة لمسجورة وكذلك سقتها يكون صفة لمسجورة .
وكذلك رواه ثعلب عن سعدان عن الأصمعي . وكتابنا كتاب سيبويه : سقته فيجوز أن يكون رجع إلى الوعل أو حمله على المعنى . والوجه أن يكن للعين فيكون المعنى : سقت الرواعد من السحاب هذه المسجورة إما من صيف وإما من خريف أي : فهي على كل حال لا تعدم السقي إما صيفاً وإما خريفاً وذلك في صفة هذه العين أرخى لبال هذا الوعل . وفاعل يعدم على هذا العين . انتهى .
أقول : إذ كان فاعل يعدم العين المسجورة يجب أن يكون تعدم بالمثناة الفوقية والمشهور إنما هو بالمثناة التحتية .
ثم جوز أن تكون إن شرطية والألف في يعدما ضمير مثنى فقال : ويحتمل أن يكون المعنى : سقت الرواعد من السحاب هذه العين أو هذا الوعل وإن سقت العين أو الوعل من الخريف فلن تعدم العين السقي والوعل الري . ودفع بعضهم هذا وقال : لا معنى له .

____________________

وليس كذلك لأنه غير ممتنع إلا أن التأويل الأول أسهل في المعنى وأدخل فيما يعترضه الشاعر وإن اعترض في لفظه حذف إما الأولى لأن الثانية تدل عليها . والفاء في فلن على هذا التأويل جواب الجزاء وفي التأويل الأول عاطفة جملة على جملة . انتهى .
والبيت من قصيدة للنمر بن تولب الصحابي فيها عدة أبيات شواهد فلا بأس بإيرادها وشرحها .
وهي هذه : المتقارب ( سلا عن تذكره تكتما ** وكان رهيناُ بها مغرما ) ( وأقصر عنها وآياتها ** يذكرنه داءه الأقدما ) ( فأوصي الفتى بابتناء العلاء ** وأن لا يخون ولا يأثما ) ( ويلبس للدهر أجلاله ** فلن يبيني الناس ما هدما ) ( وإن أنت لاقيت في نجدةٍ ** فلا تتهيبك أن تقدما ) ) ( وإن تتخطاك أسبابها ** فإن قصارك أن تهرما ) ( فأحبب حبيبك حباً رويداً ** فليس يعولك أن تصرما ) ( فتصرم بالود من وصله ** رقيقٌ فتسفه أو تندما
____________________

) ( وأبغض بغيضك بغضاً رويداً ** إذا أنت حاولت أن تحكما ) ( ولو أن من حتفه ناجياً ** لألفيته الصدع الأعصما ) ( بإسبيل ألقت به أمه ** على رأس ذي حبكٍ أيهما ) ( إذا شاء طالع مسجورةً ** ترى حولها النبع والساسما ) ( تكون لأعدائه مجهلا ** مضلاً وكانت له معلما ) ( سقتها رواعد من صيفٍ ** وإن من خريفٍ فلن يعدما ) ( أتاح له الدهر ذا وفضةٍ ** يقلب في كفه أسهما ) ( فأرسل سهماً على غرةٍ ** وما كان يرهب أن يكلما ) ( فأخرج سهماً له أهزعاً ** فشك نواهقه والفما ) ( فظل يشب كأن الولو ** ع كان بصحبته مغرما ) ( فأدركه ما أتى تبعاً ** وأبرهة الملك الأعظما ) ( ليالي حمقٍ فاستحصنت ** إليه فغر بها مظلما ) ( فأحبلها رجلٌ نابهٌ ** فجاءت به رجلاً محكما
____________________

) هذه القصيدة بتمامها من رواية محمد بن حبيب ولم يكتب على البتين الأولين شيئاً سوى قوله : الآيات : الآثار والعلامات .
وقال السيوطي : سلا : أمر من السؤال للاثنين . وشرحه شارح ديوانه على أنه ماضٍ من السلو .
قال ابن الملا : وما عليه هذا الشارح هو الظاهر لملايمته لقوله في البيت الثاني : وأقصر عنها .
وأيضاً تذكيره بالداء الأقدم إنما يناسب أن يكون خالياً عنه الآن . على أنه لو كان من السؤال لكان حق العبارة : فقد كان رهيفاً بالفاء كما لا يخفى . انتهى .
وفاعل سلا على هذا ضمير العاشق وإليه تعود الهاء في تذكره وعن متعلقة بسلا والتذكر مصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول تكتم بمثناتين فوقيتين أولاهما مضمومة : علم امرأة ونصبه بالمصدر المضاف إلى فاعله والرهين : المرتهن . والمغرم : اسم مفعول من أغرم الشيء أي : أولع )
به . كذا في الصحاح .
وأقصر عن الشيء : كف عنه ونزع مع القدرة عليه . فإن عجز عنه قيل : قصر عنه . كذا فيه أيضاً . والداء الأقدم أي : القديم هو الحب أو هو أقدم من كل داء .
وقوله : فأوصي الفتى . . . إلخ أوصي : فعل مضارع من الوصية . والعلاء بالفتح والمد : الشرف والرفعة . وأن لا يخون معطوف على ابتناء .
وقوله : ويلبس للدهر أجلاله أي : ثيابه : جمع جل بالضم هو كقول بيهسٍ الفزاري : الرجز (
____________________

البس لكل حالةٍ لبوسها ** إما نعيمها وإما بوسها ) وقوله : فلن يبتني الناس ما هدما يقول : إذا ضيع الفتى مجده لم يبنه له الناس .
وقوله : : إن أنت لاقيت في نجدة . . . إلخ قال محمد بن حبيب : النجدة : القتال .
وقوله : لا تتهيبك معناه : لا تتهيبها يريد أن فيه قلباً وبه استشهد في آخر المغني .
وقوله : فإن المنية من يخشها . . . إلخ هو من أبيات الجمل الزجاجية .
وأورده ابن جرير في تفسيره على أن في أينما اكتفاء وأينما : ظرف مضمن لمعنى الشرط وحذف شرطه وجوابه : أي : أينما توحه تصادفه . وسوف : للتأكيد .
وقيل : إنما أتي به لإخراج الكلام على مقتضى طبع النفس في إذعانها للموت مع أمل طول الحياة .
قال اللخمي في شرح أبيات الجمل : إن قيل : كيف قال من يخشها والمنية تصادف من خشيها ومن لم يخشها فأي معنى للشرط قلت : هو خطاب لمن ظن أن خشيته تنجيه من الموت على جهة الرد عليه وإبطال ظنه ومعتقده . انتهى .
وقال الجواليقي في شرح أدب الكاتب : النجدة : الشجاعة والبأس والقوة وحذف مفعول لاقيت يريد : إذا لاقيت قوماً ذوي نجدةٍ في حرب ونحوها فلا تتهيب الإقدام عليهم فإن الذي يخشى المنية تلقاه أين ذهب من الأرض فهو من المقلوب .

____________________

وقوله : وإن تتخطاك أسبابها . . . إلخ التخطي : التجاوز . وأسباب المنية : ما يؤدي إليها من مرض وغيره . وقصاراك بضم القاف : غايتك .
والهرم : انحطاط القوى من طول العمر . يقول : إن تتجاوزك أسباب المنية فإن غايتك الهرم )
وتبديل وجودك بالعدم .
وقوله : فليس يعولك أن تصرما قال محمد بن حبيب : يعولك : يشق عليك . وعالني الأمر : شق علي . والعول المصدر .
قال الخنساء : المتقارب يحمله القوم ما عالهم قال السيوطي في شرح أبيات المغني : هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم : أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث ابن عمرو وابن عدي من حديث علي بن أبي طالب . وكأن النمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فعقده في نظمه .
وتسفه : تجهل . وتظلم تضع ودك في غير موضعه . وتحكم أي : تكون حكيماً . انتهى .
وقوله : ولو أن من حتفه ناجياً . . . إلخ ناجياً اسم أن والمجرور قبله متعلق به وخبرها محذوف أي : ولو أن شخصاً ناجياً من موته موجوداً لكان ذلك
____________________

الناجي هو الصدع . و هو : ضمير فصل . الحتف : الهلاك .
وألفيته : وجدته . والصدع بفتح الصاد المهملة والدال بعدها عين مهملة قال ابن حبيب : هو الوعل بين الجسيم والضئيل وهو الوسط من كل شيء يقال : رجل صدع وفرس صدع .
والعصمة بالضم : بياض في يده . انتهى .
والوعل : تيس الجبل .
وقوله : بإسبيل ألقت به أمه . . . إلخ إسبيل كقنديل قال ابن حبيب : هو بلد .
وأنشد لبعض اليمانين : الرجز والأيهم : أعمى الطريق لا يهتدي طريقه ولا يعرفه أحد . انتهى .
والحبك بضمتين : الطرائق يريد : أن أمه ولدته في جبل ذي طرائق لا يهتدي إليها من أرض إسبيل . وذي حبك : صفة لموصوف محذوف وهو جبل . وأيهم كذلك .
وقوله : إذا شاء طالع مسجورةً . . . إلخ في الصحاح : طالعت الشيء أي : اطلعت عليه .
والاطلاع على الشيء : الإشراف عليه . وقال السيوطي : طالع : أتى يقال فلان طالع قرينه )
أي : يأتيه .
ومسجورة بالسين المهملة والجيم قال ابن حبيب : أي مملوءة يريد أنها صفة العين كما قال الدينوري في كتاب النبات وأنشدها هذا البيت : المسجورة : العين المملوءة .
ويرى : بالتحتية فاعله ضمير الصدع ويروى بالمثناة الفوقية أي : أنت .
____________________

والنبع بفتح النون وسكون الموحدة : شجر يتخذ منه القوس . والساسم : بسينين مهملتين قال ابن حبيب : يقال إنه الآبنوس .
قال الدينوري : زعموا أن القوس يتخذ من الساسم ومنابته الشواهق حيث منابت النبع . وقد وصفه حميد في شعره باللين .
وزعم قوم أن الساسم الشيز ولا أعلم ما في الشيز ما يدعو إلى اتخاذ القسي منه . انتهى .
وقوله : تكون لأعدائه أي : تكون تلك العين المسجورة لأعداء الصدع وأعداؤه الناس .
ومجهل بفتح الميم والهاء : أرض يجهل سالكها الطريق ويضيع فيها .
ومضل بفتح الميم وكسر الصاد : أرض يضلب فيها سالكها لعدم معرفته طرقها ومعمل بفتح الميم واللام : أرض يهتدي فيها سالكها بعلاماتها .
وقوله سقته الرواعد الهاء ضمير مسجورة . كذا رواية محمد بن حبيب وغيره كما مر عن أبي علي . والرواعد : جمع راعدة وهي السحابة الماطرة وفيها صوت الرعد غالباً .
والصيف بتشديد الياء المكسورة : المطر الذي يجيء فيه الصيف . والخريف : الفصل المشهور إلا أنه أطلق وأريد به مطره كما أطلق الربيع وأريد به مطره مع الصيف أيضاً في قوله : الطويل سقى الله نجداً من ربيع وصيفٍ وقوله : أتاح له الدهر . . . إلخ قال ابن حبيب : أتاح : قدر . و الوفضة الكنانة التي تكون فيها السهام . انتهى .

____________________

والدهر : فاعل أتاح ومفعوله : ذا وفضة وأراد به الصياد .
وقوله : فأرسل سهماً . . . إلخ أي : رماه ذو الوفضة بسهم على غرة بكسر الغين المعجمة وقوله : وأخرج سهماً له أهزعاً قال ابن حبيب : الأهزع : آخر سهم يبقى في الكنانة . يقال : ما كنانته أهزع أي : سهم واحد . )
قال ابن السكيت : هذا مما لا يتكلم به إلا مع الجحد . وقد أتى النمر به من غير جحد . انتهى .
والنواهق قال السيوطي : العظمان في الوجه في مجرى الدمع .
وقوله : فظل يشب بكسر الشين قال ابن حبيب يشب : يرفع يديه حين أصابه السهم .
والولوع بفتح الواو : القدر والحين . انتهى .
وقوله : فأدركه ما أتى تبعاً أي : أدرك الصدع ما أتى تبعاً وهو الموت . وتبع : ملك اليمن .
وأبرهة الأشرم : ملك الحبشة .
وقوله : لقيم بن لقمان من أخته . . إلخ ترك ما كان فيه وسلك طريقاً أخرى بلا مناسبة وهو المسمى في البديع بالاقتضاب . وهو من أبيات ابن الناظم قال ابن حبيب : ذكروا أن أخت لقمان كانت عند رجل فكانت تلد له أولاداً ضعافاً فقالت لامراة لقمان : هل لك أن أجعل لك جعلاً وتأذني لي أن آتي لقمان الليلة فأسكرته واندست له أخته فوقع عليها لقمان فلما كانت الليلة القابلة أتته امرأته فوقع عليها فقال : هذا حرٌ معروف . وكأنه استنكره . انتهى .
ومثله للجاحظ في البيان والتبيين قال : كانت العرب تعظم شأن لقمان ابن عاد الأكبر والأصغر لقيم بن لقمان في النباهة والقدر وفي العلم وفي الحكم وفي اللسان وفي الحلم . وهذان غير لقمان المذكور في القرآن على ما يقول المفسرون .

____________________

والارتفاع قدره وعظم شأنه قال النمر بن تولب . وأنشد هذه الأبيات الثلاثة وقال : وذلك أن أخت لقمان قالت لامرأة لقمان : إني امرأة محمقة ولقمان رجل محكم منجب وأنا في ليلة طهري فهبي لي ليلتك .
ففعلت فباتت في بيت امرأة لقمان فوقع عليها فأحبلها بلقيم فلذلك قال النمر بن تولب ما قال .
والمرأة إذا ولدت الحمقى فهي محمقة ولا يعلم ذلك حتى يرى ولد زوجها من غير أكياساً .
انتهى .
قال العيني : ويروى أن لقمان كان لا يولد له فقال امرأته لأخته : أما ترين لقمان في قوته وعظم خلقه لا يولد له قالت : : فما الحيلة قالت امرأته لأخته : تلبسين ثيابي حتى يقع عليك في الظلمة ففعلت فواقعها فولدت منه وسمي لقيماً بضم اللام وفتح القاف . وكان من أحزم )
الناس .
ولقيم : مبتدأ وقوله من أخته : خبره وفي قوله : فكان ابن أختٍ له وابنما دليل على جواز تعاطف الخبرين المستقل كلٌ منهما بنفسه . وابنم هو ابن زيدت عليه الميم .
وقوله : ليالي حمق . . . إلخ بضم الحاء وتشديد الميم قال ابن حبيب : أي : أسكر حتى ذهب عقله . انمتهى .
ويرويه المفضل : حمق بفتحتين وزعم أنه يقال حمق إذا شرب الخمر والخمر يقال لها الحمق .
وقوله : استحصنت بالبناء للفاعل قال ابن حبيب : أي : أتته وكأنها حصان كما تأتي المرأة زوجها .
وقوله : فغر بها غر بضم الغين من الغرة وهي الغفلة . وقوله : مظلماً بكسر اللام أي في ظلمة .
وقوله : فأحبلها رجل نابه من النباهة وهو ارتفاع الذكر وهو لقمان .

____________________

فجاءت أي : أخته به أي : بلقيم . محكما بفتح الكاف أي : حكيماً .
وترجمة النمر بن تولب تقدمت في الشاهد السادس والأربعين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد الثاني بعد التسعمائة ) ( لقد كذبتك نفسك فاكذبنها ** فإن جزعاً وإن إجمال صبر ) على أن سيبويه قال : الأصل فإما جزعاً وأما إجمال صبر فحذف ما منهما وبقي إن .
قال سيبويه في موضعين من كتابه : الأول : في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل وتقدم نقله فيما قبل هذا وهو قوله بعد إنشاد البيت : هذا على إما وليس على إن الجزاء كقولك : إن حقاً وإن كذباً . فهذا على إما محمول .

____________________

ألا ترى أنك تدخل الفاء ولو كانت على أن الجزاء وقد استقبلت الكلام لاحتجت إلى الجواب .
فإن قلت : فإن جزع وأن إجمال صبر كان جائزاً كأنه قلت : فإما أمري جزع وإما إجمال صبر .
إلى آخر ما نقلناه هناك .
والثاني في : باب الحكاية لا يغير فيها الأسماء عن حالها في الكلام وقال فيه : والدليل على أن ما مضمومة إلى إن قول الشاعر : لقد كذبتك نفسك . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت فإنما يريد إما وهي بمنزلة ما مع أن في قولك : أما أنت منطلقاً انطلقت . انتهى .
قال أبو علي في كتاب الشعر تقديره : فإما جزعت جزعاً وأما أجملت صبراً يدل على ذلك أنه لا يخلو من أن تكون إن الجزاء أو غيرها فلو كانت للجزاء وألحقت الفاء في قولك : فإما ألا ترى أنك لو قلت : أنت ظالم إن فعلت لسد ما تقدم مسد الجواب ولو ألحقت الفاء فقلت أنت ظالم فإن فعلت لزمك أن تذكر للشرط جواباً ولا يجزىء ما تقدم عما يقتضيه الشرط من الجزاء .
فكما أن إن في قوله : فإن جزعاً في معنى إما كذلك في : المتقارب وإن من خريفٍ فلن يعدما انتهى .
وقال أيضاً في البغدايات : لا يصلح أن تكون إن في قوله : فإن جزعاً للجزاء لدخول الفاء عليها وأنها لو كات للجزاء للزمها الجواب فلما لم تصلح أن تكون للجزاء حملت على أنها المحذوفة من إما .
فهذا وجه استدلال سيبويه بدخول الفاء . وذهب بعضهم إلى أن مذهب سيبويه في إما هو أنها )
إن التي للجزاء ضمت إليها ما . وهذا عندي غلط عليه
____________________

وقد قال ما لا يجوز معه ظن هذا به .
ألا تراه قال : ولو قلت إن جزع وإن إجمال صبر كان جائزاً كأنك قلت : فإما أمري جزع وإما إجمال صبر . لأنك لو صححتها فقلت إما جاز ذلك فيها .
وقال أيضاً : إما يجري ما بعدها على الابتداء ففيما قاله في هذين الموضعن إجازة وقوع المبتدأ بعد إما . ومن مذهبه الذي لا يدفهع أن لا يقع الابتداء بعدها فكيف يكون عنده أن إما إنما هي إن الجزاء وذلك لا يسوغ .
ألا ترى أنك تقول : ضربت إما زيداً وإما عمراً وتقول : ذهب إما زيد وإما عمرو فول كانت إن الجزاء لما عمل ما قبلها فيما بعدها ولكان ذهب فعلاً فارغاً لا فاعل له .
فإن قال : يكون انتصاب الاسم بعده بفعل مضمر كأنه قيل : ضربت إن ضربت زيداً . فليس هذا الغرض الموضوع لهذا المعنى ولا المفهوم من هذا اللفظ .
ألا ترى أن المراد إنما هو ضربت أحدهما . على أن ذلك فاسد لأن ذهب يبقى بلا فاعل ولا يجوز أن يضمر . ويدل أيضاً على فساده قولك : إما أن تقوم وإما أن لا تقوم وقوله : يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً .
ألا ترى أن هذا لو كان إن فيه للجزاء لم يجز وقوع المبتدأ بعده وللزم أن يجازى بما يجازى به إن ولم يتقدم ما يغني عن الجواب . فهذا التوهم على سيبويه فاسد .
فإن قال : : ما أنكرت أن يكون ما ذهبت إليه من أن إن في إما للشرط مذهب سيبويه لأنه قد ذكر أن إن على أربعة أوجه : المخففة وليس هذا من مواضعها والنافية ولا نفي هنا وزائدة بعد ما النافية فلما لم يجز أن تكون واحدةً من الثلاث وجب أن تكون الشرطية لأنك في إما لا تبت على الشيء كما لا تبت في الجزاء فلما شابهتها في هذا الموضع ولم تكن واحدة من الثلاث لزم أن تكون إياها .

____________________

فالجواب : ليس في قوله إن أن تكون على أربعة أوجه ما يوجب أن تكون إن هذه إن الجزاء لما قدمنا من الدليل في امتناع ذلك أن تكون إياها وإنما لم يذكر إن هذه فيجعله قسماً خامساً لأنه لا يستعمل في الكلام إلا في الشعر .
فإن قلت : فما جهة الفائدة في إعلامه أن إن من إما قلت : يعلم منه أن الحرف المدغم نون وليس بميم لأن الشاعر لما اضطر فحذف ما وأظهر )
النون علم به أن ذلك أصله وأنها مركبة وإن أراد أن إما أصلها إن ثم ضم إليها ما كما ضمت إلى لو في لوما . فذلك لا يمتنع ولا دلالة على أنها الجزاء . انتهى .
وقد أطال من غير أن يعين نوعها وما المانع من كونها في الأصل للشرط ثم لما ركبت مع ما انسلخت عن الشرط وصارت مع ما لمعنى آخر .
وإليه أشار الشارح المحقق بقوله : ولا منع من تغير كعنى الكلمة وحالها بالتركيب إلخ .
وقول الشارح : وقال غيره أي غير سيبويه : هو مفرد غير مركب وأول البيتين بإن الشرطية وشرطها كان المحذوفة أي : فإن كان جزعاً أقول : البيت الأول : قال الأصمعي وتبعه المبرد : إن إن فيه شرطية والشرط محذوف أي : وإن سقته من خريف فحذف لدلالة ما قبله عليه وجملة فلن يعدما : هو الجزاء . كما تقدم . فالمحذوف فعل مدلول عليه لا كان .
وأما البيت الثاني فقد قال بعضهم : يحتمل أن تكون إن في شرطية حذف جوابها لفهم المعنى والتقدير : فإن كنت ذا جزع فلا تجزع وإن كنت مجمل صبرٍ فأجمل الصبر . حكاه المرادي في الجنى الداني وشرح التسهيل . فكان
____________________

المناسب لتقدير الشارح أولاً : إما تجزع جزعاً أن يقدره هنا بالخطاب . كما حكاه المرادي .
ونقله عن سيبويه أن التقدير عنده : إما تجزع جزعاً خلاف الواقع كما يعلم من نقلنا كلامه في الموضعين . وإنما قدر سيبويه إن بإما فأراد الشارح أن يدرج في نقل هذا أن جزعاً منصوب بفعل مقدر فقدر تجزع بالخطاب بناء منه على أن المصراع الأول خطاب لمذكر بدليل : فاكذبنها بنون التوكيد الخفيفة .
وهذا تحريف من النساخ وإنما الرواية فاكذبيها بالياء والكافان مكسورتان لأنه خطاب مع امرأته . والمصراع الثاني فيه التفات من خطابها إلى التكلم ولهذا قدره سيبويه في وجه الرفع بالتكلم .
قال : وإن قلت : فإن جزع وإن إجمال صبر
____________________

كان جائزاً كأنك قلت : فإما أمري جزع وإما إجمال صبر كما تقدم .
فكان الواجب ان يقدر على مذهب سيبويه : فإما أجزع جزعاً وأما أجمل الصبر إجمالاً . وأن يقدر على مذهب غيره : فإن أجزع جزعاً فأنا معذور وإن أجمل الصبر إجمالاً فأنا ممدوح . )
والرفع في هذا رواية رواها صاحب الأغاني والأسود بن محمد الأعرابي .
وينبغي أن نورد الآبيات التي روياها ليتضح ما ذكرناه قالا : قال دريد بن الصمة يرثي معاوية أخا الخنساء . وقتلته بنو مرة : الوافر ( ألا بكرت تلوم بغير قدرٍ ** فقد أحفيتني ودخلت ستري ) ( فإن لم تتركي عذلي سفاهاً ** تلمك علي نفسك أي أعصر ) ( أسرك أن يكون الدهر سدى ** علي بشره يغدو ويسري ) ( وإلا ترزئي نفساً ومالاً ** يضرك هلكه في طول عمري ) ( فقد كذبتك نفسك فاكذبيها ** فإن جزعٌ وإن إجمال صبر ) ( فإن الرزء يوم وقفت أدعو ** فلم يسمع معاوية بن عمرو ) ( رأيت مكانه فعطفت زوراً ** وأي مكان زورٍ يا ابن بكر ) ( وبنيان القبور أتى عليها ** طوال الدهر من سنةٍ وشهر ) ( ولو أسمعته لأتاك ركضاً ** سريع السعي أو لأتاك يجري ) ( بشكة حازمٍ لا عيب فيه ** إذا لبس الكماة جلود نمر ) ( فإما تمس في جدثٍ مقيماً ** بمسهكةٍ من الأرواح قفر ) ( فعز علي هلكك يا ابن عمروٍ ** ومالي عنك من عزمٍ وصبر ) قوله : ألا بكرت . . . إلخ فاعله ضمير امرأته . وبكر : أسرع أي وقت كان . والقدر بسكون الدال : المبلغ والمقدار .
وقوله : فقد أحفيتني . . . إلخ التفات من الغيبة إلى خطابها . والإحفاء بالحاء المهملة : الاستقصاء في الكلام والمنازعة .
وروي بدله : فقد أحفظتني يقال : أحفظه بمعنى أغضبه . وقوله : ودخلت ستري أي هجمت علي في خلوتي وبالغت في اللوم .
وسفاهاً : مصدر سافهه والمراد سفهاً وهو نقص في العقل . وقوله : تلمك علي جواب إن .
ونفسك : فاعله أي تلمك نفسك بسبي عصراً طويلاً أي عصرٍ وهو الدهر .
وروي بدله : غير عصر . يعني : دعيني أبك عليه ليخف ما بي الوجد وإن تمنعيني أمت وجداً
____________________

وقوله : أسرك استفهام إنكاري وسدى بمعنى أسدي من السدى بالفتح وهو ما يمد في )
النسج .
وقوله : وإلا ترزئي . . . إلخ أي : وإن لم تتركي عذلي ترزئي . والرزء : المصيبة والنقص وفعله من باب منع يتعدى إلى مفعلوين : أحدهما : هنا نائب الفاعل يقال : ما رزأته ماله أي : ما نقصته . وجملة يضرك هلكه : صفة لمال .
وقوله : وقد كذبتك نفسك . . إلخ في النهاية لابن الأثير عن الزمخشري : وقول العرب : كذبته نفسه أي : منته الأماني وخيلت إليه من الآمال ما لا يكاد يكون وذلك مما يرغب الرجل في الأمور ويبعثه على التعرض لها .
ويقولون في عكسه : صدقته نفسه إذا ثبطته وخيلت إليه العجز والنكد في الطلب . ومن ثم قالوا للنفس : الكذوب . انتهى .
وكذب بفتح الذال وفي فاكذبيها بكسرها .
فظهر بهذه الأبيات أن الخطاب لمؤنث . ولم ينتبه له من شراح أبيات سيبويه غير ابن السيرافي وأنشد البيتين قبله كذا : ( وإلا تزرئي أهلاً ومالاً ** يضرك هلكه ويطول عمري ) فقد كذبتك نفسك فاكذبيها . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وقال : يخاطب امرأته .

____________________

ولما لم يقف الأعلم على الأبيات وسببها ظن أنه خطاب لمذكر فقال وتبعه ابن خلف قاله دريد معزياً لنفسه عن أخيه عبد الله بن الصمة وكان قد قتل : لقد كذبتك نفسك فيما منتك به من الاستمتاع بحياة أخيك فاكذبنها في كل ما تمنيك به بعد فإما أن تجزع لفقد أخيك وذلك لا يجدي عليك شيئاً وإما أن تجمل الصبر فلذلك أجدى عليك . هذا كلامه . والرواية إنما هي فقد إلى آخر ما ذكرنا .
وأنشد العيني البيت بالتذكير وروى أوله : وقد كذبتك وقال : الواو للعطف إن تقدمه شيء وعلى هذا النمط شرح البيت .
وإنما قلنا إن المصارع الثاني التفات إل التكلم لقول سيبويه في رفعه : أمري جزع . وإلا فالظاهر أنه من بقية الخطاب وأن تقديره فإما تجزعين جوزعاً وذلك لا فائدة فيه وإما تجملين )
الصبر إجمالاً وهو أجدى .
وقوله : فلم يسمع معاوية فعل وفاعل وروي : فلم أسمع من الإسماع ومعاوية مفعوله .
وقوله : رأيت مكانه فعطفت زوراً أي : لأجل الزيارة وقوله : وأي مكان زور استفهام أراد به النفي . ويا ابن بكر خطاب لنفسه . وبكر جده كما يأتي .
وقوله : على إرم متعلق بزور الثاني . وإرم بكسر الهمزة وفتح الراء وهي حجارة تنصب علماً في المفاوز . شبه أحجار قبره بها .
وصير : جمع صيرة بكسر الصاد المهملة وهي حظيرة الغنم شبه ما حول قبره بها .
وروي بدله : وأحجار ثقال . والسلمات : جمع سلمة وهي شجر من أشجار البادية تقطع أغصانها وتوضع على القبر ووصفها بالسمر ليبسها .

____________________

وقوله : وبنيان القبور مبتدأ وجملة أتى . . . إلخ خبره . وطوال بالفتح بمعنى طول فاعل أتى .
وقوله : بشكة حازم متعلق بأتاك . والشكة بالكسر : السلاح . والحازم : المتيقظ .
وقوله : لا عيب فيه روي بدله : لا غمز فيه أي : لا مطعن فيه . والكمأة : الشجعان جمع كمي بوزن فعيل . قال صاحب الأغاني : أي : كأن ألوانهم ألوان النمر : سواد وبياض من السلاح .
والجدث : بفتح الجيم والدال : القبر . والمسهكة بفتح الميم والهاء وسكون السين المهملة بينهما : ممر الريح .
وإنما رثاه بهذه القصيدة مع أنه لم يكن من قومه لما رواه صاحب الأغاني قال : تحالف دريد بن الصمة ومعاوية بن عمرو وتواثقاً : إن هلك أحدهما أن يرثيه الباقي بعده وإن قتل أن يطلب بثأره فقتل معاوية بن عمروٍ وقتله هاشم بن حرملة المري فرثاه دريد بهذه القصيدة .
ودريد : مصغر أدرد يقال : رجل أدرد وامرأة درداء وهو الذي كبر حتى سقطت أسنانه فصار يعض على دردره . ومنه أبو الدرداء . والصمة بكسر الصاد وتشديد الميم معناه الشجاع .
قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين : عاش دريد بن الصمة الجشمي نحواً من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينيه وأدرك الإسلام ولم يسلم وقتل يوم حنين كافراً .
وقال صاحب الأغاني : دريد بن الصمة اسمه معاوية بن الحارث بن بكر
____________________

ابن علقمة ابن خزاعة بن غزية بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوزان ودريد بن الصمة فارس شجاع شاعر فحل . )
وجعله محمد بن سلام أول شعراء الفرسان وقد كان أطول الفرسان الشعراء غزواً وأبعدهم أثراً وأكثرهم ظفراً وأيمنهم نقيبة عند العرب وأشعرهم .
وقال أبو عبيدة : كان دريد سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم وكان مضفراً ميمون النقيبة غزا نحو مائة غزاة وما أخفق في واحدة منها وأدرك الإسلام ولم يسلم وخرج مع قومه في يوم حنين مظاهراً للمشركين ولا فضل فيه للحرب وإنما أخرجوه تيمناً به وليقتبسوا من رأيه فقتل وكان لدريد إخوة وهم : عبد الله الذي قتلته غطفان وعبد يغوث وقتله بنو مرة وقيس وقتله بنو أبي بكر بن كلاب وخالد وقتله بنو الحارث بن كعب .
وأمهم جميعاً : ريحانة بنت معد يكرب الزبيدي أخت عمرو بن معد يكرب كان الصمة سباها ثم تزوجها فأولدها بنيه وإياها عنى عمرو أخوها لقوله في شعره : الوافر ( أمن ريحانة الداعي السميع ** يؤرقني وأصحابي هجوع ) ( إذا لم تستطع شيئاً فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع ) ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لعشر ليالٍ بقين من رمضان سمعت به هوزان فجمعها مالك بن عمرو النصري فاجتمعت إليه ثقيف مع هوزان
____________________

ولم يجتمع إليه من قيس إلا هوزان وناس قليل من بني هلال وغابت عنها كعب وكلاب فجمعت نصر وجشم وسعد وبنو بكر وثقيف واحتشدت وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخٌ كبير فانٍ ليس فيخ شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب .
وكان شجاعاً مجرباً وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف فلما أجمع مالك المسير حط مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم فلما نزلوا بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجارٍ له يقاد به فقال لهم دريد : بأي وادٍ أنتم قالوا : بأوطاس . قال : نعم مجال الخيل ليس بالحزن الضرس ولا السهل الدهس ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاء قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم .
فقال : أين مالك فدعى له به فقال له : يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ما لي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمير وبكاء الصبيان وثغاء الشاء )
قال : سقت مع الناس نساءهم وأبناءهم وأموالهم : قال : ولم قال : أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم .
فوبخه ولامه ثم قال : راعي ضأن والله أي : أحمق وهل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك . ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب قال : لم يشهد منهم أحد . قال : غاب الجد والحد لو كان يوم علاء ورفعة لم يغيبوا عنك ولوددت أنكم فعلتم مثل ما فعلوا فمن شهد منهم قال : بنو عمرو بن عامر وبنو عوف بن عامر . قال : ذانك الجذعان من عامر لا يضران ولا ينفعان . ثم قال : يا مالك إنك لم تصنع شيئاً بتقديم البيضة بيضة هوزان إلى نحور الخيل شيئاً ارفعها إلى أعلى بلادها
____________________

وعلياء قومها ثم الق بالرجال على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك كنت أحرزت مالك وأهلك ولم تفضح في حريمك .
فقال : لا والله ما أفعل ذلك أبداً إنك قد خرفت وخرف رأيك وعلمك والله لتطيعنني يا معاشر هوازن أو لأتكئن على السيف حتى يخرج من ظهري . وحسد دريداً أن يكون له في ذلك اليوم ذكر ورأي . فقالو له : أطعناك وخالفنا دريداً .
فقال دريد : هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ثم قال : منهوك الرجز . ( يا ليتني فيها جذع ** أخب فيها وأضع ) ( أقود وطفاء الزمع ** كأنها شاةٌ صدع ) فلما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انهزم المشركون فأتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف النصري وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك نخلة فأدرك ربيعة ابن رفيع السلمي دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه كان في شجارٍ له فأناخ به فإذا هو برجل شيخ كبير ولم يعرفه الغلام فقال له دريد : ماذا تريد قال : أقتلك . قال : ومن أنت قال : ربيعة بن رفيع السلمي . فأنشاً دريد يقول : المتقارب (
____________________

فأقسم لو أن بي قوة ** لظلت فرائصه ترعد ) ( ويا لهف نفسي أن لا تكو ** ن معي قوة الشامخ الأمرد ) ثم ضربه السلمي بسيفه فلم يغن شيئاً فقال : بئسما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من )
مؤخرة رحلي في القراب فاضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كذلك كنت أضرب الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب بوم قد منعت فيه نساءك فلما ضربه سقط فانكشف فإذا عجانه وبطن فخذيه مثل الفراطيس من ركوب الخيل أعراء . فلما رجع ربيعة أخبر أمه بقتله إباه فقالت : قد أعتق قتيلك ثلاثاً من أمهاتك وأنشد بعده ( الشاهد الثالث بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : الطويل (
____________________

لعمري ما أدري وإن كنت دارياً ** بسبع رمين الجمر أم بثمان
____________________

) على أن الهمزة قد تحذف في الشعر قبل أم المتصلة فإن التقدير : أبسبع رمين الجمر أم بثمان .
قال سيبويه في باب المنقطعة : زعم الخليل أن قول الأخطل : الكامل كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ البيت كقولك : إنها لإبل أم شاء . ويجوز في الشعر أن تريد ب كذبتك الاستفهام وتحذف الألف .
قال الأسود بن يعفر : الطويل ( لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً ** شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر ) وقال أبو الحسن لعمر بن أبي ربيعة : ( لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً ** بسبع رمين الجمر أم بثمان ) انتهى .
قال الأعلم : الشاهد في الأخرين حذف ألف الاستفهام ضرورة لدلالة أم عليها . ولا يكون هذا إلا على تقدير الألف لأن قوله : ما أدري يقتضي وقوع الألف و أم مساوية لها . انتهى .
وكذا جعله ابن عصفور ضرورة وعمم سواء كانت مع أم أم لا . قال : ومنه حذف همزة الاستفهام إذا أمن اللبس للضرورة كقول الكميت : الطويل ( طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب ** ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب ) يريد : أو ذو الشيب يلعب .
ثم أنشد البيتين وقال : وقد حذفت مع أم في الشاذ في قراءة ابن محيصن : سواءٌ عليهم أنذرتهم )
أم لم تنذرهم بهمزة واحدة من غير مد وكأن الذي سهل حذفها كراهية اجتماع همزتين مع قوة الدلالة عليها .
ألا ترى أن سواء تدل عليها بما فيها من معنى التسوية إذ التسوية لاتكون إلا بين اثنين ويدل عليها مجيء أم بعد ذلك . انتهى .
وذهب جماعة إلى أن الهمزة يجوز حذفها إن كانت مع أم وإلا فلا .
وذهب الأخفش وتبعه طائفة إلى جواز حذفها مطلقاً . وهو ظاهر كلام ابن مالك في التوضيح قال : قد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها كقوله تعالى : وتلك نعمة .
قال أبو الفتح وغيره : أراد : أو تلك نعمة . ذلك قراءة ابن محيصن : سواء عليهم أنذرتهم بهمزة واحدة . ومن ذلك قراءة أبي جعفر : سواءٌ
____________________

عليهم استغفرت لهم بهمزة وصل .
ومن حذفها في الكلام الفصيح قوله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر عيرته بأمه أراد : أعيرته ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فبشرني من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة . قلت : وإن سرق وزنى قال : وإن سرق وزنى .
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو إن سرق وزنى . ومنه حديث ابن عباس أن رجلاً قال : إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه وفي بعض النسخ : فأقضيه .
ومنه أن الحسن أو الحسين أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه وقال : أما علمت وفي بعض النسخ : ما علمت . انتهى .
والبيت من قصيدة لعمر بن أبي ربيعة المخزومي قالها في عائشة بنت طلحة بن عبيد الله التيمي الصحابي .
وقبله : ( لقد عرضت لي بالمحصب من منى ** مع الحج شمسٌ سيرت بيمان ) ( فلما التقينا بالثنية سلمت ** ونازعني البغل اللعين عناني ) ( بدا لي منها معصمٌ حيث جمرت ** وكفٌ خضيبٌ زينت ببنان ) فوالله ما أدري وإن كنت دارياً . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت (
____________________

فقلت لها عوجي فقد كان منزلي ** خصيبٌ لكم ناء عن الحدثان ) ) ( فعجنا فعاجت ساعةً فتكلمت ** فظلت لها العينان تبتدران ) عرضت : ظهرت . و المحصب بالحاء وتشديد الصاد المفتوحة المهملتين : موضع رمي الجمار وشمس : أي : امرأة كالشمس سيرت في طرف يمان بخلاف الشمس الحقيقية فإنها تسير نحو المغرب .
وحرفه ابن الملا فكتبه : شبهت بيمان وقال : هو صفة محذوف أي : بسيفٍ يمان شبهها به في البريق واللمعان . هذا كلامه .
والثنية عند جمرة العقبة . ولا يبعد أن يكون سيرت بثمان أي : مع نسوة ثمان وبه يظهر وجه قوله : بسبع رمين الجمر بالنون إلا أنه يكون في ثمان الآتي إيطاء .
وقوله : ونازعني أي : جاذبني . والنزع : الجذب . وبدا : ظهر . والمعصم بكسر الميم : موضع السوار من الساعد .
وجمرت بالجيم وتشديد الميم : رمت جمتار المنسك وهي ثلاث جمرات : الجمرة الأولى والوسطى وجمرة العقبة .
وخضيب : مخضوبة بالحناء أو بغيرها . والبنان : أطراف الأصابع وقيل : الأصابع .
فإن قيل : ما معنى تزين الكف بالبنان وهي من تمام الخلقة والزينة إنما تكون
____________________

بما زاد عليها فالجواب : أن تلك الكف زينت بلطافة البنان وحسنها أو بمغايرة خضابها في اللون خضاب الكف .
على أنا نقول : لو أريد أن الزينة حصلت بذات البنان لاستقام ويكون إشارة إلى ما خص الله به النوع الإنساني من الأعضاء المتناسبة بالنسبة إلى سائر الحيوان . كذا في شرح المغني لابن الملا .
وروى ابن المستوفي المصراع هكذا : وكف لها مخضوبة ببنان فلا يرد السؤال والجواب .
وقوله : لعمري ما أدري روي كذا بالياء والكاف . وروي أيضاً : فوالله ما أدري . والدراية : علم يتخيل . وجملة ما أدري : جواب القسم .
وأدري : يتعدى لمفعولين وهو هنا معلق بالاستفهام المقدر في بسبع وجملة وإن كنت دارياً : )
اعتراض بين أدري وبين معموله وإن وصلية .
فإن قلت : كيف ينفي الدراية عنه ثم يثبتها له قلت : اختلاف زمانهما نفى التناقض .
وقال السيوطي في شرح أبيات المغني : قوله : وإن كنت يحتمل أن تكون إن نافية أي : وما كنت دارياً فيكون تأكيداً للجملة قبلها . ويحتمل أن تكون مخففة من الثقيلة أي : وإني كنت قبل ذلك من أهل الدراية والمعرفة حتى بدا لي ما ذكر فسلبت الدراية . وهذا الاحتمال عندي أظهر .
قلت : أما الأول فبعيد مع أن الحمل على التأسيس خير من التأكيد . وأما الثاني فكان يلزمه أن يقول : وإن كنت لدارياً باللام الفارقة .
وقوله : رمين بنون النسوة وهو واضح مع ما قدمنا . وقال ابن الملا : فإن قلت : كان الظاهر رمت فلم أتى بضمير الجمع قلت : للتعظيم الذي يليق بأهل الود السليم . انتهى .

____________________

أقول : تعظيم الغائب الواحد بضمير الجمع غير موجود في لغة العرب .
وقال الدماميني : الضمير عائد إلى البنان أو إلى المرأة وصواحبها .
قال السيوطي : هذا البيت أنشده الزبير بن بكار بلفظ : ( فوالله ما أدري وإني لحاسبٌ ** بسبعٍ رميت الجمر أو بثمان ) بتاء المتكلم في رميت . وهذا الوجه أوجه بلا شك فإن الإخبار بذهوله عن فعله لشغل قلبه بما رأى أبلغ من الإخبار بذهوله عن فعل الغير . وفيه سلامة من التأويل المذكور .
قال ابن الملا : ولقائل أن يقول : هذا الكلام في حيز المنع إذ ليس في ذهول الإنسان عن فعل نفسه وإن كان ذا خطر كبير أمر لا سيما والشاغل ما ذكر كيف وإن وقوعه أكثر من أن يحصى بخلاف ذهول الإنسان عن فعل الغير المتصدي لمراقبته شهوداً وغيبة فإن العادة تقتضي والمذهب الغرامي يوجب أن من تصدى لمراقبة فعل الأحباب كان أبعد من أن يذهل وأما دعواه السلامة من التأويل فظاهر المنع لأن معنى البيت على روايته : فوالله ما أدري الحساب وإني لحساب لأن نفيه لدراية جواب أبسبعٍ رمين أم بثمان إنما هو لانتفاء كونه دارياً إذا ذاك بالحساب كما يشهد به التخيل الصحيح . ويعود الإشكال فيحتاج إلى التأويل اللهم إلا أن يكون أراد التأويل في رمين . انتهى كلامه .
وقال ابن المستوفي : أراد أنه شغل بهن فلم يدر عدد ما رمينه من الجمرات . وهذا معنىً مبتذل إلا أنه عكس ما ذكره غيره . وذلك أن الشعراء ذكروا أنهم شغلوا وبهتوا بما جرى )
عليهم فلم يعلموا ما فعلوا بأنفسهم كقول جران العود : البسيط (
____________________

ثم ارتحلت برحلي قبل برذعتي ** والعقل متلهٌ والقلب مشغول ) ويمكن أن يعتذر لعمر فيقال : إنه شغل بهن عن نفسه فلم ينظر إلا إليهن لا إلى ما يفعلن . انتهى .
وقوله : فقلت لها عوجي عاج بالمكان يعوج عوجاً من باب قال أي : أقام به . وعجت غيري بالمكان أعوجه يتعدى ولا يتعدى . وعجت البعير إذا عطفت رأسه بالزمام . كذا في الصحاح .
وتقدمت ترجمة عمر بن أبي ربيعة في الشاهد السابع والثمانين من أوائل الكتاب . ( الشاهد الرابع بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : الطويل ( لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً ** شعيث ابن سهمٍ أم شعيث ابن منقر ) لما تقدم قبله وتقدم فيه نص سيبويه وإعرابه .
وأورده ابن هشام في بحث أم من المغني وقال : الأصل أشعيث بالهمزة في أوله والتنوين في آخره فحذفهما للضرورة . والمعنى : ما أدري أي النسبين هو الصحيح .

____________________

أقول : حكمه هنا بأن حذف الهمزة ضرورة ينافيه ما تقدم منه في بحث الألف من إطلاق جواز حذفها تقدمت على أم أم لم تتقدم . وإنما اعتبره منوناً حذف تنوينه للضرورة لأنه أخبر عنه بابن والعلم المنون إنما يحذف تنوينه إذا وصف بابن لا إذا أخبر عنه ومن ثم يكتب ألف ابن أيضاً وإن كان واقعاً بين علمين .
قال ابن الملا : ويجوز أن يكون ممنوعاً من الصرف ولا ضرورة باعتبار القبيلة والإخبار عنه بابن لا يمنع ذلك لجواز رعاية التذكير والتأنيث باعتبارين .
قال السيرافي : يهجو هذه القبيلة يقول : إنها لم تستقر على أب لأن بعضاً يعزوها إلى منقر وقال الأعلم : المعنى ما أدري : أشعيث من بني سهم أم هم من بني منقر . وشعيث : حي من تميم من بني منقر فجعلهم أدعياء وشك في كونهم منهم أو من بني سهم . وسهم هنا : حي من قيس . انتهى .
وصحف ابن الملا سهماً بغنم فقال : قال الأعلم : شعيث : حيٌ من غنم . انتهى . )
وشعيث في الموضعين بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وآخره ثاء مثلثة قال العسكري في كتاب التصحيف والأعلم : وروايته بالباء الموحدة تصحيف .
ومنقر بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف بطن من تميم وهو منقر ابن عبيد بالتصغير ابن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم . كذا في الجمهرة . وقوله : وسهم : حيٌ من قيس أي : من قيس عيلان . وهو سهم بن عمرو بن ثعلبة بن غنم بن قتيبة بن باهلة . وينتهي نسبه إلى غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر . وفي قريش أيضاً : سهم أبو حي وهو سهم بن عمرو بن
____________________

هصيص بالتصغير ابن عمرو بن جمح بضم الجيم ففتح الميم ابن كعب بن لؤي . ومنهم قيس بن عدي بن سعد بن سهم .
وزعم ابن الحنبلي فيما كتبه عن المغني أن قول الأعلم حيٌ من قيس هو قيس السهمي . وهذا غلط منه لا يصح .
وشعيث المذكور لم أر له ذكراً في جمهرة الأنساب ولا في الصحاح ولا في العباب . وذكره صاحب القاموس وقال شعيث كزبير : ابن محرز .
والبيت أنشده سيبويه للأسود بن يعفر . وتقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والستين من أول الكتاب .
وأنشده المبرد في موضعين من الكامل للّعين المنقري . والله أعلم .
ونقل أبو الوليد الوقشي عن البيان للجاحظ فيما كتبه على كامل المبرد أنه قال : ذكروا أن شعيث بن سهم بن محرز
____________________

بن حزن أغير على إبله فأتى أوس ابن حجر يستنجده فقال أوس : أو خيرٌ من ذلك أحضّض لك قيس بن عاصم وكان يقال : إن حزن بن الحارث هو حزن بن منقر فقال أوس : الطويل ( سائل بها مولاك قيس بن عاصم ** فمولاك مولى السوء إن لم يعير ) ( لعمرك ما أدري أمن حزن محرزٍ ** شعيث بن سهمٍ أم لحزن بن منقر ) وكتب الوقشي على الموضع الثاني من الكامل بعد إنشاد البيت الثاني : قال الجاحظ : كان يقال : إن حزن بن الحارث يكون أبا جد شعيث بن سهم بن محرز ابن حزن بن الحارث أحد بلعنبر بن عمرو بن تميم وهو حزن بن منقر . ولشعيث ابن سهم وقول أوس هذا فيه خبر أثبته الجاحظ في فظهر مما ذكرنا أن شعيثاً ليس بأبي قبيلة وظهر قول ابن هشام إن تنويه حذف للضرورة . ولا )
يتأتى دعوى منع صرف للعملية والتأنيث باعتبار القبيلة والله أعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد الخامس بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الكامل ( كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ ** غلس الظلام من الرباب خيالا ) لما تقدم من أن الهمزة المعادلة ل أم محذوفة منه للضرورة والتقدير : أكذبتك عينك أم رأيت .
ونقل سيبويه عن الخليل أن أم فيه منقطعة وجوز أن تكون متصلة بتقدير الهمزة كما تقدم .
قال الأعلم : الشاهد فيه إتيانه بأم منقطعة بعد الخبر حملاً على قولهم : إنها لإبل أم شاء .
ويجوز أن تحذف ألف الآستفهام ضرورة لدلالة أم عليها والتقدير : أكذبتك عينك أم رأيت ونظير إضرابه على الخبر الأول وتكذيبه لنفسه بقوله :
____________________

أم رأيت بواسط قول زهير : البسيط ( قف بالديار التي لم يعفها القدم ** بلى وغيرها الأرواح والديم ) فقال : لم يعفها القدم ثم أكذب نفسه فقال : بلى وغيرها الأرواح . فكذلك قال : كذبتك عينك فيما تخيل لك ثم رجع عن ذلك ف قال : أم رأيت بواسط خيالاً . والمعنى : بل هل رأيته ولم تشك فيه . انتهى .
وذكر الوجهين المبرد في الكامل قال : فيه قولان : أحدهما : أ كذبتك عينك كما قيل في : بسبعٍ رمين الجمر أم بثمان وليس هذا بالأجود ولكنه ابتدأ متيقناً ثم شك فأدخل أم كقولك : إنها لإبل ثم تشك فتقول : أم شاء يا قوم . انتهى .
قال ابن الحنبلي : إن جعل الخليل التقدير في المثال : بل أهي شاء كان مراد الأخطل : كذبتك عينك في رؤية الربا نفسها بل لم تر خيالاً منها فضلاً عن أن تراها نفسها على أن أم بمعنى بل وهمزة الإنكار . وإن جعله : بل هي شاء كان مراده : كذبتك عينك فلم تكن رأيتها بل رأيتها خيالاً منها . انتهى .
ونقل ابن هشام في المغني عن أبي عبيدة أنه زعم أن أم تأتي بمعنى الاستفهام المجرد من الإضارب فقال في قول الأخطل : كذبتك عنك أم رأيت بواسطٍ )
إن المعنى : هل رأيت .

____________________

وبعده : ( وتغولت لتروعنا جنيةٌ ** والغانيات يرينك الأهوالا ) ( يمددن من هفواتها إلى الصبا ** سبباً يصدن به الغواة طوالا ) ( ما إن رأيت كمكرهن إذا جرى ** فينا ولا كحبالهن حبالا ) ( المهديات لمن هوين مسبةً ** والمحسنات لمن قلين مقالا ) ( يرعين عهدك ما رأينك شاهداً ** وإذا مذلت يصرن عنك مذالا ) ( وإذا وعدنك نائلاً أخلفنه ** ووجدت عند عداتهن مطالا ) ( فإن دعونك عمهن فإنه ** نسبٌ يزيدك عندهن خبالا ) ( وإذا وزنت حلومهن إلى الصبا ** رجح الصبا بحلومهن فمالا ) ومنها : ( فانعق بضأنك يا جرير فإنما ** منتك نفسك في الخلاء ضلالا ) ( منتك نفسك أن تسامي دارماً ** أو أن توازن حاجباً وعقالا ) دارم : قبيلة الفرزدق . وحاجب وعقال : من أشراف قومه .
وروي عن جرير أنه قال : ما غلبني الأخطل إلا في هذه القصيدة ولقد قلت بيتاً في القصيدة ( والتغلبي إذا تنحنح للقرى ** حك استه وتمثل الأمثالا
____________________

) كذا في نوادر ابن الأعرابي .
وقوله : فانعق بضأنك استشهد به صاحب الكشاف عند قوله تعالى : ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق على أن النعيق : التصويت يقال : نعق المؤذن والراعي بغنمه ينعق بالكسر نعيقاً ونعاقاً : صاح بها وزجرها .
والمعنى : إنك من رعاة الغنم لا من الأشراف وما منتك نفسك به في الخلاء أنك من العظماء فضلال باطل لأنك لا تقدر على إظهاره في الملأ وهم الأشراف .
وقوله : كذبتك نفسك أم رأيت بواسط هذا خطاب لنفسه على طريق التجريد . قال ابن الأثير في النهاية : قد استعملت العرب الكذب في موضع الخطأ .
قال الأخطل : كذبتك نفسك ومنه حديث عروة قيل له : إن ابن عباس يقول : إن النبي صلى الله )
عليه وسلم لبث بمكة بضع عشرة سنة فقال : كذب أي : أخطأ . ومنه قول عمر لسمرة حين قال : المغمى عليه يصلي مع كل صلاةٍ صلاةً حتى يقضيها فقال : كذبت ولكنه يصليهن معاً .
أي : أخطأت . وقد تكرر في الحديث . انتهى .

____________________

والغلس بفتحتين : ظلمة آخر الليل والرباب بفتح الراء من أسماء النساء . والخيال : الطيف .
وقال ابن السيرافي : واسط هنا : موضع بنواحي الشام . وغلطه الأسود أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب فقال : ليس بنواحي الشام موضع يقال له : واسط والذي في البيت واسط الجزيرة . وأخبرني أبو الندى قال : للعرب سبعة أواسط : واسط نجد وهو الذي ذكره خداش بن زهير : الطويل ( عفا واسطٌ أكلاؤه فمحاضره ** إلى حيث نهيا سيله فصدائره ) وواسط الحجاز وهو الذي ذكره كثير : الطويل ( أجدوا فأما آل عزة غدوةً ** فبانوا وأما واسطٌ فمقيم ) وواسط الجزيرة وهو الذي ذكره الأخطل في ذاك البيت وفي بيته الآخر : الطويل ( عفا واسطٌ من آل رضوى فنبتلٌ ** فمجتمع الحرين فالصبر أجمل ) وواسط اليمامة وهو الذي ذكره الأعشى في شعر وواسط العراق . وقد أنسيت اثنين . انتهى كلامه .
وقد أبعد السيوطي في قوله : واسط : بلد بالعراق اختطها الحجاج وتبعه ابن الملا .

____________________

وقال ياقوت في معجم البلدان قال أبو حاتم : واسط التي ينجدٍ والتي بالجزيرة يصرف ولا يصرف . وأما واسط البلد المعروف فمذكر لأنهم أرادوا بلداً واسطاً أو مكاناً واسطاً فهو منصرف على كل حال . والدليل على ذلك قولهم : واسط بالتذكير ولو ذهب به إلى التأنيث لقالوا : واسطة .
قالوا : وقد يذهب به مذهب البقعة والمدينة فيترك صرفه . وأنشد سيبويه في ترك الصرف : البسيط ( منهن أيام صدقٍ قد عرفت بها ** أيام واسط والأيام من هجرا ) ولقائل أن يقول : إنه لم يرد واسط هذه . فيرجع إلى ما قاله أبو حاتم : وسميت مدينة الحجاج واسطاً لأنها متوسطة بين البصرة والكوفة لأن منها إلى كل واحدة منها خمسين فرسخاً لا قول )
فيه غير ذلك إلا ما ذهب إليه بعض أهل اللغة حكاية عن ابن الكلبي أنه كان قبل عمارة واسط هنا موضع يسمى : واسط قصب فلما عمر الحجاج مدينته سماها باسمها . والله أعلم .
وشرع الحجاج في عمارة واسط سنة أربع وثمانين وفرغ منها في سنة ست وثمانين فكان عمارتها في عامين في العام الذي مات فيه عبد الملك بن مروان ولما فرغ منها كتب إلى عبد الملك : إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها واسطاً . فلذلك سمي أهل واسط الكرشيين .
وفي الأمثال : تغافل واسطي قال المبرد : سألت عنه التوزي فقال : إن الحجاج لما بناها قال : فسمي أهلها الكرشيين فكان إذا مر أحدهم بالبصرة نادوا : يا كرشي فتغافل عن ذلك ويري أنه يسمع وأن الخطاب ليس معه ولقد جاءني بخوارزم أحد
____________________

أعيان أدبائها وسألني عن هذا المثل وقال لي : قد أطلت السؤال عنه فلم أظفر به ولم يكن لي في ذلك الوقت علم به حتى وجدته بعد ذلك فأثبته .
وأنشد التنوخي لفضل الرقاشي : الوافر ( تركت عيادتي ونسيت بري ** وقدماً كنب بي براً حفياً ) ( فما هذا التغافل يا ابن عيسى ** أظنك صرت بعدي واسطياً ) انتهى .
وقال ابن الملا : المثل : تغافل كأنك واسطي لأنه كان يتسخرهم في البناء فيهربون وينامون بين الغرباء في المسجد فيجيء الشرطي يقول : يا واسطي . فمن رفع رأسه أخذه فلذلك كانوا بتغافلون . هذا كلامه . وهو بعيد .
ثم قال ياقوت : واسط أيضاً قرية متوسطة بين بطن مر ووادي نخلة .
وواسط أيضاً : قرية مشهورة ببلخ .
وواسط أيضاً : قرية بحلب قرب بزاعة مشهورة عندهم وبالقرب منها قرية يقال لها : الكوفة .
وواسط أيضاً : قرية بالخابور قرب قرقيساء وإياها عني الأخطل فيما أحسب لأن الجزيرة منازل تغلب : عفا واسطٌ من ارض رضوى فنتبل وواسط أيضاً : قرية بدجيل على ثلاثة فراسخ من بغداد . )
وواسط أيضاً : موضع بين العذيب والصفراء .
وواسط أيضاً : من منازل بني قشير لبني أسيدة .

____________________

وواسط أيضاً : بمكة قال الفاكهي : واسط : قرن كان أسفل من جمرة العقبة بين المأزمين فضرب حتى ذهب قال : ويقال له : واسط لأنه بين الجبلين اللذين دون العقبة .
وواسط أيضاً : بليدة بالأندلس من أعمال قبرة .
وواسط أيضاً : قرية كانت قبل واسط في موضعها كانت تسمى واسط القصب أخربها الحجاج وبني مدينته واسطاً .
وواسط أيضاً : قرية قرب مطيراباذ قرب حلة بني مزيد يقال لها : واسط مرزاباد .
وواسط أيضاً : قرية باليمن بسواحل زبيد قرب العنبرة .
وواسط أيضاً : مواضع في بلاد بني تميم .
وقوله : وتغولت أي : تهولت . والغانية : الحسناء التي استغنت بحسنها عن الزينة . والهفوة : الجهل . والسبب : الحبل . والطوال بالضم : الطويل .
ومذلت من كلامه : قلقت وضجرت . والمذيل : المريض الذي لا يتقار وهو ضعيف . ومذل بسره أي : أفشاه . ومذال : جمع مذلي كعطاش جمع عطشي .
وترجمة الأخطل تقدمت في الشاهد الثامن والسبعين من أوائل الكتاب .
ومن هذه القصيدة قوله : الكامل (
____________________

أبني كليبٍ إن عمي اللذا ** قتلا الملوك وفككا الأغلالا ) وتقدم شرحه في الشاهد الثالث والعشرين بعد الأربعمائة من باب اسم الفاعل .
وأنشد بعده ( الشاهد السادس بعد التسعمائة ) البسيط ( أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ** رئمان أنفٍ إذا ما ضن باللبن ) على أن أم فيه بمعنى بل وحدها بدون همزة الاستفهام إذ الاستفهام موجود فلا وجه لجمع وفيما ذهب إليه مخالفة للبصريين وميل لقول الكوفيين لقوته .
وإليه ذهب ابن هاشم أيضاً في المغني قال : نقل ابن الشجري عن جميع
____________________

البصريين أنها أبداً بمعنى بل والهمزة جميعا وأن الكوفيين خالفوهم في ذلك . والذي يظهر قولهم إذ المعنى في : أم جعلوا لله شركاء ليس على الاستفهام ولأنه يلزم البصريين دعوى التأكيد في نحو : أم هل تستوي الظلمات ونحو : أم ماذا كنتم تعملون أم من هذا الذي هو جندٌ لكم . انتهى .
وسبقهما إلى هذا أبو علي قال في المسائل المنثورة بعد إنشاد هذا البيت : هذه المسألة فيها إشكال وهو أن أم للاستفهام دخلت على كيف . فوجه ذلك أن أم هنا عاطفة و كيف للاستفهام . كما أنك إذا قلت : ما جاءني زيد ولكن عمرو فالواو فيه عاطفة وخرجت لكن من معنى العطف لدخول الواو .
فكذلك إذا قيل : أم هل تخرج هل من معنى الاستفهام لدخول أم فكذلك تخرج أم من معنى الاستفهام إلى العطف . انتهى .
وتبعه ابن جني في الخصائص فقال : فإن قلت : فما تقول في قوله : أم كيف ينفع البيت وجمعه بين أم وكيف فالقول : إنهما ليسا لمعنى واحد . وذلك أن أم هنا جردت لمعنى الترك والتحول وجردت من معنى الاستفهام وأفيد ذلك من كيف لا منها .
فإن قيل : فهلا وكدت إحداهما بالأخرى توكيداً كتوكيد اللام لمعنى الإضافة وياءي النسب لمعنى الصفة قيل : يمنع من ذلك أن كيف لما بنيت واقتصر بها على الاستفهام البتة جرت مجرى الحرف البتة .
وليس في الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد لأن في ذلك نقضاً لما اعتزم عليه من الاختصار في استعمال الحروف . وليس كذلك : يا بؤس للحرب
____________________

وأحمري . وذلك أن هنا إنما انضم الحرف إلى اسم فهما مختلفان فجاز أن يترادفا في موضعهما لاختلاف جنسيهما .
فإن قلت : فقد قال : الوافر )
وما إن طبنا جبنٌ فجمع بين ما وإن و كلاهما بمعنى النفي وهما كما ترى حرفان . قيل ليست إن حرف نفي وإنما هي حرف يؤكد به بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك .
وأما قوله : الوافر (
____________________

طعامهم لئن أكلوا معدٌ ** وما إن لا تحاك لهم ثياب ) فإن ما وحدها للنفي و إن و لا جميعاً للتوكيد . ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام . كلامه باختصار .
فعلم مما نقلناه إن ما ادعاه ابن الشجري من إجماع البصريين ليس بصحيح . ودعوى ابن جني عدم اجتماع حرفين لمعنى واحد يبطلها قول الشاعر : الوافر ولا للما بهم أبداً دواء وقوله : الطويل فأصبحن لايسألنه عن بما به وقد تقدم شرحهما في الشاهد الرابع والثلاثين بعد المائة وفي غيره .

____________________

والبيت آخر أبيات تسعة لأفنون التغلبي أوردها له أبو عمرو الشيباني في أشعار تغلب والمفضل في المفضليات وهي : ( أبلغ حبيباً وخلل في سراتهم ** أن الفؤاد انطوى منهم على حزن ) ( قد كنت أسبق من جاروا على مهلٍ ** من ولد آدم ما لم يخلعوا رسني ) ( فالوا علي ولم أملك فيالتهم ** حتى انتحيت على الأرساغ والثنن ) ( لو أنني كنت من عادٍ ومن إرم ** ربيت فيهم ولقمان ومن جدن ) ( لما فدوا بأخيهم من مهولةٍ ** أخا السكون ولا جازوا على السنن ) ( سألت قومي وقد سدت أباعرهم ** ما بين رحبة ذات العيص والعدن ) ( أني جزوا عامراً سوءى بفعلهم ** أم كيف يجزونني السوءى من الحسن ) أم كيف ينفع ما تعطي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت قوله : أبلغ حبيباً بضم المهملة وفتح الموحدة الأولى وهو قبيلة أفنون .

____________________

وقوله : وخلل . . . إلخ قال ابن الأنباري في شرحه : سراتهم : خيارهم جمع سري . )
وخلل أي : خصهم بالبلاغ أي : اجعل بلاغك يتخللهم . وقوله : أن الفؤاد . . . إلخ هذا هو المبلغ .
يريد : أنه قد تألم منهم لما طلب منهم أباعر فخيبوا أمله منهم ولم يتحملوا عنه ديات من قتلهم .
وقوله : قد كنت أسبق . . . إلخ على : متعلقة بأسبق ومن بيان لمن وما : مصدرية ظرفية .
قال ابن الأنباري : أي كنت أناضل عنهم وأدفع وأسبق من جارهم .
وقوله : من ولد آدم أي : من الناس كلهم . وقوله : ما لم يخلعوا . . . إلخ أي : كنت أسبق من فاخرهم وطلب مغالبتهم ما لم يهملوني ويتخلوا عني . وجعل خلع الرسن مثلاً كأنهم تبرؤوا منه لكثرة جزائره .
وقوله : فالوا علي . . . إلخ بالفاء من الفيلولة وهي ضعف الرأي . والفيالة بالفتح الاسم . قال ابن الأنباري : أي : اخطؤوا على رأيهم يقال : فال الرجل في رأيه وهو فيل الرأي بالكسر .
وقوله : انتحيت : اعتمدت . والأرساغ : جمع رسغ وهو من الدواب الموضع المستدق بين الحافر وموصل الوظيف من اليد أو الرجل . والثنن : جمع ثنة بضم المثلثة وتشديد النون وهو الشعر في مؤخر الرسغ . وحتى بمعنى إلى متعلقه بفالوا . وضربهما مثلاً لأسافل الناس . يريد : أما لما أخطؤوا في أمري وأصروا قصدت أرذال الناس .
وقوله : لو أنني كنت . . . إلخ من عاد : خبر كنت وريبت : حال من الضمير المستقر في الخبر قال صاحب الصحاح : وربوت في بني فلان وربيت أي : نشأت فيهم .

____________________

وإرم بكسر ففتح : قبيلة مشهورة بالقوة . وعظم الأبدان . وعاد : اسم أبيهم ولقمان أي : ومن نسل لقمان صاحب النسور وهو منسوب إلى عاد كما قال الشاعر : الوافر ( تراه يطوف الآفاق حرصاً ** ليأكمل رأس لقمان بن عاد ) وجدن بفتح الجيم قال ابن الأنباري : قبيلة باليمن . انتهى .
وقيل : هو قيل من أقيال اليمن والمشهور فيه ذو جدن فيكون التقدير أيضاً : ومن نسل ذي جدن .
وقوله : لما فدوا اللام في جواب لو ودخولها على حرف النفي نادر . والسكون بفتح السين : قبيلة من كندة في اليمن . وأخا السكون : مفعول فدوا هو رجل من السكون كان أسيراً عند وأراد بأخيهم نفسه والباء للبدل . ومن مهولة : من أجل مصيبة هائلة . ولا جازوا من المجازاة . )
والسنن : جمع سنة وهي السيرة . بالغ في ذكر تبرئهم منه وجفائهم له .
وقوله : سألت قومي السؤال هنا الاستعصاء . وجملة : قد سدت . . . إلخ حالية . والرحبة : الفضاء .
وقوله : إذا قربوا : متعلق بسألت . . وقوله : لله در . . . إلخ تهكم في صورة المدح . والغبن بفتحتين : ضعيف الرأي يتهكم بهم في رأيهم الضعيف حيث منعوه الإعطاء مع السؤال وهو منهم وأعطوا الأجنبي ولم يسألهم .
وقوله : أنى جزوا عامراً . . . إلخ استفهام تعجبي وأنى : بمعنى كيف والواو في جزوا ضمير عشيرته وعامر هو عامر بن صعصعة هو أبو قبيلة
____________________

والمراد هنا : القبيلة وصرفه باعتبار الحي ولو منعه الصرف لكان باعتبار القبيلة . والباء للمقابلة والهاء والميم ضمير عامر .
والسوءى : فعلى نقيض الحسنى وهما مؤنث الأسوأ والأحسن . ولأجل القافية قابل السوءى بالحسن ولولاها لكان يقول الحسنى .
وروي في الأول السوء وهو اسم من ساءه يسوءه سوءاً ومساءة نقيض سره . يقول أتعجب لقومي كيف عاملوا بني عامر بالسوء في مقابلة فعلهم الجميل وقوله : أم كيف يجزونني أم : للإضارب عن الأول . ومن الحسن قال ابن الشجري : متعلق بحال محذوفة والتقدير : كيف يجزونني السوءى بدلاً من الحسن . مثله في التنزيل : أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي : بدلاً من الآخرة .
يقول : بل أتعجب من قومي كيف يعاملونني بالسوء حال كونه بدلاً من الفعل الحسن والصنع الجميل . وأضرب عن الأول للإشارة إلى أن إساءتهم لبني عامر سهل بالنسبة إلى إساءتهم به بادعاء أنه ربما كان لهم عذر في الإساءة لأولئك وأما في الإساءة إليه فلا عذر لهم أصلاً .
ولما تخيل أنهم ربما غالطوا فاعتذروا ترقى بقوله : أم كيف ينفع . . البيت كأنه يقول : هو ظاهر لا يساعده باطن وقالٌ لا يصدقه حال .
وقوله : أم كيف ينفع إلخ أم هذه أيضاً للإضراب . والعلوق بفتح العين المهملة قال ابن الأنباري في شرحه : العلوق من الإبل : التي لا ترأم ولدها ولا تدر عليه جعله ها هنا مثلاً . و رئمانها هنا : عطفها ومحبتها .

____________________

وقال القالي في أماليه : هي الناقة التي ترأم بأنفها وتمنع درها . يقول : فأنتم تحسنون القول ولا )
تعطون شيئاً فكيف ينفعني ذلك . انتهى .
وقال الزجاجي في أماليه الصغرى : هذا البيت مثل يضرب لكل من يعد بلسانه كل جميل ولا كأنه قيل : كيف ينفعني قولك الجميل إذا كنت لا تفي به . وأصله أن العلوق هي الناقة التي تفقد ولدها بنحر أو موت فيسلخ جلده ويحشى تبناً أو حشيشاً ويقدم إليها لترأمه أي : تعطف عليه ويدر لبنها فينتفع به .
فهي تشمه بأنفها وينكره قلبها فتعطف عليه ولا ترسل اللبن . فشبه ذاك بهذا . انتهى .
وقال المبرد في الكامل : الناقة إذا ألقت سقبها أو نحر فخيف انقطاع لبنها أخذوا جلد حوارٍ فحشوه تبناً ولطخوه بشيء من سلاها ثم حشوا أنفها بخرقة فتجد لذلك كرباً .
ويقال للخرقة التي تجعل في أنفها غمامة ثم تسل تلك الخرقة من أنفها فتجد روحاً وترى ذلك البو تحتها وهو جلد الحوار المحشو فترأمه فإن درت عليه قيل : ناقة درور . وترأمه : تشمه .
ويقال في هذا المعنى : ناقة ظؤور فينتفع بلبنها . ويقال : ناقة رائم ورؤوم إذا كانت ترأم ولدها أو بوها . فإن رئمته ولم تدر عليه فتلك العلوق ولا خير عندها . انتهى .
وقال أبو الحسن الأخفش : يقال للناقة إذا مات ولدها أو ذبح : سلوب فإن عطفت على غير ولدها فرئمته فهي رائم وإن لم ترأمه ولم تدر عليه فهي علوق . ويقال العلوق : التي قد علقت فذهب لبنها وعلقت بمعنى حبلت .

____________________

وقال ابن الشجري في أماليه : العلوق من النوق : التي تأبى أن ترأم ولدها أو بوها . والبو : جلد الحوار يحشى ثماماً أو حشيشاً ويقدم إليها لترأمه فتدر عليه فتحلب . فهي ترأمه بأنفها وينكره قلبها فرأمها : أن تشمه فقط ولا ترسل لبنها .
وهذا يضرب مثلاً لمن يعد بكل جميل ولا يفعل منه شيئاً .
والرئمان بكسر الراء والهمزة : مصدر رئمت الناقة ولدها من باب فرح إذا أحبته وعطفت عليه وفي الأمثال : لا أحب رئمان أنف وأمنع الضرع يضرب لمن يظهر الشفقة ويمنع خيره كذا في أمثال الزمخشري .
وقوله : إذا ما ضن بضم الضاد المعجمة أي : حصل الضن وهو الشح والبخل .
قال ابن جني في المحتسب : ألحق الباء في به لما كان تعطي في معنى تسمح به . ألا تراه قال في آخر البيت : إذا ما ضن باللبن فالضن : نقيض السماحة والبذل . انتهى . )
والهاء في به راجعة إلى ما ولولا التضمين لقيل : تعطية وما وإن كانت في اللفظ فاعل ينفع فهي في المعنى مفعول وهي الشيء المعطى وهي اسم موصول بمعنى الذي واقع على الرئمان كما يأتي بيانه وزعم ابن الشجري أنه واقع على البو وهو غير جيد كما سيتضح .
وقد أجاز الكسائي في رئمان أنف الرفع والنصب والجر قال الزجاجي في أماليه : أخبرنا أحمد بن الحسين المعروف بابن شقير النحوي وعلي بن سليمان قالا : أخبرنا أحمد بن يحيى بن ثعلب قال : اجتمع الكسائي والأصمعي بحضرة الرشيد كانا ملازمين له يقيمان بإقامته ويظعنان بظعنه .
فأنشد الكسائي : أني جزواً عامراً سوءاً بفعلهم البيتين
____________________

فقال الأصمعي : إنما هو رئمان أنف بالنصب . فقال له الكسائي : اسكت ما أنت وهذا يجوز بالرفع والنصب والخفض . أما الرفع فعلى الرد على ما لأنها في موضع رفع بينفع فيصير التقدير : أم كيف ينفع رئمان أنف . والنصب بتعطي والخفض على الرد على الهاء التي في به .
قال : فسكت الأصمعي ولم يكن له علم بالعربية كان صاحب لغة ولم يكن صاحب إعراب انتهى ما أورده الزجاجي .
وقوله : أما الرفع فعلى الرد على ما يريد به الإبدال وهي عبارة الكوفيين وهو بدل كل من كل ويجوز رفعه أيضاً على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي : هو رئمان .
وقد جوز هذين الوجهين أبو علي الفارسي في البغداديات قال فيها : حكي لنا أن أبا العباس محمداً وأبا العباس أحمد كانا يلقيان هذا البيت ويسألان عن وجه الإعراب فيه . ورئمان بالرفع والنصب والجر .
فأحدهما : أن تبدل رئمان من الموصول فتجعله إياه في المعنى . ألا ترى أن رئمان أنف هو ما تعطيه العلوق .
والآخر : أن تجعله خبر مبتدأ محذوف كأنه لما قال : أم كيف ينفع ما تعطي العلوق قيل له : وما تعطي العلوق فقال : رئمان أنف أي : هو . كقوله تعالى : بشرٍ من ذلكم النار أي : هي . انتهى .
وقال ابن الشجري في أماليه : ما بمعنى الذي واقعة على البو وانتصاب الرئمان هو الوجه الذي )
يصح به المعنى والإعراب وإنكار الأصمعي لرفعه إنكار في موضعه لأن رئمان العلوق للبو بأنفها هو عطيتها ليس لها عطية غيره .

____________________

فإذا أنت رفعته لم يبق عليها عطية في البيت لفظاً ولا تقديراً . ورفعه على البدل من ما لأنها فاعل ينفع وهو بدل الاشتمال ويحتاج إلى تقدير ضمير يعود منه على المبدل منه كأنك قلت : رئمان أنفها إياه .
وتقدير مثل هذا الضمير قد ورد في كلام العرب ولكن في رفعه ما ذكرت لك من إخلاء تعطي من مفعول في اللفظ والتقدير . وجر رئمان على البدل أقرب إلى الصحيح قليلاً .
وإعطاء الكلام حقه من المعنى والإعراب إنما هو بنصب الرئمان . ولنحاة الكوفيين في أكثر وقد نقله ابن هشام في المغني وأقره ومنشؤه حمل ما على البو ولو حمله على الرئمان لم يرد شيء من هذا .
ولقد أجاد الدماميني في الاعتراض على ابن الشجري بقوله : ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون الضمير من به عائداً على ما لا على البو وبه يتعلق بتعطي على أنه مضمن معنى تجود فلا يكون مخلى من مفعول مع رفع رئمان . انتهى .
ويكون نصب رئمان على أحد ثلاثة أوجه غير ما ذكره .
قال أبو علي بعد ذاك . وأما نصب رئمان فعلى ثلاث جهات : أحدها : على معنى أم كيف ينفع ما تعطيه من رئمان فحذف الحرف وأوصل الفعل .
ثانيها : أن يكون من باب صنع الله ووعد الله كأنه لما قيل تعطي العلوق دل على ترأم لأن إعطاءها رئمان فنصبه على هذا الحد لما دل عليه تعطي .
ثالثها : أن ينتصب على الحال مثل جاء ركضاً على قياس إجازة أبي العباس في هذا الباب ويجعل تعطي بمنزلة تعطف كأنه قيل : أم كيف ينفع ما تعطف به
____________________

العلوق رئماناً أي : كيف ينفع تعطفها رائمة مع منعها لبنها . فهذه ثلاثة أجوبة في النصب . انتهى .
وأشار في الوجه الثالث إلى أن ما مصدرية وعليه يكون ضمير به عائداً إلى البو المفهوم من وقد اعترض الدماميني على مستند ابن الشجري في إنكار الرفع بأنه قد يلتزم ولا محذور فيه لأنّ الفعل المتعدي قد يكون الغرض من ذكره إثباته لفاعله أو نفيه عنه فقط فينزّل منزلة اللام ولا يقدّر له مفعول تقول : فلان يعطي أي : يفعل الإعطاء فلا تذكر للفعل مفعولاً ولا تقدّره )
لأنّ ذلك يخلّ بالغرض . واعتبار هذا المعنى في البيت ممكن .
واعترض عليه ابن الحنبلي بأنّ اعتبار هذا المعنى ممكن في نفسه وأمّا في البيت فلا لأنه مخلٌّ بالغرض إذ الغرض إثبات عطيّة لها لا وصفها بالإعطاء فقط . على أنّا نقول : المتعدّي وإن نزّل منزلة اللازم لا يتحقق مضمونه إلاّ بمفعول في نفس الأمر فإذا لم يكن لها عطيّة إلاّ الرئمان وقد صار معطًى به لإبداله من ما أو ضميرها لم يتحقق الإعطاء فضلاً عن أن ينزّل فعله منزلة اللازم . إلاّ أن يقال : هو ممكن إذا فرض مفعول تعطي اللبن لتحقّق سبب إعطائها إيّاه .
وإن لم تعتبر هي ذلك السبب حتى ضنّت به كمن توفّرت لديه دواعي الكرم فلم يلتفت إليها وبقي على بخله . فلما ضنّت به ظهر أنّ عطيّتها لم تكن في الحقيقة إلاّ الرئمان . انتهى .
وقد منع هو الإخلاء المذكور بتقدير مفعول لتعطي وهو رئمان آخر . والتقدير : أم كيف ينفع بوٌّ تعطي العلوق بسببه الرئمان رئمانه .
ولا يخفى أنّ هذا تكلّف . ودعوى تضمين تعطي بتجود كما صنع ابن جني صحيح المحمل وقول ابن الشجري : وهو بدل الاشتمال ويحتاج إلى تقدير ضمير . أقول : إذا
____________________

جرّ على البدلية من الهاء يكون أيضاً محتاجاً إلى الضمير .
وقول الدماميني : لا يتعيّن بدل الاشتمال بل هو بدل كلّ فلا يحتاج إلى ضمير لا يصحّ لأنّ ما عند ابن الشجري عبارة عن البو وإنما يصح على جعل ما واقعة على الرئمان .
ووجه كون الجر أقرب إلى الصواب عن ابن الشجري : أنه يصير معمولاً لتعطي بالبدلية وقيل : لكونه غير محتاج إلى الضمير الرابط . وفيه أنه لا بدّ منه كما ذكرنا فلا يصحّ هذا التوجيه . و أفنون : شاعر جاهلي يروى بضم الهمزة وفتحها وسكون الفاء ونونين .
قال أبو عمرو الشيباني : أفنون : لقب له لقوله من قطعة : البسيط ( منّيتنا الودّ يا مضنون مضنونا ** أيّامنا إنّ للشّبّان أفنونا ) واسمه كما قال أبو عمرو في أشعار تغلب وابن الأنباري في شرح المفضليات وابن قتيبة في كتاب الشعراء : صريم بن معشر بن ذهل بن تيم بن مالك بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب وقالوا : كان من خبره أنه لقي كاهناً فسأله عن موته فقال : تموت بمكان يقال له : إلاه بكسر الهمزة .
فمكث ما شاء الله ثم سار إلى الشام في تجارة ثم رجع في ركب من بني تغلب فضلّوا )
الطريق فلقوا إنساناً فاستخبروه فنعت لهم فقال في نعته :
____________________

إذا رأيتم إلاهة حيّ لكم الطريق وإلاهة : قارة بالسّماوة فلما أتوها نزل أصحابه وقالوا له : انزل . فقال أفنون : والله لا أنزل فجعلت ناقته ترتعي عرفجاً فلدغتها أفعى في مشفرها فاحتكّت بساقه والحيّة متعلقة بمشفرها فلدغته في ساقه فقال لأخ معه : احفر لي قبراً فإنّي ميّت ثم رفع صوته بأبيات منها : الطويل ( لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتّقي ** إذا هو لم يجعل له الله واقيا ) ( كفى حزناً أن يرحل الحيّ غدوةً ** وأصبح في أعلى الإلهة ثاويا ) وأنشد بعده : الرمل ( لو بغير الماء حلقي شرقٌ ** كنت كالغصّان بالماء اعتصاري ) على أنّ الجملة الاسمية وهي : حلقي شرق بغير الماء واقعة موضع الجملة الفعلية وهي شرق حلقي لأن لو مختصة بالفعل .

____________________

وقد تقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد التاسع والخمسين بعد الستمائة .
وأنشد بعده الطويل ( سواءٌ عليك اليوم أنصاعت النّوى ** بخرقاء أم أنحى لك السّيف ذابح ) على أنّ الفعل بعد همزة التسوية و أم يستهجن أن لا يكون ماضياً كما في البيت . ومن المستهجن وقوع الجملة الاسمية كقول الشاعر .
وقد أنشده الفراء عند تفسير قوله تعالى : سواءٌ عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون .
الطويل ( سواءٌ إذا ما أصلح الله أمرهم ** علينا أدثرٌ مالهم أم أصارم ) والبيت من قصيدة لذي الرمّة مطلعها : ( أمن دمنةٍ جرّت بها ذيلها الصّبا ** لصيداء مهلاً ماء عينيك سافح
____________________

) قال شارح ديوانه يريد : أماء عينيك سافح أي : سائل من أجل دمنة لصيداء . ثم قال : مهلاً أي : لا تبك . وذيل الرّيح : أواخرها .
إلى أن قال : ) ( أصيداء هل قيظ الرّمادة راجعٌ ** لياليه أو أيّامهنّ الصّوالح ) يقول : هل ذاك القيظ الذي قظناه بالرّمادة راجع لأنه رأى فيه ما يسرّه .
وقوله : عدا النأي أي : صرف وجوهنا عن صيداء . ومنه : عداني عنه كذا وكذا أي : صرفني . ثم قال : وقربها لدينا رابح أي : ذو ربح ولكن لا إلى ذلك سبيل . ( سواءٌ عليك اليوم أنصاعت النّوى ** بصيداء أم أنحى لك السّيف ذابح ) قال شارحه : أنصاعت النّوى أي : انشقت وذهبت بها النّيّة إلى مكان بعيد أم أنحى لك السيف ذابح يريد : أم قصد لك بالسيف ذابح . فهو سواء عليك . انتهى .
وعليك : متعلق بسواء . وفي الصحاح : وانصاع أي : انفتل راجعاً ومرّ مسرعاً .
وقوله : أنصاعت بفتح الهمزة وهي همزة الاستفهام وأصله أانصاعت فحذفت الثانية لكونها همزة وصل .
والنّوى والنّيّة : الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد . وهي مؤنثة لا غير . وقوله : بصيداء متعلق بانصاعت .
وصيداء : اسم امرأة شبّب بها ذو الرمة في هذه القصيدة وصرّح باسمها في عدة أبيات . وكذا رأيته في نسختين من ديوانه . وذكرها الصاغاني في العباب وأورد
____________________

البيت . وقد وقع في نسخ الشرح : بخرقاء بدلها . وخرقاء : لقب ميّة التي غالب شعره فيها . وكأن الشارح نقله من كتاب الشعر لأبي علي فإنه أنشده فيه كما هنا .
وترجمة ذي الرمة تقدّمت في الشاهد الثامن من أول الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد الثامن بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الخفيف ( ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ ** أم لحاني بظهر غيبٍ لئيم ) لما تقدّم قبله .
وأنشده في باب أو على أن أم في البيت واقعة في موقعها ولا يجوز أو .
وقال : وتقول : أتضرب زيداً أو تشتم عمراً إذا أردت : هل يكون شيء من هذه الأفعال .
وإن شئت قلت : أتضرب عمراً أم تشتم زيداً على معنى أيّهما .
قال حسان :
____________________

ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ البيت كأنه قال : أي الفعلين كان . انتهى .
قال الأعلم : الشاهد في دخول أم عديلةً للألف . ولا يجوز أن تدخل أو هنا لأن قوله : ما أبالي والمعنى : قد استوى عندي نبيب التّيس بالحزن ونيل اللئيم من عرضي بظهر الغيب . ونبيب التيس : صوته عند هياجه .
والحزن : ما غلظ من الأرض . وخصّه لأن الجبال أخصب للمعز من السّهول . انتهى .
والبيت من قصيدة لحسان بن ثابت الصحابي قالها في غزوة أحد . قال السهيلي في الروض الأنف : وهذه القصيدة من أجود شعره وقالها حسان ليلاً ونادى قومه : أنا أبو الحسام أنا أبو الوليد وهما كنيتان له ثمّ أمرهم أن يرووها عنه قبل النهار مخافة أن يعوقه عائق .
فخر فيها على ابن الزّبعرى بمقامات له عند ملوك الشام من أبناء جفنة افتكّ فيها عناةً من قومه وذكر مقام خاله عند النّعمان الغسّانيّ من آل جفنة وذكر فيها حماة اللّواء من بني عبد الدار وأنّهم صرّعوا حوله حتى أخذته امرأة منهم وهي عمرة بنت علقمة فلذلك قال : ( لم تطق حمله العواتق منهم ** إنّما يحمل اللّواء النّجوم ) انتهى .

____________________

وهذا أول القصيدة : ( منع النّوم بالعشاء الهموم ** وخيالٌ إذا تغور النّجوم ) ( من حبيبٍ أصاب قلبك منه ** سقمٌ فهو داخلٌ مكتوم ) ) ( همّها العطر والفراش ويعلو ** ها لجينٌ ولؤلؤٌ منظوم ) ( لو يدبّ الدّبيب من ولد الذّ ** رّ عليها لأندبتها الكلوم ) ( لم تفقها شمس النّهار بشيءٍ ** غير أنّ الشّباب ليس يدوم ) ( إنّ خالي خطيب جابية الجو ** لان عند النّعمان حين يقوم ) ( وأبي في سميجة القائل الفا ** صل يوم التفّت عليه الخصوم ) ( وأنا الصّقر عند باب ابن سلمى ** يوم نعمان في الكبول مقيم ) ( وأبيٌّ ووافدٌ أطلقا لي ** ثمّ رحنا وقفلهم محطوم
____________________

) ( وسطت نسبتي الذّوائب منهم ** كلّ دارٍ فيها أبٌ لي عظيم ) ( ربّ حلمٍ أضاعه عدم الما ** ل وجهلٍ غطى عليه النّعيم ) ( ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ ** أم لحاني بظهرٍ غيبٍ لئيم ) ( تلك أفعالنا وفعل الزّبعرى ** خاملٌ في صديقه مذموم ) قال جامع ديوانه محمد بن حبيب برواية السكري عنه : الجولان بالجيم : من عمل دمشق على طريق مصر .
وسميجة بضم السين وفتح الميم والجيم : بئر بالمدينة كانت للأوس والخزرج تحاكمت عندها ونعمان هذا الذي ذكره نعمان بن مالك كان حبسه النعمان بن المنذر فوفد فيه وفي غيره حسان فأطلقوا له .
وأبيٌّ : هو ابن كعب من بني النجّار : و وافد : هو ابن عمرو بن الإطنابة من بني الخزرج .
وقوله : وجهلٍ غطى عليه النّعيم غطى يغطي غطياً . ومنه يقال : غطى الليل إذا ستر كلّ شيء فهو غاطٍ . و الزّبعرى : هو السّهمي . وكان ابن الزّبعرى يهاجي حسان . انتهى .
قال السّهيلي : غطى بتخفيف أنشده يونس بن حبيب ومعناه : علا وارتفع .

____________________

وكذا أنشد هذه القصيدة عبد الملك بن هشام في غزوة أحد من سيرته وزاد بيتاً بين قوله : رب حلم . . . البيت وبين قوله : ما أبالي أنب . . . البيت وهو : الخفيف ( لا تسبني فلست بسبي ** إن سبي من الرجال الكريم ) والسب بالكسر : الذي يسابك وهو نظيرك في المنزلة .
وزعم الأسود أبو محمد الأعرابي أن هذا البيت مع ما بعده ليسا من شعره وإنما هما لابنه )
عبد الرحمن بن حسان وقال : هجا عبد الرحمن بن حسان مسكين بن عامر الدارمي بثلاثة أبيات وهي : الخفيف ( أيها الشاتمي ليحسب مثلي ** إنما أنت في الضلال تهيم ) ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وأورد ابن الحاجب في أماليه على أبيات المفصل هذه الأبيات الثلاثة كذا ابن الأعرابي غير معزوة إلى أحد وقال : هجا الشاعر بهذا الشعر مسكين بن عامر الدارمي .
ومعناه : إنك عالم بأن قدرك دون قدري وأنك لست ممن يسابني وإنما تفعل ذلك لتظهر بالمشاتمة أن هناك مماثلة مع علملك بخلافه .
ثم رد في عجز البيت هذا الغرض الذي قصده فقال : إنما أنت في الضلال تهيم . يعني : أن المشاتمة إنما يستدل بها على المماثلة عند تقارب الشخصين فأما عند التباعد فلا . فجعله في فعله الذي لا يتم به الغرض القصود عند العقلاء كركوبه التعاسيف التي تضر ولا تنفهع ولذلك قال : تهيم يقال : هام على وجهه إذا سلك غير الطريق .

____________________

وموضع استشهاد الزمخشري في قوله : الشاتمي في صحة إضافة ما فيه الألف واللام إلى المضمر المتصل . ومفعول ما لم يسم فاعله مضمر مستتر يعة د على الشاتمي لأنه بمعنى الذي يشتمني .
وهو وإن كان مخاطباً إلا أنه لما وصفه بالموصول أجرى الضمير على لفظ الغيبة كقولك : أنت الذي ضرب . وهو أحسن من : أنت الذي ضربت . انتهى .
وتقدمت ترجمة حسان في الشاهد الحادي والثلاثين من أوائل الكتاب .
في قولهم : لا أبالي قال صاحب المجمل : اشتبه علي اشتقاق أبالي حتى قرأت في سعر ليلى الأخيلية : الطويل ( تبالي رواياهم هبالة بعدما ** وردن وجول الماء بالجم يرتمي ) فسروا التبالي بالتبادر إلى الاستقاء من قلة الماء . فلعله منه أي : لا أبادر إلى اقتنائه ولا أعتد به .

____________________

وقال المرزوقي : هو مفاعلة من البلاء أي : لا أحتفل به حتى أعاده بلائي وبلاءه وأفخره .
وحكى سيبويه : ما أباليه بالةً كحالة وأصله بالية فذفت ياؤه وذهب غيره إلى أنه مقلوب وألفه منقلبة عن واو وأصله أباول أي : أكاثر من قولهم : فلان كثير البول أي : الولد . )
وفي النهاية لابن الأثير : ويقال : ما باليته وما باليت به أي : لم أكترث به . ومنه الحديث : هؤلاء في الجنة ولا أبالي .
حكى الأزهري عن جماعة من العلماء أن معناه لا أكره . ومنه حديث ابن عباس : ما أباليه بالة وأصله بالية مثل عافاه الله عافية فحذفوا الياء منها تخفيفاً كما حذفوا من لم أبل انتهى .
فجملة أنب يالحزن تيس معلق عنها العامل بالاستفهام . وهي إما في موضع المفعول المسرح أو وأنشده بعده : الوافر ( فإنك لا تبالي بعد حولٍ ** أظبيٌ كان أمك أم حمار ) وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والعشرين بعد الخمسمائة وفي الشاهد الثاني والأربعين بعد السبعمائة .

____________________

وأنشد بعده قول ابن سيناء وهو الشهد التاسع بعد التسعمائة : البسيط ( سيان عندي إن يروا وإن فجروا ** فليس يجري على أمثالهم قلم ) على أن قوله : سيان عندي دليل جواب الشرط الذي بعده أي : إن بروا وإن فجروا فهما سيان .
وفي هذا التركيب تقوية لقولهم : سواء أقمت أم قعدت وقولهم : لا أبالي أقمت أم قعدت في تقدير الشرط ودليل الجواب . والمعنى : إن قمت أو قعدت فالأمران سواء وإن قمت أو قعدت فلا أبالي بهما .
ولا يخفي أنم كلام ابن سيناء كما لا يصح الاستشهاد به لا يصح التقوية به . على أنه لا يلزم من كون شييئن متفقين معنى اتفاقهما إعراباً .
وكأن الشارح المحقق لم يستحضر قول الفرزدق : البسيط ولو استحضره ما عدل عنه .
وهو بيت من قصيدة مشهورة مدح بها الإمام زين العابدين ابن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم .
روى السيد الأجل علم الهدى المرتضى في أماليه : أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له )
منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام .
فبينا كذلك إذا أقبل زين العابدين علي بن الحسين وعليه إزار ورداء أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة فجعل يطوف بالبيت ولما بلغ إلى موضع
____________________

الحجر الأسود تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة منه وإجلالاً له فغاظ ذلك هشاماً فقال رجل من أهل الشام : من هذا الذي هابه الناس فقال هشام : لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام .
فقال الفرزدق وكان حاضراً : أنا أعرفه . قال الشامي : من هو يا أبا فراس فقال مرتجلاً : البسيط . ( هذا ابن خير عباد الله كلهم ** هذا التقى النقي الطاهر العلم ) ( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم ) ( يكاد يمسكه عرفان راحته ** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم ) ( يغضي حياءً ويغضي من مهابته ** فما يكلم إلا حين يبتسم ) ( مشتقةٌ من رسول الله نبعته ** طابت عناصره والخيم والشيم ) ( الله شرفه قدماً وفضله ** جرى بذاك له في لوحة القلم ) ( ينشق ثوب الدجى عن نور غرته ** كالشمس ينجاب عن إشارقها القتم ) ( سهل الخليقة لا تخشى بوادره ** يزينه اثنان : حسن الخلق والكرم
____________________

) ( ما قال لا قط إلا في تشهده ** لولا التشهد لم ينطق بذاك فم ) ( من معشرٍ حبهم دينٌ ويغضهم ** كفرٌ وقربهم منجى ومعتصم ) ( مقدمٌ بعد ذكر الله ذكرهم ** في كل بدء ومختومٍ به الكلم ) ( إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ** أو قيل خير من أهل الأرض قيل هم ) ( لا يستطيع جدوادٌ بعد غايتهم ** ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا ) ( لا ينقص العسر بسطاً من أكفهم ** سيان ذلك إن اثروا وإن عدموا ) ( هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله ** بجده أنبياء الله قد ختموا ) ( فليس قولك من الله بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم ) وهي أكثر مما كتبته . قال : فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة بلغ ذلك زين العابدين فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : أعذر يا أبا فراس لو كان عندنا )
هنا أكثر منها لوصلناك بها .
فردها القرزدق وقال : يا ابن رسول اله كما قلت الذي قلته إلا محبة في الله ورسوله لا طمعاً في شيء .
فردها إليه زين العابدين وأقسم عليه بقبولها وقال له : قد رأى الله مكانك وعلم نيتك وشكر لك ونحن أهل بيتٍ إذا أنفذنا شيئاً لم نرجع فيه فقبلها وهجا هشاماً وهو في الحبس فمما هجاه به قوله : الطويل (
____________________

ويحسبني بين المدينة والتي ** إليها رقاب القوم يهوي منيبها ) ( يقلب رأساً لم يكن رأس سيدٍ ** وعيناً له حولاء بادٍ عيوبها ) وكتبت هذه الأبيات رغبة في الثواب وإنما الأعمال بالنيات .
وأما بيت ابن سيناء فهو من قصيدة طويلة مطلعها : ( يا ربع نكرك الأحداث والقدم ** فصار عينك كالآثار تتهم ) ( كأنما رسمك السر الذي لهم ** عندي ونؤيك صبري الدارس الهرم ) ( ألا بكاه سحابٌ دمعه همعٌ ** بالرعد مزدفر بالبرق مبتسم ) ( لم لا يجود سحابٌ جوده ديمٌ ** من الدموع والهوامي كلهن دم ) ( ليت الطول أجابت من به أبداً ** في حبهم صحةٌ في حبهم سقم ) ( أو علها بلسان الحال ناطقةٌ ** قد يفهم الحال ما لا يفهم الكلم ) ( مالي أرى حكم الأفعال ساقطةً ** وأسمع الدهر قولاً كله حكم ) ( مالي أرى فضلاً يستهان به ** قد أكرم النقص لما استنقص الكرم ) ( جولت في هذه الدنيا وزخرفها ** عيني فما لقيت داراً بها أرم
____________________

) ( الواجدون غنىً العادمون نهى ** ليس الذي وجدوا مثل الذي عدموا ) ( ليسوا وإن نعموا عيشاً سوى نعمٍ ** وربما نعمت في عيشها النعم ) ( كجيفةٍ دودت فالدود منشؤه ** فيها ومنها له الأذراء والطعم ) ( سيان عندي إن بروا وإن فجروا ** فليس يجري على أمثالهم قلم ) ( لا تحسدنهم إن جد جدهم ** فالجد يجدي ولكن ما له عصم ) ( أسكنت بينهم كالليث في أجمٍ ** رأيت ليثاً له من جنسه أجم ) ) ( بأي مأثرةٍ ينقاس بي أحدٌ ** بأي مكرمةٍ تحكيني الأمم ) ( قد أشهد الروع مرتاعاً فأكشفه ** إذا تناكر تياره البهم ) ( الضرب متحتدمٌ والطعن منتظمٌ ** والدم مرتكمٌ والبأس مغتلم ) ( والجو يافوخة من نقعه قترٌ ** والأفق فسطاطة من سفكهم قتم ) ( والبيض والسمر حمرٌ تخت عثيره ** والموت يحكم والأبطال تختصم ) ( وأعدل القسم في حربي وحربهم ** منهم لنا غنمٌ منا لهم غرم ) ( أما البلاغة فاسألني الخبير بها ** أنا اللسان قويماً والزمان فم ) ( لا يعلم العلم غيري معلماً علماً ** لأهله أنا ذاك العالم العلم ) ( كانت فتاة علوم الحقً عاطلةً ** حتى جلاها بشرحي الفهم والقلم ) وهي طويلة ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق .
وابن سينا هو الرئيس أبو علي واسمه الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور . وكان أبوه من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى وكان من
____________________

العمال والكفاءة وتولى العمل بقريةٍ من ضياع بخارى يقال لها : خرميثن من أمهات قراها وبها ولد الرئيس في سنة سبعين وثلثمائة في شهر صفر . وتوفي بهمذان في يوم الجمعة من شهر رمضان ومن سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن بها .
وقال ابن الأثير في تاريخه الكبير : بأصبهان والأول أشهر . ثم انتقل أبوه إلى بخارى . وانتقل الرئيس في البلاد . واشتغل بالعلوم وحصل الفنون .
ولما بلغ عشر سنين كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة .
ثم توجه الحكيم أبو عبد اله الناتلي فأنزله أبو الرئيس عنده فقرأ عليه الرئيس إيساغوجي وأحكم عليه علم علم المنطق وأقليدس والمجسطي وفاقه حتى أوضح له رموزاً وفهمه إشكالات لم يكن الناتلي يدريها وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد ويبحث ويناظر .
ولما توجه الناتلي نحو خوارزمشاه اشتغل أبوعلي بتحصيل العلوم الطبيعي والإلهي
____________________

وغير ذلك وفتح الله عليه أبواب العلوم ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وعالج تأدباً لا تكسباً حتى )
فاق الأوائل والأواخر في أقل مدة .
واختلف إليه فضلاء هذا الفن يقرؤون عليه أنواعه وسنه إذ ذاك ست عشرة سنة وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلةٌ واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضا وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله أن يسهلها ويفتح له مغلقها .
وذكر عند الأمير نوح بن نصر الساماني في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برأ واتصل به وقرب منه ودخل إلى دار كتبه وكان فيها من كل فن مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فظفر أبو علي بعلوم الأوائل .
واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد أبو علي بما حصله . ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها . وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة وكان هو وأبوه في الأعمال السلطانية .
ولما اضطربت أحوال السامانية خرج أبو علي إلى كركانج وهي قصبة خوارزم واختلف إلى خوارزمشاه وكان أبو علي على زي الفقهاء ويلبس الطيلسان فقرر له في كل شهر ما يقوم به .
ثم انتقل إلى نسا وأبيورد وطوس وغيرها ثم إلى قزوين وتولى الوزارة لشمس الدولة . ثم تشوش العسكر عليه فأغاروا على داره فنبهوها وقبضوا عليه وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع ثم أطلق فتوارى .
ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته واعتذر إليه وأعاده وزيراً .
____________________

ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدين أبو جعفر بن كاكويه وكان أبو علي قوي المزاج وتغلب عليه قوة النكاح حتى أنهكته وعرض له قولنج فحقن نفسه في يومٍ واحد ثماني مرات فقرح بعض أمعائه وظهر له سحج .
واتفق سفره مع علاء الدولة فعرض له الصرع عقيب القولنج فأمر بأخذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمس دراهم فازداد السحج به من حدة الكرفس وطرح بعض غلمانه في أدويته شيئاً كثيراً من الأفيون وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء من ماله فخافوا عاقبة أمره عند برئه .
وكان يصلح أسبوعاً ويمرض أسبوعاً ولا يحتمي ويجامع حتى قصد علاء الدولة بهمذان )
فلما وصل إلى همذان ضعف جداً وأشرفت قوته على السقوط فأهمل المداوة وقال : المدبر الذي في بدني قد عجز فلا تنفعني المعالجة .
ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيامٍ ختمةً إلى أن مات في ذلك التاريخ .
وصنف كتاب الشفاء في الحكمة والنجاة والإشارات والقانون وغير ذلك ما يقارب مائة مصنف في فنون شتى . وله رسائل بديعة وهو أحد فلاسفة الإسلام وله شعر جيد باللسانين ومنه قصيدته في النفس ومطلعها : الكامل
____________________

ولها شروح أحسنها الحكيم أفضل الحكماء : داود الضرير الأنطاكي .
وأنشد يعده ( الشاهد العاشر بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : الطويل ( ولست أبالي بعد موت مطرفٍ ** حتوف المنايا أكثرت أو أقلت ) على أنه يجوز الإتيان ب أو مجرداً عن الهمزة يعد سواء ولا أبالي بتقدير حرف الشرط كما في البيت فإن أو لم تسبق بهمزة والتقدير : إن أكثرت أو أقلت فلست أبالي .
وهذا قول السيرافي قال في شرح الكتاب : وسواء إذا أدخلت بعدها ألف استفهام لزمت أم بعدها كقولك : سواء علي أقمت أم قعدت وإذا كان بعد سواء فعلان بغير استفهام جاز عطف أحدعمل على الآخر بأو كقولك : سواء علي قمت أو قعدت فإن الكلام محمول على معنى المجازاة .
فإذا قلت : سواء علي قمت أو قعدت فتقديره : إن قمت أو قعدت فهما علي سواء .
انتهى .
وفيه رد على أبي علي في منعه وعلى ابن هشام في قوله في المغني : إذا عطفت بعد الهمزة بأو فإن كانت همزة التسوية لم يجز . وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا : سواء كان كذا أو كذا .
وهو نظير قولهم : يجب أقل الأمرين من كذا أو كذا .
والصواب العطف في الأول بأم وفي الثاني بالواو وفي الصحاح : سواء علي قمت أوقعدت .
انتهى . ولم يذكر غير ذلك . وهو سهو .
____________________

)
وفي كامل الهذلي أن ابن محيص قرأ من طريق الزعفراني : سواءٌ عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم وهذا من الشذوذ بمكان . انتهى كلامه .
وهو في هذا تابع لأبي علي .
وكلام السيرافي والشارح المحقق صريح في جوازه وصحته . قال الدماميني في الحاشية الهندية : ثم العجب من إيراد المصنف ما ذكره في المعطوف بعد همزة التسوية والفرض أنه لا همزة في شيء من ذلك وكأنه توهم أن الهمزة لازمة بعد كلمة سواء في أول جملتيها فقدر الهمزة إذ لم تكن مذكورة وتوصل بذلك إلى تخطئة الفقهاء وغيرهم .
وقراءة ابن محيص : أنذرتهم أو لم تنذرهم بهمزة واحدة وبأو كما دل عليه مجموع كلامه في الألف المفردة وهنا . ووجهها صحيح كما قال السيرافي . ولا يتأتى الإستشهاد بقراءته على وأما تخطئة الفقهاء في الثاني فمبني على أن المبين هوالأمران جميعاً بل المبين أقلهما والأقل هو أحدهما فجاز العطف بأو بل تعين والحالة هذه . انتهى .
هذا وقد قال سيبويه في باب أو في غير الاستفهام : وتقول : لأضربنه ذهب أو مكث كانه قال : لأضربنه ذاهباً أو ماكثاً ولأضربنه إن ذهب أو مكث .
وقال زيادة بن زيد العذري : الطويل ( إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ** أطال فأملي أو تناهى فأقصرا ) وقال : الطويل ( فلست أبالي بعد موت مطرفٍ ** حتوف المنايا أكثرت أو أقلت
____________________

) وزعم الخليل أنه يجوز : لأضربنه أذهب أو مكث . وقال : الدليل على ذلك أنك تقول : لأضربنه أي ذلك كان . وإنما فارق هذا سواءً وما أبالي لأنك إذا قلت : سواء علي أذهبت أم مكثت فهذا الكلام في موضع : سواء عليّ هذان .
وإذا قلت : ماأبالي أذهبت أم مكثت فهو في موضع : ما أبالي واحداً من هذين . وأنت لا تريد أن تقول في الأول : لأضربن هذين ولا تريد أن تقول : تناهيت هذين ولكنك إنما تريد أن الأمر يقع على إحدى الحالتين .
وإن قلت : لأضربنه أذهب أو مكث لم يجز لأنك لو أردت معنى أيهما قلت : أم مكث ولا يجوز لأضربنه مكث . فلهذا لايجوز لأضربنه أذهب أو مكث كما يجوز : ما أدري أقام زيد أو )
قعد .
ألا ترى أنك تقول : ما أدري أقام كما تقول : أذهب وكما تقول : أعلم أقام زيد ولا يجوز أن تقول : لأضربه أذهب . وكل حق له سميناه أو نسمّه كأنه قال : وكل حق له علمناه أو جهلناه وكذلك كل حقٍّ هو لها داخل فيها أو خارج منها كأنه قال إن كان داخلاً أو خارجاً . وإن شاء أدخل الواو .
وقد تدخل أم في : علمناه أم جهلناه كما دخلت في : أذهب أم مكث . وتدخله أم علي وجهين على أنه صفة للحقّ وعلى أن يكون حالاً كما قال : لأضربنه ذهب أو مكث أي : لأضربنه كائناً ما كان . فبعدت أم ها هنا حيث كان خبراً يقع في موضع ما ينتصب حالاً و في موضع الصفة . أنتهى كلام سيبويه .
وقال ابن الحاجب في أماليه في البيت الشاهد : لا يجوز فيه إلا أو من غير همزة على ما قال سيبويه لأنه لما أعطى : أبالي مفعولها وجب أن يكون ما بعدها المذكور في موضع الحال فيصير المعنى : ما أبالي حتوف المنايا مكثرة أو مقلة . وهذا معنى أو . ولو قلته بأم لفسد من أحدهما : أن المعنى يكون : ما أبالي حتوف المنايا كثرةً وقلة . وذلك غير مستقيم في قصده .

____________________

والآخر : أن يكون : ما أبا لي حتوف المنايا كثيرة وقليلة وذلك فاسد لأنه يؤدي إلى اجتمعا الحالين وهو محال فوجب استعمال أو بخلاف قوله : ما أبالي أنب بالحزن تيسٌ . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت فإن أم فيه واجب مع همزة الاستفهام قال سيبويه : لأن المعنى ما أبالي بنبيب التيس وجفاء اللئيم . وهذا لا يستقيم إلا بأم ولو كان بأو لفسد بوجهين لأن المعنى يكون : ما أبالي نيباً أو جفاء .
ولم يقصد المتكلم إلى معنى مبالاة أحد الأمرين وإنما أراد نفي المبالاة عنهما جميعاً فيفسد لمجيء أو . والآخر : أن المعنى يكون : ما أبالي ناباً أو جافياً ويكون استعمالاً للفظ في غير موضوعه لأن المراد ها هنا الحاليّة وتلك إنما تكون بالمصدر لا باسم الفاعل . انتهى .
وقوله : بعد موت مطرف في رواية سيبويه : يوم مطرف والمعنى واحد . ومطرف بكسر الراء المشددة .
يقول : لا أبالي بعد فقده كثرة من أفقده أو قلّته لعظم رزيّته وصغر كلّ مصيبة عنده . )
وأضاف الحتوف إلى المنايا توكيداً وسوّغ ذلك اختلاف اللفظين . قاله الأعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد لحادي عشر بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : الطويل (
____________________

إذا ماانتهى علمي تناهيت بعده ** أطال فأملي أو تناهى فأقصرا ) على أنه روي ب أو و ب أم . فعلى الأولى قوله : أطال الهمزة للصيرورة ومصدره الإطالة . ولا يجوز أن تكون همزة الاستفهام لقول الشارح المحقق : ولا تجيء بالهمزة قبل أو .
وهذه رواية سيبويه . قال الأعلم : الشاهد دخول أو لأحد الأمرين على حد قولك : لأضربنه ذهب أو مكث أي : لأضربنه على إحدى الحالتين ذاهباً أو ماكثاً . وكذلك معنى : أطال فأملى أو تناهى فأقصرا أي : انتهى حيث انتهى بي العلم ولا أتخطاه مطيلاً كان أو مقصراً .
ومعنى أطال : صار إلى طول المدة . وأقصر : صار إلى قصرها وأملى من المليّ وهو الزمن الطويل . انتهى .
وقال ابن الحاجب : أو هنا واجبة لأنه لو قال بأم لفسد على الوجهين المذكورين في قوله : انتهى .
وكذا رواه صاحب الباب وقال شارحه الفالي : قوله : إذا ما انتهى علمي . . . إلخ أي : إذا بلغ علمي إلى موضعٍ بلغت إليه ولم أتجاوزه أي : لا أتكلم بما لا أعلمه سواء كان علمي مطيلاً أو متناهياً فيكون أطال بوزن أفعل .

____________________

وقيل : الهمزة للاستفهام والفعل هو طال ولا ينافي الاستفهام كون الجملة حالاً لما ذكرنا من أن الهمزة وأم مجردتان لمعنى الاستواء من غير اعتبار الاستفهام فيه كما قلنا في : سواءٌ عليّ أقمت أم قعدت .
والمعنى : تناهيت عنده في حال طوله فإملائه وفي حال تناهيه فقصره . وأملى أي : امتد في الزمان من الملاوة . أي : إذا أمتد علمه حيناً طويلاً تبعه وإن تناهى وانقطع أقصر ولم يتكلم .
هذا كلامه .
وهو ناشئ عن غفلةٍ فإنه لا يجوز أن تكون فيه الهمزة للاستفهام مع أو كما تقدم . ومن قال : )
إنها للاستفهام روى أم بدل أو . فتأمل .
وعلى الرواية الثانية تكون الهمزة للاستفهام والفعل طال ويكن البيت شاهداً للخليل في تجويزه في غير سواء ولا أبالي أن يجري مجراهما فيذكر بعده : أم والهمزة .
وأنشده ابن الأعرابي لزيادة صاحب هدبة أول أبيات أربعة وهي : الطويل ( إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ** أطال فأملى أم تناهى فأقصرا ) ( ويخبرني عن غائب المرء هديه ** كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا ) ( ولا أركب الأمر المدوي سادراً ** بعمياء حتى استبين وأبصرا ) ( كما تفعل العشواء تركب رأسها ** وتبرز جنباً للمعادين معورا ) وقوله : إذا ما انتهى . . . إلخ ما : زائدة بعد إذا . وقد نظمه بعضهم فقال : (
____________________

خذ لك ذي الفائده ** ما بعد إذا زائده ) وانتهى : من أنتهى ألأمر أي : بلغ النهاية وهي أقصى مال يمكن أن يبلغه . والمليّ بتشديد الياء كغنيٍّ كما فسره الأعلم . والملاوة بتثليث الميم : الحين والبرهة .
قال المرزباني في الموشح : اخبرني الصولي قال : حدثني يحيى بن علي قال : قال أبو جعفر محمد بن موسى المنجم : كنت أحب أن أرى شاعرين فأؤدب أحدهما وهوعدي بن الرقاع لقوله : الكامل ( وعلمت حتى ما أسائل عالماً ** عن علم واحدةٍ لكي أزدادها ) ثم أسائله عن جميع العلوم فإذا لم يجب أدبته على قوله . وأقبل رأس ألآخر وهو زيادة بن ( إذا ما انتهى علمي تناهيت عنده ** أطال فأملى أم تناهى فأقصرا ) انتهى .
وقوله : ويخبرني عن غائب المرء . . . إلخ الهدي كفلس : السيرة يقال : ما أحسن هدي فلان أي : سيرته . وما أحسن قول الصفي الحلّي رحمه الله : الطويل ( إذا غاب أصل المرء فاستقر فعله ** فإن دليل الفرع ينبي عن الأصل ) ( فقد يشهد الفعل الجميل لربه ** كذاك مضاء الحد من شاهد النصل ) وقوله : ولا أركب الأمر المدوّي . . . إلخ أي : لا ألابسه . والمدوّي
____________________

بكسر الواو المشددة : المبهم والمستتر مأخوذ من دوّى اللبن تدوية إذا ركبته الدّواية بضم الدال وهي القشرة الرقيقة تعلوه )
فيستتر ما تحتها .
والسادر كما في الصحاح هو المتحيّر والذي لا يهتمّ ولا يبالي ما صنع . والسّدر : تحيّر البصر . يقال : سدر البعير يسدر سدراً من باب فرح إذا تحيّر من شدّة الحر .
وقوله : بعمياء أي : بحالة عمياء من عمي عليه الأمر إذا التبس . وحتى بمعنى إلى .
وقوله : كما تفعل العشواء وهي الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيدها كلّ شيء .
وقوله : تركب رأسها في المصباح : وركب الشخص رأسه إذا مضى على وجهه لغير قصد .
والمعور : اسم فاعل من أعور لك الصيد إذا أمكنك . وأعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضرب وهو بالعين المهملة .
قال ابن الأعرابي : أي : هي عشواء تبرز جنباً مكشوفاً لأعدائها فيرمونها . انتهى .
وزيادة بن زيد : شاعر إسلامي من بادية الحجاز من بني عذرة كان في أيام معاوية بن أبي سفيان وقتله هدبة بن خشرم العذريّ وقتل به هدبة بسبب ذكرناه في ترجمة هدبة وفي الشاهد الخمسين بعد السبعمائة .

____________________

وأنشد بعده ( الشاهد الثاني عشر بعد التسعمائة ) الطويل ( كأنّ دثاراً حلّقت بلبونه ** عقاب تنوفي لا عقاب القواعل ) على أن فيه ردّاً على الزجاجي في منعه مجيء لا العاطفة بعد الفعل الماضي .
قال الخفاف في شرح الجمل الزجاجية : اختلفوا في العطف بلا بعد الماضي نحو قولك : قام زيد لا عمرو فمنهم من أجاز ذلك وهم جل النحويين .
ومنهم من منع ذلك وإليه ذهب أبو القاسم الزجاجي في معاني الحروف واستدل على ذلك بأن لا لا ينفي الماضي بها وإذا عطف بها بعده كانت نافية له في المعنى فلذلك لم يجز العطف بها بعد الماضي لأنك إذا قلت : قام زيد لا عمرو كأنك قلت : لا قام زيد ولا عمرو وهذا لا يجوز فكذلك ما في معناه .
والذي يدل على فساد ما ذهب إليه أنه قد ينفي بها الماضي قليلاً نحو قوله تعالى : فلا صدق ولا صلى يريد : لم يصدق ولم يصل .
فإذا جاز أن ينفي بها الماضي في اللفظ فالأحرى أن تكن نافية له في المعنى . ومما ورد من العطف بها بعد الماضي قوله : كأن دثاراً حلقت بلبونه البيت فعطف بها بعد حلقت وهو ماض . انتهى .

____________________

والبيت من أبيات لامريء القيس الكندي وهي : ( دع عنك نهباً صيح في حجراته ** ولكن حديثاً ما حديث الرواحل ) ( كأن دثاراً حلقت بلبونه ** عقاب تنوفي لا عقاب القواعل ) ( تلعب باعثٌ بذمة خالدٍ ** وأودى دثارٌ في الخطوب الأوائل ) ( أبت أجأ أن تسلم العام جارها ** فمن شاء فلينهض لها من مقاتل ) ( تيبيت لبوني بالقرية أمناً ** وأسرحها غباً بأكناف حائل ) ( بنو ثعلٍ جيرانها وحماتها ** وتمنع من رجال سعدٍ ونائل ) ( تلاعب أولاد الوعول رباعها ** دوين السماء في رؤوس المجادل ) ( مكللةً حمراء ذات أسرةٍ ** لها حبكٌ كأنها من وصائل ) )
وسببها أن امرأ القيس بعدان قتل أبوه ذهب يستجير بالعرب فبعض يقبله وبعض يرده فطمعت فيه العرب .
وفي أثناء ذلك نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني الطائي فأغار عليه باعث بن حويص الطائي وذهب بإبله .

____________________

فقال له جاره خالد : أعطني صنائعك ورواحلك حتى أطلب عليها مالك . ففعل امرؤ القيس فانطوى عليها ويقال بل لحق بالقوم فقال لهم : أغرتم على جاري يا بني جديلة .
قالوا : والله ما هو لك بجار قال : بلى والله ما هذه الإبل التي معكم إلا كالرواحل التي تحتي .
فقالوا : هو كذلك . فأنزلوه وذهبوا بها فقال امرؤ القيس فيما هجاه به : دع عنك نهباً البيت يقول لخالد : دع النهب الذي نهبه باعث ولكن حدثني عن الرواحل التي ذهبت بها أنت . وهذا البيت صار مثلاً يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه .
وهذا البيت أورده ابن هشام في موضعين من المغني : أحدهما : في عن قال : إنها تأتي اسماً بمعنى جانب في ثلاثة مواضع ثالثها : أن يكون مجرورها وفاعل متعلقها ضميرين لمسمى واحد . قاله الأخفش وذلك كقول امرئ القيس : دع عنك نهباً البيت وذلك لئلا يؤدي إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل .
وقد تقدم الجواب عن هذا . ومما يدل على أنها ليست هنا اسماً أنها لا يصح حلول الجانب محلها . انتهى .
يريد : تقدم الجواب في على بأنه متعلق بمحذوف أو فيه مضاف محذوف أي : عن نفسك .
والموضع الثاني في أول الباب الخامس أورده كالأول .
والنهب : الغنيمة وكل ما انتهب . وهو على حذف مضاف أي : ذكر
____________________

نهب . وصيح : مجهول صاح وفي حجراته : نائب الفاعل .
والحجرات بفتح الحاء المهملة والجيم : جمع حجرة بسكون الجيم كتمرات جمع تمرة . والحجرة : وحديثاً : عامله محذوف أي : ولكن حدثني حديثاً . وما استفهامية مبتدأ وحديث : خبره .
يقول : اترك ذكر الذي انتهبه باعث وحدثني عن الرواحل التي أنت ذهبت بها . )
وقد أخطأ ابن الملا من جهة المعنى والإعراب في قوله : أي : اترك نهب المال واشتغل بأمر النساء ذوات الرواحل . وما : زائدة وحديث الرواحل بدل من حديثاً بدل معرفة من نكرة .
انتهى .
وقوله : كأن دثاراً رحلقت . . . إلخ دثار : هو راعي امرىء القيس وهو دثار بن فقعس بن طريف من بني أسد . وحلقت : من التحليق وهو ارتفاع الطير في الجو .
واللبون بفتح اللام وضم الموحدة من الإبل والشاة : ذات اللبن . وأراد الإبل التي لها ألبان وهو اسم جنس مضاف فيعم فيكمون المراد الأفراد .
قال الدماميني : قلت : وبتقدير أن يكون إضافة اسم الجنس تفيد العموم لم يتعين أن يكون هذا مراد الشاعر إذ يحتمل أن يكون المراد بلبونة واحدة لا غير وليس في اللفظ ما يدفعه فأين الجزم بالعموم انتهى .
وهذا إيراد منه على قول ابن هشام في المغني على البيت : واللبون : نوق ذات لبن . وهذا ناشيء من عدم الاطلاع على منشأ الشعر . والعقاب بالضم : طائر معروف .

____________________

وروي أيضاً : ينوفى بالمثناة التحتية من أوله . وروي أيضاً : تنوف بالوجهين من أوله وبلا ألف في آخره .
هكذا ضبطه أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم عند ذكره القواعل وقال : تنوفي أي : جبل مشرف وقال الأصمعي : هو موضع ببلاد طيئ .
وقال ابن جني : عقبة مشهورة سميت بالنوف وهو ما علا من الأرض وامرأة نياف أي : طويلة قلبت الواو ياء . والقواعل بفتح القاف وكسر العين المهملة على لفظ الجمع : أجبل من سلمى في بلاد طيئ . انتهى .
وفي معجم البلدان لياقوت قال ابن الكلبي : القواعل : موضع في جبل . وكان قد أغير على إبل امرئ القيس مما يلي تنوف . وروى أبو عبيد : تنوفاً . وقالوا : هو موضع وهو جبل عال .
وقال الأصمعي : القواعل واحدتها قاعلة وهي جبال صغار وقيل : القواعل جبل دون تنوفي .
انتهى .
وفي شرح أبيات المغني للسيوطي : تنوفي بفتح المثناة الفوقية : جبل عال . والقواعل : جبال صغار . )
وفي أمالي ثعلب القوعلة والقيعلة والجمع قواعل . وأنشد البيت .
قال ابن الكلبي : أخبث العقبان ما أوى في الجبال المشرفة . وهذا مثل . أراد : كأن دثاراً ذهبت بلونه ذاهبة أي : آفة . وأراد : أنه أغير عليه من قبل تنوفى . انتهى .
وكذا قال العيني .
وقضية صاحب القاموس أنه بالمد لأنه قال : وتنوفاء كجلولاء : ثنية مشرفة قرب القواعل .
ويقال : ينوفاء بالتحتية فيكون محله ن و ف . وقال فيها : وينوفى أو تنوفى أو تنوف : موضع بجبلي طيئ . انتهى .
ولم يضبطه أحد بالمد وإنما هو شيئ قاله ابن جني بحثاً كما يأتي .

____________________

وتنوفي من الأوزان التي استدركت على سيبويه بأنه لم يذكرها . والأوزان التي استدركت عليه ثمانية وخمسون وزناً على ما ذكرها ابن جني في الخصائص وأجاب عنها واحداً بعد واحد .
قال : وأما تنوفى فمختلف في أمرها وأكثر أحوالها ضعف روايتها والاختلاف الواقع في لفظها وإنما رواها السكري وأسندها إلى امرئ القيس في قوله : عقاب تنوفى لا عقاب القواعل والذي رويته عن أحمد بن يحيى : عقاب تنوفٍ لا عقاب القواعل وقال : القواعل : آكام حولها . وقال أبو حاتم : هي ثنية طي . كذا رواها ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني . ورواية أبي عبيدة : تنوفي .
وأنا أرى أن تنوف ليست فعولاً بل هي تفعل من النوف وهو الارتفاع وسميت بذلك لعلوها ومنه : أناف على الشيء إذا ارتفع عليه والنيف في العدد من هذا . وتنوف في أنه علم على تفعل بمنزلة يشكر ويعصر .
وقلت مرة لأبي علي وهذا الموضع يقرأ عليه من كتاب أصول أبي بكر : يجوز أن يكون تنوفى مقصورة من تنوفاء بمنزلة بروكاء فسمع ذلك وعرف صحته .
وكذلك القول عندي في مسولي في بيت المرار : الطويل ( فأصبحت مهموماً كأن مطيتي ** بحيث مسولى أو بوجرة ظالع
____________________

) ينبغي تكون مقصورة من مسولاء بمنزلة جلولاء فإن قلت : فإنا لم نسمع بتنوفى ولا بمسولى )
ممدودين ولو كانا أو أحدهما ممدوداً لخرج ذلك إلى الاستعمال .
قيل : ولم يكثر أيضاً استعمال هذين الاسمين وأنما جاءا في هذين الموضعين . بل لو كثر استعمالهما مقصورين لصح ما أوردته فإنه يجوز أن يكون ألف تنوفى إشباعاً للفتحة لا سيما وقد رويناه تنوف مفتوحاً ما ترى وتكون هذه الألف ملحقة مع الإشباع لإقامة الوزن .
ينباع من ذفرى غضوب جسرةٍ إنما هو إشباع للفتحة طلباً لإقامة الوزن .
ألا ترى أنه لو قال : ينبع من ذفرى لصح الوزن إلا أن فيه زحافاً هو الخزل .
كما أنه لو قال : تنوف لكان الجزء مقبوضاً فالإشباع في الموضعين إذن إنما هو مخافة الزحاف الذي مثله جائز . انتهى كلامه .
هذا وقد روي أيضاً : عقاب ملاعٍ لا عقاب القواعل والملاع بفتح الميم وبالعين المهملة قال صاحب الصحاح : هي المفازة التي لا نبات بها .

____________________

ومن أمثالهم : أودت به عقاب ملاع قال أبو عبيدة : يقال ذلك في الواحد والجمع وهو شبيه بقولهم : طارت به العنقاء وحلقت به عنقاء مغرب .
وفي القاموس : الملاع كسحاب : المفازة لا نبات بها وكقطام وسحاب وقد يمنع . وأرض أضيفت إليها عقاب في قولهم : أودت به عقاب ملاع أو ملاعٌ من نعت العقاب أو عقاب ملاع هي العقيب التي تصيد الجرذان فارسيته : موش خوار . انتهى .
وقال ابن دريد : الملع : السرعة . وعقاب ملاع : سريع وأنشد : قل : وتفسير هذا البيت أن العقاب كلما علت في الجبل كان أسرع لانقضاضها . يقول : هذا عقاب ملاع إذا العالي يهوي من علوه وليست بعقاب القواعل وهي الجبال الصغار . انتهى .
وقال حمزة الأصفهاني في أمثاله : أبصر من عقاب ملاع قال محمد بن حبيب : ملاع : اسم هضبة . وقال غيره : اسم الصحراء ويقال للأرض المستوية الواسعة : ملاع .

____________________

قال الشاعر : كأن دثاراً حلقت بلبونه البيت وقال الزمخشري في مستقصى الأمثال : أبصر من عقاب ملاع بالوصف ويروى : من عقاب ملاع )
بالإضافة وملاع كقطام : الصحراء وعقابها أبصر من عقاب الجبل .
قال امرؤ القيس : كأن دثاراً حلقت البيت والقواعل : رؤوس الجبال وقيل : ملاع صفة لها من الملع هو السرعة . وليس بوجه في البيت لقوله : لا عقاب القواعل .
ويجوز أن تكون غير منصرفة وعلى هذا تنون في البيت لأن غير المنصرف سائغ صرفه في الشعر ولا يستحسن إيثار منع الصرف مع القبض على سلامة الجزء مع الصرف وبصر العقاب ومدح أعرابي رجلاً فقال : هو أصح بصراً من العقاب وأيقظ عيناً من الغراب وأصدق حساً من الأعراب . انتهى .
وقوله : وأعجبني مشي الحذقة خالد . . . إلخ الحزقة بضم الحاء المهملة والزاي المعجمة وتشديد القاف وهو القصير العظيم البطن وخالدٍ بالجر : عطف بيان له .
وقال العيني : الحزقة لقبٍ ويقال : ضرب من المشي . فمن جعله ضرباً من المشي نصبه ومن جعله لقباً رفعه . انتهى .

____________________

ولم أفهم معناه على أن الحزقة لم أره بمعنى المشي .
وحلئت بالبناء للمفعول من حلئت الإبل عن الماء تحلئة بالهمزٍ . إذا طردتها عنه . ومنعتها أن ترده . والأتان : أنثى الحمار شبهه بها تحقيراً له .
والمناهل : جمع منهل كجعفر : المورد وهو عين ماء ترده الإبل . كذا في المصابح .
وقوله : أبت أجأ . . . إلخ أجأ بالهمز : جبل . وجاء في الشعر غير مهموز .
قال العجاج : الرجز ( فإن تصير ليلى بسلمى أو أجا ** أو باللوى أو ذي حساً أو يأججا ) ( إلى نضدٍ من عبد شمسٍ كأنهم ** هضاب أجاً أركانه لم تقصف ) ومن العجائب قول العيني : أجأ أحد جبلي طيئ وهو مؤنث ومن العرب من لا يهمزه . وكذا هنا للضرورة . انتهى .
ولا يخفى أنه لا يتزن البيت إلا بالهمز . )
قال ياقوت في معجم البلدان : أجأ بوزن فعلأ بالتحريك مهموز مقصور والنسبة إليه أجئيٌ بوزن أجعي . وهو علم مرتجل لاسم رجل سمي به الجبل .

____________________

ويجوز أن يكون منقولاً ومعناه الفرار كما حكى بن الأعرابي : أجأ الرجل إذا فر .
قال الزمخشري : أجأ وسلمى : جبلان عن يسار سميراء وقد رأيتهما شاهقان ولم يقل عن يسار القاصد إلى مكة أو المنصرف عنها .
وقال أبو عبيد السكوني : أجأ : أحد جبلي طيء وهو غربي فيدٍ إلى أقصى أجأ وإلى القريات من ناحية الشام .
وبين المدينة والجبلين على غير الجادة ثلاث مراحل وبين الجبلين وتيماء جبال ومنها دبر وعرنان وغسل وبني كل جبلين يوم وبين الجبلين وفدك ليلة وبينهما وبين خيبر خمس ليال .
ذكر العلماء بأخبار العرب أن أجأ سمي باسم رجل وسلمى سمي باسم امرأة .
وكان من خبرهما أن رجلاً من العماليق يقال له : أجأ بن عبد الحي عشق امرأة من قومه يقال لها : سلمى وكان لها حاضنة يقال لها : العوجاء فكانا يجتمعان في منزلها حتى نذر بهما إخوة سلمى وهم : الغميم والمضل وفدك وفائد والحدثان وزوجها .

____________________

فخافت سلمى وهربت هي أوجأ والعوجاء وتبعهم زوجها وأخوتها فلحقوا سلمى على الجبل المسمى سلمى فقتلوها هناك فسمي الجبل باسمها .
ولحقوا العوجاء على هضبة بين الجبلين فقتلوها هناك فسمي المكان بها لحقوا أجأ في الجبل المسمى بأجأ فقتلوه فيه فسمي به وأنفوا ان يرجع إلى قومهم فصار كل واحد إلى مكان فأقام به فسمي ذلك المكان باسمه .
قال عبيد الله ياقوت : وهذا أحد ما استدللنا به على بطلان مذ ذكره النحويون من أن أجأ مؤنثة غير منصرفة لأنه جبل مذكر سمي باسم رجل وهو مذكر . وكان غاية ما التزموا به قول امرئ القيس : أبت أجأ أن تسلم العام . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت وهذا لا حجة لهم فيه لأن الحبل نفسه لا يسلم أحداً ولا يسلم إنما يمنع من فيه من الرجال .
فالمراد : أبت قبائل أجأ أو سكان أجأ وما أشبهه فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه يدل على ذلك عجز البيت وهو قوله : )
فمن شاء فلينهض لها من مقاتل والجبل نفسه لا يقاتل والمقاتلة مفاعلة ولا تكون من واحد . ووقف على هذا من كلامنا نحويٌ من أصدقائنا وأراد الاحتجاج والانتصار لقولهم فكان غاية ما قاله : أن المعاملة في التذكير والتأنيث مع الظاهر وأنت تراه قال : أبت أجأ فالتأنيث لهذا الظاهر ولا يجوز أن يكون للقبائل المحذوفة . فقلت له : هذا خلاف كلام العرب ألا ترى إلى قول حسان : الكامل (
____________________

يسقون من ورد البريص عليهم ** بردى يصفق بالرحيق السلسل ) لم يرو أحد قط يصفق إلا بالياء آخر الحروف لأنه يريد : يصفق ماء بردى فرده إلى المحذوف وهو الماء ولم يرده إلى الظاهر وهو بردى .
ولو كان الأمر على ما ذكرت لقال : تصفق لأن بردى مؤنث لم يجئ على زنته مؤنث قط . وقد جاء الرد على المحذوف تارة وعلى الظاهر أخرى في قوله عز وجل : وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون .
ألا تراه قال : فجاءها فرد على الظاهر وهو القرية ثم قال : أو هم قائلون فرد على أهلها وهو محذوف . وبعد فليس ها هنا ما يتأول به التأنيث إلا أن يقال : إنه أراد البقعة فيصير من باب التحكم لأنه تأويله بالمذكر ضروري لأنه جبل والجبل مذكر وإنما سمي باسم رجل بإجماع .
ولو سألت كل أعرابي عن أجأ لم يقل إلا : إنه جبل ولم يقل بقعة . ولا مستند للقائل بتأنيثه البتة . ومع هذا فإنني إلى هذه الغاية لم أقف للعرب على شعر جاء فيه أجأ غير منصرف مع كثرة استعمالهم لترك صرف ما ينصرف في الشعر .
ثم إني وقفت بعد ما سطرته على جامع شعر امرئ القيس وقد نص على ما قلته وهو أنه قال : أجأ موضع وهو أجد جبلي طيء والآخر سلمى . وإنما أراد أهل أجأ كقول الله : واسئل القرية يريد : أهل القرية . ثم وقفت على نسخة أخرى فيها : أرى أجأ لم يسلم العام جاره قال : المعنى أصحاب الجبل لن يسلموا جارهم . انتهى كلام ياقوت .

____________________

وقوله : أن تسلم من أسلمه أي : خذله . والجار هنا : المستجير والنزيل . وهذا حث منه وإغراء للقيام بنصرته وتخليص ما ذهب من إبله . ومن مقاتل : بيان لمن شاء . )
وقوله : تبيت لبوني . . . إلخ هذا تصوير لما إليه تؤول حال إبله بعد إعانتهم له .
والقُريّة على لفظ مصغر القرية وهو موضع . وأمن : جمع آمنة . هذا إن كان بضم الهمزة وأسرحها من سرحت الإبل من باب نفع أي : جعلتها ترعى . ومثله سرحتها تسريحاً . ويقال : سرحت الإبل سرحاً وسروحاً إذا رعت بنفسها يتعدى ولا يتعدى .
وغباً : يوماً بعد يوم . والأكناف : النّواحي . وحائل بالحاء المهملة والهمزة : اسم جبل .
وقوله : بنو ثعل جيرانها ثعل بضم المثلثة وفتح العين المهملة : حيّ من طيئ . ونابل بالنون الموحدة . وروي بالهمزة . ونابل وسعد : حيان من طيئ .
وقوله : تلاعب أولاد الوعول : مفعول و رباعها فاعل وهو جمع ربع بضم ففتح وهو ما نتج في الربيع . و الوعل : تيس الجبل .
يريد أن أولاد إبله تلاعب أولاد الوعول وترعى معها للأمن . و المعاقل : الجبال وروي بدله : المجادل بالجيم الواحد مجدل وهو القصر و أراد بها الجبال . قاله العيني .
وقوله : مكلّلة أي : هذه المعاقل والجبال مكلّلة بالصخور . و الأسرّة : الطّرق جمع سرار بالكسر و الحبك بضمتين : الطرائق . و الوصائل :
____________________

جمع وصيلة وهو ثوب أمعر الغزل فيه خطوط .
وقال السيوطي : المجادل : الجبال العالية . و مكلّلة : مغطاة . و الأسرّة : الطرائق وكذلك الحبك . و الوسائل : ثياب حمر مخطّطة .
وأنشد بعده : الرمل إنّما يجزي الفتى ليس الجمل هو عجز وصدره : فإذا أقرضت قرضاً فاجزه على أن بعضهم قال : ليس فيه عاطفة . والظاهر أنها على أصلها أي : ليس الجمل جازياً .
والأول مذهب البغداديين احتجّوا بهذا البيت على أنّ ليس عاطفة قالوا : كما تقول : قام زيد ليس عمرو فعمرو معطوف على زيد بليس كما تقول : قام زيد لا عمرو . فليس محمولة على لا في العطف .
قال أبو حيان : وحكى النّحاس وابن بابشاذ هذا المذهب عن الكوفيين . وحكاه ابن عصفور )
عن البغداديين .

____________________

قال أبو العباس ثعلب في أماليه : مررت بزيد ليس عمرو قال الكسائي : لا نجيزه إلاّ مع الباء .
والفراء لا يلزمه أن يقوله لأنّ الكسائي يقول : الثاني محذوف مطلوب وإذا جاء الخفض لم يحذف الخافض والفعل . والفراء يقول : إذا حسنت ليس موضع لا جاز .
وأنشد : قال سيبويه : يقول : ليس الجمل يجزي . فجعله فعلاً محذوفاً واستراح . قال أبو العباس : وأول ما ينبغي أن نقول للكسائي : لم حذفت الثاني وطلبته . انتهى كلامه .
ولا عندهم مخصوصة بعطف الاسم كما مثّل . قال صاحب اللباب : ولا لتنفي ما وجب للأول وتختصّ بالإسم . وقد جعل ليس مرادفاً لها في قوله : إنما يجزي الفتى ليس الجمل والصحيح أنه على أصله . انتهى .
وبقاؤها على أصلها يكون بأحد شيئين : الأول : ما أجاب به الشارح المحقق من أنّ الجمل اسمها والخبر محذوف أي : ليس الجمل جازياً أو ليس الجمل يجزي . والعرب قد تحذف خبر ليس في الشعر كقوله : الكامل (
____________________

لهفى عليك للهفةٍ من خائفٍ ** يبغي جوارك حين ليس مجير ) فليس في هذا البيت ليست عاطفة باتفاق ولا يتصوّر العطف فيها وخبرها محذوف أي : ليس مجير في الدنيا .
والثاني : أن يكون الجمل خبر ليس وسكن للقافية واسمها ضمير اسم الفاعل المفهوم من يجزي أي : ليس الجازي الجمل . كذا في شرح اللباب للفالي .
وهذا البيت من قصيدة للبيد وقد شرحنا منها جملةً في الشاهد الرابع والأربعين بعد السبعمائة .
____________________

( حروف التنبيه ) أنشد فيها : الوافر ألا رجلاً جزاه الله خيراً على أنّ ألا قد تجيء عند الخليل حرف تحضيض .
قال سيبويه : وسألت الخليل رحمه الله عن قوله : ( ألا رجلاً جزاه الله خيراً ** يدلّ على محصّلةٍ تبيت ) فزعم أنه ليس على التمنّي ولكنه بمنزلة قول الرجل : فهلاّ خيراً من ذلك كأنه قال : ألا ترونني رجلاً جزاه الله خيراً . وأما يونس فزعم أنه نوّن مضطرّاً .
انتهى .
قال الأعلم : الشاهد فيه نصب رجل وتنوينه لأنه حمل على إضمار فعل وجعل ألا حرف تحضيض والتقدير : ألا ترونني رجلاً .
ولو جعلها ألا التي للتمنّي لنصب ما بعدها بغير تنوين . هذا تقدير الخليل وسيبويه . ويونس يرى أنه منصوب بالتمني . ونوّن ضرورة .
والأول أولى لأنه لا ضرورة فيه . وحروف التحضيض مما يحسن إضمار الفعل
____________________

بعدها .
والمحصّلة : الامرأة التي تحصّل الذهب من تراب المعدن وتخلّصه منه طلبها للمبيت .
وفي البيت تضمين لأنّ خبر تبيت في بيت بعده وهو : ( ترجّل لمّتي وتقمّ بيتي ** وأعطيها الإتاوة إن رضيت ) وتقدم شرحه في الشاهد الثالث والستين بعد المائة .
وأنشد بعده : البسيط ( تعلّمن ها لعمر الله ذا قسماً ** فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك ) على أنه يفصل كثيراً بين ها التنبيه وبين اسم الإشارة بجملة القسم .
وهذا خلاف ما تقدّم منه في باب اسم الإشارة قال هناك : ويفصل ها التنبيه عن اسم الإشارة بأنا وأخواته كثيراً نحو : هأنذا وبغيرها قليل وذلك إمّا قسم كقوله : تعلّمن ها لعمر الله ذا قسماً أو غير قسم كقوله : البسيط
____________________

)
ونحو : الطويل فقلت لهم : هذا لها ها و ذا ليا انتهى .
وتقدّم هناك في الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة نقل كلام سيبويه عند هذا البيت وليس فيه ما يدل على كثرة وقلة .
قال الأعلم : الشاهد فيه تقديم ها التي للتنبيه على ذا وقد حال بينهما بقوله : لعمر الله والمعنى : لعمر الله هذا ما أقسم به .
ونصب قسماً على المصدر المؤكّد لما قبله لأنه معناه أقسم فكأنه قال : أقسم لعمر الله قسماُ . ف ذا عند الخليل هو المحلوف عليه فكأنه قال : والله الأمر هذا فحذف الأمر وقدّم ها .
وعند غيره المعنى : هذا ما أقسم به .
وتعلّم بمعنى اعلم لا يستعمل إلاّ في الأمر .
وقوله : فاقدر بذرعك أي : قدّر لخطوك . و الذّرع : قدر الخطو . وهذا مثل والمعنى : لا تكلّف ما لا تطيق منّي . يتوعّده بذلك وكذلك قوله : وانظر أين تنسلك . والانسلاك : الدّخول في الأمر . والمعنى : لا تدخل نفسك
____________________

فيما لا يعنيك ولا يجدي عليك .
ها إنّ تا عذرةٌ على أنّ الفصل بين ها وبين تا بإنّ وهي غير قسم وغير ضمير مرفوع منفصل قليل .
وهو قطعة من بيت وهو : ( ها إنّ تا عذرةٌ إن لم تكن نفعت ** فإنّ صاحبها قد تاه في البلد ) وتا : اسم إشارة بمعنى هذه لما ذكره قبله في القصيدة من يمينه على أنه لم يأت بشيء يكرهه .
وتا : مبتدأ و عذرة : خبرها . وهي بكسر العين اسم للعذر بضمها . وقوله : إن لم تكن . . .
إلخ صاحبها أي : صاحب العذرة ويعني به نفسه . يريد : إن لم تقبل عذري وترض عنّي فإنّ أختلّ حتى إنّي أضلّ في البلدة التي أنا فيها لعظم الخوف الذي حصل من وعيدك .
وتقدّم الكلام عليه في الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة .
وأنشد بعده : فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا
____________________

)
لما تقدّم قبله .
وهذا عجز وصدره : ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا وأنشد بعده : يا ربّتما غارةٍ هو قطعة من بيت وهو : السريع ( ماويّ يا ربّتما غارةٍ ** شعواء كاللّذعة بالميسم ) على أن يا فيه عند ابن مالك للتنبيه لدخولها على ما يفيد التقليل وهو رب .
وفيه نظر لأن رب في البيت للتكثير لا للتقليل لأنه في مقام الافتخار والتمدح كما يأتي بيانه .
وما نقل عن ابن مالك هنا قاله في باب تميم الكلام على كلمات مفتقرةٍ إلى
____________________

ذلك من التنسهيل قال : وأكثر ما يلي يا نداء أو أمر أو تمن أو تقليل .
قال شارحه المردي : يعني بالنداء المنادي وأطلق المصنف على التي للنداء أنها حرف تنبيه لأنها تنبيهٌ للمخاطب . وقد أشار إليه سيبويه وكلامه هنا يدل على أنها ذا وليها فعل أمر لا تكون للنداء بل لمجرد التنبيه . وهو خلاف ما قدمه في باب النداء . وقد تدخل على الدعاء كقوله : البسيط ( يا لعنة الله والأقوام كلهم ** والصالحين على سمعنا من جار ) وعلى حبذا كقوله : البسيط انتهى .
وكلامه في باب النداء أجود قال فيه : وقد يحذف المنادى قبل الأمر والدعاء فتلزم يا . وإن وليها ليت أو رب أو حبذا فهي للتنبيه لا للنداء . انتهى . ف يا إنما تكون عنده حرف تنبيه إذا وليها أحد الثلاثة الأخيرة .
وقد شرح كلامه هذا في التوضيح شرحاً شافياً قال عند قول ورقة بن نوفل : يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك : يظن أكثر الناس أن يا التي
____________________

تليها ليت حرف نداء والمنادى محذوف فتقدير قول ورقة : يا محمد ليتني كنت حياً وتقدير قوله تعالى : يا ليتني كنت معهم : يا قوم ليتني . )
وهذا الرأي عندي ضعيف لأن قائل ياليتني د يكون وحده فلا يكون معهة منادى لا ثابت ولا محذوف كقول مريم عليها السلام : يا ليتني مت قبل هذا .
ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه مستعملاً فيه ثبوته كحذف المنادى قبل أمر أو دعاء فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته فإن الآمر والداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه على الأمر والدعاء .
واستعمل ذلك كثيراً حتى صار موضعه منبهاً عليه إذا حذف . فحسن حذفه لذلك .
فمن ثبوته قبل الأمر : يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة و يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي و يا بني آدم خذوا زينتكم و يا إبراهيم أعرض عن هذا و يا يحيى خذ الكتاب و يا بني أقم الصلاة و يا أيها النبي اتق الله .
ومن ثبوته قبل الدعاء : يا موسى ادع لنا ربك و يا أبانا استغفر
____________________

لنا و يا مالك ليقض علينا ربك .
ومن حذف المنادى المأمور في قراءة الكسائي : ألا يا اسجدوا أراد : ألا يا هؤلاء اسجدوا . فحسن حذف المنادى قبل الأمر والدعاء اعتياد ثبوته في محل ادعاء الحذف . بخلاف ليت فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتاً . فادعاء حذفه باطل لخلوه من دليل فيتعين كون لا التي تقع قبلها لمجرد التنبيه مثل ألا وها ومثل يا الواقعة قبل ليت في تجردها للتنبيه الواقعة قبل حبذا في قول الشاعر : ( يا حبذا جبل الريان من جبلٍ ** وحبذا ساكن الريان من كانا ) وقبل رب في قول الراجز : الرجز ( يا رب سارٍ بات ما توسدا ** إلا ذارع العيس أو كف اليدا ) انتهى كلامه باختصار .
وقوله : ماوي يا ربتما غارة منادى مرخم ماوية اسم امرأة . وما في ربتما زائدة وغارة : مجروة بربت . والشعراء بالعين المهملة : الغارة المنتشرة .
واللذعة بالذال المعجمة والعين المهملة : مصدر لذعته النار أي : أحرقته . والميسم : ما يوسم به البعير بالنار . وجواب رب في البيت الذي بعده وهو : السريع (
____________________

ناهبتها الغنم على طيعٍ ** أجرد كالقدح من الساسم ) )
أي : نهبت بالغارة الغنيمة على فرس طيع منقاد لراكبه . والقدح بالكسر : السهم بل أن يراش .
والساسم : خشب الآبنوس . وهذا كما ترى افتخار لا يليق به القلة .
وتقدم الكلام عليه في الشاهد الستين بعد السبعمائة . (
____________________

حروف الإيجاب ) أنشد فيها ( الشاهد الثالث عشر بعد التسعمائة ) الوافر ( أليس الليل يجمع أم عمروٍ ** وإيانا فذاك بنا تداني ) ( نعم وترى الهلال كما أراه ** ويعلوها النهار كما علاني ) على أن نعم نا لتصديق الخبر المثبت المؤول به الاستفهام مع النفي فكأنه قيل : إن الليل يجمع أم عمرو وإيانا نعم فإن الهمزة إذا دخلت على النافي تكون لمحض التقدير أي : حمل المخاطب على أن يقر بأمرٍ يعرفه وهي في الحقيقة للإنكار . وإنكار النفي إثبات .
ومراد الشارح المحقق بهذا التوجيه والشاهد الرد على ابن الطرواة في زعمه أن مجيء نعم بعد الاستفهام الداخل على النافي لحن والواجب مجيء بلى فإنه قد لحن سيبويه بمثله في باب ما يجري عليه صفة ما كان من سببه قال فيه : وإن زعم زاعم أنه يقول : مررت برجل مخالط بدنه داء ففرق بينه وبين المنون .
قيل له : ألست قد علمت أن الصفة إذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء
____________________

إذا أردت بإسقاط التنوين معنى التنوين نحو قولك : مررت برجل ملازم أباك ومررت برجل ملازم أبيك أو ملازمك فإنه لا يجد بدّاً من أن يقول : نعم وإلاّ خالف جميع العرب والنحويين .
فإذا قال ذلك قلت : أفلست تجعل هذا العمل إذا كان منوناً وكان لشيء من سبب الأول أو التبس به بمنزلته إذا كان للأول فإنه قائل : نعم . انتهى كلامه .
قال أبو حيان في تذكرته بعد أن نقل كلام سيبويه : قد لحّن ابن الطّراوة سيبويه في استعماله نعم في هذين الموضعين وقال : إنّما هو موضع بلى لا موضع نعم .
وهو كما قال في أكثر ما يوجد من كلام النحاة وهو لا شكّ أكثر في الاستعمال وعلى ذلك جاء ما يروون عن ابن عبّاس من قوله في قول الله تعالى : ألست بربّكم إنهم لو قالوا : نعم )
لكفروا . ولكن قد يوجد مع ذلك خلافه .
قال الشاعر : أليس اللّيل يجمع أمّ عمرٍ و البيتين ويفتقر كلام ابن عباس مع وجود قول هذا القائل إلى فضل نظر وهو أن يقول : نعم في قول الشاعر ليس بجواب لأن الجواب ب نعم إذا جاء بعد الاستفهام إنما يكون تصديقاً لما بعد ألف ولم يرد الشاعر أن يصدّق أنه لا يجمعه الليل مع أمّ عمرو فلذلك يكون بنو آدمٍ إذا قالوا في جواب : ألست بربّكم : نعم كفّاراً لأن الجواب بنعم يكون تصديقاً لما بعد ألف الاستفهام من النفي وهو الأكثر في الاستعمال ولكنه لا يمتنع مع ذلك أن يقولوا : نعم لا على الجواب ولكن على التصديق لأن الاستفهام في ألست
____________________

بربّكم تقرير والتقرير خبر موجب .
فإذا كان التقرير خبراً معناه الإيجاب جاز أن يأتي نعم كما يأتي بعد الخبر الموجب للتصديق .
وإذا كان الأمر كذلك لم يكن في إجازة نعم في الآية وفي الشعر مخالفة لابن عباس فيما قاله لأنهما لم يتواردا على معنًى واحد فإن الذي منعه إنما منعه على أنّ نعم جواب وإذا كان جواباً إنما يكون تصديقاً لما بعد ألف الاستفهام والذي أجازه إنما أجازه على أن تكون نعم غير جواب .
وإتمام نعم فيه على وجه التصديق كما في قولك : نعم لمن قال : قام زيد . انتهى كلامه .
واختصره المرادي في الجنى الداني .
فقد اتفق الشارح المحقق وأبو حيان في هذا التوجيه .
وقد جاء في الحديث مثل ذلك الشعر وهو قول الأنصار للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قال لهم : ألستم ترون لهم ذلك قالوا : نعم .
وهذا التوجيه نسبه ابن هشام في بحث نعم من المغني إلى جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين : إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد وإن كان مراداً به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعياً للفظه .
ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعياً لمعناه ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحدٍ ولا الاستثناء المفرغ لا يقال : أليس أحد في الدار ولا أليس في الدار إلا زيد .
وعلى ذلك جاء قول الأنصار وقول الشاعر : نعم بعد النفي المقرون بهمزة الاستفهام . قال ابن )
هشام : وعلى هذا جرى كلام سيبويه والمخطئ مخطئ .
وقال في بحث بلي : أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى ولذلك قال ابن عباس وغيره : لو قالوا نعم لكفروا . ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفي أو إيجاب .

____________________

ولذلك قال جماعة من الفقهاء : لو قال : أليس لي عندك ألف . فقال : بلى لزمته . ولو قال : نعم . لم تلزمه . وقال آخرون : تلزمه فيهما . وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة .
ونازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس وغيره في الآية مستمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب .
ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى : أفلا تبصرون أم أنا خير لأنها لا تقع ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها الإيجاب وذلك متفق عليه .
قال الدماديني : لا إشكال فإن هؤلاء راعوا صورة النفي المنطوق به فيجاب ببلى حيث يراد إبطال النفي الواقع بعد الهمزة وجوزوا الجواب بنعم على أنه تصديق لمضمون الكلام جميعه : الهمزة ومدخولها وهو إيجاب . ودعواه الاتفاق منازع فيها .
أما إن أراد الإيجاب المجرد من النفي أصلاً ورأساً فقد حكى فيه الرضي الخلاف .
وأما إن أراد ما هو أعم حتى يشمل التقرير المصاحب للنفي فالخلاف موجود مشهور وذكره المصنف عن الشلوبين وغيره في نعم وهنا أيضاً بقوله : إنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى . انتهى .
هذا وقد قال أبو حيان في الارتشاف : وأما قول جحدر : أليس الليل يجمع أم عمرو البيتين فليس نصاً في أن التقرير يجاب بنعم . انتهى .

____________________

فلا يدفع التناقض بين كلام ابن عباس وكلام غيره بما ذكره الشارح المحقق فلا بد من دليل سمعي يبين جواز ذلك .
قال أبو حيان : ولم يذكر سوى بيتي جحدر وقد ذكر له عدة تأويلات فلا يقوم بمثله حجة وقد أول بثلاثة تأويلات : أحدها : لابن عصفور وهو أن تكون نعم فيه جواباً لغير مذكور قال أجرت لعرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجاباً في المعنى فإذا قيل : ألم أعطك درهماً قيل في )
تصديقه : نعم وفي تكذيبه : بلى وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك فإذا قال : نعم لم تعلم هل أراد نعم لم تعطني على اللفظ أو نعم أعطيتني على المعنى فلذلك أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى .
وأما نعم في بيت جحدر فجواب لغير مذكور وهو ما قدره في اعتقاده أن الليل يجمعه وأم عمرو . وجاز ذلك لأمن اللبس لعلمه أن كل أحدٍ يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو .
وأما قول الأنصار فجاز لزوال اللبس لأنه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك . وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التقرير . انتهى .
ثانيها : لابن عصفور أيضاً : أنه جواب لما بعده كقولهم : نعم هذه أطلالهم . قال : ويجوز أن تكون جواباً لقوله وترى الهلال البيت . وفيه نظر لأن قوله : وترى الهلال عطف على ما قبله فهو داخل تحت التقرير .
ثالثهما : لأبي حيان وتبعه ابن هشام قال : الأحسن أن تكون جواباُ لقوله : فذاك بنا تداني فتكون الجملة معترضة بين المتعاطفين وليست داخلة تحت التقرير وتقدمت على نعم لفظاً ومعنى .
ورأيت في ترجمة جميل بن معمر العذري من كتاب الشعراء لابن قتيبة رواية البيت الثاني كذا :
____________________

أرى وضح الهلال كما تراه وقد رواه السكري في كتاب اللصوص في نسخة قديمة صحيحة : بلى وترى الهلال كما أراه وعليهما لا شاهد فيه .
قال ابن هشام : ويتحرر على هذا أنه لو أجيب ألست بربكم بنعم لم يكف في الإقرار لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله : لا إله إلا الله برفع إله لاحتماله لنفي الوحدة فقط .
ولعل ابن عباس رضي الله عنهما إنما قال : إنهم لو قالوا نعم لم يكن إقراراً كافياً .
وجوز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا نعم جواباً للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفراً إذا الأصل تطابق الجواب والسؤال لفظاً . وفيه نظر لأن التفكير لا يكون بالاحتمال . )
وقوله : ولعل ابن عباس يريد أن النقل المشهور عنه نقل بالمعنى قال الدماميني : وهذا لا وجه له فإنه معارضة للنقل الثابت المشهور بمجرد احتمال عدمه من غير ثبت . انتهى .
وقد أورد الدماميني حكاية عن الوجه الأول من التأويلات لا بأس بإيرادها قال : أخبرت بمكة سنة ثماني عشرة وثمانمائة أن مولانا قاضي القضاة أبا الفضل
____________________

النويري الشافعي الناظر في الحكم للعزيز بمكة المشرفة سأل الشيخ جمال الدين ابن هشام مصنف هذا الكتاب عما جرى به العرف في هذه الأزمنة من أن الإنسان إذا طرق باب صاحبه يقول : نعم نعم يريد الإعلام بحضوره وهل لهذا أصل في لسان العرب فقال : نعم وقد ذكرت ذلك في كتابي مغني اللبيب . فقال لي ذلك المخبر : لم أظفر بذلك في المغني وسألت عنه جماعة فلم يحصل جواب .
قلت له : هو في موضعين : أحدهما : قوله قبل هذا : إن نعم تقع جواباً لسؤال مقدر .
والثاني : قول ابن عصفور إن نعم في بيت جحدر جواب لغير مذكور .
وكذلك قول هذا الطارق : نعم نعم جواب لما قدره في اعتقاده من أن صاحب المنزل لشدة احتفاله والتفاته إليه يسأل : هل حضر فلان وقاضي مكة المشار إليه هذا هو أحد مشايخي أخبرني بمغني اللبيب عن مصنفه وأجازني إجازة عامة وكتب لي خطة بذلك . انتهى .
وقول الشاعر : وذاك بنا تداني ذاك إشارة إلى جمع الليل إياهما . والتداني : التقارب .
والبيتان أبرد ما قيل في باب القناعة من لقاء الأحباب . وقال ابن قتيبة : وجميل ممن رضي بالقليل فقال : الطويل ( أقلب طرفي في السماء لعله ** يوافق طرفي طرفها حين تنظر ) ومنهما أخذت قولها عليه بنت المهدي العباسي أورده الصولي في ترجمتها من كتاب الأوراق : الطويل ( أليست سليمى تحت سقفٍ يكنها ** وإياي هذا في الهوى لي نافع
____________________

) ( ويلبسها الليل البهيم إذا دجا ** وتبصر ضوء الصبح والفجر ساطع ) ( تدوس بساطاً قد أراه وأنثني ** أطاه برجلي كل ذا لي شافع ) )
والبيتان من قصيدة لجحدر بن مالك الحنفي قالها وهو في سجن الحجاج وأرسلها إلى اليمامة .
وقد تقدم سبب حبسه مع ترجمته في الشاهد الحادي والستين بعد الخمسمائة وهي هذه من ( تأوبني فبت لها كبيعاً ** همومٌ لا تفارقني حواني ) ( هي العواد لا عواد قومي ** أطلن عيادتي في ذا المكان ) ( إذا ما قلت قد أجلين عني ** ثني ريعانهن علي ثاني ) ( وكان مقر منزلهن قلبي ** فقد أنفهنه فالقلب آني ) ( أليس الله يعلم أن قلبي ** يحبك أيها البرق اليماني ) ( وأهوى أن أعيد إليك طرفي ** على عدواء من شغلٍ وشان ) ( نظرت وناقتاي على تعادٍ ** مطاوعتا الأزمة ترحلان ) ( إلى ناريهما وهما قريبٌ ** تشوقان المحب وتوقدان ) ( وهيجني بلحنٍ أعجميً ** على غصنين من غربٍ وبان ) ( فكان البان أن بانت سليمى ** وفي الغرب اغترابٌ غير داني
____________________

) ( أليس الليل يجمع أم عمرو ** وإيانا فذاك بنا تداني ) ( بلى وترى الهلال كما أراه ** ويعلوها النهار كما علاني ) ( فما بين التفرق غير سبعٍ ** بقين من المحرم أو ثمان ) ( فيا أخوي من جشم بن سعدٍ ** أقلا اللوم إن لم تنفعاني ) ( إلى قومٍ إذا سمعوا بنعيٍ ** بكى شبانهم وبكى الغواني ) ( وقولا جحدرٌ أمسى رهيناً ** يحاذر وقع مصقولٍ يماني ) ( يحاذر صولة الحجاج ظلماً ** وما الحجاج ظلاماً لجاني ) ( ألم ترني غذيت أخا حروبٍ ** إذا لم أجن كنت مجن جاني ) ( فإن أهلك فرب فتى سيبكي ** علي مخضبٍ رخص البنان ) ( ولم أك قد قضيت ديون نفسي ** ولا حق المهند والسنان ) قوله : تأوبني فبت لها كبيعا أي : أتاني ليلاً هموم من الأوب وهو الرجوع .
والكبيع بفتح الكاف وكسر الموحدة قال السكري : كبيع وكابع بمعنى أي : مشدود . )
وقال السيوطي في شرح أبيات المغني : وكنيعاً من كنع الرجل إذا خضع ولان . انتهى .

____________________

وكأن نسخته التي نقل منها كانت بالنون . وحواني : جمع حانية من حنى عليه حنواً أي : تعطف بدليل ما بعده وهو قوله : هي العواد . وزعم السيوطي أنه كمن الحين بالفتح وهو الهلاك .
قال السكري : وريعانهن : أوائلهن . وأنفهنه قال صاحب الصحاح : نفهت نفسه بالكسر : أعيت وكلت وقد أنفه فلان إبله ونفهها إذا أكلها وأعياها . انتهى . وهو بالنون والفاء والهاء .
قال السكري : الآني : المنتهي في الغليان . وعدوا الشغل بضم العين وفتح الدال المهملتين والواو والمد أي : موانعه .
وقوله : فإن أهلك فرب فتى سيبكي . . . إلخ أورده ابن هشام في المغني على أنه يجوز أن يكون الفعل بعد ربٌ مستقبلاً كما في البيت . وروى بدل : مخضب : مهذب وهو المطهر الأخلاق . والرخص : الناعم . والبنان : أطراف الأصابع .
وأنشد بعده ( الشاهد الرابع عشر بعد التسعمائة ) الطويل ( وقد بعدت بالوصل بيني وبينها ** بلى إن من زار القبور ليبعدا ) على أن بعضهم زعم أن بلى تستعمل بعد الإيجاب كما في البيت . وهو شاذ وكان القياس نعم .
وإنما قال شاذ ولم يقل ضرورة لأنه جاء مثله في الحديث الصحيح : أخرج البخاري في كتاب الأيمان والنذور من صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله
____________________

عنه قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف إلى قبة من أدم يمان إذ قال لأصحابه : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قالوا : بلى . قال : أفلم ترضوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة قالوا : بلى . قال : فوالذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة .
وقوله : مضيف أي : مسند ظهره الشريف . وبلى الأولى أجيب بها الاستفهام المجرد عن النفي وهو موضع نعم كما ورد فيه عنه .
فإن البخاري قد أخرجه عنه في الرقاق أيضاً قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة )
فقال : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قلنا : نعم . قال : والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة . وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعر السوداء في جلد الثور الأبيض .
وكذا جاء في صحيح مسلم أخرج مسلم في كتاب الهبة عن النعمان ابن بشير قال : انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله اشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي . فقال : أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان قال : لا . قال : فأشهد على هذا غيري . ثم قال : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال : بلى . قال : فلا إذن .
ففي الموضعين أيضاً وقعت بلى في جواب الاستفهام المجرد وهو موضع نعم .
ومثله في الشعر قول الكميت بن ثعلبة : الوافر ( نشدتك يا فزار وأنت شيخٌ ** إذا خيرت تخطئ في الخيار ) ( أصيحانيةٌ أدمت بسمنٍ ** أحب إليك أم أير الحمار ) ( بلى أير الحمار وخصيتاه ** أحب إلي فزارة من فزار
____________________

) والتمر الصيحاني : تمر معروف بالمدينة المنورة .
وهذا من التقارض فإن نعم استعملت استعمال بلى في بيتي جحدر ونحوه وبلى استعملت استعمال نعم في هذه الأحاديث وهذين الشعرين .
وقوله : وقد بعدت بالوصل . . . إلخ بعد الشيء بضم العين ويعدى بالباء . وفاعل بعدت ضمير الحبيبة وبعدها عنه هنا إنما هو موتها وزيارتها القبر . ولهذا قال : بلى إن من زار القبور . . . إلخ . وبيني وبينها ظرف متعلق بمحذوف حال من الوصل .
وقوله : ليبعدا اللام للتأكيد وهي التي تجيء في خبر إن وتسمى المزحلقة والأف مبدلة من نون التوكيد الخفيفة فإنها تبدل ألفاً في الوقف . وفاعل يبعد ضمير من .
وهذا البيت لم أعرفه ولم أنظره إلا في هذا الشرح . والله أعلم . ( فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندبٍ ** بلى إن من زار القبور ليبعدا ) وأنشد بعده ( الشاهد الخامس عشر بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : مجزوء الكامل (
____________________

ويقلن شيبٌ قد علا ** ك وقد كبرت فقلت : إنه ) على أن سيبويه قال : إن فيه حرف تصديق للخبر بمنزلة أجل . والهاء للسكت قال سيبويه في باب ما تلحقه الهاء لتتبين الحركة : ومثل ما ذكرت قول العرب إنه وهم يريدون إنه ومعناها أجل . وأنشد هذا البيت .
قال الأعلم : الشاهد فيه تبيين حركة النون بهاء السكت لأنها حركة بناء لا تتغير لإعراب فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة . ومعنى إن ها هنا نعم . انتهى .
وقال النحاس : وفي نسخة أبي الحسن الأخفش هذا البيت وليس عندي عن أبي إسحاق . وفي النسخة : أي فقلت أجل . وسألت عنه أبا الحسن فقال : إن بمعنى نعم والهاء لبيان الحركة وكانت خطباء قريش تفتتح خطبتها بنعم . انتهى .
وقال أبو علي في البغداديات بعد نقل قول سيبويه في البيت : وكان أبو بكرٍ أجاز فيه مرةً أن تكون إن المحذوفة الخبر كأنه قال : إن الشيب قد علاني فأضمره فجرى بذلك ذكره وحذف خبره للدلالة عليه .
قال : وحذف الخبر في هذا أحسن لأن عنايته بإثبات الشيب نفسه كما أنه يحذف معها الخبر لما كان غرضه ووكده كإثبات المحل في قوله : المنسرح
____________________

إن محلا وإن مرتحلا قال : وهذا أحد ما تشبه فيه إن لا النافية العاملة النصب . انتهى .
وزعم أبو عبيد أن إن بمعنمى نعم غير موجودة وهي في البيت مؤكدة الهاء اسمها وخبرها محذوف أي : إنه قد كان كما يقلن .
قال الجوهري : قال أبو عبيد : وهذا اختصار من كلام العرب يكتفي منه بالضمير لأنه قد علم معناه .
وأما قول الأخفش : إنه بمعنى نعم فإنما يريد تأويله ليس أنه موضوع في أصل اللغة لذلك .
انتهى .
قال ابن الشجري في أماليه بعد نقل هذا الكلام عن أبي عبيد : والهاء في تفسير أبي عبيدٍ )
للشأن . ولم يتعقبه بشيء . ولا يخفي أن ضمير الشأن لا يجوز حذف خبره بل يجب التصريح بجزأي الجملة من خبره .
وقول الشارح المحقق تبعاً لغيره : الخبر محذوف أي : إنه كذلك ليس الضمير فيه للشأن لأن شرط خبره أن يكون في أصل جملة مستقلة . وكذلك ليس جملة إنما هو شبه جملة بل الضمير فيه راجع إلى القول المفهوم من يقلن أي : إن قولهن كذلك .
وكالشارح المحقق نقل ابن هشام في المغني أن التقدير : إنه كذلك .
ولفق له شارحه ابن الملا من هنا ومن هنا كلاماً مختل النظام أعرضنا عنه لعدم جدواه في المقام ولقلاقته على الأفهام .
وقول الشارح المحقق في إن وراكبها : إنه لتقدير مضمون الدعاء وهو خلاف تصديق الخبر أقول : لا يخالفه فإن جملة لعن الله ناقة حملتني إليك هي
____________________

خبرية لفظاً فالتصديق راجع إليها باعتبار لفظها ووضعها وقصد الدعاء فيها أمر معنوي طارٍ عليها . وقد جاءت في هذا البيت لتصديق الخبر المنفي قال ساعدة الهذلي : البسيط ( ولا أقيم بدار الذل إن ولا ** آتي إلى الغدر أخشى دونه الخمجا ) قال السكري في شرحه : إن هنا بمعنى نعم . والخمج بفتح الخاء المعجمة والميم والجيم : سوء وجاءت لتصديق الخبر المثبت أيضاً فيما أنشده ابن الشجري وهو الكامل ( قالوا غدرت فقلت إن وربما ** نال المنى وشفا الغليل الغادر ) ومنه خبر ابن الزبير وجاءت بعد الاستفهام أيضاً فيما أنشده ابن هشام في أواخر الباب الخامس من المغني وهو : الكامل ( قالوا أخفت فقلت إن وخيفتي ** ما إن تزال منوطةً برجائي
____________________

) ونقل ابن الملا عن أبي حيان أن إن في هذه المواضع هي المؤكدة حذف معمولاها فإنه قال : إن كلام ابن الزبير لا ينتهض دليلاً لابن مالك على أن إن فيه بمعنى نعم لأنه مما حذف فيه الاسم والخبر ولا يجوز حذفهما معاً إلا مع إن وقد حذفت العرب الجملة إلا حرفاً منها كما في قولهم : قاربت المدينة ولما وقوله : الرجز ( . . . . . . . . . . . . . . . . . وإن ** كان فقيراً معدماً قالت وإن ) )
فإن التقدير : ولما أدخلها وإن كان فقيراً معدماً قبلته .
هذا كلامه .
ولا يخفى أن المنصوص في إن وأخواتها جواز حذف أحد معموليها فقط ولم يجز أحد حذفهما معاُ مع بقاء إن نعم يجوز أن يحذف معمولاها معها . والفرق بينها وبين لما وإن ظاهر فإن وإن لتأكيد نسبة الكلام فجيء لمزيد الاعتناء به فلا يجوز حذفه لئلا يبطل الغرض .
وأجاب ابن الملا بأنه حذف فيهما لسبق القرينة وما نحن فيه ليس من ذلك إلا أن يدعى أن وقوع إن في جواب قوله : قرينة ويكون التقدير : إنها ملعونة . وهو تكلف . ويشكل عليه عطف جملة الدعاء على جملة الخبر وإن صححه بعضهم . هذا كلامه .
والبيت شاهد من جملة أبيات أوردها صاحب الأغاني لعبيد الله بن قيس الرقيات وهي : (
____________________

بكر العواذل في الصبا ** ح يلمنني وألومهنه ) ( ويقلن شيبٌ قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه ) ( لابد من شيبٍ فدع ** ن ولا تطلن ملامكنه ) ( ولقد عصيت الناهيا ** ت النازات جيوبهنه ) ( حتى ارعويت إلى الرشا ** د وما ارعويت لنهيهنه ) وروي الصبوح بدل الصباح وهو ما يشرب في وقت الصباح .
وبكر : جاء بكرة هذا أصله ثم استعمل في كل وقت . والعواذل : جمع عاذلة .
ورواه صاحب الصحاح : قال ابن السيرافي : يلحينني : يلمنني على اللهو والغزل . وألومهن على لومهن لي ويقلن : قد شبت وكبرت فقلت : نعم .
يريد أنه يأتي ما يأتي على علمٍ منه بأمر نفسه . والمعنى واضح . انتهى .
والجيوب : جمع جيب وهو طوق القميص . والارعواء : النزوع عن الجهل وحسن الرجوع عنه .
وقد ارعوى : رجع عن غيه . وكبرت بكسر الياء بمعنى صرت كبيراً . والهاء في القوافي للسكت .
وابن قيس الرقيات اسمه عبيد الله بالتصغير وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثالث والثلاثين بعد الخمسمائة . )
قال حماد الرواية : إذا أردت أن تقول الشعر فارو شعر ابن قيس الرقيات فإنه أرق الناس حواشي شعر .

____________________

وسئل بعضهم في التمييز بينه وبين عمر بن أبي ربيعة فأجاب بأن ابن أبي ربيعة أشهر بالغزل وابن قيس أكثر أفانين شعر . (
____________________

حروف الزيادة ) وما إن طبنا جبنٌ هو قطعة من بيت وهو : الوافر ( وما إن طبنا جبنٌ ولكن ** منايانا ودولة آخرينا ) على أن إن تزاد ما النافية وتقدم شرحه في الشاهد السبعين بعد المائتين .
وأنشد بعده ( الشاهد السادس عشر بعد التسعمائة ) مجزوء الكامل ( ما إن جزعت ولا هلع ** ت ولا يرد بكاي زنداً
____________________

) لما تقدم قبله .
ومثل بمثالين إشارة إلى أنها تزاد بعد ما النافية مطلقاً سواء كانت الداخلة على الجملة الأسمية وتكفها عن عملها عمل ليس وتسمى إن الزائدة الكافة أم كنت الداخلة على الجملة الفعلية كما في هذا البيت وتسمى إن الزائدة فقط .
والبيت من قصيدة لعمرو بن معد يكرب أوردها أبو تمام في أوائل الحماسة . ( كم من أخٍ لي صالحٍ ** بوأته بيدي لحدا ) ( ما إن جزعت ولا هلع ** ت ولا يرد بكاي زندا ) ( ألبسته أثوابه ** وخلقت يوم خلقت جلدا ) ( أغني غناء الذاهبي ** ن أعد للأعداء عدا ) ( ذهب الذين أحبهم ** وبقيت مثل السيف فردا ) قوله : كم من أخ . . . إلخ ذكر قبل تبجحه بالشجاعة وذكر بهذا إلى آخره صبره على البلاء أي : كم من أخٍ موثوقٍ به فجعت به . وبوأته : أنزلته . والمباءة : المنزل . )
وقوله : ما إن جزعت ولا هلعت . . إلخ الهلع : أفحش الجزع لأنه جزع مع قلة صبر وفعلهما من باب فرح فكأنه قال : ما حزنت عليه حزناً شديداً ولا هيناً . وهذا نفي الحزن رأساً . وقد أعطى الترتيب حقه لأنه ارتقى فيه من الأدون إلى الأعلى .

____________________

والزند بفتح المعجمة وسكون النون يستعمل في معنى القلة . ويروى بدله رداً أي : مردوداً .
والمعنى : لا يغني بكاي شيئاً وإنما عقب نفي الجزع بهذا تنبيهاً على أن صبره عن تأدب وتبصر ومعرفة بالعواقب في حسن التأمل .
وقوله : أغني غناء . . . إلخ قال التبريزي : يجوز أن يريد بالذاهبين من انقرض من عشريته وأعد بالبناء للمفعول يجوز أن يكون المعنى : يقول في الأعداء : خذوا فلاناً فإنه يعد بكذا من الفرسان . ويقال : إن عمراً كان يعد بألف فارس .
ويجوز أن يكون المعنى أهيأ للأعداء معدوداً . فعداً حال وضع موضع المعدود . وروي : أعد بالبناء للفاعل أي : أعد لهم السلاح . وروي : أعد بفتح الهزة ويحتمل معنيين : أحدهما أن يقول : أعد لهم وقعاتي وأيامي عند المفاخرة .
والثاني أن يقول : أعد لهم كل ما يحتاج إليه من عدد وعدة فعداً مفعول به والمعنى : أعد لهم معدوداتها .
وقوله : وبقيت مثل السيف فردا قال الطبرسي : أي : بقيت منفرداً بالسيادة كالسيف لا يجمع اثنان منه في غمد ويجوز أن يريد : بقيت كالسيف لنفاذي ومضائي في الأمور .
وعمرو بن معد يكرب صحابيٌ تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة .

____________________

وأنشد بعده : كأن ظبيةٍ تعطو هو قطعة من بيت وهو : الطويل ( ويوماً توافينا بوجهٍ مقسمٍ ** كأن ظبيةٍ تعطو إلى وارق السلم ) وتقدم الكلام عليه في الشاهد الرابع والسبعين بعد الثمانمائة .
وأنشد بعده : الطويل
____________________

ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها وتقدم شرحه في الشاهد الحادي والخمسين بعد المائتين . )
وأنشد بعده ( الشاهد السابع عشر بعد التسعمائة ) المتقارب ( لا وأبيك ابنة العامر ** ي لا يدعي القوم أني أفر ) على أن لا تجيء كثيراً زائدة قبل المقسم به للإعلام بأن جواب القسم منفي فإن الواو حرف قسم .
وجملة : لا يدعي القوم جواب القسم وهي منفية فأتى بالنافي قبل القسم للإشعار ابتداء بأن جوابه منفي كقوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك .
قال ابن هشام في المغني : ورد بقوله تعالى : لا أقسم بهذا البلد الآيات فإن جوابه مثبت
____________________

وقيل : زيدت لمجرد التوكيد وتقوية الكلام كما في : لئلا يعلم أهل الكتاب ورد بأنها لا تزاد لذلك صدراً بل حشواً . انتهى .
ويجاب بأن زيادتها في صدر القسم المنفي جوابه أغلبيٌ لا كلي . والكاف من أبيك مكسورة لأنه خطاب مؤنث أقسم بأبيها تعظيماً لها .
وابنة العامري : منادى وحرف النداء محذوف وهو : يا ابنة العامري اسمها هرٌ بكسر الهاء وتشديد الراء .
وقد أوردها امرؤ القيس في هذه القصيدة بقوله : ( وهرٌ تصيد قلوب الرجال ** وأفلت منها ابن عمرو حجر ) والعامري هو من بني عمرو بن عامر من الأزد واسمه سلامة بن عبد الله . وقال الخطيب التبريزي في شرح معلقته عند قوله : الطويل ( أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل ** وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي ) قال ابن الكلبي : فاطمة هي بنت عبيد بن ثعلبة بن عامر . قال : وعامر هو الأجدر بن عوف بن عذرة ولها يقول : ( لا وأبيك ابنة العامر ** ي . . . . . . . . . . . . . . البيت
____________________

) قال ابن عصفور في كتاب الضرائر : ومنه تخفيف المشدد في القوافي نحو قول امرئ القيس : لا يدعي القوم أني أفر )
وقد خفف عدة قوافٍ من هذ القصيدة وإنما خفف ليستوي له بذلك الوزن وتطابق أبيات القصيدة .
ألا ترى أنه لو شدد أفر لكان آخر أجزائه على فعولن من الضرب الثاني من المتقارب وهو يقول بعد هذا : ( تميم بن مر وأشباعها ** وكندة حولي جميعاً صبر ) وآخر جزء من هذا البيت فعل وهو من الضرب الثالث من المتقارب وليس بالجائز له أن يأتي في قصيدة واحدة بأبيات من ضربين فخفف لتكون الأبيات كلها من ضرب واحد . وسواء في ذلك الصحح والمعتل . انتهى كلامه .
وبهذا تعلم أنه لم يصب من قال : إن أفر فيه مشدد اجتمع فيه ساكنان واجتماعهما في القافية جائز وهو أبو الفرج بن المعافى قال في أماليه حدثنا صديقنا الحسن بن خالويه قال : كتب الأخفش إلى صديق له يستعير منه دابة ودابة لا يقع في الشعر لأنه لا يجمع فيه بين ساكنين فقال : المتقارب وإنما امتنع دخول دابة ونحوها في الشعر لئلا يلتقي فيه ساكنان في غير القافية كقوله : لا يدعي القوم أني أفر وقد جاء في الشعر في مزاحف للمتقارب وذلك قوله : (
____________________

فقالوا : القصاص وكان التقا ** ص حقاً وعدلاً على المسلمينا ) ورواه بعضهم : وكان القصاص . هذا كلامه .
واعلم أن هذه القصيدة من بحر المتقارب هو فعولن ثمان مرات وفيه الحذف فإن أفر وزنه فعو وحذف منه لن فأتى بدله فعل .
وفي أول هذا البيت ثرم فإن وزن قوله : لا و فعل وأصله فعولن فلحقه الثرم فصار وزنه ما ذكر .
وهذا البيت مطلع قصيدة لامريء القيس على الصحيح عند المفضل وأبي عمرو الشيباني كما تقدم التنبيه عليه في شرح بيت منها في الشاهد الثامن والخمسين من أوائل الكتاب وتقدم أيضاً شرح أبياتٍ منها في الشاهد العشرين بعد السبعمائة .
وأنشد بعده : الرجز
____________________

)
في بئر لا حورٍ سرى وما شعر على أن زيادة لا بين المتضايفين شاذة والأصل : في بئر حور فزيدت لا بينهما لفظاً ومعنى كما نص عليه الشارح المحقق في باب لا النافية للجنس . أي : سرى في بئر هلاكٍ وما شعر بسقوطه فيها .
وهذا قول جماعة .
وذهب الفراء وتبعه جماعة إلى أن لا هنا نافية وليست بزائدة قال : لأن المعنى في بئر ماء لا يحير عليه شيئاً كأنك قلت : إلى غير رشدٍ توجه وما درى ووقع على ما لا يتبين فيه عمله فهو جحد محض .
وتقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد الستين بعد المائتين . (
____________________

حرفا التفسير ) أنشد فيهما ( الشاهد الثامن عشر بعد التسعمائة ) الطويل ( وترمينني بالطرف أي أنت مذنبٌ ** وتقلينني لكن إياك لا أقلي ) على أن أي فيه حرف تفسير للجملة قبله .
قال ابن يعيش : قوله : أي : أنت مذنب تفسير لقوله : وترمينني بالطرف إذا كان معنى ترميني بالطرف : تنظر إلي نظر مغضب ولا يكون ذلك إلا عن ذنب . انتهى .
وقال صاحب التخمير : الرمي بالطرف : عبارة عن النظر يقال : رماه بطرفه إذا نظر إليه كأنه قال : تفسير رميها بالطرف إياي أي : أنت مذنب أي : أشارت إلي بطرفها إشارةٌ دلت على أني مذنب في حقها .
هذا كلامه والمعنى هو الأول .
وفسر الدماميني والسيوطي : ترمينني بتشيرين إلي .

____________________

وتعقبه ابن الحنبلي وقال : الطرف : نظر العين أي : وترمينني الطرف كأنه سهم فكثيراً ما يستعار السهم لطرف العين . كما قال الشافعي : الطويل ( خذوا بدمي هذا الغزال فإنه ** رماني بسهمي مقلتيه على عمد ) )
وقال : أي : أنت مذنب على التفسير لأن الرمي بالشيء قد يكون على عمدٍ وقد لا يكون والمراد الأول لكون المرمي ذا ذنب ولو في ظن الرامي . والإشارة وإن كانت قد تكون بالطرف كما قال : الطويل أشارت بطرف العين خيفة أهلها وقلنا : إن الرمي به بهذا المعنى يستلزم الإشارة به فالأولى ألا تكون الإشارة به مقصودة للشاعر منه وأن ليست معنى ترمينني وحده ولا لازمة بل لازم مجموع ترمينني بالطرف . هذا ما قرره .
والحاصل : أن أي تفسر الجملة وغيرها وهي أعم من أن لأنه يفسر بها المفرد والجملة والقول الصريح وغيره . تقول : رأيت غضنفراً أي : أسداً وأمرت زيداً أي : اضرب وقلت قولاً أي : عبد الله منطلق وخرج زيد بسيفه أي : خرج وسيفه معه .
وإنما يحتاج إلى التفسير إذا كان في الكلام غرابة أو إبهام أو حذف شيء . وما بعد أي عطف وهذا ظاهر فيما إذا فسرت مفرداً وأما إذا فسرت جملة كما في البيت فلا .
وذهب الكوفيون وتبعهم المبرد إلى أنها حرف عطف إذا فسرت مفرداً ورد عليهم بأنها تفسر الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد ولا فصل وتفسر الضمير المجرور
____________________

بلا إعادة الجار ولو كان ما بعدها معطوفاً بها لم يستقم الأول بدون تأكيد أو فاصل ولا الثاني بدون إعادة الجار .
ونسب ابن هشام في المغني هذا القول إليهم وإلى صحابي المستوفي والمفتاح ورده بأنا لم نر عاطفاً يصلح للسقوط دائماً ولا عطفاً ملازماً لعطف الشيء على مرادفه .
وقال أبو حيان في الارتشاف : وأما أي فذهب الكوفيون وتبعهم ابن السكاكي الخوارزمي من أهل المشرق وأبو جعفر بن صابر من أهل المغرب إلى أنها حرف عطف تقول : رأيت الغضنفر أي : الأسد وضربت بالعضب أي : بالسيف والصحيح أنها حرف تفسير يتبع بعدها الأجلي للأخفى عطف بيان يوافق في التعريف والتنكير ما قبله . انتهى .
واستفيد منهما أن ابن السكاكي هو السكاكي صاحب المفتاح .
وإذا فسر ب أي فعل أسند إلى ضمير حكي ذلك الضمير بعدها نحو استكتمته الحديث أي سألته كتمانه فالتاء من سألته مضمومة واستكتمه زيد الحديث أي : سأله كتمانه واستكتمه يا زيد الحديث أي : سله كتمانه . فيجب أن يطابق الضمير بعدها لما قبلها في التكلم والغيبة )
وإن فسرت الجملة بالمراد منها لم يحك فاعلها كالبيت الشاهد . وإذا تقدم تقول على فعل مسند إلى تاء المتكلم وجئت بإذا مكان أي وجب فتح التاء لأنه ظرف لتقول . ونظم بعضهم هذا فقال : البسيط ( إذا كنيت بأي فعلاً تفسره ** فضم تاءك فيه ضم معترف ) ( وإن تكن بإذا يوماً تفسره ** ففتحك التاء أمرٌ غير مختلف
____________________

) وقوله : إذا كنت بأي معناه : إذا جئت بضمير مع أي حال كونك تفسره فعلاً فإن الضمير يقال له : الكناية وكنيت أي : أتيت بكناية .
وقال ابن الملا في شرح المغني : كنى عن الأمر أي : تكلم بغيره مما يستدل به عليه نحو فلان كثير الرماد تريد أنه كريم وكنيت عن الشيء : سترته وهذا المعنى هو المراد هنا . وفعلاً مفعول كنيت على التوسع بحذف الجار .
وتفسره : نعت له أي : إذا كنيت عن فعل تريد تفسيره حال كونك مصاحباً لأي . هذا كلامه .
وأجاز التفتازاني في حاشية الكشاف أن يتقدم يقال أيضاً على ذلك الفعل مع قبح قال : إذا أريد تفسير الفعل المسند إلى ضمير المتكلم فإن أتي بكلمة أي كان ما بعدها تفسيراً لما قبلها فيجب تطابقهما .
ويجوز في صدر الكلام تقول على الخطاب ويقال على البناء للمفعول . وإن أتى بكلمة إذا كان صدر الكلام في موضع الجزاء فيجب أن يكون ما بعد إذا لفظ الخطاب .
ولا يستقيم في صدر الكلام يقال إلا إذا قدر أن القائل هو المخاطب لكنها عبارة قلقة .
انتهى .
وفيه مخالفة لغيره في جعل إذا شرطية لا ظرفية .
وقوله : ترمينني خطاب لامرأة والياء الأولى ضمير خطاب لها فاعل الفعل والياء الثانية ضمير المتكلم مفعوله والنون الأولى علامة الرفع لا تحذف إلا في الجزم والنصب والنون الثانية نون الوقاية . قال الزمخشري في الأساس : رماه بالطرف والفاحشة . والطرف : العين . ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر : وقيل : هو اسم جامع للبصر لا يثنى ولا يجمع وقيل : هو نظر العين .
وقوله : وتقلينني هو من القلي .

____________________

قال ابن الشجري في أماليه : القلى : البغض مكسور مصور . وقد صرفت العرب منه مثالين : )
قلاه يقليه مثل : رماه يرميه وقليه يقلاه مثل : رضيه يرضاه . وهو من الياء بدلالة يقلى ولو كان من الواو كان يقلو .
وأنشد في يقلي : وفي التنزيل : ما ودعك ربك وما قلى . روى أبو الفتح لغة ثالثة قلاه يقلوه قلاء مثل رجاه يرجوه رجاء .
وأنشد : الطويل ( إن تقل بعد الود أم ملحمٍ ** فسيان عندي ودها وقلاؤها ) انتهى .
وفي القاموس : قلاه كمرماه ورضيه قلى وقلاء ومقلية : أبغضه وكرهه غاية الكراهية فتركه .
أو قلاه في الهجر وقليه في البغض .
وقوله : لكن إياك فيه أقوال : أحدها للفراء : أصلها عنده لكن الخفيفة النون والنون الثانية بقية أنا قال في تفسير قوله تعالى : لكنا هو الله ربي معناه : لكن أنا هو الله ربي ترك همزة الألف من أنا وكثر بها الكلام فأدغمت النون من أنا مع النون من لكن .
ومن العرب من يقول : أنا قلت بتمام الألف فقرئت لكنا على تلك اللغة وأثبتوا الألف في اللغتين في المصحف . ويجوز الوقوف بغير ألف في غير القرآن
____________________

في أنا . و من العرب من يقول إذا وقف : أنه وهي لغة جيدة وهي في عليا تميم وسفلى قيس .
وترمينني بالطرف البيت يريد : لكن أنا إياك لا أقلي فترك الهمزة فصار كالحرف الواحد . وزعم الكسائي أنه سمع بعض العرب يقول : إن قائم يريد : إن أنا قائم فترك الهمز وأدغم وهي نظيره للكن . انتهى . كلامه .
وقد تبعه صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية وأبو حيان في تذكرته وغيرهما .
ثانيها : أن تكون من أخوات إن واسمها ضمير شأن محذوف والجملة بعدها خبرها وعليه اقتصر ابن يعيش وصاحب اللباب وشراحه .
ونقل ابن المستوفي عن الزمخشري في مناهيه على المفصل أنه قال : وجهه أن يكون الأصل لكنه إياك لا أقلي الضمير ضمير الشأن ثم حذفه كما حذفه من قال : الخفيف ) ( إن من لام في بني بنت حسا ** ن ألمه وأعصه في الخطوب ) ولو روي لكن بكسر النون اجتزاءً من الياء بالكسر لكان وجهاً سديداً .

____________________

ثالثها : أن اسمها ضمير متكلم محذوف لضرورة الشعر أي : ولكني كما حذف اسمها في قول الآخر : ولكن زنجيٌ عظيم المشافر أي : ولكنك زنجيٌ . وهو قول الخوارزمي نقله عنه ابن المستوفي .
فإن قلت : إياك ضمير نصب فهل يجوز أن يكون اسم لكن قلت : لا يجوز لأنه لو كان اسمها لوجب أن يقال : ولكنك فإنه متى أمكن اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله اللهم إلا أن يدعى فصله لضرورة الشعر .
قال الأندلسي في شرح المفصل : ولو قلت : أجعل الضمير المنفصل اسماً ولا أقلي خبراً وأرتكب إجراء المنفصل مجرى المتصل وأحذف الراجع إلى اسم لكن والأصل : لكنك لا أقليك لكنت لعمري متعسفاً . انتهى .
فإن قلت : حيث امتنع في الفصيح جعل إياك اسم لكن ما وجه فصله عن عامله وتقديمه عليه قلت : وجهه الحصر .
فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد ذلك فأفاد أنها هي التي لا تقلى بخلاف غيرها فإنه يقلى .

____________________

وهذا البيت لم أقف علة تتمته وقائله مع أنه مشهور قلما خلا منه كتاب نحوي . والله أعلم .
____________________

( حروف المصدر ) أنشد فيها ( الشاهد التاسع عشر بعد التسعمائة ) وهو من شواهد سيبويه : الكامل ( أعلاقه أم الوليد بعدما ** أفنان رأسك كالثغام المخلس ) على أن ما فيه مصدرية على قول بعضهم خلافاً لسيبويه فإنه جعل ما كافة ل بعد عن الإضافة .
قال ابن هشام في المغني : وكونها فيه المصدرية هو الظاهر لأن فيه بقاء بعد على أصلها من الإضافة ولأنها لو لم تكن مضافة لنونت . انتهى .
وسيبويه أورده في باب الحروف المشبهة للفعل فإنه بعد أن ذكر أن ما تكفها عن العمل قال : ونظير إنما قول المرار الفقعسي : أعلاقة أم الوليد البيت جعل بعد مع ما بمنزلة حرف واحد وابتدأه ما بعده .
قال الأعلم وتبعه ابن خلف : بعد لا يليها الجمل وجاز ذلك لأن ما
____________________

وصلت بها لتتهيأ للجملة بعدها كما فعل بقلما وربما وما مع الجملة في موضع جر بإضافتها إليها والمعنى : بعد شبه رأسك بالثغام المخلس . ف ما مع ما بعدها بمنزلة المصدر .
هذا كلامهما وهو خلاف كلام سيبويه فتأمل فإنه جعل ما كافة وهما جعلاها مصدرية .
وإليه ذهب صاحب اللباب قال : وليست ما في البيت بكافة لبعد عن الإضافة بل مهيئة للإضافة إلى الجملة .
وقال في التعليقة : وما في البيت وإن حكم بأنها كافة إلا أن ذلك لا يعجبني فإن بعد في البيت على معناه الأصلي من اقتضاء الإضافة إلى شيء وهو في المعنى مضاف لما بعده كأنه قيل : بعد حصول رأسك أشمط كالثغام المخلس . فما ذكرت أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى .
انتهى .
وأورده سيبويه في باب ما جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل من أوائل كتابه أيضاً . )
قال ابن خلف : الشاهد فيه إعمال المصدر عمل الفعل ونصب أم الوليد بعلاقة لأنها بدل من اللفظ بالفعل فعملت عمله كأنه قال : أتعلق أم الوليد بعد الكبر يقال : علق الرجل المرأة يعلقها علقاً من باب فرح وعلاقة إذا أحبها وتعلقها تعلقاً . والعلاقة : الحب وتكون العلاقة أيضاً الارتباط في الأمور المعنوية كعلاقة الخصومة .
والعلاقة : بالكسر هي علاقة السوط ونحوه من الأمور الحسية . وفي القاموس : العلاقة وتكسر : الحب اللازم للقلب أو بالفتح في المحبة ونحوها وبالكسر في السوط ونحوه .
والوليد : مصغر ولد بفتح الواو قال الأعلم وابن خلف : وصغر الوليد ليدل على شباب المرأة لأن صغر ولدها لا يكون إلا في عصر شبابها وما يتصل به من زمان ولادتها . انتهى .

____________________

وهذا الحصر غير صحيح فإنها قد تكون مسنة ولها ولد صغير . والأولى أن يكون التصغير للتحبيب ونكتة إضافتها إليه دون البنت للمدح فإن قولهم : أم الوليد وأم الصبيين صفة مادحة للمرأة .
وقال السيرافي : الرواية الصحيحة أم الوليد بالتكبير ويكون مزاحفاً أي : بالوقص وهو إسقاط الحرف الثاني من متفاعلن بعد إسكانه قال : وإنما جعلت الرواية بالتصغير لأنه أحسن في الوزن .
والوليد : الصبي . انتهى .
والأفنان : جمع فنن بفتحتين وهو الغصن : وأراد بها ذوائب شعره على سبيل الاستعارة .
والثغام بفتح المثلثة والغين المعجمة قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات : أخبرني بعض الأعراب قال : تنبت الثغامة خيوطاً طوالاً دقاقاً من أصل واحد وإذا جفت ابيضت كلها . وهو مرعى تعلفه الخيل . وإذا أمحل الثغام كان أشد ما يكون بياضاً ويشبه به الشيب .
قال حسان : الكامل ( إما ترى رأسي تغير لونه ** شمطاً فأصبح كالثغام الممحل ) وإذا كان الثغام مخلساً شبه به الشعر الشميط وهو الذي اختلط بياضه بالسواد والخليس من النبات : الذي ينبت الأخضر منه في خلال يبيسه .
قال المرار الفقعسي : أعلاقةً أم الوليد البيت )
أي : بعد ما شمطت . والرأس الشميط : الذي نصفه أبيض ونصفه أسود .

____________________

وقال بعض الرواة : إن رأسه لثاغم إذا ابيض كله .
وقال الدينوري في موضع آخر من كتابه : الخلس والخليس وهما جميعاً : الكلأ اليابس ينبت في أصله الرطب فيختلط به .
قال أبو زياد : يقال أخلست الأرض وهو الخليس . ومنه قيل : أخلس رأسه إذا شاب فاختلط وقال في موضع آخر : وإذا كان العشب منه الرطب الأخضر ومنه الأصفر الهائج قيل : أخلس النبت يخلس إخلاساً . والنبت خيس ومخلس . ومنه قيل للشعر إذا شمط واختلط بياضه بسواده : خليس . انتهى .
والاستفهام في البيت للتوبيخ . يخاطب الشاعر نفسه ويقول : أتعلق أم الوليد وتحبها وقد كبرت وشبت .
والمرار ين سعيد الفقعسي : شاعر إسلامي تقدمت ترجمته في الشاهد التاسع والتسعين بعد المائتين .
وأنشد بعده : البسيط ( أعن ترسمت من خرقاء منزلةً ** ماء الصبابة من عينيك مسجوم
____________________

) على أن عن أصلها أن قلب بنو تميم وبنو أسد همزتها عيناً .
قال ابن يعيش في شرح المفصل : وذلك في أن وأن خاصة إيثاراً للتخفيف لكثرة استعمالها وطولهما بالصلة قالوا : أشهد عن محمد رسول الله . ولا يجوز مثل ذلك في المكسورة . انتهى .
وقال ابن المستوفي : إنما قلبوها إلى العين كراهية اجتماع مثلين وقلبها إلى الهاء أكثر من قلبها إلى العين . انتهى .
وهي لغة مرجوحة قال ثعلب في أماليه : ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم وكشكشه ربيعة وكسكسة هوزان وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء .
فأما عنعنة تميم فإن تميماً تقول في موضع أن : عن تقول : عن عبد الله قائم . قال : وسمعت ذا الرمة ينشد عبد الملك : أعن ترسمت من خرقاء منزلةً قال : وسمعت ابن هرمة ينشد هارون وكان ابن هرمة ربي في ديار تميم : البسيط
____________________

) ( أعن تغنت على ساقٍ مطوقةٌ ** ورقاء تدعو هديلاً فوق أعواد ) وأما تلتلة بهراء فإنهم يقولون : تعلمون وتفعلون وتصنعون بكسر أوائل الحروف . انتهى .
وأما ابن جني في سر الصناعة بعد نقله ما تقدم : فأما كشكشة ربيعة فإنما يريد بها قولها مع كاف ضمير المؤنث : إنكش ورأيتكش وأعطيتكش تفعل هذا في الوقت فإذا وصلت أسقطت الشين وأما كسكسة هوازن فقولهم أيضاً : أعطيتكس ومنكس وعنكس . وهذا أيضاً في الوقف دون الوصل . انتهى .
والهمزة للاستفهام التقريري خاطب نفسه على طريق التجريد . و أن ترسمت في تأويل مصدر والتقدير : الأجل ترسمك ونظرك دارها التي نزلت بها أسالت عينك دموعها وقال ابن المستوفي : في كتب الزمخشري في الحواشي : المعنى أمن أن ترسمت أي : ألأن ترسمت أي : تخليت منصوب لأنه مفعول به والتقدير : ألترسمك من خرقاء منزلةً مسجم ماء عينيك كقوله تعالى : أن تحبط أعمالكم . انتهى .

____________________

وهذا غلط من الكاتب والصواب مفعول له . انتهى .
وليس بغلط كما زعم فإن حرف الجر إذا حذف انتصب ما بعده على المفعول به . وهو معروف شائع .
قال : وترسمت الدار : تأملت رسمها وكذلك إذا نظرت وتفرست أين تحفر أو تبنى . قاله الجوهري . وخرقاء : صاحبته وهي من بني عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة . والخرقاء : غير الصناع . انتهى .
أقول : قد تقدم في ترجمة ذي الرمة في الشاهد الثامن من أول الكتاب . أن خرقاء هي مية وهو قول ثعلب وقيل : غيرها وهو قول ابن قتيبة .
والبيت مطلع قصيدة طويلة لذي الرمة .
وقال أبو العباس الأحول في شرح ديوانه : حدثنا بعض أصحابنا عن النسير ابن قسيم أبي جهمة العدوي قال : سمعت ذا الرمة يقو ل : من شعري ما ساعدني فيه القول ومنه ما أجهدت نفسي فيه وفيه ما جننت فيه جنوناً فأما الذي جننت فيه جنوناًَ فقولي : ما بال عينك منها الماء ينسكب )
وأما ماطاوعني فيه القول فقولي : خاليلي ععوجا من صدور الرواحل
____________________

وأما ما أجهدت نفسي فيه فقولي : أأن ترسمت من خرقاء منزلةً وتقدم شرحه مجملاً في الشاهد الحادي والخمسين بعد الثمانمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد العشرون بعد التسعمائة ) الطويل علي حراصاً لو يسرون مقتلي هو عجز من بيت لامرئ القيس وهو : على أن لو فيه مصدرية .
قال المرادي في الجنى الداني : علامتها أن يصلح في موضعها أن كقوله تعالى : يود أحدهم لو يعمر . ولم يذكر الجمهور أن لو تكون مصدرية وذكر ذلك الفراء وأبو علي والتبريزي وأبو البقاء وتبعهم ابن مالك .
ومن أنكرها تأول الآية ونحوها على حذف مفعول يود وجواب لو أي : يود أحدهم طول العمر لو يعمر بذلك ألف سنة لسر بذلك .

____________________

ولا تقع لو المصدرية غالباً إلا بعد مفهم تمن وقل وقوعها بعد غير ذلك كقول قتيلة بنت النضر : الكامل ( ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق ) انتهى .
قال ابن هشام في المغني : ولا خفاء بما في ذلك في الجواب من التكلف . ويشهد للمثبتين قراءة بعضهم : ودوا لو تدهن فيدهنوا بحذف النون فعطف يدهنوا بالنصب على تدهن لما كان معناه أن تدهن .
ويشكل عليهم دخولها على أن في نحو : وما علمت من سوءٍ تود لو بينها وبينه أمداً بعيداً .
وأورد ابن مالك السؤال في : لو أن لنا كرة وأجاب بما ذكرناه وبأن هذا من توكيد اللفظ )
بمردافه نحو : فجاجاً سبلاً . والسؤال في الآية مدفوع من أصله لأن لو فيها ليست مصدرية .
وفي الجواب الثاني نظر لأن تأكيد الموصول قبل مجيء صلته شاذ كقراءة زيد
____________________

ابن علي : والذين من قبلكم بفتح الميم . انتهى .
وقد أورد الشارح هذه الآية هنا تبعاً لابن مالك فيرد عليه أنها لو التي للتمني لا مصدرية .
وقد ناقش الدماميني في توجيه دليل المثبتين بأنّ يدهنوا منصوب بأن مضمرة جوازاً والمجموع منها ومن صلتها معطوف على المجموع من لو وصلتها فهو من باب عطف مصدر على آخر .
وهذا ماشٍ على القواعد بخلاف تخريج ابن هشام . انتهى .
والبيت من معلّقة امرئ القيس المشهورة وقبله : ( وبيضة خدرٍ لا يرام خباؤها ** تمتّعت من لهوٍ بها غير معجل ) قوله : وبيضة خدر . . . إلخ الواو واو ربّ والبيضة استعارة للمراة الحسناء قال الزوزنيّ : تشبّه النساء بالبيض من ثلاثة أوجه : أحدها : بالصحة والسلامة عن الطّمث ومنه قول الفرزدق : الوافر (
____________________

خرجن إليّ لم يطمثن قلبي ** وهنّ أصحّ من بيض النّعام ) الثالث : في صفاء اللون ونقائه . وربما شبّهت النساء ببيض النّعامة وأريد أنهنّ بيضٌ يشوب ألوانهنّ صفرة . وكذلك بيض النعامة .
ومنه قول ذي الرمة : البسيط كأنها فضة قد مسّها ذهب انتهى .
والخدر بالكسر : السّتر ويطلق الخدر على البيت إن كان فيه امرأة . وأخدرت الجارية : لزمت الخدر . وأخدرها أهلها يتعدّى ولا يتعدّى كخدّروها بالتشديد والتخفيف . والمعنى : ستروها وصانوها عن الامتهان والخروج لقضاء الحوائج .
وقوله : لا يرام أي : لا يطلب . والروم : الطّلب . والخباء بكسر المعجمة بعدها موحدة : بيت يعمل من وبر أو صوف أو شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة . والبيت أكبر منه على ستة أعمدة إلى تسعة .
وتمتّعت : جواب رب . والتمتّع : التلذّذ بالمتاع وهو كل ما ينتفع به كالطعام والبزّ وأثاث )
البيت . واللّهو : ترويح النفس بما لا تقتضيه الحكمة . وغير روي بالجر على أنه صفة للهو وبالنصب على أنه حال من التاء في
____________________

تمتّعت .
ومعجل : اسم مفعول من أعجله أي : حمله على أن يعجل . قال التبريزي : غير معجل أي : غير خائف أي : لم يكن ذلك مما كنت أفعله مرّة . وقال أبو جعفر : أي غير خائف .
وقال الإمام الباقلاني في إعجاز القرآن : قالوا : إنها كبيضة خدر في صفائها . وهذه كلمة حسنة ولكن لم يسبق إليها بل هي دائرة في أفواه العرب وتشبيه سائر .
وعني بقوله : غير معجل أنه ليس ذلك مما يتّفق قليلاً وأحياناً بل يتكرّر له بها .
وقد يحمل على أنه رابط الجأش فلا يستعجله إذا دخلها خوف حصانتها ومنعتها . وليس في هذا البيت كبير فائدة لأنّ الذي في سائر أبياته قد تضمّن مطاولته في المغازلة واشتغاله بها فتكريره في هذا البيت مثل ذلك قليل المعنى إلا الزيادة التي ذكر من منعهتا . وهو مع ذلك سليم اللفظ في المصراع الأول دون الثاني . انتهى .
وقوله : تجاوزت أحراساً . . . إلخ قال التبريزي : هو جمع حرس . انتهى .
وهو كحجر وأحجار . وحرس : جمع حارس كخدم جمع خادم كذا قال الزوزني .
وأجاز أيضاً أن يكون الأحراس جمع حارس كصاحب وأصحاب وناصر وأنصار وشاهد وأشهاد . ومنعه بعضهم لأنّ جمع فاعل على أفعال لم يثبت .

____________________

قال : وأصحاب إنّما هو جمع صحب بكسر الحاء كنمر وأنمار وصحب بسكون الحاء : اسم قال الجوهري : فأمّا الأشهاد والأصحاب فهو جمع شهيد وصحب . وإليها متعلق بتجاوزت .
وعنى بالمعشر قومها وهو الجماعة من الناس . وعلى متعلق بحراص وهو صفة معشر .
وروي أيضاً : ( تجاوزت أحراساً وأهوال معشرٍ ** عليّ حراصٍ . . . . . . . . . . . . . . ) فحراص وصف معشر في النصب والجر وهو جمع حريص ككرام جمع كريم . وفعله يتعدّى بعلى يقال : حرص عليه حرصاً من باب ضرب إذا اجتهد والاسم الحرص .
وقوله : لو يشرّون . . . إلخ المصدر المؤوّل من لو وما بعدها بدل اشتمال من الياء في عليّ .
وإلى مصدرية لو ذهب التبريزي قال : يريد أن يشرّوا . وأن تضارع لو في مثل هذا الموضع يقال : وددت أن يقوم زيد ووددت لو قام إلا أن لو يرتفع المستقبل بعدها . وأن تنصبه . )
قال تعالى : أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعناب وقال في موضع آخر : ودّوا لو تدهن فيدهنون . انتهى .
والمقتل : اسم مصدر بمعنى القتل . وقوله يشرّون قال العسكري في كتاب التصحيف : ومما يروى على وجهين هذا البيت .

____________________

روى الأصمعي : يشرّون بالشين المعجمة ومعناه يظهرون يقال : أشررت الشيء إذا بسطته .
وحتى أشرّت بالأكفّ المصاحف أي : أظهرت . ومعناه : ليس يقتل مثلي خفاء . فيكون قتلهم إيّاه هو الإظهار . ورواه غيره : لو يسرّون مقتلي من غيظهم عليّ . وهذا مثل قول القائل : هو حريص عليّ لو يقتلني . يقال : أسررت الشيء إذا أظهرته وهو من الأضداد . ومعنى يسرّون أي : هم حراص على إسرار قتلي وذلك غير كائن لنباهتي وذكري . انتهى .
وقال في موضع آخر : قال أبو عبيدة في قوله : لو يسرّون مقتلي : أي يظهرونه . ورواية الأصمعي : لو يشرّون أي يظهرون يقال : أشررت الثوب إذا نشرته وشررته أيضاً . انتهى .
فمعنى الروايتين متّفق . وهذا أحسن من قول التبريزي تبعاً لغيره : من رواه بسين غير معجمة احتمل أن يكون معناه يكتمون ويحتمل أن يكون معناه يظهرون وهو من الأضداد . انتهى .
قال الزوزني : يقول لك تجاوزت في زيارتي إليها أهوالاً كثيرة وقوماً يحرسونها حراصاً على قتلي جهاراً .
وترجمة امرئ القيس تقدمت في الشاهد التاسع والأربعين من أوائل الكتاب .
____________________

( حروف التحضيض ) ( تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ** بني ضوطري لولا الكمي المقنعا ) على أن الفعل مقدر بعد لولا التحضيضية أي : لولا تعدون .
والكمي : الشجاع مفعول أول لهذا المقدر بتقدير مضاف . والمفعول الثاني محذوف والتقدير : لولا تعدون عقر الكمي أفضل مجدكم .
والمقنع : الذي وضع على رأسه البيضة والمغفر وبني ضوطرى : منادى وهي كلمة سب وذم وتقدم شرح البيت فالشاهد الرابع والستين بعد المائة .

____________________

وأنشد بعده : الطويل ( يقولن : ليلى أرسلت بشفاعةٍ ** إلي فهلا نفس ليلى شفيعها ) على أن مجيء الجملة الاسمية بعد هلا ضرورة .
وتقدم الكلام عليه في الشاهد الخامس والستين بعد المائة .
وأنشد بعده ( الشاهد الحادي والعشرون بعد التسعمائة ) الطويل على أنه قد تجيء الجملة الفعلية بعد لولا غير التحضيضية .

____________________

وإنما كانت هنا غير تحضيضية لأن الحض طلب بحث وإزعاج والشاعر لم يرد أن يحث نفسه على منازعة الشغل وإنما يريد الاعتذار عن القيام بمحبتها بهذا المانع وهو مجاذبته الشغل .
وإنما لم يقل الشارح المحقق : وغير الامتناعية لأنها لا تدخل على الفعل . وأجاب عنها بجوابين : أحدهما : أن لولا ليست كلمة واحد ركبت من كلمتين وإنما هي كلمتان .
قال ابن الأنباري : لولا هنا غير مركبة بل لا نافية على حالها ولو على حالها وإنما أول لا ب لم ليبين أنها مستقلة في إفادة النفي كلم في : لو لم .
والجواب الثاني : أن لولا هي الامتناعية لكن كان الأصل : لولا أن ينازعني شغلي فلما حذفت أن ارتفع الفعل كما في قولهم : تسمع بالمعيدي لا أن تراه فيكون أن المحذوفة مع الفعل في تأويل مبتدأ أي : لولا منازعتي شغلي . ولا يخفى أن هذا ليس من مواضع حذف أن .
والجواب الجيد هو الأول ولذا قدمه الشارح . )
وقد أشار إليهما ابن مالك في التسهيل فقال : وقد يلي الفعل لولا غير مفهمة تحضيضاً فيؤول بلو لم أو تجعل المختصة بالأسماء والفعل صلة أن .
قال شارحه ابن عقيل : يشير بهذا تأويل ما استشهد به الكسائي على ما ذهب إليه من أن ألا زعمت أسماء أن لا أحبها البيت
____________________

وقوله : البسيط ( لا در درك إني قد رميتهم ** لولا حددت ولا عذري لمحدود ) والتأويل هو أن لو حرف امتناع لامتناع ولا نافية بمعنى لم أي : لو لم ينازعني ولو لم أحد . ولا قد نفي بها الماضي نحو : فلا صدق ولا صلى أي : لم يصدق ولم يصل . أو لولا حرف امتناع لوجود وما بعدها مبتدأ بإضمار أن أي : لولا أن ينازعني ولولا أن حددت . ولما حذفت بطل عملها في تنازعني فارتفع . انتهى .
ولا حاجة إلى قوله : ولا قد نفي بها الماضي . . . إلخ بالنسبة إلى البيت الأول لأن لا إنما تؤول بلم إذا دخلت على الماضي كالبيت الثاني . وأما إذا دخلت على المضارع كالبيت الشاهد فلا تؤول به . وإنما قالوا عند إيراده وحده : إن لولا بمعنى لو لم لما ذكرنا .
وذهب الإمام المرزوقي إلى أن لولا الامتناعية قد يليها الفعل بقلة ولا حاجة إلى التأويل كالبيتين .
وأعلم أن لولا فيهما سواء كانت لو الشرطية مع لا أو امتناعية لا بد لها من جواب فجوابها إما في ما أوجبه بلى قبلها أو البيت الذي يليها وهو : والبيتان أو لا قصيدةٍ لأبي ذؤيب الهذلي . قال الإمام المرزوقي في شرحها : قوله : ألا زعمت أسماء . . . إلخ الزعم يستعمل فيما يرتاب به ولا يحقق
____________________

ويتعدى إلى مفعولين وأن لا أحبها قد سد مسدهما وأن هذه مخففة من الثقيلة . أراد أني لا أحبها .
أو أن الأمر والحديث لا أحبها كأنها استزادت زيارته لها . وتوفره عليها واستقصرت تهالكه فيها وشغفه بها وادعت عليه أنه قد حال عن العهد وتحول متراجعاً في درجات الود فقال مجيباً لها ومبطلاً لدعواها : بلى أحبك وأرى من المثابرة عليك والسعي في تحصيل بعض المراد بالنيل منك ما هو الهوى والمنى لولا الشغل المنازع والعائق المانع .
وللا يدخل لامتناع الشيء لوجود غيره وهو يربط جملة من مبتدأ وخبر بجملة من فعل وفاعل )
إلا أن خبر المبتدأ يحذف تخفيفاً ويكتفى بجواب لولا عنه .
وقد يؤتى بالفعل والفاعل بدلاً من المبتدأ والخبر وهذا كما نحن فيه ألا ترى أنه قال : لولا ينازعني شغلي .
وجواب لولا في قوله : بلى وقد تقدم والتقدير : لولا مجاذبة الشغل الذي أنا بصدده لقمت فيك مقام المحب فإني أحبك . ومثل هذا في تقدم الجواب وكون الفعل والفاعل مكان المبتدأ والخبر قول الآخر : البسيط وذكر بعضهم أن جواب لولا فيما بعده وهو : جزيتك ضعف الود البيت . والضعف هنا بمعنى المضاعف كقوله تعالى : فآتهم عذاباً ضعفاً من النار أي : مضاعفاً .
وبعده : ( فإن تك إنثى في معدٍّ كريمةً ** علينا فقد أعطيت نافلة الفضل ) والنافلة : الغنيمة وبه سمي ما لا يجب من الطاعات نوافل . وقيل لمن فعل
____________________

إحساناً لا يلزمه : تنفل به . والمعنى : إن تكرم علينا امرأة في نساء معدٍ فقد جعل لك عليها بعد الواجب في إيثارك وتكرمتك زيادة تفضلين بها وإنما أضاف النافلة إلى الفضل لما كانت تفضل على من وساها بتلك النافلة .
ثم قال بعد أربعة أبيات : الطويل ( فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ** فإني شريت الحلم بعدك بالجهل ) ( وقال صحابي : قد غبنت وخلتني ** غبنت فما أدري أشكلهم شكلي ) ( على أنها قالت : رأيت خويلداً ** تنكر حتى عاد أسود كالجذل ) ( فتلك خطوبٌ قد تملت شبابنا ** زماناً فتبلينا المنون وما نبلي ) ( وتبلي الألى يسلئمون على الألى ** تراهن يوم الورع كالحدإ القبل ) وقوله : فإن تزعميني . . . إلخ قال المرزوقي : الأكثر زعمت أنه كان يفعل كذا . وقد جاء : زعمته كان يفعل فلهذا قال تزعميني . وقال الله تعالى : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا وقال عز ذكره : بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعداً .
ويستشهد أصحابنا بدخوله على أن المخففة والمثقلة على حد ما يدخل حسبت وظننت عليهما أنه بتعدي لمفعولين . وقد استشهد سيبويه بهذا البيت أيضاً .
____________________

)
وأراد أبو ذؤيب الاعتذار إلى المرأة لما قالت : إنك لا تحبني فقال متنصلاً إليها وذاكراً الوجه الذي تداخلها منه ما أشكلها وأخرجها إلى عتبه وسوء الظن به : إن احتججت في دعواك علي بأني كنت استعمل الجهل في حبكم فأقدم على ألأمور المنكرة وأركب الأهوال المردية والآن قد كففت وكنت أتعاطى من اللهو والصبا ما قد اطرحته الساعة فذلك ذلك على زوال الحب .
فليس استدلالك بصحيح وما حدث لي استغناء عنك ولا استبدلت بحبك قلاك ولكني تحملت فجميع ما ترينه وتنكرينه من العادات المستجدة نتائج الحلم والعقل فأما الحب فكما كان والأيام تزيده استحكاماً وشريت واشتريت بمعنى وهو هنا مثل . انتهى كلامه .
أقول : وأورده سيبويه في باب ظننت وأخوتها من أوائل كتابه فإنه بعد أن ذكر عملها قال : ومما ولم يرد أن عملها إنما يكون في الشعر وأنما أرا ومما جاء في الشعر شاهداً على إعمالها هذا البيت . والياء المفعول الأول وجملة كنت أجهل فيكم في موضع المفعول الثاني .
وأورده ابن هشام في المغني في الجملة التي تقع مفعولاً ثانياً من الباب الثاني . قال : وقد أجتمع وقوع خبري كان وإن والثاني من مفعولي باب ظن جملة في قول أبي ذؤيب . وأنشد البيت .
وأورده صاحب الكشاف عند قوله تعالى : ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً على أن الاشتراء فيه مستعار للاستبدال كما في البيت .
وزعم بعض من كتب عليه أن أجهل فيه أفعل تفضيل فرواه بالنصب وقال : أي : إن تزعميني أني أجهل الناس فيكم لارتكاب بطالات الهوى فتحولي عن هذا الزعم فإني أخذت الحلم بعدك بالجهل . وهذا وإن كان معناه صحيحاً إلا أنه ليس برواية .
وقوله : وقال صحابي قد غبنت . . . إلخ قال المرزوقي : يقول : أنكر أصحابي مني ما تمسكت به من ارعواء وحلم حتى قالوا : إنك مغبون فيما قايضت
____________________

عليه من صباً وجهل . وأظنني الغابن الرابح لا المخدوع الخاسر . فلا أعلم أمقصدهم مقصدي وطريقهم طريقي ثم غلط أحدنا حتى افترقنا أم اختلفنا في أصل ما نظرنا فيه وأخذنا به فلذلك لم يتفق معتبرنا .
وقال هذا وهو يعلم اختلاف أحوالهم وتباين طرقهم زارياً عليهم وموبخاً لهم . ومن هذا وعلى هذا التفسير يكون أم لا مضمراً بعد قوله : أشكلهم شكلي وساغ حذفه لما في الكلام من الدلالة عليه وتكون الألف للتسوية . )
ويجوز أن يكتفي بقوله : أشكلهم شكلي فلا يقصد إلى معادلة ولا تسوية . وذلك أن أدري من أخوات أعلم وقد يجوز أن تقول : قد علمت أزيد في الدار .
وحكى ذلك سيبويه . ولو قلت : سواء علي أو ما أبالي لم يكن بد من ذكر أم . ومثل الأول قول أبي ذؤيب في أخرى : الطويل فما أدري رشدٌ طلابها وقد سمعت من يقول : إن ألأمر في الكل سواء وإن أم حيث لم ينطق به مقدر وإن أبا الحسن حكى أن بعضهم قال : علمت أزيدٌ عندك لا يكتفي به إلا بعد إضمار . وهو قول قوي وفي هذا كلام ليس هذا موضع بسطه . انتهى .
وقوله : على أنها قالت . . . إلخ يريد أن هذه المرأة كما أنكرت عادتي أنكرت حالتي فقلت : رأيت أبا ذؤيب وهو خويلد تغير عن المعهود واسود
____________________

حتى صار كالجذل بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة وهو الخشبة التي تنصب للإبل الجربي فتحتكط بها وتسود بما يعلقها من طلائها .
فتلك خطوب البيت يقول : إن الذي غيرنا خطوب تناولت من قوانا واستمتعت بنا من لدن شبابنا إلى يومنا .
والدهر يبلي جدة أهله وهم لا يبلونه ويأكلهم ويشرب عليهم ولا ينتقمون منه وأشار إلى أنواع المنايا وأجناس الحوادث بقوله : المنون .
وقوله : وتبلى الألى البيت يقول : وتبلي حوادث الدهر الرجال الذين يستلئمونه اللأمات وهي الدروع راكبين الخيل التي تراهن في يوم الفزع لطموح أبصارهن وتقليب أعينهن ذكاءً وشهامة كأنهن الحدأ القبل .
ويستلئمون صلة الألى لأنه في معنى الذين وعلى الألى : في موضع الحال لأنك إذا قلت : رأيت زيداً على فرس فالمعنى راكباً فرساً وتراهنّ مع ما بعده صلة الألى الثانية . والحدأ : جمع حدأة كعنب جمع عنبة وهي طائر تصيد الجرذان .
قال الخليل : وقد تفتح حاؤه . والقبل : جمع أقبل وقبلاء وهو من صفة الحدأ . والقبل : أن تقبل كلّ واحدةٍ من العينين على الأخرى وهو أشدّ من الحول وإذا كان خلقة كان مذموماً وهم )
يصفون الخيل بالشّوس والخوص والقبل يريدون أنها تفعل ذلك لعزّة أنفسها .
وقد استشهد شرّاح الألفيّة وغيرهم بهذا البيت على استعمال الألى لجميع المذكر والمؤنث .
وهو الذين واللاتي بدليل ما عاد على كلّ منهما من ضميره .

____________________

وترجمة أبي ذؤيب تقدّمت في الشاهد السابع والستين من أوائل الكتاب . (
____________________

حرف التوقع ) أنشد فيه ( الشاهد الثاني والعشرون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : البسيط قد أترك القرن مصفرّاً أنامله هو صدر وعجزه : كأن أثوابه مجّت بفرصاد على أنّ قد مع المضارع تكون للتكثير في مقام التمدّح والافتخار .
قال سيبويه : وتكون قد بمنزلة ربّما . وأنشد البيت وقال : كأنه قال : ربّما . وأراد بربّما التكثير .
ونقله عنه ابن هشام في المغني وقال : الرابع من معاني قد التكثير قاله سيبويه في قول الهذلي : قد أترك القرن مصفرّاً أنامله وقاله الزمخشري في قد نرى تقلّب وجهك في السماء قال : أي : ربّما
____________________

ومعناه تكثير الرؤية . ثم ( قد أشهد الغارة الشّعواء تحملني ** جرداء معروقة اللّحيين سرحوب ) انتهى .
وقد جعل الزمخشري في تفسير سورة التكوير : أصل مفاد قد وربّما التقليل والتكثير إنما جاء من عكس الكلام . قال عند قوله تعالى : علمت نفسٌ ما أحضرت قال : فإن قلت : كلّ نفس تعلم ما أحضرت كقوله تعالى : يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً والأنفس واحدة فما معنى قوله : علمت نفس قلت : هو من عكس كلامهم الذي يقصدون به الإفراط فيما يعكس عنه . ومنه قوله تعالى : ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين ومعناه معنى كم وأبلغ . )
ومنه قول القائل : قد أترك القرن مصفرّاً أنامله وتقول لبعض قوّاد العسكر : كم عندك من الفرسان فيقول : ربّ فارسٍ عندي أو : لا تعدم فارساً عندي . وعنده المقانب وقصده بذلك التّمادي في كثرة فرسانه ولكنه أراد إظهار براءته من التزيّد وأنه ممّن يقلّل كثير ما عنده فضلاً أن يتزيّد فجاء بلفظ التقليل ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين . انتهى كلامه .

____________________

وزعم ابن مالك أن مراد سيبويه أن قد مثل ربما في التقليل لا في التكثير . ورد عليه أبو حيان وانتصر بعضهم لا بن مالك . وقد نقل الجميع الدماميني في الحاشية الهندية وصحح كلام أبي حيان ولابأس بإيراده فنقول : قال ابن مالك : إطلاق سيبويه القول بأنها بمنزلة ربما موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضيّ . واعترضه أبو حيان فقال : لم يبين سيبويه الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما ولا يدل على ذلك التسوية في كل الأحكام بل يستدل بكلام سيبويه على نقيض ما فهمه ابن مالك وهو أن قد بمنزلة ربما في التكثير فقط .
ويدل عليه إنشاد البيت لأن الإنسان لا يفخر بما يقع منه على سبيل الندرة والقلة وإنما يفتخر بما يقع منه على سبيل الكثرة فيكون قد بمنزلة ربما في التكثير . انتهى .
وانتصر بعض الفضلاء لابن مالك رادّاً كلام أبي حيان فقال : أما قوله : لم يبين سيبويه الجهة . . . إلخ فإطلاق التسوية كافٍ في الأحكام كلها إلا ما تعين خروجه .
وأما قوله : لأن الإنسان . . . إلخ فجوابه أن فخر الإنسان بما يقع منه كثيراً إنما يكون فيما يقع قليلاً وكثيراً فيفخر بالكثير منه أما ما لا يقع إلا نادراً فقط فإنه يفخر بالقليل منه لاستحالة الكثرة فيه .
وترك المرء قرنه مصفرّ الأنامل يستحيل وقوعه كثيراً وإنما يتفق نادراً فلذلك يفتخر به لأن القرن هو المقاوم للشخص الكفء له في شجاعته فلو فرض مغلوباً معه في الكثير من الأوقات لم يكن قرناً له إذ لا يكون قرناً إلا عند المكافأة غالباً .
إذ تقرر هذا فنقول : لما كان قوله القرن يقتضي أنه لا يغلب قرنه لأن القرنين غالب أمرهما التعارض ثم قضى بأنه قد يغلبه حملنا ذلك على القلة صوناً للكلام عن التدافع وقلنا : المراد )
أنه بتركه كذلك تركاً لا يخرجه عن كونه قرناً . وذلك هو الترك النادر لئلا يدفع آخر الكلام أوله .
والزمخشري فهم ما فهمه أبو حيان من أن قد في البيت للتكثير فقد اتجهت
____________________

المؤاخذة على ابن هشام في نقله هذا المعنى عن سيبويه فإن سيبويه لم يقله نصاً وإنما فهمه أبو حيان عنه .
ثم أبو حيان ليس جازماً به وإنما قاله معارضاً لفهم ابن مالك ومثل هذا لا يكفي في تسويغ النقل عن سيبويه أنه قال : إن قد في البيت للتكثير وغايته فهمٌ في جوّزه أبو حيان وسبقه الزمخشري إليه وهو معارض لفهم ابن مالك أحد المجتهدين في النحو .
كذا قال ذلك الفاضل .
قلت : حاصل كلامه على البيت أن التكثير فيه ملزم للتناقض بناء على أن القرن هو الكفء وإنما يتم ذلك أن لو كان المراد بالقرن واحداً وهو ممنوع بل الظاهر أن المراد به الجنس . فإذا فرضنا أنه غلب جميع أقرانه وهم مائة مثلاً كلّ واحدٍ مرة حصلت كثرة الغلبة مع انتفاء التناقض لتعدد المحال وهذا هو اللائق بمقام الافتخار .
وظهر بهذا أن : قوله : لاستحالة الكثرة فيه مستدرك وأن قوله : إن ذلك فيما يمكن وقوعه قليلاًَ وكثيراً فلا يفتخر منه إلا بالكثير لا يجديه نفعاً في مرامه بل هو عليه كما عرفته . هذا آخر ما أورده الدماميني .
وقد أجاد في ردّه على هذا الفاضل . وقد أورد كلام هذا الفاضل في شرح التسهيل مسلّماً وشنّع على ابن هشام غاية التشنيع .
والبيت من قصيدة لعبيد بن الأبرص الأسدي أوردها الأصمعي في الأصمعيات .

____________________

وهذا مطلعها : البسيط ( طاف الخيال علينا ليلة الوادي ** من آل أسماء لم يلمم بميعاد ) ( أنّى اهتديت لركبٍ طال ليلهم ** في سبسبٍ بين دكداك وأعقاد ) ( يطوفون الفلا في كل هاجرةٍ ** مثل الفنيق إذا ما حثه الحادي ) إلى أن قال : ( قد أترك القرن مصفرّاً أنامله ** كأن أثوابه مجّت بفرصاد ) ( أبلغ أبا كربٍ عني وإخوته ** قولاً سيذهب غوراً بعد إنجاد ) ) ( لا أعرفنّك بعد اليوم تندبني ** وفي حياتي ما زوّدتني زادي ) ( فإن حييت فلا أحسبك في بلدي ** وإن مرضت فلا أحسبك عوّادي ) ( فانظر إلى ظلّ ملكٍ أنت تاركه ** هل ترسينّ أواخيه بأوتاد ) ( الخير يبقى وإن طال الزّمان به ** والشّرّ أخبث ما أوعيت من زاد ) وقوله : أنّى اهتديت التفات من الغيبة إلى الخطاب . والسّبسب :
____________________

المفازة والقفر . والدّكداك بفتح الدال هو من الرمل : ما التبد ولم يرتفع .
وأعقاد : جمع عقد بفتح فكسر هو ما تعقّد من الرمل أي : تراكم وطوّف : مبالغة طاف .
والفنيق بفتح الفاء وكسر النون : الفحل المكرم من الإبل .
وقوله : اذهب إليك فيه حذف مضاف أي : اذهب إلى قومك بدليل قوله : فإني من بني اسد فلا يرد أن مجرور إلى وفاعل متعلّقها ضميران لشيء واحد .
وقوله : قد أترك القرن هو بكسسر القاف : المثل في الشجاعة . والأنامل : رؤوس الأصابع .
وأترك : يحتمل أن يكون من الترك بمعنى التخلية ويتعدى إلى مفعول واحد فمصفرّاً : حال من ويحتمل أن يكون من الترك بمعنى التصيير فيتعدّى لمفعولين ثانيهما مصفرّاً . والمعنى : اقتله فينزف دمه فتصفرّ أنامله .
وقال الأعلم : خصّ الأنامل لأن الصفرة إليها أسرع وفيها أظهر . وقال ابن السيرافي في شرح أبيات الغريب المصنّف : يريد أن يقتل القرن فتصفرّ أنامله . ويقال : إنه إذا مات الميّت اصفرّت أنامله .
وأثواب : جمع ثوب . ومجّت : دميت والمراد صبغت . والفرصاد بكسر الفاء قال الأعلم : هو التّوت شبّه الدم بحمرة عصارته .
وفي القاموس : الفرصاد : التوث أو أحمره أو صبغ أحمر . والتوث فيه لغتان يجوز في آخره بالثاء المثلثة وبالمثناة . وأنكر صاحب الصحاح الأول ورد عليه . حكى أبو حنيفة الدّينوريّ في كتاب النبات أنه بالمثلثة وقال : لم يسمع في الشعر إلا به .

____________________

وأنشد لمحبوب النّشهليّ : البسيط ( لروضةٌ من رياض الحزن أو طرفٌ ** من القرية حزنٌ غير محروث ) ( أشهى وأحلى لعيني إن مررت به ** من كرخ بغداد ذي الرّمّان والتوث ) )
وقوله : لا أعرفنّك لا : ناهية . ونهي المتكلم نفسه قليل . والأواخي : جمع آخية بالمد والتشديد والبيت الشاهد قد تداوله الشعراء فبعضهم أخذ المصراع وبعضهم أخذه تماماً بلفظه وبعضهم أخذ معناه .
قال أبو المثلّم الهذليّ يرثي صخر الغيّ الهذلي : البسيط ( ويترك القرن مصفرّاً أنامله ** كأنّ في ربطتيه نضح إرقان ) والإرقان بكسر الهمزة وبالقاف : الزّعفران .
وقال المتنخّل الهذلي يرثي ابنه أثيلة : البسيط ( والتّارك القرن مصفرّاً أنامله ** كأنّه من عقارٍ قهوةٍ ثمل ) وقال زهير بن مسعود الضّبّي : البسيط (
____________________

هلاّ سألت هداك الله ما حسبي ** عند الطّعان إذا ما احمرّت الحدق ) ( هل أترك القرن مصفرّاً أنامله ** قد بلّ من جوفه العلق ) وقالت ريطة الهذلية ترثي أخاها عمراً ذا الكلب : البسيط ( الطاعن الطعنة النجلاء يتبعها ** مثعنجرٌ من نجيع الجوف أسكوب ) ( والتارك القرن مصفرّاً أنامله ** كأنه من نجيع الجوف مخضوب ) وقال زهير بن أبي سلمى : البسيط المائح : الذي يملأ الدلو في أسفل البئر عند قلة مائها . والأسن بفتح الهمزة وكسر السين : الذي أصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه .
وقال أحد بني جرم : البسيط ( وأترك القرن مصفرّاً أنامله ** دامي المرادع منكبّاً على العفر ) وقالت عمرة بنت شداد الكلبية ترثي أخاها مسعود بن شداد : البسيط (
____________________

قد يطعن الطعنة النجلاء يتبعها ** مضرّج بعدها تغلي بإزباد ) ( ويترك القرن مصفرّاً أنامله ** كأن أثوابه مجّت بفرصاد ) وتقدمت ترجمة عبيد بن الأبرص في الشاهد السادس عشر بعد المائة ووقع نسبة البيت الشاهد في كتاب سيبويه إلى بعض الهذليين ولم أره في أشعارهم من رواية السكري . والله أعلم . )
وأنشد بعده : الكامل لما تزل برحالنا وكأن قد على أنه قد يحذف الفعل بعد قد لدليلٍ والتقدير : وكأن قد زالت فحذف زالت لدلالة ما قبله عليه وكسرت الدال من قد للقافية .
وهذا عجز وصدره : أفد الترحل غير أن ركابنا
____________________

وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والعشرين بعد الخمسمائة . (
____________________

حرفا الاستفهام ) وأنشد بعده ( الشاهد الثالث والعشرون بعد التسعمائة ) الرجز أهل عرفت الدار بالغريين على أن هل في الأصل بمعنى قد كما في البيت فكون قد حرف استفهام إنما تكون بهمزة الاستفهام ثم حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال إقامةً لها مقامها . وقد جاءت على اللأصل في قوله تعالى : هل أتى على الإنسان أي : قد أتى .
هذا أحد مذاهب أربعة وهو مذهب الزمخشري ف هل عنده أبداً بمعنى قد وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة . قال في المفصل : وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الإستفهام . وقد جاء دخولها عليها في قوله : البسيط ( سائل فوارس يربوع بشدتنا ** أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
____________________

) انتهى .
قال ابن يعيش في شرحه : هذا هو الظاهر من كلام سيبويه وذلك أنه قال عند الكلام على من ومتى : وكذلك هل إنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل إنما تقع في الاستفهام كأنه يريد أن هل تكون بمعنى قد والاستفهام فيها بتقدير ألف الاستفهام كما كان ذلك في من ومتى والأصل أمن أمتى ولما كثر استعمالها في الاستفهام حذفت أللف وتضمنت معناها .
وكذلك هل الأصل فيها : أ هل وكثر استعمالها في الاستفهام فحذفت الألف للعلم بمكانها . )
انتهى .
وما نقله عن سيبويه مذكور في باب بيان أم لم تدخل على حروف الاستفهام ولم تدخل على ألف . وقد وقع مثل هذا في أوائل كتاب سيبويه في باب ما يختار فيه النصب من ابواب الاشتغال أيضاً : وتقول أم هل فإنها بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف استغناء إذكان هذا الكلام لا يقع لا في استفهام . انتهى .
ولم يقف ابن هشام على هذين النصين من كلام سيبويه فاعترض على الزمخشري بقوله : ولم أر في كتاب سيبويه ما نقله عنه وإنما قالفي باب عدة ما يكون عليه الكلم ما نصه : وهل هي للاستفهام لم يزد على ذلك . انتهى .
وقد رد عليه الدماميني بأنه لا لزوم من عدم رؤيته هو لذلك عدم وقوعه وكان الأولى به تحسين الظن بالزمخشري فإنه أمام في هذا الفن ثبت في النقل وما نقله عن سيبويه مسطور في موضعين من كتابه .
ثم نقل كلاميه من كتابه وقال : فإن قلت فما تصنع في دفع المعارضة التي أشار إليها وهي مخالفة قول سيبويه في باب عدة ما يكون عليه الكلام لقوله في غيره : إن هل إنما تكون بمنزلة قد قلت : أحمل ذلك على أنها للاستفهام باعتبار قيامها مقام الهمزة المحذوفة المفيدة
____________________

للاستفهام لا أنها موضوعة للاستفهام بنفسها جمعاً بين كلاميه . انتهى .
وكلام الزمخشري في كشافه كالمفصل قال : هل بمعنى قد في الاستفهام خاصة والأصل أهل بدليل قوله : أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم والمعنى : أ قد أتى على التقرير والتقريب جميعاً أي : أتى على ألإنسان قبل زمان قريب حينٌ من الدهر لم يكن فيه شيئاً مذكوراً أي : كان شيئاً منسياً غير مذكور . انتهى .
وتبعه البيضاوي فقال : هو استفهام تقرير وتقري ولذلك فسر بقد وأصل أهل كقوله : أهل رأونا البيت ومعنى قول الزمخشري : في الاستفهام خاصة أن هل لا تكون بمعنى قد إلا ومعها استفهام لفظاً كالبيت المتقدم أوتقديراً كالآية الكريمة . فلو قلت : هل جاء زيد بمعنى قد جاء من غير استفهام لم يجز . )
وقوله : على التقرير أي : المفهوم من الاستفهام المقدر . وقوله : والتقريب أي : المفهوم من هل بمعنى قد .
وإنما استشهد الشارح بالبيت الذي أورده دون بيت المفضل فإنه طعن في ثبوته . قال ابن هشام : وقد رايت عن السيرافي أن الرواية الصحيحة : أم هل رأونا وأم هذه منقطعة بمعنى بل فلا دليل فيه . انتهى . ولهذا عدل الشارح عنه فلله دره ما أدق نظره .
المذهب الثاني أن هل بمعنى قد دون استفهام مقدر وهو مذهب الفراء . قال في تفسير الآية : المعنى قد أتى على الإنسان حينٌ من الدهر وهل قد تكون جحداً وتكون خبراً فهذا من الخبر .

____________________

وقوله : لم يكن شيئاً مذكوراً يريد : كان شيئاً ولم يكن مذكوراً ذولك حين خلقه من طينٍ إلى أن نفخ فيه الروح . انتهى .
وتبعه الإمام الواحدي في الوسيط : قال المفسرون وأهل المعاني : قد أتى فهل ها هنا خبر وقوله : على ألإنسان يعني آدم حينٌ من الدهر : قدر أربعين سنة لم يكن شيئاً مذكوراً لا في السماء ولا في ألأرض يعني أنه جسداً ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح .
قال عطاء عن ابن عباس : إنما تم خلقه بعد عشرين ومائة سنة . انتهى .
وقال ابن هشام : إن هل تأتي بمعنى قد وذلك مع الفعل وبذلك فسر قوله تعالى : هل أتى على الإنسان حينٌ جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما والكسائي والفراء والمبرد قال في مقتضبه : هبل للاستفهام نحو : هل جاء زيد وتكون بمنزلة قد نحو قوله تعالى : هل أتى على الإنسان . انتهى .
وبالغ الزمخشري فزعم : أنها ابداً بمعنى قد وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزةٍ مقدرة معها . وفسرها غيره بقد خاصة ولم يحملوا قد على معنى التقريب بل على معنى التحقيق .
وقال بعضهم : معناها التوقع و : أنه قيل لقومٍ يتوقعون الخبر عما أتى على الإنسان وهو آدم عليه السلام . قال : والحين هو زمن كونه طيناً . انتهى .
المذهب الثالث لابن مالك أنها تتعين لمعنى قد إن دخلت عليها همزة الاستفهام وأن لم تدخل فقد تكون بمعنى قد تكون بعنى قد وقد تكون للاستفهام : قال في التسهيل : وقد تدخل عليها الهمزة فيتعين مرادفة قد . انتهى . )
ومفهومه أنها لا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها الهمزة بل قد تأتي لذلك ما في الآية وقد لا تأتي له .

____________________

المذهب الرابع أنها لا تأتي بمعنى قد وإنما هي للاستفهام . وذهب إليه جماعة . ثم اختلفوا في الآية فقال أبو حيان : هي على بابها من الاستفهام أي : هو ممن يسأل عنه لغرابته أتى عليه حين من الدهر لم يكن كذا لإنه يكون الجواب : أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكورة .
وقال مكي في تقرير كونها على بابها من الاستفهام : والأحسن أن تكون على بابها للاستفهام الذي معناه التقرير وإنما هو تقرير لمن أنكر البعث فلا بد أن يقول : نعم قد مضى دهراً طويل لا إنسان فيه فيقال له : من أحدثه بعد أن يكن وكونه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته هو معنى قوله : ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون أي : فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئاً بعد أن لم يكن قادر على أعادته بعد موته وعدمه . انتهى .
قال السمين في الدر المصون : قد جعلها لاستفهام التقرير خلافاً لأبي حيان في جعله استفهاماً محضاً لأن التقرير الذي يجب أن يكون لأن الاستفهام لا يرد من الباري تعالى إلا على هذا النحو .
وإلى القرير ذهب الزجاح أيضاً . قال : معنى هل أتى على الإنسان أي : ألم يأت على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً . واللمعنى : قد كان شيئاً إلا أنه كان تراباً وطيناً إلى أن نفخ فيه الروح فلم يكن قبل نفخ الروح فيه شيئاً مذكوراً .
ويجوز أن يكون يعنى به جميع الناس ويكون أنهم كانوا نطفاً ثم علقاً ثم مضغاً إلى أن صاروا شيئاً مذكوراً . انتهى .
وقد اختار هذا المذهب ابن جني فقال في باب إقار الألفاظ على أوضاعها الأول من كتاب الخصائص : وأما هل فقد أخرجت عن بابها إلى معنى قد نحو قول الله : هل أتى على الإنسان قالوا : معناه قد أتى عليه ذلك .

____________________

وقد يكن عندي أن تكون مبقاةً في هذا الموضع على بابها من الاستفهام فكأنه قال : والله أعلم : هل أتى على الإنسان هذا .
فلابد في جوابه من نعم ملفوظاً بها أو مقدرة أي : فكما أن ذلك كذلك فينبغي للإنسان أن )
يحتقر نفسه .
وهذا كقولك لمن تريد الاحتجاج عليه : بالله هل سألتني فأعطيتك أم هل زرتني فأكرمتك أي : فكما أن ذلك كذلك فيجب أن تعرف حقي عليك .
ويوؤكد هذا قوله تعالى : إنا خلقنا الإنسان إلى هديناه السبيل أفلا تراه عز اسمه كيف عدد عليه أياديه وألطافه له .
فإن قلت : فما تصنع بقول الشاعر : أهل رأونا بسفح القف ذي الأكم ألا ترى إلى دخول همزة الاستفهام على هل ول كانت للاستفهام لم تلاق همزته لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد . وهذا يدل على خروجها عن الاستفهام إلى الخبر .
فالجواب أن هذا يمكن أن يقوله صاحب هذا المذهب . ومثله خروج همزة الإستفهام إلى التقرير .
ألا ترى أن التقرير ضرب من الخبر وذلك ضد الإستفهام . ويدل على أنه قد فارق الاستفهام امتناع النصب بالفاء في جوابه والجزم بغير الفاء .
ألا تراك لا تقول : ألست صاحبنا فنكرمك كما تقول : لست صاحبنا فنكرمك ولا تقول في التقرير : أأنت في الجيش أثبت اسمك كما تقول في الا ستفهام الصريح : أأنت في الجيش أُثبت اسمك كما تقول : ما اسمك أذكرك أي : إن أعرفه أذكرك . ولأجل ما ذكرنا من حديث همزة التقرير ما صارت تنقل النفي إلى الإثبات والإثبات إلى النفي . (
____________________

ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح ) أي أنتم كذلك . انتهى كلامه .
وقوله : لاستحالة اجتماع حرفين لمعنى واحد على نمط ما تقدم عنه في الشاهد السادس بعد التسعمائة وتقدم رده .
وصوب أبو حيان هذا المذهب ورد ما عداه قال في شرح التسهيل : إن مرادفه هل لقد لم يقم عليها دليل واضح إنما هو شيء قاله المفسرون في قوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين : إن معناه قد أتى .
وهذا تفسير معنىً لا تفسير إعراب ولا يرجع إليهم في مثل هذا وإنما يرجع في ذلك إلى أئمة )
النحو واللغة لا إلى المفسرين . وإما البيت فيحتمل أن يكون من الجمع بين أداتين لمعنىً واحد على سبيل التوكيد كقوله : الوافر ولا للما بهم أبداً دواء بل الجمع بين الهمزة وهل أسهل لاختلاف لفظهما .
وتبعه ابن هشام في المغني فقال : وقد عكس قوم ما قاله الزمخشري
____________________

فزعموا : أن هل لا تأتي بمعنى قد أصلاً . وهذا هو الصواب عندي إذ لا متمسّك لمن أثبت ذلك إلاّ أحد ثلاثة أمور : أحدها : تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ولعلّه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير وليس باستفهام حقيقي . وقد صرح به جماعة من المفسرين وقال بعضهم : لاتكون هل للإستفهام التقريري وإنما ذلك من خواص الهمزة . وليس كما قال .
والثاني : قول سيبويه الذي شافه العرب وفهم مقاصدهم . وقد مضى أن سيبويه لم يقل ذلك .
والثالث : دخول الهمزة عليها في البيت والحرف لا يدخل على مثله في المعنى وهو شاذ ويمكن تخريجه على أنه من الجمع بين حرفين بمعنى واحد على سبيل التوكيد . انتهى باختصار .
ويرد عليهما أن ما ردّاه هو قول سيبويه إمام البصيرين والمبرد وقول إمام الكوفيين الكسائي وتلميذه الفراء وكلهم أئمة النحو والتفسير واللغة وقد خالطوا العرب الفصحاء وسمعوا كلامهم وفهموا مقاصدهم وثبت النقل عنهم فيتعين الأخذ به وردّ من خالفهم في هذا الباب .
والله أعلم بالصواب .
وقوله : أهل عرفت الديار بالغريين هو من قصيدة لخطام المجاشعي تقدم شرح أبيات منها في الشاهد الخامس والثلاثين بعد المائة مع ترجمته .
قال اللخمي في شرح ابيات الجمل : هذه القصيدة من بحر السريع وربما حسب من لا يحسن العروض أنها من الرجز . وليس كذلك لأن الرجز لايكون فيه معولان فيرد إلى فعولان . ومثله : قد عرضت أروى بقول إفناد وهو مستفعلن مستفعلن فعولان . انتهى .

____________________

والغريان : موضع بالكوفة نحو فرسخين عنها وهو مثنى الغري بفتح الغين المعجمة وكسر الراء المهملة وتشديد الياء .
قال البكري في معجم ما استعجم : قال المفجع : الغري : موضع بالكوفة ويقال : إن قبر علي بن )
أبي طالب رضي الله عنه بالغري . ويقال : الغريان .
ويقال أن النعمان بناهما على قبري عمرو بن مسعود . وخالد بن نضلة لما قتلهما . قالت هند بنت معبد بن نضلة ترثيهما : الطويل ( ألا بكر الناعي بخيري بني أسد ** بعمرو بن مسعودٍ وبالسيد الصمد ) انتهى .
وقوله : النعمان خطأ وصوابه المنذر . والغريان في الأصل : منارتان على قبري بن عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة الأسديين كان المنذر الأكبر اللخمي يغريهما بالدماء أي : يطليهما بها .
كذا في كتاب أسماء المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام لابن حبيب وفي ذيل الأمالي للقالي وفي الأغاني وفي الأوائل لأبي ضياء الموصلي .

____________________

وزعم الجوهري وتبعه جماعة منهم ابن نباتة في شرح رسالة ابن زيدون أنهما قبرا مالك وعقيل : نديمي جذيمة الأبرش وسميا غريين لأن النعمان كان يغريهما بدم من يقتله في يوم بؤسه .
وهذا غلط واشتباه من وجهين : أحدهما أن بين جذيمة الأبرش وبين النعمان بن المنذر ستة ملوك أحدهم : عمرو اللخمي وهو ابن أخت جذيمة الأبرش .
ثانيهم : امرؤ القيس بن عمرو المذكور .
ثالثهم : النعمان بن امرئ القيس المذكور وهو النعمان الأكبر الذي بنى الخورنق .
رابعهم : المنذر بن امرئ القيس صاحب الغريين وهو المنذر الأكبر ابن ماء السماء أخو النعمان الأكبر .
خامسهم : المنذر بن المنذر وهو الأصغر .
سادسهم : أخوه عمرو بن المنذر وهو عمرو بن هند . ثم النعمان بن المنذر الذي ذكره الجوهري . وكلهم ملوك الحيرة وهي أرض بالكوفة . وإذا كان الأمر على ما ذكر فما معنى تغريتهما النعمان بن المنذر بالدم مع كونهما نديمي جذيمة الأبرش .
الثاني : أن الذي كان له يوم بؤس إنما هو المنذر الأكبر . ولم يتنبه لهذا ابن برّي في حاشيته على وهذه قصة الغريين من عدة طرق أحدها : لابن حبيب قال في كتاب المغتالين : ومهم عمرو بن مسعود وخالد بن نضلة الأسديان وكانا يفدان على المنذر الأكبر في كل سنة )
فيقيمان عنده وينادمانه وكانت أسد وغطفان لايدينون للملوك ويغيرون عليهم .

____________________

فوفدا سنة م السنين فقال النمنذر لخالد يوماً وهم على الشراب : يا خالد من ربك فقال خالد : عمرو بن مسعود ربي وربك فأمسك عليهما ثم قال لهما : ما يمنعكما من الدخول في طاعتي وأن تدنوا مني كما دنت تميم وربيعة فقالا : أبيت اللعن هذه البلاد لا تلائم مواشينا ونحن مع هذا قريب منك بهذا الرم فإذا شئت أجبناك .
فعلم أنه لا يدينون له وقد سمع من خالد الكلمة الأولى فأوحى إلى الساقي فسقاهما سماً فانصرفا من عنده بالسكر على خلاف ما كانا ينصرفان فلما كان في بعض الليل أحس حبيب بن خالد بالأمر لما رأى من شدة سكرهما فنادى خالداً فلم يجبه فقام إليه فحركه فسقط بعض جسده وفعل بعمروٍ مثل ذلك فكان حاله كحال خالد وأصبح المنذر نادماً على قتلهما .
فغذا عليه حبيب بن خالد فقال : أبيت اللعن أسعدك الأهل نديماك وخليلاك تتابعاً في ساعة واحدة فقال له : يا حبيب أعلى الموت تستعديني وهلى ترى إلا ابن ميت وأخا ميت ثم امر فحفر لهما قبران بظاهر الكوفة فدفنا فيهما وبنى عليهما منارتين فهما الغريان وعقر على كل قبر خمسين فرساً وخمسين بعيراً وغراهكما بدمائهما وجعل يوم نادمهما يوم نعيم ويم دفنهما يوم يؤس . هذا ما أورده ابن حبيب .
وقال القالي في ذيل أماليه : حدثنا أبو بكر بن ديري : أخبرنا عبد الرحمن بن عمه قال : قال لي عمي : سمعت يونس بن حبيب يقول : كان المنذر بن ماء السماء جد النعمان بن المنذر ينادمه رجلان من العرب : خالد بن المضلل وعمرو بن مسعود الأسديان .
فشرب ليلة معهما فراجعاه الكلام فأغضباه فأمر بهماوفجعلا في تابوتين ودفنا بظاهر الكوفة فلما أصبح سأل عنهما فأخبر بذلك فندم وركب حتى وقف
____________________

عليهما وأمر ببناء الغريين وجعل لنفسه يومين : يوم بؤس ويوم نعيم في كل عام فكان يضع سريره بينهما فإذا كان يوم نعيمه فأول من يطلع عليه وهو على سريره يعطيه مائة من إبل الملوك وأول من يطلع عليه في بؤسه يعطيه رأس ظريان ويأمر بدمه فيذبح ويغرى بدمه الغريان . انتهى .
وكذا روى هذه الحكاية إسماعيل بن هبة الله الموصلي في كتاب الأوائل عن الشرقي بن القطامي . )
وقد رجع المنذر عن هذه السنة السيئة . روى الموصلي في أوائله أن المنذر استمر على ذلك زماناً حتى مر به رجل من طيئ يقال له : حنظلة بن عفراء فقال له : أبيت اللعن أتيتك زائراً ولأهلي من خيرك مائراً فلاتكن ميرتهم قتلي .
فقال : لا بد من ذلك وسلني حاجة قبله أقضها لك . قال : تؤجلني سنة أرجع فيها إلى أهلى وأحكم أمرهم ثم أرجع إليك في حكمك . قال : ومن يتكفل بك حتى تعود فنظر في وجوه جلسائه فعرف منهم شريك بن عمروٍ أبا الحوفزان بن شريك فأنشأ يقول : مجزوء الرمل ( يا شريكاً يا ابن عمرو ** هل من الموت محاله
____________________

) ( يا أخا كل مصابٍ ** يا اخا من لا أخا له ) ( يا أخا شيبان فك ال ** يوم رهناً قد أنى له ) ( إن شيبان قبيلٌ ** أكرم الله رجاله ) ( وأبيوك الخير عمروٌ ** وشراحيل الحماله ) ( وفتاك اليوم في المج ** د وفي حسن المقاله ) فوثب شريك وقال : ابيت اللعن يده يدي ودمه دمي إن لم يعد إلى أجله . فأطلقه المنذر فلما كان القبل جلس في مجلسه وإذا ركب قد طلع عليهم فتأملوه فإذا هو حنظلة قد أقبل متكفناً متحنطاً معه نادبته وقد قدمت نادبة شريك تندبه فلما رآه المنذر عجب من وفائهما وكرمهما فأطلقهما وأبطل تلك السنة .
وقد ذكر في إبطال المنذر هذه السنة غير هذا وأورده الموصلي والميداني في مثلٍ وهو : إن غداً لناظره قريب وهو قطعة من بيت : الوافر ( وإن يك صدر هذا اليوم ولى ** فإن غذاً لناظره قريب ) وأنشد بعده ( الشاهد الرابع والعشرون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الرجز
____________________

أطرباً وأنت قنسريٌ على أن همزة الاستفهام فيه للإنكار .
قال ابن هشام في المغني : هي فيه للإنكار التوبيخي فيقتضي أن ما بعده واقع وأن فاعله ملوم نحو : أتعبدون ما تنحتون . انتهى .
واورده سيبويه في باب ما ينتصب فيه على المصدر قال : وأما ما ينتصب في الاستفهام من هذا الباب فقولك : أقياماً يا فلان والناس قعود وأجلوساً والناس يفرون . لا يريد أنه يخبر أنه يجلس ولا أنه قد جلس وانقضى جلوسه ولكنه مخبر أنه في تلك الحال في جلوس وفي قيام .
وقال العجاج : أطرباً وأنت قنسريٌ وإنما أراد : أتطرب أي : أنت في حال تطرب ولم يرد أن يخبر عما مضى ولا عما يستقبل .
انتهى .
قال الأعلم : الشاهد فيه نصب طرب على المصدر الموضوع موضع الفعل والتقدير : أتطرب طرباً . والمعنى : أتطرب وأنت شيخ .
والطرب : خفة الشوق هنا . والطرب أيضاً : خفة السرور . والقنسري : الشيخ وهو معروف في اللغة ولم يسمع إلا في هذا البيت . انتهى .

____________________

وهو من قصيدة للعجاج أولها : ( بكيت والمحتزن البكي ** وإنما يأتي الصبا الصبي ) ( أطرباً وأنت قنسريٌ ** والدهر بالإنسان دواري ) محر نجم الجامل والنؤي وهذه القصيدة من مشطور السريع وضربها كعروضها مشطور مكشوف وهو الضرب السادس منه .
قال ابن الملا : زعم السيوطي في شرح الأبيات أنها أرجوزة . وفيه نظر لأنه جعلها من الرجز يؤدي إلى أن يكون في ضربها سوى الشطر تغييران : حذف نون مستفعلن وتسكين لامه غن )
أطلق على مجموعهما اسم القطع . وجعلها من السريع إنما يؤدي إلى أن يكون فيها تغيير واحد وهو حذف تاء مفعولات المسمى بالكشف وتغيير واحد أولى من تغييرين .
اللهم إلا أن يقال : أطلق عليها الأرجوزة وإن كانت من السريع لشبهها بما كان مشطور الرجز وزوحف بالقطع .
وأما ضرب مطلعها فمزاحف بالخبن الذي هو حذف الثاني الساكن فوزن فعولن .

____________________

وإن جعل من الرجز وجب أن يكون فيه ثلاث تغييرات . انتهى .
وقوله : بكيت هو خطاب لنفسه . والمحتزن : مفتعل من الحزن . قال الجوهري : احتزن وتحزن بمعنىً . وأنشد البيت . والبكي : الكثيرؤ البكاء فعيل من بكى يبكي .
والصبا بكسر أوله والقصر : التصابي والميل إلى الجهل وحقيقته أن يفعل كالصبيان . والصبي : فعيل قال صاحب الصحاح : يقال : صبيٌ بين الصبا والصباء إذا فتحت الصاد مددت وإذا كسرت قصرت . وصبي صباءً كسمع سماعاً : لعب مع الصبيان .
وقوله : أطرباً تقدم إعرابه عن سيبويه . قال ابن خلف : انتصب طرباً بفعل مضمر دل عليه الاستفهام لأنه بالفعل أولى .
والتقدير : أتطرب طرباً وإنما ذكر المصدر دون الفعل لأنه أعم وأبلغ في المراد . وقد استشهد به ابن مالك على وجوب حجذف عامل المصدر الواقع في توبيخ .
قال السيوطي : والمشهور أنه منصوب على أنه مفعول مطلق وقيل : إنه على الحال المؤكدة أي : أتطرب في حال طرب . حكى ذلك أبو حيان . انتهى .
ولا يخفى ركاكته . وقيل : نصب بفعل مقدر : أتأتي طرباً كما يقال : أتأتي معصية على أنه مفعول به .
والطرب هنا : خفة من حزن كما يدل عليه السياق خلافاً للأعلم .
وبخ نفسه على وقوع الحزن منه مع حالة الشيخوخة على ديار أحبته الخالية وحقه أن لا يستفزه الحزن وأن يكون متثبتاً لكونه ممن حنكته التجارب .
والدواري : مبالغة دار والياء لتأكيد المبالغة كالياء في أحمري . وفي الصحاح : الدواري :
____________________

وقوله : من أن شجاك من : تعليلية متعلقة بطرباً أو ببكيت . وشجاه بالجيم يشجوه شجواً إذا حزنه . )
والعامي : منسوب إلى العام وهو الحول والسنة والمنزل العامي : الذي أتى عليه حول .
والكرسي : منسوب إلى الكرس بكسر الكاف وهي الأبوال والأبعار يتلبد بعضها إلى بعض .
وقدماً بالكسر : ظرف ليرى بالبناء للمفعول ونائبة ضمير طلل أو منزل وجملة من عهده الكرسي : حال منه .
ومحرنجم بفتح الجيم : مكان الاحرنجام وهو الازدحام وهو معطوف على الكرسي وواو العطف محذوفة . والجامل بالجيم : الجمال والإبل وهو اسم جمع .
والنؤي : جمع نؤى بضم النون وسكون الهمزة بعدها ياء جمع على فعول وهو حفرة تحفر حول الخباء تمنع من دخول المطر .
وهذا المصراع أورده الزمخشري في المفصل : قال : أسماء المكان والزمان ما بني من الثلاثي المزيد فيهه والرباعي فعلى لفظ اسم المفعول . وأنشده .
والمعنى : أن العجاج ينكر على نفسه الطرب في كبر سنه فيقول : أتطرب طرباً وتخف خفة والحال أنت مسن كبير لا يليق بك الطرب والدهر دوار بالإنسان يديره من حال إلى حال ويقلبه وذلك الطرب من أجل أن حزنك منزل مضى عليه عام وقد خلا أهله منه فاندرس وكنت قديماً تعهده فيه الأكراس ومكان ازدحام الإبل والنؤي والآن اندرس ولم يبق منه شيء . وقال بعض فضلاء العجم : قوله : قدماً يرى . . . إلخ صفة منزل . ومحرنجم الجامل : بدل من الكرسي بدل الاشتمال والنؤي : عطف عليه ويجوز أن يكون صفة منزل . هذا كلامه .

____________________

وترجمة العجاج تقدمت في الشاهد الحادي والعشرين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده هو الشاهد الخامس والعشرون بعد التسعمائة : الطويل ( وهل أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية أرشد ) على أن هل هنا استفهام صوري بمعنى النفي .
وقد روي أيضاً : وما أنا إلا من غزية .
قال أبو حيان في الارتشاف : وتنفرد هل دون الهمزة بأن يراد بالاستفهام بها الجحد نحو : هل يقدر على هذا غيري أي : ما يقدر .
ويعنيه دخول إلا نحو : وهل يجازى إلا الكفور وهل أنا إلا من غزية أي : ما يجازى إلا الكفور وما أنا إلا من غزية . )
ولا يجوز أزيد لا قائم ولا أقام إلا زيد وتقول : هل يكون زيد إلا عالماً ولا يجوز : ألم يكن والبيت من قصيدة لدريد بن الصمة رثى بها أخاه عبد الله بن الصمة أوردها
____________________

أبو تمام في الحماسة وانتقى منا أبياتاً في مختار أشعار القبائل .
وأوردها الأصبهاني أيضاً في الأغاني وكذلك ابن عبد ربه أوردها في العقد الفريد .
وهذه أبيات منها وهو أول ما أورده أبو تمام : ( نصحت لعارضٍ وأصحاب عارض ** ورهط بني السوداء والقوم شهدي ) ( فقلت لهم ظوا بألفي مدججٍ ** سراتهم في الفارسي المسرد ) ( فلما عصوني كنت منهم وقد أرى ** غوايتهم وأنني غير مهتد ) ( أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ** فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد ) ( وهل أنا إلا من غزية إن غوت ** غويت وإن ترشد غزية ارؤشد ) ( دعاني أخي والخيل بيني وبينه ** فلما دعاني لم يجدني بقعدد ) ( تنادوا فقالوا : أردت الخيل فارساً ** فقلت : أعبد الله ذلكم الردي ) ( فجئت إليه والرماح تنوشه ** كوقع الصياصي في النسيج الممدد
____________________

) ( فكنت كذات البو ريعت فأقبلت ** إلى قطعٍ في مسكٍ سقبٍ مقدد ) ( فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت ** وحتى علاني حالك اللون أسود ) إلى أن قال بعد أبيات كثيرة : ( وطيب نفسي أنني لم أقل له ** كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي ) ( وهو وجدي أن ما هو فارطٌ ** أمامي وأني هامة اليوم أو غد ) قال صاحب الأغاني : كان السبب في مقتل عبد الله بن الصمة أنه كان غزا غطفان ومعه بنو جشم وبنو نصر أبناء معاوية فظفر بهم وساق أموالهم في يوم يقال له : يوم اللوى ومضى بها .
فلما كان منهم غير بعيد قالوا : انزلوا بنا . فقال له أخوه دريد : نشدتك الله أن لا تنزل فإن غطفان ليست بغافلةٍ عن أموالها . فأقسم لا يذهب حتى يأخذ مرباعه وينتقع نقيعةً فيأكل ويطعم .
والنقيعة : ناقة ينجرها من وسط الإبل ثم يقسم بعد ذلك ما أصاب على أصحابه .
فأقام وعصى أخاه دريداً فبينما هم كذلك إذا سطعت الدواخن إذا بغبار فقد ارتفع أشد )
من دخانهم وإذا عبس وفزارة وأشجع قد أقبلت فتلاحقوا بالمنعرج من رملة اللوى فاقتتلوا فقتل رجلٌ من بني قارب وهم من بني عبسٍ عبد الله بن الصمة فتنادوا : قتل عبد الله : فعطف دريد فذب عنه فلم يغن شيئاً
____________________

وجرح دريد فسقط فكفوا عنه وهم يرون أنه قد قتل .
واستنقذوا المال ونجا من هرب فمر الزهدمان وهما من عبس : زهدم وقيس : ابنا حزن بن وهب بن رواحة .
قال دريد : فسمعت زهدماً العبسي يقول لكردم الفزاري : إنني أحسب دريداً حياً فانزل فأجهز عليه . قال : قد مات .
قال : انظر إلى سبتة هل ترمز فشددت من حتارها . قال : فنظر فقال : قد مات . فولى عنه ومال بالزج إلى سبتة فطعنه فيها فسال دم كان قد احتقن في جوفه .
قال دريد : فعرفت الخفة حينئذ حتى إذا كان الليل مشيت وأنا ضعيف قد نزفني الدم حتى ما أكاد أبصر فمرت بي جماعة تسير فدخلت فيهم فوقعت بين عرقوبي بعيرٍ ظعينة فنفر البعير فنادت : أعوذ بالله منك فأنتسب إليها فأعلمت الحي بمكاني فغسل عني الدم وزودت زاداً وسقاءً فنجوت .
ورثاه بهذه القصيدة ثم حج كردم بعد ذلك في نفرٍ من بني عبسٍ فلما قاربوا ديار دريد تنكروا خوفاً ومر بهم دريد فأنكرهم ثم عرف كردماً فعانقه وأهدى له فرساً وسلاحاً وقال له : هذا ما فعلت بي يوم اللوى . انتهى .
وقوله : نصحت لعارض . . . إلخ عارض : قوم من بني جشم كان دريد نهاهم عن النزول حيث نزلوا فعصوه ورهط بني السوداء فيهم . والقوم شهدي أي : حاضرين مقامي أو شهودي أني قد نهيتهم .
وقوله : فقلت لهم ظنوا . . . إلخ استشهد به صاحب الكشاف عند قوله
____________________

تعالى : وإني لأظنه كاذباً على أن الظن بمعنى اليقين .
وأنشد الزجاجي أيضاً في باب من مسائل إن الخفيفة من الجمل . قال اللخمي : ظنوا هنا معناه أيقنوا وهو من الأضداد يكون شكاً ويكون يقيناً .
وقال الطبرسي في شرح الحماسة : المعنى أيقنوا أن سيأتيكم ألفا فارس مقنعين في الحديد . )
ويجوز أن يكون معناه ظنوا كل ظنً قبيح بهم .
قال الإمام عبد القاهر : يشبه أن تكون الباء هنا مثلها في قوله : ظننت بهم خيراً وما ظن به أنه يفعل كذا ثم يكون قد حذف من الكلام شيء كأنه قال : ظنوا بألفي مدجج هذه صفتهم ما يكون من أمرهم وأمركم معهم إذا هم أتوكم . ويكون من باب التعليق كقولك : ظن بزيد أي شيء يصنع إذا قلت له كذا وكذا انتهى .
والمدجج بفتح الجيم وكسرها : الكامل السلاح وقيل : لابس السلاح وإن لم يكمل . وقيل بالكسر للفارس وبالفتح : الفرس وإنهم كانوا يدرعون الخيل .
وسراتهم بالفتح : أشرافهم مبتدأ وبالفارسي خبره والباء بمعنى في . والدرع الفارسي يصنع بفارس . والمسرد : المحكم النسج وقيل : هو الدقيق الثقب .
وقوله : فلما عصوني . . . إلخ الغواية بالفتح يقول : لما أصروا على ما كانوا عليه تبعت رأيهم وأنا أرى عدولهم عن الصواب وأنني غير مصيبٍ مثلهم .
وقوله : أمرتهم أمري يجوز أن يريد به المأمور به والأصل : أمرتهم بأمري فحذف الباء .
ويجوز أن يكون مصدر أمرت وجاء به لتوكيد لفعل ومنعرج اللوى بفتح الراء : منعطفة .
واللوى : موضع الوقعة .
ولم يستبينوا أي : لم يتبينوا الرشد في الحال حتى جاء الوقت المقدر له .

____________________

وذكر الغد يكثر فيما يتراخى من عواقب الأمور والمعنى في المستأنف من الوقت . وهذا زاد عليه ضحى لأنه من النهار أضوأ فكأن المعنى : لم يتبين لهم ما دعوتهم إليه إلا في الوقت الذي لا لبس فيه .
وقد تمثل بهذا البيت أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بعد ما ظهر من أمر الخوارج ما ظهر من التحكيم في قوله : وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي لو كان يطاع لقصيرٍ أمر فأبيتم على إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة حتى ارتاب الناصح بنصحه وضن الزند بقدحه فكنت وإياكم كما قال أخو هوزان : أمرتهم أمري . . . . . . .
البيت .
وقوله : وهل أنا إلا من غزية أي : ما أنا إلا من غزية في حالة الغي والرشاد فإن عدلوا عن الصواب عدلت معهم وإن اقتحموا اقتحمت معهم . وغزية بفتح الغين وكسر الزاي المعجمتين : )
رهط دريد .
وقال أبو تمام في مختار أشعار القبائل : غزية : جد دريد . يقول : أنا تابع لقومي على رشدٍ كانوا أم غي .
قال صاحب الصحاح : الغي : الضلال . والخيبة أيضاً . وقد غوى بالفتح يغوي بالكسر غياً وغواية . وأنشد البيت . والرشد جاء فعله من باب فرح ومن باب نصر .
وقوله : دعاني أخي . . . إلخ لم يروه أبو تمام . واستشهد به ابن الناظم وغيره في دخول الباء الزائدة في المفعول الثاني لوجد . والقعدد بضم القاف والدال ويجوز فتح الدال أيضاً .
قال ابن سيده في المحكم : هو الجبان اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم . قال صاحب الصحاح : ورجل قعدد وقعدد إذا كان قريب الآباء إلى الجد الأكبر . ويمدح به من وجه لأن الولاء للكبر ويذم من وجهٍ لأنه من أولاد الهرمي وينسب إلى الضعف . وأنشد البيت .
وقوله : تنادوا فقالوا . . . إلخ يريد : بالخيل الفرسان . يقول : نادى
____________________

بعضهم بعضاً : اهلك الفرسان فارساً فقلت : أعبد الله ذلكم الهالك وإنما دعاه إلى هذا القول أمران : أحدهما : سوء ظن الشقيق والآخر : أنه علم إقدامه في الحرب .
وقوله : فجئت إليه أي : لأقيه بنفسي فلحقته والرماح تنوشه أي : تناوله .
والصياصي : جمع صيصية وهي شوكة الحائك في نسجه الممدود إذا أراد تمييز طاقات السدي بعضها من بعض وسميت بذلك تشبيهاً بصيصية الديك وهي دابرته في ساقه وبصيصية الثور وهو قرنه .
وأما قوله تعالى : من صياصيهم فمعناه : من حصونهم وقلاعهم وقوله : فكنت كذات البو . . . إلخ قال أبو تمام في مختار أشعار القبائل : ذات البو : ناقة .
وريعت : أفزعت والمسك بالفتح : الجلد . والبو : جلد الحوار يحشى بالتبن فإذا لم تدر الناقة ألقوه إليها فدرت . انتهى .
يقول : فكنت كناقة لها ولد فأفزعت فيه لما تباعدت عنه في مرعاها فأقبلت نحوه فإذا هو جلد مقطع كأنه انتهى إلى أخيه وقد فرغ من قلته وقدد أي : قطع . والسقب بالفتح : الذكر من أولاد الإبل .
وقوله : فطاعنت عنه الخيل . . . إلخ أي : دفعت الفرسان عنه حتى تكشفوا وإلى أن جرحت )
فسال الدم علي . وقوله : حالك اللون أسود فيه إقواء وهو من عيوب القوافي .
وقوله : قتال امرئ . . . إلخ يقول : قاتلت عنه قتال رجل جعل نفسه أسوة أخيه أي : مثله فيما نابه من خيرٍ أو شر وعلم أنه سيموت فاختار مواساة أخيه ليسلما معاً أو يموتا معاً .

____________________

وقوله : وطيب نفسي . . . إلخ أي : طيب نفسي كوني لك أخالفه في شيء رآه ولا قبحت عليه ما أتاه ولم أبخل عليه بشيء من مالي أي : أعظمته في القول عند مخاطبته وفي الفعل عند معاملته فأشار إلى القول بقوله : لم أقل له كذبت وإلى الفعل بقوله : ولم أبخل . . . إلخ .
وقوله : وهون وجدي . . . إلخ الوجد : الحزن . والفارط : الذي يتقدم الواردين فيهيئ الدلاء والحوض ويستقي بالماء . أي : هون وجدي علي بأن لحاقي به قريب كما يقرب لحاق الواردين بالفارط . والهامة هنا : الذاهب من هام على وجهه يهيم هيماً إذا ذهب من العشق أو غيره .
وترجمة دريد بن الصمة تقدمت في الشاهد الثاني بعد التسعمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد السادس والعشرون بعد التسعمائة ) ( أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرته ** إثر الأحبة يوم البين مشكوم ) على أنه يجوز أن تأتي هل بعد أم .

____________________

وليس فيه جمع استفهامين فإن أم عند الشارح كما تقدم في حروف العطف مجردة عن الإستفهام إذا وقع بعدها أداة استفهام حرفاً كانت أم اسماً .
وأم المنقطعة عن الشارح حرف استئناف بمعنى بل فقط أو مع الهمزة بحسب المعنى وذلك فيما إذا لم يوجد بعدها أداة استئناف . وليست عاطفة عنده وفاقاً للمغاربة .
قال المرادي في الجنى الداني : إن قلت : أم المنقطعة هل هي عاطفة أو ليست بعاطفة قلت : المغاربة يقولون : إنها ليست بعاطفة لا في مفردٍ ولا في جملة .
وذكر ابن مالك أنها قد تعطف المفرد كقول العرب : إنها لإبل أم شاء . قال : فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها كما يكون ما بعد بل فإنها بمعناها . انتهى .
قال ابن هشام في المغني : لا تدخل أم المنقطعة على مفرد ولهذا قدروا المبتدأ في : إنها لإبل أم شاء . وخرق ابن مالك في بعض كتبه إجماع النحويين فقال : لا حاجة لتقدير مبتدأ .
وزعم أنها تعطف المفردات كبل وقدرها ببل دون همزة . واستدل بقول بعضهم : إن هناك )
لإبلاً أم شاءً بالنصب . فإن صحت روايته فالأولى أن يقدر لشاء ناصب أي : أم أرى شاء .
وممن ذهب إلى أن أم عاطفة ابن يعيش ثم اضطرب كلامه في نحو : أم هل وفي : أم كيف .
فتارة ادعى تجريد أم عن الإستفهام وتارة ادعى التجريد عن هل .
قال في فصل حرفي الإستفهام : من المحال اجتماع حرفين بمعنى واحد . فإن قيل : فقد تدخل على هل أم وهي استفهام نحو : أم هل كبير بكى . . . البيت فالجواب أن أم فيها معنيان : أحدهما : الاستفهام .
والآخر : العطف فلما احتيج إلى معنى العطف فيها مع هل خلع منها
____________________

دلالة الاستفهام وبقي العطف بمعنى بل للترك ولذلك قال سيبويه : إن أم تجيء بمعنى لا بل للتحويل من شيء إلى شيء . وليس كذلك الهمزة لأنها ليس فيها إلا دلالة واحدة . انتهى كلامه .
وقوله : من المحال اجتماع حرفين بمعنى واحد هو في هذا تابع لابن جني وقد ذكرنا في الشاهد السادس بعد التسعمائة : أنه لا مانع من اجتماعهما للتأكيد كقوله : ولا للما بهم أبداً دواء والعطف هنا على قوله من عطف الجمل وليس لها تشريك في غير الوجود .
وقال ابن يعيش أيضاً في فصل الحكاية : وأما ما حكاه أبو علي من قولهم : ضرب منٌ مناً فهي حكاية نادرة .
ووجهها أنها جردت من الدلالة على استفهام حتى صارت اسماً كسائر الأسماء يجوز إعرابها وتثنيتها و جمعها كما جردوا أياً من الاستفهام حيث وصفوا بها فقالوا : مررت برجل أي رجل . وقد فعلوا ذلك في مواضع .
فمن ذلك قول الآخر : أم هل كبيرٌ بكى . . . . . البيت فقد خلع الاستفهام من هل دون أم لأن هل قد استعمل في غير الاستفهام نحو : هل أتى على الإنسان حينٌ أي : قد أتى . ونحو : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان أي ما جزاء الإحسان فكان اعتقاد نزع الاستفهام منها أسهل من اعتقاد نزعه من أم .
فأما قول الشاعر :
____________________

أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به البيت )
فإنه ينبغي أن يعتقد نزع دليل الاستفهام من أم وقصرها على العطف لا غير .
ألا ترى أنا لو نزعنا الاستفهام من كيف للزم إعرابها كما أعربت من . هذا كلامه و أنت ترى اضطرابه .
فلله در الشارح المحقق ما أبعد مرامه وأدق كلامه .
وقبله : ( هل ما علمت وما استودعت مكتوم ** أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم ) وهو مطلع القصيدة وقد أوردها المفضل في المفضليات وشرحها ابن الأنباري وأورد له قصيدة أخرى طويلة مطلعها : الطويل ( طحا بك قلبٌ في الحسان طروب ** بعيد الشباب عصر حان مشيب ) ( يكلفني ليلى وقد شط وليها ** وعادت عوادٍ بيننا وخطوب ) وهما من أبيات تلخيص المفتاح . والقصيدتان جيدتان .

____________________

روى صاحب الأغاني بسنده إلى حماد الراوية قال : كانت العرب تعرض أشعارها على قريش فما قبلوه منهما كان مقبولاً وما ردوه منها كان مردوداً فقدم عليهم علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها : هل ما علمت وما استودعت مكتوم فقالوا : هذه سمط الدر . ثم عاد إليهم في العام المقبل فأنشدهم : طحا بك قلبٌ في الحسان طروب فقالوا هاتان سمطا الدر .
وقوله : هل ما علمت . . . إلخ هل هنا دخلت على الجملة الإسمية فإن ما : موصولة مبتدأ وما : الثانية معطوف عليها ومكتوم : خبر المبتدأ والفعلان في الخطاب الأول بالبناء للمعلوم والثاني بالبناء للمجهول .
والمكتوم : المستور . وأم عند الشارح حرف استئناف بمعنى بل لأنها منقطعة وفيها معنى الهمزة كما يأتي وجملة حبلها مصروم : من المبتدأ والخبر استئنافية وإذ : تعليلية متعلقة بمصروم بمعنى مقطوع .
والحبل استعارة للوصل و المحبة . ونأتك أصله نأت عنك فحذف عن ووصل الضمير بالفعل )
ونأت بمعنى بعدت .
والمعنى : هل تكتم الحبيبة وتحفظ ما علمت من ودها لك وما استودعته منها من قولها : أنا على العهد لا أحول عنك وشيمتي الوفاء لك .
بل انصرم حبلها منك لبعدها عنك فإن من غاب عن العين غاب عن القلب . وهذه شيمة الغواني كما قال الشاعر : الطويل (
____________________

وإن حلفت لا ينقض النأي عهدها ** فليس لمخضوب البنان يمين ) وقدرنا الهمزة مع أم لأن المعنى يقتضيها كما تقدم من الشارح من أنها لا يجب تقديرها مع أم وقد قدرها ابن جني في المحتسب على طريقة البصريين قال في سورة الطور : ومن ذلك قراءة الناس : أم هم قومٌ طاغون وقرأ مجاهد : بل هم وهذا هو الموضع الذي يقول أصحابنا فيه : إن أم المنقطعة بمعنى بل للترك والتحول إلا أن ما بعد بل متيقن وما بعد أم مشكوك فيه مسؤول عنه . وذلك كقول علقمة بن عبدة : هل ما علمت البيت كأنه قال : بل أحبلها إذ نأتك مصروم .
ويؤكده قوله بعده : أم هل كبير بكى البيت ألا ترى إلى ظهور حرف الاستفهام وهو هل وفي قوله : أم هل كبير بكى حتى كأنه قال : بل هو كبير . ترك الكلام الأول وأخذ في استفهام مستأنف . انتهى .
ولم يذكر ابن الأنباري في شرحه من هذا شيئاً وإنما نقل ما يتعلق بمعناه قال : قال الضبي : أي هل ما علمت وما استودعت من حبها مكتوم عندها أم منتشر . وغيره قال : معناه هل ما علمت مما كان بينك وبينها وما استودعت من حبها مكتوم عندها فهي على الوفاء أم قد صرمتك .
وقال الرستمي : المعنى هل تكتم السر الذي علمت وما كان بينها وبينك وتكتم ما هذا ما أورده . وقول الرستمي غير مناسب للنسيب والمذهب الغرامي وقد تبعه
____________________

الأعلم فقال : هل تبوح بما استودعتك من سرها يأساً منها أم تصرم حبلها لنأيها عنك وبعدها .
انتهى .
وقوله : أم هل كبير بكى . . . . إلخ أم : هنا منقطعة أيضاً بمعنى بل ومجردة عن الاستفهام )
لدخولها على هل كما تقدم عن الشارح قال ابن عصفور في الضرائر : تقدم كبير على بكى ضرورة .
وإذا وقع بعد أدوات الاستفهام ما عدا الهمزة اسم وفعل فإنك تقدم الفعل على الاسم في سعة الكلام ولا يجوز تقديم الاسم على الفعل إلا في ضرورة شعر كالبيت ولولا الضرورة لقال : أم هل بكى كبير .
هذا كلامه وتبعه ابن عقيل والمرادي في شرح التسهيل .
وأقول : هذا ليس منه فإن هل داخلة على جملة اسميه نحو : هل زيد قائم أي : هل كبير موصوف بهذه الصفة مشكوم .
فكبير : مبتدأ وبكى : صفته ومشكوم : خبره فإن المحدث به مشكوم لا بكى كما يشهد به المعنى . ولو كان بكى هو المحدث به نحو : هل زيد قام لكان كما قال ضرورة في الشعر وقال الأعلم : أراد بالكبير نفسه أي : هل تجازيك ببكائك على إثرها وأنت شيخ . والمشكوم : المجازي . والشكم : العطية جزاءً فإن كانت ابتدائية فهي الشكد . انتهى .
وقال العيني : أراد بالكبير قيس بن الخطيم . ولا أعلم له وجهاً ومناسبة هنا .
وقال ابن الأنباري : المشكوم : المجزي وقد شكمته أشكمه شكماً من باب نصرته نصراً والاسم الشكم بالضم وهو المكافأة بحسن الصنيع .
وإثر الأحبة بكسر الهمزة وسكون المثلثة وفتحهما لغة . والبين : الفراق . وإثر ويوم متعلقان ببكي .
وقوله : لم يقض عبرته هو صفة ثانية لكبير . والعبرة بالفتح : الدمعة .

____________________

قال الضبي : لم يقض عبرته أي : لم يشتف من البكاء لأن في ذلك راحةً كما قال امرؤ القيس : الطويل وإن شفائي عبرةٌ لو صببتها وقال غيره : أي لم ينفذ ماء شؤونه ولم يخرج دمعه كله لأنه إذا لم يخرجه كان أشد لأسفه واحتراق قلبه .
وحكي عن أبي بكر بن عياش أنه كان يشتد حزنه حتى يكاد يحترق قلبه ولا يقدر على إظهاره قطرةٍ من دموعه فوقف ذو الرمة بكناسة الكوفة ينشد وحضره أبو بكر وهو ينشد : )
الطويل ( لعل انحدار الدمع يعقب راحةً ** من الوجد أو يشفي نجي البلابل ) فتعاطى البكاء بعد ذلك فكان إذا حزن واشتد حزنه يتعاطى البكاء فيبكي ويسيل دمعه فيستريح لذلك .
روى صاحب الأغاني بسنده إلى العباس بن هشام عن أبيه قال : مر رجلٌ من مزينة على باب رجلٍ من الأنصار وكان يتهم بامرأته فلما حاذى بابه تنفس ثم تمثل : ( هل ما علمت وما استودعت مكتوم ** أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم ) قال : فعلق به الرجل فرفعه إلى عمر رضي الله عنه فاستعداه عليه فقال له
____________________

المتمثل : وما علي أن أنشدت بيت شعر فقال له عمر : ما لك لم تنشده قبل أن تبلغ إلى بابه ولكنك عرضت به مع ما تعلمه من القالة فيك . ثم أمر به فضرب عشرين سوطاً . انتهى .
وعلقمة بن عبدة شاعر جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الثاني عشر بعد المائتين .
وأنشده بعده : على أن الاستفهام يجوز أن يقع بعد أم المجردة من الاستفهام كما ذكرنا .
وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد السادس بعد التسعمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد السابع والعشرون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : البسيط (
____________________

هل ما علمت وما استودعت مكتوم ** أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم ) ( أم هل كبيرٌ لم يقض عبرته ** إثر الأحبة يوم البين مشكوم ) على أن أم إذا جاءت بعد هل يجوز أن يعاد معها هل ويجوز أن لا يعاد بخلاف أم إذا جاءت بعد اسم استفهام فإنه يجب أن يعاد معها ذلك الاسم كما بينه الشارح .
وقد اجتمع في البيتين إعادة هل وتركها فإن أم الأولى جاءت بعد هل ولم تعد هل معها وقد أعادها مع أم الثانية في البيت الثاني .
وقد مضى شرحهما . وقد أوردهما سيبويه في باب أو بعد باب أم المنقطعة وأنشد فيه قول مالك بن الريب : الطويل وقال : وكذلك سمعناه ممن ينشده من بني عمه . وقال : قال أناس أم أضحت على كلامين كما قال علقمة : هل ما علمت وما استودعت البيتين قال الأعلم : الشاهد فيه دخول أم المنقطعة في البيتين . انتهى .
وفي هذه القصيدة بيت من شواهد المفصل وغيره فينبغي أن نشرحه هنا مسبوقاً بأبيات ثلاثة وهي : (
____________________

كأنها خاضبٌ زعرٌ قوادمه ** أجنى له باللوى شريٌ وتنوم ) ( يظل في الحنضل الخطبان ينفقه ** وما استطف من التنوم مخذوم ) ( فوهٌ كشق العصا لأياً تبينه ** أسك ما يسمع الأصوات مصلوم ) ( حتى تذكر بيضاتٍ وهيجه ** يوم رذاذٍ عليه الدحن مغيوم ) وقوله : كأنها خاضب . . . إلخ قال ابن الأنباري : أي : كأن الناقة في سرعتها ظليم وهو ذكر النعام . والزعر بالضم : القليلة الريش والاسم الزعر بفتحتين . والقوادم العشر : ريشات في مقدم الجناح .
قال الكلابي : الخاضب : الظليم يخضب في الشتاء وهو أن يحمر جلده وساقاه ويظهر عليه قال : ولا تطلب الخليل الظليم إذا خصب في الشتاء فإذا قاظ استرخى فانتشر ريشه وسمن )
وبطن فطلبته الخيل .
وقوله : أجنى له أي : أدرك أن يجتني يقال : قد أجنت الشجرة أي :
____________________

أدرك ثمرها وآن له أن يجتنى . والشري بفتح فسكون : شجر الحنظل واحدته شرية والظليم يأكل حب الحنظل .
والتنوم : شجر ينبت في بلادٍ دمثة يطول ذارعاً ورقه أغييبر يشبه ورق الآس وله ثمر مثل الشهدانج .
وقوله : يظل في الحنظل . . . إلخ إذا صار للحنظل خطوط تضرب إلى السواد ولم يدخله بياض ولا صفرة فهو الخطبان الواحدة خطبانة بضم الخاء المعجمة يقال : قد أخطب الحنظل .
وقال الرستمي : الخطبان من الحنظل إذا صار فيه خطوط خضر وصفر فهو أشد ما يكون مرارةٌ . وينقفه : يستخرج حبه .
يقال : نقفت الحنظل أنقفه نقفاً بتقديم القاف على الفاء من باب نصر إذا كسرته واستخرجت حبه .
وقوله : وما استطف أي : وما ارتفع وأمكن . ومخذوم بمعجمتين : مقطوع ومأكول يقال : خذمت الدلو إذا انقطعت عراها .
وقوله : فوه كشق العصا . . . إلخ أي : فمه كشق العصا . والضمير للخاضب أي : فمه لاصق ليس مفتوحاً لا تكاد ترى شدقه . ولأياً بسكون الهمزة وهو البطء منصوب بنزع الخافض أي : بلأيٍ .
وتبينه مضارع أصله بتاءين ويجوز أن يكون مصدراً وذلك إذا قرأته بضم ما قبل النون .
قال الرستمي : قوله : كشق العصا أي : لا يستبين ما بين منقاريه ولا يرى خرقهما إذا ضمهما فكأنه من خفائه شقٌ في عصا . والشق : مصدر شققت العصا والشيء شقاً . والأسك : الصغير الأذن .
وقوله : أسك ما يسمع موضع ما خفض وإن شئت ابتدأت ما فكأنك قلت : الذي يسمع به الصوت مصلوم وهو الأذن بعينها . وإن شئت كانت ما نافية .

____________________

والمصلو م : المقطوع الأذنين يقال : صلم أذنه واصطلمها إذا استأصل قطعها . والنعام كلها صلخٌ : والأصلخ : الأصكم الذي لا يسمع .
وقوله : حتى تذكر . . . إلخ حتى : بمعنى إلى متعلقه بيظل . يقول : هذا الظليم يرعى الخطبان )
والتنوم ثم تذكر بيضه في أدحيه فراح إلى بيضه قبل أوان الرواح .
والرذاذ : المطر الخفيف . وعليه : على اليوم . والدجن بسكون الجيم : إلباس الغيم وظلمته .
وروي أيضاً : عليه الريح وروي أيضاً : علته الريح أي : علت الريح ذلك الظليم بشدتها فزاد ذلك الظليم سرعةً في عدوه .
قال الرستمي : يعني أن الظليم ذكر بيضه فبادر إليه فهو أشد لعدوه . ومغيوم : فيه غيم . يقال : غامت السماء وأغامت وغيمت وأكثر ما يجيء هذا معلاً وكان القياس مغيم كمبيع فجاء مغيوم على خلاف القياس وهو محل الشاهد .
واستشهد به ابن الناظم والمرادي في شرح الألفية .
ومن أبيات هذه القصيدة : ( بل كل قومٍ وإن عزوا وإن كثروا ** عريفهم بأثافي الشر مرجوم ) عريفهم : سيدهم وعظيمهم . وأثافي الشر هنا : عظائمه . إنما أرد الدواهي أي : هي كأمثال الجبال .
قال الشاعر : الوافر ( فلما أن طغوا وبغوا علينا ** رميناهم بثالثة الأثافي ) وثالثة الأثافي هي الجبل . (
____________________

والحمد لا يشترى إلا له ثمنٌ ** مما يضن به الأقوام معلوم ) قال الضبي : إلا له ثمن يشق على مشتريه . وقال الرستمي : يقول : لا يحمد المرء إلا ببذل المضنون من ماله .
وقال أحمد : معناه : لا يشتري الحمد إلا بأثمانٍ تضن بها النفوس أي : يغالي به فيبذل فيه المضنون به . ( والجود نافيةٌ للمال مهلكةٌ ** والبخل باقٍ لأهليه ومذموم ) ( والجهل ذو عرضٍ لا يستراد له ** والحلم آوانةً في الناس معدوم ) لا يستراد : لا يراد ولا يطلب أي : يعرض لك وأنت لا تريده يقول : الناس يسرعون إلى الشر فمتى أرادوه وجدوه . ( ومن تعرض للغربان يزجرها ** على سلامته لا بد مشؤوم ) )
يقول : من يزجر الطير وإن سلم فلابد أن يصيبه شؤم والغربان يتشاءم بها . فمن تعرض لها يزجرها ويطردها خوفاً أن يصيبه الشؤم فلابد أن يقع بما يخاف ويحذر . ( وكل حصنٍ وإن طالت سلامته ** على دعائمه لا بد مهدوم
____________________

) ( حروف الشرط ) أنشد فيها . ( الشاهد الثامن والعشرون بعد التسعمائة ) الرمل ( لو يشأ طار به ذو ميعةٍ ** لاحق الآطال نهدٌ ذو خصل ) على أن الجزم ب لو ضرورة لأن لو موضوعة للشرط في الماضي .
قال ابن الناظم : أكثر المحققين أنها لا تستعمل في غير المضي . وذهب قوم إلى أنها تأتي للمستقبل بمعنى إن كقوله تعالى : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعفافاً .
وليس ما استدل به بحجة لأن غايته ما فيه أم ما جعل شرطاً للو مستقبل في نفسه أو مقيد بمستقبل وذلك لا ينافي امتناعه فيما مضى لا متناع غيره انتهى .
وفيه رد لقول والده في الألفية والتسهيل قال في التسهيل : واستعمالها في المضي غالباً فلذلك لم يجزم بها إلا اضطراراً وزعم اطراد ذلك على لغة . انتهى .

____________________

وقال في شرح الكافية الشافية : أجاز الجزوم بلها في الشعر جماعة منهم ابن الشجري واحتج لو يشأ طار به البيت وهذا لا حجة فيه لأن من العرب من يقول : جا يجي وشا يشا بترك الهمزة فيمكن قائل هذا البيت أن يكون من لغته ترك همزة يشاء ثم أبدل الألف همزة كما قيل في عالم وخاتم : عأ لم وخأتم .
قال : وكما فعل ابن ذكوان في تأكل منسأته حين قرأ بهمزة ساكنة والأصل منسأة مفعلة من نسأته أي : زجرته بالعصا فأبدلت الهمزة ألفاً ثم أبدلت ألف همزةً ساكنة .
قال المراديّ : فظاهر هذا الكلام أنه لا يجيز ذلك في السعة ولا في الضرورة أيضاً وهو ظاهر كلامه في آخر باب عوامل الجزم . وقد أجازه هنا في الضرورة وحكى هنا أن منهم من زعم اطّراد ذلك على لغةٍ قيل : فعل هذا يكون ثلاثة مذاهب . انتهى . )
وقد أجاب ابن هشام في المغني عن البيت بكلام ابن مالك في شرح الكافية وأجاب عن قوله : البسيط ( تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ** إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا
____________________

) بأنه قد خرّج على أن ضمة الإعراب سكّنت تخفيفاً كقراءة أبي عمرو : وينصركم عليهم و يشعركم و يأمركم . انتهى .
وما نقلوه عن ابن الشجري من أنه جوّز الجزم ب لو في الشعر غير موجود في أماليه وإنما أخبرنا بأنها جزمت في بيت وقد تكلم عليه في مجلسين من أماليه : الأول هو المجلس الثامن والعشرون قال : بيت للشريف الرضي من قصيدة رثى بها أبا إسحاق إبراهيم بن هلال الكاتب الصابئ : الكامل ( إن الوفاء كما اقترحت فلو تكن ** حيّاً إذن ما كنت بالمزداد ) جزم بلوٍ وليس حقها إن يجزم بها لأنها مفارقة لحروف الشرط وإن اقتضت جواباً كما تقتضيه إن الشرطية .
وذلك أن حرف الشرط ينقل الماضي إلى الاستقبال كقولك : إن خرجت غدأً خرجنا ولا تفعل ذلك لو وإنما تقول : لو خرجت أمس خرجنا وقد جاء الجزم بلو في مقطوعة لا مرأةٍ من بني الحارث بن كعب : ( فارساً ما غادروه ملحماً ** غير زمّيلٍ ولا نكس وكل ) ( لو يشأ طار بها ذو ميعةٍ ** لاحق الآطال نهدٌ ذو خصل ) ( غير أن البأس منه شيمةٌ ** وصروف الدهر تجري بالأجل ) اه .

____________________

وكتب على هامش النسخة تلميذه أبو اليمن الكندي بخطّه : ليس للرضيّ ولا لأمثاله أن يرتكب ما يخالف الأصول ولكن لو جاء مثل هذا عن العرب في ضرورات شعرهم لاحتمل منهم وذلك أن لو وإن كانت تطلب جواباً كما يطلبه حرف الشرط ليست كوجبةً للاستقبال كإذا بل يقع بعدها الماضي للماضي كما يقع المستقبل للمستقبل فلا يجزم بها البتّة .
وليس في قوله : يشا شاهد على الجزم بلو ولكنه مقصور غير مهموز كما يقصر الممدود في الشعر . انتهى . )
وفيه نظر فإنه مصادمة للمنقول .
والمجلس الثاني هو المجلس الأربعون قال فيه : ولو من الحروف التي تقتضي الأجوبة وتختصّ بالفعل ولكنّهم لم يجزموا به لأنه لا ينقل الماضي إلى الاستقبال كما يفعل ذلك حروف الشرط .
وربما جزموا به في الضرورة ثم أنشد هذه المقطوعة وبيت الشريف الرضيّ .
وكتب تلميذه أبو اليمن الكندي هنا على هامشه أيضاً : قد تقدّمت هذه الأبيات وذكره في لو يشا الجزم وحعله إيّاها حجّة للرضي في الجزم بلو وقد رددت ذلك هناك . يما يغني عن الإعادة . انتهى .
وهذه المقطوعة أوردها أبو تمام في باب المراثي من الحماسة وأوردها الأعلم في حماسته أيضاً .
قال ابن الشجري : الرواية نصب فارس بمضمر يفسّره الظاهر وما صلة والمفسّر من لفظ المفسّر لأن المفسّر متعدّ بنفسه إلى ضمير المنصوب .

____________________

ولكن لو تعدّى بحرف جر أضمرت له من معناه دون لفظه كقولك : أزيداً مررت به والتقدير : أجزت زيداً لأنك إن أضمرت مررت أضمرت الجارّ وذلك مما لا يجوز فالتقدير إذن : غادروا فارساً .
ويجوز رفع فارس بالابتداء والجملة التي هي عادروه وصف له وغير زمّيل خبره ولا موضع من الإعراب في وجه النصب للجملة التي هي غادروه لأنها مفسّرة فحكمها حكم الجملة المفسّرة وحسن رفعه بالابتداء وإن كان نكرة لأنه تخصّص بالصفة وإذا نصبته نصبت غير زمّيل وصفاً له ويجوز أن يكون وصفاً للحال التي هي ملحماً .
والملحم : الذي ألحمته الحرب وذلك أن ينشب في المعركة فلا يتّجه له منها مخرج . ويقال للحرب : الملحمة .
والزّمّيل : الجبان الضعيف . والنّكس من الرجال : الذي لا خير فيه مشبّه بالنّكس من السهام وهو الذي ينكسر فوقه فيجعل أعلاه أسفله .
والوكل : الذي يكل أمره إلى غيره . والميعة : النشاط وأول جري الفرس وأول الشباب .
والآطال : الخواصر واحدها إطلٌ وقد يخفّف . وهو أحد ما جاء من الأسماء على فعل ومنه إبل .
ولاحق الآطال أي : قد لصقت إطله بأختها من الضّمر . وجمعت الإطل في موضع التثنية )
وذلك أسهل من الجمع في موضع الوحدة كقولهم : شابت مفارقة .
ولو قالت : لاحق الإطلين بسكون الطاء أعطت الوزن والمعنى حقّهما . والنّهد من الخيل : الجسيم المشرف . وقولها : غير أن البأس نصب غير على الاستثناء المنقطع .
والبأس : الشّدّة في الحرب . والشّيمة : الطبيعة . وصروف الدهر : أحداثه . انتهى كلام ابن الشجري .
وقد أرود ابن الناظم وابن عقيل البيت الأول في باب الاشتغال من شرح الألفية .

____________________

وقال الكندي فيما كتبه : الرواية برفع فارس كذا رواه أبو زكريا عن المعرّيّ وغيره وكذا قرأناه على الشيوخ عنه . انتهى .
ولا مانع من كون نصب فارس رواية غير المعرّيّ فقد رواه بالنصب شرّاح الحماسة .
والملحم : اسم مفعول من ألحمه إذا تركه طعمةً لعوافي السباع . وغادروه : تركوه .
والزّمّيل بضم الزاي وتشديد الميم المفتوحة . والنّكس بكسر النون وسكون الكاف . والوكل وقولها : لو يشأ حكت الحال والمراد : لو يشاء لأنجاه فرس له ذو نشاط أي : لو اختار الفرار لأمكنه لكنّه كان سجيّته البأس والأنفة من العار بالفرار . والميعة بفتح الميم .
والنّهد بفتح النون وسكون الهاء : وصف من نهد الفرس بالضم نهودةً . وخصل : جمع خصلة وهي من الشعر معروفة والمراد ذيله الكثير الشعر .
وأنشد بعده : الرمل ( لو بغير الماء حلقي شرقٌ ** كنت كالغصّان بالماء اعتصاري
____________________

) وتقدم شرحه في الشاهد التاسع والخمسين بعد الستمائة .
وأنشده بعده : فهلاّ نفس ليلى شفيعها وتقدّم شرحه أيضاً في الشاهد الخامس والستين بعد المائة .
وأصله : الطويل ( يقولون ليلى أرسلت بشفاعةٍ ** إليّ فهلاّ نفس ليلى شفيعها ) وأنشد بعده الطويل ) ( هما خيّباني كلّ يوم غنيمةٍ ** وأهلكتهم لو أنّ ذلك نافع
____________________

) على أن خبر أن الواقعة بعد لو قد يجيء بقلّة وصفاً مشتقاً ولم يشترط أن يكون فعلاً وإنما الفعل أكثريّ .
وقال ابن هشام في المغني : قال الزمخشري : يجب كون خبر أن فعلاً ليكون عوضاً من الفعل المحذوف .
وردّه ابن الحاجب وغيره بقوله تعالى : لو أنّ ما في الأرض من شجرةٍ أقلام قالوا : إنما ذلك في الخبر المشتقّ لا الجامد كالذي في الآية وفي قوله : البسيط ( ما أطيب العيش لو أن الفتى حجرٌ ** تنبو الحوادث عنه وهو ملموم ) وردّ ابن مالك قول هؤلاء بأنه قد جاء اسماً مشتقاً كقوله : الرجز ( لو أن حيّاً مدرك الفلاح ** أدركه ملاعب الرّماح ) وقد وجدت آية في التنزيل وقع فيها الخبر اسماً مشتقاً ولم يتنبّه لها الزمخشري كما لم يتنبّه لآية لقمان . ولا ابن الحاجب وإلاّ لما منع من ذلك . ولا ابن مالك وإلاّ لما استدلّ بالشعر . وهي قوله تعالى : يودّوا لو أنّهم بادون في الأعراب . وقد وجدت آيةً الخبر فيها ظرف وهي : لو أن عندنا ذكراً من الأوّلين لكنّا
____________________

.
انتهى .
وقد خطّأه الدماميني في هذا فقال : هوّل المصنف بقصور نظر هؤلاء الأئمة وتبجّج بالاهتداء إلى ما لم يهتدوا إليه ثم إن ما اهتدى إليه دونهم ليس بشيء وذلك أن لو في هذه الآية ليست مما الكلام فيه لأنها مصدرية أو للتمنّي والكلام إنما هو في لو الشرطية .
وقد كنت قديماً ممّا يزيد على ثلاثين سنة في ابتداء مطالعتي لهذا الكتاب ذكرت ذلك لشيخنا وكتبه على حاشية نسخته ثم رأيت في شرح الحاجبيّة للرضي أن لو فيها المصدرية .
وقد وجدت المسألة أيضاً في كلام ابن الحاجب نفسه وذلك أنه قال في منظومته : ( لو أنّهم بادون في الأعراب ** لو للتمنّي ليس من ذا الباب ) انتهى .
وأجاب بعض مشايخنا : قد يدّعى أنّ لو التي للتمني شرطية أشربت معنى التمنّي كما نقله في )
المغني عن بعضهم وصحّحه أبو حيان في الارتشاف وذلك لأنهم جمعوا لها بين جوابين : جواب منصوب بعد الفاء وجواب باللام كقوله : الوافر ( بيوم الشّعثمين لقرّ عيناً ** وكيف لقاء من تحت القبور
____________________

) فلعله يختار هذا القول فتبجّحه على مختاره . فقول ابن الحاجب : ليس من ذا الباب أي : من باب لو الشرطية ممنوع عنده . انتهى .
أقول : لا يصح تبجّحه بشيء لا يعترفون به ولو في الشاهد أيضاً ليست شرطية كما يأتي .
والبيت من قصيدة للأسود بن يعفر أوردها أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب وأبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني وهذا مطلعها : ( أتاني ولم أخش الذي ابتعثا به ** خفيراً بني سلمى : حريرٌ ورافع ) ( هما خيّباني كل يوم غنيمةٍ ** وأهلكتهم لو أن ذلك نافع ) ( وأتبعت أخراهم طريق ألاهم ** كما قيل نجمٌ قد خوى متتائع ) ( وخير الذي أعطيكم هي شرّةٌ ** مهوّلةٌ فيها سيوف لوامع ) ( فلا أنا معطيكم عليّ ظلامةً ** ولا الحق معروفاً لكم أنا مانع ) ( وإني لأقري الضيف وصى به أبي ** وجار أبي التيحان ظمآن جائع ) ( فقولا لتيحان ابن عاقرة استها ** أمجرٍ فلاقي الغي أم أنت نازع ) ( ولو أن تيحان بن بلجٍ أطاعني ** لأرشدته إن الأمور مطالع ) وبقي أبيات منها . والسبب فيها أن أبا جعل البرجمي جمع جمعاً من شذاذ أسدٍ وتميم وغيرهم فغزوا بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالاً شديداً حتى فضّوا جمعهم فلحق رجل من بني الحارث بن تيم الله بن ثعلبة جماعةً من بني نهشل منهم الجراح بن الأسود بن يعفر وحرير بن شمر
____________________

ابن هزان بن زهير بن جندل ورافع بن صهيب بن حارثة بن جندل وعمرو بن حرير والحارث بن حرير بن سلمى بن جندل وهو فارس العصماء .
فقال لهم : هلم إلي أنتم طلقاء فقد أعجبني قتالكم وأنا خيرٌ لكم من العطش . فنزل إليهم ليوثقهم وتفرس الجراح في فرسه الجودة فوثب عليها ونجا .
فقال التيمي لرافع وحرير وأصحابهما : أتعرفون هذا قالوا : نعم ونحن لك خفراء بفرسك فلما أتى الجراح أباه أمره أن ينطلق بها في بني سعد فابتطنها ثلاثة أبطن فلما رجع رافع وحرير )
وأصحابهما إلى بني نهشل قالوا : إنا خفراء فارس العصماء . وأوعدوا الجراح .
وكانوا بنو جرول حلفاء بني سلمى بن جندل على بني حارثة بن جندل . وأعان تيحان بن بلج رافعاً وحريراً على الجراح حتى ردوا إلى التيمي فرسه فقال الأسود بن يعفر في ذلك هذه القصيدة يهجوهم .
وقوله : أتاني فاعله خفيرا بني سلمى وجملة : ولم أخش الذي ابتعثا به : معترضة . وابتعثا بالبناء والخفير بالخاء المعجمة والفاء هو الذي يأخذ الشيء في ذمته ويتعهده من الخفارة بضم الخاء وكسرها وهي الذمة ومنه الخفير بمعنى المجير .
يقال : خفرت بالرجل من باب ضرب إذا أجرته وكنت له خفيراً تمنعه . وحرير بالتصغير وبإهمال أوله ورافع تقدم نسبهما .
وقوله : هما خيباني من الخيبة بالخاء المعجمة يقال : خاب الرجل خيبةً إذا لم ينل ما طلب وخيبته أنا تخييباً . وكل : اكتسب الظرفية من إضافته إلى الظرف . وجملة أهلكتهم : معطوفة على جملة أتاني .
يريد : أهلكتهم بالهجو لو أن ذلك الإهلاك نافع لي . فلو هنا لا يظهر كونها
____________________

للشرط والمعنى يقتضي كونها للتمني وحينئذ تكون مما ليس الكلام فيه .
وقوله : : وأتبعت أخراهم . . . إلخ قال أبو علي في كتاب الشعر : يريد هجوت آخرهم كما هجوت أولهم أي : ألحقت آخرهم بأولهم في الهجاء لهم . فأراد بقوله : ألاهم أولاهم فحذف الواو التي هي عين لأن هذه الحروف وإن كانت من أنفس الكلم فهي تشبه الزيادة لما يلحقها من الانقلاب والحذف .
وقوله : كما قيل نجم في الصحاح : خوت النجم تخوي خيّاً : أمحلت وذلك إذا سقطت ولم تمطر في نوئها . ومتتائع بالهمز لأنه اسم فاعل من التتايع بالمثناة التحتية . قال في الصحاح : التتايع : التهافت في الشر واللجاج ولا يكون التتايع إلا في الشر .
وقوله : هي شرة بكسر الشين وهو الشر بفتحها . والظلامة بالضم : ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك وعاقرة استها : كلمة سب وشتم ومجر : اسم فاعل من أجرى إجراء بمعنى جارى مجاراة ونزع عن الشيء : كف عنه . و انتهى .
والقحم بفتح القاف وسكون المهملة : الشيخ المسن العاجز . )
والأسود بن يعفر : جاهلي تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والستين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد الثلاثون بعد التسعمائة ) البسيط (
____________________

أكرم بها خلةً لو أنها صدقت ** موعودها أو لو أن النصح مقبول ) لما تقدم قبله .
والشاهد في لو الثانية فإن خبر أن بعدها وصف مشتق لا فعل بخلاف أن الأولى بعد لو فإن خبرها فعل ماض مع فاعله . وفي هذا أيضاً لا يتعين أن تكون شرطية بل يجوز أن تكون لو في الموضعين للتمنّي فلا جواب لها فلا تكون مما الكلام فيه .
ويجوز أن تكون فيهما شرطية والجواب محذوف يدل عليه أول الكلام تقديره : لو صدقت أو قبلت النّصح لكرمت وما أشبهه .
وكذا جوّز الوجهين ابن هشام في شرح بانت سعاد قال في شرح البيت : لو محتملة لوجهين : أحدهما : التمني مثلها في فلو أن لنا كرّةً .
والثاني : الشرط ويرجّح الأول سلامته من دعوى حذف إذ لا يحتاج حينئذ لتقدير جواب .
ويرجح الثاني أن الغالب على لو كونها شرطية ثم الجواب المقدر محتمل لأن يكون مدلولاً عليه بالمعنى أي : لو صدقت لتمّت خلالها فتكون مثلها في قوله تعالى : ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم أي : لرأيت أمراً عظيماً .
ولأن يكون مدلولاً عليه باللفظ أي : لكانت كريمة فتكون مثلها في قوله تعالى : ولو أن قرآناً سيّرت به الجبال الآية أي : لكفروا به بدليل : وهم
____________________

يكفرون بالرحمن .
والنحويون يقدّرون لكان هذا القرآن فيكون كالآية قبلها . والذي ذكرته أولى لأن الاستدلال باللفظ أظهر ويرجح التقدير الثاني في البيت بأنه استدلال باللفظ وبأن فيه ربطاً للو بما قبلها لأن دليل الجواب جواب في المعنى حتى ادّعى الكوفيون أنه جواب في الصناعة أيضاً وأنه لا تقدير وقد يقال إنه يبعده أمران : أحدهما : أن فيه استدلالاً بالإنشاء على الخبر .
والثاني : أن الكرم وإن كان المراد به الشرف مثله في إني ألقي إليّ كتابٌ كريم فلا يحسن )
بحال المحبّ تعليق كرم محبوبه على شرط ولا سيما شرطٌ معلوم الانتفاء وهو شرط لو .
وإن كان المراد به مقابل البخل لم يكن أكرم بها مناسباً لمقام النسيب بل لمقام الاستعطاء .
وقد يجاب عن الأول بأمرين : أحدهما : منع كون التعجب إنشاءً وإنما هو خبر وإنما امتنع وصل الموصول بما أفعله لإبهامه وبأفعل به كذلك مع أنه على صيغة الإنشاء لا لأنهما إنشاء .
الثاني : أن المراد من الدليل كونه ملوحاً بالمعنى المراد وإن لم يصلح لأن يسد مسد المحذوف .
وعن الثاني : أن المراد به ضد البخل وهو أعم من الكرم بالمال والوصال . انتهى .
وهذا البيت من قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير بن أبي سلمى في مدح النبي صلى الله عليه وسلم . وقبله من أول القصيدة إليه أبيات خمسة وبعده : (
____________________

لكنها خلةٌ قد سيط من دمها ** فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديل ) ( ولا تمسك بالعهد الذي زعمت ** إلا كما يمسك الماء الغرابيل ) ( فلا يغرنك ما منوا وما وعدوا ** إن الأماني والأحلام تضليل ) ( كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلاً ** وما مواعيدها إلا الأباطيل ) ( أرجو وآمل أن تدنوا مودتها ** وما إخال لدينا منك تنويل ) وقوله : أكرم بها خلة . . . إلخ ضمير بها راجع إلى سعاد في أول القصيدة وصفها في هذه الأبيات بالصد وإخلاف الوعد والتلون في الود وضرب لها عرقوباً مثلاً ثم لام نفسه على التعلق بمواعيدها .
وأكرم بها : صيغة تعجب بمعنى أمرها وخلة تمييز والخلة بالضم في الأصل : مصدر بمعنى الصداقة يطلق على الوصف وهو الخليل والخليلة يستوي فيه المذكر والمؤنث . ومن إطلاقه على المذكر قول الشاعر : المتقارب ( ألا أبلغا خلتي جابراً ** بأن خليلك لم يقتل ) وصدق : يكون لازماً ومتعدياً يقال : صدق في حديثه وصدق الحديث إذا لم يكذب وموعودها فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون اسم مفعول على ظاهره ويكن المراد به الشخص الموعود
____________________

وأراد به نفسها .
والثالث : أن يكون مصدراً كالمعسور والميسور أي : الوعد والعسر واليسر . فإن قدرته اسماً )
للشخص فانتصابه على المفعولية وإن قدرته اسماً للموعود به احتمل أن يكون مفعولاً به على المجاز وأن يكون على إسقاط في والمفعول محذوف أي : صدقتني في موعودها .
وإن قدرته مصدراً كان على التوسع . و أو لأحد الشيئين . حاول إحدى هاتين الصفتين منها أو بمعنى الواو فيكون قد حاول حصولهما معاً والنصح : مصدر نصح ونصح له والاسم النصيحة .
والمراد : لو أن النصح مقبول عندها وقال ابن هشام : أل عوض من المضاف إليه والأصل لو أن نصحيها من إضافة المصدر إلى المفعول .
وقوله : لكنها خلة . . . إلخ لكن هنا لتأكيد مفهوم ما قبلها كقولك : لو كان عالماً لأكرمته لكنه ليس بعالم وجملة قد سيط : صفة خلة . وسيط : مجهول ساطه يسوطه سوطاً إذا خلطه بغيره ومنه السوط للآلة التي يضرب بها لأنها تسوط اللحم بالدم .
وفجع : نائب الفاعل ومن بمعنى في متعلق بسيط . والفجع : مصدر فجعه إذا فاجأه بما يكره .
والولع : الكذب مصدر ولع من باب ضرب .
والإخلاف : مصدر أخلف يخلف فهو مخلف وهو أن يقول شيئاً ولا يفعله في المستقبل والتبديل : الغيير يقال : بدل الشيء تبديلاً أي : غيره وإن لم يأت له ببدل . وأبدله بغيره واستبدل به إذا أخذه مكانه .
والمعنى : أنها لو كان لها صاحب فجعته بصدها ولو وعدت بالوصل كذبت في قولها وأخلفت وعدها تستبدل بالأخلاء ولا تراعي حق الوفاء .

____________________

وهذا الكلام ومن أمثاله من أقاويل العشاق على سبيل الشكوى من صد الأحباب وبعدهم بعد الدنو والاقتراب ومر هجرانهم عقب حلو الوصال وبخلهم على مساكين العشق بطيف الخيال ليس بذم صرف إنما يوردونه لأحد غرضين : إما لإظهار التلذذ بالصبر على ما يفعله المعشوق والرضا بأفعاله كما قال ابن أبي الحديد : الكامل ( متغيرٌ متلونٌ متعنتٌ ** متعتبٌ متمنعٌ متدلل ) ذكر عدة خصال من جناية الحبيب وتجنيه تلونه وتأبيه .
ثم قال بعد ذلك : ( أستعذب التعذيب فيه كأنما ** جرع الحميم هي البرود السلسل ) )
وإما لتنفير من يسمع بحسن معشوقهم عن عشقه بذكر بخله بوصاله وتعنته ودلاله فيصفو مورد العشق من كدر الغيرة والمزاحم ويخلو العاشق بما يجلو بصره من المشاهدة . ( أشكو إليها رقتي لترق لي ** فتقول تطمع بي وأنت كما ترى ) ( وإذا بكيت دماً تقول شمت بي ** يوم النوى فصبغت دمعك أحمرا ) ( من شاء يمنحها الغرام فدونه ** هذي خلائقها بتخيير الشرا ) وقد صرح به ابن أبي الحديد في قوله : الطويل ( فيا رب بغضها إلى كل عاشقٍ ** سواي وقبحها إلى كل ناظر ) وقد بالغ ابن الخياط في تصريحه بغيره العشاق فأحسن حيث قال : الطويل ( أغار إذا آنست في الحي أنةً ** حذاراً وخوفاً أن يكون لحبه ) وربما عيب على كعبٍ هذا الكلام لأنه يشعر بأن معشوقته تعد وتخلف وتبدل ويجاب بأن مراده المبالغة في فرط دلالها وبخلها بوصالها بحيث لو صاحبت إنساناً لاستبدلت به وفجعته ول وعدت بالوصل لكذبت في وعدها ومطلته على أنها لا تصاحب مصادقاً ولا تعد بوصالها عاشقاً وهو قريب من قول
____________________

الآخر : السريع ولا ترى الضب بها ينجحر أي : لا ضب ببها فينجحر .
وكلام كعب هذا مناسب لما تسميه علماء البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم . وإنما أطنبت وقوله : فما تدوم على حال . . . إلخ الفاء سببية أي : بسبب ما جبلت عليه من تلك الأخلاق لا تدوم على حال . وما : نافية وتدوم : فعل تام لا ناقص .
وقوله : كما تلون الكاف نعت لمصدر محذوف وما مصدرية أي : تتلون سعاد تلوناً كتلون الغول لأن الذي لا يدوم على حالة متلون وتلون أصله تتلون بتاءين .
والغول : جنسٍ من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أنها تتراءى للناس في الفلاة فتتغول تغولاً أي : تتلون تلوناً في صورٍ شتى وتغولهم أي : تضلهم عن الطريق وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم زعمهم بقوله : لا غول أي : لا تستطيع أن تضل أحداً .
وقوله : ولا تمسك بالعهد . . . إلخ معطوف على فما تدوم . وتمسك أصله تتمسك بتاءين .
ويجوز : تمسك بضم التاء والعهد هنا : الموثق أو اليمين أو الذمة والزعم : القول عل غير صحة )
ويحتمل أن يكون زعمت هنا بمعنى كفلت .
والمعنى : أنها لا يوثق بودها ولا يركن إلى عهدها لأن إمساكها للعهد
____________________

كإمساك الغرابيل للماء فكما أن المشبه به محال كذلك المشبه وهذا تشبيه معقول بمحسوس .
وما أحسن قول ابن نباتة المصري : البسيط ( لم تمسك الهدب دمعي حين أذكركم ** إلا كما يمسك الماء الغرابيل ) وقوله : فلا يغرنك ما منت . . . إلخ الفاء لمحض السببية كالواقعة في جواب الشرط كقولك : زيد كاذب فلا تغتر بقوله . وما موصوله أو موصوفة أو مصدرية .
ومنت أصله منيت على فعلت فقلبت الياء المتحركة ألفاً لا نفتاح ما قبلها وحذفت للساكنين يقال : تمنيت الشيء تمنياً أي : اشتيته وطلبته . ومنيت غيري تمنية إذا أطمعته بشيء .
قال ابن هشام : وهو متعد لمفعولين محذوفين والتقدير إذا جعلت ما إسماً : منتكه أو منتك إياه . وإذا جعلت حرفاً : ما منتك الوصل أي : فلا يغرنك تمنيتها إياك الوصل .
وكذا وعدت يتعدى لاثنين كقوله تعالى : وعدكم الله مغانم والتقدير : ما وعدتكه أو ما وعدتك إياه أو ما وعدتك الوصل والوعد هنا للخير لأن الموضع لا يحتمل غيره .
وقوله : إن الأماني والأحلام تضليل مستأنف والأماني : جمع أمنية وهي ما يتمناه الإنسان أي : يطلبه ويشتهيه .
والأحلام : جمع حلم بضمتين وهو ما يراه النائم وتضليل : مصدر ضلل يضلل إذا أوقع غيره في الضلال .

____________________

وقوله : كانت مواعيد عرقوب . . . إلخ هذه جملة مستأنفة وكانت يجوز أن تكون على بابها وعرقوب هو ابن معبد ويقال : ابن معيد أحد بني عبد شمس بن ثعلبة كان من العمالقة وقيل : كان من الأوس والخزرج وعد رجلاً ثمرة نخلةٍ له فجاءه الرجل حين أطلعت فقال له : دعها حت تصير بلحاً فلما أبلحت جاءه الرجل فقال : دعها حتى تصير رطباً . فلما أرطبت قال : دعها حتى تصير تمراً فلما أتمرت قطعها ليلاً ولم يعطه منها شيئاً .
فصار مثلاً في خلف الوعد . والأباطيل : الأكاذيب جمع أبطولة كأحاديث جمع أحدوثة .
وقال الصاغاني تبعاً للجوهري : الباطل : ضد الحق وجمعه أباطيل على غير قياس . )
وهذا البيت تأكيد للبيت الذي قبله .
وقوله : أرجو وآمل البيت تقدم شرحه مفصلاً من ترجمة كعب في الشاهد الرابع عشر بعد السبعمائة .
ولم يقع في الشرح من هذه القصيدة غير هذين البيتين .
وأنشد بعده ( الشاهد الحادي والثلاثون بعد التسعمائة ) الرجز
____________________

على أن مجيء المضارع خبر أن الواقعة بعد لو قليل والكثير الماضي .
وجواب لو محذوف دل عليه تشتكي .
وبعده : مس حوايا قلما نجيفها وهذا الرجز أورده أبو زيد في نوادره والأصمعي في كتاب الأضداد وقال : تقول : أشكيت الرجل إذا أتيت إليه ما يشكو منه . وأشكيته : نزعت عنه شكايته .
وكذا قال ابن السكيت في أضداده وأنشد هذا الرجز .
وأورده ابن جني أيضاً في سر الصناعة وفي الخصائص قال : قد تأتي أفعلت للسلب والنفي نحو : أشكيت زيداً إذا زلت له عما يشكوه وأنشد هذا الرجز وقال : أي لو أننا نزول لها عما تشكوه .
وأورده ابن السكيت في إصلاح المنطق أيضاً قال شارح أبياته ابن السيرافي : وصف إبلاً قد أتعبها فهي تمد أعناقها . والإبل إذا أعيت ذلت ومدت أعناقها أو لوتها .
وقوله : تشتكي يقول : قد ظهر بهذه الإبل من الجهد والكلال والضمور ما لو كانت ناطقة لشكته وذكرته فظهور مثل ذلك بها يقوم مقام شكوى اللسان . انتهى .
والحوايا : جمع حوية وهي كساء محشو حول سنام البعير وهو السوية .
____________________

والحوية لا تكون إلا للجمال والسوية قد تكون لغيرها .
وأنشده صاحب الصحاح أيضاً في مادة جفا قال : جفا السرج عن ظهر الفرس وأجفيته أنا إذا رفعته عنه . وأنشده وقال : أي قلما نرفع الحوية عن ظهرها ولم يتكلم بشيء ابن بري في )
حاشيته على الصحاح ولا الصفدي في حاشيته عليه . ولم أقف على اسم الراجز . والله أعلم به .
وأنشد بعده ( الشاهد والثاني والثلاثون بعد التسعمائة ) الرجز ( والله لولا شيخنا عباد ** لكمرونا اليوم أو لكادوا ) على أن اللام في لكمرونا في جواب القسم لا في جواب لولا عملاً بالقاعدة وهي أنه إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب بعدهما للسابق منهما سواء كان أداة الشرط إن أم لو أم لولا وفاقاً لابن جني وابن عصفور . قال : ولزم كونه ماضياً لأنه مغن عن جواب لولا وجوابها لا يكون إلا وفيه رد على ابن مالك في زعمه في التسهيل أن أداة الشرط إن كانت لو أو لولا فالجواب يتعين أن يكون لهما سواء تقدم القسم عليهما أو تأخر عنهما كقوله : الطويل ( فأقسم لو أبدى الندي سواده ** لما مسحت تلك المسالات عامر ) وقول الآخر : الرجز
____________________

والله لولا الله ما اهتدينا ويرد البيت الأول على الشارح في قوله : وكذا تقول : والله لو جئتني ما جئتكم ولا تقول : لما جئتك . ولو كان الجواب للو لجاز ذلك . ويجاب عنه بأن دخول اللام على ما النافية .
وما اختاره الشارح المحقق هو قول ابن عصفور في شرح الإيضاح قال : وقد يدخلون أن على لو لجعل الفعل الواقع بعدها جواباً للقسم كما يدخلون اللام على إن الشرطية : فيقال : أقسم أن لو قام زيد قام عمرو .
ومنه قوله : الطويل ( فأقسم أن لو التقينا وأنتم ** لكان لكم يومٌ من الشر مظلم ) انتهى كلامه .
وذهب في شرح الجمل إلى خلاف هذا فجعل الشرط وجوابه جواب القسم فإنه لما أنهى الكلام على روابط الجملة الواقعة جواب قسم قال : إلا أن يكون جواب القسم لو وجوابها فإن الحرف الذي يربط المقسم به المقسم عليه إذ ذاك إنما هو أن نحو : والله أن لو قام زيد لقام )
عمرو . ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لام القسم ولام لو .
قال ناظر الجيش في شرح التسهيل : وقول ابن مالك بعيد لأنه يبعد أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو : والله لو قام زيد لقام عمرو والله لولا زيد
____________________

لقام عمرو بل ربما يستحيل ذلك أن المقسم عليه إنما هو قيام عمروٍ المعلق على قيام زيد أو على وجوده .
وإذا كان المقسم عليه كذلك فكيف يتجه تقدير جواب غير الشرط المذكور إذ لو قدر جواب غير ذلك لكان شيئاً غير معلق على غيره والفرض أن المقسم عليه إنما هو أمر معلق على شيء لا أمر مستقل بنفسه .
وإذا كان الأمر كذلك اتجه كلام ابن عصفور في شرح الجمل واضمحل كلامه في شرح الإيضاح .
فإن قيل : هذا بعينه موجود في الشرط غير الامتناعي لأن المقسم عليه أيضاً في نحو : والله إن قام زيد ليقومن عمرو إنما هو قيام عمرو المعلق على قيام زيد ومع هذا فقد أتى المقسم بجوابٍ يخصه فلم لا يقال إن الشرط يكون جواباً للقسم فالجواب أن جواب الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع إما إذا كان حرف الشرط لو فلأنه علق على حصول أمر فقد ثبت أن وجوده ممتنع .
وأما إذا كان لولا فلأن الامتناع معها علق على وجود شيء مقطوع بأنه موجود . وإذا كان جواب الامتناعي ممتنع الوقوع امتنع تقدير جواب القسم إذ يلزم من تقديره أن يكون المقدر ممتنع الوقوع ليتطابق جواب الشرط والقسم لأن جملة القسم إنما هي مؤكدة لجملة الشرط فيتعين اتفاق المدلولين .
ولا شك أن جدواب القسم إذا قدرناه ليس ثم ما يدل على أنه ممتنع فيلزم من تقديره حينئذ تخالف الجوابين من حيث إن أحدهما مقطوع بامتناعه والآخر ليس كذلك .
وأما جواب الشرط غير الامتناعي فليس ممتنع الوقوع إذا لم يكن ممتنع الوقوع فجواب القسم مساوٍ له في احتمال الوقوع وعدمه فلذلك جاز أن يقدر مدلولاً عليه بجواب الشرط لأن المتساويين يجوز دلالة كل منهما على الآخر . انتهى كلامه .
والبيتان من رجزٍ أوردهما صاحب الصحاح في مادة كمر قال : الكمر : جمع كمرة والمكمور : الرجل الذي أصاب الخاتن طرف كمرته . والكمري : العظيم الكمرة . وكامرته فكمرته أكمره إذا )
غلبته بعظم الكمرة . وأنشدهما .

____________________

ولم يتكلم ابن بري ولا الصفدي في حاشيتهما عليه هنا بشيء . وأوردهما ابن قتيبة في باب ما أبدل من القوافي من أدب الكاتب كذا : ( والله لولا شيخنا عباد ** لكمرونا عندها أو كادوا ) ( فرشط لما كره الفرشاط ** بفيشةٍ كأنها ملطاط ) قال ابن السيد في شرح أبياته : معنى كمرونا غلبونا بعظم كمرهم . والكمر : جمع كمرة وهي رأس الذكر . والفرشطة والفرشاط : فتح الفخذين . والملطاط : شفير الوادي والنهر .
وقال ابن دريد : الملطاط أشد انخفاضاً من الوادي وأوسع منه . وقال غيره : الملطاط عظم ناتئ من رأس البعير . وصف قوماً تفاخروا بعظم كمرهم فكاد المفاخرون لهم يغلبونهم حتى أخرج شيخهم عباد كمرته فغلبهم . انتهى كلامه .
وزاد الجواليقي في شرحه بيتين بعد البيتين الأولين وهما : الرجز ( يحمل حوقاء لها أحياد ** لها رئاتٌ ولها أكباد ) وقال في شرحه : كمرونا : غلبونا بعظم الكمرة والكمرة : رأس الذكر من الإنسان خاصة وزعم قوم أنه لكل ذكر من الحيوان . وحوقاء : عظيمة الحوق . والحوق بضم المهملة حرف الكمرة وهو إطارها .
والأحياد : جمع حيد بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وهو الحرف الناتئ من الشيء نحو حيود القرن وحيد الجبل : نادر يندر منه . ولها رئات : جمع رئة . وأكباد : جمع كبد . وليس ثم رئة ولا كبد وأنما أراد عظمها .
وقوله : فرشط الفرشطة : أن يلصق الرجل أليته بالأرض ويتوسط ساقيه . والملطاط قال ابن دريد : ملطاط الرأس : جملته . والفيشة بفتح الفاء : الذكر .
وعباد هذا رجل من إيادٍ له حديث . وذلك أن حيين كانا قد جعلا بينهما خطراً
____________________

في المكامرة فغلب الحي الذي فيه عباد . انتهى .
وكابن قتيبة أورده عبد اللطيف البغدادي في شرح نقد الشعر لقدامة قال قدامة : ومن عيوبه الإكفاء وهو اختلاف حروف الروي فيكون دالاً وذالاً وسيناً وشيناً ونحو ذلك من الحروف المتقاربة . )
قال عبد اللطيف البغدادي : اختلاف حروف الروي في قصيدة هو الإكفاء من قولك : كفأت الإناء إذا قلبته . ويقال أيضاً أكفأت الشيء إذا أملته .
فلما اختلف حرف الروي عن وجهه الذي يجب له قيل لذلك : إكفاء . وأكثر ما يكون هذا في الحروف المتقاربة . وهذا في النثر المسجوع ليس بعيب . وأما في النظم فأكثر ما يرتكبه الأعراب دون الفحول والمشاهير ولهذا لا أجيزه لشعراء زماننا كما أجيز لهم العيوب الباقية اللهم إلا في الأرجاز الحربية التي تقال بديهاً فإنها تحتمل ما لا يحتمل الشعر الكائن عن روية وتمهل .
فإن قيل : فهل العرب تعرف حروف المعجم حتى تلزم بها قيل : إنها وإن لم تعرفها بأسمائها فإنها تعرفها بأجراسها وتميز بينها بأصدائها . ولهذا يلتزم الشاعر منهم حروف الروي فلا يخالفه إلا في الأقل وإلى ما يقرب منه . ولهذا قال قائلهم : ( لو قد حداهن أبو الجودي ** برجز مسحنفر الروي ) مستويات كنوى البرني ولا يبعد أن يشعر الواحد منهم بمخارج الحروف ومدارجها بل هو الغالب من حالهم لكن لا يتقنون تمييزه . وقد أنشدوا : وقافية بين الثنية والضرس زعم المفسرون أنه أراد الشين أخت الضاد . والحكاية المشهورة عن رجلٍ منهم
____________________

أنه قامر على أن يشرب علبة لبن ولا يتنحنح فلما كده الأمر قال : كبش أملح : قيل له : ما هذا تنحنحت قال : من تنحنح فلا أفلح . مع أنه قد ورد عن بعضهم تسمية بعض الحروف قال : الطويل كما كتبت كافٌ تلوح وميمها قلت لها قفي فقالت قاف فإن قيل : فلم أجزت الإكفاء للعرب وحظرته على أهل زماننا فنقول : العرب مطبوعون غير متعلمين وجفاة لايعرفون الكتاب بل يقولون بالسليقة .
وأما المحدثون فأهل كتابة وتعلم وتعمل وإن كان العرب أيضاً غير خالين من تعلم وتعمل وكتابة . ولهذا قلما يقع الإكفاء وغيره من العيوب إلا من الأعراب الأقحاح البعداء عن التعليم والتخريج .
ولهذا قال بعض العلماء : اختلاف حروف الروي هو الإكفاء وهو غلط من العرب ولا يجوز )
لغيرهم لأن الغلط لا يجعل أصلاً في العربية يقاس عليه وإنما يغلطون فيه إذا تقاربت الحروف .
وأنشد : الرجز ( إن يأتني لصٌ فإني لص ** أطلس مثل الذئب إذ يعس
____________________

) سوقي حداي وصفيري النس وأنشد الأخفش : الرجز ( إذانزلت فاجعلاني وسطاً ** إني كبيرٌ لا أطيق العندا ) وأنشد غيره : الرجز وقال : الرجز ( والله لولا شيخنا عباد ** لكمرونا عندها أو كادوا ) ( فرشط لما كره الفرشاط ** بفيشةٍ كأنها ملطاط ) والملطاط : رحى البزر .
وأنشد ابن الأعرابي : الرجز ( أزهر لم يولد بنجم الشح ** ميمم البيت كريم السنخ ) وما كان من هذا التغيير في موضع التصريع فقد يمكن أن لا يكون عيباً وأن
____________________

يكون الشاعر لم يقصد التصريع لكن أتى بما يشبه التصريع فتوهم عليه العيب . فأما ما أنشده ابن قتيبة من قول الشاعر : الرجز ( حشورة الجنبين معطاء القفا ** لا تدع الدمن إذا الدمن طفا ) إلا بجرعٍ مثل أثباج القطا فإنه ليس إكفاء كما زعم لأن الروي الألف لا الفاء .
ومن الإكفاء ما أنشدنا بعضهم : الرجز ( بنيّ إن البرّ شيءٌ هين ** المنطق اللين والطعيم ) (
____________________

قبحت من سالفةٍ ومن صدغ ** كأنها كشية ضبٍّ في صقع ) الصقع : شبه مخلاة .
وفي الحديث أن سعداً قال : رأيت علياً كرم الله وجهه يوم بدر وهو يقول : الرجز ( بازل عامين حديثٌ سني ** سنحنح الليل كأني جني ) )
لمثل هذا ولدتني أمي فأما قول أبي جهل : الرجز ( ما تنقم الحرب العوان مني ** بازل عامين حديثٌ سني ) لمثل هذا ولدتني أمي وقد روينا نحوه عن علي كرم الله وجهه ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن يكون إكفاءً وما قبل الياء هو الروي .
والثاني : أن يكون أراد أن يطلق بالألف فيقول : منياً وسنياً فحذف .
والثالث : أن تكون الياء حرف الروي ويكون مقيداً . وهذا هو الأفصح .
انتهى .
وهذه جملة منقحة كافية في الإكفاء .
أما قوله : إذا نزلت . . . الخ فقد قال ابن السيد العند بفتحتين : الجانب ورواه ابن دريد : العند جمع عاند وهو المائل المنحرف .

____________________

وزاد بعده : ولا أطيق البكرات الشردا وأما قوله : كأن أصوات القطا . . . الخ فقد قال أيضاً : قال أبو علي البغدادي : رويته عن ابن قتيبة المنغص بالغين المعجمة والصاد المهملة وهو من الغصص ومعناه المختنق .
ورويته عن غير ابن قتيبة المنقضّ بالضاد المعجمة والقاف وهو الصواب . شبه صوت انقضاض القطاة إذا انقضت بأصوات الحصا إذا قرع بعضها بعضاً . والمنقزّ : المتواثب : يقال قزّ وانقزّ إذا وثب .
وأما قوله : أزهر لم يولد بنجم . . . إلخ فقد قال أيضاً الميمم : المقصود لكرمه . و السنخ بالخاء المعجمة والجيم : الأصل . وقد روى السنح بالحاء المهملة .
وأما قوله حشورة الجنبين . . . إلخ فقد قال أيضاً : الحشورة : العظيمة . والمعطاء : التي تساقط شعرها .
والدمن بالكسر : الزبل . والأثباج الأوساط . يصف ناقة قد اشتد عطشها فهي تشرب الماء وأما قوله : قبّحت من سالفةٍ . . . إلخ فقد قال أيضاً : هذا الرجز لجوّاس ابن هريم . )
هجا امرأة وشبه سالفتها وصدغها في اصفرارهما بكشية ضب في صقع من الأرض . وأراد أن يقول : من سالفتين وصدغين فلم تمكنه التثنية فوضع الواحد موضوع الاثنين اكتفاءً بفهم السامع .

____________________

وقوله : كأنها كشية إنما أفرد الضمير ولم يقل كأنهما لأنه أراد سالفتيها وصدغيها وهي أربع فحمله على المعنى . انتهى .
ونقلنا شرح هذه الأبيات تكميلاً للفائدة .
والبيت الشاهد لم أقف على قائله والله أعلم به .
وأنشد بعده ( الشاهد الثالث والثلاثون بعد التسعمائة ) البسيط على أنه يجوز بقلة في الشعر أن يكون الجواب للشرط مع تأخره عن القسم فإن لام لئن موطئة للقسم وقوله : لا تلفنا جواب الشرط دون القسم بدليل الجزم .
وقد خلا عن ذكر هذه الضرورة كتاب الضرائر لابن عصفور .
وأجاب ابن هشام في المغني أن اللام زائدة ولم يخصه بالضرورة قال : وليست اللام موطئة في قوله : الطويل ( لئن كانت الدنيا علي كما أرى ** تباريح من ليلى فللموت أروح ) وقوله : الطويل (
____________________

لئن كان ما حدثته اليوم صادقاً ** أصم في نهار القيظ للشمس باديا ) وقوله : البسيط ( ألمم بزينب إن البين قد أفدا ** قل الثواء لئن كان الرحيل غدا ) بل هي في ذلك كله زائدة .
أما الأولان فلأن الشرط قد أجيب بالجملة المقرونة بالفاء في البيت الأول وبالفعل المجزوم في البيت الثاني فلو كانت اللام للتوطئة لم يجب إلا القسم . هذا هو الصحيح . وخالف في ذلك )
الفراء فزعم أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه .
وأما الثالث فلأن الجواب قد حذف مدلولا عليه بما قبل إن فلو كان ثم قسم مقدر لزم الإجحاف بحذف جوابين . انتهى .
والجواب الجيد ما قاله الشارح من أن هذا ضرورة فإن جوابه لا يتأتى في قوله : حلفت له إن تدلج الليل لا يزل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت الآتي وقد نقلوا عن الفراء جوازه في الكلام أيضاً . ورأيت كلامه مضطرباً في هذه المسألة فتارة أجاز بمرجوحية كما نقلوا وتارة جزم بأن ما ورد منه في الشعر ضرورة .
أما الأول فقد قاله في تفسير قوله تعالى : ولقد علموا لمن اشتراه من سورة البقرة وهذا نصه : صيروا جواب الجزاء بما يلقى به اليمين إما بلام وإما بلا وإما بإن وإما بما فتقول في ما : لئن أتيتني ما ذلك لك بضائع . وفي إن : لئن أتيتني إن ذلك لمشكور .

____________________

وفي لا : لئن أخرجوا لايخرجون معهم . وفي اللام : ولئن نصروهم ليولن الأدبار . وإنما صيروا جواب الجزاء كجواب اليمين الأن اللام التي دخلت في : ولقد علموا لمن اشتراه وفي : لما آتيتكم من كتاب وفي : لئن أخرجوا إنما هي لام اليمين كان موضعها في آخر الكلام فلما صارت في أوله صارت كاليمين فلقيت بما يلقى به اليمين .
وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك وجزمته فقلت : لئن تقم لا يقم إليك . ( لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ** ليعلم ربي أن بيتي واسع ) وأنشدني بعض بني عقيل : الطويل ( لئن كان ما حدثته اليوم صادقاً ** أصم في نهار القيظ للشمس باديا ) ( وأركب حماراً بين سرجٍ وفروةٍ ** وأعر من الخاتام صغرى شماليا ) فألغى جواب اليمين من الفعل وكان الوجه في الكلام أن يقول : لئن كان كذا لآتينك وتوهم إلغاء اللام كما قال الآخر : الطويل ( فلا يدعني قومي صريحاً لحرةٍ ** لئن كنت مقتولاً وتسلم عامر ) فاللام في لئن ملغاة ولكنها كثرت في الكلام حتى صارت كأنها إن .

____________________

ألا ترى أن الشاعر قد قال : الرمل ( فلئن قومٌ أصابوا غرةً ** وأصبنا من زمانٍ رققا ) ) ( للقد كانوا لدى أزماننا ** لصنيعين : لبأسٍ وتقى ) فأدخل على لقد لاماً أخرى لكثرة ما تلزم العرب اللام في لقد حتى صارت كأنها منها .
وأنشد بعض بني أسد : الوافر ( فلا والله لا يلفى لما بي ** ولا للما بهم أبداً دواء ) ( كما ما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه ** ضعيف الكلام شخصه متضائل ) قال : كما ثم زاد معها ما أخرى لكثرة كما في الكلام فصارت كأنها منها .
وقال الأعشى : البسيط لئن منيت بنا عن غب معركةٍ البيت فجزم لا تلفنا والوجه الرفع كما قال تعالى : لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولكنه لما جاء بعد حرف ينوى به الجزم صير مجزوماً جواباً للمجزوم وهو في معنى رفع .
وأنشدني القاسم بن معن عن العرب : الطويل ( حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ** أمامك بيتٌ من بيوتي سائر ) والمعنى : حلفت له لا يزال بيت فلما جاء بعد المجزوم صير جواباً للجزم .

____________________

ومثله في العربية : آتيتك كي إن تحدث بحديث أسمعه منك فلما جاء بعد الجزم جزم . انتهى نصه بحروفه .
وأما كلامه الثاني فقد قاله عند تفسير قوله تعالى : لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله من سورة الإسراء قال : لا يأتون جواب لقوله : لئن والعرب إذا أجابت : لئن بلا جعلوا ما بعد لا رفعاً لأن لئن كاليمين وجواب اليمين بلا مرفوع .
وربما جزم الشاعر لأن لئن إن التي يجازى بها زيدت عليها لام فوجه الفعل فيها إلى فعل ولو أتى بيفعل لجاز جزمه . وقد جزم بعض الشعراء ب لئن وبعضهم بلا التي هي جوابها .
قال الأعشى : ( لئن منيت عن غب معركةٍ ** لاتلفنا عن دماء القوم ننتقل ) وتلقنا بالقاف أيضاً . وأنشدتني عقيلية فصيحة : لئن كان ما حدثته اليوم صادقاً البيتين وأنشدني الكسائي للكميت بن معروف : ) ( لئن تك قد ضاقت عليكم بلادكم ** ليعلم ربي أن بيتي واسع ) انتهى كلامه ووافقه ابن مالك في التسهيل : وقد يغني جواب الأداة مسبوقة بالقسم . يعني إن لم يتقدم مبتدأ أو أخر القسم عن الشرط وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط وإن أخر الشرط استغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره .
ومن شواهد ذلك عنده قول الفرزدق : الطويل (
____________________

لئن بل لي أرضي بلالٌ بدفعةٍ ** من الغيث في يمنى يديه انسكابها ) مع أبيات أخر .
قال ناظر الجيش :
____________________

وهذه الأبيات أدلة ظاهرة على المدعى غير أن المصنف لم ينسب هذا المذهب لبصري ولا كوفي جرياً منه على طريقتة المألوفة وهي أنه إذا قام الدليل عنده على شيء اتبعه ثم إنه قد ينبه على خلاف في ذلك إن كان وقد لا يتعرض إلى ذلك .
والجماعة يذكرون أن هذا القول إنما هو قول الفراء . فال ابن عصفور : ولا يجوز جعل الفعل جواباً للشرط إذا توسط بينه وبين القسم .
فأما قول الأعشى : لئن منيت بنا البيت وقوله : لئن كان ما حدثته البيت فاللام في لئن ينبغي أن تكون زائدة كالتي في قوله : أمسى لمجهودا ومن ثم قال أبو حيان : وهذا الذي أجازه ابن مالك هو مذهب الفراء وقد منعه أصحابنا والجمهور . ثم نقل كلام ابن عصفور .
وأقول : إن ابن عصفور لم يذكر دليلاً على امتناع ما ذكره المصنف بل عمد إلى الأدلة على هذا الحكم فأخرجها عن ظاهرها بغير موجب وحكم بزيادة اللام مع إمكان القول بعدم الزيادة .
وبعد فلا يخفى على الناظر وجه الصواب . فالوقوف مع ما ورد عن العرب حيث لا مانع يمنع من الحمل على ظاهر ما ورد عنهم . انتهى كلام ناظر الجيش . )
والبيت من قصيدة مشهورة للأعشى تقدم شرح أبيات منها قي الشاهد التاسع والثلاثين بعد الستمائة .
وقبله . ( إني لعمر الذي حطت مناسمها ** تخذي وسيق إليه الباقر الغيل ) ( لئن قتلتم عميداً لم يكن صدداً ** لنقتلن مثله منكم فنمتثل ) وإن منيت بنا عن غب معركةٍ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت يخاطب بها يزيد بن مسهر الشيباني وكان حرض بني سيار أن يقتلوا سيداً من رهط الأعشى على ما تقدم سببه هناك .
وقوله : حطت مناسمها الحط بمهملتين : الاعتماد . و المنسم كمجلس : طرف خف البعير والضمير المؤنث ضمير الإبل وإن لم يجر لها ذكر لأن المناسم خاصة بها تدل عليها . والعائد إلى وتخدي بالخاء المعجمة والدال المهملة : تسير سيراً شديداً فيه اضطراب لشدتة . وروي : له بدل تخدي فالعائد مذكور . و الباقر : اسم جمع للبقر . و الغيل بضم الغين المعجمة والمثناة التحتية : جمع غيل بفتح فسكون بمعنى الكثير . يقول : أقسم بالله الذي تسرع الإبل إلى بيته ويساق إليه الهدي .
وقوله : لئن قتلتم . . . . . . . . . . إلخ اللام موطئة آذنت أن الجواب الآتي وهو قوله لنقتلن جواب القسم لا جواب الشرط . و العميد : الكبير الذي يعمد في الأمور الشديدة ويقصد .
والصدد بفتحتين : المقارب .
وقوله : فنمتثل أي : نقتل الأمثل وهو الأفضل . يعني : والله لئن قتلتم
____________________

منا دون السيد لنقتل أعظمكم .
وتقدم شرحهما بأكثر من هذا مع أبيات أخر في الشاهد السادس والسبعين بعد السبعمائة .
وقوله : وإن منيت هكذا جاءت الراوية بالعطف على قوله : قتلتم والمشهور في كتب النحويين : لئن منيت باللام الموطئة . والأمر سهل .
ومنيت بالخطاب والبناء للمفعول من مني له أي : قدر . ومني يمني كرمي يرمي بمعنى قدر والاسم بالفتح و القصر . ( لا تأمن الموت في حلٍّ ولا حرمٍ ** إن المنايا توافي كل إنسان ) ) ( واسلك طريقك تمشي غير محتشمٍ ** حتى تبين ما يمني لك الماني ) ( فكل ذي صاحبٍ يوماً يفارقه ** وكل زادٍ وإن أبقيته فاني ) ( والخير والشر مقرونان في قرنٍ ** بكل ذلك يأتيك الجديدان ) روى السيد المرتضي في أماليه أن مسلماً الخزاعي ثم المصطلقي قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنشده منشد هذه الأبيات لسويد فقال صلى الله عليه وسلم : لو أدركته لأسلم .
والتاء نائب الفاعل بتقدير المضاف والأصل مني اجتماعك بنا فالباء من بنا
____________________

متعلقة بهذا المضاف فلما حذف صار الضمير المجرور ضمير رفع .
وقوله : عن غب معركةٍ عن : هنا بمعنى بعد متعلقة بقوله منيت .
وبه استشهد ابن الناظم في شرح الألفية . والغب بالكسر والمغبة بالفتح : العاقبة وروى أيضاً : عن جد معركة بكسر الجيم بمعنى الشدة و المجاهدة فيها . و المعركة : موضع الحرب يقال : عركت القوم في الحرب عركاً أي : أوقعتهم في الشدة . وعراك معاركةً و عراكاً : أي قاتل . وأصل العرك الدلك والفرك ومن لازمه التليين و التذليل .
وقوله : لاتلفنا لا : نافية وتلفنا : مجزوم بإن بحذف الياء على أنه جزاء الشرط . وألفى كوجد معنىً وعملاً فتتعدى إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كقوله : البسيط ( قد جربوه فألقوه المغيث إذا ** ما الروع عم فلا يلوي على أحد ) كذا قال ابن مالك . فالمفعول الأول لألفى في البيت ضمير المتكلم مع الغير وجملة ننتفل : هي المفعول الثاني .
وذهب ابن عصفور إلى أنها تتعدى إلى مفعول واحد وأن المنصوب الثاني حال واستدل بالتزام تنكيره . ورد بوروده معرفةً كما في البيت ودعوى زيادة اللام ضعيفة . وعن دماء متعلقة بقوله ننتفل بالفاء .
قال صاحب الصحاح : وانتفل من الشيء أي : انتفى منه وتنصل كأنه إبدال منه . وأنشد البيت .
قال شارح جمهرة الأشعار : يقال : انتفل وانتفى بمعنىً واحد كما قال : الطويل (
____________________

أمنتفلاً عن نصر بهثة خلتني ** إلا إنني منهم وإن كنت أينما ) )
وقيل : ننتفل : نجحد والمعنى : إن قدر أن تلقانا بعد المعركة لم ننتف من قتلنا قومك ولم نجحد . انتهى .
وقال العيني : قوله : لئن منيت بنا من مني بأمر كذا إذا ابتلي به من مني يمنى من باب فتح يفتح ومنا يمنو من باب نصر ينصر .
وأما مني يمني إذا أنزل المني فمصدره منياً على وزن فعل بفتح الفاء وسكون العين وبابه من باب ضرب يضرب . ومنى أيضاً بمعنى قدر ومنه المنية وهو الموت لأنه مقدر على الخلق كلهم . ومنيت على صيغة المجهول وبنا جار ومجرور مفعول ناب عن الفاعل .
وقوله : لاتلفنا جملة مجزومة لأنها جواب الشرط وننتفل : جملة وفعت حالاً من الضمير المنصوب في لا تلفنا . هذا خلاصة كلامه فيهذا الباب فتأمله ترى العجب العجاب .
وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث و العشرين من أوائل الكتاب . (
____________________

لئن كان ما حدثته اليرم صادقاً ** أصم في نهار القيظ للشمس باديا ) على أنه جاء أصم جواباً مجزوماً لإن الشرطية بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة وهو قليل في الشعر كالبيت الذي قبله .
وهذه اللام تدخل على أداة شرط حرفاً كانت أم اسماً كما قال الشارح المحقق تؤذن بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على شرط ومن ثم تسمى اللام المؤذنة وتسمى الموطئة أيضاً لأنها وطأت الجواب للقسم أي : مهدته له سواء كان القسم قبلها مذكوراً كقوله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها أم غير مذكور كقوله تعالى : لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولءن نصروهم ليولن الأدبار .
وقد يكتفى بنيتها عن لفظها كقوله تعالى : وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين والأصل : ولئن لم تغفر لنا .
ولولا نيتها لقيل : وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين كما قيل : وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين وكذا قوله تعالى : وإن أطعمتموهم إنكم لمشركون .
وقول بعضهم : ليس هنا قسم مقدر وإنما الجملة الاسمية جواب الشرط على أضمار الفاء فقد قال الشارح وغيره : مردود لأن حذفها خاص بالشعر . قال سيبويه : ولا بد من هذه اللام مظهرةً أو مضمرة . يعني اللام التي تقارن أداة الشرط . )
وقال ابن مالك في شرح التسهيل : وأكثر ما تكون اللام مع إن . ومن مقارنتها غير إن من أخواتها قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جاء رسولٌ مصدقٌ لما معكم اتؤمنن به ولتنصرنه .

____________________

ومثله قال القطامي : الكامل ( ولما رزقت ليأتينك سيبه ** جلباً وليس إليك ما لم ترزق ) ( لمتى صلحت ليقضين لك صالحٌ ** ولتجرين إذا جزيت جميلاً ) اه .
وكذا في المغني لابن هشام لكنه قال : وعلى هذا فالأحسن في قوله تعالى : لما آتيتكم من كتابٍ و حكمةٍ إن لا تكون موطئة وما شرطية بل للابتداء وما موصلة لأنه حمل على الأكثر .
قال ابن جني في سر الصناعة : وقد شبه بعضهم إذ ترد للتعليل وإن شرط وهما متقاربان .
قال ابن هشام : وأغرب ما دخلت عليه اللام إذ وهو نظير دخول الفاء في : فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . شبهت إذ بأن
____________________

فدخلت الفاء بعدها كما تدخل في جواب الشرط . انتهى .
قال ابن مالك : ولا بد من هذه اللام مظهرةً أو مضمرة . وقد يستغني بعد لئن عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة . فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة : البسيط ( ألمم بزينب إن البين قد أفدا ** قل الثواء لئن كان الرحيل غدا ) ومثله : الطويل ( فلا يدعني قومٌ صريحاً لحرةٍ ** لئن قلت مقتولاً ويسلم عامر ) انتهى .
وقال ابن عصفور : وهذه اللام الداخلة على أداة الشرط عند البصريين زائدة للتأكيد وموطئة لدخول اللام على الجواب ودالة على القسم إذا حذف . انتهى .
ومثله لابن جني في سر الصناعة قال : واللام في لئن إنما هي زائدة مؤكدة يدلك على أنها زائدة وأن اللام الثانية هي التي تلقت القسم جواز سقوطها في نحو قول الشاعر : الطويل ( فأقسمت أني لا أحل بصهوةٍ ** حرامٌ على رمله وشقائقه ) ( فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم ** لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه
____________________

) )
ولم يقل : فلئن . ويدلك أيضاً على أنك إذا قلت : والله لئن قمت لأقومن أن اعتماد القسم على اللام في لأقومن وأن اللام في لئن زائدة منها بدٌ قول كثير : الطويل ( لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ** وأمكنني منها إذن لا أقيلها ) فرفعه أقيلها يدل على أن اعتماد القسم عليه ولو أن اللام في لئن عاد لي هي جواب القسم لا نجزم لا أقيلها كما تقول : إن تقم إذن لا أقم . انتهى كلامه .
وهذا البيت ما بعده : الطويل ( وأركب حماراً بين سرجٍ وفروةٍ ** وأعر من الخاتام صغرى شماليا ) كذا أنشدهما الفراء وقال : أنشدنيهما بعض عقيل فصيحة ولم يصرح بقائلهما .
وقوله : لئن كان ما . . . إلخ اللام زائدة و ما : عبارة عن الكلام و حدثته : بالبناء للمفعول والتاء للخطاب : نائب الفاعل والهاء ضمير ما . وقد طغى قلم العيني هنا فقال : حدثته على صيغة المجهول والضمير المستتر فيه نائب عن الفاعل . انتهى . و اليوم : ظرف عامله حدثته وصادقاً : خبر كان من الهاء . وفيه إسناد مجازي لأن المتصف بالصدق حقيقة قائل الكلام لا الكلام . و أصم : جواب
____________________

الشرط وفي متعلقة به . و القيظ : شدة الحر والفصل الذي يقول له الناس الصيف . و للشمس متعلق ببادياً . و البادي : البارز . وروي بدله : ضاحياً . بمعناه . وبادياً : حال من فاعل أصم .
وقوله : أركب بالجزم معطوف على أصم . والفروة معروفة . وركوب الحمار بين السرج والفروة هيئة من يندد به ويفضح بين الناس . وقوله : وأعر : مجزوم بحذف الياء للعطف على أصم أيضاً وهو بضم الهمزة وكسر الراء مضارع أعراه إعراء أي : جعله عارياً . و الخاتام : كالخيتام لغة في الخاتم بفتح التاء وكسرها . وأراد بصغرى شماله خنصرها فإن الخاتم يكون زينة للشمال فإن اليمين لها فضيلة اليمن فجعل الخاتم في الشمال للتعادل .
يقول : إن كان ما نقلٍ يعني لك من الحديث صحيحاً جعلني الله صائماً في تلك الصفة وأركبني حماراً للخزي والفضيحة والنكال وجعل حنصر شمالي عارية من حسنها وزينتها هذا ما ظهر لي فيه . والله أعلم .
وعقيل بالتصغير : أبو قبيلة وهو عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة .
وأنشد بعده ) ( الشاهد الخامس والثلاثون بعد التسعمائة ) الطويل ( حلفت له إن تدلج الليل لا يزل ** أمامك بيتٌ من بيوتي سائر ) على أنه جزم لا يزل في ضرورة الشعر بجعله جواب الشرط وكان القياس
____________________

أن يرفع ويجعل جواباً للقسم لكنه جزم للضرورة فيكون جواب القسم محذوفاً مدلولاً عليه بجواب الشرط .
وقال ابن عصفور : وليس حلفت فيه قسماً كما ذهب إليه الفراء بل هو خبر محض غير مراد به معنى القسم لأن القسم إذا تقدم على الشرط بني الجواب عليه ولم يبن على الشرط . انتهى .
ولا يخفى تعسفه والصواب ما ذهب إليه الشارح المحقق .
قال الفراء : أنشدني هذا البيت القاسم بن معن عن العرب والمعنى : حلفت له لا يزال أمامك بيت . فلما جاء بعد المجزوم صير جواباً للجزم . و تدلج : مضارع أدلج إدلاجاً ومعناه سار الليل كله فإن سار من آخر الليل فقد أدلج بتشديد الدال . و الليل : ظرف له . و يزل : مضارع زال يزال من أخوات كان . و أمامك بالفتح بمعنى قدامك خبرها مقدم . و بيت : اسمها مؤخر . ومن بيوتي : صفة له . وكذا سائر . وأراد بالبيت جماعةً من أقاربه وهذا مشهور . يقول : إن سافرت في الليل أرسلت جماعةً من أهلي يسيرون أمامك يخفرونك ويحرسونك إلى أن تصل إلى مأمنك .
وهذا البيت لم أقف على قائله ولا تتمته . والله أعلم به .
وأنشد بعده : الرجز
____________________

إنك إن يصرع أخوك تصرع وتقدم شرحه في الشاهد الثاني والتسعين بعد الستمائة وفي الشاهد الحادي والثمانين بعد الخمسمائة . فراجعه .
وأنشد بعده : لئن منيت بنا عن غب معركةٍ وتقدم شرحه قريباً . ( الشاهد السادس والثلاثون بعد التسعمائة ) الطويل ( فإن يك من جنٍ لأبرح طارقاً ** وإن يك إنساً ما كها الإنس تفعل ) على أن أداة الشرط إذا لم يكن لها جواب في الظاهر يجب أن يكون شرطها ماضياً لفظاً ومعنىً نحو : أكرمك إن أتيتني ومعنىً فقط نحو : أكرمك إن لم تقطعني .
وقد يجيء في الشعر مستقبلاً . قال سيبويه : وقد يجوز في الشعر آتي من يأتني .
____________________

وتقدم نقله في الشاهد الرابع والتسعين بعد الستمائة .
وكذا شرط إن في هذا البيت جاء مستقبلاً مع أنه لا جزاء لها في الظاهر . وهو خاص بالشعر .
وقد خلا كتاب الضرائر لابن عصفور من ذكر هذه الضرورة .
وبيان أن إن لا جواب لها هنا : أن قوله : لأبرح جواب قسم مقدر واللام الموطئة محذوفة أي : والله فلئن يك من جنٍ لأبرح . وهذا دليل جواب الشرط المحذوف والتقدير : فإن يك من جنٍ فقد أبرح .
ولا يجوز أن يكون لأبرح جواب الشرط لاقترانه باللام التي يجاب بها القسم فإن إن لا تأتي في جوابها اللام وأبرح وإن كان ماضياً إلا أنه في معنى المستقبل لأنه دليل جواب الشرط كما قاله الشارح المحقق بعد هذه الأبيات .
والماضي المتصرف إذا وقع جواب قسم فالأكثر أن يقترن باللام مع قد نحو قوله تعالى : تالله لقد آثرك الله علينا أو ربما كقول الشاعر : الطويل ( لئن نزحت دارٌ لسلمى لربما ** غنينا بخيرٍ والديار جميع ) أو بما مرادفة ربما كقول آخر : الخفيف ( فلئن بان أهله ** لبما كان يؤهل ) وقد يستغني باللام الماضي المتصرف في النظم والنثر قال تعالى : ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلوا من بعده يكفرون .
وفي الحديث عن امرأةٍ من غفار أنها قالت : والله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح فأناخ .
____________________

)
وفي حديث سعيد بن زيد : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أخذ شبراً من الأرض ظلماً الحديث .
وإن وجدت استطالة قسم جاز إفراد الفعل كقوله تعالى : والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهدٍ ومشهودٍ قتل أصحاب الأخدود وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده وددت أن اقاتل في سبيل الله فأقتل الحديث . وإن توجد استطالة والفعل غير متصرف وجب الاقتران باللام مفردة كقوله : المتقارب لعمري لنعم الفتى مالكٌ كذا في شرح التسهيل لابن مالك .
وهذا البيت من لامية العرب للشنفرى . وقبله : ( وليلة نحسٍ يصطلي القوس ربها ** وأقطعه اللاتي بها يتنبل ) ( دعست على غطشٍ وبغشٍ وصحبتي ** سعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ وأفكل ) ( فأيمت نسواناً وأيتمت إلدةً ** وعدت كما أبدأت والليل أليل ) ( وأصبح عني بالغميصاء جالساً ** فريقان : مسؤولٌ وآخر يسأل
____________________

) ( فقالوا : لقد هرت بليلٍ كلابنا ** فقلنا : أذئبٌ عس أم عس فرعل ) ( فلم يك إلا نبأةٌ ثم هومت ** فقلنا : قطاةٌ ريع أم ريع أجدل ) فإن يك من جنٍ لأبرح طارقاً . . . . . . . . . . . . . . . . . البيت قوله : وليلة نحس الواو واو رب وأراد بالنحس البرد ولهذا يصطلي بالقوس والسهام صاحبها لشدة البرد .
وقوله : دعست . . . إلخ دعست : دفعت دفعاً بإسراع وعجلة وهو جواب رب . والغطش : الظلمة . والبغش : المطر الخفيف . وجملة وصحبتي . . . إلخ حال من التاء .
والسعار بالضم : حرٌ يجده الإنسان في جوفه من شدة الجوع والبرد . وإرزيز بالكسر : صوت أحشائه من الشدة . والوجر بالجيم والراء المهملة : الخوف . والأفكل : الرعدة .
وأيمت نسواناً أي : جعلتهن أيامى بقتل أزواجهن . وأيتمت إلدةً أي : جعلت الأولاد أيتاماً بقتل أبائهم .
وشرح هذه الأبيات الثلاثة تقدم بالاستيفاء في الشاهد الثامن بعد الثمانمائة . )
وقوله : وأصبح عني . . . إلخ الغميصاء بضم الغين المعجمة وفتح الميم وبعد المثناة التحتية صاد مهملة قال أبو عبيد البكري في معجم ما استعجم : موضع في ديار بني جذيمة من بني كنانة . وقال الشراح : موضع بنجد .
وجملة أصبح : معطوفة على عدت . والجالس : اسم فاعل من جلس الرجل إذا أتى الجلس بفتحتين وهو اسم نجد كما يقال : أتهم الرجل إذا أتى تهامة .

____________________

قال الزمخشري في شرحه : أصبح تستعمل ناقصة وتامة والوجهان محتملان . أما كونها تامة فيحتمل أنه أخبر عن الفريقين بأنهما دخلا في الصباح في هذه الحال وفريقان : الفاعل وجالساً حال وبالغميصاء : حال من الضمير في جالس أي : أصبح جالساً وهو في الغميصاء .
والوجه الآخر : أن تكون ناقصة وفريقان اسمها وجالساً خبرها والواجب أن يطابق الخبر الاسم في التثنية والجمع ولكن اكتفى بالواحد عن الاثنين وقد جاء ذلك فمنه قوله : الكامل ( وكأن في العينين حب قرنفلٍ ** أو سنبلاً كحلت به فانهلت ) فأفرد كحلت وهو يريد كحلتا . وكذلك : فانهلت أي : فانهلتا . وأما عني فالعامل فيه فعل محذوف يفسره يسأل تقديره : أصبح يسأل فريقان عني .
والداعي إلى هذا التقدير أن يسأل ومسؤول صفة لفريقان فلو عمل واحد منهما في عني لأعملت الصفة فيما قبلها ولا تعمل فيما قبلها لأنها نازلة منزلة الصلة مع الموصول فكما أن الصلة لا تعمل في الموصول ولا فيما قبله فكذلك الصفة .
ويجوز أن يكون عني صفة لجالس فلما قدم صار حالاً . وبالغميصاء ظرف والعامل فيه جالس أي : جالساً بالغميصاء ولا يعمل فيه ما هو صفة لفريقان لما ذكرنا قبل .
ويجوز ان يكون خبر أصبح أي : أصبح فريقان مستقرين بالغميصاء . فعلى هذا يكون جالساً ويجوز أن يكون حالاً من فريقان لأنه وإن كان نكرةً فقد وصف . ويجوز أن
____________________

يكون جالساً صفة لفريقين وإنما أفرد لما تقدم فلما قدم جالساً نصب على الحال . ومسؤول : خبر مبتدأ محذوف أي : أحدهما مسؤول والآخر يسأل .
وقال شيخنا محب الدين : الجيد أن تقدر المبتدأ هما فريق مسؤول وآخر يسأل . انتهى كلامه .
وقوله : وقالوا لقد هرت . . . إلخ قال الزمخشري هرير الكلب : صوته ونباحه من قلة صبره )
على البرد . وهر الكلب يهر هريراً . والعس : الطوف بالليل . وعس الكلب إذا طاف وطلب ومنه سمي العسس .
والفرعل بضمتي الفاء والعين المهملة : ولد الضبع . والفاء رابطة لما بعدها بما قبلها واللام في لقد جواب قسم محذوف أي : والله لقد . وبليلٍ ظرف لهرت ويجوز جعله حالاً من كلابنا وموضع هذه الجملة نصب بقالوا .
وقوله : أذئب يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : أهو ذئب عسٌ فعس على هذا صفة ذئب أي : عاسٌ .
ويجوز أن يكون مرفوعاً بفعل يفسره عس وعلى هذا لا يكون لعس محل لأنه مفسر . وأم معادلة لهمزة الاستفهام متصلة لأنه يصح أن يقدر بأيهما فيقال : أيهما عسٌ . وقيل منقطعة لأن كل واحدٍ من الاسمين وهما ذئب وفرعل قد اختص بخبر أسند إليه . انتهى .
وقوله : فلم يك إلا نبأة . . . إلخ قال الزمخشري : أصله يكون حذفت حركة النون بالجازم فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ثم حذفت النون لكثرة استعمال هذه الكلمة . ولا يقاس عليها .
وكان هنا تامة لأنها بمعنى الوجدان ونبأة فاعلها . والنبأة : الصوت . والتهويم : النوم وفاعل هومت ضمير الكلاب .
وثم عطفت جملة هومت على جملة لم يك . وريع : أفزع . والروع : الإفزاع . والأجدل : الصقر .
والمعنى : أنه لم يوجد من الأصوات إلا نباة فزال نوم الكلاب كما
____________________

يزول نوم القطاة والأجدل بأدنى حركة أو صوت . والكلام في رفع قطاة وأم كما تقدم . وترك التأنيث في ريعت شاذ كقوله : المتقارب ولا أرض أبقل إبقالها وقيل : إن القطاة طائر والطائر اسم جنس فلم تلحق التاء حملاً على الجنس فكأنه قال : أطائر ريع . انتهى .
وقوله : فإن يك من جن . . . إلخ اسم يك ضمير يعود على الطارق المفهوم من المقام .
ومن جن : خيره . وقال الزمخشري : اسم يك مضمر فيها أي : إن كان المرء . ومن جن خيره أي جنياً .
واللام في لأبرح جواب قسم محذوف أي : والله لأبرح وجوابه أغني عن جواب الشرط . والبرح : )
الشدة . وطارقاً تمييز ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في أبرح وهو الطارق والكاف يجوز أن تكون اسماً فموضعها نصب بتفعل أي : ما تفعل الإنس مثلها . والضمير عائد إلى الفعلة التي وجدت . والإنس : مبتدأ وتفعل : خبره . انتهى .
ودخول الكاف على الضمير ضرورة والضمير لا عائد إلى المفهوم من المقام أي : ما تفعل الإنس مثل هذه الفعلة التي فعلها هذا الطارق .
وقال التبريزي في شرحه : أبرح بمعنى كرم وعظم ويجوز أن يكون حكى عن القوم فيريد أنه كان يأتي بالبرحاء وهي الداهية . وقال فيه بعض اللغيون : أبرح :
____________________

أتى بالبرح وهي الشدة .
انتهى .
وترجمة الشنفري تقدمت في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين مع شرح أبيات من هذه القصيدة .
وأنشد بعده الطويل ( فإن تبتئس بالشنفري أم قسطلٍ ** لما اغتبطت بالشنفري قبل أطول ) لما تقدم قبله .
من أن وقوع المضارع شرطاً ل إن التي لا جواب لها في الظاهر ضرورة والقياس فإن ابتأست فإن جملة : لما اغتبطت . . . إلخ جواب قسم مقدر ولام التوطئة قبل إن مقدرة والتقدير : فوالله لئنن لم تبتئس . وجواب الشرط محذوف وجوباً مدلول عليه بجواب القسم .
وتبتئس : تفتعل من البؤس بالضم وسكون الهمزة ويجوز تخفيفها . يقال : بئس بالكسر إذا نزل به الضر فهو بائس وابتأس : لقي يؤساً وحزناً والباء سببية أي : بسبب فرق الشنفري وهو صاحب هذه القصيدة الشهيرة بلامية العرب . وهذا البيت منها والذي قبله أيضاً .
والشنفري بالقصر قال التبريزي في شرح الحماسة قال أبو العلاء : تكلم بعض الناس في اشتقاق هذا الاسم فزعم قوم أنه يراد به الأسد وقيل : الجمل الكثير الشعر ويجب أن يكون من قولهم : شنفارة إذا كان حاداً .

____________________

وإن كان النون زائداً فيجوز أن يكون من قولهم : أذن شفارية إذا كانت كثيرة الشعر والوبر .
وقالوا : ضبٌ شفاري إذا كان طويلاً ضخماً . وقالوا : شفر الرجل إذا أقل العطية . وشفر )
وقال في شرح القصيدة : قال أبو العباس ثعلب : الشنفري : البعير الضخم وقال : الشنفري : العظيم الشفتين . انتهى .
وتقدمت ترجمته مع شرح أبيات من أولها في الشاهد السادس والعشرين بعد المائتين .
والقسطل : الغبار . وأم قسطل : كنية الحرب سميت به لأنها تثير الغبار وتولده .
واغتبطت فاعله ضمير أم قسطل . واغتبط : مطاوع غبطته من الغبطة يقال : غبطت الرجل أغبطه غبطاً من باب ضرب والاسم الغبطة بالكسر إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له وأن يدوم عليه ما هو فيه .
وحسدته أحسده حسداً إذا اشتهيت أن يكون لك ما له وأن يزول عنه ما هو فيه . فغبطته : تمنيت أن أكون مثله . واغتبط صار مغبوطاً . والباء للسببية وقبل بالبناء على الضم أي : قبل موته وما مصدرية مؤولة مع الفعل بالمبتدأ بتقدير مضاف .
وأطول : خبره والتقدير : لزمن اغتباطها بالشنفري قبل موته أطول من زمن بؤسها بموته .
وقال شراح القصيدة : ما بمعنى الذي وهو مبتدأ وأطول خبره ويجوز أن تكون ما مصدرية فإذا كانت بمعنى الذي كان العائد محذوفاً تقديره : للذي اغتبطت به من الشنفري وبسببه هذا كلامهم ولا يخفي تكلفه .
وقال المعرب : لما اغتبطت جواب قسم محذوف وهذا الجواب أغنى عن جواب الشرط والشرط هنا موطئ للقسم وأكثر ما يأتي باللام وقد جاء بغير لام . قال تعالى : وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا . انمتهى .

____________________

ولم يتعرض أحد منهم لما تعرض له الشارح المحقق .
وأنشد بعده : الطويل ( لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ** ليعلم ربي أن بيتي واسع ) على أن فعل الشرط المحذوفة جوابه قد جاء مضارعاً في ضرورة الشعر والقياس : لئن كانت .
وتقدم شرحه في الشاهد الرابع عشر بعد الثمانمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد الثامن والثلاثون بعد التسعمائة ) البسيط ( إما ترينا حفاةً لا نعال لنا ** إنا كذلك ما نحفى وننتعل ) على أن مجيء الشرط فيه مضارعاً كالأبيات التي قبله ضرورة والقياس إما رأيتنا .
وإما أصله إن الشرطية وما الزائدة ولام التوطئة مقدرة قبل إن وجملة :
____________________

إنا كذلك . . . إلخ جواب القسم المقدر وهو دليل جواب الشرط .
والذي دلنا على أن هذه الجملة جواب القسم عدم اقترانها بالفاء ولا يحسن جعلها جواب الشرط بادعاء حذفها لأن حذفها خاص بالشعر كما يأتي في الشرح قريباً .
ولم يصب التبريزي وشارح جمهرة الأشعار في قولهما : حذف الفاء لعلم السامع والتقدير : فإنا كذلك نحفى وننتعل . انتهى .
وأشار إلى أن ما الثانية زائدة أيضاً .
وروي بدلها : قد نحفى وننتعل وترينا : خطاب لامرأة . وحفاة : جمع حافٍ وهو الذي يمشي بلا نعل . وجملة لا نعال لنا : صفة كاشفة لحفاة قال الشارحان : المعنى إن ترينا نتبذل مرةً وننتعم أخرى فكذلك سبيلنا .
وقيل : المعنى إن ترينا نستغني مرة ونفتقر مرة وقيل : المعنى إن ترينا نميل إلى النساء مرة ونتركهن أخرى . انتهى .
والبيت من قصيدة للأعشى مشهورة قد الحقت بالمعلقات وتقدم شرح أبيات منها . وقبله : قالوا : هذا البيت أخنث بيت قالته العرب . وزائرها : حال من التاء بتقدير زائراً لها . وإنما قالت له كذا لسوء حاله .
وقولها : ويلي عليك لفقرك وويلي منك لعدم استفادتي شيئاً منك .

____________________

ثم اخذ في تبيين سبب سوء حاله بأنه قد أفنى ماله في ملاذ نفسه وشهواتها فقال مجيباً لها بقوله : إما ترينا حفاةً إلخ وهو بتقدير القول أي : فقلت لها : إما ترينا . . . إلخ .
وبعده : ( وقد أخالس رب البيت غفلته ** وقد يحاذر مني ثم ما يئل ) ) ( وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني ** وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل ) ( وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ** شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول ) ( في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا ** أن هالكٌ كل من يحفى وينتعل ) ( نازعتهم قضب الريحان متكئأً ** وقهوةً مزةً راووقها خضل ) ( لا يستفيقون منها وهي راهنةٌ ** إلا بهات وإن علوا وإن نهلوا ) ( يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ ** مقلصٌ أسفل السربال معتمل ) ( ومستجيبٌ تخال الصنج يسمعه ** إذا ترجع فيه القينة الفضل ) ( من كل ذلك يومٌ قد لهوت به ** وفي التجارب طول اللهو والغزل ) قوله : وقد أخالس رب هذا البيت . . . إلخ أسارق ويروى : أراقب
____________________

وغفلته : بالنصب بدل اشتمال من رب البيت . وإنما يراقب غفلته ليلهو بامرأته . وهذا مما يقتضي بذل المال لها حتى توافقه .
وقوله : ما يئل أي : ما ينجو مني ولا يخلص ووأل يئل بمعنى نجا ينجو والموئل موضع النجاة .
وقله : وقد أقود . . . إلخ الصبا : اسم من صبا يصبو صبوة أي : مال إلى الجهل والفتوة . وفيه قلب أي : يقودني الصبا فأتبعه . والشرة بالكسر هي شرة الشباب وهو حرصه ونشاطه .
ويروى بدله : ذو الشارة وهي الهيئة الحسنة . والغزل بكسر الزاي وهو الذي يحب الغزل بفتحتين وهو محادثة النساء وهذا أيضاً مما يوجب بذل الأموال .
وقوله : وقد غدوت . . . إلخ أي : ذهبت غدوة . والحانوت : بيت الخمار . والشاوي : الذي يشوي اللحم . والمشل بكسر الميم وفتح الشين : الخفيف في الحاجة . والشلشل بضم الشينين : المتحرك .
والشول بفتح أوله وكسر ثانيه : الذي يحمل الشيء يقال : شلت به وأشلته . وقيل هو من قولهم : فلان يشول في حاجته أي يعنى بها ويتحرك فيها . ومن رواه : شول بضم ففتح فهو وقوله : في فتية . . . إلخ أي : مع فتية وشبههم بالسيوف في الصرامة والمضاء . وقوله : قد علموا . . . إلخ هذا عذرهم في إتلاف المال في اللذات .
وعدم ادخارهم شيئاً لأنه لا وجه لادخارهم مع علمهم أنه لا ينجو شريف ولا وضيع من الموت ولا غنيٌ ولا فقير وروى بدله : ) ( . . . . . . . . . . . . . . . قد علموا ** أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل ) أي : قد علموا أن ما قدر عليهم فلا بد أن يكون . يريد أن الفتيان قد علموا أن الموت يعم الناس جميعاً فهم يبادرون إلى اللذات قبل حلول الموت فيهم .

____________________

وهذا البيت من شواهد كتاب سيبويه والمفصل وغيره هو تخفيف أن المفتوحة واسمها ضمير الشأن المحذوف .
قال ابن جني في المحتسب عند قراءة الأعرج وغيره : أن لعنة الله و أن غضب الله : من خفف ورفع فأن عنده مخففة واسمها ضمير الشأن محذوف ولم يكن من إضماره بدٌ لأن المفتوحة إذا خففت لم تصر حرف ابتداء إنما تلك إن المكسورة وعليه قول الشاعر : قد علموا أن هالكٌ البيت أي : بأنه هالك كل من يخفى وينتعل . وسبب ذلك أن اتصال المكسورة باسمها وخبرها اتصال العامل بالمعمول فيه واتصال المفتوحة باسمها وخبرها اتصالان : أحدهما : اتصال العامل بالمعمول فيه وألاخر : اتصال الصلة بالموصول .
ألا ترى أن ما بعد المفتوحة صلة فلما قوي مع الفتح اتصال أن بما بعدها لم يكن لها بدٌ من اسم مقدر محذوف تعمل فيه ولما ضعف اتصال المكسورة بما بعدها جاز إذا خففت أن تفارق العمل وتخلص حرف ابتداء انتهى .
وقال السيرافي : وفي كتاب مبرمان : هذا البيت معمول . والبيت : أن ليس يدفع عن ذي الحيلة الحيل قال : والشاهد في كلتا الروايتين واحد لأنه في إضمار الهاء وتقديره أنه هالك وأنه ليس .
قال ابن المستوفي : والذي ذكره السيرافي صحيح ولا شك أن النحويين غيروه ليقع الاسم بعد أن المخففة مرفوعاً وحكمه أن يقع بعد أن المثقلة منصوباً فلما تغير اللفظ تغير الحكم . وقال سيبويه : أن هالك الرفع فيه على إضمار الهاء . انتهى .
وقوله : نازعتهم قضب الريحان . . إلخ نازعتهم : جاذبتهم . وقضب : جمع قضيب يريد : تناولت منهم قضب الريحان عند التحية فإنهم
____________________

يناولون الريحان عند ما يحيي بعضهم بعضاً .
وقال الأصمعي : هذا تمثيل يريد : نازعتهم حسن الأحاديث وطرائفها . والقهوة : الخمر . والمزة وقال أبو عبيدة : الراووق والناجود : ما يخرج من ثقب الدن والمعروف من الكرابيس يروق فيه )
الخمر . والخضل بفتح فكسر : الدائم الندي .
وقوله : لا يستفيقون . . . إلخ أي : شربهم دائم ليس لهم وقت معلوم يشربون فيه . والراهنة بالنون : الدائمة وقيل المعدة . والراهية بالمثناة التحتية : الساكنة .
وقوله : إلا بهات أي بقولهم : هات أي : إذا ابطأ عنهم قالوا : هات . وقوله : إن علوا أي : إن شربوا مرة بعد مرة . والعلل : الشرب الثاني . وقوله : نهلوا أي : شربوا مرة واحدة .
وقوله : يسعى بها أي : بالقهوة والنطف بفتحتين : القرطة والواحدة نطفة وقيل : اللؤلؤ العظام . ومقلص بكسر اللام : مشمر وهو صفة ذو زجاجات .
والسربال : القميص . والمعتمل : الذي يعمل وهو النشيط . وقيل النطف : التبان بلغة أهل اليمن من جلد أحمر .
وقوله : ومستجيب . . . إلخ أي : وعندنا مستجيب وأراد به العود أي : إنه يجيب الصنج فكأن الصنج دعاه فأجابه .
قال أبو عمرو : يعني بالمستجيب العود شبه صوته بصوت الصنج فكأن الصنج دعاه فأجابه .
وروي بالجر فيكون معطوفاً على فتيةٍ قبله بأربعة أبيات . ويسمعه : روي بالبناء للفاعل
____________________

والفضل بضمتين قال أبو عبيدة : هي التي عليها ثوب بلا درع . وقال أبو عمرو : هي التي لبست فضول ثيابها وهي ثياب الخدمة .
وقوله : والساحبات بالرفع والجر كالذي قبله . والرافلات : النساء اللواتي يرفلن بثيابهن أي : يجررنها . والعجل بكسر ففتح : هو جمع عجلة وهي مزادة كالإداوة .
قال أبو عبيدة : شبه أعجازهن لضخمها بالعجل . وقال الأصمعي : أراد أنهن يخدمنه معهن العجل فيهن الخمر .
وقوله : من كل ذلك . . . إلخ خبره مقدم ويوم : مبتدأ مؤخر وقد لهوت به صفته وفي التجارب خبر مقدم : جمع تجربة وطول : مبتدأ والغزل : معطوف عليه بقول : لهوت في تجاربي وغازلت النساء .
وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب .
وأنشده بعده : لئن منيت بنا )
تمامه : ( . . . . . . . . . عن غب معركةٍ ** لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل
____________________

) وأنشد بعده : البسيط من يفعل الحسنات الله يشكرها تمامه : والشر بالشر عند الله مثلان وتقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي والتسعين بعد الستمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد التاسع والثلاثون بعد التسعمائة ) الرجز ( فإن عثرت بعدها إن وألت ** نفسي من هاتا فقولا : لا لعا ) على أنه إن دخل الشرط على شرط بدون فاء كان الجواب للشرط الأول وكان الشرط الأول مع جوابه جواب الشرط الثاني . والتقدير : إن وألت نفسي فإن عثرت بعدها فقولا : لا لعا .
وهذا البيت من مقصورة ابن دريد المشهورة وهو من المولدين فكان الأولى
____________________

الاستشهاد بكلام من يوثق به كقوله : البسيط أي إن تذعروا فإن تستغيثوا بنا تجدوا . . . إلخ وفيه ضرورة وهو وقوع الشرط الثاني المحذوف جوابه مضارعاً والقياس مضيه كما تقدم .
ونقل شراح التسهيل عن ابن مالك أن الشرط الثاني مقيد للأول بمثابة الحال فكأنه قيبل في البيت : إن تستغيثوا بنا مذعورين .
وجعله بعضهم مؤخراً في التقدير فكأنه قال : إن تستغيثوا بنا تجدوا معاقل عزٍ إن تذعروا وما قبله الجواب فهو على هذا مقدم في المعنى .
قال ابن عقيل : والصحيح في مسألة توالي الشروط أن الجواب للأول وجواب الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه وجواب الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه .
فإذا قلت : إن دخلت الدار إن كلمت زيداً إن جاء إليك فأنت حر فقولك : فأنت حر جواب إن دخلت وإن دخلت وجوابه دليل جواب إن كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء . )
والدليل على الجواب جواب في المعنى والجواب متأخر فالشرط الثالث مقدم وكذا الباقي وكأنه قيل : إن جاء فإن كلمت فإن دخلت فأنت حر . فلا يعتق إلا إذا وقعت هكذا : مجيئٌ ثم كلام ثم دخول .
والسماع يشهد لهذا القول قال : إن تستغيثوا بنا البيت . وعليه عمل فصحاء المولدين وقال ابن فإن عثرت بعدها إن وألت البيت
____________________

وقال بعض الفقهاء : الجواب للأخير والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني والشرط الثاني وجوابه جواب الأول وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد كذلك دخولٌ ثم كلام ثم مجيء .
وقال بعضهم : إذا اجتمعت حصل العتق تقدم المتأخر أو لا . وما ذكر محمول على ما إذا كان التوالي بلا عاطف فإن عطف أحد الشرطين على الآخر فإن كان العطف بأو فالجواب لأحدهما من الأول والثاني دون تعيين نحو : إن جئتني أو إن أكرمت زيداً أحسن إليك .
وقالوا : فيما إذا دخلت الفاء على أداة شرط بعد أخرى نحو : إن جئتني فإن أحسنت إلي جئتك : إن الجواب للثاني وما دخلت عليه الفاء من الشرط وجوابه جواب الأول . وهذا فيه إخراج الفاء عن العطف وجعلها لربط جملة الجزاء بالشرط .
وقال ابم مالك في شرح الكافية : إذا اجتمع شرطان بعطفٍ فالجواب لهما كقوله تعالى : وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم .
وهذا على مقتضى ما سبق فيما إذا كان العطف بالواو وإن تكررت أداة الشرط وفيما إذا كان العطف بالفاء وإنما تكرر الشرط بلا أداة في المكرر .
وأما المعطوف بأو فلا يدخل في هذا لماعلم أن ان أو لأحد الشيئين أو الأشياء فليس المقصود مجموع الشرطين بل أحدهما وهذا بخلاف ما نحن فيه فإن المقصود المجموع فالتوالي على الجواب لم يتحقق في العطف بالواو والفاء .
قال ابن عقيل : وثبت في نسخة من التسهيل عليها خطه بعد قوله : وإن توالى شرطان أو قسم وشرط استغني بجواب سابقهما ما نصه : وثاني الشرطين لفظاً أو لهما معنى في نحو : إن تتب إن تذنب ترحم .
وظاهر هذا الكلام يقتضي أنه إنما يرى تقديم المؤخر فيما كان نحو هذا وهو ما يكون فيه )
الأول مترتباً على الثاني وقوعاً عادة فهو موافق للقول الأول الصحيح من
____________________

وجهٍ ومخالفه من وجه .
فالموافقة في اعتقاد التقديم من تأخيره والمخالفة في الإشعار باالتفصيل إذ قضيته أنهما إذا لم يكونا كذلك فكل منهما واقع موقعه نحو : إن جئتني أن أحسنت إلي أكرمتك . وأصحاب القول الأول لا يفرقون بين المرتبة وغيرها فالمتأخر عندهم متقدم مطلقاً . انتهى .
وبيت أبن دريد قبله : ( ما كنت أدري ما الزمان مولعٌ ** بشت ملومٍ وتنكيت قوى ) ( أن القضاء قاذفي في هوةٍ ** لا تستبل نفس من فيها هوى ) ( وإن تكن مدتها موصولةً ** بالحتف سلطت الأسى على الأسى ) وقوله : ما كنت أدري . . . إلخ المولع : من أولع بالشيء على ما لم يسم فاعله فهو مولع بفتح اللام أي : مغرم به والباء متعلقة به . والشت : مصدر شت الأمر يشت بالكسر شتاً وشتاتاً أي : تفرق .
وجملة والزمان مولع إلى آخر البيت اعتراض بين أدري وبين ما سد مسد مفعوليها وهو أن القضاء البيت الآتي .
والملوم : المجتمع . والتنكيث : النقض . والقوى : جمع قوة وهي في الأصل إحدى طاقات الحبل ثم استعير .
ويكتب بالألف عند البصريين لأن ألفه منقلبة عن واو . وبالياء عند الكوفيين لانضمام أوله .
وهذا المعنى مأخوذ من قو جرير : البسيط ( لا يأمنن قويٌ نقض مرته ** إني أرى الدهر ذا نقضٍ وإمرار ) وقوله : أن القضاء . . . إلخ أن بفتح الهمزة مع معمولها سدت مسد
____________________

المفعولين لأدري في البيت السابق .
والقاذف : الرامي وهو مضاف إلى ياء المتكلم . والهوة بضم الهاء : حفرة يضيق أعلاها ويتسع ولا تستبل : لا تبرأ من بل من مرضه وأبل وإذا برأ منه . وكان حقه أن يقول : لا تنجو ولا تخلص ونحوهما . وجملة : لا تستبل . . . إلخ صفة هوة . وهوى : سقط يكتب بالياء .
وهذا المعنى مأخوذ من قول الأفوه الأودي : الرمل ( فصروف الدهر في أطباقه ** خلفةٌ فيها ارتفاع وانحدار ) ) ( بينما الناس على عليائها ** إذ هووا في هوةٍ منها فغاروا ) وقوله : فإن عثرت . . . إلخ عثرت : سقطت ومصدره العثار . وأما العثور فهو مصدر عثرت عليه بمعنى اطلعت عليه . وألت : نجت وخلصت وفعله وأل يئل وألاً من باب ضرب .
والموئل : موضع النجاة . والضمير في بعدها راجع إلى الهوة وقيل : راجع إلى العثرة المفهومة من عثرت .
ونفسي : فاعل وألت . هاتا بمعنى هذه والمشار إليه الهوة . وها : حرف تنبيه . وتا : اسم إشارة للمؤنث وهي تستعمل على أربعة أضرب : إما أن تستعمل مفردة وليس معها ها تنبيه ولا حرف خطاب كقولك : تا وهذا أخصر ما يكون .
وإما أن يكون معها حرف التنبيه مثل هاتا . وإما أن يكون خطاب وتنبيه مثل : ها تاك أو وقوله : لا لعا قال الخليل : لعاً كلمة تقال عند العثرة . وقال ابن سيده : لعاً كلمة يدعى بها للعاثر معناها الارتفاع .
وقال أبو محمد بن السيد : لعاً من أسماء الفعل مبني على السكون والتنوين فيه علامة التكير كالتنوين في صهٍ ومهٍ . وهي كلمة يراد بها الانجبار والارتفاع .

____________________

وقد بين أبو عثمان سعيد بن عثمان القزاز الفعل الذي لعاً اسمه فقال : يقال لعا لك الله أي : نعشك الله ورفعك . ف لعا اسم لنعش كما أن هيهات اسم لبعد وصه اسم لاسكت .
ولا في قوله لا لعا : نفي للدعاء . ولعا تكتب بالألف لأنها منقلبة عن واو ولذلك أدخلها الخليل وغيره في باب العين واللام والواو .
وحكى أبو عبيد في الأمثال : ومن دعائهم لا لعاً لفلان أي : لا أقامه الله فجعل لعا اسماً لأقامة الله . وهو قريب من القول الأول لأنه إذا اقامه فقد رفعه وإذا رفعه فقد نعشه .
وقد رد عليه ذلك أبو عبيد البكري وقال : هذا ما قاله أحد وإنما قال اللغويون : لعاً : كلمة تقال للعاثر في معنى اسلم وكذلك دعدع .
وقد روي في حديث مرفوع : أن كره أن يقال للعاثر دعدع وليقل له : اللهم ارفع وانفع . ( بذات لوثٍ عفراناةٍ إذا عثرت ** فالتعس أدنى لها من أن يقال لعا ) )
ومعنى البيت ينظر إلى قوله عليه الصلاة والسلام : لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين وتأويله : أنه ينبغي له إذا نكب من وجهٍ أن لا يعود لمثله فابن دريد
____________________

يقول : إن عثرت بعد أن نجت نفسي من هذه فحقي أن يقال لي : لا لعهاً لأني خالفت قول النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : وإن تكن مدتها . . . إلخ أي : مدة النكبة المفهومة من قوله : أن القضاء قاذفي في هوة وموصولة : متصلة . والحتف : الموت يقال : مات فلان حتف أنفه وحتف أنفيه إذا مات على فارشه من غير قتل .
والأسى الأول بكسر الهمزة وضمها والقصر جمع إسوة بكسر الهمزة وضمها وهو القدوة وما يتأسي بن الحزين أي : يتعزى ويتسلى يكتب بالياء على مذهب الكوفيين وبالأف عند البصريين لأن ألفه منقلبة عن الواو .
والأسى الثاني بفتح الهمزة والقصر هو الحزن ويكتب بهما لأن التثنية أسيان وأسوان .
وأما الإساء بكسر الهمزة والمد فهو الدواء واسم الفاعل الآسي كالقاضي وهو المداوي والطبيب وجمعه الإساء كراع ورعاء ويجمع على أساة أيضاً كرام ورماة . ( وما يبكون مثل أخي ولكن ** أعزي النفس عنه بالتآسي ) وقال الشمردل بن شريك وقيل غيره : الطويل ( ولولا الأسى ما عشت في الناس ساعةً ** ولكن إذا ماشئت جاوبني مثلي
____________________

) وترجمة ابن دريد تقدمت مع شرح أبايت من هذه المقصورة في الشاهد الثامن والسبعين بعد المائة .
وأنشد بعده ( الشاهد الأربعون بعد التسعمائة ) الطويل فأما الصدور لا صدور لجعفرٍ على أنه لا تحذف الفاء من جواب أما إلا في الضرروة كما هنا فإن التقدير : فلا صدور لجعفر .
والصدور : مبتدأ وجملة : لا صدرو لجعفر من اسم لا النافية للجنس وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ . وهذا كقوله : الطويل وتقدم الكلام عليه في الشاهد السادس والسسبعين من أوائل الكتاب .
ورابط الجملة بالمبتدأ هو العموم المستفاد من النفي فإن قوله : لا صدور عام يشمل الصدور المتقدمة وغيرها فصار بمنزلة الذكر العائد وقد بين هناك .
وهذا المصارع صدر وعجزه :
____________________

ولكن أعجازاً شديداً ضريرها هكذا أنشده جماعة من النحويين منهم أبو علي في التذكرة وغيرها وابن جني في سرالصناعة وغيره وابن يعيش وابن خلف وغيرهم . ووقع في نسخ الشرح : لديكم بدل لجعفر . وهو تخليط من النساخ .
وقبله : ( تزاحمنا عند المكارم جعفرٌ ** بأعجازها إذا أسلمتها صدورها ) كذا أنشدهما يعقوب بن السكيت عن المفضل لرجلٍ من الضباب في كتاب أبيات المعاني وقال : يقول : بنو جعفر ضعفاء عن حربنا استعانوا بالنساء . وذلك أن قطية بنت الحارث تزوجها بشر بن الوليد بن عبد الملك بن مروان فكان بين الضباب وجعفر حرب فأعانت بنو أمية بني جعفر على الضباب . انتهى كلامه .
وجعفر : أبو قبيلة وهو جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة . وقوله : بأعجازها متعلق بتزاحمنا .
والأعجاز : جمع عجز . والعجز من كل شيء : مؤخره . والعجز من الرجل والمرأة : ما بين الوركين . )
وأراد بالأعجاز هنا النساء لأنهن متأخرات عن الرجال . وأسلمتها : خذلتها وما اعانتها .
والصدور : جمع صدر وهو من الإنسان وغيره فوق البطن . وأراد بالصدور هنا أكابرهم وأشارفهم .
والضرير بالضاد المعجم : المضارة وأكثر ما يستعمل في الغيرة يقال : ما أشد ضريره عليها .
والضرير أيضاً : التحمل والصبر يقال : إنه لذو ضرير على الشيء إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساةٍ له .
وناقة ذات ضرير إذا كانت بطيئة التعب . والضرير أيضاً حرف الوادي يقال : نزل فلان على أحد ضريري الوادي أي : على أحد جانبيه .

____________________

يقول : إن بني جعفر لا رجال فيهم فهم كالنساء وأما نساؤهم فهن شديدات الضرر فهن كالرجال في المقاومة والمادفعة وإيصال الضرر .
وقطية بنت الحارث على لفظ مصغر القطاة . والضباب بكسر الضاد المعجمة هو أخو جعفر بن كلاب المذكور واسمه معاوية وأمهما ذؤيبة بنت عمرو بن مرة بن صعصعة . وهو أبو قبيلة أيضاً سمي الضباب بأسماء أولاد ابنه عمرو فإن ابنه عمراً ولد له ضبٌ ومضب وضباب وحسلٌ وحسيل . وبهذه الأسماء سمو الضباب .
وقائل البيتين شاعر إسلامي . والله أعلم .
وأنشد بعده : الخفيف لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ وتمامه : نغص الموت ذا الغنى والفقيرا وتقدم شرحه في الشاهد الستين من أوائل الكتناب في باب المبتدأ والخبر .

____________________

وأنشد بعده : الطويل وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم وتمامه : وأكرومة الحيين خلوٌ كما هيا وأنشد بعده ) ( الشاهد الحادي والأربعون بعد التسعمائة ) الطويل ( رأت رجلاً أيما ذا الشمس عارضت ** فيضحى وأيما بالعشي فيخصر ) على أن ابن خروف قال : قد يبدل الميم الأول من أما ياء كما في البيت .

____________________

أقول : أورده أبو العباس المبرد في الكامل في ثلاثة مواضع فرواه في أول الثلث الثالث بالإبدال في الموضع الأول فقط ورواه في آخر الثلث الأول : أما بالتشديد على الأصل في الموضعين بلا إبدال ورواه في أوائله : أيما بالإبدال في الموضعين فإنه أورد بعض أبيات لجميل بن معمر منها في وصف قوس : الطويل ( على نبعةٍ زوراء أيما خطامها ** فمتنٌ وأيما عودها فعتيق ) وقال : قوله : أيما يريد : أما واستثقل التضعيف فأبدل الياء من أحد الميمين . وينشد بيت ابن أبي ربيعة . ( رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت ** فيضحى وأيما بالعشي فيخصر ) وهذا يقع وإنما بابه أن يكون قبل المضاعف كسرة فيما يكون على فعال فيكرهون التضعيف والكسرة فيبدولن من المضعف الأول ياء للكسرة وذلك قولهم : دينار وقيراط وديوان وما أشبه ذلك .
فإن زالت الكسرة وانفصل أحد الحرفين من الآخر رجع التضعيف فقلت : دنانير وقراريط ودواوين وكذلك إن صغرت فقلت : قريريط ودنينير انتهى كلامه .
وقوله : وهذا يقع يريد أنه نادر .
وهذا البيت من قصيدة لعمر بن أبي بربيعة وقد سقناها برمتها مع شرح أبياتٍ منها في الشاهد التسعين بع الثلثمائة شرح أبيات أخر منها في باب العدد .
قال المبرد في الموضع الثاني : ومما يستظرف في النحافة قول ابن أبي ربيعة : (
____________________

رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت ** فيضحى وأما بالعشي فيخصر ) ( أخا سفرٍ جواب أرضٍ تقاذفت ** به فلواتٌ فهو أشعث أغبر ) ( قليلاً على ظهر المطية ظله ** سوى ما نفى عند الرداء المحبر ) ومن أعجب ما قيل في النحافة قول مجنون بني عامر : الطويل ) ( ألا إنما غادرت يا أم مالكٍ ** صدى أيمنا تذهب به الريح يذهب ) ( فلو أن ما بقيت مني معلقٌ ** بعود ثمامٍ ما تأود عودها ) انتهى .
قوله : رأت رجلاً . . . إلخ فاعل رأت ضمير تنعم أو أسماء في بيت قبله : ( قفي فانظري يا أسم عل تعرفينه ** أهذا المغيري الذي كان يذكر ) ( فقالت : نعم لا شك غير لونه ** سرى الليل يحيى نصه والتهجر ) والقائلة قفي محبوبته نعم . والمغيري : نسبة إلى جده المغيرة بن عبد الله وتقدم شرحهما هناك .
وجملة أيما إذا الشمس . . . إلخ صفة لرجلاً والأصل رجلاً يضحى وقت معارضة الشمس إياه ويخصر بالعشي فهو أخو سفرٍ يصلى الحر والبرد بلا ساتر فجيء ب أيما للتفصيل .
وإذا : ظرف ليضحى قدم عليه لوجوب الفصل بين أما والفاء . والشمس فاعل فعلٍ محذوف يفسره ما بعدها وعارضت : قابلت والمفعول محذوف أي : عارضته . ومعارضة الشمس : ارتفاعها حتى تصير في حيال الرأس .

____________________

قال ابن السيد فيما كتبه على الكامل : عارضت : صارت قبالة العيون في القبلة . قال صاحب الصحاح : وضحيت بالكسر ضحى : عرقت . وضحيت أيضاً للشمس ضحاء بالمد إذا برزت . وضحيت بالفتح مثله . والمستقبل أضحى في اللغتين جميعاً . انتهى .
وقال المبرد في الثلث الثالث : قوله يضحى : يظهر للشمس . وقوله : فيخصر يقول في البردين .
وإذا ذكر العشي فقد دل على عقيب العشي . قال : الله تبارك وتعالى : وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى . انتهى .
وقال الفراء في تفسير قوله تعالى : ولا تضحى : لا تصيبك شمس مؤذية . وفي بعض التفسير : ولا تضحى : لا تعرق . والأول أشبه بالصواب .
قال الشاعر : رأت رجلاً أما إذا الشمس البيت فقد بين . انتهى .
وقوله : وأيما بالعشي فيخصر الظرف متعلق بما بعده وقدم عليه وجوباً للفصل بين أما والفاء .
والعشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة . كذا في الصحاح . ويقابله الغداة . ويقال لهما : )
البردان والأبردان .
وإذا برد الرجل في العشي فمن الضرورة أن يبرد بالغداة فهو يريدهما لاستلزام أحدهما للآخر كما أشار إليه المبرد .
ويخصر بالخاء المعجمة والصاد المهملة قال صاحب الصحاح : الخصر
____________________

بالتحريك : البرد يقال : قد خصر الرجل إذا آلمه البرد في أطرافه . يقال : خصرت يدي . وخصر يومنا : اشتد برده وماء خصر : بارد . انتهى .
وقوله : أخا سفر صفة أخرى لرجلاًَ . والجواب : صفة مبالغة من جاب الأرض يجوبها جوباً إذا قطعها بالسير . والتقاذف : الترامي . والفلاة : الأرض التي لا ماء فيها .
والأشعث : وصف من شعث الشعر شعثاً فهو شعث من باب تعبٍ أي : تغير وتلبد لقلة تعهده بالدهن . ورجل أشعث . وامرأة شعثاء . والشعث أيضاً : الوسخ ورجل شعث : وسخ الجسد . وشعث الرأس أيضاً وهو أشعث أغبر أي : من غير استحداد ولا تنظف .
والشعث أيضاً : الانتشار والتفرق كما يتشعث رأس المسواك وفي الدعاء : لم الله شعثكم أي : جمع أمركم . كذا في المصباح .
وقوله : قليلاً على ظهر المطية . . . إلخ هذا وصف آخر لرجلاً ومعنى النحافة التي ذكرها المبرد في هذا البيت وبيانها أن العرب تستعمل القلة بمعنى الحقارة فيقولون لكل شيء حقير : قليل ويجعلون القلة أيضاً بمعنى النفي فيقولون : قل رجل يقول ذلك إلا زيد . ويقال لشخص كل شيء ظل .
فالمعنى أنه لا شخص له من النحافة إلا أن رداءه المحبر يعظم جسمه فينفي عنه بعض ( فانظر إلى جسمي الذي موهته ** للناظرين بكثرة الأثواب ) وهذا نحو قول المتنبي : البسيط ( روحٌ تررد في مثل الخلال إذا ** أطارت الريح عنه الثوب لم يبن ) وقد يجوز أيضاً أن يريد الظل بعينه أي : لولا ظل ثوبه لم يكن لظل جسمه ظلٌ
____________________

يرى . وقيل : معنى ظله : استضلاله أي : لا يأوي إلى ظل فلا ينفي عنه حر الشمس إلا ما كان من ردائه .
والرداء : ما يلبس على النصف الأعلى . وإلإزار : ما يلبس في النصف الأسفل . وهما إذا كانا من جنس واحد حلة . )
والمحبر بالحاء المهملة : المزين والمنقش يقال : حبرت الشيء حبراً من باب قتل . إذا زينته وحبرته بالتشديد مبالغة .
وترجمة عمر بن أبي ربيعة تقدمت في الشاهد السابع والثمانين من أوائل الكتاب . (
____________________

تاء التأنيث الساكنة ) أنشد فيها : الطويل بحوران يعصرن السليط أقاربه وتقدم شرحه والكلام عليه في الشاهد السادس والسبعين بعد الثلثمائة من باب العلم . ومر في باب التأنيث أيضاً . (
____________________

التنوين ) أنشد فيه : الوافر وقولي إن أصبت لقد أصابن وتقدم شرحه مفصلاً في الشاهد الرابع من باب الإعراب من أول الكتاب .
وأنشد بعده : الرجز
____________________

وحاتم الطائي وهاب المئي وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والأربعين بعد الخمسمائة في باب العدد . وفي باب الجمع أيضاً .
وأنشد بعده ( الشاهد الثاني والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : المتقارب ( فألفيته غير مستعتبٍ ** ولا ذاكر الله إلا قليلا ) على أن حذف التنوين من ذاكر الله لضرورة الشعر فإن ذاكراً بالنصب والتنوين معطوف على غير ولفظ الجلالة منصوب بذاكراً ولو كان مضافاً إلى الجلالة لكان حذف التنوين واجباً لا ضرورة .
وإنما آثر حذف التنوين للضرورة على حذفه للإضافة لإرادة تمثل المتعاطفين في التنكير والتنوين يحذف وجوباً للإضافة نحو : غلامك ولشببها نحو : لا مال لزيد إذا لم تقدر اللام مقحمة فإن قدرت فهو مضاف ولدخول أل كالرجل ولمانع الصرف نحو : فاطمة وللوقف في غير النصب وللاتصال بالضمير نحو : ضاربك فيمن قال إنه غير مضاف وللبناء في
____________________

النداء وغيره نحو : يا رجل ولا رجل ولكون الاسم علماً موصوفاً بابن كما في الشرح . وحذفه في غير ذلك فإنما سببه مجرد التقاء الساكنين وهو غير جائز إلا في الشعر .
وقد نص سيبويه عليه في باب الذي ترجمته باب من اسم الفاعل جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى قال : وزعم عيسى أن بعض العرب ينشد هذا البيت : فألفيته غير مستعتبٍ البيت لم يحذف التونين استخفافاً ليعاقب المجرور ولكنه حذفه لالقتاء الساكنين . وذا اضطرار .
قال الأعلم : الشاهد فيه حذف التنوين من ذاكراً لالتقاء الساكنين ونصب ما بعده وإن كان الوجه إضافته وفي حذف تنوينه لالتقاء الساكنين وجهان : أحدهما : أن يشبه بحذف النون الخفيفة إذا لقيها ساكن كقولك : اضرب الرجل يريد : اضربن الرجل .
والوجه الثاني : أن يشبه بما حذف تنوينه من الأسماء الأعلام إذا وصف بابن مضاف إلى علم .
وأحسن ما يكون حذف التنوين للضرورة في مثل قولك : هذا زيد الطويل لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد يشبه المضاف والمضاف إليه انتهى .
وقال ابن خلف : تحريك التنوين لالتقاء الساكنين أجود من حذفه إذ هو حرف يحتمل التحريك )
والذي يحذفه يشبهه بحروف المد واللين .
قال المبرد : قد قرأت القراء : : قل هو الله أحد الله الصمد وليس الوجه حذف التنوين لالتقاء الساكنين إنما يحذف من الحروف لالتقاء الساكنين حروف المد واللين ويجوز هذا في التنوين تشبيهاً بهن .
وقال أبو الحسن : سمعت محمد بن يزيد بن المبرد يقول سمعت عمارة يقرأ :
____________________

ولا الليل سابق النهار . قال أبو الحسن : والأولى : سابق النهار ولا ذاكر الله . وإنما الضرروة قوله : الكامل وهو في النعت أسهل منه في الخبر كزيد الظريف قائم . انتهى .
وحذف التنوين في الاثنين لا شك في شذوذه كما قال الشارح المحقق . وجعل ابن هشام في المغني حذف التنوين لالتقاء الساكنين من القلة وأورد البيت والآيتين . وهو في هذا مخالف لسيبويه والجمهور .
وممن تبع سيبويه ابن الشجري قال في أماليه : ومن حذف التنوين لالتقاء الساكنين ما روي عن أبي عمرو في بعض طرقه : قل هو الله أحد الله الصمد وحذفه على هذا الوجه متسع في الشعر وكقوله : المتقارب ( حميد الذي أمجٌ داره ** أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع ) وكقول الآخر : الرجز ( حيدة خالي ولقيطٌ وعلي ** وحاتم الطائي وهاب المئي
____________________

) وقال عبد الله بن قيس الرقيات : الخفيف ( كيف نومي على الفارش ولما ** تشمل الشام غارةٌ شعواء ) ( تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي ** عن خدام العقيلة العذارء ) أراد : وتبدي العقيلة العذارء لها عن خدام . والخدام : الخلخال . أي : ترفع المرأة الكريمة ثوبها للهرب فيبدو خلخالها . والجملة التي هي تبدي العقيلة موضعها رفع بالعطف على جملة تذهل الواقعة نعتاً لغارة والعائد إلى الموصوف من الجملة المعطوفة محذوف تقديره : وتبدي العقيلة العذارء لها عن خدام أي : لأجلها .
والشعواء : المتفرقة . وحكي عن القاضي أبي سعيد السيرافي أنه قال : حضرت في مجلس أبي بكر بن دريد ولم أكن قبل ذلك رأيته فجلست في ذيله فأنشد أحد الحاضرين بيتين يعزيان إلى )
آدم عليه السلام قالهما لما قتل ابنه قابيل هابيل وهما : الوافر ( تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الارض مغبرٌ قبيح ) ( تغير كل ذي حسنٍ وطيبٍ ** وقل بشاشة الوجه المليح ) فقال أبو بكر : هذا شعر قد قيل في صدر الدنيا وجاء فيه الإقواء . فقلت : إن له وجهاً يخرجه من الإقواء فقال : ما هو قلت : : نصب بشاشة وحذف التنوين منها لالتقاء الساكنين لا للإضافة فتكون بهذا التقرير نكرةً منتصبة على التمييز ثم رفع
____________________

الوجه وصفته بإسناد قل إليه فيصير اللفظ : وقل بشاشة الوجه المليح فقال : ارتفع فرفعني حتى أقعدني إلى جنبه . انتهى كلام ابن الشجري .
أقول : وتوجيه السيرافي فيه تخلص من ضرورة إلى ضرورة .
وقد استشهد بالبيت الشاهد الزمخشري والبيضاوي عند قراءة الأعمش : كل نفسٍ ذائقة الموت بترك التنوين ونصب الموت .
وأورده الفراء قبلهما عند هذا الآية . قال : لو نونت ذائقة ونصبت الموت كان صواباً وأكثر ما يختار العرب التنوين والنصب في المستقبل فإذا كان معناه ماضياً لم يكادوا يقولون إلا بالإضافة ويختارون أيضاً التنوين إذا كان مع الجحد . من ذلك قولهم : ما هو بتاركٍ حقه لا يكادون يتركون التنوين وتركه كثير جائز وينشدون قول أبي الأسود : ( فألفيته غير مستعتبٍ ** ولا ذاكر الله إلا قليلا ) فمن حذف النون ونصب قال : النية التنوين مع الجحد ولكني أسقطت النون للساكن وأعلمت معناها . ومن خفض أضاف .
هذا كلامه وهو صريح في جوازه في الكلام والصحيح مذهب سيبويه .
والبيت من أبيات لأبي الأسود الدئلي .
وروى الأصبهاني في كتاب الأغاني بسنده عن أبي عوانة قال : كان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأةٍ بالبصرة فيتحدث إليها وكانت جميلة فقالت له : يا أبا الأسود هل لك أن أتزوجك فإني صناع الكف حسنة التدبير قانعة بالميسور قال : نعم .
فجمعت أهلها وتزوجته فوجدها بخلاف ما قالت وأسرعت في ماله ومدت يدها إلى جبايته وأفشت سره فغدا على من كان حضر تزويجه إياها
____________________

فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا )
فقال لهم : المتقارب ( أريت أمرأً كنت لم أبله ** أتاني فقال اتخذني خليلا ) ( فخاللته ثم أكرمته ** فلم أستفد من لديه فتيلا ) ( وألفيته حين جربته ** كذوب الحديث سروقاً جميلاً ) ( فذكرته ثم عاتبته ** عتاباً رفيقاً وقولاً جميلاً ) ( فألفيته غير مستعتبٍ ** ولا ذاكر الله إلا قليلا ) ( ألست حقيقاً بتوديعه ** وإتباع ذلك صرماً طويلا ) فقال له : بلى والله يا أبا الأسود فقال : تلك صاحبتكم وقد طلقتها وأنا أحب أن أتسر ما أنكرته من أمرها . فانصرفت معهم . انتهى .
وقد أورد ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب سبباً لهذه الأبيات لا يلائمها وتبعه ابن خلف وابن المستوفي وغيرهما وهو ما لا يكاد يقضي منه العجب قال : سبب هذا الشعر أن رجلاً من بني سليم يقال له : نسيب بن حميد كان يغشي أبا الأسود ويظهر له محبة شديدة ثم إن نسيباً قال لأبي الأسود : قد أصبت مستقة أصبهانية وهي جبة فراء طويلة الكمين فقال له أبو الأسود : أرسل بها إلي حتى أنظر إليها .
فأرسل بها فأعجبته فقال لنسيب : بعنيها بقيمتها . فقال : لا بل أكسوكها .
____________________

فأبى أبو الأسود يقبلها إلا بشراء فقال له : أرها لمن يبصرها ثم هات قيمتها . فأراها أبو الأسود فقيل له : هي ثمن مائتي درهم .
فذكر ذلك لنسيب فأبى أن يبيعه فزاده أبو الأسود حتى بلغ بالثمن مائتي درهم وخمسين درهماً فأبى نسيب أن يبيعها وقال : خذها إذن هبةً فيقول : ذكرته ما بيننا من المودة فألفيته أي : وجدته غير مستعتب أي : غير راجع بالعتاب عن قبيح ما يفعل . هذا كلامه .
وقوله : أريت امرأً . . . إلخ سلك أبو الأسود بهذا الكلام طريق التعمية على مخاطبة ليتم ما يريد ولو نسب هذه العيوب إليها مصرحاً بها لربما دافعوا عنها . وأريت بمعنى أخبرني وأصله الهمزة فيه للاستفهام وريت أصله رأيت حذف الهمزة وهي عين الفعل تخفيفاً .
قال صاحب الصحاح : وربما جاء ماضيه بلا همزة قال الشاعر : الخفيف ( صاح هل ريت أو سمعت براعٍ ** رد في الضرع ما قوى في الحلاب ) )
وكذلك قالوا في : أرأيت وأرأيتك وأريتك بلا همزة .

____________________

أريت امرأً كنت لم أبله البيت وقال الكرماني في شرح البخاري : أرأيت بمعنى أخبرني وفيه تجوز إطلاق الرؤية وإرداة الإخبار لأن الرؤية سبب الإخبار . وجعل الاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب . انتهى .
والرؤية هنا منقولة من رؤية البصر ولهذا تعدت إلى مفعول واحد وزعم ابن هشام في المغني أن أرأيتك منقول عن الرؤية العلمية تقضي مفعولين فيقدر الثاني إذا لم يوجد وهو تكلف .
وأبله من بلاه يبلوه بلواً : إذا جربه واختبره وخاللته : تخذته خليلاً والفتيل : الشيء الحقير وأصله ما يوجد في بطن النواة . والرفيق من الرفق : ضد العنف .
وقوله : فألفيته غير مستعتب ألفي : بمعنى وجد يتعدى لمفعولين كما تقدم وعند بعضهم المفعول الثاني حال . ومستعتب : اسم فاعل الراجع بالإعتاب .
واستعتب وأعتب بمعنى وعتب عليه عتباً من باب ضرب وقتل إذا لامه في تسخط وأعتب : أزال الشكوى فالهمزة للسلب . واستعتب : طلب الإعتاب . والعتبي اسم للإعتاب .
والمعنى ذكرته ما كان بيننا من العهود وعاتبته على تركها فوجدته غير طالب رضائي .
وقوله : لا ذاكر الله روى بنصب ذاكر وجره فالنصب للعطف على غير .
وقال بعض فضلاء العجم في شرح أبيات المفصل : نصب ذاكراً على أن لا بمعنى غير وقد
____________________

والجر للعطف على مستعتب ولا لتأكيد النفي المستفاد من غير وعلى هذه الرواية اقتصر ابن الشجري فقال : عطف نكرة على نكرة مجرورة بإضافة غير إليها وانتصاب غير على الحال .
انتهى .
والتوديع هنا الفراق . والصرم بالضم : الهجر .
وترجدمة أبي الأسود تقدمت في الشاهد الأربعين من أوائل الكتاب .
____________________

( نون التوكيد ) أنشد فيه . ( الشاهد الثالث والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الكامل أفبعد كندة تمدحت قبيلا على أنه أكد الفعل وهو تمدح بالنون لوقوعه بعد الاستفهام وهو الهمزة .
قال سيبويه : ومن مواضعها الأفعال غير الواجبة التي تكون بعد حروف الاستفهام وذلك لأنك تريد : أعلمني إذا استفهمت . وهي أفعال غير واجبة فصارت بمنزلة أفعال الأمر والنهي فإن شئت أقحمت النون وإن شئت تركت كما فعلت ذلك في الأمر والنهي وذلك قولك : هل تقولن وأتقولن ذاك وكم تمكثن وانظر متى تفعلن . وكذلك جميع حروف الاستفهام .
وقال الأعشى : المتقارب ( فهل يمنعني ارتيادي البلا ** د من حذر الموت أن يأتين
____________________

) وقال : الطويل فهذه الخفيفة . وقال : أفبعد كندةً تمدحن قبيلا وقال : الرجز هل تحلفن يا نعم لا تدينها هذه الخفيفة . انتهى .
قال الأعلم في البيت الأول : الشاهد فيه توكيد يمنعني بالنون الثقيلة لأنه مستفهم عنه غير واجب كالأمر فيؤكد كما يؤكد الأمر .
والارتياد : المجيء والذهاب أي : لا يمنع من الموت التحول في آفاق الأرض حذراً منه ولا الإقامة في الديار تقربه قبل وقته فاستعمال السفر أجمل لأن الموت بأجل .
وقال في الثالث : الشاهد في قوله : تمدحن بالنون الثقيلة . وكندة : قبيلة من اليمن من كهلان بن سبأ .
والقبيل : الجماعة من قوم مختلفين . والقبيلة : بنو أبٍ واحد . وأراد بالقبيل هنا القبيلة لتقارب )
المعنى فيهما . انتهى .
والبيت الرابع ساقط من روايته ورواه النحاس قال : قال أبو الحسن : نعم
____________________

ترخيم نعمان .
وبعد : ظرف يتعلق بتمدح محذوفاً بتمدح لأن المؤكد بالنون لا يتقدم معموله عليه . وقيل : إذا كان ظرفاً يجوز وقد علقه به العيني .
وهذا الشعر من أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل والله أعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد الرابع والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الطويل ( وأقبل على رهطي ورهطك نبتحث ** مساعينا حتى ترى كيف نفعلا ) على أنه أكد الفعل وهو يفعل بالنون الخفيف المنقلبة ألفاً للوقف لوقوعه بعد اسم استفهام وهو كيف . وتقدم قبله نص سيبويه .
وأقبل بفتح الهمزة وكسر الموحدة : فعل أمر من الإقبال . ورهط الرجل : قومه وقبيلته الأقربون والرهط بالإضافة في تعيينه خلاف قيل : هو ما دون عشرة من الرجال ليس فيها امرأة وقيل : من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نفر .
وقال أبو زيد : الرهط والنفر : ما دون العشرة من الرجال . وقال ثعلب : الرهط والنفر والقوم والمعشر والعشيرة معناهم الجمع لا واحد له من لفظه وهو للرجال دون النساء وقال الأصمعي : الرهط : ما فوق العشرة إلى الأربعين . كذا في المصباح .

____________________

وقوله : نبتحت مجزوم في جواب الأمر وهو على نفتعل من البحث قال الجوهري : بحثت عن الشيء وابتحثت عنه أي : فتشت عنه واستقصيت فيكون مساعينا منصوباً بنزع الخافض .
والمساعي : جمع مسعاةٍ والأصل مسعية مفعلى من السعي قال صاحب المصباح : أصل السعي التصرف في كل عمل .
قال الحراني : السعي : الإسراع في الأمر حساً أو معنى . وفي المفردات : السعي : المشي السريع دون العدو ويستعمل للجد في الأمر خيراً كان أو شراً . وقل صاحب الصحاح : المسعاة : واحدة المساعي في الكرم والجود . والمراد بها المناقب والمآثر التي حصلت بسعيهم .
قال الشاعر : الطويل ) ( ولو قدرت مسعاتكم يا بني الخنا ** على قاب شبرٍ قصرت عن مدى الشبر ) وحتى هنا : بمعنى كي التعليلية . وترى : بمعنى تنظر بالخطاب . وقال العيني : حتى بمعنى إلى .
وترى من الرأي وهو الاجتهاد . انتهى .
ويفعلن بالمثناة التحتية كما يظهر من كلام الأعلم فإنه قال : يقول لمن فاخره : أقبل على ذكر مفاخر قومك وأقبل على مثال ذلك من مفاخر قومي ونبحث عن مساعيهما حتي يتبين فضل بعضهما على بعض وترى فعلي في مفاخرتك وفعلك في مفاخرتي . انتهى .
وزعم ابن الطرواة أن النون في يفعلا هي نون الترنم أبدلت ألفاً في الوقف .

____________________

ورد عليه أن نون الترنم لا تغير حركة ما قبلها وقد غيرت آخره هنا بالفتح وهذا لا يكون إلا لنون التوكيد .
وهذا البيت أيضاً من الأبيات الخمسين التي ما عرف أصحابها . والله أعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد الخامس والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الطويل ( فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا ) على أنه يجوز أن تدخل نون التوكيد اختياراً في جواب الشرط إذا كان الشرط مما يجوز دخولها فيه . وهو أقل من دخولها في الشرط .
وقوله : تمنعا جواب الشرط وقد أكد دون الشرط بالنون الخفيفة المنقلبة ألفاً للوقف .
وقوله : إذا كان الشرط مما يجوز . . . إلخ احترز به عما إذا كان الشرط ماضياً أو مضارعاً بمعنى الحال وحينئذ لا يؤكد جوابه .
وقوله : اختياراً مع قوله : وهو أقل من دخولها في الشرط مذهب ابن مالك وهو مخالف لقول سيبويه : إنه ضرورة .
قال سيبويه : وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء وذلك قليل في الشعر فشبهوه بالنهي حين كان مجزوماً غير واجب .
وقال الشاعر :
____________________

نبتم نبات الخيزراني البيت )
وقال ابن الخرع : فمهما تشا منه فزارة البيت
____________________

وقال : من يثقفن منهم فليس بآيبٍ البيت وقال : يحسبه الجاهل ما لم يعلما البيت شبهه بالجزاء حيث كان مجزوماً وكان غير واجب وهذا لا يجوز إلا في اضطرار وهي في وكذا قل الفراء إنه ضرورة قال عند تفسير قوله تعالى : ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله ما نصه : فمن ذلك قوله تعالى : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم .
والمعنى والله أعلم : إن لم تدخل حطمتن . وهو نهي محض لأنه لو كان جزاء لم تدخله النون الشديدة ولا الخفيفة .
ألا ترى أنك لا تقول : إن تضربني أضربنك إلا في ضرورة شعر كقوله : فمهما تشأ منه فزارة البيت انتهى .
وكذا في المفصل قال : فإن دخلت في الجزاء بغير ما ففي الشعر تشبيهاً للجزاء بالنهي .
وكذا في كتاب الضرائر لابن عصفور .
وخالف ابن مالك فأجازه في الكلام قال في التسهيل : وقد تحلق جواب الشرط اختياراً وقال قبله : وتلحق الشرط مجرداً من ما . وكذا قال في الألفية .
قال الشاطبي : فإذا قلت إن تقومن أكرمتك ومهما تطلبن أعطك ومهما تأتيني أكرمك وحيثما تكونن أذهب إليك وكذلك سائر أدوات الشرط فهو جائز ولكنه قليل .
ويحتمل أن كلام الناظم أن أدوات الشرط مسوغة لدخول النون مطلقاً سواء أكان الفعل معها في جملة الشرط أو في جملة الجزاء . إذ لم يقيد ذلك بفعل الشرط . فيجوز على هذا أن تقول : إن تكرمنني أكرمنك . انتهى .
وقوله : فمهما تشأ . . . إلخ قال الأعلم : أراد مهما تشأ فزارة إعطاءه تعطكم ومهما تشأ منعه تمنعكم فحذف الفعل لعلم السامع وإدخال النون الخفيفة على تمنعا وهو جواب الشرط ضرروة وليس من مواضع النون لأنه خبر يجوز فيه الصدق والكذب . )
إلا أن الشاعر إذا اضطر أكده بالنون تشبيهاً بالفعل في الاستفهام لأنه مستقبل مثله . انتهى .
والبيت غير موجود في ديوان ابن الخرع وإنما هو من قصيدة للكميت بن ثعلبة أوردها أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب وهي : الطويل ( من مبلغٌ عليا معدٍ وطيئاً ** وكندة من أصغى لها وتسمعا ) ( يمانيهم من حل نجران منهم ** ومن حل أطراف الغطاط فلعلعا ) ( ألم يأتهم أن الفزاري قد أبى ** وإن ظلموه أن يتل فيصرعا
____________________

) ( ولما رأى أن الحياة ذميمةٌ ** وأن حكي الموت أدرك تبعا ) ( شرى نفسه مجد الحياة بضربةٍ ** ليرحض خزياً أو ليطلع مطلعا ) ( أبت أم دينارٍ فأصبح فرجها ** حصاناً وقلدتم قلائد بوزعا ) ( خذوا العقل إن أعطاكم العقل قومكم ** وكونوا كمن سيم الهوان فأرتعا ) ( ولا تكثروا فيها الضجاج فإنه ** محا السيف متا قال ابن دارة أجمعا ) ( وأقبل أقوامٌ بحر وجوههم ** وأدبر أقوامٌ بلطمةٍ أسفعا ) ( فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ** ومهما تشأ منه فزارة تمنعا ) ( فزارة عوفٌ لا عزيز بأرضه ** ويمنع عوفٌ ما أراد ليمنعا ) ( فإن مات زملٌ فالإله حسيبه ** وإن عاش زملٌ فاسقياه المشعشعا ) قوله : ألم يأتهم أن الفزاري . . . إلخ أراد بالفزاري هنا زميل بن أبير أحد بني عبد الله بن عبد مناف .
ويقال لأم زميل : أم دينار كان سالم بن دارة الغطفاني هجاه بقصيدة منها : البسيط ( بلغ فزارة أني لن أسالمها ** حتي ينيك زميلٌ أم دينار
____________________

) وهجا بني فزارة بقصائد تقدم بعضها في الشهد الخامس بعد المائة وبعض آخر في الشاهد السابع بعد المائتين .
فحلف زميل أن لا ياكل لحماً ولا يغسل رأسه ولا يأتي امرأة حتى يقتله . ثم بعد مدة لقيه زميل فضربه بالسيف ضربة كانت سبب موته وافتخر بتخلصه من العار بقتله وقال : الرجز وتقدم شرحه في الشاهد الخامس بعد المائة .
فحكى الكميت هذا الحكاية وتهكم بغطفان . )
وقوله : أن يتل فيصرعا كلاهما بالبناء للمفعول . والتل : الإلقاء على الوجه . والصرع : القتل .
وقوله : وإن حكى الموت بالحاء المهملة فعيل بمعنى مفعول من أحكيت العقدة إذا قويتها وشددتها .
ووقله : شرى نفسه أي : اشترى لنفسه مجد الحياة أي : شرفها . وقوله : ليرحض خزياً أي : ليغسل عاراً . والرحض بالراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة هو الغسل . والخزي بالكسر : المذلة والعار .
والحصان بفتح المهملة : العفيف . وقوله : وقلدتم بالبناء للمفعول والخطاب لبني غطفان .
وبوزع بفتح الموحدة والزاي قالاسود أبو محمد أعرابي في ضالة الأديب : بوزع هي أم زياد بن الحارث وهي ذات القلائد وكانت أول من نصبت رايةً في بني مسلية وفيها تضرب العرب الأمثال في قولهم : قلائد بوزع .
وقال موءلة بن الحارث جد المحجل بن حزن بن موءلة : الوافر (
____________________

من تك أمه زانته يوماً ** فقد شانتك أمك يا زياد ) فلست إلى بني علة بن جلدٍ ولا سعدٍ ولا حيي مراد وقال آخر : الوافر ( قلائد بوزعٍ جرت عليكم ** مواسم مثل أطواق الحمام ) وقد أخطأ أبو عبد الله بن الأعرابي في هذا الشعر من جهتين : أولاهما : أنه نسب هذا الشعر إلى الكميت بن معروف وهو للكميت بن ثعلبة . والكميت بن ثعلبة مخضرم وجد كميت بن معروف .
وأخراهما : أنه صحف في قوله بوزع بالباء فقال : قوزع بالقاف وفسره على التخمين بالخزي والعر .
انتهى كلام أبي محمد وما ادعاه من التحريف حق لا شبهة فيه .
والأبيات التي أنشدها تشهد لما قاله من أن بوزع امرأة لكنه لم يشرح قلائدها ولم يبين وجه كسبها للعار لابنها . وقد راجعت كتب الأمثال فلم أظفر فيها بشيء ولعل الله يطلعني على شرحها فألحقه هنا .
وما نقله عن ابن الأعرابي موجود في نوادره وقد نقله عنه أرباب اللغة خلف بعد سلف ولم )
يطلعوا على ما قاله أبو محمد الأعرابي ولو اطلعوا عليه لحكوه .
قال الصاغاني في العباب في فصل القاف من باب العين : قال ابن الأعرابي : يقال : قلدتم قلائد قوزعٍ يا هذا ولأقلدنك قلائد قوزع ومعناه : طوقتم أطواقاً لا تفارقكم أبداً . وأنشد : ( قلائد قوزعٍ جرت عليكم ** مواسم مثل أطواق الحمام ) وقال مرة : قلائد بوزع ثم رجع إلى القاف . انتهى .

____________________

ولخص من هنا صاحب القاموس فقال : وقلدتم قلائد قوزع : طوقتم أطواقاً لا تفارقكم أبداً .
ونقله العيني أيضاً .
وقال محمد بن المكرم في لسان العرب : قوزع : اسم الخزي والعار عن ثعلب . وقال ابن الأعرابي : قلدته قلائد قوزع يعني الفضائح .
وأنشد للكميت بن معروف : ( أبت أم دينارٍ فأصبح فرجها ** حصاناً وقلدتم قلائد قوزعا ) وقال مرة : قلائد بوزع ثم رجع إلى القاف . انتهى .
ولو كان اسماً للخزي لكان مصروفاً ولا وجه لمنعه إلا أن يدعى أنه علم جنس كزوبر علم للكلبة . انتهى .
ولم يتعرض الجوهري لهذه الكلمة بشيء . وأوردها ابن بري في أماليه على صحاحه فقال : وقوله : فيا راكباً إما عرضت أي : أتيت العروض وهي مكة زادها الله شرفاً . قال أبو محمد : سحيم وباعث والمرقع كلهم من بني عبد الله بن غطفان .
وقوله : خذوا العقل إن أعطاكم العقل قومكم هذا تهكم بهم . والعقل : الدية . وإنما قال قومكم لأن فزارة هو ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان وبنو عبد الله هم بنو عبد العزى بن غطفان .
ولما وفد عبد الله على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من أنتم قالوا : بنو عبد العزى قال : أنتم بنو عبد الله . فلزمهم هذا الاسم .

____________________

وقوله : وكونوا كمن سيم الهوان فأرتعا سيم : مجهول سامه الشيء يسومه سوماً أي : كلفه إياه . والهوان : الذل . وأرتعا من أرتع إبله وقوم مرتعون أي : ترتع إبلهم يقال : رتعت الماشية ترتع رتوعاً أي : أكلت ما شاءت . )
وقوله : ولا تكثروا فيها الضجاج أي : لا تكثروا في هذه القضية وهي قتل سالم بن دارة قال الجوهري : وضاجه مضاجة وضجاجاً : شاغبه وشاره والاسم الضجاج بالفتح .
وقوله : محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا أورده الزمخشري في أمثاله قال : هو سالم بن دارة الغطفاني هجا بعض بني فزارة بقوله : فقتله زميل الفزاري فقال الكميت ذلك يريد أن الفعل أفضل من القول وإنما قلت أنت وفعلنا نحن يضرب للجبان يتوعد ولا يفعل . انتهى .
وقوله : وأقبل أقوام بحر وجوهم هم قوم زميل الفزاري وما بعده قوم ابن دارة .
وقوله : بلطمة أسفعا أي : بلطمة خد أسفع أي : لطموا على خدودهم حتى اسودت .
والسفعة بالضم : سواد يخالطه حمرة . والأسفع هوم المتصف بالسفعة .
وقوله : فمهما تشأ منه فزارة . . . إلخ معناه : كل شيءٍ شاءت منه فزارة أعطت وكل شيء شاءت منعت مغفعول تشأ محذوف كما تقدم ومنه متعلق بتعطكم ومنه الثاني متعلق بتمنع محذوفاً لا بالمذكور لأن المؤكد بالنون لا يتقدم معموله عليه .
ويجوز أن يتعلق به بناءً على أنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها . والضميرفي الموضعين راجع إلى مهما وقال العيني : راجع إلى ابن دارة ومفعول تمنعا محذوف أي : تمنعكم .

____________________

يعني : إن أرادت فزارة إعطاء شيء من الدية أعطت وأن أرادت منعكم من الدية فعلت لأنكم أذلاء معهم لا تقدرون على أخذ قوم ولا طلب دية .
وقوله : فزارة عوف مبتدأ وخبر والعوف بالفتح : الأسد واسم الذئب أيضاً . وعوف الثاني هو عوف بن هلال بن شمخ بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها خاء معجمة ابن فزارة .
ووقله : فإن مات زمل بكسر الزاي هو زميل قاتل ابن دارة بالتصغير . والمشعشع : الشراب الممزوج بالماء .
قال أبو محمد الأعرابي : كانت هذه القضية في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم حدث في زمن عبد الملك شر بين بي رياب وبين بني الكميت بن ثعلبة فقتل ذيال بن مقاعس الريابي عبيد الله بن صخر أخا الميدان فعرض ذيال الدية على بني الكميت فقبلوا فقال عبد الرحمن بن دارة يعيرآل الكميت : الطويل ( ألم تر أن الله لا شيء بعده ** شفاني من آل الكميت فأسرعا ) ) ( وأصبح ذيالٌ يذيل وقد سقى ** بكفيه صدر الرمح حتى تضلعا ) ( خذوا القعل با آل الكميت وأقبلوا ** بأنفٍ وإن وافى المواسم أجدعا ) وترجمة الكميت بن ثعلبة تقدمت في الشاهد السبعين بعد الخمسمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد السادس والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الطويل
____________________

لما تقدم قبله من جواز دخول نون التوكيد اختياراً في جواب الشرط فإن ينفعا جواب الشرط وقد أكد بالنون المنقلبة ألفاً .
وتقدم فيما قبله نقل كلام سيبويه وأنه مخالف له .
وهذا البيت كذا رواه سيبويه وتبعه من جاء بعده ولم يذكر خدمة كتابه تتمته ولا شرحوه شرحاً وافياً بمعناه وإنما قال الأعلم : هجا قوماً فوصفهم بحدثان النعمة . والخيزراني : كل نبت ناعم وأراد بالخير المال .
هذا كلامه بحروفه .
وقد رواه غير سيبويه بكسر العين من ينفع . على أنه جواب مجزوم . وكذا رواه الأصمعي بلفظ : متى ما يدرك الخير ينفع وقال : يقول : نميتم نماءً حسناً كما ينبت الخيزران في نعمته ولينه أي : وإن كنتم نبتم بأخرة فإن الخيزران متى يدرك ينفع . انتهى .
وهذا يقتضي أن الخير بمعنى الخيزران . وهذا غير معهود بهذا المعنى وأما استعماله في المال فكثير قال تعالى : إن ترك خيراً أي : مالاً . وقال تعالى : لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي : لا يفتر من طلب المال . وإن كانت الرواية : متى يدرك الخيز بالزاي المعجمة لغة في الخيزران فما قاله صحيح لكني لم أرها في كتب اللغة .
وممن رواه كالأصمعي الجاحظ نقله عنه ابن عبد ربه قال في كتابه العقد الفريد في باب ما غلط فيه على الشعراء : وأكثر ما أدرك على الشعراء له مجاز وتوجيه حسن ولكن أصحاب اللغة لا ينصفونهم وربما غلطوا عليهم وتأولوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها . فمن ذلك قول سيبويه واستشهد ببيت في كتابه في
____________________

إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ وهو : الوافر ( معاويّ إننا بشر فأسجح ** فلسنا بالجبال ولا الحديدا ) )
كذا رواه بالنصب وزعم أن إعرابه بالعطف على خبر ليس وإنما قاله الشاعر بالخفض والشعر كله مخفوض .
ونظير هذا البيت ماذكره أيضاً في كتابه واحتج به في باب النون الخفيفة : ( نبتم نبات الخيزراني في الثرى ** حديثاً متى ما يأتك الخير ينفعا ) وهذا البيت للنجاشي وقد ذكره عمرو بن بحر الجاحظ في فخر قحطان على عدنان في شعر كله مخفوض وهو قوله : ( يا راكبا إما عرضت فبلغن ** بني عامرٍ عني وأبناء صعصع ) ( نبتم بنات الخيزرانة في الثرى ** حديثاً متى ما يأتك الخير ينفع ) انتهى كلام ابن عبد ربه .
وقد تقدم في الشاهد الرابع والعشرين بعد المائة أن البيت الأول من أبيات منصوبة القوافي . وكذا يمكن أن يكون هذا البيت من أبيات منصوبة القوافي وإن جاء من أبياتٍ مجرورة القوافي كما جاء في ذلك البيت كذلك .
ولهما نظائر أوردناها في مواضع من هذا الكتاب فإن البيت الواحد قد يجيء في شعرين لشاعرين في أحدهما مجرور وفي الآخر مرفوع أو منصوب كما تقدم في الشاهد الخامس بعد الخمسمائة من باب الظروف .

____________________

وسيبويه إمام ثقة راوية لم يورد في كتابه شيئاً إلا ما يعرفه حق المعرفة ولكنا لقصورنا ولعدم المساعدة قد لا نطلع على بعض ذلك . والله أعلم بحقائق الأمور .
وقوله : إما عرضت أي : إن أتيت العروض وهي مكة زادها الله شرفاً . وصعصع : مرخم صعصعة للضرورة وعامر هو ابنه وإنما فصله عن ابنائه لشهرة من سواه من أولاده بالأبناء .
قال ابن الأعرابي : الأبناء ولد صعصعة ما خلا عامراً وله ستة عشر ولداً ذكراً .
وقوله نبتم نبات . . . الخ نبت نبتاً من باب قتل والإسم النبات . والمعنى : نبتم كما ينبت الخيزراني . والخيزران بفتح الخاء وضم الزاي قال الصاغاني في العباب : هو شجرة وليس من نبات أرض العرب وإنما ينبت ببلاد الهند . وهو عروق ممتدة في الأرض . وقد يقال لكل طريٍ ولكونه عروقاً قال في الثرى . وحديثاً : حال من الخيزراني . ومعناه : القريب يقال : هو حديث عهدٍ بكذا . والحديث أيضاً : ضد القديم . والحديث أيضاً : الحادث يقال : حدث الشيء بعد أن )
لم يكن أي : وجد . والحديث أيضاً : الطري . وهذه المعاني كلها مناسبة .
يقول : لستم بأرباب نعمةٍ قديمة وإنما حدثت فيكم عن قرب فقد نميتم كما ينمي الخيزران بنعومة وطراوة فإن المال متى ما جاء نفع . وعلى هذه طريقة إرسال المثل .
وقال العيني : حديثاً منصوب بفعل محذوف تقديره : حدث حديثاً . هذا كلامه .
وتقدمت ترجمة النجاشي في الشاهد الخامس والسبعين بعد الثمانمائة .

____________________

وأنشد بعده ( الشاهد السابع والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : الكامل ( من نثقفن منهم فليس بآيبٍ ** أبداً وقتل بني قتيبة شافي ) على أنه ربما دخلت النون في الشرط بلا تقدم ما الزائدة .
وتقدم قبله أن هذا التوكيد عند سيبويه ضرورة . وكذا قال ابن عصفور في كتاب الضرائر : إنه قال الأعلم : الشاهد في إدخال النون على فعل الشرط وليس من مواضعها إلا أن يوصل حرف الشرط بما المؤكدة . يقول : من ظفرنا به من آل قتيبة بن مسلم فليس بآيب إلى أهله لما في قتلهم من شفاء النفوس . يصف قتله وانتقال دولته وإظهار الشماتة به . انتهى .
وليس قتيبة ما ذكره ولو اطلع على الشعر ما قاله .
والبيت أحد أبياتٍ ثلاثة لبنت مرة بن عاهان الحارثي ورواها أبو عبد الله محمد ابن عمران المرزباني في كتاب أشعار النساء قال : كتب إلي أحمد بن عبد العزيز قال : أخبرنا عمر بن شبة قال : قالت بنت مرة بن عاهان أبي الحصين لما قتلته باهلة : الكامل ( إنا وباهلة بن أعصر بيننا ** داء الضرائر : بغضةٌ وتقافي ) ( من نثقفن منهم فليس بآيب ** أبداً وقتل بني قتيبة شافي ) ( ذهبت قتيبة في اللقاء بفارسٍ ** لاطائشٍ رعشٍ ولا وقاف ) وحدثني أحمد بن محمد الجوهري قال : حدثنا العنزي قال : حدثنا التوزي
____________________

قال : حدثنا أبو عبيدة قال : كان المنتشر بن وهب
____________________

الباهلي يغاور أهل اليمن فقتل مرة بن عاهان الحارثي فقالت نائحته : البسيط ( يا عين بكي لمرة بن عاهانا ** لو كان قاتله من غير من كانا ) )
قال أبو عبيدة : ماهجوا بمثله لأنها صغرت بهم وإنما أرادت باهلة . انتهى .
وكذا رواها الأسود أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب .
قوله : إنا وباهلة بن أعصر أريد بباهلة القبيلة المنسوبة إليها ثم إلى أعصر لأن باهلة هي بنت صعب بن سعد العشيرة من مذحج تزوجها مالك بن اعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر فولدت باهلة من مالك سعد مناة .
ثم تزوجها ابن زوجها معن بن مالك بن أعصر فولدت باهلة من معن أوداً وجئاوة .
وكان لمعن بن مالك أولاد من غيرها وهم : شيبان وزيد ووائل والحارث وحرب ووهيبة وعمرو وأمهم أرنب بنت شمخ بن فزارة . وقتيبة وقعنب وأمهما سودة بنت عمرو بن تميم .
فحضنت باهلة هؤلاء التسعة فغلبت عليهم . فانتسبوا إليها .
فقتيبة في هذا الشعر هو ابن زوج باهلة وهو قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر . وما ذكره الأعلم باهلي أيضاً وهو من ولد وائل فإنه قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخبر بن كعب بن قضاعي بن هلال بن سلامة بن ثعلبة بن وائل .
فانظر ما بينهما . ولكن حصل للأعلم اشتباه من تشارك الاسمين .
وكان قتيبة بن مسلم أمير خراسان لعبد الملك بن مروان والمنتشر بن وهب كان من ولد وائل وكان المنتشر ممن كان يعدو أشد من عدو الظبي هو وأوفى بن مطر المازني وسليك بن السلكة وتأبط شراً . والشنفري .
وقوله : كان يغاور أهل اليمن أي : يغير عليهم . وبالآخرة قتله بنو الحارث بن كعب كما تقدم في ترجمته في الشاهد السابع والعشرين من أول الكتاب .
والأصمعي العالم الراوية المشهور باهلي أيضاً . وهو من ولد قتيبة بن معن واسمه : عبد الملك بن قريب بالتصغير ابن علي بن أصمع بن مظهر بن رياح بن عبد شمس بن أعيا بن سعد بن عبد بن غنم بن قتيبة .
وكان الأصمعي يقول : لست من باهلة لأن أم قتيبة بن معن تميمية ولكن حضنته فغلبت عليه وإنما تبرأ منها لأن باهلة قبيلة مذمومة في العرب .
وقوله : بيننا داء الضرير جمع ضرة بالفتح . وضرة المرأة : امرأة زوجها . وهذا الجمع نادر لا يكاد يوجد له نظير فإن فعائل يكون جمع فعلية لا فعلة . وداء الضرير هو التباغض والتضارب وهو )
معروف فيكون قولها : بغضه وتقافي تفسيراً للداء . وبغضه إما بدل من داء أو خبر لمبتدأ محذوف .
والبغضة بالكسر والبغضاء بالمد : شدة البغض . والتقافي : تفاعل من قفيته أقفيه قفياً إذا وروي : نقاف بكسر النون وهو مصدر ناقفه . قال الليث : المناقفة : هي المضاربة بالسيوف على الرؤوس . وعلى هذا يكون بغضة بالجر بدلاً من الضرائر .

____________________

وقولها : من نثقفن منهم . . . . إلخ بنون المتكلم مع الغير يقال : ثقفت الرجل في الحرب : أدركته . وثفقته : ظفرت به . وثقفته : أخذته . وثقفت الحديث : فهمته بسرعة . والكل من باب تعب .
وآئب : راجع من آب من سفره يؤوب أوباً : رجع . والإياب : اسم منه أي : من نظفر به من باهلة نقتله ولا ندعه يرجع إلى أهله سالماً . فمن مبتدأ وجملة الشرط والجزاء : خبره وجملة ليس بآئب : هو الجزاء واسم ليس ضمير من والباء زائدة في خبرها .
وروي : من تثقفن منا بالمثناة الفوقية للتأنيث فيكون فاعله ضمير باهلة .
وروى أبو محمد الأعرابي في فرحة الأديب : من يثقفوا منا فليس بوائل . والوائل : الملتجىء من وأل يئل وألاً إذا لجأ . والمؤل : الملجأ . ولا تناسب هاتين الروايتان ما بعدهما ولا المقام .
وقولها : ذهبت قتيبة في اللقاء هو الحرب . والطائش : المتحير . والرعش : المرتعش من الخوف .
والوقاف : الذي لا يبارز العدو جبناً .
ومرة بن عاهان بن الشيطان بن أبي ربيعة بن خيثمة بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب : أحد قبائل اليمن . وكان عاهان شريفاً عظيماً بينهم ويقال له هاعان أيضاً . وهو جاهلي قديم .
والعيني لم يأت في شرح هذا البيت بشيء . والله أعلم .
وأنشد بعده : الطويل
____________________

ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها على أنه يجوز في الاختيار بقلة تأكيد الفعل المستقبل في غير الشرط إذا كان في أوله ما الزائدة .
قال سيبويه : ومن مواضعها أفعال غير الواجب التي في قولك : بجهدٍ ما تبلغن وأشباهه . وإنما )
كان ذلك لمكان ما .
وتصديق ذلك قولهم في مثل : ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها وغفي مثل آخر : بألمٍ ما تختننه وقالوا : بعين ماأرينك . فما ها هنا بمنزلتها في الجزاء .
انتهى .
وقد تقدم الكلام عليه في الشاهد الحادي والخمسين بعد المائتين . ( الشاهد الثامن والأربعون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : المديد (
____________________

ربما أوفيت في علمٍ ** ترفعن ثوبي شمالات ) على أن توكيد ترفع بالنون الخفيفة ضرورة وإنما حسن التوكيد زيادة ما في رب ووقوع ترفع في حيز ربما .
قال سيبويه بعد إنشاد البيت للضرورة : وزعم يونس أنهم يقولون : ربما تقولن ذاك وأكثر ما تقولن ذاك . انتهى .
والبيت من ابيات لملك الحيرة جذيمة الأبرش قال الآمدي في المؤتلف والمختلف : جذيمة الأبرش الملك كان شاعراً وكان أبوه مالك بن فهم ملكاً على العرب بالعراق عشرين سنة وكان يقال لجذيمة الأبرش : الوضاح لبرصٍ كان به . وملك بعد أبيه ستين سنة . وكان ينزل الأنبار وهو القائل : المديد ( ربما أوفيت في علم ** ترفعن ثوبي شمالات ) على أن توكيد ترفع بالنون الخفيفة ضرورة وإنما حسن التوكيد زيادة ما في رب ووقوع ترفع في حيز ربما قال سيبويه : بعد إنشاء البيت للضرورة وزعم يونس أنهم يقولون ربما تقولن ذاك وأكثر ما تقولن ذاك انتهى .
والبيت من أبيات الملك الحيرة جذيمة الأبرش قال الآحدي في المؤلف والمختلف جذيمة الأبرش الملك كان شاعراً وكان أبوه مالك بن فهم ملكاً على العرب بالعراق عشرين سنة وكان يقال لجذيمة الأبرش الوضاح لبرص كان به وملل بعد أبيه ستين سنة وكان ينزل الأبغار وهو القائل المديد . ) ( ربما أوفيت في علمٍ ** ترفعن ثوبي شمالات ) ( في فتوٍ أنا كالئهم ** في بلايا عورةٍ باتوا ) ( ثم أبنا غانمين معاً ** وأناسٌ بعدنا ماتوا ) ( ليت شعري ما أماتهم ** نحن أدلجنا وهم باتوا ) في أبياتٍ . ولجذيمة في كتاب الأزد أشعار . انتهى .
يصف سرية أسرى بها أو انقطاعاً عرض له من جيشه في بعض مغازيه فكان ربيئة لهم ولم يكل ذلك إلى أحدٍ أخذاً بالحزم والثقة .
قال الأعلم : وصف أنه يحفظ أصحابه في رأس جبل إذا خافوا من عدو فيكون طليعةً لهم .
والشمالات : جمع الشمال من الرياح وخصها لأنها تهب بشدةٍ في أكثر
____________________

أحوالها . وجعلها ترفع ثوبه لإشراف المرقبة التي يربأ فيها لأصحابه انتهى كلامه .
وليس في أبياته ما يدل على أن أصحابه في رأس جبل يخافون عدواً وهذا ذم . وإنما المعنى : أنا أنظر لهم وأصعد على موضعٍ عال أرقبهم . وأنظر من يأتيهم .
وقوله : لأنها تهب بشدة يكفي عنه قوله : ترفع ثوبه لإشراف المرقبة إذ الريح ولو أنها الصبا إذا هبت على ثوب من مكان عال رفعته . كذا قال ابن المستوفي . وفي الأول نظر .
وأوفيت على الشيء : أشرفت عليه ففي بمعنى على ويجوز أن تكون بمعناها على تقدير أوفيت على مكان عال في جبل .
وقال ابن الأعرابي : يقال : أوفيت رأس الجبل . قال ابن يسعون : فعلى هذا في البيت حذف مفعول تقديره ربما أوفيت مرقبة أو شرفاً في رأس علم .
والعلم بفتحتين : الجبل . والشمال بالفتح ويجوز الكسر بقلة وهي الريح التي تهب من ناحية القطب . وفيها لغات : شمل بسكون الميم وفتحها وشمأل بالهمز كجعفر وقد يشدد لامه وشأمل مقلوب منه وشيمل كصيقل وشومل كجوهر وشمول كصبور وشميل كأمير . وجمع الأول شمالات وبه أنشده الجوهري ويجمع على شمائل أيضاً بخلاف القياس .
وفي قوله : ترفعن . . . إلخ إشارة إلى أن قميصه لا يلصق بجلده لخصمه . وهذا مدح عندهم لا سيما من كان مثله من أهل النعمة .
قال ابن الملا : وجملة ترفعن . . . إلخ حال من تاء أوفيت أو صفة لعلم والعائذ محذوف أي : )
فيه . واقتصر العيني على الأخير .
وفي الأول نظر فإنهم قالوا : يجب تجرد الجملة الحالية من علم الاستقبال ولهذا غلط من أعرب جملة سيهدين حالاً من قوله تعالى : إني ذاهبٌ إلى ربي سيهدين .
قال شارح أبيات الإيضاح للفارسي : ترفعن كلام منقطع مما قبله كأنه
____________________

استأنف الحديث . وليس في موضع حال لأن هذه النون لا تدخل على الحال . انتهى .
واستشهد به الفارسي في الإيضاح على وقوع الماضي بعد رب إذا كفت بما قال : وربٌ موضوعة للإخبار عما مضى وهذا موضع التكثير به أولى من التقليل لأنه المناسب للمدح .
وكذا قال ابن هشام في المغني : إنه مسوق للافتخار ولا يناسبه التقليل .
قال شارح أبيات الإيضاح : يحتمل بقاء هنا رب على معناها من التقليل لأن جذيمة ملك جليل لا يحتاج مثله إلى أن يبتذل في الطلائع لكنه قد يطرأ على الملوك خلاف العادة فيفخرون بما ظهر منهم عند ذلك من الصبر والجلادة .
وأورد على ابن هشام بأن قد يقع لا من حيث قلته بل من كونه عزيز المنال لا يوصل إليه إلا بشق الأنفس فالظفر به مع هذه الحالة يناسب الافتخار .
وأجيب بأنه لم يدع عدم مناسبة القليل بل التقليل وهو غير مناسب للافتخار وإن كان القليل قد يناسبه بغير جهة قلته .
وورى صاحب الأغاني البيت كذا : ترفع أثوابي شمالات ورواه أيضاً : ترفع الأثواب شمالات .
وقوله : في فتوً أنا كالئهم في متعلقة بأوفيت وفتو : جمع فتى وهو السخي الكريم والشاب أيضاً جمع على فعول وفي بمعنى مع متعلقة بأوفيت . وكالئهم : اسم فاعل من كلاه الله يكلؤه مهموز بفتحتين أي : حفظه وحرسه .

____________________

والبلايا : جمع بلية . والعورة بفتح العين المهملة : موضع خللٍ يتخوف منه في ثغر أو حرب وباتوا : ماضي يبيت مبيتاً ومباتاً . وله معنيان : أشهرهما : اختصاص ذلك الفعل بالليل كما اختص لفعل في ظل بالنهار . فإذا قلت : بات يفعل كذا فمعناه : فعله بالليل ولا يكون إلا مع سهر الليل .
والثاني : بمعنى صار يقال : بات بموضع كذا أي : صار سواء كان بليل أو نهار وعليه قوله صلى الله عليه وسلم : فإنه لا يدري أين باتت يده . والمعنيان هنا محتملان . وروى ) ( في شبابٍ أنا رائبهم ** هم لدى العورات صمات ) ورابئ : اسم فاعل من ربأت القوم بالهمزة ربئاً وارتبأتهم أي : رقبتهم وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف . والربيء والربيئة على وزن فعيل وفعلية : الطليعة . والمربأة على مفعلة وكذلك المربأ : المرقبة . والعورة تقدم شرحها . وصمات : جمع صامت وصمتهم للحراسة .
وروى الجوهري : ( في فتوً أنا رابئهم ** من كلال غزوةٍ ماتوا ) والكلال بالفتح : التعب . وهو مضاف إلى غزوة . والغزوة بمعجمتين وجملة ماتوا : صفة ثانية لفتوً . وأردا بالموت : مقاساة الأهوال والشدائد .
وقوله : ثم أبنا غانمين : من آب يؤوب إذا رجع . ورواه صاحب الأغاني كذا : ( ثم أبنا غانمين وكم ** من أناسٍ قبلنا ماتوا
____________________

) وقوله : نحن أدلجنا يقال : أدلج إدلاجاً إذا سار الليل كله وباتوا بالموحدة . وروى صاحب الأغاني المصراع الأول كذا .
ليت شعري ما أطاف بهم وروى غيره : وجذيمة الأبرش بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة قال الجاحظ في البيان والتبيين : عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي أن جذيمة الوضاح هو الأبرش التنوخي الأزدي وهو آخر ملوك قضاعة بالحيرة وهو أول من حذا النعال واتخذ المنجنيق وضعه على الحصون وأول من أدلج من الملوك وأول من رفع له الشمع .
وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأياً وأبعدهم مغاراً وأشدهم نكاية وأظهرهم حزماً .
وهو أول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب وغزا بالجيوش وكان به برص وكانت العرب تكنى عن أن تسميه به وتنسبه إليه إعظماً له فقيل له : جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش .
وكانت منازلة فيما بين الحيرة والأنبار وبقة وهيت وناحيتها وعين التمر وأطراف البر وتجبى إليه الأموال وتفد عليه الوفود وكان غزا طسماً وجديساً في منازلهما من جو وما حوله وجو هي اليمامة فوافق خيول حسان بن أسعد أبي كرب قد أغارت على طسم وجديس فانكفأ )
جذيمة راجعاً . انتهى .
وتقدم ذكر مقتله في الشاهد الرابع والثلاثين بعد الخمسمائة .

____________________

وأنشد بعده وهو من شواهد س : الرجز ( يحسبه الجاهل ما لم يعلما ** شيخاً على كرسيه معمما ) على أن نون التوكيد تدخل بعد لم تشبيهاً لها بلا النهي عند سيبويه . وأنشد هذا الشعر .
وتقدم نقل كلامه قبل أربعة أبيات وأنه عند ضرورة وأصله ما لم يعلمن فقلبت النون ألفاً للوقف .
قال ابن الأنباري في مسائل الخلاف : يدل على أن النون الخفيفة ليست مخففة من الثقيلة أنها تتغير في الوقف ويقف عليها بالألف قال تعالى : لنسفعاً بالناصية وقال تعالى : ليسجنن وليكوناً من الصاغرين أجمع القراء على أن الوقف فيهما بألف لا غير .
وقال الشاعر : يحسبه الجاهل ما لم يعلما ولا يجوز أن يكون ها هنا بالنون لمكان قوله : معمما بالألف لأن النون لا تكون وصلاً مع الألف في لغة من يجعلها وصلاً ولا روياً مع الميم إلا في الإكفاء
____________________

وهو عيب في قوافي الشعر .
ولو جاز أن تقع روياً معها لما جاز ها هنا لأن النون مقيدة والميم مطلقة فإن أتي بتنوين الإطلاق على لغة بعض العرب فقال : معممنٍ جاز أن يقول : يعلمن لأنهم يجعلون في القافية مكان الألف والواو والياء تنويناً ولا فرق عندهم في ذلك بين أن تكون هذه الأحرف أصلية أو منقلبة أو زائدة في اسم أو فعل كقوله : والعتابن ولقد أصابن ونحو ذلك . انتهى .
وهذا الشعر من قصيدة مرجزة أوردها الأسود أبو محمد الأعرابي في ضالة الأديب وهي : الرجز ( عبسيةٌ لم ترع قفاً أدرما ** ولم تعجم عرفطاً معجما ) ( كأن صوت شخبها إذا همى ** بين أكف الحالبين كلما ) ( شدا عليهن البنان المحكما ** سحيف أفعى في خشيً أعشما ) ( وقد حلبن حيث كانت قيما ** مثنى الوطاب والوطاب الزمما ) ) ( وقمعاً يكسى ثمالاً قشعما ** يحسبه الجاهل مالم يعلما
____________________

) ( شيخاً على كرسيه مععما ** لو أنه أبان أو تكلما ) ( لكان إياه ولكن أعجما ** أتعبن ذا ضبعية ملوما ) ( عند كرامٍ لم يكن مكرما ** عذبه الله بها وأغرما ) ( وليداً حتى عسا واعرنزما ** قد سالم الحيات منه القدما ) ( الأفعوان والشجاع الشجعما ** وذات قرنين ضروساً ضرزما ) ( يتبع منها الدلحات الروما ** يعرفن منه الرز والتكلما ) قوله : عبسة أي : هذه الإبل عبسية أو لنا إبل عبسية منسوبة إلى عبس أبو قبيلة . ولم ترع من الرعي .
والقف بضم القاف والتشديد الفاء : ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلاً . وقفاً : ظرف لقوله : لم ترع . والأورم في القاموس هو
____________________

المستوي . وقال العيني : الذي لا نبات فيه .
وقوله : لم تعجم بالتشديد من عجمت العود أعجمه بالضم عجماً إذا عضضته لتعرف صلابته من خوره والمراد لم تمضغ . والمعجم : المعضض . والعرفط كقنفذ : شجر من أشجار البادية .
قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب ألنبات : العرفط من العضاه وهو مفترش على الأرض لا يذهب في السماء وله ورقة عريضة وشوكة حجناء وهو ما يلتحى لحاؤه ويصنع منه الأرشية ويخرج في برمه غلفة كأنه الباقلّى تأكله الإبل والغنم . وهو خبيث الريح وبذلك يخبث ريح راعيته وأنفاسها حتى تتنحى عنها . وهو من أخبث المراعي . انتهى .
وقال الأزهري : العرفط : شجرة قصبيرة متدانية الأغصان ذات شوك كثير تنبت في الجبال .
انتهى .
والشخب بفتح الشين وسكون الخاء المعجمتين : مصدر شخب اللبن يشخب بفتحهما ويشخب بالضم إذا خرج من الضرع والأشخوب بالضم : صوت الدرة . وهمى يهمي إذا سال .
وقوله : شدا عليهن . . . إلخ شدا بالشين المعجمة والدال المهملة بمعنى غنى وفاعله الشخب والبنان مفعوله بتقدير اللام وضمير عليهن للأكف يقال : شدا شعراً أو غناءً إذا )
غنى به أو ترنم به .
وقوله : سحيف أفعى هو خبر كأن . والسحيف بمهملتين كأمير : الصوت جعله للأفعى وأصله صوت الشخب قال الصغاني : السحيف : صوت الشخب .

____________________

وقال أبو مالك : : ناقة أسحوف الأحاليل إذا كانت كثيرة اللبن كأنه يسمع لصوت شخبها سحفة وهي سحيفها .
وأنشد الأصمعي : الرجز ( حسبت أن شخبها وسحفه ** أفعى وأفعى طافياً بنشفه ) والنشفة : الحجارة المحرقة من حجارة الحرة ويقال أيضاً : سمعت حفيف الرحى وسحيفها أي : صوتها إذا طحنت . انتهى .
وفي القاموس : الخشي بالمعجمتين : يابس النبت وألأعشم بإهمال العين وإعجام الشين : اليابس من الحماض يقال العيشوم أيضاً . وفي القاموس : الأعشم : الشجر اليابس وكل شجرة يابسها أكثر من رطبها .
وروي بدله : صوت الأفاعي في خشيٍ أخشما والأخشم والأشخم : الذي ابيض بعد خضرته .
ومثل قول الآخر : الرجز ( كأن صوت شخبها المرفض ** كشيش أفعىً أجمعت لعض ) فهي تحك بعضها ببعض شبه صوت شخبها بكشيش الأفعى إذا همت بأن تثب للعض . والمرفض : المتفرق لكثرته وأجمعت : عزمت . وقوله : قيما : جمع قائمة والقياس :
____________________

قوم .
وقوله : مثنى الوطاب : هو مفعول حلبن على حذف مضاف أي : ملء مثنى الوطاب . والمثنى هنا بمعنى المكررة كما في قولهم : مثنى الأيادي أي : يعيد معروفه مرتين أو ثلاثاً .
قال أبو عبيدة : مثنى الأيادي : الأنصباء التي كانت تفضل من الجزور في الميسر فكان الرجل وقال أبو عمرو : هي أن يأخذ القسم مرة بعد مرة . والوطاب : جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة . )
قال ابن السكيت : هو جلد الجذع فما فوقه وجمعه في الكثير أوطاب وفي القليل أوطب .
والزمم : بضم الزاء وتشديد الميم : جمع زامٍّ من زم . قال صاحب القاموس : زم القربة : ملأها .
وقوله : وقمعا وروي بدله : وقصعاً يكسى . . . إلخ بكسر القاف وفتح الميم : آلة تجعل في فم السقاء ونحوه ويصب فيها اللبن ونحوه وقمعت الرطب أي : وضعت في رأسه القمع .
والثمال بضم المثلثة قال صاحب العباب : هي الرغوة والقطعة ثمالة . قال أبو زيد في نوادره : كل شيء يكون ضخماً فهو قشعم .
وأنشد : الرجز وقصعاً تكسى ثمالاً قشعما والثمال : الرغوة . انتهى . ولم أر القشعم بهذا المعنى إلا فيها .
وقوله : يحسبه أي : يحسب الثمال . وما : مصدرية ظرفية . ويعلم هنا بمعنى يعرف ومفعوله محذوف وهو ضمير الثمال وشيخاً هو المفعول الثاني ليحسبه وما بعده صفتان له . شبه الرغوة التي تعلو القمع بشيخ معمم جالس على كرسي . وهذا تشبيهٌ ظريف جيد .

____________________

ولم يصب الأعلم في قوله : وصف جبلاً قد عمه الخصب وحفه النبات وعلاه فجعله كشيخ مزمل في ثيابه معصب بعمامته وخص الشيخ لوقارته في مجلسه وحاجته إلى الاستكثار من الناس . هذا كلامه وكانه لم يقف على هذه الأبيات .
ووقله : لو أنه أبان أي : لو أن ذلك الثمال الذي يشبه الشيخ وأبان أي : جاء بالبيان وهو الإفصاح عما في الضمير . وقوله : لكان إياه أي : لكان الثمال ذلك الشيخ .
والأعجم : من لا يقدر على الكلام أصلاً . والأعجم أيضاً : الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب والأعجم أيضاً : الذي في لسانه عجمة وإن أفصح بالعجمية والمراد هنا الأول .
وقوله : أتعبن ذا ضبعية أي : أتعبت هذه الإبل راعياً ذا ضبعيةٍ أي : ذا قوة ضبعية نسبة إلى الضبع بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة وهو العضد . والملوم : الذي يلام لوماً كثيراً لسوء ما يأتي .
وقوله : عند كرام بالنون وروي أيضاً : عبد كرام بالموحدة .
وقوله : عذبه الله بها أي : بخدمة هذه الإبل والجملة خبرية أو دعائية . وأغرم من أغرمه الله أي : جعلة الله ذا غرام فهو مغرم . والغرام : الشر الدائم . )
وقوله : وليداً . . . إلخ هو مصغر وليد كأمير صغرة تحقيراً له وعسا هنا من عسا الشيء قال الأخفش : عست يده تعسو : غلظت من العمل . واعرنزم بالعين والراء المهملتين بعدها نون وزاي أي : اجتمع وأشتد .
وقوله : قد سالم الحيات . . . إلخ أنشده سيبويه إلى قوله : ضموزاً ضرزماً برفع الحيات ونصب الأفعوان وما بعده وقال : فإنما نصب الأفعوان والشجاع لأنه قد علم أن القدم ها هنا مسالمة كما أنها مسالمة فحمل الكلام على أنها مسالمة . انتهى .

____________________

فيكون الأفعوان وما بعده منصوباً بإضمار فعل كأنه قال : وسالمت القدم الأفعوان والشجاع فالمسالمة واقعة منهما .
قال ابن السيد في أبيات المعاني وفي شرح أبيات الجمل : كان القياس رفع الأفعوان وما بعده على البدل من الحيات لكنه جمله على فعل مضمر يدل عليه سالم لأن المسالمة إنما تكون من اثنين فصاعداً فلما اضطر إلى النصب حمل الكلام على المعنى .
وقال الفراء : الحيات بالنصب مفعول بها والفاعل القدمان وهو مثنى فحذف نونه للضرورة .
انتهى .
وقال ابن هشام في آخر المغني : نصب الحيات هو على الفاعلية فإنه قد ينصب الفاعل عند أمن اللبس . وأقول : الفراء إنما رواه كسيبويه قال في تفسير قوله تعالى : إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ترفع الأغلال والسلاسل ولو نصبت السلاسل تريد : يسحبون سلاسلهم في جهنم .
وذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال : وهم في السلاسل يسحبون فلايجوز خفض السلاسل والخافض مضمر ولكن لو أن متوهماً .
قال : إنما المعنى إذ أعناقهم في الأغلال وفي السلاسل يسحبون جاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب ومثله مما رد إلى المعنى قول الشاعر : ( قد سالم الحيات منه القدما ** الأفعوان . . . . . . . . . . . . . إلخ ) فنصب الشجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة لأن المعنى قد سالمت رجله الحيات وسالمتها فلما أجتاج إلى نصب القافية جعل الفعل من القدم واقعاً على الحيات . انتهى كلامه .

____________________

وعزا ابن جني في الخصائص رواية نصب الحيات إلى الكوفيين ونسبها بعضهم إلى البغداديين . )
والله أعلم .
وقد رجحه اللخمي في شرح أبيات الجمل قال : ويدوى بنصب الحيات فتكون القدم فاعله .
وأراد القدمان فحذف النون ضرورة ومما يدل على أن القدمين قد حذف نونه للضرورة قوله بعد هذا : فقوله : هممن في رجليه دليل على القدما تثنية . وقوله : ثم اغتدين . . . إلخ دليل على أن بعضها قد سالم بعضاً .
ووقله : واغتدى إخبار عن صاحب القدمين لا عن القدم لأنه إذا سلمت قدماه فهو مسلم ومعنى هممن : دببن . هذا كلامه .
والأفعوان بالضم : الذكر من الأفاعي . والشجاع : الذكر من الحيات . والشجعم : الجريء وقيل : الطويل مع عظم جسم والميم فيه زائدة .
وقوله : وذات قرنين هي الأفعى القرناء وضرب من الأفاعي يكون له قرون من جلده وليست كالقرون المعروفة .
قال اللخمي : ذات قرنين : حية لها قرنان وهما لحمتان في رأسها من عن يمين وشمال وقيل : يعني العقرب . والضروس : فعول من الضرس وهو العض الشديد بالأضراس .
ووري بدله : الضموز بالمعجمتين كصبور وهي الحية المطرقة التي لا تصفر لخبثها فإذا عرض لها إنسان ساورته وثباً . والضرزم بكسر المعجمتين بينهما راء مهملة ساكنة : الحية المسنة وهوأخبث لها وأكثر لسمها .
وقيل : هي الشديدة النهش . وصفه بغلظ القدمين وصلابتهما لطول الحفى فذكر لأنه يطأ على الحيات والعقارب فيقتلها فقد سالمت قدميه فما تقدم أن تدخل تحتها كما سالمت القدمان الحيات فاغتدين مسلمات واغتدى الرجال سالم القدمين .

____________________

وقوله : يبتن عند عطفيه أي : تبيت الحيات عند قدميه .
وروي بدله : ( هممن في رجليه ثم هوما ** ثم اغتدين . . . . . إلخ ) في الصحاح : الهميم : الدبيب وقد هممت أهم بالكسر هميماً . وهوم الرجل إذا هز رأسه من النعاس . )
ووقله : يتبع منها . . . إلخ رجع إلى ذكر الإبل . وضمير منها للإبل . ودلح : جمع دالحة بالحاء المهملة من دلح الرجل إذا مشى بحمله غير منبسط الخطو لثقله عليه .
والروم : جمع رائمة من رئمت الناقة ولدها رئماناً إذا أحبته . والرز بكسر الراء المهملة وتشديد الزاي : الصوت . قال الجوهري : تقول : سمعت رز الرعد وغيره .
وقد تحرفت هذه الكلمة على العيني فقال : الزر بفتح الزاي المعجمة وتشديد الراء وهو العض . انتهى . وهذا لا وجه له هنا .
وقد روى الحلواني في كتاب الشعراء المنسوبين إلى أمهاتهم الأبيات الأخيرة من قوله : إلى آخرها باختلافٍ في بعض الألفاظ ونسب الشعر إلى ابن جباية بضم الجيم وبعدها موحدتان خفيفتان . وهو شاعر جاهلي لص . قال : وهو من بني سعد ثم بني عوف بن سعد بن جباية وهي أمه واسمه المغوار بن الأعنق واسم الأعنق حيدة بن كعب وكان لصاً .
انتهى .
ونسب ابن السيد واللخمي هذا الشعر إلى مساور العبسي ونسبه بعضهم إلى العجاج .
قال ابن السيرافي في شرح أبيات الغريب المصنف : للعجاج قصيدة يشبه أن
____________________

تكون هذه الأبيات منها والرواية تختلف وأبيات العجاج في صفة فحل من فحول الإبل . انتهى .
وقال العيني : قال ابن هشام : هو لأبي حيان الفقعسي .
وقال السيرافي : قائله الدبيري .
وقال الصاغاني : قائله عبد بني عبس . انتهى .
ومساور العبسسي هو مساور بن هند بن قيس بن زهير بن جذيمة العبسي شاعر شريف فارس مخضرم إسلامي ذكره ابن حجر في الإصابة فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجتمع به وكان جده قيس مشهوراً في الجاهلية وهو صاحب حرب داحس والغبراء .
وروى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال : حدثني من رأى مساور بن هند أنه ولد في وذكره المرزباني في معجم الشعراء وذكر له قصة مع عبد الملك وكان أعور . وهو من المتقدمين في الإسلام وهو وأبوه وجده أشراف شعراء فرسان . انتهى ما ذكره ابن حجر .
وقال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : مساور بن هند كنيته أبو الصمعاء وجده قيس هو صاحب الحرب بين فزارة وعبس وهي حرب داحس والغبراء . وكان المساور يهاجي المرار الفقعسي )
ويهجو بني أسد .
قال : البسيط ( ما سرني أن أمي من بني أسدٍ ** وأن ربي ينجيني من النار ) ( وأنهم زوجوني من بناتهم ** وأن لي كل يومٍ ألف دينار
____________________

) وقال المرار يجيبه : البسيط ( لست إلى الأم من عبسٍ ومن أسدٍ ** وإنما أنت دينار بن دينار ) ( وإن تكن أنت من عبسٍ وأمهم ** فأم عبسكم من جارة الجار ) وفيه يقول الشاعر : الكامل ( شقيت بنو أسدٍ بشعر مساورٍ ** إن الشقي بكل حبلٍ يخنق ) وقال له الحجاج : لم تقول الشعر بعد الكبر قال : أسقي به الماء وأرعى به الكلأ وتقضي لي وهو من المعمرين ولم يذكره أبو حاتم السجستاني في المعمرين .
ومن هجوه لبني أسد قوله : الوافر ( زعمتم أن إخوتكم قريشٌ ** لهم إلفٌ وليس لكم إلاف ) ( أولئك أومنوا جوعاً وخوفاً ** وقد جاعت بنو أسدٍ وخافوا ) واستشهد بالبيت الأول لقراءة أبي جعفر : لإلف قريش من ألف يألف إلفاً . والبيت قد جمع القراءتين .

____________________

وأنشد بعده ( الشاهد الخمسون به التسعمائة ) الرجز ( أريت إن جئت به أملودا ** مرجلاً ويلبس البرودا ) أقائلن أحضري الشهودا على أن نون التوكيد قد تلحق اسم الفاعل ضرورة تشبيهاً له بالمضارع .
قال ابن جني في باب الاستحسان من كتاب الخصائص : الاستحسان علته ضعيفة غير أربت إن جئت به أملودا إلخ فألحق نون التوكيد اسم الفاعل تشبيهاً له بالفعل المضارع فهذا إذن استحسان لا عن قوة علة ولا عن استمرار عادة .
ألا تراك لا تقول : أقائمن يا زيدون ولا أمنطلقن يا رجال إنا تقوله بحيث سمعته وتعتذر له وتنسبه إلى أنه استحسان منهم على ضعفٍ منه واحتمال بالشبهة له انتهى .
وقال أيضاً في سر الصناعة : وشبه بعض العرب اسم الفاعل بالفعل فألحقه النون توكيداً فقال : أريت إن جئت به أملودا إلى آخر الشعر .

____________________

يريد : أقائلون فأجراه مجرى : أتقولون .
وقال الآخر : الرجز ( يا ليت شعري عنكم حنيفاً ** أشاهرن بعدنا السيوفا ) انتهى .
وهذا من رجز أورده السكري في أشعار هذيل لرجل منهم بلفظ : أقائلون قال : وقال رجل ( أرايت إن جاءت به أملودا ** مرجلاً ويلبس البرودا ) أي : إن جاءت به ملكاً أملوداً أملس .
ولا ترى مالاً له معدودا أي : لا يعد ماله من جوده . ( أقائلون أعجلي الشهودا ** فظلت في شرً من اللذ كيدا ) )
كاللذ تزبى صائداً فصيدا ويروى : فاصطيدا : تزبى زبية : حفر زبية . واللذ يريد الذي .
يقول : أرايت إن ولدت هذه المرأة رجلاً هذه صفته أيقال لها : أقيمي البينة إنك لم تأتي به من غيره انتهى .
وكذا اورده ابن دريد في أماليه بدون : ولا ترى مالاً له معدودا قال : أخبرنا أبو عثمان التوزي عن أبي عبيدة قال : أتى رجل من العرب أمةً
____________________

فلما حبلت جحدها فأنشأت تقول : أرايت إن جاءت به إلى آخره وعلى هذا لم تلحق النون اسم الفاعل فلا ضرورة فيه . وعلى رواية النون فقوله : أقائلن جمع وأصله : أقائلون كما ورد به الرواية وصرح به ابن جني .
ويلزم منه أن تكون لامه مضمومة فلما أكد وصار : أقائلونن حذفت نون الجمع لتوالي الأمثال وحذفت الواو لاجتماعها ساكنة مع نون التأكيد وبقيت الضمة دليلاً عليها .
ولا يجوز أن يكون أصله : أقائل أنا لأنه مقام الخطاب لا مقام التكلم .
وبما نقلنا يرد على الدماميني قوله في الحاشية الهندية وفي شرح التسهيل : ولقائل أن يقول : لانسلم أن في قوله أقائلن توكيداً لاحتمال أن يكون أصله أقائل إنا فحذفت الهمزة اعتباطاً ثم أدغم التنوين في نون إنا على حد : لكنا هو الله ربي كما قيل فيه . انتهى .
وهو في هذا مسبوق بقول المراكشي : يمنع أنه تأكيد بجعل الأصل : أقائل إنا ففعل كما في قوله تعالى : لكنا هو الله ربي . ورد عليه بأنه لو كان كذلك لكان البيت : أقائلونا بألف بعد النون .
وقد رد الشيخ خالد في التصريح على الدماميني بما ذكرنا وبهذا فقال : وعليه اعتراض من وجهين :
____________________

أحدهما : أنه يعتبر في المقيس أن يكون على وزان المقيس عليه وهنا ليس كذلك لأن الألف الثانية في المقيس عليه مذكورة وفي المقيس محذوفة .
والثاني : أن هذا الاحتمال إنما يتمشى حيث كان المعنى : أقائل إنا على التكلم أما إذا كان واعترض على هذا الشنواني بأن في إعطاء ما ذكر نظراً لجواز أن المتكلم جرد من نفسه نفساً خاطبها . انتهى . )
ولا يخفى أن ادعاء التجريد لا مساغ له هنا كما يعلم مما نقلنا عن ابن دريد .
واعترض على الأول أيضاً بوجهين : الأول : أنه يعتبر في المقيس أن يكون على وزان المقيس عليه في علة الحكم لا في غيرها .
الثاني : سلمنا ما ذكره . لكن نقول : إن الألف الثانية في المقيس عليه محذوفة في قراءة غير ابن عامر لأن ابن عامر قرأ بإثبات الألف وصلاً ووقفاً والباقون بحذفها وصلاً وبإثباتها وقفاً .
وكفى ذلك في كون المقيس على وزان المقيس عليه .
انتهى .
وفي كل منهما نظر أما أولاً فلأن الألف الثانية إذا حذفت لم يبقى دليل على أن النون بقية أنا حتى تقاس على غيرها في الأدغام .
وأما ثانياً فلأن من قرأ بحذف الألف من لكنا وصلاً لا يحذفها خطاً و الخط يدل عليها . واو وقف الدماميني على رواية الشعر وعلى كلام سر الصناعة لم يقل ذاك ولا قوله : سمعت شيوخنا ينشدونه بضم اللام من أقائلن .
____________________

ولم أقف عليه مضبوطاً كذلك في كتاب معتمد . انتهى فأن ضم اللام من لازم جمعه بالواو والنون .
ثم قوله : فإن ثبتت رواية الضم فيه علم أن العربي لا يبنيه عند إلحاق هذه النون المتصلة به لكن يسأل حينئذ : لم أعرب مع قيام الشبه المقتضي للبناء انتهى .
يريد بالشبه شبه اسم الفاعل المتصلة به النون بفعل الأمر كما صرح به .
وهذا السؤال واهٍ جداً ناشئ عن غفلة فإن مشابهة الاسم للفعل إنما تقتضي منعه من الصرف لا بناءه .
وتلك المشابهة إنما تكون في علتين من العلل التسع لا في مطلق المشابهة .
والشبه المقتضي للبناء إنما يكون لمشابهته للحروف . على أن النون غير متصلة باللام للفصل بالواو . و الفعل المؤكد بها مع فصل ضمير بارز لايبني على الصحيح فكيف الاسم وأغرب من هذا قول الشيخ خالد بعد اعترافه بأن اللام مضمومة : يسلك بالوصف مع نون التوكيد مسلك الفعل من البناء على الفتح مع المفرد وعلى الضم مع جماعة الذكور . ولم أقف على نص في ذلك . انتهى .
مع أن الدماميني صرح في أنه عند ضم اللام لايكون مبنياً جزماً إلا أنه غفل من عدم اتصال )
النون باللام . وغاية ما أجاب الشمني عن عدم البناء بأن النون إنما تدخل الوصف لشبهه بالمضارع لفظاً ومعنىً والأصل في الأسماء الإعراب فيبقى على أصله مع أنه لاضرورة في بنائه بل في لحاق النون به . هذا كلامه .
وقد اعترض الشنواني على الشيخ خالد بأن بناء الفعل المؤكد بالنون على الضم
____________________

مع واو الجماعة الذكور لم أقف على نص في ذلك فإن الذي وقفنا عليه بنائه مع نون التوكيد وإن لم تباشره .
وأما أن بناءه على الضم مع الولو وعلى الكسر مع الياء فلم نره في شيء مما رقفنا عليه . فإن كان هو أطلع على نقل في ذلك فسمعاً وطاعةً وإلا فهو محل توقف . انتهى .
وهذا نقد جيد وعلم معنى الشعر مما نقلناه عن ابن دريد وعن السكري .
وقول الدماميني في معناه : تقول أخبرني إن جاءت هذه المرأة بشاب يتزوجها رجل الشعر حسن اللباس كالغصن الناعم أتأمر بإحضاري الشهود لعقد نكاحها عليه ينكر وقوع ذلك منه . اه . شرح من عنده بالتخمين مخالف للمنقول .
وقد تبعه عليه الشيخ خالد وابن الملا في شرح المغني حتى قال الزراقي فيما كتبه على التصريح : قوله : ينكر وقوع ذلك منه أي : ينكر وقوع إحضار الشهود وذلك لأن الاستفهام في أقائلن إنكاري ووجه إنكار ذلك أن من كان على الصفة المذكورة كان من أهل الحضر وذلك لا يصاهرهم . قاله بعض شيوخنا . انتهى .
قال الشارح في شرح الشافية : تحذف الهمزة في رأيت مع ألف الاستفهام فيقال : أريت وهو قراءة الكسائي في جميع ماأوله همزة الاستفهام من رأى المتصل به التاء والنون . وإنما كثر ذلك في رأيت وأخواته لكثرة الاستعمال . انتهى .
وقوله : إن جئت بالتكلم عن لسان المرأة وهي رواية ابن جني في سر الصناعة والخصائص والمحتسب . هذا إذا كان القائل غيرها فإن كانت هي
____________________

القائلة فهو على مقتضى الظاهر .
ورواه السكري وابن دريد : إن جاءت فهو على رواية السكري يكون على لسانها وعلى رواية ابن دريد يكون كلامها نزلت نفسها منزلة الغائبة فأخبرت عنها .
والأملود بالضم قال صاحب الصحاح : غصن أملود أي : ناعم ورجل أملود وامرأة أملودة عن يعقوب وشاب أملد وجارية ملداء بينا الملد أي : النعومة .
والمرجل بفتح الجيم المشددة : اسم مفعول من رجل شعره ترجيلاً أي : سرحه . وفي النهاية )
لابن الأثير : الترجل والترجيل : تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه .
وفي المصباح : ورجلت الشعر ترجيلاً : سرحته سواء كان شعرك أو شعر غيرك . وترجلت إذا كان شعر نفسك . قال الدماميني : المرجل : الذي شعره بين الجعودة والسبوطة . انتهى .
ولا يخفى أن المستعمل بهذا المعنى إنما هو رجل الشعر رجلاً من باب تعب فهو رجل بالكسر والسكون تخفيف أي : ليس شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما . كذا في العباب والنهاية والمصباح وغيرها .
وقال العيني : وضبطه بعضهم بالحاء المهملة وهو برد يصور عليه الرحال . ويقال المرجل بالجيم : ثوب فيه صور الرجال والمرحل بالحاء : ثوب فيه صور تشبه الرحال . انتهى .
وتبعه السيوطي وغيره .
وهذا الضبط بالاختلاف إنما أورده عند قول امرئ القيس في معلقته : الطويل
____________________

أذيال مرطٍ مرجل وأما ما هنا فليس في شيء مما نقله . وسياقه يرهم أن هذا الاختلاف هنا .
والبرود : جمع برد بالضم قال صاحب النهاية : البرد : نوع من الثياب معروف والجمع أبراد وبورد . والبردة : الشملة المخططة وقيل : كساء أسود مربع فيه صفر تلبسه الأعراب وجمعها برد .
وقوله : ولا ترى مالاً له معدودا معناه عندي : لا يمكن عد ماله لكثرته وهذا كله على سبيل التفاؤل .
وقوله : أقائلن خبر مبتدأ محذوف والتقدير : أفأنتم قائلن . والجملة جواب الشرط والخطاب ورواه العيني : أحضروا بواو الجمع ولا وجه له كما لا وجه لنسبة الشعر إلى رؤبة بن العجاج .
والله أعلم .
وشرح بقية الشعر تقدم في الشاهد الحادي والعشرين بعد الأربعمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد الحادي والخمسون بعد التسعمائة ) الرجز (
____________________

يا ليت شعري عنكم حنيفا ** أشاهرن بعدنا السيوفا ) لما تقدم قبله وأصله : أشاهرونن ففعل به مثل ما تقدم .
وهو من رجز أورده ابن دريد في الجمهرة كذا : الرجز ( يا ليت شعري عنكم حنيفا ** وقد جدعنا منكم الأنوفا ) ( أتحملون بعدنا السيوفا ** أم تغزلون الخرفع المندوفا ) قوله : يا ليت شعري . . . إلخ يا الداخلة على ليت : حرف تنبيه قال الشارح المحقق : والتزم حذف الخبر في ليت شعري مردفاً باستفهام وهذا الاستفهام مفعول شعري أي : ليت علمي بما وعند ابن الحاجب : الاستفهام قائم مقام الخبر . ورده الشارح .
وعنكم : متعلق بشعري وعن : بمعنى الباء لأنه يقال : شعرت به وحنيفا بلا تنوين : منادى مرخم بن حنيفة وحرف النداء محذوف والألف للإطلاق .
وحنيفة : أبو قبيلة وهو حنيفة بن لجيم بضم اللام وفتح الجيم ابن صعب ابن علي بن بكر بن وائل .
وجملة وقد جدعنا . . . إلخ حال من شعري لأنه مفعول في المعنى . وجدع أنفه جدعاً بالجيم والدال المهملة من باب نفع أي : قطعة . وكذا الأذن واليد والشفة . والأنوف : جمع أنف وجملة : أتحملون . . . إلخ في موضع المفعول لشعري .
وكذا على رواية أشاهرن بتقدير مبتدأ أي : أأنتم شاهرن من شهر الرجل سيفه من باب نفع أي : سله وأبرزه من غمده والخرفع بضم الخاء
____________________

المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها فاء مضمومة وعين مهملة قال ابن دريد : هو قطن البردي .
وقال صاحب العباب : هو القطن الذي يفسد في براعيمه أي : في أكمامه قبل أن تنفتق .
وقال أبو مسحل : القطن يقال له : الخرفع بالكسر كزبرج وقد أورد العيني هنا ما يتعجب منه قال : الحنيف هو المسلم ها هنا وله معان أخر .
ويا : في مثل هذا الموضع تكون لمجرد التبيه وقد يقال إنها على أصلها . والمنادى محذوف تقديره : يا قوم ليت شعري أي : ليتني أشعر فأشعر هو الخبر وناب شعري عن أشعر ونابت )
الياء عن اسم ليت . وأشعر فعل متعد معلق عن العمل فيكون موضع الاستفهام وما بعده نصباً بالمصدر .
وحنيفا : نصب على أنه مفعول المصدر المضاف إلى فاعله ومنكم : في محل النصب على أنه صفة لحنيفا والتقدير ليتني اشعهر حنيفاً كائناً منكم . وشاهرن : اسم فاعل في معنى المستقبل لأن تقدير الكلام ليتني أشعر حنيفاً مسلماً منكم يشهر بعدنا السيوفا .
هذا كلامه وليته لم يسطره .
وهذا الرجز لم أقف على قائله ونسبه العيني إلى رؤبة بن العجاج ولم أره في ديوانه . والله أعلم .
وأنشد بعده : البسيط وليس حاملني إلا ابن حمال
____________________

وتقدم شرحه في الشاهد الخامس والتسعين بعد المائتين .
وأنشد بعده : الطويل هو عجز وصدره : لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم على أن عدم توكيد ليعلم بالنون شاذ عند البصريين وهذا يخالف ما ذكره في حروف القسم من أن المضارع إذا كان للحال يجب الاكتفاء باللام ولا تأتي بالنون وأنشد هذا البيت هناك .
وأما الشذوذ ففي المضارع المستقبل إذا جاء باللام دون النون فهذا الذي نقله عن البصريين هناك وتقدم شرح البيت في الشهد الرابع عشر بعد الثمانمائة .
وأنشد بعده ( الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة ) وهو من شواهد س : المتقارب (
____________________

فإما تريني ولي لمةٌ ** فإن الحوادث أودى بها ) على أن إن الشرطية المقرونة ب ما الزائدة يلزم توكيد شرطها بالنون عند الزجاج . وترك توكيد جيد عند غيره .
وهذا البيت يدل لغير الزجاج فإنه لم يؤكد فعل الشرط فيه .
فإما تثقفنهم في الحرب و إما تخافن من قومٍ خيانة . وقد تخلو من التوكيد بها .
كما في قوله : فإما تريني ولي لمةٌ البيت وقول الآخر : البسيط ( يا صاح إما تجدني عير ذي جدةٍ ** فما التخلي عن الخلان من شيمي ) انتهى .
وقال ابن هشام في المغني : يقرب التوكيد من الوجوب بعد إما . وذكر ابن جني أنه قرئ : فإما ترين بياء ساكنة بعدها نون الرفع على حد قوله : البسيط
____________________

لم يوفون بالجار ففيها شذوذان : ترك نون التوكيد وإثبات نون الرفع مع الجازم . انتهى .
وقد استشهد به سيبويه على حذف التاء من أودت فإن فاعله ضمير الحوادث وفي مثله يجب التأنيث فتركه الشاعر لضرورة الشعر .
قال الأعلم : دعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي وهي في معنى الحدثان . وقال ابن خلف : ذكر أودى وفيه ضمير الحوادث وهو يحتمل أحدهما : أن يكون حمل الحوادث على معنى الحدثان فذكر أو على حذف مضاف كأنه قال : فإن مر الحوادث أودى بها . والوجه الأول أجود في القياس .
فإن قيل : فهلاَّ قال : أودت بها وما الضرورة إلى ذلك فالجواب أن القوافي مردفة بالألف فلو قال أودت لذهب الردف وهو الألف وذهبت القافية .
وروي أيضاً : )
فإن تنكري لامريءٍ لمةً وروي : فإما تري لمتي بدلت وروي أيضاً :
____________________

فإن تعهديني ولي لمةٌ يريد : أن القافية مؤسسة . والتأسيس هو الألف الواقع قبل حرف الروي وهو الباء هنا .
واللمة بالكسر : الشعر الذي يلم بالمنكب . والحوادث : جمع حادثة .
وأودى بها : ذهب بها والمراد ذهب بمعظمها لأن قوله : ولي لمة : حال من الياء ومحال أن تكون له لمة في حال قد ذهب الحوادث بجميعها .
ومعنى أودى بها : ذهب ببهجتها وحسنها . ومعنى بدلت : ذهب بعضها بالصلع وشاب بقيتها فإن جوادث الدهر أهلكتها . يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء .
وقال العيني : لم يقل : أودت لأن تأنيث الحوادث مجازي لأنه جمع واسم الجمع واسم الجنس كلها تأنيثها مجازي لأنهن في معنى الجماعة والجماعة مؤنث مجازي .
ولأجل هذا جاز التأنيث في قوله تعالى : كذبت قبلهم قوم نوحٍ والتذكير أيضاً نحو : وكذب به قومك هذا كلامه وكأنه لم يعرف الفرق بين الإسناد إلى مجازي التأنيث الظاهر وبين الإسناد إلى ضميره . والرؤية هنا بصرية .
وقوله : ولي لمة أي : لمة مغيرة . وقوله : فإن الحوادث . . . إلخ هذا علة الجواب المحذوف والتقدير : فلا عجب فإن الحوادث . . . . إلخ .
والبيت من قصيدة للأعشى ميمون مدح بها أساقفة نجران وقبله : ( لجارتنا إذ رأت لمتي ** تقول : لك الويل أنى بها ) ( بما قد ترى كجناح الغدا ** ف ترنو الكعاب لإعجابها
____________________

) فإما تريني . . . إلخ .
وجارة الرجل : زوجته . وقوله : أنى بها أي : كيف صنعت بها حتى تغيرت كذا .
ووقله : بما قد ترى . . . إلخ الباء سببية متعلقة بترنو وهي مكفوفة بما وترى بالبناء للمفعول ونائب الفاعل ضمير اللمة والغداف بضم الغين المعجمة : الغراب الأسود . )
وترنو : نديم النظر . والكعاب بفتح الكاف : الجارية التي نهد ثديها وارتفع ويقال الكاعب أيضاً . والإعجاب : مصدر أعجبه الشيء أي : استحسنه .
ومن أبياتها يخاطب ناقته : ( فكعبة نجران حتمٌ علي ** ك حتى تناخي بأبوابها ) ( تزوري يزيد وعبد المسيح ** وقيساً هم خير أربابها ) وكعبة نجران : هي ذو الخلصة وهدمها جرير بن عبد الله بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويزيد هو ابن عبد المدان الحارثي وقيس هو ابن معد يكرب الكندي .
ومن أبياتها : المتقارب ( وكأسٍ شربت على لذةٍ ** وأخرى تداويت منها بها ) ( لكي يعلم الناس أني امرؤٌ ** أتيت المعيشة من بابها ) وهو أول من ابتكر هذا المعنى وأخذه قيس بن ذريح فقال : الطويل (
____________________

تداويت من ليلى بليلى من الهوى ** كما يتداوى شارب الخمر بالخمر ) ( دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ** وداوني بالتي كانت هي الداء ) وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب .
وأنشد بعده ( الشاهد الثالث والخمسون بعد التسعمائة ) الطويل ( إذا قال قطني قلت بالله حلفةً ** لتغنن عني ذا إنائك أجمعا ) على أن الفراء نقل عن طيئ أنهم يحذفون الياء الذي هو لام في الواحد المذكر بعد الكسر والفتح في المعرب والمبني .
والمعرب : هو المضارع وهو معرب قبل اتصال النون به ويكون ما قبله الياء فيه مكسوراً نحو : ليرمن زيد .
وكقول الشاعر :
____________________

لتغنن عني البيت ومفتوحاً نحو : ليخشن زيد . والأصل وهو الكثير الاستعمال ليرمين ولتغنين وليخشين فحذفوا والمبني : هو الأمر وكذلك يكون ما قبل الياء فيه مكسوراً نحو : ارمن وكقول الشاعر : البسيط ( وابكن عيشاً تقضي بعد جدته ** طابت أصائله في ذلك البلد ) ومفتوحاً نحو : اخشن يا زيد والأصل ارمين وابكين واخشين فحذفت الياء كذلك .
وغير طيئ يبقون الياء أيضاً على حالها .
هذ تقرير كلامه . وأراد بفعل الواحد المذكر أن لا يتصل به ضمير مؤنث فيدخل فيه : لتخشن الجماعة وأن أنث بالتاء من أوله . ولم يستشهد لمفتوح الياء فيهما بشيء .
وقد جاء في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم : لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب والترمذي .
قال التوربشتي : هو على بناء المفعول والحقوق مرفوع هذه هي الرواية المعتد بها .

____________________

ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب الحقوق والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به والصحيح الأول .
قال الطيي : إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال وإن كان بحسب الدراية فإن باب التغليب وقد أنمر ابن مالك الرواية الأولى وقال : لا تصح في العربية وكان الواجب لتؤدين الحقوق بإثبات )
الياء .
وهو في هذا معذور فإن لغة طيئ في حذف الياء إذا كانت لام الفعل في الواحد المذكر غير مشهورة ولم أر نقلها عن الفراء عنهم إلا من الشارح المحقق وهو ثقة فيما ينقله .
وإنما المشهور عن الفراء عنهم حذف ياء الضمير بعد الفتحة .
قال ابن مالك في التسهيل : وحذف آخر الفعل إن كان ياء لغة فزارية . ثم قال : وحذف ياء الضمير بعد الفتحة طائية .
قال شراحه في الأول : المشهور في لسان العرب فتح آخر الفعل صحيحاً كان أو معتلاً إلا فزارة فانهم يحذفونها إذا تلت كسرةً فإنهم يقولن : ارمن وليرمن زيد وغيرهم : ارمين وليرمين .
وقالوا : في الثاني : لغة العرب الياء بعد الفتحة تثبت متحركة بالكسر ولا تحذف يقولون : هل تخشين يا هند . ونقل الفراء عن طئ أنهم يحذفونها فيقولون : اخشن يا هند .
قال السمين في شرحه : لم يتعرض المصنف لحركة ما قبلها حين حذفها هل تبقى الفتحة أو تكسر دلالةً على الياء وهذا الذي ينبغي . انتهى .

____________________

وما نسبه ابن مالك إلى فزارة نسبه ثعلب إلى طيئ . قال ثعلب في الجزء الحادي عشر من أماليه وفي لغة غيرهم : لتغنين واللام لام الأمر أدخلها في المخاطبة والكلام : أغنن عني . انتهى كلامه .
والرواية الأولى : لتغني بكسر اللام وآخره ياء مفتوحة . والثانية : لتغنن بفتح اللام وكسر النون الأولى وتشديد الثانية . وقوله : وفي لغة غيرهم : لتغنين . . . إلخ .
يعني أن الياء لا تحذف في غير لغة طيئ إلا إذا كان أمراً للأنثى وإذا كان أمراً لها فالفصيح أغنن عني بصيغة الأمر لا بلام الأمر وذلك بفتح الهمزة وكسر النون الأولى وبعدها نون التوكيد .
وقد نقل أبو علي الفارسي كلام ثعلب برمته في المسائل البصريات ونقله غيره أيضاً .
وقد نقل أبو علي في كتاب الشعر أيضاً أن ثعلباً روى لتغنن بفتح اللام وكسر النون الأولى . وكذا روى العسكري في كتاب التصحيف عن المعمري عن ثعلب .
والبيت الثاني أيضاً خطاب لمذكر بدليل ما قبله : ( يا عمرو أحسن نماك الله بالرشد ** واقرأ سلاماً على الأنقاء والثمد
____________________

) كذا أنشدهما ابن الأنباري في شرح المفضليات . وبه يرد على الدماميني في الحاشية الهندية في )
زعمه أن قوله : وابكن خطاب لامرأة مع أن سياق كلام المغني يأباه فإنه بعد أن روى : لتغنن قال : وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لأجل النون إذا كان ياء تلي كسرة . وأنشد فإنك إذا قلت ابكي يا هند كانت الياء ضمير المخاطبة وأنا لام الكلمة فهو محذوف لالتقاء الساكنين وأصله : تبكيين على وزن تفعلين تحركت الياء الأولى وهي لام الفعل وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً وحذفت لالتقاء الساكنين .
وأما الرواية الأولى لثعلب وهي لتغني عني بكسر اللام وفتح الياء بدون توكيد فقد نسبها الجمهور إلى أبي الحسن الأخفش منهم أبو علي في كتاب الشعر وغيره . واختلف في لام كي فمنهم من أجاز أن يتلقى بها القسم ومنهم من منع .
قال ابن عصفور في شرح الجمل : زعم أبو الحسن أن جواب القسم قد يكون لام كي مع الفعل نحو : تالله ليقوم زيد . قال : فعلى هذا يكون الجواب من قبيل المفرد لأن لام كي إنما تنصب بإضمار أن . وأن وما بعدها يتأول بالمصدر فكأنك قلت : تالله للقيام .
إلا أن العرب أجرت ذلك مجرى الجملة لجريان الجملة بالذكر بعد لام كي فوضعت ذلك لتفعل موضع لتفعلن .
وقال في شرح الإيضاح : زعم أبو الحسن أن العرب قد تتلقى القسم بلام كي وحمل على ذلك قوله تعالى : يحلفون لله لكم ليرضوكم
____________________

.
واستدل أبو علي في العسكريات على صحة ما ذهب إليه بقوله : قال أبو علي : فإن قيل : إن المقسم به إنما يكون جملة وليس هذا بجملة لأن أن والفعل في تقدير اسم مفرد . قيل : إنة ذلك لا يمنع من وقوعه موقع الجملة التي يقسم عليها وإن كان مفرداً وذلك أن الفعل والفاعل اللذين جريا في الصلة يسدان مسد الجملة لكن رجع أبو علي عن ذلك في التذكرة والبصريات وقال : إن ذلك لم يرد في كلام العرب . وأما قوله تعالى : يحلفون بالله الآية فاللام متعلقة بيحلفون وليس القسم بمراد إنما المراد الإخبار عنهم بأنهم يحلفون أنهم ما فعلوا ذلك ليرضوا بحلفهم المؤمنين .
وكذا البيت يحتمل أن يكون لتغني متعلقاً بآليت على ما رواه أبو علي في البصريات ولم يرد القسم إنما أراد أن يخبر مخاطبه أنه قد آلى كي يشرب جميع ما في إنائه .
ورواه أبو علي : قلت بالله حلفة ولا حجة فيه أيضاً لاحتمال أن يكون بالله متعلقاً بفعل )
مضمر لا يراد به القسم بل الإخبار ويكون قوله لتغني عني متعلقاً به والتقدير : حلفت بالله كي تغني عني .
ويجوز أيضاً أن يكون المقسم عليه محذوفاً لدلالة الحال عليه تقديره : لتشربن لتغني عني . وعلى هذا حمله أبو علي في التذكرة . انتهى كلام ابن عصفور .
وكأن ابن هشام لم يطلع على كلام أبي علي في التذكرة والبصريات على رجوعه عن موافقة أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كي وجعل منه : يحلفون بالله لكم ليرضوكم يقال : المعنى : ليرضنكم . قال أبو علي : وهذا عندي أولى من أن يكون متعلقاً بيحلفون والمقسم عليه محذوف . انتهى .

____________________

وفي لتغني عني رواية أخرى وهي فتح اللام والياء على إرادة النون الخفيفة ونسبها ابن يعيش في شرح المفصل إلى الأخفش و لم أر من نسبها إليه غيره والمنسوبة إليه هي الرواية بكسر اللام وفتح الياء على المشهور .
قال ابن يعيش : أنشده أبو الحسن بفتح اللام للقسم وفتح آخر الفعل على إرادة نون التوكيد وحذفها ضرورة . انتهى .
وكذا قال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل . وعلى هذه الرواية صدر كلامه السيد في شرح المفتاح ثم ذكر رواية كسر اللام .
وفي البيت شواهد أخر : أحدها : قوله قطني وفي رواية قدني وبه استشهد ابن الناظم بنون الوقاية لحفظ السكون عند البصريين ومعناها عندهم : حسب أو لأنها اسم فعل عند الكوفيين ومعناها : يكفي .
ثانيها : أن ذا بمعنى صاحب وبه استشهد صاحب الكشاف عند قوله تعالى : إنه عليم بذات الصدور من سورة الملائكة على أن ذات مؤنث ذو وهو موضوع لمعنى الصحبة لأن اللبن يصحب الإناء والمضمرات تصحب الصدور قال : ذات الصدور : مضمراتها وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضي الله عنه : ذو بطن بنت خارجة جارية وقوله : لتغني عني ذا إنائك أجمعا
____________________

المعنى ما في بطنها من الحبل وما في إنائك من الشراب لأن الحبل والشراب يصحبان البطن )
والإناء .
ألا ترى إلى قولهم : معها حبل . وكذلك المضمرات تصحب الصدور وهي معها . وذو موضوع لمعنى الصحبة . انتهى .
ثالثها : إضافة إناء إلى ضمير المخاطب للملابسة قال الزمخشري في المفصل : ويضاف الشيء إلى غيره بأدنى ملابسة بينهما . وأنشد البيت وغيره .
قال ابن يعيش : الشاهد فيه أنه أضاف الإناء إلى المخاطب لملابسته إياه وقت أكله منه أو شربه ما فيه من اللبن . وذو الإناء : ما فيه من لبنٍ أو مأكول . انتهى .
وفيه تقصير حيث قصر الملابسة على إضافة الإناء مع أنها جارية في إضافة ذا أيضاً وقد نبه أحدهما : أن الإناء للمضيف وقد أضافه إلى الضيف لملابسته إياه في شربه منه وفي جعل هذه الملابسة بمنزلة الاختصاص الملكي مبالغة في إكرام الضيف واللطف .
والثاني : أن ذا بمعنى صاحب وأريد به اللبن وأضيف إلى الإناء لملابسته إياه لكونه فيه . فهذه أيضاً إضافة لأدنى ملابسة . انتهى .
رابعها : التأكيد بأجمع مع أنه لم يسبق بكل وهو تأكيد لقوله : ذا إناء بمعنى اللبن .
وقوله : إذا قال فاعله ضمير الغلام القليعي وهو الضيف في بيت قبله كما يأتي . وقوله : قلت المتكلم هو الشاعر وهو المضيف وأورده جماعة : إذا
____________________

قال قطني قال منهم الزمخشري في المفصل وتبعه السيد فقال : أي : إذا قال الضيف : حسبي ما شربت قال المضيف . انتهى .
وهذا على أن الشاعر مخبر حاكٍ عن شخصين فهو لا ضيف ولا مضيف . وأورد بعض آخر : إذا قلت قطني قال : فيكون الشاعر هو الضيف . والصواب ما شرحناه أولاً كما يظهر من سياق القصيدة .
وقوله : لتغني عني قال ابن يعيش : العرب تقول : أغن عني وجهك أي : اجعله بحيث يكون غنياً عني لا يحتاج إلى رؤيتي . يقول له الضيف : حسبي ما شربت فيقول له المضيف : اشرب جميع ما في الإناء ولا ترده علي .
وقال السيد : أي لتبعدن ذا إنائك عني ولتجعله في غنى مني كأن الطعام محتاج إلى من يطعمه .
وقد نقل العيني في شرح البيت جميع كلام ابن هشام من غير زيادة عليه ولم يعزه إليه . )
والبيت من قصيدة لحريث بن عناب الطائي أوردها ثعلب في أماليه وهي : ( عوى ثم نادى هل أحستم قلائصاً ** وسمن على الأفخاذ بالأمس أربعا ) ( غلامٌ قليعيٌ يحف سباله ** ولحيته طارت شعاعاً مقزعاً ) ( غلامٌ أضلته النبوح فلم يجد ** بما بين خبتٍ فالهباءة أجمعا ) ( أناساً سوانا فاستمانا فلم يرى ** أخا دلجٍ أهدى بليلٍ وأسمعا ) ( فقلت أجراً ناقة الضيف إنني ** جديرٌ بأن تلقى إنائي مترعا ) ( فما برحت سحواء حتى كأنما ** تغادر بالزيزاء برساً مقطعاً ) ( كلا قادميها بفضل الكف نصفه ** كجلد الحبارى ريشه قد تزلعا
____________________

) ( دفعت إليه رسل كوماء جلدةٍ ** وأغضيت عنه الطرف حتى تضلعا ) ( إذا قال قطني قلت آليت حلفةً ** لتغني عني ذا إنائك أجمعا ) ( يدافع حيزوميه سخن صريحها ** وحلقاً تراه للثمالة مقنعا ) هذا آخر ما أورده ثعلب .
وقوله : عوى ثم نادى . . . إلخ فاعل عوى هو غلام في أول البيت الذي بعده . يريد أن هذا الغلام شردت له قلائص أربع فخرج في طلبها حتى أظلم عليه الليل فضل عن الطريق فعوى حتى سمعت الكلاب صوته فنبحته فاستدل بصوتها علينا فجاء فسأل عن قلائصه .
قال السيد المرتضى رحمه الله في أماليه : إن العرب تزعم أن ساري الليل إذا أظلم عليه وادلهم فلم يستبن محجة ولم يدر أين الحلة أي : القوم النزول وضع وجهه مع الأرض وعوى عواء الكلب لستمع ذلك الصوت الكلاب إن كان الحي قريباً منه فتجيبه فيقصد الأبيات .
قال الفرزدق : الطويل ( وداعٍ بلحن الكلب يدعو ودونه ** من الليل سجفا ظلمةٍ وغيومها ) ( دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دعا ** فتى كابن ليلى حين غارت نجومها ) ( بعثت له دهماء ليست بلقحةٍ ** تدر إذا ما هب نحساً عقيمها ) ابن ليلى : هو أبو الفرزدق . ومعنى بعثت له دهماء أي : رفعتها على أثافيها ويعني بالدهماء القدر . واللقحة : الناقة .
أراد أن قدره تدر إذا هبت الريح عقيماً لا مطر فيها . وما أحسن قول ابن هرمة : الطويل
____________________

) ( عوى في سواد الليل بعد اعتسافه ** لينبح كلبٌ أو ليفزع نوم ) ( فجاوبه مستسمع الصوت للقرى ** له مع إتيان المهبين مطعم ) ( يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلاً ** يكلمه من حبه وهو أعجم ) يقال : فزعت لفلان إذا أغثته . والمهبون : الموقظون له ولأهله وهم الأضياف . وإنما كان له معهم مطعم لأنهم ينحر لهم ما يصيب منه . وأراد بقوله : يكلمه من حبه . . . إلخ بصبصته وتحريكه ذنبه .
ومثله قوله أيضاً : الكامل ( وإذا أتانا طارقٌ متنورٌ ** نبحت فدلته علي كلابي ) ( وفرحن إذ أبصرنه فلقينه ** يضربنه بشراشر الأذناب ) يقال : شرشر الكلب إذا ضرب بذنبه وحركه للأنس .
وأما قول الأخطل : الطويل ( دعاني بصوتي واحدٍ فأجابه ** منادٍ بلا صوتٍ وآخر صيت ) فمعناه : أن ضيفاً عوى بالليل والصدى من الجبل يجيبه فذلك معنى قوله :
____________________

بصوتي واحد .
وقوله : فأجابه منادٍ بلا صوت أي : نار رفعها له فرأى سناها فقصدها . والآخر : الصيت : وقوله : هل أحستم قلائص قال ثعلب : يريد أحسستم . انتهى .
قال الجوهري : وربما قالوا : ما أحست منهم أحداً فألقوا أحد السينين استثقالاً وهو من شواذ التخفيف . انتهى .
وهو من أحس الرجل الشيء إحساساً : علم به يتعدى بنفسه مع الألف وربما زيدت الباء فقيل : أحس به على معنى شعر به . كذا في الصباح .
والقلائص : جمع قلوص وهي الناقة الشابة . وجملة وسمن على الأفخاذ : صفة قلائص من الوسم وهو العلامة بكي حديدة محماة . وأربعاً : صفة ثانية لقلائص .
وقوله : غلام قليعي الغلام يطلق على الرجل مجازاً باسم ما كان عليه كما يقال للصغير شيخ مجازاً باسم ما يؤول إليه . كذا في المصباح .
وقليعي منسوب إلى قليع بضم القاف وفتح اللام وهي قبيلة أو هو منسوب إلى القليعة مصغر قلعة وهي موضع في طرف الحجاز واسم مواضع أخر . )
وقوله : يحف سباله بالحاء المهملة يقال : حف الرجل شاربه حفاً من باب قتل إذا أحفاه أي : بالغ في قصه . والسبال بالكسر : الشارب .
والشعاع بالفتح : المتفرق يستوي فيه المذكر والمؤنث . والمقزع بالقاف وفتح الزاي المشددة : يعني أن لحيته من الهواء والبرد تفرقت وصارت كالفتائل . وهو من القزع بفتحتين . قال الأزهري : وكل شيء يكون قطعاً متفرقة فهو قزع . ونهي عن القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض .

____________________

وقوله : غلام أضلته النبوح أي : هو غلام . وأضلته : أضاعته . والنبوح بضم النون والموحدة وحاء مهملة : ضجة الحي وأصوات كلابهم وخبت بفتح الخاء المعجمة وسكون الموحدة : اسم كاء لكلب وقيل : لكندة وموضع آخر .
والهباءة بفتح الهاء والموحدة وبالمد : موضع في أطراف الربذة خارج المدينة المنورة وكانت فيه حرب من حروب داحس لعبس على ذبيان .
وقوله : أناساً هو مفعول قوله : فلم يجد وسوانا : صفته أي : غيرنا . وقوله : فاستمانا قال ثعلب : أي : تصيدنا . والمستمي : المتصيد . والمسماة : جورب يلبسه الصائد في الحر . انتهى .
يريد : أنه ظفر بنا كما يظفر بالصيد . وهذا تمثيل لشدة احتياجه من هول ما قاساه في الليل من الظلام والبرد والضلال فلما وجدنا فكأنما ظفر بخزائن قارون . وهو من السمو وهو العلو والرفعة .
قال صاحب الصحاح : والسماة : الصيادون مثل الرماة . وقد سموا واستموا إذا خرجوا وقوله : فلم يرى هذه الألف نشأت من إشباع فتحة الراء وهو بالبناء للمفعول بمعنى يعلم والضمير فيه للغلام . وأخا بمعنى صاحب مفعوله الثاني .
والدلج بفتحتين : اسم مصدر من أدلج إدلاجاً كأكرم إكراماً أي : سار الليل كله . فإن خرج آخر الليل فقد أدلج بتشديد الدال . كذا في الصباح .
وأهدى : أفعل تفضيل من الاهتداء إلى الطريق . قال صاحب الصحاح : هدى واهتدى بمعنى .
وكذا أسمع : أفعل تفضيل والمفضل عليه محذوف أي : منه .
وقوله : فقلت أجراً هذا خطاب لخادميه . وأجراً بفتح الهمزة وكسر الجيم : أمر من أجررته رسنه إذا تركته يصنع ما شاء . )
يعني : خذوا رسنها ودعوها تأكل ما شاءت . وناقة الضيف : الناقة التي جاء راكباً عليها .
وهذا من أخلاق الكرام فإن إكرام دابة الضيف غاية الإكرام عند الضيف .

____________________

وقوله : إنني جدير . . . إلخ قال ثعلب : أي من عادتي هذا . انتهى .
وفاعل تلقى ضمير ناقة الضيف وإنائي بالمد والإضافة إلى الياء . والإناء : الوعاء . ومترع من ترعت الإناء بالتشديد وأترعته أي : ملأته . وهذا كناية عن الخصب والكثرة .
وقوله : فما برحت أي : ناقة الضيف . وسحواء بالنصب خبر برح وسحواء بالمهملتين والمد والزيزاء بكسر الياء الأولى والمد : الموضع الصلب من الأرض . والبرس بكسر الموحدة وإهمال الراء والسين : القطن شبه ما سقط من اللبن به . انتهى .
يعني : مازالت ناقة الضيف ترعى وتأكل ما تشاء حتى كثر اللبن من ضروعها فصار ما تقاطر من لبنها في الأراضي الصلبة التي لم تتشرب النداوة كالقطن المندوف .
وقوله : كلا قادميها يفضل الكف : مفعول مقدم نصفه فاعل مؤخر . والقادمان والقادمتان : الخلفان المتقدمان من أخلاف الناقة اللذان يليان السرة . يعني : أن خلفاً من قادميها يفضل الكف ولا يسعه لحفله باللبن .
وقوله : كجلد الحبارى بضم المهملة بعدها موحدة وبالقصر : طائر على شكل الإوزة برأسه وبطنه غبرة ولون ظهره وجناحيه كلون السمانى غالباً . كذا في المصباح . وقوله : تزلعا بالزاي واللام قال ثعلب : تزلع : تقلع . انتهى .
وفي الصحاح : تزلعت يده : تشققت . يريد أن جلد ضروعها تشقق من حفل اللبن كجلد الحبارى إذا تساقط ريشه . وخص الحبارى لأن اللون يجمعهما .

____________________

وقوله : دفعت إليه . . . إلخ أي : إلى الغلام الضيف . ذكر إكرام ناقته أولاً ثم ذكر إكرامه .
والرسل بكسر الراء قال ثعلب : هو اللبن . انتهى .
والكوماء بفتح الكاف والمد : الناقة العظيمة السنام . والجلدة بفتح الجيم وسكون اللام قال صاحب الصحاح : هي أدسم الإبل لبناً والجمع الجلاد بالكسر .
وقوله : وأغضيت يقال : أغصنى الرجل عينه أي : قارب بين جفنيها . يقول : أغمضت عيني عند شربه لئلا يستحي أن يشرب رياً . وهذا أيضاً من أخلاق الكرام . والطرف : العين .
وتضلع قال ثعلب : امتلأ ما بين أضلاعه . )
وقوله : إذا قال قطني . . إلخ قال ثعلب قطني : حسبي أي : قلت قد حلفت أن تشرب جميع ما في إنائك . انتهى .
وقوله : يدافع حيزوميه قال ثعلب : حيزوماه : ما اكتنف حلقومه من جانبي الصدر . انتهى .
والسخن : الحار . والصريح : اللبن الذي ذهبت رغوته . والثمالة بضم المثلثة قال ثعلب : هي رغوة اللبن . يريد : أنه يرفع حلقه لاستيفاء اللبن . انتهى .
ومقنع : اسم مفعول من أقنع رأسه إذا رفعه . كذا في الصحاح .
وقوله : إذا عم خرشاء . . . إلخ الخرشاء بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها شين معجمة . قال صاحب الصحاح : الخرشاء كالحرباء : كل شيء فيه انتفاخ وتفتق وخروق .

____________________

قال مزرد : الطويل يعني بها الرغوة . انتهى .
وكذا في العباب . فإن صح أن هذا البيت لمزرد يكون ابن عناب الطائي أخذه منه .
ولم يتعرض له ابن بري ولا الصفدي فيما كتباه على الصحاح بشيء . والله أعلم .
وعم بمعنى : شمل . وخرشاء : فاعل وأنفه : مفعول . وتقاصر منها للصريح أي : تراجع من الثمالة إلى الصريح فشربه كله . يقال : أقمعت ما في السقاء أي : شربته كله . كذا في العباب عن الأموي .
وأقنعا في بيت مزرد بمعنى رفع رأسه كما تقدم . والمشفران : الشفتان . وثنى : عطف .
هذا وحريث بن عناب بضم الحاء المهلمة وآخره ثاء مثلثة وعناب بفتح العين المهلمة وتشديد النون كذا ضبطه العسكري في كتاب التصحيف عن المعمري عن ثعلب . والجوهري في الصحاح والصاغاني في العباب .
قال الأصفهاني في الأغاني : هو حريث بن عناب النبهاني وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيئ وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وليس
____________________

بمذكور في الشعراء لأنه كان بدوياً مقلاً غير متصد بشعر للناس في مدحٍ ولا هجاء ولا كان يعدو بشعره أمر ما لا يخصه ثم أورد له أشعاراً وحكايات . ( الشاهد الرابع والخمسون بعد التسعمائة ) المنسرح ( لا تهين الفقير علك أن ** تركع يوماً والدهر قد رفعه ) على أن نون التوكيد الخفيفة تحذف لالتقاء الساكنين والأصل : لا تهينن الفقير فحذفت النون وبقيت الفتحة دليلاً عليها لكونها مع المفرد المذكر . فإن لم تلاق النون ساكناً فلا تحذف إلا للضرورة .
ورواه الجاحظ في البيان : لا تحقرن الفقير ورواه غيره : ولا تعاد الفقير فلا شاهد فيه .
قال ابن عصفور في كتاب الضرائر : وذلك نحو ما أنشده أبو زيد في
____________________

نوادره : المنسرح ( اضرب عنك الهموم طارقها ** ضربك بالسيف قونس الفرس ) قال ابن خروف : إنما جاز ذلك على التقديم والتأخير فتوهم اتصال النون من اضربن بالساكن بعده . والصحيح أنه حذفها تخفيفاً لما كان حذفها لا يخل بالمعنى وكانت الفتحة التي في الحرف قبلها دليلةً عليها . ويدل على صحة ذلك قول الشاعر أنشده الجاحظ في البيان له : الطويل ( خلافاً لقولي من فيالة رايه ** كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا ) وقوله الآخر أنشده الفارس : البسيط ( إن ابن أحوص مغرورٌ فبلغه ** في ساعديه إذا رام العلا قصر ) يريد : فبلغنه .
وقول الآخر : السريع (
____________________

يا راكباً بلغ إخواننا ** من كان من كندة أو وائل ) يريد : بلغن إخواننا .
ألا ترى أن النون من خالفن وبلغنه وبلغن لا يمكن أن يقال إنها حذفت على توهم اتصالها بساكن . ومثل ذلك ما أنشده أبو زيد في نوادره : الرجز ( في أي يومي من الموت أفر ** أيوم لم يقدر أم يوم قدر ) يريد : لم يقدرن ودخلت النون على الفعل المنفي بلم كما دخلت عليه في قول الآخر : يحسبه الجاهل ما لم يعلما ولا يجوز مثل هذا في سعة الكلام إلا شاذاً نحو قراءة أبي جعفر المنصور : ألم نشرح لك )
صدرك : بفتح الحاء .
والبيت من أبيات للأضبط بن قريع السعدي أوردها القالي في أماليه عن ابن دريد عن ابن ( لكل هم من الهموم سعه ** والمسي والصبح لا فلاح معه ) ( ما بال منسره مصابك لو ** يملك شيئاً من أمره وزعه
____________________

) ( أذود عن حوضه ويدفعني ** يا قوم من عاذري من الخدعه ) ( حتى إذا ما انجلت عمايته ** أقبل يلحى وغيه فجعه ) ( قد يجمع المال غير آكله ** ويأكل المال غير من جمعه ) ( فاقبل من الدهر ما أتاك به ** من قر عيناً بعيشه نفعه ) ( وصل حبال البعيد إن وصل ال ** حبل وأقص القريب إن قطعه ) ( ولا تعاد الفقير علك أن ** تركع يوماً والدهر قد رفعه ) انتهى .
ورواها أيضاً ابن الأعرابي والجاحظ وصاحب الحماسة البصرية والشريف في حماسته وابن قتيبة في كتاب الشعراء وصاحب الأغاني وغيرهم بتقديم بعضها على بعض وطرح أبيات منها .
قال الجوهري : المسي بضم الميم وكسرها وسكون السين : اسم من الإمساء . والصبح : اسم من الإصباح . وأنشد هذا البيت . والفلاح : البقاء . وروي به أيضاً .
وروي أيضاً : ما بال من غيه مصيبك . والغي : الخيبة والحرمان . ويقال : غوى من باب رمى .
قال المرقش : الطويل ( فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما ) وجملة : لو يملك من الشرط والجزاء حالية ويروى : لا موضع لو
____________________

وهو غير صحيح . ووزعه يزعه وزعاً : كفه ومنعه بالزاي المعجمة .
يقول : ما بال من تتألم لخيبته وفقره فإذا وجد شيئاً من الخير كفه عنك . وقوله : أذود عن حوضه هذا مثل للحماية ودفع المكروه عنه .
والخدعة بضم الخاء المعجمة وفتح الدال : بطن من بني سعد بن زيد مناة ابن تميم وهم قومه .
قاله صاحب الأغاني وغيره . )
والعماية بفتح العين المهملة : الشدة التي تلتبس منها الأمور . يقال : عمي عليه الأمر : إذا التبس .
وأقبل : شرع ويلحى : يلوم . وغيه : ضلاله . وفجعه : أصابه بمكروه .
وقوله : وصل حبال البعيد يعني : تقرب إلى البعيد من النسب إذا طلب قربك واهجر القريب من نسبك إذا هجرك . وما قاله تمثيل لما قلنا .
وقوله : لا تهين الفقير . . . إلخ الإهانة : الإيقاع في الهون بالضم والهوان بالفتح وهما بمعنى الذل ومثله في المعنى قول الآخر : الطويل ( عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن منعته ** من اليوم سؤالاً أن يكون له غد ) واستشهد بهذا البيت في التفسير عند قوله تعالى : واركعوا مع الراكعين على أن الركوع هو الخضوع والانقياد كما في البيت .
وجملة والدهر قد رفعه : حال من ضمير تركع .
وقال العيني : الركوع : الانحناء والميل ومن ركعت النخلة إذا انحنت ومالت . أراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط من المنزلة . انتهى .
ونقل الشيخ خالد في التصريح أن هذا الشعر قيل قبل الإسلام بخمسمائة عام .

____________________

وكان سبب هذا الشعر على ما في الأغاني عن أبي ملحم أن أم الأضبط كانت عجيبة بنت دارم بن مالك بن حنظلة وخالته الطموح بنت دارم .
فحارب بنو الطارح قوماً من بني سعد فجعل الأضبط يدس إليهم الخيل والسلاح ولا يصرح بنصرهم خوفاً من أن يتحزب قومه حزبين معه وعليه وكان يشير عليهم بالرأي فإذا أبرمه نقضوه وخالفوا عليه وأروه مع ذلك أنهم على رأيه فقال في ذلك هذه الأبيات .
وهو الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم . وقريع بضم القاف قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء : الأضبط بن قريع السعدي هو من عوف ابن كعب بن سعد رهط الزبرقان بن بدر ورهط بني أنف الناقة . وكان قومه أساؤوا مجاورته فانتقل منهم إلى غيرهم فرجع إلى قومه وقال : بكل وادٍ بنو سعد . وهو جاهلي قديم .
وكان أغار على بني الحارث بن كعب فقتل منهم وأسر وجدع وخصى ثم بنى أطماً وبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء فهي اليوم قصبتها . وهو القائل : يا قوم من عاذري من الخدعه )
وأول الشعر : لكل ضيقٍ من الأمور سعه
____________________

مع أربعة أبيات أخر . انتهى .
وزعم خضر الموصلي أن أول هذا الشعر عند ابن قتيبة هو المصراع المتقدم . وليس كذلك كما ترى .
قال صاحب الأغاني : كان الأضبط بن قريع مفركاً بتشديد الراء المفتوحة وهو الذي تبغضه زوجته . وكان في الحرب يتقدم أمام الصف ويقول : الرجز ( أنا الفتى تفركه حلائله ** ألا فتىً معشقٌ أنازله ) واجتمع نساؤه ليلةً يتسامرن فتعاقدن على أن يصدقن الخبر عن فرك الأضبط فأجمعن أن ذلك لأنه بارد الكمرة فقالت لإحداهن خالتها : أفتعجز إحداكن إذا كانت ليلتها أن تسخن كمرته بشيء من دهن .
فلما سمع قولها صاح : يا آل عوف فثار الناس وظنوا أنه قد أتي فتسارعوا إليه . فقالوا : ما بالك فقال : أوصيكم أن تسخنوا الكمر فإنه لا حظوة لبارد الكمرة . فانصرفوا ضاحكين وقالوا : تباً لك ألهذا دعوتنا . انتهى .
ونقل السيوطي في شرح أبيات المغني عن الحماسة البصرية أن الأضبط ابن قريع السعدي من شعراء الدولة الأموية . ولم يتعقبه بشيء . وهذا عجيب منه .
والأضبط معناه في اللغة : الذي يعمل بكلتا يديه . والمرأة ضبطاء . يقال : صبط الرجل بالكسر يضبط بالفتح ضبطاً بالسكون .
وأنشد بعده : وحاتم الطائي وهاب المئي
____________________

وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والأربعين بعد الخمسمائة . وفي غيره أيضاً .
____________________

( هاء السكت ) أنشد فيه ( الشاهد الخامس والخمسون بعد التسعمائة ) الرجز يا مرحباه بحمار عفراء على أن هاء السكت فيه قد روي بالوجهين بالضم والكسر .
وظاهر كلامه أن تحريكها بما ذكر في إثباتها وصلاً بعد الألف لغة . وتقدم منه في باب الندية أن ثبوتها في الوصل مكسورة أو مضمموة ضرورة عند البصريين وجائز عند الكوفيين . وزاد هنا أنها بعد الواو أيضاً تكسر وتضم وأنها بعد ألف تفتح أيضاً .
وذكر في باب العلم أن جواز تحريكها بالضم والكسر في السعة إنما هو في : يا هناه وأخواته .
فوجب أن يحمل ما هنا على ما تقدم من كلاميه ليوافق كرمه في جميع المواضع مذهب البصريين .
وكان ينبغي أن يقدم الكسر على الضم فإنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين وأما وتقدم في الشاهد السابع والأربعين بعد المائة توجيه تحريكها في الوصل من الخصائص لابن جني بأنه منزلة بين منزلتي الوقف والوصل .
وذهب ابن جني في بعض كتبه وهو شرح ديوان المتنبي إلى أن تحريكها شاذ ضعيف عند البصريين لا يثبتونه في الرواية ولا يحفظونه في القياس من جهة
____________________

أنه لايخلو من أن تجري الكلمة على حد الوقف أو على حد الوصل .
فإن أجراها على حد الوصل فسبيله أن يحذف الهاء وصلاً لاستغنائه عنها . وإن كان على حد الوقف فقد خالف ذلك بإثباته إياها متحركة وهي في الوقف بلا خلاف ساكنة ولا يعلم هنا منزلة بين الوصل والوقف يرجع إليها وتجري هذه الكلمة عليها . فلهذا كان إثبات الهاء المتحركة خطأ عندنا . انتهى .
وقد رجع عن هذا في الخصائص كما نقلناه هناك .
وقوله : إثبات الهاء متحركة خطأ تبعه فيه الزمخشري في المفصل قال : وتحريكها لحن .
وكذا قال صاحب اللباب . وهذا مما لا ينبغي فإن العرب معصومون عن الخطأ واللحن في )
الألفاظ حتى قيل : إن البدوي لا يطاوعه لسانه في ذلك .
والبيت الشهد لعروة بن حزام العذري وهو من صميم العرب في صدر الإسلام . ( يا رب يا رباه إياك أسل ** عفراء يا رباه من قبل الأجل ) وكذا قال المجنون قيس العامري وهو من اللسان بمكان : الطويل ( فقلت أيا رباه أول سؤلتي ** لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها ) ومثل هذا مما يقع نظماً لا نثراً ضرورة .
وقوله : يا مرحباه بحمار عفراء
____________________

بعده : الرجز ( إذا أتى قربته لما شاء ** من الشعير والحشيش والماء ) عفراء : هي محبوبة عروة بن حزام العذري . قال عيسى بن إبراهيم الربعي في نظام الغريب وهو تأليف قديم في اللغة : ولد الظبية سمي بذلك لأن لونه لون العفر وهو التراب لذلك قيل : ظبي أعفر وظبية عفراء وبه سميت المرأة عفراء . وأنشد هذه الأبيات الثلاثة .
وقال ابن يعيش : كان عروة يحب عفراء وفيها يقول : يار ب يا رباه إياك أسل ثم خرج فلقي حماراً عليه امرأة فقيل له : هذا حمارعفراء . فقال : فرحب بحمارها لمحبته لها وأعد له الشعير والحشيش والماء .
ونظير معناه قول الآخر : الوافر ( أحب لحبها السودان حتى ** أحب لحبها سود الكلاب ) انتهى .
ولم أجد هذا الرجز في ديوان عروة ولعله ثابت فيه من رواية أخرى . وتقدمت ترجمته في الشاهد السادس والتسعين بعد المائة .
وقالوا في هذه الأبيات : يجوز أن تروى بالمد والقصر فإذا مدت كانت من
____________________

الضرب الخامس من السريع المشطور المخبون الموقوف : فعولان أو مفاعيل .
ومثله : الرجز ) ( يمتسكون من حذار الإلقاء ** بتلعاتٍ كجذوع الصيصاء ) وإذا قصرت كانت من الضرب السادس من مشطور السريع المخبون .
وأما قوله : يا رب يا رباه إياك أسل فقد تقدم شرحه في الشاهد الثاني والثلاثين بعد الخمسمائة .
وأما قول الأخر : الرجز فقد تقدم شرحه في الشاهد السابع والأربعين بعد المائة . (
____________________

شين الكشكشة ) أنشد فيه ( الشاهد السادس والخمسون بعد التسعمائة ) الرجز ( تضحك مني أن رأتني أحترش ** ولو حرشت لكشفت عن حرش ) على أن ناساً من تميم ومن أسد يجعلون مكان الكاف المؤنث شيناً في الوقف كما في حرش وأصله حرك .
قال المبرد في الكامل : بنو عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شيناً لقرب الشين من الكاف في المخرج فإنها مهموسة مثلها فأرادوا البيان في الوقف لأن في الشين تفشياً فيقولون للمرأة : جعل الله البركة في دارش . والتي يدرجونها يدعونها كافاً . انتهى .
وربما فعلوا هذا في الكاف الأصلية المكسورة أنشد ثعلب في أماليه عن ابن الأعرابي : الرجز ( علي فيما أبتغي أبغيش ** بيضاء ترضيني ولا ترضين ) ( وتطلبي ود بني أبيش ** إذا دنوت جعلت تنئيش
____________________

) حتى تنقي كنقيق الديش قال ثعلب : يجعلون مكان الكاف الشين وربما جعلوا بعد الكاف الشين والسين يقولون : إنكش وإنكش وهي الكاف المكسورة لا غير يفعلون هذا توكيداً لكسر الكاف بالشين والسين كما يقولون : ضربته وضربته لقرب مخرجها منها . انتهى .
والشاهد في قوله : كنقيق الديش فإن أصله الديك وكاف أصليه وفي جميع ما عداه الشين بدل من كاف المخاطبة . )
والبيت الشاهد أنشده ابن الأعرابي في نوادره كما هنا .
وقوله : أن رأتني . . . إلخ بدل اشتمال من الياء المجرورة بمن . والاحتراش : صيد الضب خاصة والعرب تأكله قال صاحب العباب : احترش الضب : اصطاده .
وعن ثابت بن زيد الأنصاري أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل بضباب قد احترشها فقال : أمةٌ مسخت من بني إسرائيل دواب فقال : لا أدري أي الدواب هي فلم يأكلها ولم ينه عنها . انتهى .
ويقال أيضاً : حرش الضب يحرشه حرشاً من باب ضرب أي : صاده فهو حارش الضباب .
وهو أن يحرك يده على جحر ليظنه حية فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه .
وقال المفضل بن سلمة في كتاب الفاخر : الحرش أن يؤتى إلى باب جحر الضب بأسود الحيات فيحرك عند فم الجحر فإذا سمع الضب حس الأسود خرج إليه ليقاتله فيصاد . انتهى .

____________________

والمشهور الأول .
ومما تحكي العرب عن الضب من أكاذيبهم أنه إذا ولد للضب ولد قال : يا بني اتق الحرش .
قال : وما الحرش قال : إذا سمعت حركةً بباب الجحر فلا تخرج .
فسمع يوماً صوت فأس يحفر به جحرهما فقال : يا أبت أهذا الحرش فقال : هذا أجل من الحرش فصار مثلاً يضرب لمن يخاف شيئاً فيقع في أشد منه .
وإنما ضحكت منه استخفافاً به لما رأته يصيد الضب لأنه صيد العجزة والضعفاء .
ورواه الزجاجي في أماليه الوسطى كذا : تعجبت لما رأتني أحترش وقوله : ولو حرشت التفات من الغيبة إلى الخطاب يعني لو كنت تصيدين الضب لأدخلته في فرجك دون فمك إعجاباً به وإعظاماً للذته .
والحر بالكسر للمهملة : فرج المرأة وأصله حرح بسكون الراء فحذفت الحاء الأخيرة منه واستعمل استعمال يدٍ ودم ويدل عل أصله تصغيره وجمعه فإنه يقال : حريح وأحراح .
ولم أقف على قائله ولا على تتمته . والله أعلم .
وأنشد بعده ( الشاهد السابع والخمسون بعد التسعمائة ) وهو آخر الشواهد : الطويل (
____________________

فعيناش عيناها وجيدش جيدها ** سوى أن عظم الساق منش دقيق ) عل أنه كان القياس في هذا الشين المبدلة من كاف المخاطبة أن تحذف في الدرج لكنها أجريت في حاله الوصل مجرى حالة الوقف .
قال ابن جني في سر الصناعة : ومن العرب من يبدل كاف المؤنث في الوقف شيناً حرصاً على البيان لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفى في الوقف فاحتاطوا للبيان بأن أبدلوها شيناً فقالوا : عليش ومنش ومررت بش . وتحذف في الوصل .
ومنهم من يجر ي الوصل مجرى الوقف فيبدل منه أيضاً .
وأنشدوا للمجنون : فعيناش عيناها وجيدش جيدها قال الفالي في شرح اللباب : وإنما سميت هذه اللغة أعني إلحاق الشين بالكاف الكشكشة لاجتماع الكاف والشين فيها . وإنما كسرت الكافان في لفظ الكشكشة لحكاية الكسر لكون الكاف للمؤنث .
ومنهم من يفتحهما على حد قولهم في التعبير عن بسم الله بالبسملة وكذلك الكسكسة بالوجهين .
قال المبرد في الكامل : حدثني من لا أحصي من أصحابنا عن الأصمعي عن شعبة عن قتادة قال : قال معاوية يوماً : من أفصح الناس فقام رجل من السماط فقال : قوم تباعدوا عن فراتيه العراق وتيمانوا عن كسشكشة تميم وتياسروا عن كسكسة بكر ليس فيهم غمغمة قضاعة ولا طمطمانية حمير .

____________________

فقال له معاوية : من أولئك فقال : قومك يا أمير المؤمنين . فقال له معاوية : من أنت قال : رجل من جرم قال الأصمعي : وجرم من فصحاء الناس .
قوله : تيامنوا عن كشكشة تميم فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شيئاً لقرب الشين من الكاف في المخرج وأنها مهموسة مثلها فأرادوا البيان في الوقف لأن في الشين تفشياً . )
فيقولون للمرأة : جعل الله لك البركة في دارش وويحك مالش . فالتي يدرجونها يدعونها كافاً والتي يقفون عليها يبدلونها شيناً .
وأما بكر فتختلف في الكسكسة فقوم منهم يبدلون من الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين وهم أقلهم .
وقوم يبينون حركة كاف المؤنث في الوقف بالشين فيزيدونها بعدها فيقولون : أعطيتكش .
وأما الغمغمة فقد تكون من الكلام وغيره لأنه صوت لا يفهم تقطيع حروفه . والطمطمة : أن يكون الكلام مشبهاً لكلام العجم . انتهى .
وكذا أورده الزمخشري في المفصل .
والسماط بالكسر : الصف من الناس والجانب .
قال ابن يعيش قال : جرمٌ بطنان من العرب .
أحدهما : في قضاعة وهي جرم بن زبان .
والآخر : في طيئ يوصفون بالفصاحة والفراتية : لغة أهل الفرات الذي هو نهر أهل الكوفة .
والفراتان : الفرات ودجيل .
ويروى : لخلخانية العراق واللخلخانية : العجمة في المنطق يقال : رجل
____________________

لخلخاني إذا كان لا يفصح والغمغمة : أن لا يتبين الكلام وأصله أصوات الثيران عند الذعر وأصوات الأبطال عند القتال .
وقضاعة : أبو حي في اليمن وهو قضاعة بن مالك بن سبأ . والطمطمانية بضم الطاءين : أن يكون الكلام مشبهاً لكلام العجم يقال : رجل من طمطم بكسر الطاءين أي : في لسانه عجمة لا يفصح . والطمطماني مثله .
وحمير : أبو قبيلة وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان . ومنهم كانت الملوك الأول . وصف هذا الجرمي قومه بالفصاحة وعدم اللكنة والتباعد عن هذه اللغات المستهجنة . انتهى .
وأورد الحريري في درة الغواص هذا الخبر عن الأصمعي كذا فقال : قوم تباعدوا عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعة وكسكسة بكر ليس فيهم غمغمة قضاعة . . . . إلخ .
قال : وأراد بعنعنة تميم أن تميماً يبدلون من الهمزة عيناً كما قال ذو الرمة : البسيط )
أعن ترسمت من خرقاء منزلةً يريد : أأن ترسمت . وأما تلتلة بهراء فيكسرون حروف المضارعة فيقولون : أنت تعلم .

____________________

وحدثني أحد شيوخي أن ليلى الأخيلية ممن كانت تتكلم بهذه اللغة وأنها استأذنت ذات يوم على عبد الملك بن مروان وبحضرته الشعبي فقال له : أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أضحكك منها قال : افعل .
فلما استقر بها المجلس قال لها الشعبي : يا ليلى ما بال قومك لا يكتنون فقالت له : ويحك أما نكتني فقال : لا والله ولو فعلت لاغتسلت . فخجلت عند ذلك واستغرب عبد الملك في الضحك . انتهى المقصود منه .
ورأيت في أمالي ثعلب : ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم وكشكشة ربيعة وكسكسة هوازن وتضجع قيس وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء .
فأما عنعنة تميم فإن تميماً تقول في موضع أن : عن تقول : عن عبد الله قائم . وأما تلتلة بهراء فإنها تقول : تعلمون وتفعلون وتصنعون بكسر أوائل الحروف .
انتهى .
رجعنا إلى البيت الشاهد . قال ابن المبرد في الكامل . عين الإنسان مشبهة بعين البقرة في كلامهم المنثور وشعرهم المنظوم .
قال المجنون : ( فعيناك عيناها وجيدك جيدها ** ولكن عظم الساق منك دقيق ) ( فلم تر عيني مثل سربٍ رأيته ** خرجن علينا من زقاق ابن واقف ) ( طلعن بأعناق الظباء وأعين ال ** جآذر وامتدت لهن الروادف
____________________

) انتهى .
فروي البيت على الأصل من غير إبدال وهو المشهور في الرواية . وكذا القالي في ذيل أماليه بسنده قال : كان مجنون بني عامر في بعض مجالسه وكان يكثر الوحدة والتوحش فمر به أخوه وابن عمه قد قنصا ظبيةً فهي معهما فقال : البسيط ( يا أخوي اللذين اليوم قد أخذا ** شبهاً لليلى بحبلٍ ثم غلاها ) ( إني أرى اليوم في أعطاف شاتكما ** مشابها اشبهت ليلى فحلاها ) )
فامتنعا بها منه فهم بهما وكان جلداً قبل ما أصيب به فخافاه فدفعاها إليه فأرسلها فولت تفر ثم أقبلت تنظر إليه فقال : الطويل ( أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني ** لك اليوم من وحشيةٍ لصديق ) ( تفر وقد أطلقتها من وثاقها ** فأنت لليلى إن شكرت طليق ) ( فعيناك عيناها وجيدك جيدها ** ولكن عظم الساق منك دقيق ) انتهى . ( أرى فيك من خرقاء يا ظبية اللوى ** مشابه جنبت اعتلاق الحبائل
____________________

) ( فعيناك عيناها ولونك لونها ** وجيدك إلا أنها غير عاطل ) وتقدمت ترجمة المجنون في الشاهد التسعين بعد المائتين .
وهذا آخر الكلام على شرح الشواهد الغزيرة الفوائد والناظم للنكت الفرائد والحاوي للطارف والتالد والجامع بين الشوارد والأوابد والحمد لله من البدء إلى الختام على توفيق هذا النظام والتيسير إلى الإتمام والبلوغ إلى المرام .
وأفضل الصلاة والسلام على محمدٍ خير الأنام وأفضل الرسل الكرام وآله السادة الأعلام وصحبه قادة الإسلام على تعاقب الليالي والأيام وترادف الشهور والأعوام .
وكان ابتداء التأليف بمصر المحروسة في غرة شعبان من سنة ثلاث وسبعين وألف وانتهاؤه في ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من سنة تسع وسبعين فيكون مدة التأليف ست سنين مع ما تخلل في أثنائها من العطلة بالرحلة فإني لما وصلت إلى شرح الشاهد التاسع والستين بعد الستمائة سافرت إلى قسطنطينة في الثامن عشر من ذي القعدة من سنة سبع وسبعين ولم يتفق لي أن أشرح شيئاً إلى أن دخلت مصر المحروسة وفي اليوم السابع من ربيع الأول من العام القابل ثم شرعت في ربيع الآخر وقد يسر الله التمام وحسن الختام .
فله الحمد والمنة وأسأله أن ينفع به وأن يختم عملي بكل خير ويدرأ عني كل ضير وأن يفعل كذلك بجميع أحبائي وسائر أودائي إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير .
وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير .
قاله بفمه وزبرة بقلمه مؤلفه الفقير إلى الله في جميع أحواله :

عبد القادر بن عمر البغدادي لطف الله به وبأسلافه وأولاده وأحبائه وجميع المسلمين . آمين .

===============

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مذكرة مختصرة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى

  مذكرة مختصرة في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى مستنبطة من كتاب المختصر من الممتع   أعدها / العبد الفقير إلى رحمة...